حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216628 / تحميل: 8356
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وكان أحسن منها إعتاقها(١) .

٨ ـ ومن مكارمه (ع) أن مروان بن الحكم قال : إني لمشغوف ببغلة الحسن بن علي فمن يأتيني بها؟ فأنبرى إليه ابن أبي عتيق قائلا :

ـ أنا آتيك بها لكن بشرط أن تقضي لي ثلاثين حاجة؟

ـ التزم لك بذلك.

فقال ابن أبي عتيق لمروان : إذا اجتمع الناس عندك العشية فاني آخذ في مآثر قريش وأمسك عن الحسن فلمنى على ذلك ، فلما اجتمع الناسى أخذ ابن أبي عتيق في مآثر قريش وسكت عن ذكر فضائل الامام الحسن (ع) ، فقال له مروان ألا تذكر أولية أبي محمد ، وله فى هذا ما ليس لأحد منا ، فقال ابن أبي عتيق : إنما كنا في ذكر الاشراف ولو كنا في ذكر الأنبياء لذكرنا فضائل أبي محمد ، ولما خرج الامام (ع) تبعه ابن ابي عتيق فلما نظر إليه الحسن (ع) تبسم وعرف الغاية من مديحه فقال (ع) له : ألك حاجة؟ فقال : نعم ذكرت البغلة ، فنزل (ع) عنها ودفعها إليه(٢) .

٩ ـ ومن جوده (ع) أن رجلا سأله أن يعطيه شيئا فقال له (ع) إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح(٣) أو فقر مدقع أو حمالة مفظعة(٤) فقال ما جئت إلا فى إحداهن ، فأمر (ع) له بمائة دينار ،

__________________

(١) المناقب ٢ / ٢٣.

(٢) الكامل للمبرد ٢ / ١٣.

(٣) الغرم الفادح هو لدين الثقيل.

(٤) الحمالة. بالفتح هو ما يتحمله الشخص من الدية والغرامة عن قومه ، المفظعة الشيء الشديد.

٣٠١

ثم انعطف الرجل نحو الحسين (ع) فسأله مثل سؤال اخيه فأعطاه مائة دينار سوى دينار لأنه كره أن يساوى أخاه في عطائه وانعطف الرجل بعد ذلك إلى عبد الله بن عمر فسأله فأعطاه سبعة دنانير ، فقال الرجل : لعبد الله إني أتيت الحسن والحسين وحكى له ما جرى له معهما فقال ابن عمر : ويحك أنى تجعلني مثلهما؟! انهما غرا العلم(١) . غرا المال(٢) .

١٠ ـ ومن مكارمه (ع) أنه ما اشترى من أحد حائطا ثم أفتقر البائع إلا ورده عليه وأردفه بالثمن معه(٣) .

١١ ـ وجاءه فقير يشكو حاله ولم يك عنده (ع) في ذلك اليوم شيء فعز عليه الامر واستحى من رده فقال (ع) له : إني أدلك على شيء يحصل لك منه الخير ، فقال الفقير يا بن رسول الله ما هو؟! قال٧ اذهب إلى الخليفة فان ابنته قد توفيت وانقطع عليها وما سمع من أحد تعزية بليغة فعزه بهذه الكلمات يحصل لك منه الخير ، قال يا بن رسول الله حفظني إياها ، قال (ع) قل له الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها ولم يهتكها بجلوسها على قبرك ، وحفظ الفقير هذه الكلمات وجاء إلى الخليفة فعزاه بها ، فذهب عنه حزنه وأمر له بجائزة وقال له :

أكلامك هذا؟

ـ لا : وإنما هو كلام الامام الحسن.

الخليفة : صدقت فانه معدن الكلام الفصيح وأمر له بجائزة أخرى(٤) .

__________________

(١) غرا العلم اي القما العلم ومنه حديث معاوية كان النبي يغر عليا بالعلم.

(٢) عيون الاخبار لابن قتيبة ٣ / ١٤٠.

(٣) الطبقات الكبرى للشعرانى ١ / ٢٣.

(٤) نور الابصار ص ١١١.

٣٠٢

وذكر المترجمون للإمام صورا كثيرة من ألوان بره ومعروفه على الفقراء وقيامه بانقاذهم من كابوس الحاجة والفقر الى الدعة والسعة فى العيش ، وجميع تلك المبرات التي أسداها عليهم كانت خالصة لوجه الله ، ولم تكن مشفوعة بأي غرض من الاغراض فإنه كان يمنحهم العطاء والبر قبل أن يبوحوا بحاجاتهم ، ويذكروا مديحهم وثناءهم لئلا يظهر عليهم ذل السؤال والاحتياج.

عبادته وتقواه

ان الانسان كلما ازداد معرفة بالله ازداد إيمانا به ، وحبا له ، وانقيادا لأوامره وطاعته ، وسعيا في جميع الوسائل التي تقربه إليه.

والامام الحسن قد تغذى بلباب المعرفة ، وبجوهر الايمان ، وبواقع الدين وانطبعت مثله في دخائل نفسه واعماق ذاته ، فكان من اشد الناس إيمانا ، ومن اكثرهم اخلاصا وطاعة لله ، وقد حدث الرواة عن مدى طاعته فقالوا : إنه لم ير في وقت من الاوقات إلا وهو يلهج بذكر الله ،(١) وانه اذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم(٢) فسأل الله الجنة وتعوذ من النار ، واذا ذكر الموت وما يعقبه من البعث والنشور بكى بكاء الخائفين والمنيبين(٣) واذا ذكر العرض على الله شهق شهقة يغشى عليه منها(٤) ، وكان من اشد المعتبرين بالموت فاذا حضر جنازة

__________________

(١) أمالي الصدوق صفحة ١٠٨

(٢) السليم : من لسعه العقرب

(٣) اعيان الشيعة ٤ / ١١

(٤) أمالي الصدوق : صفحة ١٠٨

٣٠٣

ظهرت عليه السكينة أياما ، واذا مات فى جواره ميت سمع منه النحيب والبكاء كما يسمع من دار الميت(١) ودلت هذه الامور على عظيم طاعته وخوفه من الله ، ونسوق الى القراء بعض مظاهر عبادته :

١ ـ وضوؤه وصلاته

كان الامام اذا اراد الوضوء تغير حاله ، وداخله خوف عميق حتى يصفر لونه وترتعد فرائصه ، وسئل عن سر ذلك فقال :

« حق على من وقف بين يدي رب العرش أن ترتعد فرائصه ، ويصفر لونه »

واذا فرغ من الوضوء وأراد الدخول الى المسجد رفع صوته قائلا :

« إلهي : ضيفك ببابك ، يا محسن قد أتاك المسيء ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم »(٢)

واذا اقبل على صلاته بدا عليه الخضوع والخشوع ، وظهر عليه الخوف حتى ترتعد جميع فرائصه واعضائه(٣) واذا فرغ من صلاة الفجر لا يتكلم الا بذكر الله حتى تطلع الشمس(٤)

٢ ـ حجه

ومن مظاهر عبادته وعظيم اخلاصه وطاعته لله تعالى انه حج بيت الله الحرام خمسا وعشرين حجة ماشيا على قدميه وكانت النجائب(٥) ،

__________________

(١) مجموعة ورام صفحة ٣١٧

(٢) البحار ١٠ / ٩٣ ، أمالي الصدوق صفحة ١٠٨ ، روضة الواعظين

(٣) أمالي الصدوق صفحة ١٠٨

(٤) البحار ١٠ / ٩٣

(٥) النجائب : جمع ، مفرده نجيبة وهي الفاضل من الحيوانات وفي بعض ـ

٣٠٤

تقاد بين يديه(١) وسئل عن كثرة حجه ماشيا فأجاب : « اني استحي من ربي أن لا امضي الى بيته ماشيا على قدمي(٢)

٣ ـ تلاوته للقرآن

كان الامام يتلو الذكر الحكيم تلاوة امعان وتدبر فلا يمر بآية تشتمل على نداء المؤمنين إلا قال : لبيك. اللهم لبيك(٣) وكان يقرأ في كل ليلة سورة الكهف(٤)

٤ ـ التصدق بأمواله

وقدم الامام في سبيل مرضاة الله كل غال ونفيس ، فقد خرج عن جميع ما يملك مرتين ، وشاطر الله أمواله ثلاث مرات حتى أعطى نعلا وامسك اخرى(٥)

زهده

ورفض الامام جميع مباهج الحياة ، وزهد في ملاذها ونعيمها ، واتجه الى الدار الآخرة التي أعدها الله للمتقين من عباده ، وقد تحدث٧

__________________

ـ المصادر وان الجنائب لتقاد بين يديه ، والجنائب. جمع جنيبة وهي الدابة التي تقاد.

(١) اللمعة كتاب الحج واعيان الشيعة ، وقيل انه حج خمس عشرة حجة ، وقيل عشرون ، وذكر الصدوق فى أماليه انه ربما مشى حافيا الى بيت الله.

(٢) اعيان الشيعة ٤ / ١١

(٣) أمالي الصدوق ص ١٠٨

(٤) تاريخ ابن كثير ٨ / ٣٧

(٥) اسد الغابة ٢ / ١٣ ، البحار ١٠ / ٩٤

٣٠٥

عن عزوفه عن الدنيا ، واقتناعه بالقليل منها يقول :

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني

وشربة من قراح الماء تكفيني

وطرة من دقيق الثوب(١) تسترني

حيا وان مت تكفيني لتكفيني(٢)

ورسم على خاتمه بيتين من الشعر يلمس فيهما مدى زهده وهما :

قدم لنفسك ما استطعت من التقى

إن المنية نازل بك يا فتى

أصبحت ذا فرح كأنك لا ترى

أحباب قلبك في المقابر والبلى(٣)

وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت

يا اهل لذات دنيا لا بقاء لها

ان اغترارا بظل زائل حمق(٤)

ومما ينسب له في ذم المغرور في الدنيا والمفتون بحبها قوله :

قل للمقيم بغير دار اقامة

حان الرحيل فودع الاحبابا

ان الذين لقيتهم وصحبتهم

صاروا جميعا في القبور ترابا(٥)

ومن مظاهر زهده ما حدث به مدرك بن زياد(٦) قال : كنا في حيطان ابن عباس فجاء الحسن والحسين ، وابنا العباس فطافوا فى تلك البساتين ثم جلسوا على ضفاف بعض السواقي ، فقال الحسن : يا مدرك : هل عندك غذاء؟ فقلت له : نعم ثم انطلقت فجئته بخبز وشيء من الملح

__________________

(١) الدقيق : الحقير من الثياب

(٢) البحار ١٠ / ٩٤

(٣) تاريخ ابن عساكر ٤ / ٢١٩

(٤) الفصول المهمة لابن الصباغ : ص ١٦٢

(٥) المناقب ٢ / ١٤٥

(٦) مدرك بن زياد احد الصحابة ، توفى في دمشق بقرية يقال لها « راوية » وهو اول مسلم دفن فيها ، الاصابة ٣ / ٣٩٤

٣٠٦

مع طاقتين من بقل فأكل منه ، وقال يا مدرك ما أطيب هذا؟

وجيء بعد ذلك بالطعام وكان في منتهى الحسن والجودة فالتفت٧ الى مدرك وأمره بأن يجمع الغلمان ويقدم لهم الطعام ، فدعاهم مدرك فأكلوا منه ولم يأكل الامام منه شيئا فقال له مدرك : لما ذا لا تأكل منه؟ فقال٧ : ان ذاك الطعام أحب عندي(١) لأنه طعام الفقراء والمحرومين ، ومما يدل على عظيم زهده أنه زهد في الملك طلبا لمرضاة الله ، وخوفا على دماء المسلمين ، وقد الف فى زهده محمد ابن بابويه القمي(٢) كتابا اسماه زهد الحسن وأجمع المترجمون له انه كان أزهد الناس وأفضلهم بعد جده وأبيه

هيبته ووقاره

إن شخصية الامام كانت تملأ العيون وتهيمن على النفوس لأنه قد التقت بها عناصر النبوة والامامة ، وتمثلت فيها هيبة النبيّ ، وقد حدث واصل بن عطاء(٣) قال :

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ٤ / ٢١٢

(٢) محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، من اعظم علماء الشيعة ، ورئيس المحدثين لم ير فى القميين مثله في حفظه وكثرة علمه ، وهو استاذ الشيخ المفيد ، له من المؤلفات ثلاث مائة مؤلف توفى بالري سنة ٣٨١ ه‍ جاء ذلك في الكنى والالقاب ١ / ٢١٢

(٣) واصل بن عطاء البصري : كان متكلما بليغا متشدقا ، وكان يلثغ بالراء نقل عنه انه هجر الراء وتجنبها فى خطابه وقيل فيه

ويجعل البر قمحا فى تصرفه

وخالف الراء حتى احتال للشعر ـ

٣٠٧

« كانت على الحسن سيماء الأنبياء وبهاء الملوك »(١)

وقال ابن الزبير :

« والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي في هيبته وسمو منزلته »(٢)

وبلغ من عظيم هيبته انه كان يفرش له على باب البيت فاذا خرج وجلس انقطع الطريق لأنه لا يمر أحد إلا جلس اجلالا واكبارا له ، فاذا علم ذلك قام ودخل البيت(٣)

ومن عظيم هيبته وسمو مكانته في نفوس المسلمين أنه ما أجتاز مع أخيه على ركب في حال سفرهما إلى بيت الله الحرام ماشيين إلا ترجل ذلك الركب تعظيما واكبارا لهما حتى ثقل المشي على جماهير الحجاج فكلموا سعد بن أبي وقاص في ذلك فبادر إلى الامام وقال له :

« يا أبا محمد ، إن المشي قد ثقل على الحجاج لأنهم إذا رأوا كما لم تطب نفوسهم بالركوب ، فلو ركبتما رحمة لهم »

فاجابه الامام بما ينم عن نفس قد عاهدت الله أن تبذل فى مرضاته

__________________

ـ ولم يطق مطرا والقول يعجله

فعاذ بالغيث اشفاقا من المطر

له من المؤلفات : اصناف المرجئة ، التوبة ، معاني القرآن ، وكان يتوقف من القول بعدالة اهل الجمل ، وهو شيخ المعتزلة ومن اجلائها ، ولد فى يثرب سنة ثمانين ، وتوفى سنة مائة واحدى وثلاثين من الهجرة جاء ذلك فى لسان الميزان ٦ / ٢١٤

(١) اعيان الشيعة ٤ / ١٢ ، المناقب.

(٢) تأريخ ابن كثير ٨ / ٣٧.

(٣) اعلام الورى فى اعلام الهدى ص ١٢٥.

٣٠٨

كل غال ونفيس قائلا :

« لا نركب فقد عاهدنا الله أن نؤم بيته ماشيين ، ولكن نتنكب الطريق »(١)

وسار٧ فى بعض طرق يثرب وقد لبس حلة فاخرة ، وركب بغلة فارهة ، ووجهه الشريف يشرق حسنا وجمالا ، وقد حفت به خدمه ، وحاشيته فرآه بعض اغبياء اليهود فبادر إليه وقال له :

يا بن رسول الله عندى سؤال؟

ـ ما هو؟

ـ إن جدك رسول الله (ص) يقول : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، فأنت المؤمن وأنا الكافر ، وما الدنيا إلا جنة لك تتنعم فيها ، وتستلذ بها وأنت مؤمن ، وما أراها الا سجنا قد أهلكني حرها وأجهدني فقرها؟

ـ لو نظرت إلى ما أعد الله لي وللمؤمنين في الدار الآخرة مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر لعلمت أني قبل انتقالي إليها وأنا فى هذه الحالة فى سجن ، ولو نظرت إلى ما أعد الله لك ولكل كافر في دار الآخرة من سعير نار جهنم ، ونكال العذاب الأليم المقيم لرأيت قبل مصيرك إليه أنك في جنة واسعة ونعمة جامعة(٢) وتركه الامام ، واليهودي يتميز من الغيظ والحقد.

ورأى هيبة الامام ووقاره بعض الأغبياء من الحاقدين عليه فقال له إن فيك عظمة فاجابه الامام ان في عزة ثم تلا قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ

__________________

(١) المناقب ٢ / ١٤٢ ، اعيان الشيعة ٤ / ٢٠.

(٢) الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٦١.

٣٠٩

وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) ان الحسن كان يحكى جده الرسول (ص) فى هيبته وسؤدده وكريم طباعه.

فصاحته وبلاغته :

وكل ظاهرة من ظواهر الكمال قد تمثلت في الامام أبي محمد ، وتحلت بها شخصيته الكريمة ، ومن أروع صفاته البلاغة والفصاحة في الكلام فقد كان (ع) من أبرع البلغاء في اصابته للمناسبات ، ومن أقدرهم على الايجاز والاعجاز والابداع فى الكلام ، وحقا أن يكون كذلك فقد تفرع من دوحة الفصاحة والبلاغة وفصل الخطاب ، فالجد رسول الله (ص) أفصح من نطق بالضاد ، والأب علي (ع) سيد البلغاء وامير البيان.

إن الحسن (ع) في فصاحته وبلاغته كأبيه ، وقد ترك (ع) تراثا رفيعا وحكما بالغة تحتوى على أصول الآداب الاجتماعية والنصح والارشاد والوعظ الخالد ، قد رصعت بجمال اللفظ وسمو المعنى وإلى القراء بعضها.

الآداب الاجتماعية :

وجه الامام علي (ع) الى الحسن اسئلة تتعلق بأصول الأخلاق والفضائل ، فأجابه الحسن (ع) بما هو عفو البداهة والخاطر فكان الجواب آية من آيات البلاغة والاعجاز :

الامام علي : يا بني ما السداد؟

الحسن : يا أبت السداد دفع المنكر بالمعروف.

ـ ما الشرف؟

ـ اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.

ـ ما المروءة؟

__________________

(١) المناقب ٢ / ١٤٩.

٣١٠

ـ العفاف واصلاح المرء ماله.

ـ ما الدنيئة؟

ـ النظر في اليسير ومنع الحقير.

ـ ما اللوم؟

ـ احتراز المرء نفسه وبذله عرسه(١) .

ـ ما السماحة؟

ـ البذل في العسر واليسر.

ـ ما الشح؟

ـ أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا.

ـ ما الاخاء؟

ـ الوفاء في الشدة والرخاء.

ـ ما الجبن؟

ـ الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.

ـ ما الغنيمة؟

ـ الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.

ـ ما الحلم؟

ـ كظم الغيظ وملك النفس.

ـ ما الغنى؟

ـ رضى النفس بما قسم الله وإن قل فانما الغنى غنى النفس.

ـ ما الفقر؟

__________________

(١) وفى رواية انه قال ما اللؤم؟ احتراز المرء ماله وبذله عرضه جاء ذلك فى دائرة المعارف للبستاني ٧ / ٣٩.

٣١١

ـ شره النفس في كل شيء.

ـ ما المنعة؟

ـ شدة البأس ومقارعة أشد الناس.

ـ ما الذل؟

ـ الفزع عند المصدوقية؟

ـ ما الجرأة؟

ـ موافقة الأقران.

ـ ما الكلفة؟

ـ كلامك فيما لا يعنيك.

ـ ما المجد؟

ـ أن تعطى في الغرم وأن تعفو عن الجرم.

ـ ما العقل؟

ـ حفظ القلب كل ما استرعيته.(١)

ـ ما الحزق؟

ـ معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.

ـ ما الثناء؟

ـ اتيان الجميل وترك القبيح.

ـ ما الحزم؟

ـ طول الأناة(٢) والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الظن

__________________

(١) وفى رواية ابى نعيم في الحلية ٢ / ٣٦ حفظ القلب كل ما استوعيته ، وفى رواية اخرى حفظ القلب لكل ما استتر فيه.

(٢) الأناة : الوقار والحلم والانتظار.

٣١٢

هو الحزم.

ـ ما الشرف؟

ـ موافقة الاخوان.

ـ ما السفه؟

ـ إتباع الدناة ومصاحبة الغواة.

ـ ما الغفلة؟

ـ تركك المسجد وطاعتك المفسد.

ـ ما الحرمان؟

ـ تركك حظك وقد عرض عليك.

ـ ما السيد؟

ـ الأحمق في ماله المتهاون في ، يشتم فلا يجيب ، المتحزن(١) بأمر العشيرة هو السيد(٢) .

إن النفس لتقف حائرة أمام هذا الاسترسال العجيب من الامام الحسن وعدم تكلفه في الجواب واحاطته خبرا بمعانى هذه النقاط الحيوية ، فلن يسع النفس إلا الاكبار والاعجاب والاعتراف بالعظمة والخضوع لتلك المواهب العلمية.

مكارم الأخلاق :

قال جابر : سمعت الحسن (ع) يقول : مكارم الأخلاق عشرة ، صدق اللسان ، وصدق البأس ، واعطاء السائل ، وحسن الخلق ، والمكافاة

__________________

(١) وفى رواية المهتم بأمر عشيرته.

(٢) تأريخ ابن كثير ج ٨ ص ٣٩.

٣١٣

بالصنائع ، وصلة الرحم ، والتذمم(١) على الجار ، ومعرفة الحق للصاحب ، وقرى الضيف ، ورأسهن الحياء(٢) .

والتفت معاوية يوما إلى الامام (ع) قال له : يا أبا محمد ثلاث خلال لم أجد من يجيبني عنها!!!

ـ ما هي؟

ـ المروءة ، الكرم ، النجدة.

ـ أما ( المروءة ) فاصلاح الرجل أمر دينه وحسن قيامه على ماله وإفشاء السلام والتحبب إلى الناس.

( الكرم ) العطية قبل السؤال ، والتبرع بالمعروف والاطعام في المحل.

( النجدة ) الذب عن الجار ، والمحامات في الكريهة ، والصبر عند الشدائد.

وجاء إليه شخص فقال : يا بن رسول الله «ص» من أحسن الناس؟

ـ من أشرك الناس في عيشه.

ـ من أشر الناس؟

ـ من لا يعيش فى عيشه أحد(٣) .

الجرائم الاخلاقية :

قال «ع» : هلاك الناس في ثلاث ، الكبر ، الحرص ، الحسد.

« الكبر » به هلاك الدين ، وبه لعن إبليس.

__________________

(١) التذمم ماخوذ من اذمه اي اجاره واخذه تحت حمايته.

(٢) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠١.

(٣) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٢.

٣١٤

« الحرص » عدو النفس وبه اخرج آدم من الجنة.

« الحسد » رائد السوء وبه قتل هابيل قابيل(١) .

لا شك ان هذه الرذائل الثلاث التي حرض الامام «ع» على اجتنابها واقام الشواهد على اضرارها هي اصول الاجرام وامهات الرذائل.

التحريض على طلب العلم :

قال «ع» : لبنيه تعلموا العلم فانكم صغار القوم ، وكبارهم غدا ، ومن لم يحفظ منكم فليكتب(٢) .

وقال «ع» علم الناس ، وتعلم علم غيرك فتكون قد اتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم(٣) .

وقال «ع» : حسن السؤال نصف العلم(٤) .

فضل العقل :

قال «ع» : لا أدب لمن لا عقل له ، ولا مودة لمن لا همة له ، ولا حياء لمن لا دين له ، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل ، وبالعقل تدرك سعادة الدارين ، ومن حرم العقل حرمهما جميعا(٥) .

فضل القرآن الكريم :

قال «ع» : إن هذا القرآن فيه مصابيح النور ، وشفاء الصدور ،

__________________

(١) نور الابصار ص ١١٠.

(٢) الفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٤٢.

(٣) الاثنى عشرية ص ٣٧.

(٤) نور الابصار ص ١١٠.

(٥) اعيان الشيعة ٤ / ٨٨.

٣١٥

فليجل جال بضوئه ، وليلجم(١) الصفة قلبه ، فان التفكير حياة القلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور(٢) .

الدعاء :

قال «ع» ما فتح الله عز وجل على أحد باب مسألة فخزن(٣) عنه باب الاجابة ، ولا فتح على رجل باب عمل فخزن عنه باب القبول ، ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد(٤) .

السياسة :

سأله شخص عن رأيه في السياسة؟ فقال «ع» : هي أن ترعى حقوق الله ، وحقوق الاحياء ، وحقوق الأموات ( فأما حقوق الله ) فأداء ما طلب ، والاجتناب عما نهى « وأما حقوق الأحياء » فهي أن تقوم بواجبك نحو اخوانك ، ولا تتأخر عن خدمة أمتك ، وأن تخلص لولى الأمر ما اخلص لأمته ، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السوى « وأما حقوق الأموات » فهي أن تذكر خيراتهم ، وتتغاضى عن مساوئهم فان لهم ربا يحاسبهم(٥) .

وقال له معاوية : ما يجب لنا في سلطاننا؟

الامام : ما قال سليمان بن داود!!!

__________________

(١) لجم : اي شد.

(٢) كشف الغمة ص ١٧١.

(٣) خزن : اغلق وسد.

(٤) اعيان الشيعة ٤ / ٨٨.

(٥) مجلة العرفان الجزء الثالث المجلد الاربعون ص ٢٥٤ نقلا عن المجلد التاسع من التذكرة المعلوفية.

٣١٦

معاوية : وما قال سليمان؟

الامام : انه قال لبعض أصحابه ، أتدري ما يجب على الملك فى ملكه وما لا يضره إذا أدى الذي عليه منه ، إذا خاف الله في السر والعلانية وعدل في الغضب والرضا ، وقصد في الفقر والغنى ، ولم يأخذ الأموال غصبا ، ولم يأكلها إسرافا وتبذيرا ، ولم يضره ما تمتع به من دنياه إذا كان من خلته(١) .

هذه هي السياسة الصحيحة التي لو سارت عليها الدول لدام لها البقاء وكان الشعب والحكومة في راحة ونعيم ، وقد ادلى الامام «ع» بهذه الآراء القيمة إلى عدوه لأجل المصلحة العامة علّه أن يسير خصمه على ضوء الحق.

الصديق والصاحب :

قال «ع» : ألا اخبركم عن صديق كان لي من اعظم الناس في عيني ، وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه ، كان خارجا من سلطان بطنه فلا يتشهى ما لا يحل ولا يكنز إذا وجد ، وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمد يدا إلا على ثقة لمنفعة ، كان لا يتشكى ولا يتبرم ، كان أكثر دهره صامتا فاذا قال بذ(٢) القائلين ، كان ضعيفا مستضعفا فاذا جاء الجد فهو الليث عاديا ، كان إذا جامع العلماء على أن يسمع احرص منه على أن يقول ، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت كان لا يقول ما يفعل ويفعل ما لا يقول كان إذا عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحق نظر اقربهما من هواه فخالفه كان

__________________

(١) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٢.

(٢) بذ اي تفوق وغلب.

٣١٧

لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله ، كان لا يقول حتى يرى قاضيا عدلا وشهودا عدولا(١)

وقال «ع» لبعض ولده : يا بني لا تواخ احدا حتى تعرف موارده ومصادره القريب من قربته المودة والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه.

وسأله رجل أن يكون صديقا له وجليسا ، فقال له «ع» : إياك أن تمدحني فانا اعلم بنفسي منك ، أو تكذبني فانه لا رأى لمكذوب ، أو تغتاب عندى أحدا ، فقال الرجل : ائذن لي في الانصراف قال له : نعم إذا شئت(٢) .

السخاء والمعروف :

كان «ع» يطوف في بيت الله الحرام فسأله رجل عن معنى الجواد فقال له : إن لكلامك وجهين ، فان كنت تسأل عن المخلوق فان الجواد الذي يؤدى ما افترض عليه ، والبخيل الذي يبخل بما افترض عليه ، وإن كنت تسأل عن الخالق فهو الجواد إن اعطى وهو الجواد إن منع لأنه إن أعطى عبدا اعطاه ما ليس له وإن منع منع ما ليس له(٣) وقال «ع» المعروف ما لم يتقدمه مطل ولا يتبعه منّ ، والاعطاء قبل السؤال من اكبر السؤدد(٤) .

__________________

(١) عيون الاخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ٥٥ ، وذكره غيره مع اختلاف فى التعبير.

(٢) تحف العقول ص ٥٥.

(٣) مجمع البحرين مادة جود.

(٤) اعيان الشيعة ج ٤ ص ٨٨.

٣١٨

البخل :

قال «ع» البخل جامع للمساوئ والعيوب ، وقاطع للمودات من القلوب.

وسئل «ع» عن البخل فقال : هو أن يرى الرجل ما انفقه تلفا وما امسكه شرفا(١) .

التواضع :

قال «ع» : أعرف الناس بحقوق اخوانه واشدهم قضاء لها اعظمهم عند الله شأنا ، ومن تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين ومن شيعة علي بن أبي طالب «ع»(٢) .

التوكل على الله :

قيل له «ع» : إن أبا ذر كان يقول الفقر أحب إلى من الغنى ، والسقم أحب إلى من الصحة. فقال : رحم الله أبا ذر ، أما أنا فأقول من اتكل على حسن اختيار الله لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختارها الله له(٣) .

ابطال الجبر :

ورفع أهالي البصرة إليه «ع» رسالة يطلبون منه رأيه في مسألة الجبر(٤) فأجابهم٧ :

__________________

(١) نهاية الارب في فنون الادب ج ٣ ص ٣٩٨.

(٢) مجموعة ورام ص ٣١٢.

(٣) تأريخ ابن كثير ج ٨ ص ٣٩.

(٤) مبحث الجبر والتفويض من اهم المسائل الكلامية واشكلها ، وقد اضطربت فيها اقوال العلماء واختلفت إلى ابعد الحدود ، وقد شاعت فكرة الجبر في البصرة بسبب الحسن البصري وابي الحسن الاشعري حفيد ابي موسى الاشعري ، ومجمل

٣١٩

من لم يؤمن بالله وقضائه وقدره فقد كفر ، ومن حمل ذنبه على ربه فقد فجر ، إن الله لا يطاع استكراها ، ولا يعصى لغلبة لأنه المليك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم فان عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا فاذا لم يفعلوا فليس هو الذي أجبرهم على ذلك ، فلو اجبر الله الخلق على الطاعة لأسقط عنهم الثواب ، ولو أجبرهم على المعاصي لاسقط عنهم العقاب ، ولو اهملهم لكان عجزا فى القدرة ولكن له فيهم المشيئة التي غيبها عنهم فان عملوا بالطاعات كانت له المنة عليهم ، وإن عملوا بالمعصية كانت الحجة عليهم(١) .

تقوى الله :

قال «ع» إن الله لم يخلقكم عبثا وليس بتارككم سدى ، كتب آجالكم وقسم بينكم معايشكم ليعرف كل ذى منزلة منزلته وإن ما قدر له أصابه وما صرف عنه فلن يصيبه قد كفاكم مئونة الدنيا وفرغكم لعبادته وحثكم على الشكر وافترض عليكم الذكر وأوصاكم بالتقوى وجعل التقوى منتهى رضاه ، والتقوى باب كل توبة ورأس كل حكمة وشرف كل عمل بالتقوى فاز من فاز من المتقين ، قال الله تبارك وتعالى :( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ

__________________

فكرة الجبر ان الفعل الصادر من العبد ليس مخلوقا له وإنما هو مخلوق لله تعالى ، وإن ارادة العبد وقدرته لا مدخل لهما في ايجاد الفعل سواء كان الفعل الصادر من العبد باختياره او مضطرا عليه ، وقد تعرض آية الله الأستاذ السيد ابو القاسم الخوئي سلمه الله فى بحثه إلى المسألة فأوفاها بالتحقيق وبين فساد الجبر والتفويض واثبت ( ان الأمر بين الأمرين ) وهي الفكرة التي تذهب إليها الشيعة وقد كتبنا ما افاده سلمه الله برسالة مستقلة.

(١) رسائل جمهرة العرب ج ٢ ص ٢٥.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

شئ قدير ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم(1)

ه ـ ويستحب ان يقول ما رواه سفيان الثوري عن مولانا الصادقجعفر بن محمدعليهما‌السلام ، قال : سمعته وهو بعرفة يقول :

اللهم اجعل خطواتي هذه التي خطوتها في طاعتك كفارة لماخطوتها في معصيتك ، اللهم انك امرتنا ان نعفو عمن ظلمنا وقد ظلمناأنفسنا فاعف عنا.

اللهم انك قلت : استعينوا على كل صنعة بصالحي أهلها ، اللهم فاناصنعك فاصنع في خيرا.

اللهم اجعلنا نبات نعمتك ولا تجعلنا حصاد نقمتك ، اللهم هذهليلة عيد ولك فيها أضياف وانا ضيفك فاجعل قراي الجنة واطعمنيعنبا ورطبا.

قال سفيان : فوالله لقد هممت ان انزل واشتري له تمرا وموزا ،وأقول له : هذا عوض العنب والرطب ، فإذا انا بسلتين معاطيتين قدوضعتا بين يديه ، إحداها رطب والأخرى عنب ـ تمام الخبر.

__________________

(1) الصحيفة السجادية : الدعاء 46 ، عنها الكفعمي في مصباحه : 433 ، البلد الأمين : 490.

أورده الشيخ في مصباحه : 258 ، رواه السيد في جمال الأسبوع : 423 ، وقال : ما رويناه بعدةطرق ، ورواه أبو الحسين محمد بن هارون التلعكبري.

٤٦١

و ـ زيارة أبي عبد اللهعليه‌السلام في يوم عرفة

ومن لم يمكنه حضور الموقف للحج وقدر على اتيان قبر الحسينعليه‌السلام يوم عرفة فليحضر ، فان في ذلك فضلا كبيرا ، وقد ذكرنا فيما سلفمن هذا الكتاب ، فينبغي ان تغتسل من الفرات ان أمكنك والا فمن حيثتقدر عليه وتمشي على سكينة ووقار ، فإذا بلغت باب الحائر فكبر اللهتعالى وقل :

الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ،والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، لقدجاءت رسل ربنا بالحق.

ثم تسلم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمةعليهم‌السلام من بعده ، ثم تقول :

السلام عليك يا أبا عبد الله ، عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ،الموالي لوليك ، المعادي لعدوك ، استجار بمشهدك ، وتقرب إليكبقصدك ، والحمد لله الذي هداني لولايتك ، وخصني بزيارتك ، وسهللي قصدك.

ثم تأتي باب القبة فتقف مما يلي الرأس وتقول :

السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوحنبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك يا

٤٦٢

وارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله.

السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله ، السلام عليك يا وارثأمير المؤمنين حجة الله ، السلام عليك يا بن محمد المصطفى ، السلامعليك يا بن علي المرتضى ، السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء ، السلامعليك يا بن خديجة الكبرى.

السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور ، اشهد انك قدأقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ،وأطعت الله حتى اتاك اليقين.

لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعتبذلك فرضيت به ، يا مولاي يا أبا عبد الله ، اشهد الله وملائكته وأنبياءهورسله اني بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن ، بشرائع ديني وخواتيم عملي ،فصلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وعلى أجسادكم ، وعلى شاهدكموغائبكم ، وظاهركم وباطنكم.

ثم انكب على القبر وقبله وقل :

بابي أنت وأمي يا أبا عبد الله ، لقد عظمت الرزية وجلت المصيبةبك علينا وعلى جميع أهل السماوات والأرض ، فلعن الله أمة أسرجتوألجمت وتهيأت لقتالك ، يا مولاي يا أبا عبد الله قصدت حرمكواتيت مشهدك ، اسأل الله بالثار الذي لك عنده ، والمحل الذي لك لديهان تصلي على محمد وال محمد وان يجعلني معكم في الدنيا والآخرة.

٤٦٣

ثم تصلى عند الرأس ، تقرأ فيها ما أحببت ، فإذا فرغت فقل :

اللهم إني صليت وركعت وسجدت لك ، وحدك لا شريك لك ،لان الصلاة والركوع والسجود لا تكون الا لك ، لأنك أنت الله لا إله إلا أنت، اللهم صل على محمد وال محمد وأبلغهم عني أفضل السلاموالتحية ، واردد علي منهم.

ثم صر إلى عند رجلي الحسين وزر علي بن الحسينعليهما‌السلام ورأسهعند رجلي أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وقل :

السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام عليك يا بن نبي الله ، السلامعليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن الحسين الشهيد ، السلامعليك أيها الشهيد ابن الشهيد ، السلام عليك أيها المظلوم وابنالمظلوم ، لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمةسمعت بذلك فرضيت به.

ثم انكب على القبر وقبله وقل :

السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، لقد عظمت المصيبة وجلتالرزية بك علينا وعلى جميع المسلمين ، فلعن الله أمة قتلتك ، وابرأإلى الله واليك منهم.

ثم اخرج من الباب الذي عند رجل علي بن الحسينعليهما‌السلام فتوجههناك إلى الشهداء وزرهم وقل :

السلام عليكم يا أولياء الله وأحباءه ، السلام عليكم يا أصفياء الله

٤٦٤

وأوداءه ، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأنصار نبيه وأنصارأمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، بابي أنتم وأمي طبتموطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم فوزا عظيما ، فيا ليتني كنت معكمفأفوز معكم.

ثم عد إلى عند رأس الحسينعليه‌السلام وأكثر من الدعاء لنفسكولأهلك وإخوانك المؤمنين ، فإذا أردت الخروج فانكب على القبر وقل :

السلام عليك يا مولاي ، السلام عليك يا حجة الله ، السلام عليكيا صفوة الله ، السلام عليك يا خالصة الله ، السلام عليك يا امين الله ،سلام مودع لا قال ولا سئم ، فان امضي فلا عن ملالة ، وان أقم فلا عنسوء ظن بما وعد الله الصابرين.

لا جعله الله يا مولاي اخر العهد لزيارتك ، ورزقني العود إلىمشهدك ، والمقام في حرمك ، وان يجعلني معكم في الدنيا والآخرة.

ثم اخرج ولا تول ظهرك ، وأكثر من قول :

انا لله وانا إليه راجعون.

ثم امض إلى مشهد العباس بن عليعليهما‌السلام ، فإذا اتيته فقف عليهوقل :

السلام عليك أيها العبد الصالح ، المطيع لله ولرسولهولأمير المؤمنين والحسن والحسين ، وعليك السلام ورحمة اللهوبركاته ومغفرته على روحك وبدنك.

٤٦٥

اشهد الله انك مضيت على ما مضى البدريون والمجاهدون فيسبيل الله ، المناصحون في جهاد الأعداء ، المبالغون في نصرة أوليائه.

فجزاك الله أفضل الجزاء ، وأوفر جزاء أحد ممن وفى ببيعته ،واستجاب له دعوته ، وحشرك مع النبيين والشهداء والصديقينوالصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ثم صل ركعتين عند الرأس وادع الله بعدهما بما أحببت ، فإذاأردت الخروج فودعه وقل :

استودعك الله واسترعيك ، واقرأ عليك السلام ، امنا باللهوبرسوله وبما جاء به من عند الله ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللهملا تجعله اخر العهد من زيارة قبر وليك وابن أخي نبيك ، وارزقني زيارتهابدا ما أبقيتني ، واحشرني معه ومع ابائه في الجنان.

وادع لنفسك ولوالديك ولاخوانك المؤمنين.

ثم ارجع إلى مشهد الحسينعليه‌السلام للوداع ، فإذا أردت وداعه تقفكوقوفك عليه أول مرة وقل :

السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أنت لي جنةمن العذاب ، وهذا أوان انصرافي ، غير راغب عنك ، ولا مستبدل بكسواك ، ولا مؤثر عليك غيرك ، ولا زاهد في قربك.

اسأل الله تعالى أن لا يجعله اخر العهد مني ومن رجوعي ، أسألالله الذي أراني مكانك ، وهداني للتسليم عليك ، ولزيارتي إياك ، ان

٤٦٦

يوردني حوضكم ويرزقني مرافقتكم في الجنان مع ابائك الصالحين

ثم سلم على النبي والأئمةعليهم‌السلام واحدا واحدا وانصرف ان شئتوتدعو بما أحببت.

وداع الشهداء رضوان الله عليهم :

ثم حول وجهك إلى قبور الشهداء فودعهم وقل :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، اللهم لا تجعله اخر العهد منزيارتي إياهم ، واشركني معهم في صالح ما أعطيتهم على نصرهم ابننبيك وحجتك على خلقك ، اللهم اجعلنا وإياهم في جنتك معالشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

استودعكم الله واقرأ عليكم السلام ، اللهم ارزقني العود إليهمواحشرني معهم يا ارحم الراحمين.

ثم اخرج ولا تول وجهك عن القبر حتى تغيب عن معاينتك ، وقفعلى الباب متوجها إلى القبلة وادع بما أحببت وانصرف إن شاء اللهتعالى(1) .

ز ـ دعاء يوم الأضحى لعلي بن الحسينعليهما‌السلام :

اللهم هذا يوم مبارك ، والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار

__________________

(1) رواه السيد في مصباح الزائر : 114 ، والشهيد في مزاره ، عنهما البحار 101 : 363.

٤٦٧

ارضك ، يشهد السائل منهم ، والطالب والراغب ، وأنت الناظر فيحوائجهم ، فاسالك بجودك وكرمك ، وهوان(1) ما سألتك عليك ان تصليعلى محمد وال محمد.

وأسألك اللهم ربنا بان لك الملك ولك الحمد لا إله إلا أنتالحليم الكريم ، الحنان المنان ، ذو الجلال والاكرام ، بديع السماواتوالأرض ، مهما قسمت بين عبادك من خير أو عافية ، أو بركة أو هدى ، أوعمل بطاعتك ، أو خير تمن به عليهم وتهديهم به إليك ، أو ترفع لهمدرجة ، أو تعطيهم به خيرا من خير الدنيا والآخرة ، ان توفر حظيونصيبي منه.

وأسألك يا الله بان لك الملك والحمد لا إله إلا أنت ان تصلي علىمحمد ، عبدك ورسولك ، وحبيبك وصفيك ، وخيرتك من خلقك ،وعلى ال محمد الأبرار الكرام الطيبين الطاهرين الأخيار ، صلاة لا يقوىعلى احصائها الا أنت ، وان تشركنا في صالح من دعاك في هذا اليوم منعبادك المؤمنين يا رب العالمين ، وان تغفر لنا ولهم انك على كل شئقدير.

اللهم إليك تعمدت بحاجتي ، وبك أنزلت اليوم فقري وفاقتيومسكنتي ، وانا بمغفرتك ورحمتك أوثق مني بعملي ، ولمغفرتكورحمتك أوسع من ذنوبي ، فصل على محمد واله وتول قضاء كل

__________________

(1) هوان : سهولة.

٤٦٨

حاجة هي لي بقدرتك عليها ، وتيسير ذلك عليك ، وفقري إليك وغناكعني ، فاني لم أصب خيرا قط الا منك ، ولم يصرف عني سوءا قط غيرك ،ولا أرجو لأمر اخرتي ودنياي سواك.

اللهم من تهيا وتعبا واعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفدهوطلب نيله وجائزته ، فإليك كانت يا مولاي اليوم تهيئتي واعداديواستعدادي رجاء عفوك ورفدك ، وطلب نيلك وجائزتك.

اللهم فصل على محمد وال محمد ، ولا تخيب اليوم ذلك منرجائي ، يا من لا يحفيه(1) سائل ، ولا ينقصه نائل ، فاني لم آتك ثقة منيبعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته ، الا شفاعة محمد وأهل بيتهصلواتك عليه وعليهم سلامك ، اتيتك مقرا بالجرم والإساءة علىنفسي ، اتيتك أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخاطئين ، ثملم يمنعك طول عكوفهم(2) على عظيم الجرم ان عدت عليهم بالرحمةوالمغفرة.

فيا من رحمته واسعة وعفوه عظيم ، يا عظيم يا عظيم ، يا كريم ياكريم ، صل على محمد وال محمد ، وعد علي برحمتك ، وتعطف عليبفضلك ، وتوسع علي بمغفرتك.

اللهم ان هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع امنائك في

__________________

(1) لا يحفيه : لا يمنعه.

(2) عكوفهم : ملازمتهم واستمرارهم.

٤٦٩

الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها(1) وأنت المقدر لذلكلا يغالب امرك ، ولا يجاوز المحتوم من تدبيرك ، كيف شئت وانى شئت ،ولما أنت اعلم به غير متهم على خلقك ولا لإرادتك ، حتى عاد صفوتكوخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين ، يرون حكمك مبدلا ، وكتابكمنبوذا(2) ، وفرائضك محرفة عن جهات اشراعك وسنن نبيك متروكة ،اللهم العن أعداءهم من الأولين والآخرين ، ومن رضي بفعالهموأشياعهم واتباعهم.

اللهم وصل على محمد وال محمد أفضل صلواتك وبركاتكوتحياتك على أصفيائك إبراهيم وال إبراهيم ، انك حميد مجيد ، وعجلالفرج والروح(3) والنصرة والتمكين والتأييد لهم.

اللهم واجعلني من أهل التوحيد والايمان بك ، والتصديقبرسولك والأئمة الذين حتمت(4) طاعتهم ممن يجري ذلك به وعلىيديه امين رب العالمين.

اللهم انه لا يرد غضبك الا حلمك ، ولا يرد سخطك الا عفوك ،ولا يجير من عقابك الا رحمتك ، ولا ينجي منك الا التضرع إليك ، وبينيديك ، فصل على محمد وال محمد ، وهب لنا يا الهي من لدنك فرجا

__________________

(1) ابتزوها : سلبوها.

(2) منبوذا : متروكا.

(3) الروح : الرحمة والراحة.

(4) حتمت : أوجبت.

٤٧٠

بالقدرة التي تحيي بها أموات العباد ، وتنشر(1) بها ميت البلاد ، ولا تهلكنييا الهي غما حتى تستجيب لي ، وتعرفني الإجابة في دعائي ، وأذقنيطعم العافية إلى منتهى اجلي ، ولا تشمت بي عدوي ، ولا تمكنه منعنقي ، ولا تسلطه علي.

الهي ان رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وان وضعتني فمن ذا الذييرفعني ، وان أكرمتني فمن ذا الذي يهينني ، وان أهنتني فمن ذا الذييكرمني ، وان عذبتني فمن ذا الذي يرحمني ، وان أهلكتني فمن ذا الذييعرض لك في عبدك ، أو يسألك عن امره.

وقد علمت أنه ليس في حكمك ظلم ، ولا في نقمتك عجلة ، إنمايعجل من يخاف الفوت ، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف ، وقد تعاليتعن ذلك يا الهي علوا كبيرا.

اللهم صل على محمد واله ، ولا تجعلني للبلاء غرضا(2) ،ولا لنقمتك نصبا(3) ، ومهلني ونفسني(4) ، وأقلني عثرتي ، ولا تبتلينيببلاء على اثر بلاء ، فقد ترى ضعفي ، وقلة حيلتي وتضرعي إليك.

أعوذ بك يا الهي اليوم من غضبك ، فصل على محمد والهوأعذني ، واستجير بك اليوم من سخطك فصل على محمد واله

__________________

(1) تنشر : تحيي.

(2) غرضا : هدفا.

(3) نصبا : علما منصوبا ، غرضا.

(4) نفست : رفهت وفرجت.

٤٧١

واجرني ، واسالك امنا من عذابك فصل على محمد واله وامنيوأستهديك فصل على محمد واله واهدني.

وأسترحمك فصل على محمد واله وارحمني ، واستنصرك فصلعلى محمد واله وانصرني ، وأستكفيك فصل على محمد واله واكفني ،واسترزقك فصل على محمد واله وارزقني ، واستعينك فصل علىمحمد واله واعني ، واستغفرك لما سلف من ذنوبي فصل على محمدواله واغفر لي ، وأستعصمك فصل على محمد واله واعصمني ، فانيلن أعود لشئ كرهته مني ان شئت ذلك يا رب يا رب.

يا حنان يا منان ، يا ذا الجلال والاكرام ، فصل على محمد والهواستجب لي جميع ما سألتك وطلبت إليك ورغبت فيه إليك ، واردهوقدره ، واقضه وامضه ، وخر لي(1) فيما تقضي منه ، وبارك لي في ذلك ،وتفضل علي به ، واسعدني بما تعطيني منه ، وزدني من فضلك وسعة ماعندك ، فإنك واسع كريم ، وصل ذلك بخير الآخرة ونعيمها يا ارحمالراحمين.

ثم تدعو بما بدا لك وصل على محمد واله الف مرة ، وهكذا كانيفعلعليه‌السلام (2) .

__________________

(1) خر لي : اجعل لي الخير.

(2) الصحيفة السجادية : الدعاء 48 ، عنها الشيخ في مصباحه : 260 ، والسيد في جمالالأسبوع : 427 ، والكفعمي في مصباحه : 434 ، وفي البلد الأمين : 492 ، والبحار 89 : 218 ،ينابيع المودة : 507 مختصرا.

٤٧٢

6 ـ زيارة أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء

أخبرنا الشيخ الفقيه العالم عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبريقراءة عليه وانا اسمع في شهور سنة ثلاث وخمسين وخمسمائةبمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، عن الشيخ المفيد أبي علىالحسن بن محمد ، عن والده الشيخ أبي جعفررضي‌الله‌عنه ، عن الشيخالمفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، عن ابن قولويهوأبي جعفر بن بابويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، قال :

دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام في يومعاشوراء ، فألفيته كاسف اللون(1) ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيهكاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله مم بكاؤك لا أبكى الله عينيك ،فقال لي : أو في غفلة أنت ، أما علمت أن الحسين بن عليعليه‌السلام قتل(2) فيمثل هذا اليوم.

فقلت : يا سيدي فما قولك في صومه ، فقال لي : صمه من غيرتبييت ، وأفطر من غير تشميت(3) ، ولا تجعله صوم يوم كملا ، وليكن

__________________

(1) عن الجوهري : رجل كاسف البال سئ الحال ، وكاسف الوجه عابس.

(2) أصيب ( خ ل ).

(3) من غير تبييت اي من غير أن تبيت نية الصوم من الليل ، وأفطر لا على وجه الشماتة والفرح بل لمخالفة من يصومه تبركا.

٤٧٣

افطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنه في مثل ذلكالوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانكشفتالملحمة عنهم ، ومنهم في الأرض ثلاثون صريعا في مواليهم ، يعز علىرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيا لكانصلى‌الله‌عليه‌وآله هوالمعزى بهم.

قال : وبكى أبو عبد اللهعليه‌السلام حتى اخضلت(1) لحيته بدموعه ، ثم قال :

ان الله جل ذكره لما خلق النور خلقه يوم الجمعة في تقديره فيأول يوم من شهر رمضان ، وخلق الظلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء فيمثل ذلك ـ يعني يوم العاشر من شهر المحرم ـ في تقديره ، وجعل لكلمنهما شرعة ومنهاجا ، يا عبد الله بن سنان ان أفضل ما تأتي به في هذااليوم ان تعمد إلى ثياب طاهرة فتلبسها وتتسلب ، قلت : وما التسلب؟

قال : تحلل ازارك وتكشف عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصائب ،ثم تخرج إلى ارض مقفرة(2) ، أو مكان لا يراك به أحد ، أو تعمد إلى منزلخال ، أو في خلوة منذ حين يرتفع النهار ، فتصلي أربع ركعات تحسنركوعهن وسجودهن ، وتسلم بين كل ركعتين ، تقرأ في الركعة الأولىسورة الحمد ، و( قل يا أيها الكافرون ) ، وفي الثانية الحمد ، و( قل هو اللهأحد ) ، ثم تصلي ركعتين أخريين ، تقرأ في الأولى الحمد وسورة

__________________

(1) اخضلت من باب الافعال والافعلال اي ابتلت.

(2) مقفرة : خالية.

٤٧٤

الأحزاب ، وفي الثانية الحمد و( إذا جاءك المنافقون ) أو ما تيسر منالقرآن.

ثم تسلم وتحول وجهك نحو قبر الحسينعليه‌السلام ومضجعه ، فتمثللنفسك مصرعه ومن كان معه ، وتلعن قاتليه وتبرأ من أفعالهم ، يرفع اللهعزوجل لك بذلك في الجنة من الدرجات ويحط عنك من السيئات.

ثم تسعى من الموضع الذي أنت فيه إن كان صحراء أو فضاء أو ايشئ كان خطوات ، تقول :

انا لله وانا إليه راجعون ، رضا بقضائه وتسليما لامره.

وليكن عليك في ذلك الكآبة والحزن ، وأكثر من ذكر الله سبحانهوالاسترجاع في ذلك اليوم ، فإذا فرغت من سعيك وفعلك هذا ، فقف فيموضعك الذي صليت فيه ، ثم قل :

اللهم عذب الفجرة ، الذين شاقوا رسولك ، وحاربوا أولياءك ،وعبدوا غيرك ، واستحلوا محارمك ، والعن القادة والاتباع ومن كانمنهم محبا ومن أوضع معهم ، أو رضي بفعلهم لعنا كثيرا.

اللهم وعجل فرج ال محمد واجعل صلواتك عليه وعليهم ،واستنقذهم من أيدي المنافقين المضلين والكفرة الجاحدين ، وافتحلهم فتحا يسيرا ، وأتح(1) لهم روحا وفرجا قريبا ، واجعل لهم من لدنكسلطانا نصيراً.

__________________

(1) أتاح الله لفلان : قدره وانزله به.

٤٧٥

ثم ارفع يديك واقنت بهذا الدعاء ، وقل وأنت تومئ إلى أعداء آلمحمدعليهم‌السلام :

اللهم ان كثيرا من الأمة ناصبت المستحفظين من الأئمة ، وكفرتبالكلمة ، وعكفت على القادة الظلمة ، وهجرت الكتاب والسنة ،وعدلت عن الحبلين الذين أمرت بطاعتهما والتمسك بهما ، فأماتتالحق وحادت عن القصد ، ومالأت(1) الأحزاب ، وحرفت الكتاب ،وكفرت بالحق لما جاءها ، وتمسكت بالباطل لما اعترضها ، فضيعتحقك ، وأضلت خلقك ، وقتلت أولاد نبيك وخيرة عبادك وحملةعلمك ، وورثة حكمتك ووحيك.

اللهم فزلزل اقدام أعدائك وأعداء رسولك وأهل بيت رسولك ،فاخرب ديارهم ، وافلل سلاحهم ، وخالف بين كلمتهم ، وفت فيأعضادهم(2) ، وأوهن كيدهم ، واضربهم بسيفك القاطع ، وارمهم بحجركالدامغ(3) ، وطمهم بالبلاء طما(4) ، وقمهم بالعذاب قما(5) ، وعذبهم عذابانكرا ، وخذهم بالسنين والمثلات التي أهلكت بها أعداءك ، انكذو نقمة من المجرمين.

__________________

(1) مالات : عاونت وساعدت.

(2) الفت : الدق والكسر بالأصابع ، فت في ساعده : أضعفه ، العضد : الناصر والمعين.

(3) دمغه : شجه حتى بلغت الشجة الدماغ.

(4) طمهم بالبلاء : اقلعهم واستأصلهم.

(5) قمهم بالعذاب كناية عن الاستيصال.

٤٧٦

اللهم ان سنتك ضائعة ، وأحكامك معطلة ، وعترة نبيك فيالأرض هائمة(1) ، اللهم فأعز الحق وأهله ، واقمع الباطل وأهله ، ومنعلينا بالنجاة ، واهدنا إلى الايمان ، وعجل فرجنا ، وانظمه بفرجأوليائك ، واجعلهم لنا ردءا ، واجعلنا لهم وفدا.

اللهم وأهلك من جعل يوم قتل ابن نبيك وخيرتك من خلقكعيدا ، واستهل(2) بهم فرحا ومرحا(3) ، وخذ اخرهم بما اخذت أولهم ،واضعف اللهم العذاب والتنكيل على ظالمي أهل بيت نبيك ، وأهلكأشياعهم وقادتهم ، وابر(4) حماتهم وجماعتهم.

اللهم ضاعف صلواتك ورحمتك وبركاتك على عترة نبيك ،العترة الضائعة ، الخائفة المستذلة(5) ، بقية من الشجرة الطيبة ، الزاكيةالمباركة ، واعل اللهم كلمتهم ، وافلج(6) حجتهم ، واكشف البلاءواللأواء(7) ، وحنادس(8) الأباطيل والغماء عنهم ، وثبت قلوب شيعتهموحزبك على طاعتهم وولايتهم ، ونصرتهم وموالاتهم ، وأعنهم

__________________

(1) هائمة : متحيرة.

(2) تهلل وجهه : استنار وظهر عليه امارات السرور.

(3) المرح : الأشر والبطر والاختيال.

(4) الابارة : الاهلاك.

(5) استذله : ذلله واستذله إذا رآه ذليلا.

(6) أفلج برهانه : قومه واظهره.

(7) اللاواء : الشدة.

(8) الحندس : الظلمة والليل المظلم.

٤٧٧

وامنحهم الصبر على الأذى فيك.

واجعل لهم أياما مشهودة ، وأوقاتا مسعودة ، يوشك(1) فيهافرجهم ، وتوجب فيها تمكينهم ونصرهم ، كما ضمنت لأوليائك فيكتابك المنزل ، فإنك قلت وقولك الحق :( وعد الله الذين امنوا منكموعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين منقبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهمامنا ) (2) .

اللهم فاكشف عنهم ، يا من لا يكشف الضر الا هو ، يا أحد يا حي ياقيوم ، وانا يا الهي عبدك الخائف منك ، والراجع إليك ، السائل لك ،المقبل عليك ، اللاجئ إلى فنائك ، العالم بك فإنه لا ملجأ منك الا إليك.

اللهم فتقبل دعائي ، واسمع يا الهي علانيتي ونجواي ، واجعلنيممن رضيت عمله ، وقبلت نسكه ، ونجيته برحمتك ، انك أنت العزيزالحكيم الكريم.

اللهم وصل أولا واخرا على محمد وال محمد ، وبارك علىمحمد وال محمد ، وارحم محمدا وال محمد بأكمل وأفضل ما صليتو باركت وترحمت على أنبيائك ورسلك وملائكتك وحملة عرشكبلا اله الا أنت.

__________________

(1) يوشك : يقرب ويسرع.

(2) النور : 55.

٤٧٨

اللهم لا تفرق بيني وبين محمد وال محمد صلواتك عليهوعليهم ، واجعلني يا الهي من شيعة محمد وعلي وفاطمة والحسنوالحسين وذريتهم الطاهرة والمنتجبة ، وهيئ لي التمسك بحبلهم ،والرضا بسبيلهم ، والاخذ بطريقهم انك جواد كريم.

ثم عفر وجهك على الأرض ، وقل :

يا من يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ، أنت حكمت فلك الحمدمحمودا مشكورا ، ففرج يا مولاي فرجهم وفرجنا بهم ، فإنك ضمنتاعزازهم بعد الذلة ، وتكثيرهم بعد القلة ، واظهارهم بعد الخمول ، ياأصدق الصادقين ويا ارحم الراحمين.

فاسالك يا الهي وسيدي متضرعا إليك بجودك وكرمك بسطاملي ، والتجاوز عني ، وقبول قليل عملي وكثيره ، والزيادة في أيامي ،وتبليغي ذلك المشهد ، وان تجعلني ممن يدعى فيجيب إلى طاعتهم ،وموالاتهم ونصرهم ، وتريني ذلك قريبا سريعا في عافية ، انك على كلشئ قدير.

ثم ارفع يدك إلى السماء وقل :

أعوذ بك ان أكون من الذين لا يرجون أيامك ، وأعذني برحمتكمن ذلك.

فان هذا أفضل يا ابن سنان من كذا وكذا حجة ، وكذا وكذا عمرةتتطوعها ، وتنفق فيها مالك ، وتتعب فيها بدنك ، وتفارق فيها أهلك وولدك.

٤٧٩

واعلم أن الله تعالى يعطي من صلى هذه الصلاة في هذا اليومودعا بهذا الدعاء مخلصا ، وعمل هذا العمل موقنا مصدقا عشر خصال ،منها : ان يقيه الله ميتة السوء ، ويؤمنه من المكاره والفقر ، ولا يظهر عليهعدوا إلى أن يموت ، ويقيه من الجنون والبرص في نفسه وولده إلى أربعةاعقاب له ، ولا يجعل للشيطان ولا لأوليائه عليه ولا على نسله إلى أربعةاعقاب سبيلا.

قال ابن سنان : فانصرفت وأنا أقول :

الحمد لله الذي من علي بمعرفتكم وحبكم ، واسأله المعونة علىالمفترض علي من طاعتكم بمنه ورحمته(1) .

7 ـ زيارة أخرى لهعليه‌السلام في يوم عاشوراء من قريب أو بعيد ، تقول :

السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام

__________________

(1) عنه البحار 101 : 313.

رواه الشيخ في مصباحه : 726 ، باسناده عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، عنه البحار101 : 303.

ذكره السيد في مصباح الزائر : 138 ، عنه البحار 101 : 309.

أخرجه السيد في الاقبال 3 : 67 مع اختلافات ، باسناده عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عنالحسن بن علي الكوفي ، عن الحسن بن محمد الحضرمي ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، عنه البحار 101 : 310.

رواه السيد هذه الرواية كما في مصباح المتهجد بعينها في مصباح الزائر ، وأوردها فيالاقبال بوجه آخر بينهما اختلاف كثير.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530