حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام14%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216675 / تحميل: 8368
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بالخصوص ذكر القضيّة المهدويّة وبيّن فلسفة ذلك ما لم تبيّن في دين آخر.

السؤال الرابع :

هل إسم الإمام المهدي عليه‌السلام ورد في الصحاح الستّة؟

الجواب : لاشكّ أنّه قد ورد إسم الإمام المهدي في جميع الصحاح ما عدا صحيح البخاري ، فقد ورد في صحيح الترمذي(١) ، وسنن ابن ماجة(٢) ، وسنن أبي داود(٣) إسم المهديعليه‌السلام ، وما ورد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بشأنه.

وأمّا بالنسبة إلى صحيح مسلم وسنن النسائي ، فقد حذف ما فيهما من إسم المهديعليه‌السلام ، والشاهد على ذلك أنّ تلك الأحاديث كانت موجودة سابقاً في صحيح مسلم ، حيث أنّ ابن حجر العسقلاني في الصواعق المحرقة(٤) ، وابن الصبان في إسعاف الراغبين(٥) ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال(٦) ، والحمزاوي في مشارق الأنوار(٧) ، نقلوا حديث«المهدي حقّ ، وهو من ولد فاطمة عليهما‌السلام » من كتب صحيح مسلم ، لكنّ هذا الحديث غير موجود حالياً في النسخ التي بأيدينا ،ويشهد بذلك أيضاً وجود حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حول الإمام المهديعليه‌السلام في سنن النسائي ، ونقل السلّمي في عقد الدرر(٨) عنه حديث«المهدي منّي» ، وهكذا

_________________________

(١)سنن الترمذي : ٢ / ٥٠٥.

(٢)سنن ابن ماجة : ٢ / ١٣٦٨.

(٣)سنن أبي داود : ٢ / ٣٦٧.

(٤)الصواعق المحرقة : ٦٣.

(٥)إسعاف الراغبين : ١٤٥.

(٦)كنز العمّال : ١٤ / ٢٦٤.

(٧)مشارق الأنوار : ١١٢.

(٨)عقد الدرر : ٣٣.

٢١

نقل ابن الصبان(١) ، وعبدالمحسن العباد(٢) ، وابن حجر العسقلاني(٣) ،والحمزاوي(٤) ، والشيخ منصور علي ناصف(٥) : حديث«المهدي حقّ ، وهو من ولد فاطمة» عن سنن النسائي ، ولكنّه غير موجود في النسخ التي بأيدينا.

فلا بدّ إمّا أن نّتهم هؤلاء الذين نقلوا هذه الأحاديث من صحيح مسلموسنن النسائي بالكذب ، أو أنّ ذلك حذف من الكتابين المذكور. هذاأوّلاً .

وثانياّ : أنّ في النسخة الموجودة حالياً لصحيح مسلم ، وإن لم يصرّح باسم الإمام المهديعليه‌السلام ، ولكنّه ذكر حديثين حول مجيءخليفة في آخر الزمان(٦) ، ونزول عيسىعليه‌السلام من السماء(٧) ، وصلاته خلف الإمامعليه‌السلام ، حيث يلزمنا أن نسأل صاحب هذا الصحيح بأنّه : من هذا الخليفة الذي يصلّي عيسى خلفه؟ فما هو الجواب؟ فهل هذا الخليفة الذي يصلّي عيسى خلفه غير المهدي الذي بشّر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

وثالثاً : وعلى فرض أنّهما لم يذكرا أحاديث النبيّ حول المهديعليه‌السلام ، ولكن تخلّفا عن شرطهما في نقل الراوية ، فإنّ أحاديث المهدي صحيحة على شرطهماولم يخرجاه.

وقد جمع الحاكم النيسابوري في كتبه المستدرك علي الصحيحين هذه الأحاديث التي لم يذكرها مسلم والبخاري ، وكان من حقّها أن يخرجاه. وذكر في ختام

_________________________

(١)إسعاف الراغبين : ١٤٥.

(٢)عقيدة أهل السنّة والأثر : ١٨.

(٣)الصواعق المحرقة : ١٨.

(٤)مشارق الأنوار : ١١٢.

(٥)التاج الجامع للاُصول : ٥ / ٣٤٣.

(٦)صحيح مسلم : ٢ / ٧٠١.

(٧)المصدر المتقدّم : ٤ / ٢٢٦٦.

٢٢

كلّ حديث نقله : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، فمن جملة الأحاديث الصحيحة على شرط الشيخين ولم يخرجاه أحاديث المهديعليه‌السلام ، ونشير إلى خمسة روايات ، فمنها :

١ ـ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :«المهدي منّا ، رجل من أهل البيت» (١) .

٢ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :«نحن ولد عبدالمطّلب ...والمهدي» (٢) .

٣ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :«المهدي منّي ، أجلى الجبهة ، أقني الأنف» (٣) .

٤ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ...ثمّ يخرج رجل من عترتي» (٤) .

٥ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :«إذا رأيتم الرايات السود ، فإنّ فيها خليفة الله المهدي» (٥) .

ورابعاً : هل أنصحيح الترمذي وسنن إبن ماجة وسنن أبي داود تعدّ من الصحاح الستّة أم لا؟

فإذا قلنا إنّها من الصحاح ، فلا داعي أنّ كلّ الأحاديث تذكر في كلّ الصحاح بحيث إذا لم تكن صحيحة. وهذا ابن تيميّة الذي ضعّف كثير من الروايات والأحاديث ، ونسب ظلماً اُموراً إلى الشيعة الإماميّة ، فقد صحّح أحاديث المهديعليه‌السلام وقال في كتابه : «إنّ الأحاديث التي يحتجّ بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة ، رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم عن طريق ابن مسعود وغيره»(٦) .

_________________________

(١)المستدرك علي الصحيحين : ٤ / ٥٥٧.

(٢)المصدر المتقدّم : ٣ / ٢١١.

(٣)و(٤)المصدر المتقدّم : ٤ / ٥٥٨.

(٥)المصدر المتقدّم : ٤٦٣.

(٦)منهاج السنّة : ٤ / ٢١١.

٢٣

وأمّا البخاري فهو وإن لم ينقل أحاديث المهديعليه‌السلام في صحيحه ، ولكنّه ذكر في تاريخه إسم الإمام المهدي في عدّة أماكن ، فقد نقل حديث«المهدي من أهل البيت» (١) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهكذا أشار في تاريخه إلى حديث :«المهدي حقّ ، من ولد فاطمة» (٢) .

السؤال الخامس :

لماذا يجب علينا معرفة الإمام المهدي؟

الجواب : لو فتّشنا الكتب الروائيّة والكلاميّة لعثرنا على روايات كثيرة في كتب الشيعة والسنّة تدلّ على وجوب معرفة الإمام وحجّة الله على الأرض ، ثمّ متابعته والإقتداء به ، وإن فسّر كثير من علماء العامّة هذه الروايات الواردة عن النبيّ بالخلفاء والحكّام.

ولكنّ الشيعة تعتقد بأنّ المقصود من الإمام في هذه الروايات هم الأئمّة المعصومونعليهم‌السلام ، ولهذا يعتقدون بلزوم معرفته ، حيث أنّ معرفتهعليه‌السلام هو جزء من معرفة الأئمّة الإثني عشر ، كما أشار النبيّ إلى عددهم قائلاً لسلمان الفارسي :«الأئمّة بعدي إثنا عشر» ، ثمّ قال :«كلّهم من قريش ، ثمّ يخرج قائمنا فيشفي صدور قوم مؤمنين ، ألا أنّهم أعلم منكم ، فلا تعلّموهم ألا أنّهم عترتي ، من لحميودمي ، ما بال أقوام يؤذوني فيهم ، لا أنالهم الله شفاعتي» (٣) .

وكان الإمام الحسنعليه‌السلام يقول :«الأئمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إثنا عشر ، تسعة

_________________________

(١)تاريخ البخاري : ١ / ٣١٧.

(٢)المصدر المتقدّم : ٣ / ٣٤٦.

(٣)كفاية الأثر : ٤٤.

٢٤

من صلب أخي الحسين ، ومنه مهدي هذه الاُمّة» (١) .

إذاً فالمراد من الإمام والأئمّة هم المعصومونعليهم‌السلام ، وأمّا علّة وجوب معرفة الإمام في كلّ زمان فكما يلي :

١ ـ الصون من الإنحراف والضلالة

إنّ معرفة الإمام المهديـأرواحنافداهـتأخذ أهمّيتها في الوقت الذي يشعر به النّاس إبتلاءهم بالفساد والضلالة علي إثر الإبتعاد عن إمامهم ، وأنّ الخلاص من هذا المأزق الخطر سوف لن يكون إلاّ عن طريق الإقتداء بالإمامعليه‌السلام .

قال الإمام الكاظمعليه‌السلام :«ما ترك عزّوجلّ الأرض بغير إمام قطّ منذ قبض آدم عليه‌السلام ، يُهتدي به إلى الله عزّوجلّ ، وهو الحجّة على العباد ، من تركه ضلّ ، ومن لزمه نجا ، حقّاً على الله عزّوجلّ» (٢) .

وكتب العمري إلى أبي عليّ بن محمّد بن همام ما يبيّن ضرورة هذه المعرفة ، قائلاً :

«اللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ ، اللّهُمَّعَرِّفْني رَسُولَكَ فَإنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ ، اللّهُمَّ عَرَّفْني حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْدِيني» (٣) .

وقد أمر ألإمام الصادقعليه‌السلام زرارة أن يلتزم بهذا الدعاء في زمان الغيبة(٤) .

_________________________

(١)كفاية الأثر : ٢٣.

(٢)معجم أحاديث الإمام المهديعليه‌السلام : ٤ / ١٤٨.

(٣)مصباح الزائر : ٣١٢.

(٤)بحار الأنوار : ٥٢ / ١٤٦.

٢٥

٢ ـ المنع من بطلان العمل

لا ريب أنّ قبول الأعمال والمنع من بطلانها يكون في قبول ولاية الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام . قال الباقرعليه‌السلام لزارة : (بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، والصوم ، والولاية.

قال زرارة : فقلت : وأيّ شيء من ذلك أفضل؟

فقال :الولاية أفضل؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدليل عليهنّ أما لو أنّ رجلاً قام ليله ، وصام نهاره ، وتصدّق بجميع ماله ، وحجّ جميع دهره ، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته اليه ، ما كان له على الله جلّ وعزّ حقّ في ثوابه ، ولا كان من أهل الإيمان »(١) .

٣ ـ الوصول إلى السعادة الأبديّة

لا شكّ أنّ حياة النبيّ وموته من الاُمور الهامّة التي لا ينال البشر إلى معرفتها ، فكم ترك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيّام حياته وبعد مماته من الخيرات والبركات للمسلمين ، فطلب منّا إن اردنا أن نصل الى هذه الحياة المعنويّة أن نتولّ الإمام أمير المؤمنينوالأئمّة من بعده.

فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :«معاشر النّاس ، من أراد أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، فليتولّ عليّ بنأبي طالب ، وليقتد بالأئمّة من بعده» (٢) .

٤ ـ النجاة من الميتة الجاهليّة

وجاء التصريح في عدد كثير من الروايات والأحاديث الإسلاميّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________

(١)الكافي : ٢ / ١٨٢.

(٢)مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٠١.

٢٦

أنّ كلّ من لا يعرف إمام زمانه سوف يموت ميتة جاهليّة ، ولا ريب أنّ المقصود من الميتة الجاهليّة أن يكون حاله حال من مات قبل الإسلام من أهل الجاهليّة ، حيث كانوا على الشرك والكفر والضلالة.

وقد ورد هذا الحديث في الصحاح والسنن والمسانيد عند السنّة ، ورواه أيضاً علماءنا في كتبهم بألفاظ مختلفة عن النبيّ والعترة الطاهرة ، فنقل الطيالسي(١) ،والبخاري(٢) ، وابن أبي شيبة(٣) ، والهيثمي(٤) ، وابن سعد(٥) ، والطبراني(٦) ،والكليني(٧) ، والبرقي(٨) ، والعيّاشي(٩) ، وغيرهم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :«من مات بغير إمام مات ميتة جاهليّة» (١٠) .

وعن الباقرعليه‌السلام ، قال :«من مات وليس له إمام فموته ميتة جاهيّة ، ولا يعذر النّاس حتّى يعرفوا إمامهم» (١١) .

وعن الصادقعليه‌السلام ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال :«من مات وليس عليه إمام فميتته جاهليّة .

_________________________

(١)و(١٠)مسند الطيالسي : ١٢٥٩.

(٢)تاريخ البخاري : ٦ / ٤٤٥.

(٣)مسند ابن أبي شيبة : ١٥ / ٣٨.

(٤)مجمع الزوائد : ٥ / ٢٢٣.

(٥)الطبقات : ٥ / ١٤٤.

(٦)المعجم الكبير : ٧ / ٣٥٠.

(٧)الكافي : ١ / ٣٧٦.

(٨)المحاسن : ١ / ١٥٣.

(٩)تفسير العيّاشي : ١ / ٢٥٢.

(١١)المحاسن : ١٥٥.

٢٧

فقلت : قال ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال :إي والله قد قال.

قلت : فكلّ من مات وليس له إمام فميتته جاهليّة؟!

قال :نعم» (١) .

فاستناداً إلى ماسبق وما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه :«من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته فمات ، فقد مات ميتة جاهليّة» (٢) .

نقول : لا نجاة من الميتة الجاهليّة إلاّ بمعرفة الإمام المهديعليه‌السلام .

_________________________

(١)الكافي : ١ / ١٥٣.

(٢)كمال الدين : ٢ / ٤١٢.

٢٨

٢٩

٣٠

ضيّق الخلفاء العبّاسيّين عليى الإمامين الهمامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام ،وبذلوا جهوداً كبيرة لمنع ولادة الإمام المهديعليه‌السلام ، فسجنوا الإمام العسكريعليه‌السلام غير مرّة ، حيث قضى أكثر أيّام إمامته في سجن الخلفاء العبّاسيّين.

وقاموا بمؤامرات خطرة ضدّ الإمام ، ولكنّ الظروف الطارئة كانت تمنعهم من قتلهعليه‌السلام ، ولقد أشار الإمام في بعض كلماته إلى هذه المضايقات قائلاً :«زعم الظلمة أنّهم يقتلونني ، ويقطعوا هذا النسل» (١) ، ولكن أبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.

حتّي ولد الإمام المهديعليه‌السلام في نصف من شعبان سنة٢٥٥ ه‍.ق(٢) في ظروف صعبة وحسّاسة للغاية.

أخبر النبيّ عن هذا المولود وعن إسمه وكنيته ، فقال :«إسمه إسمي ، وكنيته كنيتي» (٣) .

لقّب الإمام المهديعليه‌السلام بـ: بقيّة الله ، حجّة الله ، وقائم آل محمّدعليهم‌السلام .

_________________________

(١)الغيبة : ١٣٤. حياة الإمام العسكري : ٣١٢.

(٢)الفصول المهمّة : ٢٧٤.

(٣)كمال الدّين : ٢٨٦. بحار الأنوار : ٥١ / ٧٣.كفاية الأثر : ٦٧. وروي عن الإمام الصّادقعليه‌السلام باختلاف يسير وزيادة في الإمامة والتّبصرة : ١١٩ ، وفي كمال الدّين : ٢٨٦.

٣١

وقد أخفى الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ولادة عن أعين الحكّام لأجل الحفاظ على حياة ولدهعليه‌السلام . وكان يحضره أحياناً في بعض لقاءاته ليزيل الشبهة عنه ،وكان الإمام المهديعليه‌السلام يتحدّث بأمر من والده حتّى يتعرّف الشيعة عليه.

يعتقد كلّ علماء الشيعةـوكثير من أعلام السنّةـأنّ الإمام المهديعليه‌السلام قد ولد وهو حيّ وغائب ، وأنّ هذه الغيبة قد بدأت بعد استشهاد أبيه العسكريعليه‌السلام سنة٢٦٠ ه‍ ، وهي مستمرّة إلى الآن.

وإليك بعض الأسئلة حول ولادتهعليه‌السلام :

السؤال السادس :

ما هو رأي السنّة في ولادة المهدي عليه‌السلام ؟

الجواب : يوجد خلاف بين السنّة ، فبعضهم يرى رأي الشيعة ، حيث يقولون : إنّ الإمام المهديعليه‌السلام قد ولد في سامراء سنة٢٥٥ هجريّة ، وليس عددهم بالقليل.

ولا يسعنا أيضاً ذكر أسماءهم وأقوالهم في هذا المختصر ، ولكن نشير إلى كلمات بعضهم :

١ ـ يقول ابن الصباغ المالكي فيالفصول المهمّة :

«ولد أبوالقاسم محمّد بن الحجّة بن الحسن الخالص بسرّ من رأى ، ليلة النصف من شعبان ، سنة٢٥٥ هجريّة»(١) .

وقال أيضاً عن سبب أمر ولادته عن النّاس :

«خلف أبو محمّد الحسن من الوالد إبنه الحجّة القائم المنتظر لدولة الحقّ ، وكان

_________________________

(١)الفصول المهمّة : ٢٧٤.

٣٢

أخفى مولده ، وستر أمره لصعوبة الوقت ، وخوف السلطان ، وتطلبه الشيعة ،وحبسهم والقبض عليهم»(١) .

٢ـكتب الكنجي الشافعي فيالبيان في أخبار صاحب الزمان بعد أن اعتقد بولادة المهديعليه‌السلام ، وأجاب على شبهات منكري بقائه هذه المدّة الطويلة ، وردّهم بأدلّة بليغة ، حيث عقد فصلاً تحت عنوان«في الدلالة على كون المهدي حيّاً باقياً مذ غيبته إلى الآن»قائلاً :

«ولا امتناع في بقاءه بدليل بقاء عيسى والياس والخضر من أولياء الله تعالى ، وبقاء الدجّال وإبليس الملعونَين أعداء الله تعالى ، وهؤلاء قد ثبت بقاءهم بالكتاب والسنّة ، وقد اتّفقوا عليه ، ثمّ أنكروا جواز بقاء المهدي.

وها أنا اُبيّن بقاء كلّ واحد منهم ، فلا يسمع بعد هذا لعاقل إنكار جواز بقاء المهديعليه‌السلام »(٢) .

٣ ـ وقال سبط ابن الجوزي الحنفي فيتذكرة الخواصّ :

«هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالبعليهم‌السلام ، وكنيته أبو عبدالله ، وأبو القاسم ،وخلف الحجّة ، صاحب الزمان ، القائم ، والمنتظر ، والتالي ، وهو آخر الأئمّة»(٣) .

ثمّ إنّ شيخنا الوالد المرحوم آية الشيخ محمّدرضا الطبسيـبعد ما نقل أسماءأربعين شخصاً من كبار السنّة ، اعتماداً على نقل صاحب كشف الأستار للمحدّث

_________________________

(١)الفصول المهمّة : ٢٧٢.

(٢)البيان في أخبار صاحب الزمان : ٥٢١.

(٣)تذكرة الخواصّ : ٣٢٥.

٣٣

النوريـقال : «ثمّ إنّ الحقير تتبّعت في بعض الكتب المعتبرة عند القوم تتميماً للحجّة ، فعثرت على مقدار عشرين رجلاً ، بل أزيد ، من المعترفين أيضاً ، فأضفتهم ...»(١) ، ثمّ أسماء القائلين بولادتهعليه‌السلام كما يلي :

١ ـ المولى حسين الكاشفي في روضة الأحباب.

٢ ـ إبن خلّكان في تاريخه.

٣ ـ الحافظ البيهقي الشافعي في شعب الإيمان.

٤ ـ السيّد أحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلاميّة.

٥ ـ إبن حجر في الصواعق المحرقة.

٦ ـ إبن الأثير الجزري في الكامل في التاريخ.

٧ ـ أبو الفداء في تاريخه.

٨ ـ أحمد النگري في دستور العلماء.

٩ ـ الياقوت الحموي في معجم البلدان.

١٠ ـ الشبراوي في الإتحاف بحبّ الأشراف.

١١ ـ الحمزاوي في مشارق الأنوار.

١٢ ـ الذهبي في دول الإسلام.

١٣ ـ اليافعي في مرآة الجنان.

١٤ ـ الشيخ عبدالوهاب في كشف الغمّة.

١٥ ـ إبن سعد في الطبقات الكبرى.

_________________________

(١)الشيعة والرجعة : ١ / ١٢٠.

٣٤

١٦ ـ شمس الدين القاضي المالكي في تاريخ الخميس.

١٧ ـ الملاّ عليّ المتّقي في البرهان.

١٨ ـ جمال الدين في روضة الأحباب.

١٩ ـ القرماني في أخبار الدول.

٢٠ ـ إبن الصبان في إسعاف الراغبين(١) .

وبهذا البيان : إتّضح أنّ ولادة المهدي المنتظرعليه‌السلام من القطعيّات التاريخيّة ،وأن الشيعة والسنّة قد ذكروا تاريخ ولادته.

وخالف جماعة من أعلام السنّة هذا الرأي واعتقدوا بأن المهديعليه‌السلام لم يولد بعد ، وأنّه سيولد في آخر الزمان.

فقال إبن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة عند بيان خطبة الإمام أمير المؤمنين التي فيها«بأبي خيرة الإماء» :

«أمّا الإماميّة فيزعمون أنّه إمامهم الثاني عشر ، وأنّه إبن أمة إسمها نرجس ،وأمّا أصحابنا فيزعمون أنّه فاطمي ، يولد في مستقبل الزمان لاُمّ ولد ،وليس بموجود الآن وأنّه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وينتقم من الظالمين ، وينكّل بهم أشدّ النكال»(٢) .

أقول : إنّ إبن أبي الحديد وإن أصاب في بعض بحوثه ، ولكن أخطأ في هذه المسألة ، فماذا يجيب هؤلاء الذين مرّت أسماءهم عليك ، المعترفون بولادتهعليه‌السلام ،وثانياً : كيف يمكن أن نطبّق الروايات الواردة حول الإمام المهديعليه‌السلام المتّفق عليها

_________________________

(١)الشيعة والرجعة : ١ / ١٢٢.

(٢)شرح نهجالبلاغة : ٢ / ١٧٩.

٣٥

عند الشيعة والسنّة على رجل مجهول لا يعلم إبن من هو؟ وفي أي زمان سيولد؟وعلى قول الكنجي الشافعي : «لماذا أنكرنا أصل ولادته فراراً من طول عمره؟».

السؤال السابع :

هل رؤي الإمام المهدي عليه‌السلام أيّام طفولته؟

الجواب : لقد رأى الإمامعليه‌السلام عدّة لا يستهان بهم منذ ولد ، وهكذا رأوه في حياة أبيه وبعد موته إلى أن غاب في الغيبة الكبرى ، وقد ألّف علمائنا الكبار كتباًورسائلاً فيمن فاز بلقاءهعليه‌السلام ، منهم المحدّث الكبير السيّد هاشم البحراني ،وإليك أسماءبعض من شاهده عليه‌السلام :

١ـحكيمة بنت الإمام الجواد عليه‌السلام ، وعمّة الإمام الحسن العسكري ، التي زارت إبن أخيها في ليلة ميلاد الإمام المهديعليه‌السلام ، وطلب الإمام منها أن تبيت عنده لتحضر ولادة المهديعليه‌السلام ، فباتت تلك الليلة إلى أن ولدعليه‌السلام ، ورأت جماله البهيّ(١) ، وقصّتها معروفة ومشهورة.

ورأته أيضاً في اليوم الثالث من ولادته عليه‌السلام ، كما رواه لنا الشيخ الطوسي عنها ، أنّها قالت : «فلمّا كان في اليوم الثالث إشتدّ شوقي إلى وليّ الله ، فأتيتهم عائدة ، فبدأت بالحجرة التي فيها الجارية ، فإذا أنا بها جالسة في مجلس المرأة النفساء ،وعليها أثواب صفر ، وهي معصبة الرأس ، فسلّمت عليها والتفت إلى جانب البيتوإذا بمهد عليه أثواب خضر ، فعدلت إلى المهد ورفعت عنه الأثواب ، فإذا أنا بوليّ الله نائم على قفاه غير محزوم ولا مقموط ، ففتح عينيه وجعل يضحكويناجيني بإصبعه ، فتناولته وأدنيته إلى فمي لاُقبّله ، فشممت منه رائحة ما شممت

_________________________

(١)بحار الأنوار : ٥١ / ١٧.

٣٦

قطّ أطيب منها ...»(١) .

٢ـأحمد بن إسحاق الأشعري : «قال دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّعليه‌السلام وأنا اُريد أن أسأله عن الخلف من بعده ، فقال لي مبتدئاً :يا أحمد بن إسحاق ، إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه‌السلام ، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزّل الغيث ، وبه يخرج بركات الأرض .

قال : فقلت له : يابن رسول الله ، فمن الإمام والخليفة بعدك؟

فنهضعليه‌السلام مسرعاً فدخل البيت ، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر ، من أبناء الثلاث سنين ،فقال : يا أحمد بن إسحاق ، لولا كرامتك على الله عزّوجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك إبني هذا ... »(٢) .

٣ـيعقوب بن منقوش ، يقول : «دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّعليه‌السلام وهو جالس على دكّان في الدار ، وعن يميينه بيت عليه ستر مسبل ، فقلت له : يا سيّدي ، مَن صاحب هذا الأمر؟

فقال :إرفع الستر ، فرفعته ، فخرج إلينا غلام خماسي ، له عشر أو ثمان أو نحوذلك ، واضح الجبين ، أبيض الوجه ، درّي المقلتين ، شثن الكفّين ، معطوف الكريمتين ، في خدّه الأيمن خال ، وفي رأسه ذؤابة ، فجلس على فخذ أبي محمّدعليه‌السلام ، ثمّ قال لي :هذا صاحبكم »(٣) .

_________________________

(١)كتاب الغيبة : ١٤٣.

(٢)كمال الدين : ٢ / ٣٨٤.

(٣)إعلام الورى : ٤١٣.

٣٧

٤ ـ مارية خادمة الإمام العسكري

وعن الشيخ الطوسي ، قال : «عن نسيم وماريّة قالت : لمّا خرج صاحب الزمان من بطن اُمّه سقط جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبّابته نحو السماء ، ثمّ عطس ، فقال :الحمدلله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله عبداً داخراً ، غير مستنكف ، ولا مستكبر ، ثمّ قال :زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة ، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ» (١) .

٥ـأبو غانم الخادم ، قال : «ولد لأبي محمّدعليه‌السلام ولد فسمّاه محمّداً ، فعرضه على أصحابه يوم الثالث ، وقال :هذا صاحبكم من بعدي ، وخليفتي عليكم ،وهو القائم الذي تمتدّ إليه الإعناق بإنتظار ، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً »(٢) .

٦ـكامل بن إبراهيم المدني ، قال : «قلت في نفسي لمّا دخلت عليهـالإمام العسكريـأسأله عن الحديث المروي عنهعليه‌السلام :لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتي ،وكنت جلست إلى باب عليه ستر مرخيً ، فجاءت الريح فكشفت طرفه ، فإذا أنا بفتى كأنّه فلقة قمر ، من أبناء أربع سنين أو مثلها ، فقال لي :ياكامل بن إبراهيم ، فاقشعررت من ذلك ، واُلهمت أن قلت : لبّيك يا سيّدي.

فقال :جئت إلى وليّ الله تسألة لا يدخل الجنّة إلاّ من عرف معرفتك ، وقال بمقالتك؟ قلت : إي والله.

قال :إذن والله يقلّ داخلها ، والله إنّه ليدخلها قوم يقال لهم الحقّيّة .

_________________________

(١)كتاب الغيبة / الطوسي : ١٤٧.

(٢)كمال الدين٢ / ٤٣١.

٣٨

قلت : ومن هم؟

قال :قوم من حبّهم لعليّ بن أبي طالب يحلفون بحقّه ، وما يدرون ما حقّهوفضله ، أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلاً من معرفة اللهورسوله والأئمّة ونحوها .

ثمّ قال :وجئت تسأل عن مقالة المفوّضة؟ كذبوا ، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله عزّوجلّ فإذا شاء الله تعالى شئنا ، والله يقول : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ ) (١) .

فقال لي أبو محمّدعليه‌السلام : ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك ، قم ، فقمت»(٢) .

٧ ـ أربعون نفراً من الوافدين

روي الشيخ الطوسي عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري البزّاز ، عن جماعة من الشيعة ، منهم : عليّ بن بلال ، وأحمد بن هلال ، ومحمّد بن معاوية بن حكيم ،والحسن بن أيّوب بن نوح... قالوا جميعاً : «اجتمعنا إلى أبي محمّد الحسن بن عليّعليه‌السلام نسأله عن الحجّة من بعده ، وفي مجلسهعليه‌السلام أربعون رجلاً ، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له : يابن رسول الله ، اُريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي.

فقال: اجلس يا عثمان .

فقام مغضباً ليخرج ، فقال :لا يخرجنّ أحد .

فلم يخرج أحد إلى أن كان بعد ساعة ، فصاحعليه‌السلام بعثمان فقام على قديمه.

_________________________

(١)الإنسان (٧٦) : ٣٠.

(٢)الخرائج والجرائح : ١ / ٤٥٨.

٣٩

فقال :اُخبركم بما جئتم؟

قالوا : نعم يابن رسول الله.

قال :جئتم تسألوني عن الحجّة من بعدي .

قالو : نعم.

فإذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه النّاس بأبي محمّد.

فقال :هذا إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم ، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله ، وانتهوا إلى أمره ، واقبلوا قوله ، فهو خليفة إمامكم ،والأمر إليه ...»(١) .

٨ ـ نسيم الخادم

وعنه أيضاً قال : «وروي محمّد بن يعقوب رفعه عن نسيم الخادم ( خادم أبي محمّدعليه‌السلام ) قال : دخلت على صاحب الزمان بعد مولده بعشر ليالٍ فعطست عنده ، فقال :يرحمك الله ، ففرحت بذلك ، فقال :ألا اُبشّرك في العطاس؟ هو أمانمن الموت ثلاثة أيّام »(٢) .

٩ ـ إسماعيل النوبختي

وعنه أيضاً بسنده عن إسماعيل النوبختي ، قال : «دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّعليه‌السلامفي المرضة التي مات فيهاـوأنا عندهـإذ قال لخادمه عقيد ، وكان أخادم نوبيّاً قد خدم من قبله عليّ بن محمّد عليه‌السلام ، وهو ربّي الحسن عليه‌السلام فقال :

_________________________

(١)كتاب الغيبة : ٢١٧.

(٢)الغيبة / الطوسي : ١٣٩.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

« يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه ، وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان ، فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم. »

فأجابهم٧

« ويحكم ، أنا أول من دعا الى كتاب الله ، وأول من أجاب إليه وليس يحل لى ولا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله ، إني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن ، فانهم قد عصوا الله فيما أمرهم ، ونقضوا عهده ونبذوا كتابه ، ولكن قد اعلمتكم أنهم قد كادوكم ، وأنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون. »

وكلما حاول الامام إقناعهم وإفهامهم بشتى الاساليب بأنها خديعة بعد فشلهم وعجزهم عن المقاومة فلم يتمكن ، وأخذوا يصرون عليه بأن يأمر قائده الأشتر بالانسحاب عن ساحة الحرب.

ورأى الامام الشرفي وجوههم وقد اجمعوا على مناجزته واحاطوا به مهددين ومنذرين فلم يجد (ع) بدا من إجابتهم فانفذ بالوقت الى الأشتر يزيد بن هانئ يأمره بالانسحاب عن الحرب ، فلما انتهى الرسول الى الاشتر وبلغه رسالة الامام ، انبرى الأشتر قائلا مقالة رجل تهمه مصلحة الأمة والنفع العام.

« قل لسيدى : ليست هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي ، إني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني. »

رجع الرسول الى الامام فأخبره بمقالة الحازم اليقظ ، وكانت إمارة الفتح والظفر قد بدت على يده وأوشك أن ينتهى الأمر ، وارتفعت الأصوات من كتائب جيشه معلنة بالفتح المبين ، فلما سمع هؤلاء المتمردون ذلك أحاطوا بالامام قائلين له :

٤٦١

والله ما نراك إلا امرته أن يقاتل.

ـ أرأيتموني ساررت رسولى ( إليه )؟ أليس إنما كلمته على رءوسكم علانية وانتم تسمعون.

فانطلقوا يهتفون بلسان واحد :

فابعث إليه فليأتيك ، وإلا فو الله اعتزلناك.

فأريع الامام منهم وقد أوشكوا أن يفتكوا به فقال (ع) :

« ويحك يا يزيد ، قل له : اقبل إلى ، فان الفتنة قد وقعت!! »

فانطلق يزيد مسرعا إلى الأشتر فقال له :

« أقبل إلى أمير المؤمنين ، فان الفتنة قد وقعت. »

فقد قلب الأشتر فقال ليزيد والذهول باد عليه مستفهما عن مدرك هذه الفتنة والانقلاب الذي وقع في الجيش :

ـ الرفع هذه المصاحف؟

ـ نعم.

وقال الأشتر مصدقا تنبؤ نفسه وحدسها في وقوع هذا الانقلاب : « أما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافا وفرقة ، إنها مشورة ابن العاهرة ، ثم التفت الى الرسول والألم يحز في نفسه.

« ألا ترى إلى الفتح ، ألا ترى الى ما يلقون ، ألا ترى الى الذي يصنع الله لنا ، أينبغى أن ندع هذا وننصرف عنه؟. »

فانطلق يزيد يخبره بحراجة الموقف والاخطار التي تحف بالامام قائلا :

ـ أتحب أنك ظفرت هاهنا ، وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم الى عدوه؟

ـ سبحان الله. لا والله ما احب ذلك.

٤٦٢

ـ فانهم قالوا : لترسلن الى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا ابن عفان ، أو لنسلمنك الى عدوك.

فقفل الأشتر راجعا إلى الامام والحزن قد استولى عليه لضياع أمله المنشود ، فقد ظفر بالفتح واهريقت دماء جيشه حتى اشرف على النهاية وإذا بتلك المتاعب والجهود تذهب سدى لمكر ابن العاص ، وخاطب اولئك الاراذل بشدة وصرامه منددا بهم قائلا :

« يا أهل الذل والوهن ، أحين علوتم القوم فظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟! وقد والله تركوا ما أمر الله به فيها وسنة من أنزلت عليه ، فلا تجيبوهم ، أمهلوني فواقا ، فاني قد أحسست بالفتح. »

فانطلق هؤلاء المتمردون مظهرين له الغي والعناد قائلين بلسان واحد « لا. لا. »

ـ امهلوني عدوة الفرس ، فاني قد طمعت في النصر.

ـ إذن ندخل معك في خطيئتك.

وانبرى الأشتر يحاججهم ويقيم لهم الأدلة على خطل رأيهم وبعدهم عن الصواب حدثوني عنكم ـ وقد قتل أماثلكم وبقى أراذلكم ـ متى كنتم محقين ، أحين كنتم تقتلون أهل الشام ، فانتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون ، أم انتم الآن فى إمساككم عن القتال محقون؟ فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم ، في النار. »

ولم يجد هذا الكلام المشفوع بالأدلة معهم شيئا فأجابوه :

« دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله ، إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا »

٤٦٣

فقال لهم الاشتر :

« خدعتم والله فانخدعتم ، ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم ، يا اصحاب الجباه السود ، كنا نظن أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت ، ألا فقبحا يا اشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. »

وما انهى الأشتر كلامه حتى اقبلوا عليه يكيلون له أصواعا من السب والشتم ، فقابلهم بالمثل والتفت الى الامام بحماس قائلا :

« يا أمير المؤمنين. احمل الصف على الصف يصرع القوم. »

ولم يجبه الامام وأطرق برأسه وهو يفكر فى العاقبة المرة التي جرها هؤلاء المتمردون على الأمة ، وقد اتخذ هؤلاء سكوته رضى منه بالأمر فهتفوا :

« إن عليا أمير المؤمنين. قد رضى الحكومة ، ورضى بحكم القرآن » ولم يسع الامام الا الرضا كما لم يسع الأشتر إلا الاذعان والقبول فقال :

« إن كان أمير المؤمنين قد قبل ورضى بحكم القرآن فقد رضيت بما رضى به أمير المؤمنين. »

فانبروا يهتفون :

« رضى أمير المؤمنين. رضى أمير المؤمنين. »

والامام (ع) ساكت لا يجيبهم بشيء قد استولى عليه الهم والحزن لأنه ينظر الى جيشه قد فتكت به ومزقته حيلة ابن العاص ، وليس بوسعه اصلاحهم وارجاعهم إلى طريق الحق والصواب ، فانه لم يكن له نفوذ وسلطان عليهم كما أعرب (ع) عن ذلك بقوله :

« لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا. وكنت أمس

٤٦٤

ناهيا فأصبحت اليوم منهيا »(١)

انتخاب الاشعرى :

ولم تقف محنة الامام وبلاؤه في جيشه على هذا التمرد ، وإنما أخذوا يسعون جاهدين للاطاحة بحكومته فقد اصروا عليه في ترشيح عدوه الخبيث أبي موسى الأشعرى ، وانتخابه للتحكيم ، وعدم الرضا بغيره ممن رشحه الامام كابن عباس ومالك الأشتر وغيرهما من ذوي البصيرة والرأي ، والسبب في ذلك انهم يعلمون بانحراف الاشعرى عن أمير المؤمنين فاذا تولى مهمة التحكيم فانه لابه أن يختار للخلافة غير الامام ، ويذهب الدكتور طه حسين إلى ان اصرارهم لم يأت مصادفة وانما كان عن مؤامرة وتدبير بين طلاب الدنيا من أصحاب على وأصحاب معاوية جميعا(٢) وعلى أي حال فقد أحاطوا بالامام يهتفون :

« إنا رضينا بأبى موسى الاشعرى. »

فزجرهم الامام ونهاهم عن انتخابه قائلا :

« إنكم قد عصيتموني في أول الامر. فلا تعصوني الآن ، إني لا أرى أن أولى أبا موسى!! »

ولم يجد معهم نصح الامام شيئا وانما أخذوا يلحون عليه قائلين :

« لا نرضى إلا به ، فما كان يحذرنا وقعنا فيه »

وأخذ الامام يبين لهم الوجه في كراهيته له قائلا لهم :

« إنه ليس لي بثقة ، قد فارقني وخذل الناس عني ، ثم هرب مني

__________________

(١) نهج البلاغة محمد عبده ج ٢ ص ٢١٢

(٢) علي وبنوه : ص ٩٠

٤٦٥

حتى آمنته بعد أشهر ، ولكن هذا ابن عباس نوليه ذلك »

فلم يقنعوا واصروا على غيهم وجهلهم قائلين :

« ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس ، لا نريد إلا رجلا هو منك ، ومن معاوية سواء ليس الى واحد منكما بادنى منه الى الآخر »

فدلهم الامام على الاشتر فانه ليس رحما له فردوا عليه قائلين :

« وهل سعر الأرض غير الأشتر!! »

ولم يجد الامام بعد هذه المحاورة وسيلة يسلكها في اقناعهم فاطلق سراحهم وخلى بينهم وبين جهلهم وأصبحت الأمور بيد هؤلاء العصاة المتمردين.

وثيقة التحكيم :

وتسابق القوم الى تسجيل ما يرومونه في وثيقة التحكيم وهذا نصها كما رواها الطبرى :

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان ، قاضي علي على أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين ، وقاضي معاوية على أهل الشام ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين إنا ننزل عند حكم الله عز وجل وكتابه ولا يجمع بيننا غيره ، وان كتاب الله عز وجل بيننا من فاتحته الى خاتمته نحيي ما احيا ونميت ما امات فما وجد الحكمان في كتاب الله عز وجل. وهما أبو موسى الاشعرى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص القرشي ، عملا به وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة ، وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة

٤٦٦

من الناس انهما آمنان على انفسهما وأهلهما ، والامة لهما انصار على الذي يتقاضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه ، إنا على ما في هذه الصحيفة وان قد وجبت قضيتهما على المؤمنين فان الامن والاستقامة ووضع السلاح بينهم أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وشاهدهم وغائبهم ، وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة ولا يرداها في حرب ولا فرقة حتى يعصيا ، وأجل القضاء الى رمضان ، وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما وإن توفي أحد الحكمين فان أمير الشيعة يختار مكانه ولا يألو من أهل المعدلة والقسط ، وإن مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الكوفة وأهل الشام وإن رضيا وأحبا فلا يحضرهما فيه إلا من أرادا ويأخذ الحكمان من ارادا من الشهود ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة وهم انصار على من ترك ما في هذه الصحيفة وأراد فيه إلحادا وظلما ، اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة »(١)

وسجل فريق من زعماء العراق والشام شهادتهم في هذه الوثيقة ، وتدل بنصها الصريح على عدم اهتمام معاوية وحزبه بدم عثمان ولو كان لهم إرب في ذلك لجاء ذكر قتله فيها صريحا أو ضمنا.

لقد أقاموا الدنيا وأقعدوها من أجل عثمان فنشروا ثيابه على منبر دمشق ، وهم يبكون على مصابه وأثاروا هذه الحرب من أجل المطالبة بدمه ، فما بالهم لم يتعرضوا له في وثيقة التحكيم ، ولم يذكروه بقليل ولا كثير.

وعلى أي حال فقد حفلت هذه الصحيفة بتحقيق رغبات الاشعث

__________________

(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٣٠

٤٦٧

وسائر ذوي الاطماع والمنحرفين من قومه لأنه قد تم لهم ما أرادوا من تفلل الجيش العراقي وانقلابه وتغلب القوى الباغية على قوى الحق والاسلام

انبثاق الفكرة الحرورية :

واعقبت مهزلة رفع المصاحف انبثاق الفكرة الثورية الهدامة وهي فكرة الخوارج التي لم يكن الباعث لها الا التماس المصالح الدنيوية ، والسعي وراء النفوذ والسلطان ، وتحقيق المطامع الشخصية الرخيصة ، وقد اتخذوا « الحكم لله » شعارا لهم ، ولكنهم سرعان ما جعلوا الحكم للسيف وذلك بما أراقوه من دماء الابرياء ونشر الذعر والخوف بين المسلمين ، وكان سمتهم الذي اتصفوا به هو اعلان البغي والتمرد ، والحكم بالكفر على من لا يدين بفكرتهم واباحة دماء المسلمين ، وقد تظافرت الاخبار الواردة عن النبي (ص) بكفرهم ومروقهم من الاسلام قال (ص) : « سيكون بعدي من أمتي قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه هم شر الخلق والخليقة »(١) وروى أبو سعيد الخدري ان رسول الله (ص) أتاه مال فجعل يضرب بيده فيه فيعطي يمينا وشمالا وفيهم رجل مقلص الثياب ذو سيماء بين عينيه أثر السجود فجعل رسول الله يضرب يده يمينا وشمالا حتى نفد المال ، فلما نفد المال ولى مدبرا ، وقال والله ما عدلت منذ اليوم ، قال فجعل رسول الله (ص) يقلب كفه ويقول : إذا لم أعدل فمن يعدل بعدي؟ أما إنه ستمرق مارقة يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه حتى

__________________

(١) صحيح مسلم ١ / ٣٩٨

٤٦٨

يرجع السهم على فوقه يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يحسنون القول ويسيئون الفعل ، فمن لقيهم فليقاتلهم فمن قتلهم فله أفضل الأجر ، ومن قتلوه فله أفضل الشهادة ، برىء الله منهم تقتلهم أولى الطائفتين بالحق(١) إلى غير ذلك من الاخبار التي رواها الفريقان عن النبي (ص) فى خروجهم من الدين ومروقهم عن الاسلام وهي تعد من معاجزه (ص) ومن آيات نبوته وذلك لما فيها من انباء الغيب التي تحققت بعده وعلى أي حال فقد تكتل هؤلاء المارقون وانحازوا إلى جانب آخر وهم ينادون بفكرتهم ، ويعلنون تمردهم ، ولما نزح الامام من صفين الى الكوفة ، لم يدخلوا معه إليها وانحازوا الى ( حروراء )(٢) فنسبوا إليها وكان عددهم اثني عشر الفا وقد اذن مؤذنهم ان أمير القتال شبث بن ربعي التميمي وعلى الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري والأمر شورى بعد الفتح ، والبيعة لله عز وجل والامر بالمعروف والنهى عن المنكر

احتجاج ومناظرات :

واضطرب الامام من هؤلاء المارقين عن الدين فأرسل إليهم عبد الله ابن عباس وأمره أن لا يخوض معهم في ميدان البحث والخصومة حتى يأتيه ولما اجتمع بهم ابن عباس لم يجد بدا من الدخول معهم في مسرح البحث فقال لهم :

« ما نقمتم من الحكمين؟ وقد قال الله عز وجل :( إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما ) (٣) فكيف بأمة محمد (ص) ».

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٢ / ١٥٤

(٢) حروراء ـ بفتح الحاء والراء وسكون الواو ـ قيل هي قرية بظهر الكوفة ، وقيل موضع على ميلين منها ، معجم البلدان ٣ / ٢٥٦

(٣) سورة النساء : آية ٣٥

٤٦٩

فأجابه الخوارج :

« أما ما جعل حكمه الى الناس وأمر بالنظر فيه والاصلاح له فهو إليهم كما أمر به ، وما حكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه ، حكم في الزاني مائة جلدة ، وفي السارق بقطع يده فليس للعباد أن ينظروا فيه » واندفع ابن عباس يجيبهم :

ـ إن الله عز وجل يقول :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (١) ـ أو تجعل الحكم في الصيد ، والحدث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين؟ وهذه الآية بيننا وبينك ، أعدل عندك ابن العاص؟ وهو بالأمس يقاتلنا ويسفك دماءنا ، فان كان عدلا فلسنا بعدول ونحن اهل حربه وقد حكمتم في أمر الله الرجال وقد امضى الله عز وجل حكمه في معاوية وحزبه أن يقتلوا أو يرجعوا وقبل ذلك دعوناهم الى كتاب الله عز وجل فأبوه ثم كتبتم بينكم وبينه كتابا وجعلتم بينكم وبينه الموادعة والاستفاضة وقد قطع الله الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت ( براءة ) إلا من أقر بالجزية.

وبقى ابن عباس يحاججهم ويحاججونه ، لم تغن معهم شيئا الأدلة القطعية والبراهين الحاسمة التي أقامها على خطل رأيهم.

ورحل الامام إليهم تصحبه زمرة من اصحابه ليناظر هؤلاء المارقين فانتهى (ع) الى فسطاط يزيد بن قيس فدخل فيه وتوضأ وصلى ركعتين ثم اقبل نحو القوم فرأى ابن عباس يناظرهم فزجره قائلا : : انته عن كلامهم ، ألم انهك رحمك الله؟ ثم التفت الى القوم قائلا :

« اللهم. إن هذا مقام من افلج فيه كان اولى بالفلج يوم

__________________

(١) سورة المائدة آية ٩٥

٤٧٠

القيامة ، ومن نطق فيه وأوعث فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا ثم قال لهم :

ـ من زعيمكم؟

ـ ابن الكواء

فوجه (ع) خطابه إليه وإليهم :

ـ ما اخرجكم علينا؟

ـ حكومتكم يوم صفين

ـ انشدكم بالله أتعلمون انهم حيث رفعوا المصاحف ، فقلتم نجيبهم الى كتاب الله ، قلت لكم إني اعلم بالقوم منكم إنهم ليسوا باصحاب دين ولا قرآن ، اني صحبتهم وعرفتهم اطفالا ورجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال ، امضوا على حقكم وصدقكم فانما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ودهنا ومكيدة فرددتم علىّ رأيي وقلتم لا. بل نقبل منهم ، فقلت لكم اذكروا قولى لكم ومعصيتكم اياى ، فلما ابيتم الا الكتاب اشترطت على الحكمين ان يحييا ما أحيا القرآن ، وأن يميتا ما أمات القرآن فان حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكما يحكم بما في القرآن ، وإن أبيا فنحن من حكمهما برآء

فدحضت هذه الحجة النيرة جميع ما تمسكوا به لاثبات فكرتهم الواهنة واندفعوا بلين لا عسف فيه نحو الامام قائلين له :

ـ اتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء؟

ـ لسنا حكمنا الرجال إنما حكمنا القرآن ، وهذا القرآن انما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق انما يتكلم به الرجال.

ـ فخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم؟

٤٧١

ـ ليعلم الجاهل ، ويثبت العالم ، ولعل الله عز وجل يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة.

ورأى الامام (ع) منهم اذعانا لكلامه ومقاربة شديدة له ، فقال لهم :

« ادخلوا مصركم رحمكم الله »

فاجابوا الى ذلك ورحلوا عن آخرهم معه الى الكوفة ، ولكنهم بقوا على فكرتهم يذيعونها بين الكوفيين وينشرون الشغب ويدعون الى البغي وقد شاع أمرهم وقويت شوكتهم واندفع بعضهم الى الامام وهو يخطب فقطع عليه خطابه تاليا قوله تعالى( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (١) فأجابه الامام بآية اخرى( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) (٢)

وجعل الأمر يمعن في الفساد بين الامام وبين هؤلاء المارقين ، فقد أخذوا يتعرضون للآمنين ، وينشرون الرعب والفزع فى البلاد الأمر الذي أوجب اضطراب الامن العام وشيوع الخوف بين جميع المواطنين.

اجتماع الحكمين :

واسترد معاوية قواه واحكم أمره بعد الانهيار الذي أصابه ، وقد أوفد الى الامام رسله يستنجزه الوفاء بالتحكيم ، ويطلب منه المبادرة باجتماع الحكمين ، وانما بادر لذلك لعلمه بالفتن والخطوب التي منى بها الجيش العراقي حتى تفرق الى طوائف وأحزاب يضاف الى ذلك علمه بانحراف ابي موسى الاشعرى عن الامام ، وقد أراد أن يحوز بذلك الى

__________________

(١) سورة الزمر آية ٦٥

(٢) سورة الروم آية ٦٠

٤٧٢

نصره نصرا ، وقد اجابه الامام (ع) الى ذلك وانفذ اربع مائة رجل عليهم شريح بن هانى الحارثي(١) ومعهم عبد الله بن عباس يصلى بهم ويلي أمورهم : ومن بينهم ابو موسى الأشعرى المنتخب للتحكيم ، وكذلك فعل معاوية فأشخص عمرو بن العاص ومعه اربع مائة شخص ، وزوده بدراسة وافية عن نفسية الخامل أبي موسى قائلا :

« إنك قد رميت برجل طويل اللسان قصير الرأى فلا ترمه بعقلك كله »(٢)

وسارت الكتائب فانتهت الى أذرح(٣) أو دومة الجندل(٤)

__________________

(١) شريح : بن هاني بن يزيد بن الحرث : كان جاهليا فاسلم يكنى ابا المقدام وابوه هاني له صحبة مع النبيّ (ص) ، وشريح من اجل اصحاب الامام ، الاستيعاب ٢ / ١٤٩

(٢) العقد الفريد ج ٣ ص ١١٥.

(٣) اذرح : ـ بفتح اوله وسكون الذال وضم الراء ـ جمع مفرده ذريح ، وهو اسم لبلد من اطراف الشام تقرب من ارض الحجاز وفيها كان التحكيم بين ابن العاص والأشعري ، وهو الصحيح لقول ذى الرمة يمدح بلالا حفيد ابى موسى :

ابوك تلافى الدين والناس بعد ما

تساءوا وبيت الدين منقطع الكسر

فشد إصار الدين ايام اذرح

ورد حروبا قد لقحن الى عقر

معجم البلدان ج ١ ص ١٦١.

(٤) دومة الجندل بفتح اوله وضمه وقد انكر ابن دريد الفتح وعده من اغلاط المحدثين ، وهو اسم مكان على سبع مراحل من دمشق ومن مدينة الرسول ، وقال ابو عبيد السكوني : دومة الجندل حصن وقرى بين

٤٧٣

فكان هناك الاجتماع والتحكيم ، واجتمع الماكر المخادع عمرو بن العاص بضعيف العقل الخامل ابي موسى ، فأمهله ثلاثة ايام وافرد له مكانا خاصا به وجعل يقدم له ما لذّ من الطعام والشراب ولم يفتح معه الحديث حتى استبطنه وارشاه ، ولما علم بأنه قد هيمن عليه وصار زمامه بيده أخذ يحدثه بانخفاض ولين مبديا له الاكبار والتقديس والتعظيم قائلا له :

« يا أبا موسى انك شيخ اصحاب محمد (ص) وذو فضلها ،

__________________

الشام والمدينة قرب جبل طىء كانت به بنو كنانة من كلب ويقال إن بدومة الجندل كان التحكيم فقد حدث عبد الله بن عيسى حفيد ابى ليلى قال مررت مع ابى موسى بدومة الجندل ، فقال ابو موسى حدثني رسول الله انه حكم في بني اسرائيل في هذا الموضع حكمان بالجور ، وانه يحكم فى امتي فى هذا المكان حكمان بالجور ، قال : فما ذهبت الايام حتى حكم هو وعمرو ابن العاص فيما حكما ، وقد اكثر الشعراء فى ذكر الاجتماع بأذرح إلا قول الأعور الشنى فانه ذكر دومة الجندل في قوله :

رضينا بحكم الله فى كل موطن

وعمرو وعبد الله مختلفان

فليس بهادى امة من ضلالة

بدومة شيخا فتنة عميان

بكت عين من يبكى ابن عفان بعد ما

نفا ورق الفرقان كل مكان

ثوى تاركا للحق متبع الهوى

ووارث حزنا لاحقا بطعان

كلا الفتنتين كان حيا وميتا

يكادان لو لا القتل يشتبهان

وإن كان الوزن يستقيم لو جيء بمكان دومة اذرح جاء ذلك فى معجم البلدان ج ٤ ص ١٠٦ ، واحتمل الدكتور ( طه حسين ) فى كتابه ( علي وبنوه ) ص ١٠٧ ، ان الاجتماع كان في دومة الجندل اولا ثم فى اذرح بعد ذلك.

٤٧٤

وذو سابقتها ، وقد ترى ما وقعت فيه هذه الامة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها ، فهل لك ان تكون ميمون هذه الأمة فيحقن الله بك دماءها ، فانه يقول : في نفس واحدة. ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا ، فكيف بمن احيا انفس هذا الخلق كله. »

ومتى كان ابو موسى شيخ صحابة النبي ومن ذوي الفضائل والسوابق في الاسلام ،؟!! وقد لعبت هذه الكلمات في نفسه فطفق يسأل عن الكيفية التي يحسم بها النزاع قائلا : كيف ذلك؟

« تخلع أنت على بن ابي طالب ، واخلع انا معاوية بن ابي سفيان ونختار لهذه الامة رجلا لم يحضر في شيء من الفتنة ولم يغمس يده فيها » فبادره ابو موسى عن الشخص الذي يرشح لكرسى الخلافة قائلا :

« ومن يكون ذلك؟ »

وكان عمرو قد فهم ميول ابي موسى واتجاهه نحو عبد الله بن عمر فقال له :

« انه عبد الله بن عمر. »

واسترّ الاشعري بذلك اى سرور واندفع إليه يطلب منه المواثيق على وفائه بما قال ، قائلا له :

ـ كيف لى بالوثيقة منك؟

ـ يا أبا موسى الا بذكر الله تطمئن القلوب ، خذ من العهود والمواثيق حتى ترضى.

ثم انبرى يكيل له العهود والمواثيق والايمان المغلظة ، حتى لم يبق يمين او شيء مقدس إلا واقسم به على الوفاء والالتزام بما قال ، وبقى الشيخ الكبير السن الصغير العقل مبهورا بهذه اللباقة التي ابداها ابن العاص فأجابه بالرضا والقبول ، واذيع بين المجتمع اتّفاقهما ، والوقت الذي يكون

٤٧٥

فيه الاجتماع.

وأقبلت الساعة الرهيبة التي تغير فيها مجرى التأريخ ، فاجتمعت الجماهير لتأخذ النتيجة الحاسمة من هذا التحكيم المنتظر بفارغ الصبر ، فأقبل الخاتل ابن العاص مع أبي موسى المخدوع الى منصة الخطابة ليعلنا للجماهير الصورة التي اتّفقا عليها ، فالتفت ابن العاص الى أبي موسى قائلا :

ـ قم فاخطب الناس ، يا أبا موسى.

ـ قم. أنت فاخطبهم.

ـ سبحان الله أنا اتقدمك ، وأنت شيخ أصحاب رسول الله والله لا فعلت ذلك أبدا.

ـ أفي نفسك شيء؟

فزاده أيمانا مغلظة على الالتزام بالعهد الذي أعطاه له(١) وعرف ابن عباس هذه المخادعة من ابن العاص وتجلت له الحيلة التي يرومها هذا الماكر فالتفت الى الأشعري قائلا :

« ويحك والله ، إني لأظنه قد خدعك ، إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه فليتكلم بذلك الأمر قبلك ، ثم تكلم أنت بعده ، فان عمرو رجل غادر ولا آمن من أن يكون قد اعطاك الرضا فيما بينك وبينه فاذا قمت فى الناس خالفك »(٢) .

فلم يلتفت الصعلوك الى كلام ابن عباس وراح يشتد كأنه الحمار نحو منصة الخطابة فلما استوى عليها ، حمد الله واثنى عليه وصلى على النبي الكريم ، ثم قال :

__________________

(١) العقد الفريد ج ٣ ص ١١٥.

(٢) تأريخ الطبرى ج ٦ ص ٣٩.

٤٧٦

« أيها الناس ، إنا قد نظرنا في أمرنا فرأينا أقرب ما يحضرنا من الأمن والصلاح ولم الشعث وحقن الدماء وجمع الالفة ، خلعنا عليا ومعاوية وقد خلعت عليا كما خلعت عمامتى هذه ( وأهوى الى عمامته فخلعها ) واستخلفنا رجلا قد صحب رسول الله (ص) بنفسه وصحب أبوه النبي٦ فبرز في سابقته وهو عبد الله بن عمر ».

وأخذ يثنى عليه بالثناء العاطر ويخلع عليه النعوت الحسنة والأوصاف الشريفة.

وقد عدل الاشعري عن انتخاب الامام أمير المؤمنين وهو نفس النبيّ وباب مدينة علمه فرشح عبد الله بن عمر وهو لا يحسن طلاق زوجته ـ على حد تعبير أبيه ـ أف للزمان وتعسا للدهر أن يتحكم فى المسلمين ويفرض رأيه عليهم مثل هذا الصعلوك النذل ، وعلى اى حال فقد انبرى ابن العاص فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي (ص) ثم قال :

« أيها الناس ، إن أبا موسى عبد الله بن قيس خلع عليا واخرجه من هذا الأمر الذي يطلب ، وهو اعلم به ، ألا وإنى خلعت عليا معه وأثبت معاوية علىّ وعليكم ، وإن أبا موسى قد كتب فى الصحيفة(١) إن عثمان قد قتل مظلوما شهيدا وإن لوليه أن يطلب بدمه حيث كان ، وقد صحب معاوية رسول الله (ص) بنفسه ، وصحب أبوه النبي وأخذ يفيض عليه بالثناء والمديح ، ثم قال : هو الخليفة علينا ، وله طاعتنا وبيعتنا على الطلب بدم عثمان.

وانطلق الخامل المخدوع أبو موسى الى ابن العاص قائلا :

__________________

(١) يشير بالصحيفة الى إقرار ابى موسى حول قتلة عثمان الذي سجله عنده ، وقد ذكر المسعودي تفصيل ذلك فى مروج الذهب ج ٢ ص ٢٧٧

٤٧٧

« ما لك؟ عليك لعنة الله! ما أنت إلا كمثل الكلب تلهث. »

فزجره ابن العاص بعد أن جعله جسرا فعبر عليه ، قائلا له :

« لكنك مثل الحمار يحمل اسفارا »(١)

نعم هما كلب وحمار وقد احسن كل منهما فى وصف صاحبه ، وانطلق أبو موسى الى مكة يصحب معه الخزي والعار بعد ما أحدث هذه الفتنة العمياء والفتق الذي لا يرتق وترك إمام الحق يئن من جراء حكمه المهزول ، وقد سجل للعراقيين بتحكيمه عارا وخزيا لا ينساه التأريخ ، وقد اكثر الشعراء فى الهجاء المقذع لهم فمن ذلك ما قاله أيمن بن خريم الأسدي(٢) :

لو كان للقوم رأي يعصمون به

من الضلال رموكم بابن عباس

لله در أبيه أيما رجل

ما مثله لفصال الخطب فى الناس

لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن

لم يدر ما ضرب اخماس لأسداس

إن يخل عمرو به يقذفه في لجج

يهوى به النجم تيسا بين أتياس

ابلغ لديك عليا غير عاتبه

قول امرئ لا يرى بالحق من باس

ما الأشعري بمامون ، أبا حسن

فاعلم هديت وليس العجز كالراس

فاصدم بصاحبك الادنى زعيمهم

إن ابن عمك عباس هو الآسى

لقد سجل العراقيون فى تأريخهم صفحات من الخزي بانتخابهم لأبي موسى الخامل الرأي ، الضعيف العقل الذي لم يمتع به النظر ، ولا باصالة في التفكير ، فكيف ينتخبونه ليقرر مصيرهم ومصير الاجيال اللاحقة؟

__________________

(١) الامامة والسياسة ج ١ ص ١٤٣.

(٢) أيمن بن خريم ـ بالراء المهملة ـ وهو ابن شداد الاسدى ، احد الشعراء ، وقد اختلف فى صحبته للنبي ، وقد روى عنه فى شهادة الزور ، تهذيب التهذيب ١ / ٣٩٢

٤٧٨

خطاب الامام الحسن :

ولما أذيع الخبر المؤلم بين العراقيين في خلع أبي موسى للامام زادت الفتنة ، وكثر الاختلاف والانشقاق بينهم ، وجعل بعضهم يتبرأ من بعض ويشتم بعضهم بعضا ، ورأى الامام أن خطورة الموقف تقضي بأن يقوم تفر من أهل بيته فيخطب بين الناس ليوقفهم على حقيقة الحال ويبين لهم فساد التحكيم ، فقال للحسن : قم يا بني. فقل في هذين الرجلين عبد الله ابن قيس ، وعمرو بن العاص فقام الحسن فاعتلى أعواد المنبر فقال :

« أيها الناس. قد أكثرتم في هذين الرجلين ، وإنما بعثا ليحكما بالكتاب على الهوى ، فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هكذا لم يسم حكما ولكنه محكوم عليه ، وقد أخطأ عبد الله بن قيس إذ جعلها لعبد الله ابن عمر فأخطأ في ثلاث خصال ، واحدة انه خالف ( يعني ابا موسى ) أباه ( يعني عمر ) إذ لم يرضه لها ولا جعله من اهل الشورى واخرى إنه لم يستأمره في نفسه(١) وثالثها : إنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعقدون الامارة ويحكمون بها على الناس. وأما الحكومة فقد حكم النبي (ص) سعد بن معاذ(٢) في بني قريضة فحكم بما يرضى الله به ،

__________________

(١) وفى رواية ابن قتيبة فى الامامة والسياسة ١ / ١٤٤ إنه لم يستأمر الرجل فى نفسه ولا علم ما عنده من رد او قبول.

(٢) سعيد بن معاذ بن النعمان الانصارى من الاوس اسلم على يد مصعب بن عمير لما ارسله النبي الى المدينة ليعلم المسلمين ، ولما اسلم سعد قال لبني عبد الاشهل : كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تسلموا فأسلموا وكان من اعظم الناس بركة فى الاسلام ، وقد شهد مع النبي بدرا بغير خلاف ، ولما توجه النبيّ الى بدر جاءه الخبر بتوجه قريش الى حربه

٤٧٩

ولا شك لو خالف لم يرضه رسول الله «ص» ثم نزل عن منصة الخطابة.

__________________

فاستشار (ص) اصحابه في الامر فأنبرى إليه المقداد وابو بكر يعلنان الطاعة ، وكان نظره (ص) الى الانصار لان اكثرية جيشه منهم ، وعرف سعد انه يريد باستشارته الانصار فقال له : لكأنك تريدنا يا رسول الله ، فقال (ص) : اجل ، فقال سعد يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به الحق واعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما اردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ، لعل الله يريك فينا ما تقربه عينك فسر بنا على بركة الله فسر (ص) وابتهج من كلامه ونشط للقاء المشركين ولما صارت وقعة الخندق خرج سعد وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه وفي يده حربة وهو يقول :

لبث قليلا يلحق الهيجا جمل

لا بأس بالموت إذا حان الاجل

فالتفتت إليه أمه قائلة الحق يا بنى قد والله اخرت ، واصابه فى ذلك اليوم سهم فقطع اكحله ، ولما اذعن بنو قريظة على النزول على حكم سعد جاء وهو جريح ، فقال النبيّ (ص) لاصحابه قوموا الى سيدكم او خيركم فلما حل بالمجلس قال رسول الله له : يا سعد احكم فيهم فقال سعد حكمت فيهم ان تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم فقال (ص) حكمت فيهم بحكم الله : ولما فرغ من التحكيم انفجر جرحه فاحتضنه رسول الله ٦ فجعلت الدماء تسيل عليه وقبض من جرحه ، وبكى عليه رسول الله ومشيخة الصحابة وقالت أمه راثية له :

ويل أم سعد سعدا

براعة ونجدا

ويل أم سعد سعدا

صرامة وجدا

فلما سمع النبي رثاءها قال : إن كل نادبة كاذبة إلا نادبة سعد ، جاء ذلك فى اسد الغابة ج ٢ ص ٢٩٦.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530