حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 530

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215983 / تحميل: 8281
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) .

١

٢

الإهداء

إليك يا علة الموجودات ، وسيد الكائنات

إليك يا منقذ الإنسانية من ظلمات الجهل ، وباعث الروح والعلم في الأجيال.

إليك يا رسول الله ، وخاتم النبيين.

أرفع بكلتا يدي هذه الوريقات التي بحثت فيها عن سيرة سبطك الأكبر ، وريحانتك الذي غذيته من كمال النبوة ، وأورثته هيبتك ، وسؤددك. وهي بضاعتى المزجاة التي أعددتها ذخري يوم الوفادة عليك ، فعسى أن تقع من مقامكم الرفيع موقع القبول وهو حسبى.

٣
٤

تقديم

لامام المصلح كاشف الغطاء

٥
٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الإمام السبط أبو محمد الزكي أول الأسباط الأحد عشر من نسل محمد (ص) سيد الأنبياء ونسل علي سيد البشر وأول من اجتمع فيه نور النبوة ونور الإمامة فكان مجمع النورين وأحد النيرين وملتقى البحرين( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) علي بحر نور الإمامة وفاطمة بحر نور النبوة والكرامة ، يخرج منهما اللؤلؤ الأخضر بخضرة السم في السماء والمرجان الأحمر بحمرة الأرض من الدماء.

الحسن أول الأئمة الامناء من صلب سيد الأوصياء ، الحسن الذي أظهر الحق وأزهق الباطل وحقن بصلحه الدماء.

وقد كانت ولادته في ليلة النصف من رمضان على أشهر الأقوال وقد صادف املائي لهذه الكلمات هذه الليلة التي هي ليلة النور وليلة الفرح

٧

والسرور لأهل البيت الذين يجب أن نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم. فالى سيد الكائنات ، وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم أزف الأناشيد والتهاني والترانيم مهنيا لهم بهذا المولود المبارك الذي يقول فيه علة الوجود ومرآة المعبود وفي أخيه : « نعم الجمل جملكما ونعم الراكبان أنتما ».

وإني لا أحاول من هذه المقالة التي جرى بها القلم على العجالة أن أذكر ما لأبي محمد الزكي (ع) من عظمة المآثر ومآثر العظمة وكبرياء الجبروت وجبروت الكبرياء وعلوّ المفاخر والمناقب ومفاخر العلياء كلا ثم كلاّ فان صقر باعي ونسر يراعي على سعة معرفتى واطلاعي ينحطان ويسقطان عن العروج إلى ذلك العرش المتمرد بمناعته على العقول والذي لا تنال منه الأفكار مهما تعالت وتغالت سوى الدهشة والذهول.

وإنما أريد أن أتعرض إلى ناحية من نواحي حياته وآية واحدة من آيات معجزاته ومعجزات آياته ، وهي ناحية صلحه مع الطاغية ابن الغاوي والغاوية معاوية ، فان هذه الناحية قد تعقدت ولبست أسمك جلابيب الغموض وساءت في توجيهها الظنون وباءت بالفشل كل الفروض وسرى الشك وتضعضعت أركان الإيمان حتى من أخص أصحابه وأصحاب أبيه٧ ، والخلص من شيعته ومواليه فحمل الغيظ والغضب ذلك الطود الأشم على إساءة الأدب فقال : السلام عليك وكان الواجب أن يقول يا معز المؤمنين فقال عكسها. ولم يزل الغموض والالتباس يضفي على القضية أسوأ لباس حتى على المعتقدين بامامته وعصمته. ولكن غلبت العاطفة فيها وصدمة الرزية على التعقل والروية. ولو أمعنوا النظرة وفسحوا المجال للفكرة لتجلى لهم جلاء الشمس ، ان كل الصلاح وصلاح الكل فيما فعله سلام الله عليه لا من حيث التعبد والتسليم والخضوع للامر الواقع مهما كان خيرا أو شرا ولا من حيث الاعتقاد بالعصمة ، وإن عمل المعصوم لا بد

٨

وأن يكون موافقا للحكمة ، كلا بل لو تدبرنا الواقعة ونظرناها من جميع أطرافها وظروفها وملابساتها ونتائجها ومقدماتها لا تضحّ لنا على القطع واليقين أن ما فعله سلام الله عليه هو المتعين ولا يصح غيره ، نعم هو الحزم بعينه وهو الظفر بخصمه وهو عين الفتك بعدوه من حيث الفنون الحربية والسياسة الزمنية فعل فعل القائد المحنك والحازم المجرب فحارب عدوه بالسلم وغلب عليه بالصلح ، فاخمد ناره وهتك ستاره وابدى للناس عاره وعياره ، وما كان من الصلاح إلا أن يحاربه بالصلح لا بالسلاح ويذبحه باعماله لا بقتاله ونباله وهذا اتم للحجة واقطع للمعاذير وابلغ في دفع الريب والشبهة وإيضاح كل هذا وانارته بحيث يرى بالعين ويلمس باليد يحتاج إلى فضل بيان وقوة جنان وسعة في القول ولا يساعدني على شيء من ذلك جسمي العليل وبصرى الكليل وكثرة اشغالى وبالى البالى وضيق مجالى وسوء حالى. وعسى أن يلطف جل شأنه فيسمح لى بانتهاز فرصة أخرى استطيع أن اعطي البيان حقه في هذا المضمار واكشف عن هذا الغموض الحجب والاستار حتى يظهر الحق وتسطع الانوار ، ولكن لا أجد بدا من أن اختم كلمتى هذه بالحق المحض وزبدة المخض.

وهي على الجملة والطى أنه كما كان الواجب والمتعيّن الذي لا محيص عنه في الظروف التي ثار بها الحسين سلام الله عليه على طاغوت زمانه أن يحارب ويقاتل حتى يقتل هو واصحابه وتسبى عياله ودائع رسول الله كما كان هذا هو المتعين في فن السياسة وقوانين الغلبة والكياسة مع قطع النظر عن الاوامر الإلهية والمشيئة الازلية كذلك كان المتعين والواجب الذي لا محيص عنه في ظروف الحسن (ع) وملابساته هو الصلح مع فرعون زمانه ولو لا صلح الحسن وشهادة الحسين٨ لما بقى للاسلام أسم ولا

٩

رسم ولضاعت كل جهود محمد (ص) وما جاء به للناس من خير وبركة وهدى ورحمة ، فان أبا سفيان ونغله معاوية وسخله يزيد دبروا كل التدابير واعملوا كل الحيل لمحو الاسلام ورد الناس إلى جاهليتهم الاولى وعبادة اللات والعزى ولعل إلى هذه النكتة الدقيقة اشار النبي (ص) بالحديث المشهور ، الظاهر بصحته ظهور النور ، يقول٦ « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » لعله يعنى أن الحسن إمام في قعوده كما أن الحسين إمام في قيامه ونهضته.

وكانت جمهرة المؤرخين وأرباب التراجم والسير تسرد قضية الحسن سلام الله عليه وصلحه مع معاوية على سطحها الظاهر وشكلها البسيط من غير تحليل ولا تعليل ولا تعمق وتحقيق ومن دون نظر إلى ظروف الواقعة وملابساتها ومباديها وغاياتها ولذا قد يستبق إليها نوع من الاستنكار لعدم النظر إليها بنظر التدبر والاعتبار.

ولكن بما أن الحق والحقيقة نور ، والنور إذا اشتد يشق الستور ويأبى إلا الظهور قيض الله في هذا العصر بعض الافاضل من ذوى الاقلام البارعة والافهام الفارعة والانظار السديدة والافكار الحرة فكشفوا بمؤلفاتهم عن حياة الحسن (ع) وسيرته وصلحه الغموض والتعقيد وازاحوا لثام بعض الاوهام التي زلق فيها بعض الكتبة من المعاصرين ومن الذين قبلهم.

وممن عرف فالف واجاد فيما جمع وصنف ، وترجم للحسن (ع) في حياته فاحسن ، واتقن ، وجمع فبرع العالم الفاضل النجيب الاديب الشيخ باقر القرشي ايده الله بروح العناية منه والتوفيق ، فقد رفع إلىّ بعض فصول الجزء الاول من مؤلفه ( حياة الحسن ) فوجدت فيه روح الطموح

١٠

وطموح الروح ووجدت فيه نفسا وثابة قد جرت في أشواط السباق ، وإذا كانت في البداية فهي على وشك الوصول إلى الغاية. واحسن شاهد على فضل كتابه نفس كتابه.

( سبوح لها منها عليها شواهد )

شكر الله مساعيه وبلغه امانيه.

بدعاء ابيه الروحي

محمد الحسين آل كاشف الغطاء

صدر من مدرستنا العلمية بالنجف الاشرف

بتأريخ ٢٠ شهر الصيام المبارك سنة ١٣٧٣ هج.

١١

مقدّمة الطبعة الثانية

١٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ ١ ـ

للامام أبي محمد الحسن (ع) تأريخ مشرق ، حافل بأروع صفحات البطولة والجهاد ، وسيرة ندية تنبض بالعدل والتقوى ، وتتدفق بالقابليات الفذة ، والنزعات الخيرة ، وتلتقي بها سجاحة الخلق ، واصالة الرأي ، وعمق التفكير ، وقد اجمع المترجمون له أنه من احلم الناس ، واقدرهم على كظم الغيظ ، والصبر على الأذى والمكروه ، فما عرف من سيرته أنه قابل مسيئا باساءته ، ولا جازى مذنبا بذنبه ، وإنما كان يغدق عليهم بالاحسان ويقابلهم بالمعروف ، شأنه شأن جده الرسول (ص) الذي وسع الناس باخلاقه وحلمه.

وحسبها شهادة تدل على عظيم حلمه ادلى بها الد خصومه ، واحقد اعدائه مروان بن الحكم حينما بادر إلى حمل جثمانه الطاهر ، فاستغرب منه سيد الشهداء وقال له : « اتحمل جثمانه ، وكنت تجرعه الغصص؟! »

فقال مروان : « كنت افعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال » وكما كان من احلم الناس ، فقد كان من ابرز رجال الفكر في سداد الرأي وصواب التفكير ، وقد تجلى ذلك في صلحه مع معاوية ، وتجنبه من فتح باب الحرب ، فان البلاد كانت تضج بالحزبية ، وباع زعماء القبائل وقادة الجيش ذممهم على معاوية ، وانحازوا إلى معسكره لا

١٣

إيمانا بقضيته ، وانما طمعا بامواله ، واستجابة لرغباتهم النفسية التي تطمع بالنفوذ والسيطرة ، والثراء العريض ، مضافا إلى ذلك خبث جنوده ، وشدة خلافهم ، وايثارهم للسلم ، وغير ذلك من العوامل التي سنذكرها بالتفصيل في غضون هذا الكتاب ، فاستسلم٧ للامر الواقع ، وصالح معاوية ، وقد صان بذلك الأمة ، وحفظ دماءها ، وجنبها من المضاعفات السيئة التي لا يعلم مدى خطورتها الا الله ، واجمع الرواة أنه كان أندى الناس كفا ، واوصلهم لعباد الله ، واعطفهم على الفقراء والمحرومين حتى لقب بكريم اهل البيت مع أنهم اصول الكرم ومعدن السخاء والمعروف وكانت تترى عليه وفود من الفقراء والمحتاجين فيفيض عليهم ببره ، ومعروفه وينقذهم بوافر عطاياه من ذل السؤال والحاجة إلى السعة والبسط في العيش والاستغناء عما في أيدى الناس.

واتفقت كلمة المؤرخين أنه كان اعبد أهل زمانه ، وأتقاهم واكثرهم عبادة ، وخوفا من الله ، وقد حج بيت الله الحرام خمسا وعشرين حجة وان النجائب تقاد بين يديه ، وقد عمل جميع الوسائل التي يتقرب بها إلى الله ، وتجرد عن لهو الحياة ، ونبذ جميع زخارفها ، وسنذكر ذلك بالتفصيل عند التحدث عن مثله ، ومظاهر شخصيته العظيمة.

ان سيرة الامام (ع) في جميع صورها من اروع سير العظماء والمصلحين الذين تعتز بهم الامة في جميع مجالاتها ، ويكفيها خلودا أنها شابهت سيرة النبي (ص) وحكت كريم طباعه وسجاياه.

ـ ٢ ـ

ومشكلة تواجهنا في تأريخ الامام أبي محمد هي الاخبار الموضوعة التي ألصقت بتأريخه النير ، فقد دسها في التأريخ الاسلامي بعض الرواة من

١٤

اجراء السلطة الحاكمة فنسبوا له ما هو بعيد عنه ، اتهموا الامام انه كان عثماني الهوى ، وانه كان يندد بموقف أبيه يوم الدار ، لأنه لم يقم بعمليات النجدة ، ولم ينقذ عثمان ، وينجيه من أيدى الثوار ، كما أنه لم يكن من رأيه ـ كما رووا ـ أن يستجيب أبوه إلى رغبة الجماهير الذين هتفوا باسمه واصروا على ترشيحه لمنصب الخلافة ، وان امير المؤمنين عصاه ـ على حد تعبيرهم ـ واستجاب لدعوة الثوار.

والصقوا بسيرته الوضاءة انه كان كثير الزواج ، والطلاق ، وقد بالغوا في ذلك إلى حد بعيد فرووا أنه كان في اكثر أيامه يعقد على امرأة ويطلق أخرى ، والسبب في ذلك كله هو الحط من شأنه ، والتقليل من أهميته وقد دون تلك الروايات المؤرخون ، واستند إليها كتاب العصر وفي طليعتهم الدكتور طه حسين(١) فقد مال إليها ، وارسلها إلى القراء ارسال المسلمات ، ولم يتثبت في سندها ليتضح له أن رواتها قد وصموا بالوضع والانحراف عن أهل البيت ، وقد فندنا القسم الكثير منها في بحوثنا ودللنا على مواضع الضعف الذي فيها سواء أكان من ناحية السند أو من غيره.

إن اهم شيء تستدعيه ضرورة البحث هي غربلة الاخبار ، ومعرفة رواتها والتوثق منهم فمن كان صحيحا في نقله بعيدا عن الكذب غير متهم في دينه فيؤخذ بروايته ، ويعول عليها في بناء التأريخ الاسلامي ، ومن كان من الرواة منزلقا في احضان السلطة ويكتب لأغراضها ، ويدون لتدعيم سلطانها وهو في نفس الوقت غير متحرج ولا متأثم من الكذب والوضع فان الواجب أن ترد روايته ولا يعتمد على نقله ، والإسلام قد

__________________

(١) استند الدكتور طه حسين في كتابه على وبنوه الى الروايات الموضوعة وسنذكرها في غضون هذا الكتاب وندلل على ما يرد عليها من المؤخذات.

١٥

أمرنا بصراحة بالتثبت في اخبار المتهمين في دينهم ، قال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (١) والآية صريحة الدلالة في وجوب التثبت في اخبار الفساق ، واي أثم اعظم من ارتكاب الوضع وتعمد الكذب ، وهي في عمومها شاملة للاخبار عن الموضوعات الخارجية ، ومنها الاخبار عن الحوادث التأريخية وغيرها.

وعجيب ـ وان كان خارجا عن الصدد ـ أن تؤخذ بعين الرضا والقبول روايات شيخ المضيرة أبو هريرة الدوسي(٢) والجلاد سمرة بن جندب ، ويعول عليها في بناء العقيدة الاسلامية مع أن في الكثير منها خروجا على سلطان العقل وحكمه ، وخروجا على حكم الاسلام الذي ما آمن ـ والحمد لله ـ بالخرافات والاوهام.

ان تنقية الاخبار ضرورة ملحة لكل باحث سواء أكانت متصلة بشئون الدين أو في غيره ولزوم طرح ما رواه المنحرفون واجراء السلطة فيما انفردوا بروايته.

ـ ٣ ـ

والشيء البارز في العصر الذي عاش فيه الامام الحسن (ع) انتشار الحزبية ، وتفاعل تياراتها الهائلة ، فقد صمم الحزب القرشى ـ الذي شكل قبل وفاة النبي (ص) ـ على صرف الخلافة الاسلامية عن أهل البيت (ع)

__________________

(١) سورة الحجرات : آية ٦.

(٢) كشف الغطاء عن خرافات ابي هريرة الامام شرف الدين فى كتابه « ابو هريرة » وكذلك بحث عن موضوعاته ومفترياته العلامة الكبير الشيخ محمود ابو رية فى كتابه « شيخ المضيرة ».

١٦

لاسباب أهمها التهالك على الامرة والسلطان ، والحسد لعترة النبي (ص) على ما منحها الله من الفضائل والمواهب ، وقد أثر عنهم « ان النبوة والخلافة لا يجتمعان في بيت واحد » وهو كلام لا يعضده الدليل في جميع مناحيه ، وقد تعرض ابن عباس الى تزييفه بمنطقه الرصين فى محاورته مع عمر بن الخطاب ، فقد قال له عمر « بعد حديث طويل دار بينهما » :

« يا ابن عباس ، أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد (ص)؟ ». قال ابن عباس : فكرهت أن اجيبه ، فقلت له : إن لم أكن ادرى فان امير المؤمنين يدرى :

فقال عمر : « كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتجحفوا على قومكم بجحا ، بجحا ، فاختارت قريش لا نفسها فاصابت ، ووفقت. » وخاف ابن عباس من شدة عمر وغلظته أن يجابهه بتزييف كلامه فطلب منه الاذن ليصارحه بالواقع قائلا : « يا أمير المؤمنين ، إن تأذن لي في الكلام ، وتمط عني الغضب تكلمت ».

« تكلم يا ابن عباس ».

« أما قولك يا أمير المؤمنين : اختارت قريش لأنفسها فاصابت ووفقت ، فلو ان قريشا اختارت لانفسها من حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، واما قولك : انهم ابوا أن تكون لنا النبوة والخلافة ، فان الله عز وجل ، وصف قوما بالكراهة ، فقال : « ذلك بأنهم كرهوا ما انزل الله فأحبط اعمالهم ».

فثار عمر وقد لسعه قول ابن عباس : فقال له :

« هيهات يا بن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك منى » وخاف ابن عباس من سطوته فاجابه بناعم القول :

١٧

« ما هي يا أمير المؤمنين؟ فان كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه ،. »

وهدأت ثورة عمر فقال له :

« بلغني أنك تقول : إنما صرفوها ـ اي الخلافة ـ عنا حسدا وبغيا وظلما! »

فاجابه ابن عباس بمنطقه الفياض :

« أما قولك يا أمير المؤمنين : ظلما فقد تبين للجاهل والحليم ، واما قولك حسدا فان آدم حسد ، ونحن ولده المحسودون!! »

فثار عمر ، وصاح به

« هيهات هيهات!! أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلاّ حسدا لا يزول »

وانبرى ابن عباس فرد عليه مقالته :

« مهلا يا أمير المؤمنين!! لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا »(١)

وكشفت هذه المحاورة عما تكنه قريش في نفوسها من الموجدة والكراهية لآل البيت فاختارت صرف الخلافة عنهم ، ويرى عمر أنها وفقت في ذلك ، ولكنها في الحقيقة لم توفق ، ولم تصب الرأي والرشد ، فقد انتج اختيارها أن يفوز الأمويون بالحكم ، وهم أعداء الاسلام وخصومه ، ومجزرة كربلا الرهيبة احدى مظاهر عدائهم ونقمتهم من الاسلام ، فقد صدرت الأوامر المشددة من القيادة العسكرية العليا إلى الجيش بإبادة اهل البيت واستئصال شأفتهم ، وأن لا يبقى على مسرح الحياة أحد من نسل آل محمد (ص) فابيدت تلك الصفوة الطاهرة من عترة الرسول (ص)

__________________

(١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٤ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ١٠٧.

١٨

وتقطعت أوصالها على صعيد كربلا ، وحملت ودائع النبوة وكرائم الوحي سبايا تطوف بها ارذال العرب واجلافهم من بلد إلى بلد ، ولما انتهيت سبايا آل النبي (ص) الى يثرب يلتفت عمرو بن سعيد عامل يزيد عليها وهو جذلان مسرور الى قبر رسول الله (ص) فيخاطب جدثه الطاهر ويقول له :

« يوم بيوم بدر يا رسول الله. »(١)

ثم رقى منبر النبي ، وخاطب المسلمين فقال : ـ ويا لهول ما قال ـ « أيها الناس. إنها لدمة بلدمة ، وصدمة بصدمة ، كم خطبة بعد خطبة ، حكمة بالغة فما تغني النذر. »

وقبله قال يزيد :

لست من خندف إن لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعل

هذا هو اختيار قريش الذي وفقت فيه ـ كما يقولون ـ قد اوجب هضم العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم في لزوم مراعاتها والاحتفاء بها ، فانا لله وإنا إليه راجعون

ـ ٤ ـ

وقد نظرنا الى الحوادث ـ التي جرت في عصر الامام أبي محمد (ع) ـ نظرة امعان وتدبر ، فان التاريخ ـ كما ذكرنا ـ قد خلط بالموضوعات حتى اصبح من العسير أن يخلص المؤرخ إلى الحق في أيسر الأمور ، وقد استلخصنا من تلكم الحوادث كثيرا من الجوانب التي لها صلة في الكشف عن حياة الامام (ع) وبتصوير العصر الذي نشأ فيه.

وقد نشر هذا الكتاب قبل احدى عشرة سنة ، ونفذت نسخه ، ولم

__________________

(١) شرح النهج لابن ابي الحديد ١ / ٣٦١.

١٩

يعد لها أي وجود في الأسواق ، وقد ترجمه إلى اللغة الاوردية فضيلة العلامة الجليل السيد محمد باقر النقوي حفظه الله ، وقد طبع في الهند بمطبعة ( اصلاح كجهو ابهار ) وإن كثيرا ممن تهمهم امثال هذه البحوث قد رغبوا في اعادة طبع الكتاب بعد نفاذ نسخه ، وكنت أرجئ ذلك إلى وقت آخر أملا في اعادة النظر فيه لأني اعتقد أن فيه بعض الفصول تحتاج إلى مزيد من البسط والتفصيل وقد تفضل عليّ أخي العلامة التقي الشيخ هادي القرشي فابدى رغبته الملحة في مراجعة الكتاب ومعاودة النظر فيه فلم أر بدا من اجابته فراجعت الجزء الاول منه ، واضفت إليه كثيرا من البحوث ، ولعل القارئ يجد أن هذه الطبعة غير الطبعة الأولى لما فيها من الاضافات ، واناقه الطبع ، وروعة التنسيق ودقة الاخراج التي اشتهرت بها مطابع الآداب.

وقبل أن انهى هذا التقديم ارفع اعمق الامتنان ، وجزيل الشكر إلى حضرة المحسن الوجيه الحاج محمد رشاد عجينة لتبرعه بطبعه سائلا من الله أن يوفقه لكل مسعى نبيل وأن يتولى جزاءه عن ذلك انه ولي التوفيق.

النجف الأشرف

٢٨ ذي القعدة سنة ١٣٨٤

باقر شريف القرشي

٢٠

وشجّع الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) على التفاهم لتجنّب الخلافات الحادّة، فقال: (خير نسائكم التي إنْ غضبت أو أُغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى عني) (1).

وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته) (2).

ونهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الزوجة عن الممارسات التي تؤدّي إلى حدوث الخلافات فقال: (من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تتورّع عن قبيح، المتبرّجة إذا غاب عنها زوجها، الحصان معه إذا حضر، التي لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، فإذا خلا بها تمنّعت تمنّع الصعبة عند ركوبها، ولا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً) (3) .

ونهى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الزوجة عن تكليف الزوج فوق طاقته، فقال: (أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته مالا يطيق؛ لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلاّ أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته) (4) .

ونهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن المنّ على الزوج، فقال: (لو أنّ جميع ما في الأرض من ذهب وفضة حملته المرأة إلى بيت زوجها، ثم ضربت على رأس زوجها يوماً من الأيام، تقول: مَن أنت؟ إنّما المال مالي، حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس، إلاّ أن تتوب وترجع وتعتذر إلى

____________________

(1) مكارم الأخلاق 200.

(2) مَن لا يحضره الفقيه 3: 277 | 4 باب حق الزوج على المرأة.

(3) مكارم الأخلاق 202.

(4) مكارم الأخلاق 202.

٢١

زوجها) (1) .

وحذّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من مواجهة الزوجة لزوجها بالكلام اللاذع المثير لأعصابه، فقال: (أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها، لم يقبل منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه..) (2) .

ونهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الهجران، باعتباره مقدمة للانفصام وانقطاع العلاقات، فقال: (أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدّرك الأسفل من النار إلاّ أن تتوب وترجع) (3) . وهذه التوجيهات إن رُوعيت رعاية تامة فإنّها كفيلة بالحد من التوتّرات والتشنّجات، وإذا لم يستطع الزوجان مراعاتها فالأفضل أن يكون النقاش الحاد والمتشنّج بعيداً عن مسامع الأطفال، وأن يكون تبادل النظرة السلبية، وتبادل الاتهامات والإهانات بعيداً عن مسامعهم، وأنْ يوضّح للأطفال أنّ الخلافات شيء طبيعي، وأنّهما لازالا يحبّان بعضهما البعض، ويجب عليهما حسم الخلافات وإنهائها في أسرع وقت.

خامساً: التحذير من الطلاق

حذّر الإسلام من الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية؛ للآثار السلبية التي يتركها على الزوجين وعلى الأطفال، وعلى المجتمع. فالطلاق مصدر القلق عند الأطفال، ومصدر للاضطراب النفسي والعاطفي والسلوكي،

____________________

(1) مكارم الأخلاق 202.

(2) مكارم الأخلاق 214.

(3) مكارم الأخلاق 202.

٢٢

حيثُ إنّ الطفل بحاجة إلى الحب والحنان من كلا الوالدين على حدٍّ سواء، بل إنّ التفكير المجرد بالطلاق يولّد القلق والاضطراب في أعماقه، فيبقى في دوامة من المخاوف والاضطرابات التي تنعكس سلبياً على ثباته العاطفي وعلى شخصيته السوّية، وقد وضع الإسلام منهجاً في العلاقات وإدامتها، للحيلولة دون الوصول إلى قرار فصم العلاقات الزوجية، وتهديم الأُسرة، فحذّر من الطلاق في مواضع مختلفة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أوصاني جبرئيل (عليه السلام) بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة) (1) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (ما من شيءٍ ممّا أحلّه الله عزَّ وجلَّ أبغض إليه من الطلاق، وإنّ الله يبغض المطلاق الذوّاق) (2) .

وقال (عليه السلام): (إنّ الله عزّ وجلّ يحب البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجل من الطلاق) (3) .

وحثّ الإسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع الطلاق، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبّة، ودعا إلى حلّ المشاكل والخلافات التي تؤدّي إلى الطلاق، فأمر بالعِشْرة بالمعروف، قال الله تعالى: ( .. وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) (4) .

____________________

(1) مَن لا يحضره الفقيه 3: 278 | باب حق المرأة على الزوج.

(2) الكافي 6: 54 | 2 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة ـ الذوّاق: السريع النكاح السريع الطلاق.

(3) الكافي 6: 54 | 3 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة.

(4) النساء 4: 19.

٢٣

وحثّ على الإصلاح وإعادة التماسك الأُسري، قال الله تعالى: ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ.. ) (1) . فالصلح أولى من عدمه، وبما أنّ القلوب تتقلّب وأنّ المشاعر تتغيّر من وقتٍ لآخر ومن ظرفٍ لآخر، فإنّ الإسلام حثّ على إجراء مفاوضات الصلح قبل القرار بالانفصال، قال تعالى: ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) (2) وإذا لم تنفع كل محاولات الإصلاح وإعادة العلاقات إلى مجاريها، وإذا لم تتوقّف التشنّجات والتوتّرات إلاّ بالطلاق، فقد يكون الطلاق سعادة لكلا الزوجين، ولكنّه يؤثّر على نفسيّة الطفل، وينعكس على سلوكه، ولهذا منح الإسلام فرصة جديدة للعودة إلى الحياة الزوجية، فأعطى للرجل حق العودة أثناء العدّة دون عقد جديد، وبعد العدّة بعقد جديد، وجعل للرجل حق العودة بعد الطلاق الأول والثاني، فإذا لم تنجح محاولات إعادة العلاقة الزوجية، وتمّ انفصالها، يجب على الوالدين مراعاة مشاعر الطفل ومنحه الحنان والحب، ويجب عليهما توفير كل الظروف التي تساعده على الإيمان بسلامة أخلاق والده أو والدته، حيثُ حرّم الإسلام البهتان والغيبة وكشف المساوئ. وبهذا الأسلوب يستطيع الطفل تحمّل صدمة الطلاق، أمّا إذا لم يُتّبع هذا الأُسلوب وحاول كلٌّ من الوالدين كشف مساوئ الآخر أمام الطفل، فإنّ الطفل سوف يبغض الحياة ويحتقر نفسه، وتنعكس على عواطفه اتجاه والديه فهو يحبهّما

____________________

(1) النساء 4: 128.

(2) النساء 4: 35.

٢٤

ويبغضهما في آن واحد بعد اطلاعه على مساوئهما، فيبقى يعيش في دوّامة من القلق والاضطراب، وتزداد همومه يوماً بعد يوم وتنعكس سلبيّاً على علاقاته الاجتماعية، وعلاقاته الأُسرية في المستقبل.

٢٥

٢٦

الفصل الثاني

المرحلة الأُولى: مرحلة ما قبل الاقتران ومرحلة الحمل

حرص الإسلام على العناية بالطفل، والحفاظ على صحّته البدنية والنفسية قبل أن يُولد بإعداد الإطار الذي يتحرّك فيه، وتهيئة العوامل اللازمة التي تقي الطفل من كثير من عوامل الضعف الجسدي والنفسي، ابتداءً من انتقاء الزوج أو الزوجة، ومروراً بالمحيط الأول للطفل وهو رحم الأُم، الذي يلعب دوراً كبيراً ومؤثّراً على مستقبل الطفل وحركته في الحياة، وتتحدد معالم هذه المرحلة بما يأتي:

أولاً: مرحلة ما قبل الاقتران

أثبت الواقع الاجتماعي، والواقع العلمي بدراساته المستفيضة الأثر الحاسم للوراثة، والمحيط الاجتماعي في تكوين الطفل ونشوئه، وانعكاسات الوراثة والمحيط عليه في جميع جوانبه الجسدية والنفسية (1) فأغلب الصفات تنتقل من الآباء والأُمهات والأجداد إلى الأبناء، كالذكاء والاضطراب السلوكي وانفصام الشخصية والأمراض

____________________

(1) علم النفس التربوي، للدكتور فاخر عاقل: 45 ـ 57 (دار العلم للملايين 1985 م ط11).

٢٧

العقلية والانضباط الذاتي، وصفات التسامح والمرونة، فيكونون وسطاً مساعداً للانتقال، أو يكون في الأبناء الاستعداد للاتصاف بها، إضافة إلى انعكاس العادات والتقاليد على الأبناء، نتيجة لتكرّر الأعمال (1) ومن هنا أكدّ الإسلام على الزواج الانتقائي، أي بانتقاء الزوجين من أُسرة صالحة وبيئة صالحة.

1 ـ انتقاء الزوجة:

راعى الإسلام في تعليماته لاختيار الزوجة الجانبين، الوراثي الذي انحدرت منه المرأة، والجانب الاجتماعي الذي عاشته وانعكاسه على سلوكها وسيرتها، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اختاروا لنطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين) (2) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (تخيّروا لنطفكم فإنّ العِرقَ دسّاس) (3) .

فالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يؤكّد على اختيار الزوجة من الأُسر التي تحمل الصفات النبيلة؛ لتأثير الوراثة على تكوين المرأة وعلى تكوين الطفل الذي تلده. وكانت سيرته قائمة على هذا الأساس، فاختار خديجة (عليها السلام) فأنجبت له أفضل النساء فاطمة (عليها السلام)، وتبعه في السيرة هذه أهل البيت (عليهم السلام) فاختاروا زوجاتهم من الأُسر الكريمة، وإلى جانب الانتقاء على أُسس الوراثة، أكدّ الإسلام على انتقاء الزوجة من المحيط الاجتماعي الصالح الذي أكسبها الصلاح وحسن السلوك، فحذّر من المحيط غير الصالح

____________________

(1) علم النفس العام، للدكتور انطون حمصي 1: 94 ـ مطبعة ابن حبّان دمشق 1407 هـ.

(2) الكافي، للكليني 5: 332 | 2 باب اختيار الزوجة ـ دار التعارف 1401 هـ ط 3.

(3) المحجّة البيضاء، للفيض الكاشاني 3: 93، جامعة المدرّسين قم ط2.

٢٨

الذي تعيشه، فحذّر من الزواج من الحسناء المترعرعة في منبت السوء، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إيّاكم وخضراء الدمن.. المرأة الحسناء في منبت السوء) (1) .

وحذّر الإمام الصادق (عليه السلام) من المرأة الزانية قال: (لا تتزوّجوا المرأة المستعلنة بالزنا) (2) والسبب في ذلك أنّها تخلق في أبنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح.

وحذّر الإمام الباقر (عليه السلام) من الزواج من المرأة المجنونة خوفاً من انتقال الصفات منها إلى الطفل، فسُئل عن ذلك فقال: (لا، ولكن إن كانت عنده أمَة مجنونة فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها) (3) .

وحذّر الإمام علي (عليه السلام) من تزوّج الحمقاء لانتقال هذهِ الصفة إلى الطفل، ولعدم قدرتها على تربية الطفل تربية سويّة فقال: (إيّاكم وتزويج الحمقاء فإنّ صحبتها بلاء وولدها ضياع) (4) .

وأكدّت الروايات على أن يكون التدّين مقياساً لاختيار الزوجة، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يشجّع على ذلك، فقد أتاه رجل يستأمره في الزواج فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (عليك بذات الدين تربت يداك) (5) .

وقدّم الإمام الصادق (عليه السلام) اختيار التدّين على المال والجمال، فقال: (إذا

____________________

(1) مكارم الأخلاق، للطبرسي: 304 ـ منشورات الشريف الرضي1410 هـ ط2.

(2) مكارم الأخلاق، للطبرسي: 305 ـ منشورات الشريف الرضي 1410 هـ ط2.

(3) وسائل الشيعة، للحر العاملي 20: 85 | 1 باب 34 ـ مؤسّسة آل البيت قم 1412 هـ ط1.

(4) الكافي 5: 354 | 1 باب كراهية تزويج الحمقاء.

(5) الكافي 5: 332 | باب فضل مَن تزوّج ذات دين.

٢٩

تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكّل إلى ذلك، وإذا تزوّجها لدينها رزقه الله الجمال والمال) (1) .

فالمرأة المنحدرة من سلالة صالحة ومن أُسرة صالحة، وكان التدّين صفة ملازمة لها، فإنّ سير الحركة التربوية يتقدّم أشواطاً إلى الأمام، وتكون تربيتها للأطفال منسجمة مع القواعد التي وضعها الإسلام في شؤون التربية، فيكون المنهج التربوي المتَّبع متَّفقاً عليه من قبل الزوجين، لا تناقض فيه ولا تضّاد، وتكون الزوجة حريصة على إنجاح العملية التربوية وتعتبرها تكليفاً شرعياً قبل كل شيء، هذا التكليف يجنّبها عن أي ممارسة سلبية مؤثّرة على النمو العاطفي والنفسي للأطفال.

2 ـ انتقاء الزوج:

للأب الدور الأكبر في تنشئة الأطفال وإعدادهم نفسياً وروحياً، ولذا أكدّ الإسلام في أول المراحل على اختياره طبقاً للموازين الإسلامية التي يراعى فيها الوراثة والمحيط الذي ترعرع فيه، وما يتصف به من صفات نبيلة وصالحة؛ لأنّه القدوة الذي يقتدي به الأطفال وتنعكس صفاته وأخلاقه عليهم، إضافة إلى اكتساب الزوجة (الأُم) بعض صفاته وأخلاقه من خلال المعايشة المستمرّة. وقد أكّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على اختيار الزوج الكفء وعرفّه بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الكفء أن يكون عفيفاً وعنده يسار) (2) . والكفء هو الذي ينحدر من سلالة صالحة وذو دين وخُلق سامٍ.

____________________

(1) الكافي 5: 333 | 3 باب فضل مَن تزوّج ذات دين.

(2) الكافي 5: 347 | 1 باب الكفء.

٣٠

وحذّر الإمام الصادق (عليه السلام) من تزويج الرجل المريض نفسياً فقال: (تزّوجوا في الشكاك ولا تزوّجوهم، لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه) (1) .

وجعل الإسلام التدّين مقياساً في اختيار الزوج، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إذا جاءكم مَن ترضون خلقه ودينه فزوّجوه) (2) .

وحرّم الإسلام كما هو مشهور من تزويج غير المسلم؛ حفاظاً على سلامة الأطفال وسلامة العائلة من جميع جوانب السلامة، في العقيدة وفي السلوك وفي الظواهر الروحية والنفسية؛ لتأثّر الزوجة والأطفال بمفاهيم الزوج وسلوكه في الحياة.

ونهى الإسلام عن تزويج غير المتدّين والمنحرف في سلوكه عن المنهج الإسلامي في الحياة، لتحصين العائلة والأطفال من الانحراف السلوكي والنفسي، فنهى الإمام الصادق (عليه السلام) عن تزويج الرجل المستعلن بالزنا، حيثُ قال (عليه السلام): (لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا، ولا تزوّجوا الرجل المستعلن بالزنا إلاّ أن تعرفوا منهما التوبة) (3) .

وحذّر الإمام الصادق (عليه السلام) من تزويج شارب الخمر، فقال: (مَن زوّج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمه) (4) .

فالمنحرف يؤثّر سلبياً على سلامة الأطفال السلوكية، لانعكاس سلوكه

____________________

(1) الكافي 5: 348 | 1 باب مناكحة النصّاب والشكّاك.

(2) الكافي 5: 347 | 2، 3 باب آخر منه.

(3) مكارم الأخلاق: 305.

(4) وسائل الشيعة 20: 79. الكافي 5: 347 | 1 باب 29.

٣١

عليهم وعدم حرصه على تربيتهم، إضافة إلى المشاكل التي يخلقها مع الزوجة التي تساعد على إشاعة الاضطراب والقلق النفسي في أجواء العائلة، وجعل الحياة العائلية بعيدة عن الاطمئنان والاستقرار والهدوء الذي يحتاجه الأطفال في نموّهم الجسدي والنفسي والروحي.

وقد كانت سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) قائمة على أساس اختيار الأكفاء لأبنائهم وبناتهم، فرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يزوّج فاطمة لكبار الصحابة، وكان جوابه لهم أنّه ينتظر بها نزول القضاء (1) ثم زوّجها بأمر من الله تعالى إلى عليّ بن أبي طالب (2) .

وشجّع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إحدى المسلمات وهي الذلفاء المعروفة بانتسابها إلى أُسرة عريقة، والمتصفة بالجمال الفائق من الاقتران بأحد المسلمين، وهو جويبر، الذي لا يملك مالاً ولا جمالاً إلاّ التدّين (3) .

3 ـ العلاقة قبل الحمل وتكوين الطفل

بعد عملية الاختيار للزوج على أُسس وموازين إسلامية نبيلة، يستمر الإسلام في التدرّج مع الطفل خطوة خطوة، ويضع لكلِّ خطوة واقعة في طريق تكوين الطفل ونشوئه أُسساً وقواعد واقعية لينشأ نشأة سليمة، وما على الزوجين إلاّ العمل على ضوئها.

قال سبحانه وتعالى: ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً

____________________

(1) مجمع الزوائد، للهيثمي 9: 206 ـ دار الكتاب العربي 1402 هـ ط3.

(2) مجمع الزوائد 9: 204. المعجم الكبير للطبراني 22: 408. الصواعق المحرقة، لابن حجر الهيتمي.

(3) الكافي 5: 342 | 1 باب أنّ المؤمن كفؤ المؤمنة.

٣٢

لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً.. ) (1) .

فجعل العلاقة بين الزوجين علاقة مودّة وحب، وتبادل العواطف النبيلة والأحاسيس المرهفة، ومن أجل إدامة هذه العلاقة دعا الإسلام إلى ربط الزوجين بالقيم والموازين التي حدّدها المنهج الربّاني في الحياة، ففي أول خطوات العلاقة والاتصال بين الزوج والزوجة، وهي ليلة الزفاف، أمر الإسلام بالتقيّد بالقيم الربّانية؛ لكي لا تكون العلاقة علاقة بهيمية جسدية فقط، وأول هذه القيم هي استحباب الصلاة ركعتين لكلِّ منهما، وحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله وآله، ثم الدعاء بإدامة الحب والودّ: (اللّهمّ ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي، وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأيسر ائتلاف، فانّك تحب الحلال وتكره الحرام) (2) .

والالتزام بذلك يخلق جوّاً من الاطمئنان والاستقرار والهدوء في أول خطوات اللقاء، ولا يبقى لقلق الزوجة واضطرابها مجالاً، فتكون ليلة الزفاف ليلة أُنس وحب وودّ.

ويستمر الدعاء عند الخطوة الثانية وهي مرحلة المباشرة، فيستحب أن يقول: (اللّهم ارزقني ولداً واجعله تقيّاً ذكيّاً ليس في خلقه زيادة ولا نقصان، واجعل عاقبته إلى خير)، وأفضل الذكر في أول المباشرة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) (3) .

____________________

(1) الروم 30: 21.

(2) مكارم الأخلاق: 208.

(3) مكارم الأخلاق: 209.

٣٣

ثانياً: مرحلة الحمل

1 ـ انعقاد الجنين:

من أجل سلامة الجنين الجسدية والنفسية؛ وضع الإسلام برنامجاً سهلاً يسيراً لا كلفة فيه ولا عسر ولا شدّة.

فقد أوصى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمنع الزوجة في أُسبوعها الأول من (الألبان والخلّ والكزبرة والتفاح الحامض)، لتأثير هذه المواد على تأخّر الإنجاب واضطرابه وعسر الولادة، والإصابة ببعض الأمراض (1) التي تؤثّر سلبياً على الحمل وعلى الوليد.

كما حذّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام) من المباشرة في أوقات معيّنة، وهذا التحذير لا يصل مرتبة الحرمة، ولكن فيه كراهة؛ لانعكاساته السلبية على سلامة الجنين وصحّته الجسدية والنفسية، ومن هذه الأوقات: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق، وبعد الظهر مباشرة، وفي أول الشهر ووسطه وآخره، وفي الأوقات التي ينخسف فيها القمر، وتنكسف فيها الشمس، وفي أوقات الريح السوداء والحمراء والصفراء، والأوقات التي تحدث فيها الزلازل، وشجّع (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على غير هذه الأوقات، فبعض الأوقات لها تأثير على الجانب العاطفي للطفل، وخصوصاً الأوقات المخيفة، فينشأ الطفل مضطرباً هيّاباً متردداً، والأوقات الأُخرى قد تؤدي إلى إصابة الطفل بالجذام والحمق

____________________

(1) مكارم الأخلاق: 209.

٣٤

والجنون (1) .

وهنالك بعض التوصيات المتعلّقة في المباشرة.

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تتكلّم عند الجماع، فإنّه إن قضى بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس، ولا ينظرنَّ أحد في فرج امرأته، وليغض بصره عند الجماع، فإنّ النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد) (2) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإن فعل ذلك فخرج الولد مجنوناً فلا يلومنَّ إلاّ نفسه) (3) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تجامع امرأتك من قيام، فإنّ ذلك من فعل الحمير، وإن قضى بينكما ولد كان بوّالاً في الفراش..) (4) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك، فإنّي أخشى إن قضي بينكما ولد أن يكون مخنّثاً، مؤنّثاً، مخبلاً) (5) .

ويُفهم من هذه الرواية الشريفة أن لا يتخيّل الرجل امرأة أُخرى في أثناء المباشرة.

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلاّ وأنت على وضوء،

____________________

(1) الكافي 5: 498 | 1 باب الأوقات التي يكره فيها الباه. مكارم الأخلاق: 208 ـ 209.

(2) مكارم الأخلاق: 209.

(3) مكارم الأخلاق: 209.

(4) مكارم الأخلاق: 210.

(5) مكارم الأخلاق: 211.

٣٥

فإنّه إن قُضي بينكما ولد يكون أعمى القلب، بخيل اليد) (1) .

وفي كلِّ الأوقات يشجّع الإسلام على ذكر الله تعالى قبل المباشرة والتسمية عندها، إضافة إلى استخدام الأساليب المعمّقة لروابط الحب والودّ والرباط المقدّس، كالتقبيل والعناق ورقّة الكلمات وعذوبتها (2) .

2 ـ المحيط الأوّل للطفل:

رحم الأُم هو المحيط الأول الذي ينشأ به الإنسان، ولهذا المحيط تأثيراته الايجابية والسلبية على الجنين؛ لأنّه الإطار الذي يتحرك فيه، ويعتبر الجنين جزءاً من الأُم، تنعكس عليه جميع الظروف التي تعيشها الأُم، وقد أثبتت الدراسات العلمية تأثير الأُم على نمو الجنين الجسدي والنفسي، فالاضطراب والقلق والخوف والكبت وغير ذلك، يترك أثره في اضطراب الوليد عاطفياً (3) .

فالجنين يتأثّر بالأُم ومواصفاتها النفسية، وما يطرأ عليها في مرحلة الحمل من عوامل ايجابية أو سلبية، وإنّ (الاضطرابات العصبية للأُم توجّه ضربات قاسية إلى مواهب الجنين قبل تولّده، إلى درجة أنّها تحوّله إلى موجود عصبي لا أكثر، ومن هنا يجب أن نتوصّل إلى مدى أهميّة التفات الأُم في دور الحمل إلى الابتعاد عن الأفكار المقلقة، والهمّ والغمّ، والاحتفاظ بجو الهدوء والاستقرار) (4) .

____________________

(1) مكارم الأخلاق: 211.

(2) مكارم الأخلاق: 212.

(3) علم النفس التربوي، للدكتور فاخر عاقل: 46 ـ 47.

(4) الطفل بين الوراثة والتربية، لمحمد تقي فلسفي 1: 106 ـ دار التعارف 1381 هـ، عن كتاب نحن والأبناء 27.

٣٦

وشهور فترة الحمل تؤثّر في الثبات العاطفي للطفل إيجاباً أو سلباً (1) .

وقد أكدّ الإسلام على هذهِ الحقيقة قبل أن يكتشفها علماء النفس في يومنا هذا، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الشقي مَن شقى في بطن أمّه، والسعيد مَن سعد في بطن أُمه) (2) .

والمقصود من الشقاء والسعادة في بطن الأُم، هو تلك الانعكاسات التي تطرأ على الجنين تأثّراً بالحالة الصحّية الجسدية والنفسية للأُم، فتولِّد فيه استعداداً للشقاء أو للسعادة، فبعض الأمراض الجسدية تؤثّر على الجنين فيولد مصاباً ببعضها وتلازمه الإصابة إلى الكبر فتكون مصدر الشقاء له، أو يكون سالماً من الأمراض فتكون السلامة ملازمة له، وكذلك الحالة النفسية والعاطفية، فالقلق أو الاطمئنان، والاضطراب أو الاستقرار، والخوف وعدمه، وغير ذلك يؤثّر في الجنين ويبقى ملازماً له ما لم يتوفّر له المحيط الاجتماعي المثالي لكي ينقذه من آثار الماضي، أو يبعده عن السلامة في صحّته الجسدية والنفسية، وفيما يلي الإجراءات الوقائية التي اتخذها الإسلام لإبعاد الجنين عن الظواهر السلبية المؤثّرة في نموه الجسدي والنفسي:

أ ـ الاهتمام بغذاء الأُم:

من الحقائق الثابتة أنّ صحّة الجنين الجسدية تتناسب طردياً مع صحة الأُم، ومن العوامل المؤثّرة في صحّة الأُم الغذاء، ونحن نلاحظ أنّ المجاعة في بعض البلدان كان لها تأثير واضح في صحّة الوليد، فالضعف

____________________

(1) مشاكل الآباء في تربية الأبناء، للدكتور سپوك: 263 ـ 1980 م ط3.

(2) بحار الأنوار، للمجلسي 3: 44 ـ مؤسّسة الوفاء 1403 هـ ط2.

٣٧

الجسدي والأمراض الجسدية والتشوّهات في الخلقة، ترجع أسبابها إلى المجاعة وسوء التغذية، والعكس صحيح.

لذا أوصى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام) بالاهتمام بغذاء الحامل، وخصوصاً الغذاء الذي له تأثير على الصفات النفسية والروحية للجنين.

السفرجل:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (كلوا السفرجل فإنّه يجلو البصر وينبت المودّة في القلب، وأطعموه حبالاكم فإنّه يحسّن أولادكم) (1) .

اللبان:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اطعموا نساءكم الحوامل اللبان، فانّه يزيد في عقل الصبي) (2) .

وقال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): (أطعموا حبالاكم اللبان، فإن يكن في بطنهنَّ غلام خرج ذكي القلب عالماً شجاعاً. وإن يكن جارية حسن خَلقها وخُلقها، وعظمت عجيزتها، وحظيت عند زوجه) (3) .

التمر:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر، فإنّ ولدها يكون حليماً نقياً) (4) .

____________________

(1) مكارم الأخلاق: 172.

(2) مكارم الأخلاق: 194.

(3) مكارم الأخلاق: 194.

(4) مكارم الأخلاق: 169.

٣٨

وقد وضع أهل البيت (عليهم السلام) جدولاً متكاملاً في أنواع الأغذية المفيدة في صحّة الجسم، كما ورد في كتاب الأطعمة والأشربة من الكافي ومكارم الأخلاق، كالرمّان والتين، والعنب، والزبيب، والبقول، والسلق، والفواكه الأُخرى، وكذلك اللحم والهريسة والخضروات.

إضافة إلى منعهم من الغذاء المضرّ على الصحّة الجسدية والنفسية، كالميتة والدم ولحم الخنزير والخمر، وكل ما ورد في القرآن الكريم والسنّة النبوية من الأطعمة والأشربة المحرّمة.

ب ـ الاهتمام بالصحّة النفسية للحامل:

اختيار المنزل الواسع:

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من السعادة سعة المنزل) (1) .

وقال (عليه السلام): (للمؤمن راحة في سعة المنزل) (2) .

أثر سعة المنزل على سعادة الإنسان من الحقائق الثابتة. والإسلام يشجّع على ذلك، فإذا كان المجتمع مجتمعاً إسلامياً، يتبنّى الإسلام منهاجاً له في الحياة، فسيكون للتكافل الاجتماعي دور في إشباع هذه الحاجة، وفي غير ذلك، وفي حالة عدم قدرة الرجل على شراء أو إيجار المنزل الواسع، فيمكنه أن يطمئن المرأة الزوجة على العمل، وبذل الجهد من أجل الحصول عليه ويؤمّلها بذلك، أو تشجيعها على الصبر الجميل، وما أعدّه الله تعالى لهما من الثواب والحسنات على ما يعانونه من فقر،

____________________

(1) مكارم الأخلاق 125.

(2) مكارم الأخلاق: 131.

٣٩

فإنّ ذلك يجعلها مطمئنة ومرتاحة البال وإن كان المنزل ضيّقاً.

توفير المستلزمات الضرورية للمرأة:

عن عبد الله بن عطا قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فرأيت في منزله نضداً ووسائد وأنماطاً ومرافق، فقلت ما هذا؟ قال: (متاع المرأة) (1) .

فالمستلزمات التي تحتاجها المرأة في المنزل ضرورية، كالوسائد والمتّكآت ومفارش الصوف الملوّنة، إضافة إلى الملابس الجميلة وبعض الأثاث المنزلية تؤثّر في راحتها وسعادتها، فمن الضروري توفيرها لها حسب القدرة والإمكانيات، وفي حالة عدم القدرة عليها جميعاً أو على بعضها، فيمكن للرجل إقناعها بما أعدّه الله تعالى لها من النعيم في الدار الآخرة، إضافة إلى زرع الأمل في نفسها بتحسين أوضاعها وإشباع حاجاتها.

حسن التعامل مع المرأة:

حسن التعامل مع المرأة، وخصوصاً الحامل، يجعلها تعيش حياة سعيدة مليئة بالارتياح والاطمئنان والاستقرار النفسي والروحي، فلا يبقى للقلق والاضطراب النفسي موضعاً في قلبها وروحها.

قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (وأمّا حقّ رعيّتك بملك النكاح، فأنْ تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، فإنّ لها حق الرحمة

____________________

(1) مكارم الأخلاق: 131.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530