الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام27%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65561 / تحميل: 6430
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ودخل عدي بن حاتم بعد مقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام على معاوية ، فسأله معاوية عما أبقى الدهر من حب علي. قال عدي : كله. وإذا ذكر ازداد.

قال معاوية : ما أريد بذلك إلا إخلاق ذكره.

فقال عدي : « قلوبنا ليست بيدك يامعاوية »(١) .

واجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة ، والمغيرة ، وغيرهم ، فقالوا له : « إن الحسن قد أحيا أباه وذكره ، وقال فصدِّق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ماهو أعظم ثم طلبوا منه إحضاره للحط منه الخ »(٢) . والشواهد على ذلك كثيرة

وقد بدأت بوادر نجاح هذه السياسة تجاه أهل البيت تظهر في وقت مبكر ، ويكفي أن نشير إلى ما تقدم من أن عمر يسأل عمن يقول الناس : إنه يتولى الأمر بعده ، فلا يسمع ذكراً لعليعليه‌السلام .

هـ : عقائد جاهلية وغريبة :

ثم يأتي دور الاستفادة من بعض العقائد الجاهلية ، أو العقائد الموجودة لدى أهل الكتاب ، وذلك من أجل تكريس الحكم لصالح أولئك المستأثرين ، والقضاء على مختلف عوامل ومصادر المناوأة والمنازعة لهم. هذه العقائد التي قاومها الأئمة بكل ما لديهم من قوة وحول

__________________

١ ـ الفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ١٣٤.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٢٨٥ والاحتجاج ج ١ ص ٤٠٢ والبحار ج ٤٤ ص ٧٠ والغدير ج ٢ ص ١٣٣ عن المعتزلي وعن المفاخرات للزبير بن بكار ، وعن جمهرة الخطب ج ٢ ص ١٢. ونقل عن شرح النهج للآملي ج ١٨ ص ٢٨٨ وعن أعيان الشيعة ج ٤ ص ٦٧.

٨١

ونذكر من هذه العقائد على سبيل المثال :

تركيز الاعتقاد بلزوم الخضوع للحاكم ، مهما كان ظالماً ومتجبراً وعاتباً ـ وهي عقيدة مأخوذة من النصارى ، حسب نص الإنجيل(١) ـ وقد وضعوا الأحاديث الكثيرة على لسان النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لتأييد ما يرمون إليه في هذا المجال(٢) وقد أصبح ذلك من عقائدهم(٣) .

ومن قبيل الإصرار على عقيدة الجبر ، التي هي من بقايا عقائد المشركين ، وأهل الكتاب(٤) . الأمر الذي يعني : أن كل تحرك ضد حكام الجور لا يجدي

__________________

١ ـ راجع رسالة بولس إلى أهل رومية ، وراجع الهدى إلى دين المصطفى ج ٢ ص ٣١٦.

٢ ـ راجع : سنن البيهقي ج ٨ ص ١٥٧ و ١٥٩ و ١٦٤ و ج ٤ ص ١١٥ و ج ٦ ص ٣١٠. وصحيح مسلم ج ٦ ص ١٧ و ٢٠ ج ٢ ص ١١٩ و ١٢٢ وكنز العمال ج ٥ ص ٤٦٥ و ج ٣ ص ١٦٨ و ١٦٧ و ١٧٠ والعقد الفريد ج ١ ص ٨ و ٩ والمصنف لعبد الرزاق ج ١١ ص ٣٢٩ ـ ٣٣٥ و ٣٣٩ ـ ٣٤٤ ولباب الآداب ص ٢٦٠ والدر المثور ج ٢ ص ١٧٧ و١٧٨ و ١٧٦ ومقدمة ابن خلدون ص ١٩٤ والإسرائيليات في التفسير والحديث ، ونظرية الإمامة ص ٤١٧ وقبلها وبعدها ، وتاريخ بغداد ج ٥ ص ٢٧٤ وطبقات الحنابلة ج ٣ ص ٥٨ و ص ٥٦ ، والإبانة للأشعري ص ٩ ومقالات الإسلاميين ج ١ ص ٣٢٣ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٨ و ج ٤ ص ٣٨٢ / ٣٨٣ البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٤٩ و ٢٢٦ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٢٩ و ٢٢٤ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٦٨ و ٦٩ و ٧٢ و ج ١ ص ١٢ والإصابة ج ٢ ص ٢٩٦ والكنى والألقاب ج ١ ص ١٦٧ والاذكياء ص ١٤٢ و الغدير ج ٧ ص ١٣٦ حتى ص ١٤٦ و ج ٦ ص ١١٧ و ١٢٨ و ج ٩ ص ٣٩٣ و ج ١٠ ص ٤٦ و ٣٠٢ و ج ٨ ص ٢٥٦ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٥١٣ و ٢٩٠ والسنة قبل التدوين ص ٤٦٧ ونهاية الإرب ج ٦ ص ١٢ و ١٣ ولسان الميزان ج ٣ ص ٣٨٧ و ج ٦ ص ٢٢٦ عن أبي الدرداء رفعه : « صلوا خلف كل إمام ، وقاتلوا مع كل أمير » وراجع : المجروحون لابن حبان ج ٢ ص ١٠٢.

٣ ـ راجع كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا (ع) ص ٣١٢ متناً وهامشاً.

٤ ـ راجع : الكفاية في علم الرواية للخطيب ص ١٦٦ وجامع بيان العلم ج ٢ ص ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٠ وضحى الإسلام ج ٣ ص ٨١ زشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١ ص ٣٤٠ و ج ١٢ ص ٧٨ / ٧٩ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٣٦ ، والإمامة والسياسة ج ١ ص ١٨٣ والغدير ج ٩ ص ٣٤ و ٩٥ و ١٩٢ و ج ٥ ص ٣٦٥ و ج ١٠ ص ٣٣٣ و ٢٤٥ و ٢٤٩ و ج ٧ ص ١٤٧ و ١٥٤ و ١٥٨ و ج ٨ ص١٣٢ والإخبار الدخيلة ( المستدرك )

=

٨٢

ولا ينفع ، ما دام الإنسان مجبراً على كل حركة ، ومسيراً في كل موقف

ثم هناك عقيدة : أنه لا تضر مع الإيمان معصية. وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ، وإن أعلن الكفر

قالوا : « الإيمان عقد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية ، وعبد الأوثان ، أو لزم اليهودية ، أو النصرانية في دار الإسلام ، وعبد الصليب ، وأعلن

__________________

=

ج ١ ص ١٩٣ و ١٩٧ ومقارنة الإديان ( اليهودية ) ص ٢٧١ و ٢٤٩ وأنيس الأعلام ج ١ ص ٢٧٩ و ٢٥٧ والتوحيد وإثبات صفات الرب ص ٨٢ و ٨٠ و ٨١ ومقدمة ابن خلدون ص ١٤٣ و ١٤٤ والإغاني ج ٣ ص ٧٦ ، وتأويل مختلف الحديث ص ٣٥ والعقد الفريد ج ١ ص ٢٠٦ و ج ٢ ص ١١٢ وتاريخ الطبري ط الاستقامة ج ٢ ص ٤٤٥ وبحوث مع أهل السنة والسلفية من ص ٤٣ حتى ٤٩ عن العديد من المصادر ، والمغزي للواقدي ص ٩٠٤ وربيع الأبرار ج ١ ص ٨٢١ والموطأ ج ٣ ص ٩٢ و ٩٣ وطبقات ابن سعد ج ٧ ص ٤١٧ و ج ٥ ص ١٤٨ وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج ٢ ص ٢٦٥ و ٨٣ /٨٤ ومصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ٦٧ ومناقب الشافعي ج ١ ص ١٧ والبخاري ج ٨ ص ٢٠٨ وفي خطط المقريزي ج ٣ ص ٢٩٧ : إن جهماً انفرد بالقول بجواز الخروج عل السلطان الجائر وحياة الصحابة ج ٢ ص ١٢ و ٩٥ و ٩٤ و ٣٣٠ و ج ٣ ص ٢٢٩ و ٤٨٧ و ٤٩٢ و ٥٠١ و ٥٢٩ عن المصادر التالية : كنز العمال ج ٣ ص ١٣٨ / ١٣٩ و ج ٨ ص ٢٠٨ و ج ١ ص ٨٦. وصحيح مسلم ج ٢ ص ٨٦ وأبي داود ج ٢ ص ١٦ والترمذي ج ١ ص ٢٠٢ وابن ماجة ج ١ ص ٢٠٩ وسنن البيهقي ج ٩ ص ٥٠ و ج ٦ ص ٣٤٩ ومسند أحمد ج ٥ ص ٢٤٥ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٣ و ج ١ ص ١٣٥ والطبري في تاريخه مقتل برير و ج ٤ ص ١٢٤ و ج ٣ ص ٢٨١ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٧٩. انتهى.

والمعتزلة ص ٧ و ٨٧ و ٣٩ / ٤٠ و ٩١ و ٢٠١ و ٢٦٥ عن المصادر التالية : المنية والأمل ص ١٢ وعن الخطط ج ٤ ص ١٨١ / ١٨٢ و ١٨٦ والملل والنحل ج ١ ص ٩٧ / ٩٨ والعقائد النسفية ص ٨٥ ووفيات الأعيان ص ٤٩٤ والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ٣ ص ٤٥ عن الطبري ج ٦ ص ٣٣ و ج ٣ ص ٢٠٧ وعن الترمذي ص ٥٠٨ في رسالة عمر بن عبد العزيز

والتصريح بذلك في الكتب الكلامية ، وكتب فرق أهل السنة ، لا يكاد يحصى كثرة. وكنت قد جمعت فيما مضى قسماً كبيراً من كلمات التوراة وغيرها حول هذا الموضوع ، أسأل الله التوفيق لإتمامه.

٨٣

التثليث ، في دار الإسلام ، ومات على ذلك »(١) .

وهذه العقيدة ، وإن كانت هي عقيدة المرجئة ، إلا أنها كانت عامة في الناس آنئذٍ ، حيث لم يكن المذهب العقائدي لأهل السنة قد غلب وشاع بعد.

ومعنى هذا هو أن الحكام مؤمنون مهما ارتكبوا من جرائم وعظائم.

بل إنهم ليقولون : إن يزيد بن عبد الملك أراد أن بسيرة عمر عمر بن عبد العزيز ، فشهد له أربعون شيخاً : أن ليس على الخليفة حساب ولا عذاب(٢) .

وحينما دعا الوليد الحجاج ليشرب النبيذ معه ، قال له : « يا أمير المؤمنين ، الحلال ما حللت »(٣) .

بل إننا لنجد الحجاج نفسه يدَّعي نزول الوحي عليه ، وأنه لا يعمل إلا بوحي من الله تعالى(٤) كما يدعي نزول الوحي على الخليفة أيضاً(٥)

و : قدسية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

هذا كله فضلاً عن سياستهم القاضية بتقليص نسبة الاحترام والتقديس للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتفضيل الخليفة عليه بل وسلب معنى العصنة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى لقد قالت قريش ـ في حياة الرسول ـ في محاولة منها لمنع عبد الله بن عمرو بن العاص من كتابه أقوالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه بشر يرضى

__________________

١ ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل ج ٤ ص ٢٠٤.

٢ ـ البداية والنهاية ج ٩ ص ٢٣٢ وراجع : تاريخ الخلفاء ص ٢٤٦ وراجع ص ٢٢٣.

٣ ـ تهذيب تاريخ دمشق ج ٤ ص ٧٠.

٤ ـ تهذيب تاريخ دمشق ج ٤ ص ٧٣ وراجع الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ١ ص ١١٥.

٥ ـ تهذيب تاريخ دمشق ج ٤ ص ٧٢.

٨٤

ويغضب(١)

بل لقد حاولوا المنع من التسمية باسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نجحوا في ذلك بعض الشيء(٢)

كما أن معاوية يتأسف ، لأنه يرى : أن اسم النبي المبارك يذكر في الاذان ويُقْسِم على دفن هذا الاسم(٣)

إلى غير ذلك من الوقائع الكثير جداً وقد ذكرنا شطراً منها في تمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أراده فليراجعه.

ولعل ذلك قد كان يهدف إلى فسح المجال للمخالفات ، التي كان يمكن أن تصدر عن الحكام ، والتقليل من شأن وأثر وأهمية ما كان يصدر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أقوال ومواقف سلبية تجاه بعض أركان الهيئة الحاكمة ، أو من تؤهلهم لتولي الأمور الجليلة في المستقبل ، ثم التقليل من شأن مواقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإيجابية تجاه خصوم الهيئة الحاكمة ، أو من ترى فيهم منافسين لها.

ز : تولية المفضول :

ويدخل أيضاً في خيوط هذه السياسة : القول بجواز تولية المفضول مع

__________________

١ ـ راجع : سنن الدرامي ج ١ ص ١٢٥ وجامع بيان العلم ج ١ ص ٨٥ وليراجع ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ١٠٤ / ١٠٥ وتلخيصه للذهبي بهامشه وليراجع أيضاً سنن أبي داود ج ٣ /٣١٨ والزهد والرقائق ص ٣١٥ والغدير ج ١١ ص ٩١ و ج ٦ ص ٣٠٨ و ٣٠٩ والمصنف لعبد الرزاق ج ٧ ص ٣٤ و ٣٥ و ج ١١ ص ٢٣٧ وإحياء علوم الدين ج ٣ ص ١٧١ وتمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى عليه وآله وسلم وغير ذلك كثير.

٢ ـ الغدير ج ٦ ص ٣٠٩ عن عمدة القاري ج ٧ ص ١٤٣ والجزء الأول من كتابنا : الصحيح في سيرة النبي (ص).

٣ ـ الموفقيات ص ٥٧٧ ومروج الذهب ج ٣ ص ٤٥٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ٥ ص ١٢٩ و ١٣٠ وقاموس الرجال ج ٩ ص ٢٠.

٨٥

وجود الفضل ، كما هو رأي أبي بكر(١) الذي صار أيضاً رأي المعتزلة فيما بعد وذلك عندما فشلت محاولاتهم التي ترمي لرفع شأن الخلفاء ، الذين ابتزوا علياً حقه في أن فشلت محاولاتهم في الحط من عليّ(٢) ، ووضع الأحاديث الباطلة في ذمه والعمل على جعل الناس ينسون فضائله وكراماته حيث لم يجدهم كل ما وضعوه واختلقوه في هذا السبيل شيئاً ولا أفاد قتيلاً

ح : سياسة التجهيل :

وهناك سياسة التجهيل التي كانت تتعرض لها الأمة من قبل الحكام ، ولا سيما أهل الشام ويكفي أن نذكر : أن البعض « قال لرجل من أهل الشام ـ من زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم ـ : من أبو تراب هذا الذي يلعنه الأمام على المنبر؟! فقال : أراه لصاً من لصوص الفتن »(٣) !!

وفي صفين يسأل هاشم المرقال بعض مقاتلي أهل الشام : عن السبب الذي دعاه للمشاركة في تلك الحرب ، فيعلل ذلك بأنهم أخبروه : أن علياًعليه‌السلام لايصلي(٤) .

__________________

١ ـ الغدير ج ٧ ص ١٣١ عن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٨٦. ونقل أيضاً عن الباقلاني في التمهيد ص ١٩٥ إشارة إلى ذلك..

٢ ـ راجع على سبيل المثال : الأغاني ط ساسي ج ١٩ ص ٥٩.

٣ ـ مروج الذهب ج ٣ ص ٣٨.

٤ ـ تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠ والكامل لابن الأثير ج ٣ ص ٣١٣ والفتوح لابن اعثم ج ٣ ص ١٩٦ وصفين ليصر بن مزاحم ص ٣٥٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ٨ ص ٣٦ والغدير ج ١٠ ص ١٢٢ و ٢٩٠ عن أكثر من تقدم. وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ١٨٤ وترجمة الإمام عليعليه‌السلام لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ٣ ص ٩٩ ونقله المحمودي عن ابن عساكر ج ٣٨ حديث رقم ١١٣٩. وراجع : المعيار والموازنة ص ١٦٠.

٨٦

وبلغ معاوية : أن قوماً من أهل الشام يجالسون الأشتر وأصحابه ، فكتب إلى عثمان : « إنك بعثت إلي قوماً أفسدوا مصرهم وانغلوه ، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قِبَلي ، ويعلموهم ما لا يحسنونه ، حتى تعود سلامتهم غائلة »(١) .

قال ابن الاسكافي : « فبلغ من عنايتهم في هذا الباب : أن أخذوا معلميهم بتعليم الصبيان في الكتاتيب، لينشئوا عليه صغيرهم ، ولا يخرج من قلب كبيرهم. وجعلوا لذلك رسالة يتدارسونها بينهم. ويكتب لهم مبتدأ الأئمة : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، ومعاوية بن أبي سفيان. حتى ان أكثر العامة منهم ما يعرف علي بن أبي طالب ولا نسبه ، ولا يجري على لسان أحد منهم ذكره.

ومما يؤكد هذا ما يؤثر عن محمد بن الحنفية يوم الجمل ، قال : حملت على رجل فلما غشيته برمحي قال : أنا على دين عمر بن أبي طالب وقال : فعلمت أنه يريد علياً فأمسكت عنه(٢) .

وجاء حمصي إلى عثمان بنصيحة ، وهي : « لا تكل المؤمن إلى إيمانه ، حتىتعطيه من المال ما يصلحه. أو قال : ما يعيشه ـ ولا تكل ذا الأمانة إلى أمانته حتى تطالعه في عملك ، ولا ترسل السقيم إلى البرئ ليبرئه ، فإن الله يبرئ السقيم ، وقد يسقم البرئ. قال : ما أردت إلا الخير ـ قال : فردهم ، وهم زيد بن صوحان ، وأصحابه »(٣) .

وقدمنا : أنه قد حلف للسفاح جماعة من قواد أهل الشام ، وأهل الرياسة والنعم فيها : أنهم ما كانوا يعرفون أهل البيت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرثونه غير بني أمية

__________________

١ ـ أنساب الأشراف ج ٥ ص ٤٣ ، والغدير ج ٩ ص ٣٢. وليراجع البداية والنهاية ج ٧ ص ١٦٥.

٢ ـ المعيار والموازنة ص ١٩.

٣ ـ المصنف ج ١١ص ٣٣٤.

٨٧

بل إن أهل الشام يقبلون من معاوية أن يصلي بهم ـ حين مسيرهم إلى صفين ـ صلاة الجمعة في يوم الأربعاء ، كما قيل(١) .

وفي وصية معاوية ليزيد : « وانظر أهل الشام ، وليكونوا بطانتك ، فإن رابك شيء فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم : فاردد أهل الشام إلى بلادهم ، فإنهم إن أقاموا بها تغيرت أخلاقهم »(٢) .

وحينما وقف أبو ذر في وجه طغيان معاوية ، وأثرته ، وانحرافاته ، في الشام ، قال حبيب بن مسلمة لمعاوية : « إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام ، فتدارك أهله ، إن كان لك فيه حاجة(٣) .

وحسب نص آخر : « إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله : كيت وكيت. فكتب معاوية إلى عثمان بذلك. فكتب عثمان : أخرجه إلي. فلما صار إلى المدينة ، نفاه إلى الربذة »(٤) .

وحينما جاء المصريون إلى المدينة يسألون عمر عن سبب عدم العمل ببعض الأحكام القرآنية ، أجابهم بقوله : « ثكلت عمر أمُّه ، أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ، وقد علم ربنا : أن سيكون لنا سيئات؟ ، وتلا :( إن تجتنبوا كبائِر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ، وندخلكم مدخلاً كريماً ) هل علم أهل المدينة فيما قدمتم؟! قالوا : لا. قال لو علموا لوعظت بكم ».

قال لهم هذا بعد أن أخذ منهم اعترافاً بأنهم لم يحصوا القرآن لا بالبصر ، ولا في اللفظ ، ولا في الأثر(٥) .

وبعد كلام جرى بين معاوية ، وعكرشة بنت الأطرش بن رواحة ، قال لها

__________________

١ ـ مروج الذهب ج ٣ ص ٣٢ والغدير ج ١٠ ص ١٩٦ عنه.

٢ ـ الفخري في الآداب السلطانية ص ١١٢ والعقد الفريد ج ٣ ص ٣٧٣ مع تفاوت يسير.

٣ ـ الغدير ج ٨ ص ٣٠٤ عن ابن أبي الحديد.

٤ ـ الأمالي للشيخ المفيد ص ١٢٢.

٥ ـ حياة الصحابة ج ٣ ص ٢٦٠ عن كنز العمال ج ١ ص ٢٢٨ عن ابن جرير.

٨٨

معاوية : « هيهات يا أهل العراق ، نبهكم علي بن أبي طالب ، فلن تطاقوا ، ثم أمر برد صدقاتهم فيهم ، وإنصافها »(١) .

والعجيب في الأمر هنا : أننا نجد عمر بن الخطاب يصر على الهمدانيين ـ إصراراً عجيباً ـ أن لا يذهبوا إلى الشام ، وإنما إلى العراق(٢) !!

ونظير ذلك أيضاً قد جرى لقبيلة بجيلة ، فراجع(٣) .

وقال عبد الملك بن مروان لولده سليمان ، حينما أخبره : أنه أراد أن يكتب سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومغازيه ، ورأى ما للأنصارمن المقام المحمود في العقبتين ، قال له : « وما حاجتك أن تُقدِم بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟! » ، فأخبره بتخريقه ما كان نسخه فصوب رأيه(٤) .

وحينما طلب البعض من معاوية : أن يكف عن لعن عليعليه‌السلام ، قال : « لا والله ، حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر ذاكر له فضلاً »(٥) .

وحينما أرسل عليعليه‌السلام إلى معاوية كتاباً فيه :

محمـد النبـي أخـي وصهـري

وحمـزة سيـد الشهـداء عمّـي

الأبيات

__________________

١ ـ العقد الفريد ج ٢ ص ١١٢ وبلاغات النساء ص ١٠٤ ط دار النهضة وليراجع صبح الأعشى أيضاً.

٢ ـ المصنف لعبد الرزاق ج ١١ ص ٥٠.

٣ ـ راجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٤٤١.

٤ ـ أخبار الموفقيات ص ٣٣٢ ـ ٣٣٤ وليراجع الأغاني ط ساسي ج ١٩ ص ٥٩ في قضية أخرى.

٥ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٥٧ والإمام الحسن بن عليعليه‌السلام لآل يس ص١٢٥ ، والنصائح الكافية ص ٧٢.

٨٩

« قال معاوية : أخفوا هذا الكتاب ، لا يقرأه أهل الشام : فيميلون إلى علي بن أبي طالب »(١) .

وليراجع كلام المدائني في هذا المجال ، فإنه مهم أيضاً(٢) .

عليُّ عليه‌السلام يبثّ العلم والإيمان :

ولكن أمير المؤمنينعليه‌السلام قد حاول بكل ما أوتي من قوة وحول : أن يبث المعارف الإسلامية في الناس ، وينقذهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، حتى لقد قال ـ كما سيأتي ـ : « وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على معالم الحلال والحرام ». هذاً فضلاً عن التوعية السياسية ، التي كان هو ووُلْدُه الأماجد يتمون في بثها وتركيزها.

ط : موقفهم من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ثم هناك التدبير الذكي والدقيق ، الذي كان من شأنه أن يحرم الأمة من الإطلاع على كثير من توجيهات ، وأقوال ، وقرارات ، ومواقف الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، المتمثلة في المنع عن رواية الحديث النبوي مطلقاً ، أو ببينة ، والضرب ، ثم الحبس ، بل والتهديد بالقتل على ذلك.

المنع عن كتابته والاحتفاظ به ،

ثم إحراق ما كتبه الصحابة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

__________________

١ ـ البداية والنهاية ج ٨ ص ٨ و٩.

٢ ـ النصائح الكافية ص ٧٢ / ٧٣ /٧٤.

٣ ـ راجع في ذلك كله وحول كل ما يشير إلى التحديد والتقليل في رواية الحديث : المصادر التالية : جامع بيان العلم ج ١ ص ٤٢ و ٦٥ و ٧٧ و ج ٢ ص ١٧٣ و ١٧٤ و ١٣٥ و ٢٠٣ و ١٤٧ و ١٥٩ و ١٤١ و ١٤٨ والمصنف لعبد الرزاق ج ١١ ص ٢٥٨ و ٢٦٢ و ٣٢٥ و ٣٧٧ و ج ١٠ ص ٣٨١ وهوامش الصفحات عن مصادر كثيرة ، والسنة

٩٠

..................................................................................

____________

=

قبل التدوين ص ٩٧ / ٩٨ و ٩١ و ١٠٣ و ١١٣ و ٩٢ و ١٠٤ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٥ و ٧ و ٦ و ٨ و ٣ / ٤ وشرف أصحاب الحديث ص ٨٨ و ٨٩ و ٩١ و ٩٢ و ٨٧ و ٩٣ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٣ وكنز العمال ج ٥ ص ٤٠٦ عن التيهقي و ج ١٠ ص ١٧٩ و ١٧٤ و ١٨٠ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٤٩ وتأويل مختلف الحديث ص ٤٨ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٤٨ و ٤٢٧ حتى ٤٣٢ وطبقات ابن سعد ج ٦ ص ٢ و ج ٤ قسم ١ ص ١٣ ـ ١٤ و ج ٣ قسم ١ ص ٣٠٦ و ج ٥ ص ١٤٠ و ٧٠ و ١٧٣ ، و ج ٢ قسم ٢ ص ٢٧٤ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٦١ وأضواء على السنة المحمدية ص ٤٧ و٥٤ و ٥٥ ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ ص ٦٤ و ٦١ وكشف الأستار عن مسند البزار ج ٢ ص ١٩٦ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٢ و ٥٦٩ و ٥٧٠ و ج ٣ ص ٢٥٧ و ٢٥٨ و ٢٥٩ و ٢٧٢ و ٢٧٣ و ٢٥٢ و ٦٣٠ عن مصادر عديدة ، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٠٦ و ١٠٧ وتقييد العلم ص ٥٠ و ٥١ و ٥٢ و ٥٣ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ١٠٢ و ١١٠ وتاريخ الخلفاء ص ١٣٨ عن السلفي في الطيورات بسند صحيح ، ومسكل الآثار ج ١ ص ٤٩٩ حتى ٥٠١ ومسند أحمد ص ١٥٧ و ج ٤ ص ٣٧٠ و ٩٩ و ج ٣ ص ١٩ والدر المنثور ج ٤ ص ١٥٩ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٤٨٨ و ٤٨٣ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٦ ص ١١٤ وحلية الأولياء ج ١ ص ١٦٠ ومآثر الإناقة. وراجع أيضاً : تاريخ الخلفاء ص ١٣٨ والمجروحون ج ١ ص ٣٥ / ٣٦.

ونقل أيضاً في الغدير ج ٦ ص ٢٩٤ حتى ٣٠٢ و ٢٦٥ و ٢٦٣ و ١٥٨ و ج ١٠ ص ٣٥١ و ٣٥٢ عن المصادر التالية : الكامل لابن الاثير ج ٢ ص ٢٢٧ وابن الشحنة بهامشه ج ٧ ص ١٧٦ وفتوح البلدان ص ٥٣ وصحيح البخاري ط الهند ج ٣ ص ٨٣٧ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٣٤٠ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٢٣٤ كتاب الأدب انتهى.

ونقله في النص والاجتهاد ص ١٥١ عن المصادر التالية : كنز العمال ج ٥ ص ٢٣٩ رقم ٤٨٤٥ و ٤٨٦٠ و ٤٨٦٥ و ٤٨٦١ و ٤٨٦٢ والأم للشافعي ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ١٢٠ والمعتصر من المختصر ج ١ ص ٤٥٩ وابن كثير في مسند الصديق وصفين ص ٢٤٨ والتاج المكلل ص ٢٦٥ وشرح صحيح مسلم للنووي ج ٧ ص ١٢٧.

ونقل أيضاً عن المصادر التالية : قبول الأخبار للبلخي ص ٢٩ ، والمحدث الفاصل ص ١٣٣ والبخاري بحاشية السندي ج ٤ ص ٨٨ وصحيح مسلم ج ٣ ص ١٣١١ و ١٦٩٤ والموطأ ج ٢ ص ٩٦٤ ورسالة الشافعي ص ٤٣٥ ومختصر جامع بيان العلم

٩١

ي ـ تشجيع القصاصين ورواية الإسرائيليات :

مع تشجيعهم للقصاصين ، ولرواية الإسرائيليات.

وقد وضعوا الأحاديث المؤيدة لذلك(١) .

ثم السماح بالرواية لأشخاص معينين ، دون من عداهم(٢) حتى إن أبا

__________________

=

ص ٣٢ و ٣٣. وثمة مصادر أخرى لامجال لتتبعها..

١ ـ راجع فيما تقدم حول رواية الاسرائيليات وتشجيع القصاصين ، المصادر التالية : التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٢٤ حتى ٢٢٧ و ٢٣٨ و ٣٣٨ و ٣٤٥ و ٣٢٥ و ٣٢٦ و ٣٢٧ وأضواء على السنة المحمدية ص ١٢٤. حتى ١٢٦ و ١٤٥ حتى ١٩٢ وشرف أصحاب الحديث ص ١٤ و ١٥ و ١٦ و ١٧ وفجر الإسلام ص ١٥٨ حتى ١٦٢ وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٣٤ حتى ٣٧ والزهد والرقائق ص ١٧ و ٥٠٨ وتقييد العلم ص ٣٤ وفي هامشه عن حسن التنبيه ص ١٩٢ وعن مسند أحمد ج ٣ ص ١٢ و ١٣ و ٥٦. وراجع أيضاً : جامع بيان العلم ج ٢ ص ٥٠ و ٥٣ ، ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٥٠ و١٥١ و ١٩١ و ١٩٢ و ١٨٩ والمصنف لعبد الرزاق ج ٦ ص ١٠٩ و ١١٠ وهوامشه ومشكل الآثار ج ١ ص ٤٠ و ٤١ والبداية والنهاية ج ١ ص ٦ و ج ٢ ص ١٣٢ و ١٣٤ وكشف الأستار ج ١ ص ١٢٠ و ١٢٢ و ١٠٨ و ١٠٩ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٢٨٦.

٢ ـ راجع : الصحيح من سيرة النبي ج ١ ص ٢٦.

بل لم يسمحوا بالفتوى إلا للأمراء ، راجع : جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٧٥ ٢٠٣ وراجع ص ١٩٤ و ١٧٤ ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ ص ٦٢ وسنن الدرامي ج ١ ص ٦١ والتراتيب اللإدارية ج ٢ ص ٣٦٧ و ٣٦٨ وطبقات ابن سعد ج ٦ ص ١٧٩ ط ليدن و ٢٥٨ ط صادر وكنز العمال ج ١٠ ص ١٨٥ عن غير واحد وعن الدينوري في المجالسة ، وعن ابن عساكر. والمصنف لعبد الرزاق ج ٨ ص ٣٠١ وفي هامشه عن أخبار القضاة لوكيع ج ١ ص ٨٣.

بل إن عثمان يتوعد رجلاً بالقتل ، إن كان قد استفتى أحداً غيره ، راجع تهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٥٤ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٩٠ / ٣٩١ عنه

٩٢

موسى ليمسك عن الحديث ، حتى يعلم ما أحدثه عمر(١) .

أضف إلى ذلك كله : حبسهم لكبار الصحابة بالمدينة ، وعدم توليتهم الأعمال الجليلة ، خوفاً من نشر الحديث ، ومن استقلالهم بالأمر(٢) : وذلك بعد أن قرروا عدم السماح بالفتوى إلا للأمراء كما أوضحناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ك : لا خير في الإمارة لمؤمن :

وإذا كان الأمراء هم الذين ينفذون هذه السياسات ، وقد يتردد المؤمنون منهم في تنفيذها على النحو الأفضل والأكمل ، فقد اتجه العلم نحو الفجار ليكونوا هم أعوانه وأركانه.

وقد رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن(٣) .

__________________

١ ـ مسند أحمد ج ٤ ص ٣٩٣ وفي ص ٣٧٢ يمتنع أنس عن الحديث.

٢ ـ راجع : تاريخ الطبري حوادث سنة ٣٥ ج ٣ ص ٤٢٦ ومروج الذهب ج ٢ ص ٣٢١ و ٣٢٢ وراجع مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٠ و ج ١ ص ١١٠ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٨٠ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٢٠ ص ٢٠ وسيرة الأئمة الإثني عشر ج ١ ص ٣١٧ و ٣٣٤ و ٣٦٥ وراجع : التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التفسير ص ٢٠٨ و ٢٠٩ والفتنة الكبرى ص ١٧ و ٤٦ و ٧٧ وشرف أصحاب الحديث ص ٨٧ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٤٩ وطبقات ابن سعد ج ٤ ص ١٣٥ و ج ٢ قسم ٢ ص ١٠٠ و ١١٢ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤٠ و ٤١ و ج ٣ ص ٢٧٢ و ٢٧٣ عن الطبري ج ٥ ص ١٣٤ وعن كنز العمال ج ٧ ص ١٣٩ و ج ٥ ص ٢٣٩.

وفي هذا الأخير عن ابن عساكر : أن عمر بن الخطاب جمع الصحابة من الآفاق ووبخهم على إفشائهم الحديث.

٣ ـ البداية والنهاية ج ٥ ص ٨٣ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٠٤ عن الطبراني. وحياة الصحابة ج ١ ص ١٩٨ / ١٩٩ عنهما وعن كنز العمال ج ٧ ص ٣٨ وعن البغوي وابن

=

٩٣

وقد قال حذيفة لعمر : إنك تستعين بالرجل الفاجر. فقال : إني أستعمله لأستعين بقوته ، ثم أكون على قفائه.

وذكر أيضاً : أن عمر قال غلبني أهل الكوفة ، استعمل عليهم المؤمن فيضعف ، واستعمل الفاجر ، فيفجر(١) .

ل : أينعت الثمار واخضرّ الجناب :

وبعد ذلك كله فقد تهيأت الفرصة لمن سمح لهم بالرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن بني إسرائيل ، لأن يمدّوا الأمة بما يريدون ، ويتوافق مع أهدافهم ومراميهم ، من أفكار ومعارف ، وأقوال ومواقف ، حقيقية ، أو مزيفة

ثم تحريف ، بل وطمس الكثير من الحقائق التي رأوا أنها لا تتناسب مع أهدافهم ، ولا تخدم مصالحهم.

بل لقد طمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة(٢) .

بل يذكرون : أنه لم يصل إلى الأمة سوى خمس مئة حديث في أصول

__________________

= عساكر وغيرهما.

١ ـ الفائق للزمخشري ج ٣ ص ٢١٥ و ج ٢ ص ٤٤٥ والنصائح الكافية ص ١٧٥ ولسان العرب ج ١٣ ص ٣٤٦ و ج ١١ ص ٤٥٢. والاشتقاق ص ١٧٩.

٢ ـ راجع الصحيح من سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج ١ ص ٢٧ ـ ٣٠ بالإضافة إلى : المصنف ج ٢ ص ٦٣و مسند أبي عوانة ج ٢ ص ١٠٥ والبحر الزخار ج ٢ ص ٢٥٤ وكشف الأستار عن مسند البزار ج ١ ص ٢٦٠ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٢٨ و ٤٢٩ و ٤٣٢ و ٤٤١ و ٤٤٤ والغدير ج ٨ ص ١٦٦ ، وراجع أيضاً مروج الذهب ٣ ص ٨٥ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٢.

٩٤

لأحكام ومثلها من أصول السنن(١) الأمر ، الذي يلقي ضلالاً ثقيلة من الشك والريب في عشرات بل مئات الألوف ، بل في الملايين(٢) من الأحاديث ، التي يذكرون : أنها كانت عند الحفاظ ، أو لاتزال محفوظة في بطون الكتب إلى الأن. ولأجل ذلك ، فإننا نجدهم يحكمون بالكذب والوضع على عشرات بل مئات الألوف منها(٣) .

وقد بلغ الجهل بالناس : أننا نجد جيشاً بكامله ، لايدري : أن من لم يُحْدِث ، فلا وضوء عليه ، « فأمر ( أبو موسى ) مناديه : ألا ، لا وضوء إلا على من أحدث. قال : أوشك العلم أن يذهب ويظهر الجهل ، حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل »(٤) .

بل لقد رأينا : أنه : « قد أطبقت الصحابة إطباقاً واحداً على ترك كثير من النصوص ، لما رأوا المصلحة في ذلك »(٥) .

ويقول المعتزلي الشافعي عن عليعليه‌السلام : « وإنما قال أعداؤه : لا رأي له ؛ لأنه كان متقيداً بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين

__________________

١ ـ مناقب الشافعي ج ١ ص ٤١٩ وعن الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا ص ٢٤٣.

٢ ـ راجع على سبيل المثال : الكنى والألقاب ج ١ ص ٤١٤ ، ولسان الميزان ج ٣ ص ٤٠٥ وتذكرة الحفاظ ج ٢ ص ٦٤١ و ٤٣٠ و ٤٣٤ و ج ١ ص ٢٥٤ و ٢٧٦.

وهذا الكتاب مملوء بهذه الأرقام العالية ، فمن أراد فليراجعه.

والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٠٢ حتى ص ٢٠٨ و ٤٠٧ و ٤٠٨.

٣ ـ راجع لسان الميزان ج ٣ ص ٤٠٥ و ج ٥ ص ٢٢٨ والفوائد المجموعة ص ٢٤٦ و ٤٢٧ وتاريخ الخلفاء ص ٢٩٣ وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج ٣ ص ٩٦ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٥٧٢ و ٤٠٦ و ٥٠٩ و ٣١٦ و ٣٢١ و ١٢ و ١٧ و ١٠٨ و ١٤٨ والكفاية للخطيب ص ٣٦ و سائر الكتب التي تتحدث عن الموضوعات في الأخبار. وراجع : المجرمون لابن حبان ج ١ ص ١٥٦ و ١٨٥ و ١٥٥ و ١٤٢ و ٩٦ و ٦٣ و ٦٢ و ص ٦٥ حول وضع الحديث للملوك وراجع أيضاً ج ٢ ص ١٨٩ و ١٦٣ و ١٣٨ و ج ٣ ص ٣٩ و ٦٣.

٤ ـ حياة الصحابة ج ١ ص ٥٠٥ عن كنز العمال ج ٥ ص ١١٤ وعن معاني الآثار للطحاوي ج ١ ص ٢٧.

٥ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٨٣.

٩٥

تحريمه. وقد قالعليه‌السلام لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب. وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن. ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمنتع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب »(١) انتهى.

ولعل ما تقدم من موقف عمر من المصريين المعترضين يشير إلى ذلك أيضاً.

كما أن الفقهاء ، قد « رجح كثير منهم القياس على النص ، حتى استحالت الشريعة ، وصار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة »(٢) .

كما أن أبا أيوب الأنصاري لا يجرؤ على العمل بسنة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمن عمر ، لأن عمر كان يضرب من عمل بها(٣) .

ويصرح مالك بن أنس ، بالنسبة لغير أهل المدينة من المسلمين بـ : « أن غيرهم إنما العمل فيهم بأمر الملوك »(٤) .

وسيأتي المزيد مما يدل على إصرار الخلفاء ، وغير الخلفاء منهم ، على مخالفة أحكام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى من أمثال مروان بن الحكم ، والحجاج بن يوسف.

ماذا بعد أن تمهد السبيل :

وبعد هذا فإن الحكام والأمراء الذين مُنِحُوا ـ دون غيرهم ـ حق

__________________

١ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢٨.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٨٤.

٣ ـ المصنف ج ٢ ص ٤٣٣.

٤ ـ جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٩٤.

٩٦

الفتوى! ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قد أصبح بإمكانهم أن يفتوا بغير علم. بل أن يفتوا بما يعلمون مخالفته لما ورد عن سيد الخلق أجمعين ، محمد رسول الله صلى عليه وآله وسلم ، ما داموا قد أمنوا غائلة اعتراض من يعلمون الحق ، ولم يعد يخشى من انكشاف ذلك للملأ من غيرهم الأمر الذي ربما يؤدي ـ لو انكشف ـ إلى التقليل من شأنهم ، وإضعاف مراكزهم ، ويقلل ويحد من فعالية القرارات والأحكام التي يصدرونها.

كما أن ذلك قد هيأ الفرصة لكل أحد : أن يدعي ما يريد ، وضع له الحديث الذي يناسبه ، بأييداً ، أو نفياً وتفنيداً.

كما أنهم قد أمنوا غائلة ظهور كثير من الأقوال ، والأفعال ، والمواقف النبوية ، والوقائع الثابتة ، التي تم مركز وشخصية من يهتمون بالتنويه باسمه ، وإعلاء قدره وشأنه ، أو ترفع من شأن ومكانة الفريق الآخر : أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا سيما سيدهم وعظيمهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وكل من يمت إليه وإليهم بأية صلة أو رابطة ، أو له فيهم هوى ، أو نظرة إيجابية وواقعية ، انطلاقاً مما يملكه من فكر واع ، ووجدان حي.

أضف إلى ذلك كله : أن سياستهم هذه تجاه الحديث ، وسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تنسجم مع رأي بعض الفرق اليهودية ، التي كان لأتباعها نفوذ كبير لدى الحكام آنئذ(١) .

ولسنا هنا في صدد شرح ذلك.

وعلي عليه‌السلام ماذا يقول :

هذا ولكننا نجد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشيعته ، والواعين من رجال هذه الأمة ، قد تصدوا لهذه الخطة بصلابة وحزم ، حتى لقد رفضعليه‌السلام في الشورى عرض الخلافة في مقابل اشتراط العمل بسنة الشيخين. وقد

__________________

١ ـ راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ج ١ ص ٢٦ / ٢٧ متناً وهامشاً.

٩٧

طردعليه‌السلام القصاصين من المساجد ، ورفع الحظر المفروض على رواية الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وقد رووا عنه : أنهعليه‌السلام قال : « قيدوا العلم ، قيدوا العلم » مرتين. ونحوه غيره(٢) .

كما أنهعليه‌السلام يقول :

« من يشتري منا علماً بدرهم؟ قال الحارث الأعور : فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم ، ثم جئت بها ».

وفي بعض النصوص : « فاشترى الحارث صحفاً بدرهم ، ثم جاء بها علياً ، فكتب له علماً كثيراً »(٣) .

وعن عليعليه‌السلام قال تزاوروا ، وتذاكروا الحديث ، ولا تتركوه يدرس(٤) .

وعنهعليه‌السلام : « إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك باطلاً كان وزره عليه »(٥) . ومثل ذلك كثير

__________________

١ ـ سرگذشت حديث ( فارسي ) هامش ص ٢٨ وراجع كنز العمال ج ١٠ ص ١٧١ و ١٧٢ و١٢٢.

٢ ـ تقييد العلم ص ٨٩ و ٩٠ وبهامشه قال : « وفي حض عليّ على الكتابة انظر : معادن الجوهر للأمين العاملي ١ : ٣ ».

٣ ـ التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٥٩ وطبقات ابن سعد ج ٦ ص ١١٦ ط ليدن و ص ٦٨ ط صادر وتاريخ بغداد ج ٨ ص ٣٥٧ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٥٦ وتقييد العلم ص ٩٠ وفي هامشه عمن تقدم وعن كتاب العلم لابن أبي خيثمة ١٠ والمحدث الفاصل ج ٤ ص ٣.

٤ ـ كنز العمال ج ١٠ ص ١٨٩.

٥ ـ كنز العمال ج ١٠ ص ١٢٩ ورمز له بـ ( ك ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ).

٩٨

عنهعليه‌السلام (١) .

والإمام الحسن عليه‌السلام أيضاً :

وفي مجال العمل على إفشال هذه الخطة تجاه العلم والحديث ، وكتابته ، وكسر الطوق المفروض ، نجد النص التاريخي يقول : « دعا الحسن بن علي بنيه ، وبني أخيه ، فقال : « يا بني ، وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه ، فليكتبه ، وليضعه في بيته »(٢) .

ثم روى الخطيب ما يقرب من ذلك عن الحسين بن عليعليه‌السلام ، ثم قال : « كذا قال : جمع الحسين بن علي. والصواب : الحسن ، كما ذكرناه أولاً ، والله أعلم »(٣) .

ولسنا هنا في صدد تفصيل ذلك ، ونسأل الله أن يوفقنا للتوفر على دراسة هذه الناحية في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.

مشرعون جدد ، أو أنبياء صغار :

وطبيعي بعد ذلك كله وبعد أن كانت السياسة تقضي بتقليص نسبة

__________________

١ ـ راجع على سبيل المثال كنز العمال ج ١٠ كتاب العلم

٢ ـ تقييد العلم ص ٩١ ونور الأبصار ص ١٢٢ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٥٣ وسنن الدرامي ج ١ ص ١٣٠ وجامع بيان العلم ج١ ص ٩٩ ، والعلل ومعرفة الرجال ج ١ ص ٤١٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٧ وفي هامش تقييد العلم عن بعض من تقدم ، وعن تاريخ بغداد ج ٦ ص ٣٩٩ ، ولم أجده ، وعن ربيع الأبرار ١٢ عن عليعليه‌السلام وراجع أيضاً التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٤٦ / ٢٤٧ عن ابن عساكر ، وعن البيهقي في المدخل.

٣ ـ تقييد العلم ص ٩١.

٩٩

الاحترام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعمل على علو نجم قوم ، ورفعة شأنهم ، وأقول نجم آخرين ، والحط منهم وبعد أن مست الحاجة إلى المزيد من الأحكام الإسلامية ، والتعاليم الدينية ـ كان من الطبيعي ـ أن تعتبر أقوال الصحابة ، ولا سيما الخليفتين الأول ، والثاني ـ سنة كسنة النبي ، بل وفوق سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ساعد الحكام أنفسهم ـ لمقاصد مختلفة ـ على هذا الامر. وكنموذج مما يدل على ذلك ، وعلى خطط الحكام في هذا المجال ، نشير إلى قول البعض : « أنا زميل محمد » بالإضافة إلى ما يلي :

١ ـ « قال الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية على قول البوصيري عن الصحابة : « كلهم في أحكامه ذو اجتهاد : أي صواب »(١) .

٢ ـ وقال الشافعي : « لا يكون لك أن تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل. والأصل كتاب ، أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو إجماع الناس »(٢) .

٣ ـ وقال البعض عن الشافعية : « والعجب! منهم من يستجيز مخالفة الشافعي لنص له آخر في مسألة بخلافه ، ثم لا يرون مخالفته لأجل نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٣) .

٤ ـ ويقول أبو زهرة بالنسبة لفتاوى الصحابة : « وجدنا مالكاً يأخذ بفتواهم على أنها من السنة ، ويوازن بينها وبين الأخبار المروية ، إن تعارض الخبر مع فتوى صحابي. وهذا ينسحب على كل حديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى ولو كان صحيحاً »(٤) .

ولا بأس بمراجعة كلمات الشوكاني في هذا المجال أيضاً(٥) .

__________________

١ ـ التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٦٦.

٢ ـ مناقب الشافعي ج ١ ص ٣٦٧ ، وراجع ص ٤٥٠.

٣ ـ مجموعة المسائل المنيرية ص ٣٢.

٤ ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص ٢٥١ / ٢٥٥ ومالك ، لأبي زهرة ص ٢٩٠.

٥ ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص ٢٥٤ / ٢٥٥ عن إرشاد الفحول للشوكاني ص ٢١٤.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

 في أوائل المائة الخامسة.

29 - الحاكم النيسابوري، أبو عبدالله محمد بن عبدالله؛ الحافظ الكبير، إمام المحدّثين في عصره في الحديث والعارف به حق معرفته، وكان صالحاً ثقة يميل إلى التشيّع. (405).

30 - ابن مردويه، أبوبكر أحمد بن موسى الأصبهاني، الحافظ الكبير العلاّمة، كان فهماً بهذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف. (410).

31 - البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين؛ الإمام الحافظ العلاّمة، شيخ خراسان، إنفرد بالإتقان والضبط والحفظ، وعمل كتباً لم يسبق إليها وبورك له في علمه. (458).

32 - ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن؛ الإمام الكبير حافظ الشام بل حافظ الدنيا، الثقة الثبت الحجّة، سمع منه الكبار، وكان من كبار الحفّاظ المتقنين. (571).

33 - ابن الأثير، المبارك محمد بن محمد؛ من مشاهير العلماء وأكابر النبلاء وأوحد الفضلاء (606).

34 - الضياء المقدسي، أبو عبدالله محمّد بن عبدالواحد؛ الإمام العالم الحافظ الحجّة، محدّث الشام شيخ السنّة، رحل وصنّف، وصحّح وليّن، وجرّح وعدّل، وكان المرجوع إليه في الشأن، جبلاً ثقة ديّناً زاهداً ورعاً. (643).

35 - القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري؛ مصنّف التفسير المشهور الذي سارت به الركبان، كان من عباد الله الصالحين والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، قال الذهبي: «إمام متقن متبحّر في العلم، له تصانيف مفيدة تدلّ على إمامته وكثيرة اطّلاعه ووفور

١٨١

 فضله». (671).

36 - إبن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر؛ الإمام المحدّث الحافظ، وصفه الذهبي بالإمام المفتي المحدّث البارع، ثقة متفنّن محدّث متقن. (774).

37 - إبن حجر العسقلاني، أحمد بن علي المصري؛ شيخ الإسلام، وإمام الحفّاظ في زمانه، وحافظ الديار المصرية، بل حافظ الدنيا مطلقاً، قاضي القضاة، صنّف التصانيف التي عمّ النفع بها. (852).

38 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر؛ الحافظ الشهير صاحب المؤلفات الكثيرة في العلوم المختلفة، أثنى عليه مترجموه كالشوكاني في (البدر الطالع) والسخاوي في (الضوء اللامع) وابن العماد في (شذرات الذهب) وغيرهم. (911).

39 - المتّقي، نور الدين علي بن حسام الهندي؛ كان فقيهاً محدّثاً صاحب مؤلفات، أشهرها: كنز العمّال، أثنى عليه ابن العماد في (شذرات الذهب) والعيدروسي في (النور السافر في أعيان القرن العاشر). (975).

40 - الآلوسي، شهاب الدين محمود بن عبدالله البغدادي؛ المفسّر المحدّث الفقيه اللغوي النحوي، صاحب «روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني». وغيره من المؤلفات (1270).

هؤلاء جملة ممّن روى أحاديث التحريف

١٨٢

من تجوز نسبة التحريف إليه منهم.

فهل تجوز نسبة القول بالتحريف إليهم جميعاً؟

لقد علم ممّا سبق في غضون الكتاب: أنّ مجرّد رواية الحديث وثقله لا يكون دليلاً على التزام الناقل والراوي بمضمونه، وعلى هذا الأساس لا يمكننا أن ننسب إليهم هذا القول الباطل

نعم، فيهم جماعة التزموا بنقل الصحاح، فلم يخرجوا في كتبهم إلاّ ما قطعوا بصدوره من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصحابته، حسب شروطهم التي اشترطوها في الراوي والرواية، فهم - وكل من تبعهم في الإعتقاد بصحّة جميع أخبار كتبهم - ملزمون بظواهر ما أخرجوا فيها من أحاديث التحريف، مالم يذكروا لها محملاً وجيهاً أو تأويلاً مقبولاً

وممّن التزم بنقل الصحاح من هؤلاء:

1 - مالك بن أنس

لقد اشترط مالك في كتابه (المؤطّأ) الصحّة، ولذلك استشكل بعض الأئمة إطلاق أصحيّة كتاب البخاري مع اشترك البخاري ومالك في اشتراط الصحّة والمبالغة في التحرّي والتثبّت(1) .

وقال الشافعي: «ما أعلم في الأرض كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك»(2) .

__________________

(1) هدى الساري 1: 21.

(2) مقدّمة ابن الصلاح: 14 وغيره.

١٨٣

وقال الحافظ مغلطاي: «أول من صنّف الصحيح مالك»(1) .

وقال الحافظ ابن حجر: «كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلّده على ما اقتضاء نظره من الإحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما»(2) .

2 - أحمد بن حنبل

قال أحمد في وصف مسنده:

«إنّ هذا كتاب قد جمعته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلاّ ليس بحجّة»(3) .

وعنه: إنّ شرط في مسنده الصحيح(4) .

وقال السبكي: «ألّف مسنده وهو أصل من اصول هذه الامّة»(5) .

وقال الحافظ المديني: هذا الكتاب أصل الكبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتقي من حديث كثير ومسموعات وافرة، فجعل إماماً ومعتمداً وعند التنازع ملجأ ومستنداً»(6) .

هذا وقد ألّف الحافظ ابن حجر كتاباً في شأن «المسند»

__________________

(1) تنوير الحوالك: 8.

(2) تنوير الحوالك: 8.

(3) تدريب الراوي 1: 172 وغيره.

(4) تدريب الراوي وغيره.

(5) طبقات الشافعية، ترجمة أحمد.

(6) طبقات الشافعية. ترجمة أحمد.

١٨٤

سماّه «القول المسدّد في الذبّ عن المسند» ردّ به على قول من قال بوجود أحاديث ضعيفة في مسند أحمد.

وقد أتمّه الحافظ السيوطي بذيل سماّه «الذيل الممهّد»(1) .

3 - محمد بن إسماعيل البخاري

وقد شرط البخاري في كتابه: أن يخرج الحديث المتّفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متّصلاً غير مقطوع، وإن كان للصحابي راويان فصاعداً فحسن، وإن لم يكن إلاّ راو واحد وصحّ الطريق إليه كفى(2) .

وعن البخاري أنّه قال: «ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلاّ اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين»(3) .

وعنه أيضاً: «صنّفت كتابي الصحيح في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثاً حتّى استخرت الله تعالى وصلّيت ركعتين وتيقّنت صحّته»(4) .

وعنه: «صنّفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ستّ عشرة سنة وجعلته حجّة فيما بيني وبين الله»(5) .

وعنه أيضاً: «رأيت النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وكأنّني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذبّ بها عنه، فسألت بعض

__________________

(1) تدريب الراوي 1: 172.

(2) هدى الساري: 2: 261.

(3) هدى الساري 2: 261.

(4) هدى الساري 2: 261.

(5) هدى الساري 2: 261.

١٨٥

المعبّرين فقال لي: أنت تذبّ عنه الكذب.

فهذا الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح»(1) .

وعنه أنّه قال: «لم اخرج في هذا الكتاب إلاّ صحيحاً وما تركت من الصحيح أكثر ...»(2) .

وقال الحافظ ابن حجر:

«تقرّر أنّه التزم فيه الصحّة، وأنّه لا يورد فيه إلاّ حديثاً صحيحاً، هاذ أصل موضوعه، وهو مستفاد من تسميته إيّاه الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأيّامه، وممّا نقلناه عنه من رواية الأئمة عنه صريحاً ...»(3) .

وقال ابن الصلاح: «أول من صنّف في الصحيح: البخاري أبو عبدالله محمد بن إسماعيل، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري، ومسلم مع أنّه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنّه يشارك البخاري في كثير من شيوخه، وكتاباهما أصحّ الكتب بعد كتاب الله العزيز ثمّ إنّ كتاب البخاري أصحّ الكتابين صحيحاً وأكثرهما فوائد ...»(4) .

وقد نقل هذا الحافظ ابن حجر وأثبت اصحيّة كتاب البخاري من كتاب مسلم، وذكر أنّ هذا ممّا اتّفق عليه العلماء، واستشهد بكلمات الأئمّة على ذلك(5) .

__________________

(1) هدى الساري 1: 18.

(2) هدى الساري 1: 18.

(3) هدى الساري 1: 19.

(4) مقدّمة ابن الصلاح: 13 - 14.

(5) هدى الساري 1: 21.

١٨٦

وكذا الحافظ النووي في التقريب، ووافقه الحافظ السيوطي في شرحه وقال: «وعليه الجمهور، لأنّه أشدّ اتصالاً وأتقن رجالاً ...»(1) .

4 - مسلم بن الحجّاج النيسابوري

وقال مسلم: «ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنّما وضعت ما أجمعوا عليه»(2) .

وقال: «لو أنّ أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند - يعني صحيحة -»(3) .

وقال أيضاً: «عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكلّ ما أشار أنّ له علّة تركته، وكلّ قال أنّه صحيح وليس له علّة أخرجته»(4) .

وقال: «صنّفت هذا السند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة»(5) .

هذا، وقد قالوا: إنّ أصحّ الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان، ثمّ اختلفوا في أنّ أيّهما أفضل وأصحّ، فذهب جمهورهم إلى أنّ البخاري أصحّ، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء

__________________

(1) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1: 88 - 91.

(2) مقدّمة ابن الصلاح: 16، تدريب الراوي 1: 98.

(3) المنهاج في شرح مسلم 1: 22 هامش إرشاد الساري.

(4) المصدر نفسه.

(5) المنهاج في شرح مسلم 1: 22 هامش إرشاد الساري.

١٨٧

كتاب أصحّ من كتاب مسلم، وتبعه بعض شيوخ المغرب(1) .

5 - أبو عيسى الترمذي

قال الترمذي: «صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به.

ومن كان بيته هذا الكتاب فكأنّما في بيته نبي يتكلّم»(2) .

وقال في كتاب العلل الذي في آخر جامعه:

«جميع ما في هذا الكتاب - يعني جامعه - من الحديث هو معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين: حديث عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنه: إنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر، وحديث النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه.

قال: وقد بيّنّا علّة الحديثين جميعاً في الكتاب».

قال المباركفوري: «قلت: قد تعقّب الملاّ معين في كتابه (دراسات اللبيب) على كلام الترمذي هذا، وقد أثبت أنّ هذين الحديثين كليهما معمول به، والحقّ مع الملاّ معين عندي والله تعالى

__________________

(1) تدريب الراوي 1: 93 وغيره.

(2) تذكرة الحفّاظ - ترجمته.

١٨٨

أعلم»(1) .

هذا، وقد جاء في مقدّمة تحفة الأحوذي فصل «في بيان أنّه ليس في جامع الترمذي حديث موضوع»(2) .

وجامع الترمذي من الكتب الستّة الصحاح عند أهل السنّة بلا خلاف بينهم، غير أنّهم اختلفوا في رتبته هل هو بعد الصحيحين أو بعد سنن أبي داود أبو بعد سنن النسائي؟(3) .

6 - أحمد بن شعيب النسائي

وكتاب النسائي أحد الصحاح الستّة بلا خلاف.

قالوا: وقد صنّف النسائي في أول أمره كتاباً يقال له: «السنن الكبير» ثمّ اختصره وسماّه «المجتبى» وسبب اختصاره: أنّ أحداً من أمراء زمانه سأله أنّ جميع أحاديث كتابك صحيح؟

قال: لا.

فأمره الأمير بتجريد الصحاح وكتابة صحيح مجرّد.

فانتخب منه «المجتنى» وأسقط منه كل حديث تكلّم في إسناده(4) .

فإذا أطلق المحدّثون بقولهم: رواه النسائي، فمرادهم هذا المختصر المسمّى بالمجتنى لا السنن الكبير(5) .

__________________

(1) مقدّمة تحفة الاحوذي: 367.

(2) مقدّمة تحفة الاحوذي: 365 - 367.

(3) مقدّمة تحفة الاحوذي: 364.

(4) جامع الاصول 1: 66 وغيره.

(5) مقدّمة تحفة الاحوذي: 131.

١٨٩

وعن الحاكم وأبي علي الحافظ والخطيب: للنسائي شرط في الرجال أشدّ من شرط مسلم(1) .

7 - ابن ماجة القزويني

قال ابن ماجة: عرضت هذه السنن على أبي زرعة فنظر فيه وقال: أظنّ إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذا الجوامع أو أكثرها ...»(2) .

وقال المباركفوري: «وأمّا سنن ابن ماجة فهو سادس الصحاح الستّة ...»(3) .

وفي كشف الظنون: «إنّه سادس الصحاح الستّة عند بعض الأئمة»(4) .

قلت: وممّن بذلك الحافظان ابن طاهر وعبد الغني المقدسيان.

8 - الحاكم النيسابوري

وألّف أبو عبدالله الحاكم النيسابوري كتاب «المستدرك على الصحيحين»، ذكر فيه ما فات البخاري ومسلماً ممّا على شرطهما أو شرط أحدهما أو هو صحيح(5) .

__________________

(1) مقدّمة تحفة الاحوذي: 131.

(2) تذكرة الحفّاظ 2: 636.

(3) مقدّمة تحفة الاحوذي: 134.

(4) كشف الظنون: 1004.

(5) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1: 26.

١٩٠

فالمستدرك من الكتب التي التزم فيها بالصحّة، ولذا يعبّر عنه بالصحيح المستدرك(1) .

ولقد أثنى على الجاكم كلّ من جاء بعده من الحفّاظ، ونسبه بعضهم إلى التشيّع وقالوا: إنّه قد تساهل في ما استدر على شكرط الصحيح.

قلت: لا يبعد أن يكون من أسباب رميه بالتشيّع والتساهل إخراجه أحاديث في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بل قد صرّح بذلك الخطيب(2) .

9 - أبو جعفر الطبّري

وقد التزم أبو جعفر محمد بن جرير الطبّري الصحّة في كتابه (تهذيب الآثار) الّذي أورد فيه بعض الأحاديث المذكورة كما أورد منها في (تفسيره) ...

10 - الضياء المقدسي

وقد التزم الحافظ الضياء المقدسي الصحّة في كتابه «المختارة».

قال الحافظ العراقي: «وممّن صحّح أيضاً من المتأخّرين الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، فجمع كتاباً سماّه (المختارة)

__________________

(1) تدريب الراوي 1: 108، مقدّمة تحفة الاحوذي: 155.

(2) مقدّمة تحفة الاحوذي: 156.

١٩١

التزم فيه الصحّة ...»(1) .

وقال الحافظ السيوطي: «ومنهم الحافظ ضياء الدين محمد بن عبدالواحد المقدسي، فجمع كتاباً سماّه (المختارة) التزم فيه الصحّه وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها»(2) .

وفي «كشف الظنون» بعد أن صرّح بما تقدّم: «قال ابن كثير: وهذا الكتاب لم يتمّ، وكان بعض الحفّاظ من مشايخنا يرجّحه على مستدرك الحاكم»(3) .

هذا، وقد أثنى عليه كل من ترجم له، قال الحافظ الذهبي ما ملخّصه: «الإمام العالم الحافظ الحجّة، محدّث الشام، شيخ السنّة، صاحب التصانيف النافعة، نسخ وصنّف، وصحّح وليّن، وجرّح وعدّل، وكان المرجع إليه في هذا الشأن، قال تلميذه عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبدالله شيخ وقته ونسيج وحده علماً وحفظاً وثقة وديناً، من العلماء الربّانيّين، وهو أكبر من أن يدلّ عليه مثلي.

رأيت جماعة من المحدّثين ذكروه فأطنبوا في حقّه ومدحوه بالحفظ والزهد.

سألت الزكيّ البرزالي عنه فقال: ثقة، جبل، حافظ، ديّن.

قال ابن النجّار: حافظ متقن حجّة، عالم بالرجال، ورع تقي.

وقال الشرف ابن النابلسي: ما رأيت مثل شيخنا الضياء»(4) .

__________________

(1) التقييد والإيضاح لما اطلق أو اغلق من كتاب ابن الصلاح.

(2) تدريب الراوي 1: 144.

(3) كشف الظنون.

(4) تذكرة الحفّاظ: 4: 1406.

١٩٢

الفصل الثالث

الأقوال والآراء في أهل السنّة

حول التحريف وأحاديثه

لقد تقدّم ذكر الأحاديث الدالّة على التحريف وعرفت من خلال ذلك أنّ القول بنقصان القرآن مضاف إلى جماعة كبيرة من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى راسهم:

عمر بن الخطّاب، عثمان بن عفّان، عبدالله بن العبّاس، عبدالله بن عمر، عبدالرحمن بن عوف، اُبيّ بن كعب، عبدالله بن مسعود، زيد بن ثابت، أبو موسى الأشعري، خديفة بن اليمان، جابر بن عبدالله، زيد بن أرقم، عائشة بنت أبي بكر، حفصة بنت عمر

ومن مشاهير التابعين وعلى رأسهم:

سعيد بن جبير، عكرمة، الضحّاك، سعيد بن المسّيب، عروة بن الزبير، محمد بن مسلم الزهري، زرّ بن حبيش، مجاهد، الحسن البصري

وعرفت أنّ تلك الاحاديث مخرجة في أهمّ كتب أهل السنّة

١٩٣

وأسفارهم، ومن أشهرها:

الموطّأ، صحيح البخاري، صحيح مسلم، صحيح الترمذي، صحيح النسائي، صحيح ابن ماجة، المصنّف لابن أبي شيبة، المسند لأحمد، المستدرك للحاكم، الجوامع الثلاثة للطبراني، المسند لأبي يعلى، السنن للبيهقي، جامع الاصول، فتح الباري، إرشاد الساري، المصاحف لابن الأنباري، الدرّ المنثور، كنز العمّال، تاريخ دمشق، تفسير الطبري، تفسير الرازي، تفسير القرطبي، تفسير البغوي، تفسير الخازن، الكشّاف، البحر المحيط تفسير ابن كثير، مشكل الآثار، التسهيل لعلوم التنزيل، البرهان في علوم القرآن، مناهل العرفان في علوم القرآن، الإتقان في علوم القرآن، وغيرها من الكتب في الحديث والفقه والتفسير ...

موقف علماء الشيعة من هذه الأخبار والآثار:

أمّا علماء الشيعة فإنّ موقفهم من هذه الأحاديث والآثار المنقولة عن الصحابة نفس الموقف الذي اتّخذوه تجاه الأحاديث المرويّة في كتبهم أنفسهم فإنّهم بعدما قالوا بعدم تحريف القرآن - للأدلّة القائمة عليه كتاباً وسنّة وإجماعاً - حملوا ما أمكن حمله من أحاديثهم المعتبرة سنداً على بعض الوجوه، وطرحوا كل خبر غير معتبر سنداً أو غير قابل للتأويل كما عرفت في (الباب الأول) بالتفصيل.

وهذا هو النهج الذي ينبغي اتّباعه بالنسبة إلى أحاديث التحريف في كتب أهل السنّة وبه يتمّ الجمع بين الإعتقاد بعدم التحريف والإعتقاد بصحّة أخبار الصحيحين وغيرهما على اصول أهل السنّة

١٩٤

إنّ التأويل إمّا الحمل على التفسير، وإمّا الحمل على اختلاف القراءة، وإمّا الحمل على نسخ التلاوة. لكنّ التأويل على الوجهين الأوّلين لا يتمّ إلاّ بالنسبة إلى قليل جدّاً من الأحاديث، والحمل على نسخ التلاوة غير تامّ صغروياً وكبروياً، كما ستعرف في «الفصل الرابع».

فلا مناص من الردّ والتكذيب ولا مانع، إلاّ ما اشتهر بينهم من عدالة جميع الصحابة وصحّة أخبار الصحيحين وأمثالها لكنّ هذين المشهورين لا أصل لهما كما ستعرف في «الفصل الخامس».

هذه خلاصة الطريقة الصحيحة لعلاج هذه الأحاديث، وعليها المحقّقون من أهل السنّة، كما سيظهر في هذا الفصل والفصلين اللاحقين.

موقف أهل السنّة من هذه الأحاديث والآثار:

وأمّا أهل السنّة فالرواة لهذه الأحاديث منهم من يلتزم بصحّتها كأصحاب الصحاح الستّة وأمثالهم من أرباب الكتب المشهورة والمسانيد، ومنهم من لا ندري رأيه فيها كما لا ندري أنّ القائلين بالحصّة يحملون تلك الآيات المحكيّة في هذه الأحاديث على النسخ، أو يقولون بالتحريف تبعاً لمن قال به من الصحابة والتابعين

وفي المقابل طائفتان من المحدّثين والعلماء؛ طائفة تقول بالتحريف صراحة، أخذاً بالأحاديث الظاهرة فيه، واقتداءاً بالصحابة المصرّحين به، وطائفة تقول ببطلان الأحاديث وتردّها الردّ القاطع

فأهل السنّة بالنسبة إلى أحاديث التحريف على ثلاثة طوائف:

١٩٥

طائفة يروون التحريف ولا نعلم رأيهم فيه

وهم المحدّثون والعلماء الّذين يروون أحاديث التحريف وينقلونها في كتبهم الحديثية وغيرها، ولا سبيل لنا إلى الوقوف على آرائهم في تلك الأحاديث، فهل يقولون بصحّتها أولا؟ وعلى الأول هل يحملونها على النسخ؟ أو يقولون بالتحريف حقيقة؟

وهؤلاء كثيرون، بل هم أكثر رجال الحديث والمحدّثين والعلماء الرواة والناقلين لهذه الأحاديث ...

طائفة يروونه ويقولون به:

وهم الّذين أوردوا الأحاديث والآثار الظاهرة أو الصريحة في نقصان القرآن من غير جواب أو تأويل، وهؤلاء عدّة من العلماء وليس عددهم بقليل

فمثلاً:

يقول ابن جزي الكلبي في تفسيره: «والصابئون. قراءة السبعة بالواو، وهي مشكلة، حتى قالت عائشة: هي من لحن كتاب المصحف»(1) .

- «والمقيمين» منصوب على المدح بإضمار فعل، وهو جائز كثيراً

__________________

(1) التسهيل لعلوم التنزيل 1: 173 وابن جزي الكلبي المالكي وصفه الداودي في طبقات المفسرين 1: 101 بقوله: كان شيخاً جليلاً ورعاً زاهداً عابداً متقلّلاً من الدنيا وكان فقيهاً مفسّراً وله تفسير القرآن العزيز، توفّي في حدود العشرين وستمّائة.

١٩٦

في الكلام، وقالت عائشة: هو من لحن كتّاب المصحف، وفي مصحف ابن مسعود: (والمقيمون) على الأصل»(1) .

- «إنّ هذان لساحران» قرىء: إنّ هذين، بالياء، ولا إشكال في ذلك وقالت عائشة رضي الله عنها: هذا ممّا لحن فيه كتاب المصحف»(2) .

ويقول الخطيب الشربيني في تفسيره:

«وحكي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وأبان بن عثمان: أنّ ذلك غلط من الكتاب، ينبغي أن يكتب «والمقيمون الصلاة». وكذلك قوله في سورة المائدة:( إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصابئون والنصارى ) وقوله تعالى:( إنّ هذان لساحران ) قالا: ذلك خطأ من الكاتب، وقال عثمان: إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها، فقيل له: ألا تغيّره؟! فقال: دعوه فإنّه لا يحلّ حراماً ولا يحرّم حلالاً. وعامّة الصحابة وأهل العلم على أنّه صحيح»(3) .

وإذا ما قارنت بين هذا الموقف وموقف الطائفة الثالثة من هذه الأحاديث، وأساليبهم في ردّها، أمكنك نسبة القول بالتحريف إلى هذين العالمين الجليلين وأمثالهما من أهل السنّة ...

التصريح بوقوع التحريف

بل في علماء أهل السنّة من يعتقد بتحريف القرآن الكريم

__________________

(1) التسهيل لعلوم التنزيل 1: 164.

(2) التسهيل لعلوم التنزيل 3: 15.

(3) السراج المنير 1: 345 لمحمد بن أحمد الخطيب الشربيني الفقيه الشافعي المفسّر، توفي سنة 977، له ترجمة في الشذرات 8: 384.

١٩٧

وينادي به بأعلى صوته إمّا اعتماداً على ما روي في كيفية جمع القرآن، وإمّا اعتقاداً بصحّة كل ما اخرج في كتابي البخاري ومسلم، وإمّا إنكاراً لنسخ التلاوة وعلى كلّ حال فقد ذهب جماعة منهم إلى القول بسقوط شيء من القرآن، قال الرافعي ما نصّه: «... فذهب جماعة من أهل الكلام - ممّن لا صناعة لهم إلاّ الظّن والتأويل واستخراج الأساليب الجدليّة من كلّ حكم وكلّ قول - إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيء، حملاً على ما وصفوا من كيفيّة جمعه»(1) .

وقال القرطبي: «قال أبو عبيد: وقد حدّثت عن يزيد بن زريع، عن عمران بن جرير، عن أبي مجلز، قال: طعن قوم على عثمانرحمه‌الله - بحمقهم - جمع القرآن، ثمّ قرأوا بما نسخ»(2) .

وقال: «قال أبو عبيد: لم يزل صنيع عثمان - رضي الله عنه - في جمعه القرآن يعدّ له بأنّه من مناقبه العظام، وقد طعن عليه فيه بعض أهل الزيغ، فانكشف عواره ووضحت فضائحه»(3) .

وقال أيضاً: «قال الإمام أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري: ولم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون من شرف القرآن وعلوّ منزلته ما يوجب الحقّ والإنصاف والديانة، وينفون عنه قول المبطلين وتمويه الملحدين وتحريف الزائغين، حتى نبغ في زماننا هذا زائغ زاغ عن الملّلة وهجم على الامّة بما يحاول به إبطال الشريعة التي لا يزال الله يؤيّدها ويثبت اسّها وينمي فرعها ويحرسها عن معايب اولي

__________________

(1) إعجاز القرآن: 41.

(2) الجامع لأحكام القرآن 1: 84.

(3) الجامع لأحكام القرآن 1: 84.

١٩٨

الجنف والجور ومكائد أهل العداوة والكفر.

فزعم أنّ المصحف الذي جمع عثمان رضي الله عنه - باتّفاق أصحاب رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وآله ] على تصويبه فيما فعل - لا يشتمل على جميع القرآن، إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف، قد قرأت ببعضها وسأقرأ ببقيّتها، فمنها [ والعصر - ونوائب الدهر - ] فقد سقط من القرآن على جماعة المسلمين «ونوائب الدهر» ومنها [ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس - وما كان الله ليهلكها إلاّ بذنوب أهلها - ] فادّعى هذا الإنسان أنّه سقط عن أهل الإسلام من القرآن «وما كان الله ليهلكها إلاّ بذنوب أهلها» وذكر ممّا يدّعي حروفاً كثيرة ...»(1) .

ولقد نسب هذا القول إلى الحشوية من أهل السنّة والجماعة - وهم أصحاب أبي الحسن البصري - فإنّهم ذهبوا إلى وقوع التحريف في القرآن تغييراً ونقصاناً(2) .

وفي كلام النحّاس: إنّ العلماء تنازعوا حديث عائشة في الرضاع، فردّه جماعة وصحّحه آخرون، قال:

«وأمّا قول من قال: إنّ هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله - صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم - فعظيم ...» وستأتي عبارته كاملة.

ومن الواضح: أنّه إذا كان يقرأ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أصل القرآن وأنّه لا نسخ بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالإجماع فهو

__________________

(1) الجامع لأحكام القرآن 1: 81 - 82.

(2) مجمع البيان وغيره.

١٩٩

إذاً ساقط من القرآن، فالقرآن محرّف ومن ثمّ استعظم النّحّاس هذا القول.

وأمّا توجيه البيهقي لهذا الحديث: فإقرار منه بأنّ هذا كان من القرآن حتى بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان المسلمون يتلونه في أصل القرآن.

وزعمه: أنّ الآية كانت منسوخة على عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ الذّين كانوا يتلونها لم يبلغهم النسخ، عارٍ عن الصحّة ولا دليل يدلّ عليه، على أنّا نقطع بأنّه كما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ينشر سور القرآن وآياته ويأمر بقراءتها بمجّرد نزولها، فإنّه كان عليه - على فرض وجود النسخ بصورة عامّة - أن يذيع ذلك بين الامّة ويبلّغهم جميعاً ليطّلع الكلّ على ذلك، كما كان يفعل بالنسبة إلى نشر الآيات والسور النازلة.

على أنّ كلامه يستلزم أن تكون الآية من القرآن وأن لا تكون منه في وقت واحد، وهو باطل وسيأتي مزيد بحث حوله في «الفصل الرابع».

وقال الشعراني(1) : «ولو لا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبيّنت جميع ما سقط من مصحف عثمان»(2) .

وقال الزرقاني - في بيان الأقوال في معنى حديث نزول القرآن على سبعة أحرف - ما نصّه: «وهو: أنّ المراد بالأحرف: السبعة أوجه من

__________________

(1) الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني، من فقهاء الحنفية ومن علماء المتصوّفين، له مؤلفات كثيرة في الحديث والمواعظ والتراجم وغيرها من العلوم، توفّي سنة 973، وله ترجمة في الشذرات: 8: 372 وغيرها.

(2) الكبريت الاحمر - المطبوع على هامش اليواقيت والجواهر: 143.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216