حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216259 / تحميل: 8310
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومثله ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ )(١) ، وعدّه في حاوي الأقوال في الضعاف(٢) .

وناقش البهبهاني ( ت ١٢٠٥ هـ ) في التعليقة على وقفه ، وقال : الحكم بوقفه لا يخلو من شيء ; لما مرّ في الفوائد ، وأنّ الظاهر أنّ حكم الخلاصة به ممّا ذكر في رجال الكاظم ( عليه السلام ) والكشّي ، وفي الظنّ أنّ ما في رجال الكاظم ( عليه السلام ) ممّا في رجال الكشّي.

وبالجملة : لا يبقى وثوق في عدم كونه منه ، وبعض أشياخ حمدويه غير معلوم الحال ، فليتأمّل ، ورواية ابن أبي عمير عنه تشير إلى وثاقته ، وكذا رواية علي بن الحسين(٣) ، ورواية الجماعة كتابه تشير إلى الاعتماد عليه ، وكذا كونه كثير الرواية ، وكون أكثرها سديدة مضمونها مفتى به ، معمول عليه ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في الفوائد(٤) .

وأجاب الشيخ أبو علي ( ت ١٢١٦ هـ ) عليه : فالتوقّف في وقفه بعد شهادة عدلين مرضيين ، بل وعدول مرضيين ، لعلّه ليس بمكانه ، وقوله سلّمه الله : بعض أشياخ ، إلى آخره ، عجيب! إذ لا شكّ في كونه من فقهائنا ( رضي الله عنه ) ، مع أنّه سلّمه الله كثيراً ما يقول في أمثال المقام : إنّ المراد ليس مجرّد نقل القول ، بل الظاهر أنّه للاعتماد عليه والاستناد إليه ، فتأمّل جدّاً.

وما ذكره سلّمه الله من المؤيّدات لا ينافي الوقف أصلاً.

نعم ، لا يبعد إدخال حديثه في القوي ، وخروجه بذلك من قسم

____________

[ ٢٧٤ ].

١ ـ رجال ابن داود : ٢٤٥ [ ١٨٠ ] ، القسم الثاني ، وانظر : نقد الرجال ٢ : ٢٢٤ [ ١٩٠٩ ].

٢ ـ حاوي الأقوال ٣ : ٤٦٠ [ ١٥٥٣ ].

٣ ـ الظاهر أنّ ( الحسين ) تصحيف ( الحسن ).

٤ ـ منهج المقال : ١٣٨ ، الهامش.

٦١

الضعيف(١) ، ومثله المامقاني في تنقيحه(٢) .

وفي خاتمة المستدرك ـ بعد أن عدّ جماعة من الثقات رووا عنه ـ قال : وهؤلاء جماعة وجدنا روايتهم عن درست في الكتب الأربعة ، وفيهم : ابن أبي عمير ، والبزنطي ، اللذان لا يرويان إلاّ عن ثقة ، وفيهم من الذين أجمعت العصابة على تصحيح أخبارهم ، أربعة : هما ، والحسن بن محبوب ، وعبد الله بن بكير ، ويأتي في شرح أصل النرسي أنّ الإجماع المذكور من أمارات الوثاقة.

وفيهم من الثقات الأجلاّء غيرهم ، جماعة : كالوشّاء ، وابن سويد ، وابن نهيك ، وابن مهران ، وابن معبد الذي يروي عنه صفوان بن يحيى ، والحسين بن زيد ، وأبو شعيب المحاملي ، وابن أسباط ، وإبراهيم بن محمّد ابن إسماعيل ، وسعد بن محمّد ، الذين يروي عنهم علي الطاطري ، وقد قال الشيخ ( قدس سره ) : إنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريون.

وبعد رواية هؤلاء عنه لا يبقى ريب في أنّه في أعلى درجة الوثاقة ، ورواياته مقبولة وكتابه معتمد ، وقد تأمّل في التعليقة في وقفيّته ، ولعلّه في محلّه ، ولا حاجه لنا إلى شرحه(٣) .

ثمّ إنّه قد يستظهر من قول الكشّي ( القرن الرابع ) أنّه كان من أصحاب الرضا ( عليه السلام ) ، ولكنّي لم أجد له رواية عن الرضا ( عليه السلام ) ، وظاهر الكشّي لا يلائم قوله بالوقف كما صرّح به الكلّ.

نعم ، روى الكليني ( ت ٣٢٩ هـ ) رواية عن محمّد بن يحيى ، عن

____________

١ ـ منتهى المقال ٣ : ٢١٦ [ ١١٢٥ ].

٢ ـ تنقيح المقال ١ : ٤١٧ [ ٣٨٨٠ ] ، وانظر : أعيان الشيعة ٦ : ٣٩٥ ، قاموس الرجال ٤ : ٢٧٤ [ ٢٧٦٢ ] ، معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٤ [ ٤٤٦٤ ].

٣ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٤٣ ، وانظر ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ] ، و ٧ : ٣٦١ [ ٨٨٥ ].

٦٢

محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام )(١) ، في باب ( ما لا يؤكل من الشاة وغيرها ).

ولكن هذه الرواية رواها البرقي ( ت ٢٧٤ أو ٢٨٠ هـ ) في المحاسن ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد(٢) .

والطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في التهذيب عن محمّد بن أحمد بنفس سند الكليني(٣) .

والراوندي ( ت ٥٧٣ هـ ) في فقه القرآن(٤) ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) مجرّداً بدون ( الرضا ) ، وهو ينصرف إلى موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) ، بل إنّ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ذكرها في الوسائل عن الكليني بدون ( الرضا )(٥) ، فتأمّل.

كما لم أجد رواية أُخرى لإبراهيم بن عبد الحميد عن الرضا ( عليه السلام ) غير ما في الكافي ، وإذا كان هو المُصرّح بوقفه فالمطلوب أوضح.

وبالتالي فإنّ المتيقّن أنّ درست بن أبي منصور كان من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، ولا يعلم أنّه بقي إلى عصر الرضا ( عليه السلام ) أو لا ، أو بالأحرى لا يعلم هل بقي إلى القرن الثالث أو لا ، فلاحظ.

أصل ( كتاب ) درست :

ذكر النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) طريقيه إليه ، وقال : له كتاب يرويه

____________

١ ـ الكافي ٦ : ٢٥٣ ، ح ١ ، باب : ما لا يؤكل من الشاة وغيرها.

٢ ـ المحاسن ٢ : ٢٦٣ [ ١٨٣٦ ].

٣ ـ التهذيب ٩ : ٨٤ [ ٣١٣ ].

٤ ـ فقه القرآن ٢ : ٢٥٨.

٥ ـ الوسائل ٢٤ : ١٧١ ح ١ ، باب ما يحرم من الذبيحة ، وما يكره منها.

٦٣

جماعة ، منهم سعد بن محمّد الطاطري ، عمّ علي بن الحسن الطاطري ، ومنهم محمّد بن أبي عمير ، أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، قال : حدَّثنا أحمد ابن جعفر ، قال : حدَّثنا حُميد بن زياد ، قال : حدَّثنا محمّد بن غالب الصيرفي ، قال : حدَّثنا علي بن الحسن الطاطري ، قال : حدَّثنا عمّي سعد بن محمّد أبو القاسم ، قال : حدَّثنا دُرست بكتابه ، وأخبرنا محمّد بن عثمان ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدَّثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، قال : حدَّثنا محمّد بن أبي عمير عن درست بكتابه(١) .

وطريق الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : أخبرنا بكتابه أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير القرشي ، عن أحمد بن عمر بن كيسبة ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست ، ورواه حميد عن ابن نهيك ، عن درست(٢) .

وقال الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في مشيخته : وما كان فيه عن درست بن أبي منصور ، فقد رويته عن أبي ( رحمه الله ) ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشّا ، عن درست بن أبي منصور الواسطي(٣) .

وطريق الصدوق إليه صحيح ، قاله في الخلاصة(٤) ، وقال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) : رجال السند من الأجلاّء الثقات(٥) ، وقال : وأمّا طريق الشيخ فهو مجهول في الفهرست بأحمد بن عمر بن كيسبة(٦) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ١٦٢ [ ٤٣٠ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ١٨٦ [ ٢٨٨ ].

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٧٨ شرح مشيخة الفقيه.

٤ ـ خلاصة الأقوال : ٤٤١ ، الفائدة الثامنة ، وانظر : عدّة الرجال ٢ : ١٢٩ ، الفائدة السادسة.

٥ ـ خاتمة المستدرك ٤ : ٢٨٨ [ ١١٣ ].

٦ ـ خاتمة المستدرك ٦ : ١٣٩ [ ٢٧٤ ] ، وانظر : معجم رجال الحديث ٨ : ١٤٦ [ ٤٤٦٤ ].

٦٤

والنسخة التي اعتمد عليها صاحب البحار نسخة قديمة تحتوي على أُصول لرواة آخرين ، قال في أوّل البحار : مع أنّا أخذناهما ( يريد أصل النرسي والزرّاد ) من نسخة قديمة مصحّحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ( النصف الأوّل من القرن الخامس ) ، وهو نقله من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذها وسائر الأُصول المذكورة(١) بعد ذلك من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ( رحمه الله ) ( ت ٣٨٥ هـ )(٢) .

ولكنّه لم يذكر أصل درست ضمن هذه الأُصول في النسخة ، وسببه أنّ أوّل أصل درست كان ساقطاً.

قال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) في خاتمة مستدركه في الفائدة الثانية : وكتاب درست وأخواته(٣) ، إلى جزء من نوادر علي بن أسباط ، وجدناها مجموعة منقولة كلّها من نسخة عتيقة صحيحة بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقلها من خطّ الشيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ، وكان تاريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر أنّه أخذ الأُصول المذكورة من خطّ الشيخ الأجلّ هارون بن موسى التلعكبري ، وهذه النسخة كانت عند العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) ( ت ١١١١ هـ ) ، كما صرّح به في أوّل البحار ، ومنها انتشرت النسخ ، وفي أوّل جملة منها وآخرها يذكر صورة النقل.

____________

١ ـ يذكر ثلاثة عشر أصلا ، ولم يذكر أصل درست ، وسيأتي توضيحه في المتن.

٢ ـ البحار ١ : ٤٣ ، توثيق المصادر.

٣ ـ الأُصول المذكورة في كتاب الأُصول الستّة عشر ، ما عدا كتاب ديّات ظريف : ١٣٤ ، ومختصر علاء : ١٤٩.

٦٥

أمّا كتاب درست : فهو ساقط من أوّله(١) ، وفي آخره : تمّ كتاب درست ، وفرغت من نسخه من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين بن أيوّب القمّي ( النصف الثاني من القرن الرابع ) أيّده الله ، سماعاً له عن الشيخ أبي محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري أيّده الله ، بالموصل ، في يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي القعدة سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً(٢) .

ولكن في المطبوعة لم ترد صورة النقل في أوّلها ، ولم يذكر اسم الشيخ منصور بن الحسن الآبي وإن جاء اسمه في ضمن الكتاب ، وفي آخرها لا توجد جملة ( تمّ كتاب درست ) ، وإنّما يوجد ما بعدها ، والظاهر أنّه سقط من النساخ ; لأنّ الأحاديث الموجودة عن أصل درست مصدّرة باسمه(٣) .

وعلى هذه النسخة خطّ الشيخ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ، هكذا : إعلم أنّي تتبّعت أحاديث هذه الكتب الأربعة عشر ـ أي عدا ديّات ظريف ومختصر علاء ـ فرأيت أكثر أحاديثها موجوداً في الكافي ، أو غيره من الكتب المعتمدة ، والباقي له مؤيّدات فيها ، ولم أجد فيها شيئاً منكراً سوى حديثين محتملين للتقيّة وغيرها ، حرّره محمّد العاملي(٤) .

وقال الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : وهذا الكتاب أيضاً من الكتب الموجودة الباقية على الهيئة الأوّليّة ، وترتيبها أوّله الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً ، رأيت نسخة منه في

____________

١ ـ الأُصول الستّة عشر : ١٥٨.

٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ٣٨ ، الفائدة الثانية.

٣ ـ انظر الأُصول الستّة عشر من أوّله ، وصفحة ١٥٨ ، وصفحة ١٦٩ ( الأخيرة ).

٤ ـ كتاب الأُصول الستّة عشر : ١٧٠.

٦٦

كربلاء عند السيّد إبراهيم بن السيّد هاشم القزويني المتوفّى ( ٧ ـ ٢ ـ ١٣٦٠ ) ، وهي بخطّ السيّد علي أكبر بن السيّد حسين الحسيني ، فرغ من الكتابة في النجف ( ١٢٨٦ ) وذكر أنّه استنسخها عن نسخة قوبلت من أصل أبي الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين القمّي(١) .

ولكن الجملة المذكورة على أنّها في أوّله غير موجودة في المطبوع ، والظاهر أنّه كذلك في النسخة الخطيّة ، لما عرفت من نصّ النوري على أنّها ساقطة الأوّل ، فقد تكون من زيادات الناسخ ; لأنّ هذه النسخة في كربلاء مأخوذة من تلك النسخة ـ الأصل ـ على أنّ آخر أصل درست فيه هذه الجملة ( والحمد لله رب العالمين ) كما عرفت فيما نقلنا من المطبوع ، فلعلّه كان سبق قلم من العلاّمة الطهراني عندما قال أوّلها ويريد آخرها.

____________

١ ـ الذريعة ٦ : ٣٣٠ ( ١٨٨٩ ) ، وانظر : طبقات أعلام الشيعة ١ ( القرن الرابع ) : ٢٦١ ، ٣٢١ ، ٣٢٩، ٢ ( القرن الخامس ) : ١٩٦.

٦٧
٦٨

(٣) كتاب : الوصيّة

لعيسى بن المستفاد ( النصف الثاني من القرن الثاني )

الحديث :

قال السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) في الطرف(١) :

عن عيسى بن المستفاد ، قال : حدَّثني موسى بن جعفر ، قال : سألت أبي جعفر بن محمّد ( عليه السلام )(٢) .

وعنه ، عن أبيه ، قال : لمّا حضرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة دعا الأنصار ، وقال : « يا معشر الأنصار ، قد حان الفراق ، وقد دُعيت وأنا مجيب الداعي ، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ، ونصرتم فأحسنتم النصرة ، وواسيتم في الأموال ، ووسعتم في السكنى ، وبذلتم لله مهج النفوس ، والله مجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى.

وقد بقيت واحدة ، وهي تمام الأمر وخاتمة العمل ، العمل معها مقرون به جميعاً ، إنّي أرى أن لا يفرّق بينهما جميعاً ، لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست ، من أتى بواحدة وترك الأُخرى كان جاحداً للأُولى ، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا ».

قالوا : يا رسول الله ، فأَبنِ لنا نعرفها ، ولا نمسك عنها فنضلّ ونرتدّ

____________

١ ـ كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد مفقود ، ولا نعرف منه إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، وما أوردناه منه.

٢ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١١٥ ، الطرفة الأُولى.

٦٩

عن الإسلام ، والنعمة من الله ومن رسوله علينا ، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله ، [ وقد بلّغت ونصحت وأدّيت ، وكنت بنا رؤوفاً رحيماً ، شفيقاً مشفقاً ، فما هي يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )؟ ](١) .

قال لهم : « كتاب الله وأهل بيتي ، فإنّ الكتاب هو القرآن ، وفيه الحجّة والنور والبرهان ، وكلام الله جديد غضّ طريّ ، شاهد ومحكم عادل ، دولة قائد بحلاله وحرامه وأحكامه ، بصير به ، قاض به ، مضموم فيه ، يقوم غداً فيحاجّ به أقواماً ، فتزلّ أقدامهم عن الصراط ، فاحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي ، فإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

ألا وأنّ الإسلام سقف تحته دعّامة ، ولا يقوم السقف إلاّ بها ، فلو أنّ أحدكم أتى بذلك السقف ممدوداً لا دعّامة تحته ، فأوشك أن يخرّ عليه سقفه فهوى في النار.

أيّها الناس ، الدعّامة دعّامة الإسلام ، وذلك قوله تبارك وتعالى( إليه يصْعَدُ الكَلِمُ الطيّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يرفَعُه ) ، فالعمل الصالح طاعة الإمام وليّ الأمر والتمسّك بحبل الله.

أيّها الناس ، ألا فهمتم ، الله الله في أهل بيتي ، مصابيح الهدى ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ، ومستقرّ الملائكة ، منهم وصيّي وأميني ووارثي ، ومن هو منِّي بمنزلة هارون من موسى ، علي ( عليه السلام ) ، ألا هل بلّغت؟

والله يا معاشر الأنصار ، [ لتقرُّن لله ولرسوله بما عهد إليكم ، أو ليُضرَبن بعدي بالذلّ.

يا معشر الأنصار ](٢) ألا اسمعوا ومن حضر ، ألا إنّ باب فاطمة بابي ،

____________

١ ـ بين القوسين ساقط في بعض النسخ.

٢ ـ بين القوسين ساقط من بعض النسخ.

٧٠

وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله ».

قال عيسى بن المستفاد : فبكى أبو الحسن ( عليه السلام ) طويلا ، وقطع عنه بقيّة الحديث ، وأكثر البكاء ، وقال : « هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، هُتك ـ والله ـ حجاب الله ، وحجاب الله حجاب فاطمة ، يا أُمّه يا أُمّه ، صلوات الله عليها »(١) .

عيسى بن المستفاد :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : عيسى بن المستفاد أبو موسى البجلي الضرير ، روى عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، ولم يكن بذاك(٢) .

وذكره الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست ، وسكت عنه(٣) ، ومثله ابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في المعالم(٤) .

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : ذكر له رواياته عن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده ، وهو في نفسه ضعيف(٥) .

ونقل في الخلاصة كلام النجاشي وابن الغضائري ، أورده في القسم الثاني المخصّص للضعاف أو من يردّ قوله أو يتوقّف فيه(٦) ، ولكن ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) أورده في القسمين ، ورمز له في أصحاب الباقر ( عليه السلام ) ، ونقل في الأوّل عن رجال الشيخ والفهرست والنجاشي أنّه لم يكن بذاك ، مع أنّه غير مذكور في رجال الشيخ(٧) ، وفي الثاني أعاد ما ذكره أوّلا ، ولكنّه

____________

١ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٤٣ ، الطرفة العاشرة.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٣ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٤ ـ معالم العلماء : ٨٦ [ ٥٩٤ ].

٥ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، وانظر : مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٦ ـ خلاصة الأقوال : ٣٧٨ [ ١٥٢٠ ] ، القسم الثاني.

٧ ـ رجال ابن داود : ١٤٩ [ ١١٧٦ ].

٧١

نسبه إلى النجاشي فقط(١) .

ثمَّ ترجم في جامع الرواة : ( عيسى الضرير ) و ( عيسى الضعيف ) يرويان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، واستظهر أنّهما واحد لاتّحاد الطريق(٢) ، ووافقه التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) في القاموس(٣) ، والسيّد الخوئي ( ت ١٤١٣ هـ ) في المعجم(٤) ، وأمّا المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) فأستظهر اتّحادهما مع عيسى بن المستفاد أيضاً(٥) ، مع أنّ صاحب القاموس استبعد ذلك(٦) .

أقول : إنّ ( عيسى الضرير ) أو ( عيسى الضعيف ) لم يرد ذكره في رجال الطوسي ولا البرقي في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، بل لم يرد ذكره أصلا ، لا في هذين الكتابين ولا في بقيّة كتب الرجال ، وإنّما جاء في سند الروايات عن الإمام الصادق ( عليه السلام ).

نعم ، ذكر الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في رجاله في أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) عيسى بن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، كوفي(٧) ، ولم يذكر

____________

١ ـ رجال ابن داود : ٢٦٥ [ ٣٨٤ ].

وانظر : نقد الرجال ٣ : ٣٩٦ [ ٤٠٦٢ ] ، إيضاح الاشتباه : ٢٣٤ [ ٤٥٣ ] ، هداية المحدّثين : ١٢٦ ، منتهى المقال ٥ : ١٦٩ [ ٢٢٥٦ ] ، حاوي الأقوال ٤ : ١٥٠ ، عدّة الرجال ١ : ٢٤٦ ، جامع الرواة ١ : ٦٥٤ ، تنقيح المقال ٢ : ٣٦٣ ، مع بعض الاشتباه نبّه عليه التستري في قاموس الرجال ٨ : ٣٣١ [ ٥٨٢٤ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ] ، الوجيزة : ٢٧٦ [ ١٣٨٧ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦ ، بهجة الآمال ٥ : ٦٤٥.

٢ ـ جامع الرواة ١ : ٦٥١.

٣ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٢ ] و [ ٥٨٠٣ ].

٤ ـ معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٩ [ ٩٢٥٣ ] و [ ٩٢٥٤ ].

٥ ـ تنقيح المقال ٢ : ٣٦١.

٦ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٧ ـ رجال الطوسي : ٢٥٨ [ ٣٦٦٥ ].

٧٢

عيسى بن المستفاد في أصحاب أيّ إمام من الأئمّة ( عليهم السلام ) ، مع أنّه ذكره في الفهرست(١) .

فإذا أخذنا بعين الاعتبار اتّحاد الاسم واللقب ، وأنّ المستفاد يمكن أن يكون لقب لعبد الرحمن ، أمكن القول باتّحادهما ، بل باتّحاد الجميع الضرير أو الضعيف وابن المستفاد وابن عبد الرحمن السلميّ البجليّ ، فإنّ الضعيف ـ كما هو الأصحّ على ما أشار إليه التستري ( ت ١٤١٥ هـ )(٢) ويحتمل العكس ـ قد روى عن الصادق ( عليه السلام ) في الكافي والفقيه والتهذيب(٣) ، مع أنّ الشيخ لم يذكره في رجاله.

وقد يكون من القرينة على ذلك ما رواه الرضي ( ت ٤٠٦ هـ ) في الخصائص بسند ، هو : حدّثني هارون بن موسى ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار العجليّ الكوفي ، قال : حدَّثني عيسى الضرير ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، عن أبيه قال : ، وهي الطرفة الخامسة عشر من طرف السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ )(٤) ، كما وأورد رواية أُخرى بنفس السند ، ولكنّه ذكر الاسم هكذا : أبو موسى عيسى الضرير البجلي ، وهو في الطرفة السادسة عشر من الطرف(٥) .

فاكتفائه في الأوّل بـ ( عيسى الضرير ) ، وأضاف إليه في الثاني ( أبو موسى ) و ( البجلي ) يقرّبنا إلى المراد كما هو واضح ; لأنّ المراد بعيسى الضرير في السند هو ابن المستفاد ، بقرينة ذكر روايته في ضمن الطرف

____________

١ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٢ ـ قاموس الرجال ٨ : ٣١٩ [ ٥٨٠٣ ].

٣ ـ الكافي ٧ : ٢٩٥ ح ١ و ٢٧٦ ح ٤ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٦٩ ح ١٢ ، التهذيب ١٠ : ١٨٧ ح ٣٢ ، كتاب الديّات ، باب : القضايا في الديّات والقصاص.

٤ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٥٧ ، الطرفة الخامسة عشر.

٥ ـ طرف من الأنباء والمناقب : ١٦١ ، الطرفة السادسة عشر.

٧٣

التي أكثرها عن ابن المستفاد عن الكاظم ( عليه السلام ).

ويبقى ما انفرد به النجاشي من أنّه من أصحاب أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ، فالظاهر أن لا رواية له عن الجواد ( عليه السلام ) ، فهل يمكن حمل ( الثاني ) على الاشتباه وأنّه أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، كما عن ابن داود؟ الله أعلم!

كتاب الوصيّة :

لم يصلنا من كتاب عيسى بن المستفاد إلاّ ما نقله ابن طاووس في طرفه ، ولكنّه لم يصرّح بأنّه من كتاب الوصيّة لعيسى ، وإن استظهر الكلّ أنّه منه ; لأنّهم لم يذكروا لابن المستفاد كتاباً غيره ، ولأنّ ما نقله ابن طاووس ينطبق تماماً على اسم الكتاب ، ألا وهو ( الوصيّة ).

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : له كتاب الوصيّة ، رواه شيوخنا ، عن أبي القاسم جعفر ابن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن هلال بن الفضل بن محمّد بن أحمد بن سليمان الصابوني ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن محمّد ، قال : حدَّثنا أبو يوسف الوُحاظي والأزهر بن بسطام بن رستم والحسن بن يعقوب ، قالوا : حدَّثنا عيسى بن المستفاد ، وهذا الطريق طريق مصريّ فيه اضطراب ، وقد أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران ، قال : حدَّثنا يحيى بن محمّد القصباني ، عن عبيد الله بن الفضل(١) .

وقال الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : له كتاب ، رواه عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عنه(٢) ، وهو ضعيف بعبيد الله بن عبد الله الدهقان(٣) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٢٩٧ [ ٨٠٩ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ٣٣٢ [ ٥٢١ ].

٣ ـ انظر : خاتمة المستدرك ٩ : ٢٤٦ [ ٥٣٢ ] ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٢٤ [ ٩٢٤١ ].

٧٤

وقال ابن الغضائري ( ت ٤١١ هـ ) : وله كتاب الوصيّة لا يثبت سنده(١) .

ولكن المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) قال ـ بعد أن أخرج عدّة روايات من الطرف ـ : انتهى ما أخرجناه من كتاب الطرف ممّا أخرجه من كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد ، وكتاب خصائص الأئمّة للسيّد الرضي ( رضي الله عنه ) ، وأكثرها مرويّ في كتاب الصراط المستقيم للشيخ زين الدين البياضي ( ت ٨٧٧ هـ ) ، وعيسى وكتابه مذكوران في كتب الرجال ، ولي إليه أسانيد جمّة ، وبعد اعتبار الكليني ( رحمه الله ) الكتاب واعتماد السيّدين عليه لا عبرة بتضعيف بعضهم ، مع أنّ ألفاظ الروايات ومضامينها شاهدة على صحّتها(٢) .

ولا يخلو كلامه ( قدس سره ) من المناقشة.

وذكر الكتاب العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة أيضاً ، واستظهر وجود نسخة منه عند السيّد ابن طاووس من خلال كثرة نقله عنه في الطرف(٣) .

____________

١ ـ رجال ابن الغضائري : ٨١ [ ١٠٠ ] ، مجمع الرجال ٤ : ٣٠٦.

٢ ـ البحار ٢٢ : ٤٩٥.

٣ ـ الذريعة ٢٥ : ١٠٣ [ ٥٦٥ ] ، و ١٥ : ١٦١ [ ١٠٥٣ ].

٧٥
٧٦

حديث الثقلين عند الإماميّة ( الاثني عشريّة )

القرن الثالث الهجري

٧٧
٧٨

(٤) صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) بسند الطبرسي

للإمام علي بن موسى بن جعفر الرضا ( عليه السلام ) ( ت ٢٠٣ هـ )

الحديث :

حدّثني علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدّثني أبي الحسين بن علي ، قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، قال :

وبإسناده ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « كأنّي دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما »(١) .

الراوون عنها :

وعنها الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )(٢) .

____________

١ ـ صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ٥٩ ح ٨٣. وعنها في إثبات الهداة ١ : ١١٢ ح ٦٢٢ ، فصل (٣١) ، والبحار ٢٣ : ١٤٥ ح ١٠١.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ٢ : ٣٤ ح ٤٠ ، الباب (٣١) : في ما جاء عن الرضا ( عليه السلام ) من أخبار مجموعة ، وفيه : « كأنّي قد دعيت » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٧٩

والقاسم بن محمّد بن علي ( ت ١٠٢٩ هـ ) في الاعتصام بحبل الله المتين(١) .

صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام ) :

ذكرها الشيخ الحرّ ( ت ١١٠٤ هـ ) في الكتب المعتمدة لديه وقال : رواية أبي علي الطبرسي(٢) ، وذكر طريقه إليها(٣) .

وذكرها المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في مصادره وقال : المسندة إلى شيخنا أبي علي الطبرسي ( رحمه الله ) بإسناده إلى الرضا ( عليه السلام )(٤) ، وقال في توثيقها : وكتاب الرضا ( عليه السلام ) من الكتب المشهورة بين الخاصّة والعامّة ، وروى السيّد الجليل علي بن طاووس منها بسنده إلى الشيخ الطبرسي ( رحمه الله ) ، ووجدت أسانيد في النسخ القديمة منه إلى الشيخ المذكور ومنه إلى الإمام ( عليه السلام ) ، وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار : كان يقول يحيى بن الحسين الحسيني في إسناد صحيفة الرضا : لو قرئ هذا الإسناد على أُذن مجنون لأفاق ، وأشار النجاشي في ترجمة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، وترجمة والده راوي هذه الرسالة إليها ، ومدحها ، وذكر سنده إليها ، وبالجملة هي من الأُصول المشهورة ويصحّ التعويل عليها(٥) .

____________

١ ـ الاعتصام ١ : ١٣٣ ، فصل : فيما ورد من احاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنّه ترك في المسلمين كتاب الله تعالى وسنّته وعترته أهل بيته .

وفيه : وفي صحيفة علي بن موسى الرضى عن آبائه ، أباً فأباً ، إسناداً متّصلا عن علي عليه وعليهم السلام ، قال : « وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كأنّي قد دعيت واُجبت » ، وفيه : « كتاب الله عزّ وجلّ حبل . » ، وفيه : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

٢ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٦ [ ٣٥ ] الفائدة الرابعة.

٣ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٨٦ ، الطريق الثاني والأربعون.

٤ ـ البحار ١ : ١١.

٥ ـ البحار ١ : ٣٠.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

« إذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه ».

واندفع الصحابي العظيم عمار بن ياسر فأيد مقالة الامام ، وأعلن نقمته على عثمان فقال :

« أشهد ان أنفى أول راغم من ذلك »

ولما منح سعيد بن العاص مائة الف درهم ، انطلق الامام أمير المؤمنين مع جماعة من اعلام الصحابة فعابوا عليه عمله ، وانكروا عليه هذا العطاء فقال لهم :

« إن له قرابة ورحما »

فردوا عليه حجته ، وقالوا له :

« أفما كان لأبي بكر وعمر قرابة؟ »

فأجابهم :

« ان ابا بكر ، وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما وأنا أحتسب في اعطاء قرابتى »(١)

لقد نقم المسلمون من عثمان ، وسخط عليه خيارهم لأنه استأثر بالفيء ، ومنح أموال المسلمين الى بني أميّة ، ولم يطبق فى سياسته العدل الاجتماعى الذي جاء به الاسلام.

اعتذار عثمان

واعتذر عثمان للناقدين لسياسته بأنه أوصل رحمه ، وبرّ بذي قرباه وليس فى ذلك مأثم عليه او مخالفة للشرع ـ كما يراه ـ ولا بد لنا من وقفة قصيرة أمام هذا الاعتذار لنعرف مدى واقعيته ، وصحته ، والذي

__________________

(١) الانساب ٥ / ٢٨

٢٢١

يقتضيه النظر أنه منطق مفلوج لا يتفق مع الشرع ، ولا يلتقي بصالح الامة وذلك ـ أولا ـ ان الاموال التي منحها لأسرته لم تكن من أمواله الخاصة لتكون له مندوحة في انفاقها عليهم ، وانما هي أموال المسلمين فيجب انفاقها عليهم ، وليس لرئيس الدولة أن يتصرف فيها بقليل ، ولا بكثير فقد ورد عقيل من يثرب وهو بائس مضطر الى أخيه أمير المؤمنين٧ فطلب منه وفاء دينه ، فقال له الامام :

ـ كم دينك؟

ـ أربعون الفا

ـ ما هي عندي ، ولكن اصبر حتى يخرج عطائي فادفعه إليك ـ بيوت المال بيدك وأنت تسوفنى بعطائك؟

ـ أتأمرني ان أدفع إليك أموال المسلمين ، وقد ائتمنوني عليها.(١)

هذا هو منطق الاسلام ، وهذا عدله ، وهذه مساواته إنه لا يفرق بين القريب والبعيد فالجميع سواسية في العطاء وغيره.

و ـ ثانيا ـ إن اسرته التي برّ بها خليقة بالقطيعة وجديرة بأن لا توصل لأنها ناهضت الاسلام وناجزته الحرب ، وهي الشجرة الملعونة في القرآن فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو ان النبي٦ قال : رأيت ولد الحكم بن ابي العاص على المنابر كأنهم القردة فانزل الله : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة : يعنى الحكم وولده(٢) وقالت عائشة لمروان سمعت رسول الله٦ يقول

__________________

(١) اسد الغابة ٣ / ٤٢٣

(٢) تفسير الطبري ١٥ / ٧٧ ، تفسير القرطبي ١٠ / ٢٨٣

٢٢٢

لأبيك : « أبي العاص بن أميّة » انكم الشجرة الملعونة في القرآن(١) وقد نهى الله عن موادة المعادين له ، وحرم مواصلتهم قال تعالى : « لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم »(٢)

لقد كان عثمان شديد الحب للامويين فقد قال : « لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بنى أميّة حتى يدخلوا عن آخرهم »(٣) وهذا الحب العارم لأسرته هو الذي اجهز عليه ، وحفز القوى الاسلامية الى الثورة عليه والاطاحة بحكمه وقتله.

٢ ـ منحه للاعيان

ووهب عثمان أموال المسلمين الى الوجوه والاعيان ، وذوي النفوذ السياسى ممن يحذر جانبهم ، فوصل طلحة بمائتي الف دينار(٤) وكانت له عليه خمسون الفا ، فقال له طلحة : تهيأ مالك فاقبضه ، فوهبه له ، وقال : هو لك يا أبا محمد على مروءتك(٥) ووصل الزبير بستمائة الف ، ولما قبضها جعل يسأل عن خير المال ليستغل صلته فدل على اتخاذ الدور فى الاقاليم والامصار(٦) فبنى احدى عشرة دارا بالمدينة ، ودارين بالبصرة

__________________

(١) الدر المنثور ٤ / ١٩١

(٢) سورة المجادلة : آية ٢٢

(٣) مسند احمد ١ / ٦٢

(٤) طبقات ابن سعد

(٥) تأريخ الطبري ٥ / ١٣٩

(٦) طبقات ابن سعد

٢٢٣

ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر(١) ووهب أموالا طائلة لزيد بن ثابت حتى بلغ به الثراء انه لما توفى خلف من الذهب والفضة ما يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الاموال والضياع مائة الف دينار(٢) ومنح أموالا أخرى الى السائرين في ركابه ، والمؤيدين لسياسته ، وقد ذكر بالتفصيل تلك الهبات شيخ المحققين الاميني في موسوعته الخالدة(٣)

وبأي وجه تصحح هذه الهبات وهي أموال المسلمين وقد فرض فيها ان تصرف على اصلاح المجتمع ، وانقاذ الفقير والمحروم من البؤس والفاقة ، لا أن يتاجر بها في شراء الضمائر ، وتأييد الحكم القائم فان ذلك لا يقره الاسلام بحال من الاحوال.

٣ ـ استئثاره بالاموال

واستنزف عثمان بيوت الاموال فاصطفى منها ما شاء لنفسه وعياله ، وبالغ في البذخ والاسراف فبنى دارا فى يثرب شيدها بالحجر والكلس ، وجعل أبوابها من الساج والعرعر ، واقتنى أموالا وجنانا وعيونا بالمدينة(٤) وكان ينضد اسنانه بالذهب ، ويتلبس بأثواب الملوك ، وانفق اكثر بيت المال في عمارة ضياعه ودوره(٥) ولما قتل كان عند خازنه ثلاثون الف الف درهم ، وخمسمائة الف درهم وخمسون ومائة الف دينار ، وترك الف

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٢١

(٢) مروج الذهب ١ / ٣٣٤

(٣) الغدير الجزء الثامن

(٤) مروج الذهب ١ / ٤٣٣

(٥) السيرة الحلبية ٢ / ٨٧

٢٢٤

بعير وصدقات ببراديس وخيبر ، ووادي القرى قيمة مائتى الف دينار(١)

إن عثمان قد نهج منهجا خاصا في سياسته المالية ، فلم يتقيد بكتاب الله ، ولا بسنة نبيه ، فتصرف في بيت المال تصرفا كيفيا فأخذ منه ما شاء ومنح من أحب ، ووهب لمن سار في ركابه ، وقد وصف الامام امير المؤمنين هذه السياسة الملتوية بقوله :

« الى ان قام ثالث القوم ـ يعني عثمان ـ نافجا حضنيه(٢) بين نثيله ومعتلفه(٣) وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع »

وهذا أبدع ما توصف به السياسة المنحرفة التي تتخذ الحكم وسيلة للثراء والتمتع بملاذ الحياة ، ولا تقيم وزنا للامة ، ولا تعتني بمصالحها وأهدافها.

وقد أصدر الامام أمير المؤمنين قراره الحاسم بعد ان استولى على زمام الحكم بمصادرة جميع الاموال التي استأثر بها عثمان لنفسه ، والتي وهبها لخاصته وأقربائه ، وهذا نص قراره :

« الا ان كل قطيعة اقطعها عثمان ، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال ، فان الحق القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته قد تزوج به النساء ، وفرق في البلدان لرددته الى حاله فان في العدل سعة

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٥٣

(٢) نافجا حضنيه : اي رافعا لهما ، والحضن ما بين الابط والكشح ، يقال للمتكبر : جاء نافجا حضنيه ، ويقال لمن امتلأ بطنه طعاما : جاء نافجا حضنيه ، ومراده (ع) هو الثاني.

(٣) النثيل : الروث ، والمعتلف : موضع العلف يريد به ان همه الاكل والرجيع ، وهذا من ممض الذم كما يقول ابن ابى الحديد.

٢٢٥

ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق »(١)

وكان هذا الاجراء الذي اتخذه الامام على وفق العدل الاسلامي الذي حدد صلاحية المسئولين ، ولم يطلق لهم العنان فى التصرف بأموال الامة ، والاستئثار بها ، فليس لهم أن يصطفوا منها لأنفسهم ولا لذراريهم فهذا رسول الله٦ قد جاءته ابنته الوحيدة التي لا عقب له سواها تطلب منه ان يبغي لها وصيفا يخدمها لأن يديها قد مجلت من الرحى ، فلم يجد٦ مجالا لأن يأخذ من بيت المال ما يشتري به وصيفا يعين ابنته فردها ، وعلمها التسبيح الذي ينسب لها ، وقد سار على هذه السيرة وصيه وباب مدينة علمه الامام امير المؤمنين٧ فقد جاء أخوه عقيل يستميحه البر ، ويطلب منه السعة والرفاهية فاحمى له حديدة كاد ان يحترق من ميسمها ، هذا هو منطق الاسلام الذي جاء لاسعاد الشعوب واصلاحها وانقاذها من البؤس والفقر والحرمان.

مع الدكتور طه حسين

وتناقضت أقوال الدكتور طه حسين تناقضا صريحا في تصوير السياسة المالية التي انتهجها عثمان ، فتارة يسف في قوله فيزعم انه كان محافظا على سيرة عمر فى سياسة المال فلم يخالفه فى ذلك ، ولم يشذ عنه فى جميع أعماله الادارية والحربية ، وفيما كان يأخذ به عامة المسلمين من الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والتزام السنة الموروثة ، واجتناب التكلف والابتداع(٢) واخرى يستقيم فى قوله فيذهب الى أنه انحرف عن سياسة عمر فى الابقاء على بيت المال ، وفى ألا ينفق منه إلا بمقدار الحاجة الى الانفاق ، وأنه

__________________

(١) نهج البلاغة ١ / ٤٦

(٢) الفتنة الكبرى ١ / ٧٢

٢٢٦

كان ينكر تشدد عمر ، ويرى أن فى بيت المال ما يسع الناس اكثر مما وسعهم أيام عمر فهو نقد غير مباشر لسيرة عمر فى سياسة بيت المال(١) ومعنى هذا انه لم يتقيد بسيرة عمر ، ولم يطبق سياسته على واقع حكومته وهذا ينافى ما ذكره أولا ، من انه كان يسير على وفق الاهداف التي سار عليها عمر.

وعلى أي حال فقد مال أخيرا الى تصحيح سياسته المالية وانها لم تخالف السنة الموروثة ، ولم تخل من الخير ومراعاة الصالح العام ، ونسوق نص كلامه فى ذلك مع مواقع النظر فيه وهو كما يلي :

أفاد الدكتور ما نصه : « الشيء المحقق هو ان عثمان لم يدهن في دينه والشيء المحقق أيضا هو ان عثمان لم ير في سياسته تلك مخالفة خطيرة او غير خطيرة لسيرة الشيخين ، فهو لم يعتمد الجور ولا المحاباة ، وإنما وسع على الناس من أموالهم ، رأى فى بيت المال غنى فآثر الناس به ، ولم يغل فى الادخار. وأي حرج فى أن يصل اصحاب النبي بشيء من هذا المال قليل او كثير ، وهم أئمة الاسلام وبناة الدولة وأصحاب البلاء الحسن ايام النبيّ ، وهم قد احتملوا من الشدة والحرمان شيئا كثيرا! وقد صدق الله وعده واكثر الخير ، فأي الناس أحق من هؤلاء المهاجرين ان يستمتعوا بشيء من هذا الخير الكثير »(٢)

ومواقع النظر فى كلامه ما يلي :

١ ـ انه ذهب الى أن عثمان لم يدهن فى دينه ، وأنه لم ير في سياسته مخالفة خطيرة او غير خطيرة لسيرة الشيخين ، ولم يتعمد الجور ولا المحاباة.

__________________

(١) الفتنة الكبرى ١ / ٧٤

(٢) الفتنة الكبرى ١ / ٧٧

٢٢٧

أما ان عثمان لم يدهن فى دينه فيزيفه اعلانه للتوبة ، وانه قد جافى العدل ، وانحرف عن الطريق القويم وهذا نص توبته :

« أما بعد : أيها الناس ، فو الله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله وما جئت إلا وأنا أعرفه ، ولكني منتنى نفسي ، وكذبتني ، وضل عني رشدي ، ولقد سمعت رسول الله٦ يقول : من زلّ فليتب(١) ومن أخطأ فليتب ، ولا يتمادى في الهلكة إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق ، فانا أول من اتعظ ، استغفر الله عما فعلت وأتوب إليه »(٢)

وهي صريحة في أنه سلك غير الجادة ، وشذ عن السنة الموروثة ، وأنه على بصيرة من ذلك لم يجهله ، ولم يغب عنه علمه وانما ارتكب ما ارتكب من المخالفات للسنة كهباته للأمويين ، وصلاته لآل أبى معيط ، وتنكيله باعلام الصحابة الناقدين لسياسته ، وغير ذلك من الاحداث الجسام ، انما هو استجابة لعواطفه ورغباته فان نفسه قد منته بذلك حتى ضل عنه رشده وفقد صوابه ـ على حد تعبيره ـ ومع اعترافه بذلك ، وتسجيله على نفسه انه انحرف عن الطريق كيف يمكن ان يقال إنه لم يدهن في دينه ، ولم يتعمد الجور والمحاباة.

٢ ـ أما ما ذكره من أن عثمان وسع على الناس من أموالهم لأنه رأى فى بيت المال غنى فآثر الناس به ، ولم يغل في الادخار فان هذا لا يمكن المساعدة عليه بوجه فان عثمان لم يوسع على الناس ، ولم يبسط لهم فى العيش وإلا لما ثاروا عليه ، وقتلوه ، وإنما وسع على نفسه وخاصته ،

__________________

(١) في رواية البلاذري من زل فلينب

(٢) تاريخ الطبري

٢٢٨

ووسع على بنى أميّة والمؤيدين لسياسته فآثرهم بالفىء ، وخصهم بأموال الدولة الامر الذي اوجب شيوع التذمر ، ونقمة المسلمين عليه في جميع اقطارهم وأقاليمهم حتى أطاحوا بحكمه ، وأردوه قتيلا لم يواروه فى قبره حتى ندم خيار المسلمين على عدم حرق جثته(١)

٣ ـ وأما ما أفاده من أنه لا حرج ، ولا اثم على عثمان في صلته لأصحاب النبي٦ بالاموال لأنهم أئمة المسلمين ، وأصحاب البلاء الحسن ، فأي الناس احق منهم بالاستمتاع بشيء من هذا الخير. فانه ظاهر البطلان لأن بيت المال ـ كما ذكرنا غير مرة ـ هو للمسلمين جميعا لا يختص به قوم دون آخرين ، ويجب صرفه على مصالحهم ، واصلاح شئونهم ، وليس لطائفة مهما علا شأنها ان تختص به ، وتحرم منه الاكثرية الساحقة ، على ان الاسلام فى ذلك الوقت احوج ما يكون الى بسط عدله الاجتماعي بين الشعوب المتعطشة الى مساواته العادلة التي لا تميز قوما على آخرين ، ولكن عثمان آثر بنى أميّة في كل شيء آثرهم بالاموال والوظائف وحملهم على رقاب الناس الامر الذي أدى الى تحطيم المساواة التي جاء بها الاسلام.

وأما سبق المهاجرين من اصحاب رسول الله٦ الى الاسلام ودفاعهم عن حياضه ، وتحملهم للعناء والبلاء فى سبيله فامر لا مجال للشك فيه ، وهم مشكورون عليه ، والله هو الذي يتولى جزاءهم عن ذلك ، ولكن منحهم بالاموال والاغداق عليهم بالنعم فامر لا مساغ له لأن فيه إحياء للطبقية التي حاربها الاسلام وشجب جميع مظاهرها.

ويمضى الدكتور فى تصحيح سياسة عثمان ، ومشروعية هباته للصحابة

__________________

(١) قال ذلك الصحابي العظيم عمار بن ياسر انظر الغدير ٩ / ٢١٦

٢٢٩

وانه لم يخالف بذلك السنة الموروثة ، وإنما جرى على طبعه السخي ، ولم يذكر هباته الضخمة ، وعطاياه الوافرة للامويين وآل أبي معيط فقد اعرض سيادته عن ذلك ولم يذكره بقليل ولا بكثير ، وهو فيما نحسب من أهم الاسباب التي أدت الى الانكار عليه ، لقد أهمل الدكتور هذه الناحية أما لأنه لم يجد مجالا للاعتذار عنها أو انه لا يرى بأسا في ذلك كما لا يرى بأسا في عطاياه للصحابة ، ومن المؤسف ان يسف فى ذلك ، ويبرر ما خالف السنة.

ولاته على الامصار

ويحتم الاسلام على خليفة المسلمين ، وولي أمرهم أن يجهد نفسه في اختيار ذوي القابليات والمواهب ممن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة من العدالة والتقوى ، والنزاهة ، والنصح للرعية ، والسهر على صالحها ، ورعاية شئونها بأمانة واخلاص ليجعلهم ولاة على الامصار والاقاليم ، ولا يجوز ان يولي أي احد مهما كان قريبا له محاباة او اثرة فان ذلك خيانة لله ولرسوله ، وللمسلمين لأن الولاة يتحملون مسئولية الحكم ، والقضاء بين الناس ، وادارة شئونهم والاصلاح فيما بينهم ، والائتمان على أموالهم ودمائهم فلا بد ان يكونوا من خيرة الرجال ومن اكثرهم دينا ، ووقوفا في الشبهات ، وأبعدهم عن الطمع والحرص ، واصبرهم على تكشف الامور هذا هو رأي الاسلام ، وهذه خطته التي حفل بها نظامه الخالد ، وقد ابتعد عثمان عن ذلك فعمد الى توظيف اسرته وذوى قرباه الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا في الارض فسادا فحملهم على رقاب المسلمين وأسند إليهم اهم الوظائف فجعلهم أمراء على الامصار والاقاليم ، ونشير الى بعضهم مع بيان تراجمهم وهم :

١ ـ الوليد بن عقبة

٢٣٠

وكان على الكوفة واليا سعد بن أبي وقاص الزهري فعزله عثمان عنها وولى عليها الوليد بن عقبة بن ابي معيط ولم يعهد الى اهل الكفاية والقدرة من المهاجرين والانصار الذين احسنوا البلاء فى الاسلام ليتولوا شئون هذا المصر الذي هو من اعظم امصار المسلمين أهمية وأكثرها ثغورا.

وعلى أي حال فهل ان الوليد كان خليقا لأن يعهد إليه بهذا المنصب الخطير الذي يوكل إليه القضاء بين الناس وإتمامهم به في الصلاة ، والائتمان على بيت المال وغير ذلك من الشؤون التي تتوقف على العدالة والتقوى والحريجة فى الدين ونقدم عرضا موجزا لبعض شئونه ليتضح حاله وهي :

أ ـ نشأته

نشأ فى مجتمع جاهلي ، وتربى تربية جاهلية ، ولم يدخل بصيص من نور الاسلام فى قلبه ، كان ابوه من ألد اعداء رسول الله٦ روت عائشة عن رسول الله٦ قال : كنت بين شرّ جارين بين أبي لهب وبين عقبة بن ابي معيط ، إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي حتى أنهم ليأتون ببعض ما يطرحونه من الاذى فيطرحونه على بابي(١) وقد بصق هذا اللعين فى وجه رسول الله٦ وشتمه ، فقال له النبي : إن وجدتك خارجا من جبال مكة اضرب عنقك صبرا ، فلما كان يوم بدر وخرج اصحابه امتنع من الخروج فقال له اصحابه اخرج معنا ، قال وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة ان يضرب عنقى صبرا ، فقالوا له : لك جمل احمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه فخرج معهم ، فلما هزم الله المشركين حمل به جمله في جدود من الارض فأخذه رسول الله٦

__________________

(١) طبقات ابن سعد ١ / ١٨٦ ط مصر

٢٣١

أسيرا في سبعين من قريش فقدم إليه فقال عقبة أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال نعم بما بزقت في وجهي ، ثم أمر عليا فضرب عنقه(١) وقد اترعت نفس الوليد بالحقد والكراهية من النبيّ٦ لأنه قد وتره بأبيه ، ولما لم يجد بدا من الدخول فى الاسلام اسلم ولكن قلبه كان مطمئنا بالكفر والنفاق.

ب ـ فسقه

ونطق القرآن الكريم بفسقه ، وعدم ايمانه مرتين « الاولى » انه جرت بينه وبين امير المؤمنين مشادة ، فقال الوليد له : اسكت فانك صبي وأنا شيخ ، والله اني ابسط منك لسانا ، وأحد منك سنانا ، واشجع منك جنانا ، وأملأ منك حشوا في الكثيبة ، فقال له علي : اسكت فانك فاسق فانزل الله تعالى فيهما قوله :( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ) (٢) وقد نظم ذلك حسان بن ثابت بقوله :

أنزل الله والكتاب عزيز

في علي وفى الوليد قرانا

فتبوا الوليد من ذاك فسقا

وعلي مبوأ إيمانا

ليس من كان مؤمنا عرف الله

كمن كان فاسقا خوانا

فعلي يلقى لدى الله عزا

ووليد يلقى هناك هوانا

سوف يجزى الوليد خزيا ونارا

وعلي لا شك يجزى جنانا(٣)

« الثانية » أنه غش النبيّ وكذب عليه وذلك حينما ارسله في بنى المصطلق ، فعاد الى النبيّ يزعم انهم منعوه الصدقة ، فخرج النبي

__________________

(١) الغدير ٨ / ٢٧٣

(٢) تفسير الطبري ٢١ / ٦٢

(٣) تذكرة الخواص ص ١١٥

٢٣٢

٦ إليهم غازيا فتبين له كذب الوليد ، ونزلت عليه الآية بفسقه قال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (١)

ومع اعلان القرآن بفسقه وأثمه كيف يجوز أن يجعل حاكما على المسلمين واماما لهم ومؤتمنا على أموالهم ودمائهم.

ج ـ ولايته على الكوفة

واستعمله عثمان واليا على الكوفة بعد عزله لسعد ، فسار فيها سيرة عبث ومجون وتهتك ، ولم يرع للدين حرمة ووقارا ، وأخذ يعيث فسادا في الارض حتى ضجت الكوفة من مجونه واستهتاره وتذمر الاخيار والصلحاء من سوء سيرته.

د ـ شربه للخمر

واقترف الوليد افحش جريمة ، وافظع ذنب فقد ثمل وصلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات ، وصار يقول : في ركوعه وسجوده : اشرب واسقنى. ثم قاء فى المحراب وسلم ، وقال هل ازيدكم؟ فقال له ابن مسعود : لا زادك الله خيرا ، ولا من بعثك إلينا ، وأخذ فردة نعله ، وضرب به وجه الوليد ، وحصبه الناس فدخل القصر والحصباء تأخذه ، وهو مترنح(٢) وفي فعله يقول الحطيئة جرول بن أوس العبسي :

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه

إن الوليد أحق بالعذر

نادى وقد تمت صلاتهم

أأزيدكم؟ ثملا ولا يدرى

__________________

(١) سورة الحجرات : آية ٦ يقول ابن عبد البر فى الاستيعاب ٢ / ٦٢ لا خلاف بين اهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت ان الآية نزلت فى الوليد.

(٢) السيرة الحلبية ٢ / ٣١٤

٢٣٣

ليزيدهم خيرا ولو قبلوا

منه لزادهم على عشر

فأبوا أبا وهب ولو فعلوا

لقرنت بين الشفع والوتر

حبسوا عنانك اذ جريت

ولو خلوا عنانك لم تزل تجري(١)

وقال الحطيئة فيه أيضا :

تكلم في الصلاة وزاد فيها

علانية وجاهر بالنفاق

ومج الخمر عن سنن المصلي

ونادى والجميع الى افتراق

أزيدكم على أن تحمدوني

فما لكم وما لي من خلاق(٢)

وهذه البادرة قد دلت على تهتكه ، وتماديه فى الاثم والفسوق ، فلم يرع حرمة للصلاة التي هي من اهم الشعائر الدينية ، واعظمها حرمة عند الله رأي طه حسين

ويعتقد طه حسين ان صلاة الوليد بالمسلمين ، وهو ثمل وزيادته فيها قصة مخترعة لا نصيب لها من الصحة قد وضعها خصوم الوليد والصقوها به ويستدل على ذلك أنه لو زاد فيها لما تبعته جماعة المسلمين من اهل الكوفة ، وفيهم نفر من اصحاب النبي ، وفيهم القراء والصالحون ، ولما رضى المسلمون من عثمان بما اقام عليه من حد الخمر ، فان الزيادة في الصلاة والعبث بها اعظم خطرا عند الله وعند المسلمين من شرب الخمر ، كما يذهب الى ان الشعر الذي هجي به الوليد لم يقله الحطيئة ، وانما قال الحطيئة شعرا يمدح به الوليد مدح حب حريص على رضاه ، وذكر أبياتا قالها في مدحه والثناء عليه(٣) والذي ذكره الدكتور لا يمكن المساعدة

__________________

(١) الاغاني ٤ / ١٧٨ ـ ١٧٩

(٢) الاغاني ٤ / ١٧٨ ، الاستيعاب

(٣) الفتنة الكبرى ١ / ٩٦ ـ ٩٧

٢٣٤

عليه بوجه وذلك ـ أولا ـ ان النصوص قد تضافرت بذلك ودونها الكثير ممن ترجم الوليد أو تعرض لأحداث عثمان فقد قال ابو عمر في الاستيعاب : « ان صلاته ـ اي الوليد ـ بهم وهو سكران ، وقوله ازيدكم؟ بعد ان صلى الصبح اربعا مشهورة من رواية الثقات من أهل الحديث وأهل الاخبار » وقال ابن حجر في الاصابة : « قصة صلاته بالناس الصبح وهو سكران مشهورة مخرجة » وحكى أبو الفرج في الاغاني ( ١٤ / ١٧٨ ) عن ابى عبيد والكلبي والاصمعي ان الوليد بن عقبة كان زانيا شريب خمر فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح فى المسجد الجامع فصلى بهم اربع ركعات ثم التفت إليهم ، وقال لهم ازيدكم؟ وتقيأ في المحراب ، وقرأ بهم في الصلاة :

علق القلب الربابا

بعد ما شابت وشابا

إن التشكيك في هذا الحادث والاعتقاد بأنه من الموضوعات انكار للضروريات ، وتشكيك في البديهيات وفي الهامش ثبت الى المصادر التي دونت ذلك ، وهي توجب القطع بصحته ، وعدم الريب فيه(١) ـ وثانيا ـ إن الله تعالى هو العالم بسرائر عباده ونياتهم ، وقد اعلن في كتابه الكريم فسق الوليد وفجوره في آيتين فلا يستبعد منه بعد ذلك أن تصدر منه افحش الموبقات واعظم الجرائم ـ وثالثا ـ ان صلحاء المسلمين وخيارهم

__________________

(١) مسند احمد ١ / ١٤٤ ، سنن البيهقي ٨ / ٣١٨ ، اسد الغابة ٥ / ٩١ ـ ٩٢ ، مروج الذهب ٢ / ٢٢٤ ، الكامل لابن الاثير ٣ / ٤٢ ، تأريخ ابى الفدا ٢ / ١٧٦ ، تأريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٠٤ ، تأريخ اليعقوبي ٢ / ١٤٢ ، الاصابة ٣ / ٦٣٨ ، هذه بعض المصادر التي نصت على ذلك ، فعلى اي مصدر اعتمد الدكتور فى افتعال القصة وعدم صحتها.

٢٣٥

قد انكروا عليه ونقموا منه وثاروا في وجهه ، فقد ضربه عبد الله بن مسعود بنعله ، وحصبه الناس ـ كما تقدم ـ وخرج رهط من الكوفة فاستجاروا باعلام الصحابة ، لينقذوهم من امارة الوليد واستهتاره ـ كما سنذكر ذلك ـ وما زعمه الدكتور طه حسين ان جماعة من المسلمين من أهل الكوفة قد تبعته وفيهم من أصحاب النبيّ والصالحين ، قد غالط بذلك الحقائق التأريخية التي نصت على ما ذكرناه ـ ورابعا ـ ان الحطيئة وان كان قد مدح الوليد واخلص له فانه لا ينافي أنه نقم منه وهجاه على ارتكابه هذه الجريمة النكراء التي سود بها وجه التأريخ الاسلامى والعربي.

إن الحطيئة عرف بالهجاء والمدح فهو قد يمدح شخصا يأمل منه البر والخير فاذا لم يعطه هجاه وذمه فقد قصد بنى ذهل يسترفدهم ، ويستميحهم العطاء ، ويقول في مدحهم :

إن اليمامة خير ساكنها

أهل القرية من بني ذهل

قوم اذا انتسبوا ففرعهم

فرعي وأثبت أصلهم اصلي

فلم يعطوه شيئا فقال يهجوهم :

ان اليمامة شر ساكنها

أهل القرية من بني ذهل

وكان اذا غضب على بنى عبس يهجوهم ويقول انا من بنى ذهل وإذا غضب على بنى ذهل يهجوهم ويقول لهم : أنا من بنى عبس ، وقد غضب على أمه فهجاها بقوله :

تنحي فاجلسى منى بعيدا

أراح الله منك العالمينا

أغربالا اذا استودعت سرا

وكانونا على المحدثينا

حياتك ما علمت حياة سوء

وموتك قد يسر الصالحينا

٢٣٦

والتمس انسانا يهجوه فلم يجده فانشأ يقول :

أبت شفتاي اليوم إلا تكلما

بشر فما ادري لمن انا قائله

وجعل يردد البيت ، ولا يرى انسانا حتى اذا طلع على حوض فرأى وجهه فقال :

أرى لي وجها شوه الله خلقه

فقبح من وجه وقبح حامله(١)

هذا هو الحطيئة فهل خفى حاله على الدكتور حتى يستبعد منه ان يمدح الوليد ويهجوه؟

وعلى أي حال فان طه حسين قد حاول تبرير الوليد ، وتنزيهه عن الموبقات والآثام وإلحاقه بالامراء الصالحين الذين لم يجوروا عن القصد فى حكمهم وقد قال فيه ما نصه :

« إن الوليد قد سار في اثناء ولايته على الكوفة سيرة فيها كثير جدا من الغناء وحسن البلاء. فهو لم يقصر في سد الثغور والامعان فى الفتح ، وإنما بلغ من ذلك غاية عرفت له وتحدث بها الناس في حياته وبعد موته وهو قد ساس الكوفة سياسة حزم وعزم ومضاء ، فاقر الامن ، وضرب على ايدي المفسدين من الاحداث والذين لا يرعون للنظام حرمة ، ولا يرجون للدين وقارا. »(٢)

وهل يستطيع الدكتور ان يثبت ذلك ويدلنا على معالم تلك السياسة الرشيدة التي سار عليها الوليد وتحدث الناس بها في حياته وبعد وفاته ، ولو كان الامر كما ذكره لما قام سعيد بن العاص ـ الذي عينه عثمان واليا على الكوفة بعد عزله للوليد ـ بغسل المنبر تحرجا من موبقات الوليد

__________________

(١) الاغاني المجلد الثانى القسم الاول ص ٧٦ ـ ٨٤ ط دار الفكر

(٢) الفتنة الكبرى ١ / ٩٤ ـ ٩٥

٢٣٧

وآثامه. نعم لقد تحدث الناس ، ولا زالوا يتحدثون عن مهازل الحكم الاموي الذي بنى على الاثرة والاستغلال والتحكم فى رقاب المسلمين ، وخيانة الامة ، وقهرها واذلالها باستعمال الوليد وأمثاله من الماجنين والمستهترين حكاما وولاة عليها وإنا لنأسف من الدكتور ان يدافع عن هؤلاء الخونة الذين هم صفحة عار وخزي على الامة العربية والاسلامية.

ه ـ اقامة الحد عليه

واسرع قوم من الكوفيين ممن يهمهم الاصلاح الى يثرب ليعرضوا على عثمان جريمة الوليد ، وانتهاكه لحرمة الاسلام ، وقد صحبوا معهم خاتمه الذي انتزعوه منه وهو في حالة السكر ، ولما انتهوا الى يثرب قابلوا عثمان ، وشهدوا عنده ان الوليد قد شرب الخمر فزجرهم عثمان وقال لهم :

« وما يدريكما أنه شرب خمرا؟. »

« هى الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية »

وأخرجوا له خاتمه الذي انتزعوه منه ، فثار عثمان ، وقام فدفع في صدورهم ، وقابلهم بأمر القول ، فانطلقوا الى امير المؤمنين(١) وأخبروه بالامر فأقبل الامام الى عثمان وقال له :

__________________

(١) وذكر ابو الفرج فى الاغاني ٤ / ١٧٩ ان القوم فزعوا الى عائشة فاستجاروا بها واصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال : اما يجد مراق اهل العراق وفساقهم ملجأ الا بيت عائشة ، فسمعت فرفعت نعل رسول الله «ص» وقالت تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل. فتسامع الناس فجاءوا حتى ملأوا المسجد فمن قائل : احسنت ، ومن قائل ما للنساء ولهذا؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال ودخل رهط من اصحاب رسول الله على عثمان فقالوا له : اتّق الله لا تعطل الحد واعزل اخاك.

٢٣٨

« دفعت الشهود وأبطلت الحدود؟ »

« ما ترى؟ »

« أرى ان تبعث الى صاحبك فان اقاما الشهادة في وجهه ، ولم يدل بحجة أقمت عليه الحد. »

ولم يجد عثمان بدا من الاذعان ، والاستجابة لقول الامام فكتب الى الوليد يأمره بالشخوص إليه ، ولما وصلت رسالته إليه نزح عن الكوفة فانتهى الى يثرب ، ودعا عثمان الشهود فأقاموا عليه الشهادة ، ولم يدل الوليد بأي حجة يدافع بها عن نفسه ، وامتنع حضار المجلس من القيام بحده نظرا لقربه من عثمان ، فانبرى امير المؤمنين فأخذ السوط ودنا منه فسبه الوليد ، وقال : يا صاحب مكس(١) فاندفع عقيل بن أبي طالب ، فرد على الوليد قائلا :

« إنك لتتكلم يا بن ابي معيط ، كأنك لا تدري من أنت ، وأنت علج من أهل صفورية ـ وهى قرية بين عكة واللجون من اعمال الاردن من بلاد طبرية ، كان ذكوان اباه يهوديا منها ـ

وجعل الوليد يروغ من الامام فاجتذبه ، وضرب به الارض وعلاه بالسوط ، فثار عثمان ، وقد علاه الغضب فقال للامام :

« ليس لك ان تفعل به هذا »

« بلى وشر من هذا اذا فسق ومنع حق الله ان يؤخذ منه »(٢)

واقام الامام عليه الحد وكان اللازم بعد هذا الحادث أن يبعده عثمان ولا يقربه إليه حتى يرتدع هو وغيره من ارتكاب المنكر والفساد ولكنه

__________________

(١) المكس : النقص والظلم.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٢٢٥

٢٣٩

لم يلبث ان رق عليه وولاه صدقات كلب ، وبلقين(١) وكيف يؤتمن هذا الخليع الفاسق على صدقات المسلمين وأموالهم؟

إن الامصار الاسلامية التي استجد تأسيس بعضها ، والتي لم يستجد تأسيسها كان يقيم فيها العربي وغيره من النازحين عن أوطانهم لطلب الرزق والعيش ، والاسرى الذين كانوا يقيمون مع الفاتحين وكل اولئك كانوا جديدى عهد بالاسلام فكانوا ينتظرون من خليفة المسلمين وولي أمرهم ان يستعمل عليهم رجالا اترعت نفوسهم بالتقوى والصلاح ، وتوفرت فيهم النزعات الخيرة ليكونوا قدوة لهم وهداة قبل ان يكونوا حكاما وامراء ولكن عثمان آثر في الحكم بنى أميّة وآل أبي معيط وهم لا يمثلون إلا الترف والدعارة والبطالة والفراغ والتهالك على اللذة والمجون.

٢ ـ سعيد بن العاص

وبعد ان اقترف الوليد تلك الجريمة النكراء اقصاه عثمان عن امارة الكوفة على كره منه ، وكان من المتوقع ان يسند الحكم الى أحد اعلام الصحابة من الذين أبلوا فى الاسلام بلاء حسنا ، ولكنه عمد الى سعيد ابن العاص فولاه هذا المصر العظيم ، وقد استقبله الكوفيون بالكراهية وعدم الرضا لأنه كان شابا مترفا(٢) لا يتحرج من الاثم ولا يتورع من الإفك روى ابن سعد أنه قال مرة في فطر رمضان ـ بعد أن ولي المصر ـ من رأى منكم الهلال؟ فقال إليه هاشم بن عتبة الصحابي العظيم « انا رأيته »

فوجه إليه لاذع القول وأقساه قائلا :

« بعينك هذه العوراء رأيته؟! »

__________________

(١) تأريخ اليعقوبي ٢ / ١٤٢

(٢) طبقات ابن سعد ٥ / ٢١ ، تاريخ ابن عساكر ٦ / ١٣٥

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530