حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام11%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 529

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 529 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 224675 / تحميل: 7186
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

إنَّما تُقبل شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله مِن هذا ومِن شيعته

عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالساً، وعنده نفر مِن أصحابه، فيهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إذ قال: (مَن قال لا إله إلاَّ الله دخل الجَنَّة).

فقال رجلان مِن أصحابه: فنحن نقول: لا إله إلاَّ الله.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنَّما تُقبل شهادة: أنْ لا إله إلاَّ الله مِن هذا ومِن شيعته الذين أخذ رَبُّنا ميثاقهم).

فقال الرجلان: فنحن نقول: لا إله إلاّ الله.

فوضع رسول الله يده على رأس عليٍّ (عليه السلام)، ثمَّ قال: (عَلامة ذلك أنْ لا تَحلاَّ عَقده ولا تجلسا مجلسه ولا تُكذِّبا حديثه) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج3.

١٢١

مَن أحبَّ بقاء الظَّلمة فهو مِنهم وورد النار

عن صفوان بن مهران الجمَّال قال: دخلت على أبي الحسن الأوَّل (عليه السلام)، فقال لي: (يا صفوان، كلُّ شيء مِنك حَسَن جميل، ما خلا واحد).

قلت: جُعلت فِداك! أيُّ شيء؟

قال: (إكراؤك جِمالك مِن هذا الرجل)، يعني: هارون.

قلت: والله ما أكريته أشرَاً ولا بطراً، ولا للصيد ولا للهو، ولكنْ أكريته لهذا الطريق، يعني: طريق مَكَّة، ولا أتولاَّه بنفسي، ولكنْ أبعث معه غُلماني.

فقال لي: (يا صفوان، أيقع في كراؤك عليهم؟).

قلت: نعم، جُعلِت فِداك.

قال لي: (أتُحبُّ بقاءهم حتَّى يخرج كِراؤك؟).

قلت: نعم.

قال: (مَن أحبَّ بقاءهم؛ فهو منهم، ومَن كان منهم ورد النار).

قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها.

فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني، فقال لي: يا صفوان، بلغني أنَّك بعت جِمالك؟

قلت: نعم.

فقال: هيهات هيهات، إنِّي لأعلم مَن أشار عليك بهذا! أشار عليك بهذا موسى بن جعفر.

قلت: ما لي ولموسى بن جعفر.

فقال: دع هذا عنك، فو الله، لولا حُسن صُحبتك لقتلتك (1) .

____________________

(1) المعاد، ج3.

١٢٢

شيعتنا يُطهَّرون مِن ذنوبهم بالبلايا والرزايا

قال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاسأليها عنِّي أنا مِن شيعتكم؟

فسألتها، فقالت: (قولي: إنْ كنتَ تعمل بما أمرناك، وتُنهى عمَّا زجرناك فأنت مِن شيعتنا، وإلاَّ فلا).

فرجعت وأخبرته فقال: يا ويلا! ومَن ينفكُّ مِن الذنوب والخطايا، فأنا - إذاً - خالد في النار.

فرجعت المرأة، فقالت لفاطمة (عليه السلام) ما قال زوجها، فقالت فاطمة (عليها السلام): (قولي له ليس هكذا، إنَّ شيعنا مِن خيار أهل الجَنَّة، وكلُّ مُحبِّينا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا ليسوا مِن شيعتنا، وهم مع ذلك في الجَنَّة بعدما يُطهَّرون، ولكنْ إنَّما يُطهَّرون مِن ذنوبهم بالبلايا والرزايا، أو عَرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطَّبق الأعلى في جَهنَّم بعذابها، إلى أنْ نستنقذهم بحُبِّنا منهم، أو ننقلهم بحضرتنا) (1) .

____________________

(1) المعاد، ج3.

١٢٣

لم يَنهَ عن تعذيب الديك فساخت به الأرض

كان شيخ ناسك يعبد الله في بني إسرائيل، فبينا هو يُصلِّي في عبادته، إذ بصر بغُلامين صَبيَّين، قد أخذا ديكاً وهما ينتفان ريشه، فأقبل على ما هو فيه مِن العبادة، ولم ينههما عن ذلك، فأوحى الله تعالى إلى الأرض: أنْ سيخي بعبدي، فساخت به الأرض (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٢٤

مَن كان هواه معنا فقد شَهِدنا

لما أظفر الله تعالى عليَّاً (عليه السلام) بأصحاب الجَمل، قال له بعض أصحابه:

وددت لو أنَّ أخي فُلاناً كان شهدنا؛ ليرى ما نصرك الله به على أعدائك.

فقال له (عليه السلام): (أهوى أخيك معنا؟).

قال: نعم.

قال: (فقد شَهِدنا، ولقد شَهِدنا في عسكرنا هذا أقوام، في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٢٥

اليد التي تُنفق على العيال بالكَدِّ لا تمسَّها النار

روى أنس بن مالك: أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لما أقبل مِن غزوة تبوك، استقبله سعد الأنصاري، فصافحه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ قال له: (ما هذا الذي أكنب يديك؟).

قال: يا رسول الله، اضرب بالمَرِّ والمسحاة فانفق على عيالي.

فقبَّل رسول (صلى الله عليه وآله) يده، وقال: (هذه يد لا تمسُّها النار) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٢٦

الطريق إلى جميع الكمالات الاستعانة بالحَقِّ على النفس

دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل اسمه مُجاشع، فقال: يا رسول الله، كيف الطريق إلى معرفة الحَقِّ؟

فقال: (معرفة النفس).

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى رضا الحَقِّ؟

قال: (سَخط النفس).

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى وصل الحَقِّ؟

قال: (هَجْر النفس).

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى طاعة الحَقِّ؟

قال: (عصيان النفس).

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى ذكر الحَقِّ؟

قال: (نسيان النفس).

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى قُرب الحَقِّ؟

قال: (التباعُد مِن النفس).

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى أُنس الحَقِّ؟

قال: (الوَحشة مِن النفس).

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى ذلك؟

قال: (الاستعانة بالحَقِّ على النفس) (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٢٧

انظر لنفسك.. ولا يُلهينَّك الأمل

قال البزنطي: بعث إليَّ الرضا (عليه السلام) فجئته إلى حَرباء، فمكثتها عامَّة الليل، ثمَّ أُوتيت بعِشاء، فلمَّا أصبحت مِن العِشاء قال: (ما تُريد، أتنام؟).

قلت: بلى، جُعِلت فِداك.

فطرح عليَّ المِلحفة والكِساء، ثمَّ قال: (بيَّتك الله في عافية)، وكنَّا على سَطحٍ، فلمَّا نزل مِن عندي قلتُ في نفسي: قد نِلتُ مِن هذا الرجل كرامة ما نالها أحدٌ قَطُّ.

فإذا هاتف يَهتف بي: يا أحمد، ولم أعرف الصوت، حتَّى جاءني مولىً له.

قال: فنظرت، فإذا هو مُقبل إليَّ، فقال: كفَّك. فنازلته كفِّي، فعصره، ثمَّ قال: إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى صعصعة بن صوحان عائداً له، فلمَّا أراد أنْ يقوم مِن عنده قال: (يا صعصعة بن صوحان، لا تفتخر بعيادتي إيَّاك، وانظر لنفسك وكأنَّ الأمر قد وصل إليك ولا يُلهينَّك الأمل أستودعك الله) (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٢٨

ليس لأحدٍ فضلٌٌ على أحدٍ إلاَّ بالتقوى

عن عقبة بن بشير الأسدي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أنا عقبة بن بشير الأسدي، أنا في الحسب الضَّخم مِن قومي.

قال: فقال: (ما تمنُّ علنيا بحَسَبك إنْ الله رفع بالإيمان مَن كان الناس يُسمُّونه وضيعاً إذا كان مؤمناً، ووضع بالكُفر مَن كان الناس يُسمُّونه شريفاً إذا كان كافراً، فليس لأحدٍ فضلٌ على أحدٍ إلاَّ بالتقوى) (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٢٩

لا تغضب

قال الصادق (عليه السلام): (إنَّ رجلاً جاء إلى عيسى بن مريم، فقال: يا روح الله، إنِّي زنيت فطهِّرني، فأمر عيسى (عليه السلام) أنْ يُناد في الناس: لا يبقى أحد إلاَّ خرج بتطهير فُلان.

فلمَّا اجتمع واجتمعوا، وصار الرجل في الحُفرة نادى الرجل في الحُفرة: لا يَحدُّني مَن لله تعالى في جَنبه حَدٌّ، فانصرف الناس كلُّهم إلاَّ يحيى وعيسى (عليهما السلام)، فدنا منه يَحيى، فقال له: يا مُذنب، عِظني.

فقال: لا تخلينَّ بين نفسك وبين هواها فتردى.

قال: زِدني.

قال: لا تُعَيِّرنَّ خاطئاً بخطيئته.

قال: زِدني.

قال: لا تغضب.

قال: حَسْبي) (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٣٠

كثرة الأكل تُعجِب الشيطان

قال يحيى (عليه السلام) (لإبليس): (فهل ظفرت بي ساعة قَطُّ؟).

قال: لا، ولكنْ فيك خِصلة تُعجبني.

قال يحيى: (فما هي؟).

قال: أنت رجل أكول، فإذا أكلت وبشمت، يمنعك ذلك مِن بعض صلاتك وصيامك بالليل.

قال يحيى (عليه السلام): (فإنِّي أُعطي الله عهداً، ألاَّ أشبع مِن الطعام حتَّى ألقاه).

قال له إبليس: وأنا أُعطي الله عهداً، ألاَّ أنصح مسلماً حتَّى ألقاه (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٣١

أين شُكره على ما أنعم؟

عن الزهري قال: دخلت مع علي بن الحسين (عليهما السلام) على عبد الملك بن مروان، قال: فاستعظم عبد الملك ما رأى مِن أثر السجود بين عينَيْ علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقال: يا أبا محمد، لقد بان عليك الاجتهاد، ولقد سبق لك مِن الله الحُسنى، وأنت بضِعةٌ مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قريب النسب، وَكْيد السبب، وإنَّك لذو فضل عظيم على أهل بيتك، وذوي عصرك، ولقد أوتيت مِن الفضل والعلم، والدين والورع، ما لم يؤتَه أحدٌ مِثلك ولا قبلك، إلاَّ مَن مضى مِن سلفك، وأقبل يُثني عليه ويُطريه.

قال: فقال علي بن الحسين (عليه السلام): (كلُّ ما ذكرته ووصفته مِن فضل الله سبحانه، وتأييده، وتوفيقه، فأين شُكره على ما أنعم؟!) (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٣٢

يا رَبِّ حَقِّي قد وهبته وأنت أجود مِنِّي

أتى رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: إنَّ فلاناً ابن عَمِّك ذكرك فما ترك شيئاً مِن الوقيعة إلاَّ قاله فيك.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) للجارية: (ايتيني بوضوء، فتوضَّأ ودخل).

فقلت في نفسي: يدعو عليه.

فصلَّى رَكعتيين، فقال: (يا رَبِّ، حَقِّي قد وهبته، وأنت أجود مِنِّي وأكرم، فهبه لي، ولا تؤاخذه لي ولا تقايسه).

ثمَّ رَقَّ، فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجَّب (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٣٣

مَن أحياها فكأنَّما أحيا الناس جميعاً

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل وِجِد في خَربة، وبيده سِكِّين مُلطَّخ بالدَّم، وإذا رجل مذبوح يتشحَّط في دَمِه.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما تقول؟).

قال: يا أمير المؤمنين، أنا قتلته.

قال: (اذهبوا به).

فلمَّا ذهبوا به أقبل رجل مُسرِع، فقال: لا تعجلوا، وردُّوه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فردُّوه.

فقال: والله - يا أمير المؤمنين - ما هذا صاحبه، أنا قتلته.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للأوَّل: (ما حَمَلك على إقرارك على نفسك ولم تفعل؟).

فقال: يا أمير المؤمنين، وما كنت أستطيع أنْ أقول، وقد شَهِد عليَّ أمثال هؤلاء الرجال، وأخذوني وبيدي سِكِّين مُلطَّخ بالدَّم، والرجل يتشحَّط في دَمِه، وأنا قائم عليه، وخِفت الضرب فأقررت، وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخَربة شاة، وأخذني البول؛ فدخلت الخربة؛ فرأيت الرجل يتشحَّط في دَمِه، فقُمت مُتعجِّباً، فدخل عليَّ هؤلاء فأخذوني.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (خذوا هذين، فاذهبوا بهما إلى الحسن، وقصُّوا عليه قِصَّتهما، وقولوا له: ما الحُكم فيهما؟).

فذهبوا إلى الحسن (عليه السلام)، فقصُّوا عليه قِصَّتهم، فقال الحسن (عليه السلام): (قولوا لأمير المؤمنين (عليه السلام): إنْ هذا كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا، وقد قال الله تعالى عَزَّ وجَلَّ: ( ... وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً... ) (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٣٤

المال يَفنى والبدن يَبلى والعمل يبقى

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (يا عمار، أنت رَبُّ مالٍ كثير؟).

قال: نعم، جُعلِت فِداك.

قال: (فتؤدِّي ما افترض الله عليك مِن الزكاة؟).

قال: نعم.

قال: (فتُخرِج المعلوم مِن مالك؟).

قال: نعم.

قال: (فتَصلْ قرابتك؟).

قال: نعم.

قال: (فتَصلْ إخوانك؟).

قال: نعم.

فقال: (يا عمار، إنَّ المال يفنى، والبدن يبلى، والعمل يبقى، والدَّيَّان حيُّ لا يموت. يا عمار، إنَّه ما قَدَّمت فلن يسبقك، وما أخَّرت فلن يَلحقك) (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٣٥

ربَّما سمعت مِن يَشتم عليٍّ...

فأمرُّ به فأُسلِّم عليه وأُصافحه

عن ابن مسكان قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (إنِّي لأحَسبك إذا شُتِمَ عليٌّ (عليه السلام) بين يديك، لو تستطيع أنْ تأكل أنف شاتمه لفعلت!).

فقلت: إيْ والله - جُعِلت فِداك - إنِّي لهكذا وأهل بيتي.

فقال لي: (فلا تفعل، فوالله، لرُبَّما سمعت مَن يَشتم عليَّاً، وما بيني وبينه إلاَّ اسطوانة فأستتر بها، فإذا فرغت مِن صلاتي فأمرُّ به فأُسلِّم عليه وأُصافحه) (1) .

____________________

(1) شرح مَكارم الأخلاق، ج1.

١٣٦

مروءة أهل بيت النبوَّة

عمرو بن علي (عليه السلام)، قال: كان هشام بن إسماعيل يُسيء جواري، وقد لقي منه علي بن الحسين (عليهما السلام) أذىً شديد، فلمَّا عُزِل أمر به الوليد أنْ يوقَف للناس.

قال: فمَرَّ به علي بن الحسين (عليهما السلام)، وقد أوقِف عند آل مروان، قال: فسلَّم عليه.

قال: وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) قد تقدَّم إلى خاصَّته أنْ لا يتعرَّض له أحد (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٣٧

الصبر على سوء خُلق الجار يورِث الفَرَج

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فشكا إليه أذى جاره، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): اصبِر.

ثمَّ أتاه ثانية، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اصبر.

ثمَّ عاد إليه فشكاه ثالثة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) - للرجل الذي شكا ـ: إذا كان عند رواح الناس إلى الجمعة، فأخِّر مَتاعك إلى الطريق يراه مَن يروح إلى الجمعة، فإذا سألوك فأخبرهم.

قال: ففَعَل.

فأتاه جاره المؤذي له فقال: رُدَّ متاعك ولك الله عليَّ أنْ لا أعود (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٣٨

الحرب خديعة

في غزوة الأحزاب جرى بين عليٍّ (عليه السلام) وعمرو بن وِدِّ كلام فقال علي: يا عمرو، أما كفاك أنِّي بارزتك وأنت فارس العرب حتَّى استعنت عليَّ بظهير؟!

فالتفت عمرو إلى خلفه، فضربه أمير المؤمنين (عليه السلام) مُسرعاً على ساقيه فأطنَّهما جميعاً، وأقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسيل الدماء على رأسه مِن ضربة عمرو وسيفه يقطر منه الدم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا علي، ما كَرْتَه؟!).

قال: نعم يا رسول الله، الحرب خديعة (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٣٩

ولا تَهِنوا في ابتغاء القوم

إنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمَّا رَجِع مِن وقعة أحد ودخل المدينة، نزل عليه جبرائيل فقال: (يا محمد، إنَّ الله يأمرك أنْ تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلاّ مَن به جِراحة).

فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُنادياً يُنادي: يا معشر المُهاجرين والأنصار، مَن كانت به جِراحة فليخرُج، ومَن لم يكن به جِراحة فليُقِم.

فأقبلوا يُضمِّدون جِراحاتهم ويُداوونها، فأنزل الله على نبيِّه (صلى الله عليه وآله): ( وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ... ) (النساء: 104) (1) .

____________________

(1) شرح مكارم الأخلاق، ج1.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

نبعته. وخصه بسره ، وجعله باب مدينته ، وأعلم بحبه المسلمين ، وأبان ببغضه المنافقين ، فلم يزل كذلك يؤيده بمعونته ، ويمضى على سنن استقامته لا يرجع لراحة اللذات وهو مفلق الهام ، ومكسر الأصنام ، إذ صلى والناس مشركون ، وأطاع والناس مرتابون ، فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر ، وأفنى أهل أحد ، وفرق جمع هوازن ، فيا لها وقائع زرعت فى قلوب قوم نفاقا ، وردة وشقاقا ، وقد اجتهدت فى القول ، وبالغت فى النصيحة ، وبالله التوفيق وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ».

فانتفخت أوداج معاوية غيظا وحنقا وقال لها بنبرات تقطر غضبا :

« والله يا أم الخير ما أردت بهذا إلا قتلي ، والله لو قتلتك ما حرجت فى ذلك ».

فأجابته وهي غير خائفة منه :

« والله ما يسؤني يا ابن هند أن يجري الله ذلك على يد من يسعدني الله بشقائه ».

ـ هيهات يا كثيرة الفضول ، ما تقولين فى عثمان بن عفان؟

ـ وما عسيت أن أقول فيه استخلفه الناس وهم كارهون ، وقتلوه وهم راضون.

وبعد حديث جرى بينهما أطلق أخيرا سراحها وعفا عنها(١) .

٣ ـ سودة بنت عمارة :

وسودة بنت عمارة بن الأشتر الهمداني من سيدات نساء العراق ، ومن ربات الفصاحة والبيان ، ورثت حب أمير المؤمنين من آبائها الكرام الذين عرفوا بالحب والأخلاص له ، وفدت على معاوية تشتكي عنده جور عامله

__________________

(١) اعلام النساء ١ / ٣٣٢ ، بلاغات النساء ص ٣٦ صبح الأعشى.

٤٠١

فلما دخلت عليه عرفها فقال لها :

ألست القائلة يوم صفين؟ :

شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة

يوم الطعان وملتقى الأقران

وانصر عليا والحسين ورهطه

واقصد لهند وابنها بهوان

إن الإمام أخا النبي محمد

علم الهدى ومنارة الإيمان

فقد الجيوش وسر أمام لوائه

قدما بأبيض صارم وسنان

قالت : « أي والله ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب ».

ـ فما حملك على ذلك؟!

ـ حب علي وإتباع الحق.

ـ فو الله ما أرى عليك من أثر علي شيئا؟!

ـ يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب ، فدع عنك تذكار ما قد نسي واعادة ما مضى.

ـ هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى ، وما لقيت من أحد ما لقيت من قومك وأخيك.

ـ صدق فوك لم يكن أخي ذميم المقام ، ولا خفي المكان كان والله كقول الخنساء :

وإن صخرا لتأتم الهداة به

كأنه علم فى رأسه نار

ـ صدقت كان كذلك.

ـ مات الرأس وبتر الذنب ، وبالله أسأل أمير المؤمنين اعفائي مما استعفيت منه.

ـ قد فعلت فما حاجتك؟

ـ إنك أصبحت للناس سيدا. ولأمرهم متقلدا ، والله سائلك من

٤٠٢

أمرنا ، وما افترض من حقنا. ولا يزال يقدم علينا من ينوء بعزك. ويبطش بسلطانك فيحصدنا حصد السنبل ، ويدوسنا دوس البقر ، ويسومنا الخسيسة ، ويسلبنا الجليلة هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي وأخذ مالي ، ولو لا الطاعة لكان فينا عز ومنعة ، فأما عزلته عنا فشكرناك ، وإما لا فعرفناك.

فتأثر معاوية من كلامها وقال لها :

« أتهدديني بقومك؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردك إليه ينفذ فيك حكمه ».

فأطرقت الى الأرض وهي باكية العين حزينة القلب ثم أنشأت تقول :

صلى الإله على جسم تضمنه

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحق لا يبغي به بدلا

فصار بالحق والإيمان مقرونا

ـ ومن ذلك؟

ـ علي بن أبي طالب.

ـ وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟

ـ قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين ، فأتيت علياعليه‌السلام لأشكو إليه ما صنع ، فوجدته قائما يصلي فلما نظر إلي انفتل من صلاته ، ثم قال لي برأفة وتعطف : ألك حاجة؟ فأخبرته الخبر فبكى ثم قال : « اللهم إنك أنت الشاهد عليّ وعليهم أني لم آمرهم بظلم خلقك ، ولا بترك حقك » ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب ، فكتب فيها : « بسم الله الرحمن الرحيم ، قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ، وما أنا

٤٠٣

عليكم بحفيظ ، إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام » فأخذته منه ، والله ما ختمه بطين ولا حزمه بحزام.

فتبهر معاوية وتعجب من هذا العدل والإنصاف وقال : « أكتبوا لها بالانصاف والعدل لها ».

فانبرت إليه قائلة :

« ألي خاصة أم لقومى عامة؟ »

ـ وما أنت وغيرك؟

ـ هي والله إذن الفحشاء واللؤم ، إن لم يكن عدلا شاملا ، وإلا فأنا كسائر قومى.

ـ هيهات لمظكم ابن أبي طالب الجرأة وغركم قوله :

فلو كنت بوابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

ثم قال : « اكتبوا لها ولقومها بحاجتها »(١) .

٤ ـ أم البراء بنت صفوان :

وكانت أم البراء بنت صفوان بن هلال من سيدات النساء في عفتها وطهارة ذيلها ، عرفت بالولاء والإخلاص لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان لها موقف مشرف في صفين فكانت تحرض الجماهير الحاشدة على مناجزة معاوية وقتاله ، ولما انتهى الأمر إليه وفدت عليه فقال لها :

« كيف أنت يا بنت صفوان؟ »

ـ بخير يا أمير المؤمنين.

ـ كيف حالك؟

__________________

(١) أعلام النساء ٢ / ٦٦٣ ، العقد الفريد ١ / ٢١١ ، بلاغات النساء ص ٣٠.

٤٠٤

ـ ضعفت بعد جلد ، وكسلت بعد نشاط.

ـ شتان بينك اليوم وحين تقولين :

يا عمرو دونك صارما ذا رونق

غضب المهزة ليس بالخوار

أسرج جوادك مسرعا ومشمرا

للحرب غير معرد لفرار

أجب الإمام ودب تحت لوائه

وافر العدو بصارم بتار

يا ليتني أصبحت ليس بعورة

فأذب عنه عساكر الفجار

ـ قد كان ذاك يا أمير المؤمنين ، ومثلك عفا والله تعالى يقول :

« عفا الله عما سلف ».

ـ هيهات أما انه لو عاد لعدت ، ولكن أخترم دونك فكيف قولك حين قتل؟ » فقالت نسيته.

فانبرى إليه بعض جلسائه فقال إنها تقول :

يا للرجال لعظم هول مصيبة

فدحت فليس مصابها بالهازل

الشمس كاسفة لفقد إمامنا

خير الخلائق والإمام العادل

يا خير من ركب المطي ومن مشى

فوق التراب لمحتف أو ناعل

حاشا النبي لقد هددت قواءنا

فالحق أصبح خاضعا للباطل

فتألم ابن هند وقال لها :

« قاتلك الله يا بنت صفوان ، ما تركت لقائل مقالا اذكري حاجتك ».

ولما رأت بنت صفوان الاستهانة والتحقير من معاوية امتنعت أن تفوه بحاجتها وتسأله بمسألتها فقالت له :

« هيهات بعد هذا والله لا سألتك شيئا ».

ولما قامت من مجلسه عثرت فقالت : « تعس شاءني علي »(١) .

__________________

(١) بلاغات النساء ص ٧٥ ، وصبح الأعشى.

٤٠٥

وقد لاقت هذه المرأة النبيلة الكريمة المحتد والطيبة العنصر الاستهانة والإذلال لحبها لأمير المؤمنين.

٥ ـ بكارة الهلالية :

وبكارة الهلالية من سيدات النساء الموصوفات بالشجاعة والإقدام والفصاحة والبلاغة ، كانت من أنصار أمير المؤمنين في واقعة صفين وقد خطبت فيها خطبا حماسية دعت فيها جنود الحق للذب عن سيد المسلمين وأمير المؤمنين (ع) ولحرب عدوه.

وفدت بكارة على معاوية بعد أن تم له الأمر ، وقد كبرت ودق عظمها ، ومعها خادمان وهي متكئة عليهما وبيدها عكاز ، فسلمت على معاوية بالخلافة فأحسن لها الرد وأذن لها بالجلوس ، وكان عنده مروان بن الحكم ، وعمرو بن العاص ، فعرفها مروان فالتفت الى معاوية قائلا : « أما تعرف هذه يا أمير المؤمنين؟ »

ـ ومن هي؟

ـ هي التي كانت تعين علينا يوم صفين وهي القائلة :

يا زيد دونك فاستثر من دارنا

سيفا حساما فى التراب دفينا

قد كان مذخورا لكل عظيمة

فاليوم أبرزه الزمان مصونا

واندفع ابن العاص قائلا : يا أمير المؤمنين وهي القائلة :

أترى ابن هند للخلافة مالكا

هيهات ذاك وما أراد بعيد

منتك نفسك في الخلاء ضلالة

أغراك عمرو للشقاء وسعيد

فارجع بأنكد طائر بنحوسها

لاقت عليا أسعد وسعود

وانبرى بعدهما سعيد قائلا : يا أمير المؤمنين وهي القائلة :

قد كنت آمل أن أموت ولا أرى

فوق المنابر من أميّة خاطبا

٤٠٦

فالله أخر مدتي فتطاولت

حتى رأيت من الزمان عجائبا

في كل يوم لا يزال خطيبهم

وسط الجموع لآل أحمد عائبا

وسكت القوم ، فالتفتت بكارة الى معاوية قائلة له :

« نبحتنى كلابك يا أمير المؤمنين واعتورتني ، فقصرت محجتي وكثر عجبي ، وغشي بصري ، وأنا والله قائلة ما قالوا لا أدفع ذلك بتكذيب ، فامض لشأنك ، فلا خير فى العيش بعد أمير المؤمنين »(١) .

ثم انصرفت والألم يحز فى فؤادها ، قد نبحتها كلاب معاوية واحتوشها جلساؤه الأوغاد.

٦ ـ أروى بنت الحارث :

وأروى بنت الحارث بن عبد المطلب من سيدات نساء المسلمين فى اقدامها وشجاعتها وحسن منطقها ، قد عرفت بالولاء والحب لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وفدت على معاوية فوجهت له سهاما من القول ، وعرضت في كلامها عن محنة أهل البيت (ع) وما لاقوه بعد النبي (ص) من المحن والبلاء وهذا نص كلامها :

« أنت يا ابن أخي لقد كفرت بالنعمة ، وأسأت لابن عمك ـ يعني عليا ـ الصحبة ، وتسميت بغير اسمك ، وأخذت غير حقك بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام ، ولقد كفرتم بما جاء به محمد (ص) فأتعس الله منكم الجدود ، وأصعر منكم الخدود ، حتى رد الله الحق الى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ، ونبينا محمد (ص) هو المنصور على من ناوأه ولو كره المشركون ، فكنا أهل البيت أعظم الناس فى الدين حظا ونصيبا وقدرا حتى قبض الله نبيه (ص) مغفورا ذنبه ، مرفوعا

__________________

(١) بلاغات النساء ص ٣٤ ، عقد الفريد.

٤٠٧

درجته شريفا عند الله مرضيا فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول : « يا ابن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » ، ولم يجمع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لنا شمل ، ولم يسهل لنا وعر ، وغايتنا الجنة ، وغايتكم النار ».

وكان ابن العاص حاضرا فلسعه كلامها فاندفع قائلا :

« أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك ، وغضي من طرفك ».

ـ ومن أنت لا أم لك؟

ـ عمرو بن العاص.

ـ يا ابن اللخناء النابغة ، أتكلمني؟!! أربع على ضلعك ، وأعن بشأن نفسك ، فو الله ما أنت من قريش فى اللباب من حسبها ، ولا كريم منصبها ، ولقد ادعاك ستة من قريش كل واحد يزعم أنه أبوك ، ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر فأتم بهم فانك بهم أشبه.

والتفت لها مروان بن الحكم فقال لها :

« أيتها العجوز الضالة ساخ بصرك مع ذهاب عقلك ، فلا تجوز شهادتك ».

فانبرت إليه قائلة :

« يا بني أتتكلم؟ فو الله لأنت الى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم ، وإنك لتشبهه فى زرقة عينيك ، وحمرة شعرك ، مع قصر قامته ، وظاهر دمامته ، ولقد رأيت الحكم ماد القامة ، ظاهر الأمة ، سبط الشعر وما بينكما من قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب

٤٠٨

فاسأل أمك عما ذكرت لك فانها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت ».

ثم التفتت الى معاوية فقالت له :

« والله ما عرضني لهؤلاء غيرك وإن أمك هند القائلة فى يوم أحد في قتل حمزة رحمة الله عليه :

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب يوم الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر

أبي وعمي وأخي وصهرى

شفيت وحشي غليل صدري

شفيت نفسي وقضيت نذري

فشكر وحشي عليّ عمري

حتى تغيب أعظمي في قبري

فأجبتها :

يا بنت رقاع عظيم الكفر

خزيت فى بدر وغير بدر

صبحك الله قبيل الفجر

بالهاشميين الطوال الزهر

بكل قطاع حسام يفري

حمزة ليثي وعلي صقري

إذ رام شبيب وأبوك غدري

أعطيت وحشي ضمير الصدر

هتك وحشي حجاب الستر

ما للبغايا بعدها من فخر

فثار معاوية والتفت الى ابن العاص ومروان قائلا :

« ويلكما أنتما عرضتماني لها وأسمعتماني ما أكره ».

ثم التفت إليها فقال لها :

« يا عمة اقصدي حاجتك ودعي عنك أساطير النساء ».

ـ تأمر لي بألفي دينار ، وألفي دينار ، وألفي دينار.

ـ ما تصنعين بألفي دينار؟

ـ أشتري بها عينا خرخارة ، في أرض خوارة تكون لولد الحارث ابن عبد المطلب.

٤٠٩

ـ نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار؟

ـ أزوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم.

ـ نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار؟

ـ أستعين بها على عسر المدينة ، وزيارة بيت الله الحرام.

ـ نعم الموضع وضعتها ، هي لك نعم وكرامة.

ثم التفت إليها بعد هذا العطاء الجزيل ليرى مدى اخلاصها لأمير المؤمنين قائلا :

« أما والله لو كان علي ما أمر لك بها!! »

ـ صدقت ، إن عليا أدى الأمانة ، وعمل بأمر الله وأخذ به ، وأنت ضيعت أمانتك ، وخنت الله فى ماله ، فأعطيت مال الله من لا يستحقه وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها وبيّنها فلم تأخذ بها ، ودعانا علي الى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا فشغل بحربك عن وضع الأمور في مواضعها ، وما سألتك من مالك شيئا فتمن به إنما سألتك من حقنا ، ولا نرى أخذ شيء غير حقنا ، أتذكر عليا فضّ الله فاك وأجاهد بلاءك؟.

ثم بكت وقالت راثية لأمير المؤمنين :

ألا يا عين ويحك أسعدينا

ألا وابكي أمير المؤمنينا

رزينا خير من ركب المطايا

وفارسها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال أو احتذاها

ومن قرأ المثاني والمئينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راع الناظرينا

ولا والله لا أنسى عليا

وحسن صلاته في الراكعينا

أفي الشهر الحرام فجعتمونا

بخير الناس طرا أجمعينا

٤١٠

فأمر لها معاوية بستة آلاف دينار فأخذتها وانصرفت(١) وقد أراد معاوية بتكريمه لها استمالة قلبها وصرفها عن حب أمير المؤمنين (ع) ، وقد خاب سعيه ، فان من طبع على حب أمير المؤمنين والإخلاص إليه كيف يغيره المال؟ وتقلب عقيدته المادة ، وقد فاهت بهذا الشعور الطيب كريمة أبي الأسود الدؤلي فقد بعث معاوية حلوى هدية الى أبيها ليستميله عن حب أمير المؤمنين (ع) فتناولت ابنته قطعة من تلك الحلوى ووضعتها في فيها فقال لها أبوها :

« يا بنتي القيها فانها سم ، هذه حلواء أرسلها إلينا معاوية ليخدعنا عن أمير المؤمنين ويردنا عن محبة أهل البيت!! »

فلما سمعت بذلك انبرت الى أبيها تعرب له عن شعورها الطيب وعن مدى حبها لأمير المؤمنين قائلة :

« قبحه الله ، يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد المزعفر ، تبا لمرسله وآكله!! »

ثم قاءت ما أكلته وأنشأت تقول :

أبا لشهد المزعفر يا ابن هند

نبيع عليك أحسابا ودينا

معاذ الله كيف يكون هذا

ومولانا أمير المؤمنينا(٢)

٧ ـ عكرشة بنت الأطرش :

وعكرشة بنت الأطرش سيدة جليلة تعد في طليعة نساء العرب فى شجاعتها ، وقوة بيانها ، كانت فى صفين تدعو الناس الى نصرة الإمام ومناجزة عدوه ، ولما تم الأمر الى معاوية وفدت عليه فسلمت عليه بالخلافة

__________________

(١) بلاغات النساء ص ٢٧ ، العقد الفريد ١ / ٢١٩.

(٢) الكنى والألقاب ١ / ٨.

٤١١

فتذكر موقفها في صفين فقال لها :

« يا عكرشة الآن صرت أمير المؤمنين؟ »

فقالت له :

« نعم إذ لا عليّ حي ».

فلم يقتنع بذلك وأخذ يذكرها بموقفها وخطبها فى صفين قائلا :

« ألست صاحبة الكور المسدول ، والوسيط المشدود ، والمتقلدة بحمائل السيف ، وأنت واقفة بين الصفين تقولين :

« يا أيها الناس ، عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إن الجنة دار لا يرحل عنها من قطنها ، ولا يحزن من سكنها ، فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ، ولا تنصرم همومها ، كونوا قوما مستبصرين ، إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب ، غلف القلوب ، لا يفقهون الإيمان ، ولا يدرون ما الحكمة؟ دعاهم بالدنيا فأجابوه ، واستدعاهم الى الباطل فلبوه ، فالله الله عباد الله في دين الله!! وإياكم والتواكل ، فان فى ذلك نقض عروة الإسلام ، وإطفاء نور الإيمان ، وذهاب السنة ، وإظهار الباطل هذه بدر الصغرى ، والعقبة الأخرى ، قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين على بصيرة من دينكم ، واصبروا على عزيمتكم ، فكأني بكم غدا وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة ، والبغال الشحاجة تضفع ضفع البقر ، وتروث روث العتاق ».

وبعد ما تلى معاوية عليها خطابها قال لها بنبرات تقطر غضبا :

« فو الله لو لا قدر الله ، وما أحب أن يجعل لنا هذا الأمر لقد كان انكفأ علي العسكران فما حملك على ذلك؟ »

فقابلته بناعم القول قائلة :

٤١٢

« إن اللبيب إذا كره أمرا لم يحب إعادته ».

ـ صدقت اذكري حاجتك.

ـ إن الله قد رد صدقاتنا علينا ورد أموالنا فينا إلا بحقها ، وإنا قد فقدنا ذلك ، فما ينعش لنا فقير ، ولا يجبر لنا كسير فان كان ذلك عن رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ، ولا استعمل الظالمين.

فما اعتنى معاوية باسترحامها وقال لها :

« يا هذه إنه تنوبنا أمور هي أولى بنا منكم ، من بحور تنبثق ، وثغور تنفتق ».

ـ يا سبحان الله!! ما فرض الله لنا حقا جعل لنا فيه ضررا على غيرنا ما جعله لنا وهو علام الغيوب.

ولم يجد حينئذ معاوية بدا من إجابتها فقال لها :

ـ هيهات يا أهل العراق نبهكم ابن أبي طالب فلن تطاقوا.

ثم أمر لها بقضاء حاجتها وردها الى أهلها(١) .

٨ ـ الدارمية الحجونية :

ومن سيدات النساء وخيارهن الدارمية الحجونية ، عرفت بالصلاح والنسك ، وبقوة الحجة ، وشدة العارضة ، قد والت الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولما تم الأمر الى معاوية بعث خلفها وكان آنذاك في الحجاز فلما مثلت عنده قال لها :

« كيف حالك يا ابنة حام »

ـ بخير ، ولست لحام إنما أنا امرأة من قريش من بني كنانة ، ثمت من بني أبيك.

__________________

(١) بلاغات النساء ص ٧٠ ، العقد الفريد ١ / ٢١٥ ، صبح الأعشى.

٤١٣

ـ صدقت ، هل تعلمين لم بعثت إليك؟

ـ لا ، يا سبحان الله!! وأنّى لي بعلم ما لم أعلم؟

ـ بعثت إليك أن أسألك علام أحببت عليا (ع) وأبغضتيني؟ وعلام وأليتيه وعاديتيني؟

ـ أو تعفيني من ذلك؟

ـ لا أعفيك ، لذلك دعوتك.

ـ فأما إذا أبيت فإني أحببت عليا (ع) على عدله في الرعية ، وقسمه بالسوية ، وأبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك ، وطلبك ما ليس لك ، وواليت عليا على ما عقد له رسول الله (ص) من الولاية وحب المساكين ، واعظامه لأهل الدين ، وعاديتك على سفكك الدماء ، وشقك العصا.

فتأثر ابن هند من مقالها وقال فاحشا ومستهزئا :

« صدقت فلذلك انتفخ بطنك ، وكبر ثديك ، وعظمت عجيزتك » فردت عليه مقالته بالمثل :

« يا هذا بهند والله يضرب المثل لا أنا ».

ـ لا تغضبي فانا لم نقل إلا خيرا ، إنه إن انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها ، وإذا كبر ثديها حسن غذاء ولدها ، وإذا عظمت عجيزتها وزن مجلسها.

فهدأ روعها ، وسكن غضبها ، ثم التفت لها :

ـ هل رأيت عليا؟

ـ أي والله لقد رأيته.

ـ كيف رأيته؟

٤١٤

ـ لم ينفخه الملك ، ولم تصقله النعمة(١) .

ـ هل سمعت كلامه؟

ـ كان والله كلامه يجلو القلوب من العمى ، كما يجلي الزيت صداء الطست.

ـ صدقت ، هل لك من حاجة؟

ـ أو تفعل إذا سألتك؟

ـ نعم.

ـ تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها.

ـ ما تصنعين بها؟

ـ أغذو بألبانها الصغار ، وأستحيي بها الكبار ، واكتسب بها المكارم واصلح بها بين العشائر.

ـ فان أعطيتك ذلك فهل أحل عندك محل علي بن أبي طالب؟

ـ سبحان الله!!! أو دونه أو دونه.

فتبهر معاوية وقال :

إذا لم أعد بالحلم مني عليكم

فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم

خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد

جزاك على حرب العداوة بالسلم

أما والله لو كان علي حيا ما أعطاك منها شيئا.

ـ لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين(٢) .

__________________

(١) وفي العقد الفريد : رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك ، ولم تشغله النعمة التي شغلتك.

(٢) بلاغات النساء ص ٧٢ ، العقد الفريد ١ / ٢١٦ ، صبح الأعشى ١ / ٢٥٩.

٤١٥

الى هنا يننهي بنا الحديث عما لاقته شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام من التنكيل ، والتعذيب ، والإعدام ، والعسف ، والإرهاب ، والإذلال ، والتحقير من قبل معاوية وعامله زياد ، وبذلك فقد نقض معاوية أهم شروط الصلح ، وهو عدم التعرض لشيعة آل البيت بسوء ومكروه وغائلة :

المؤتمر الحسيني :

ولما رأى سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) الإجرءات الحاسمة التي اتخذها معاوية ضد العترة الطاهرة ، عقد (ع) مؤتمرا في مكة ، دعا فيه جمهورا غفيرا ممن شهد موسم الحج من المهاجرين والأنصار ، والتابعين ، وغيرهم من سائر المسلمين ، وعرض عليهم ما ألمّ بأهل البيت وبشيعتهم من المحن والخطوب من جراء الحكم القائم الذي عمد الى اتخاذ جميع الوسائل للكيد لآل النبي (ص) واخفاء فضائلهم ، وستر ما أثر عن الرسول فى حقهم وقد ألزم حضار مؤتمره باذاعة ذلك بين المسلمين ، ونسوق ما رواه سليم ابن قيس فى ذلك قال :

« ولما كان قبل موت معاوية بسنة ، حج الحسين بن علي ، وعبد الله ابن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، فجمع الحسين بني هاشم ، رجالهم ونساءهم ، ومواليهم ، ومن حج منهم من الأنصار ، ممن يعرفه الحسينعليه‌السلام وأهل بيته ، ثم أرسل رسلا وقال لهم : لا تدعوا أحدا حج العام من أصحاب رسول الله (ص) المعروفين بالصلاح والنسك إلا اجمعوهم لي ، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم فى سرادقه. عامتهم من التابعين ، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقام فيهم خطيبا :

٤١٦

« فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فان هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم ، وعلمتم وشهدتم. وإني أريد أن أسألكم عن شيء فان صدقت فصدقوني ، وإن كذبت فكذبوني ، اسمعوا مقالتي ، واكتبوا قولي ، ثم ارجعوا الى أمصاركم وقبائلكم ، فمن أمنتم من الناس ، ووثقتم به فادعوهم الى ما تعلمون من حقنا. فاني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويغلب ، والله متم نوره ولو كره الكافرون ».

« وما ترك شيئا مما أنزله الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسره ، ولا شيئا مما قاله رسول الله (ص) فى أبيه وأخيه وأمه وفى نفسه وأهل بيته إلا رواه وكل ذلك يقول أصحابه اللهم نعم ، وقد سمعنا وشهدنا ، ويقول التابعي : اللهم قد حدثني به من أصدقه وائتمنه من الصحابة ، فقال : أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه »(١)

وكان هذا المؤتمر الذي عقده الإمام أول مؤتمر عرفه العالم الإسلامى في ذلك الوقت ، فقد شجب فيه الإمام سياسة معاوية ، ودعا المسلمين الى مناهضة حكمه ، والى الإطاحة بسلطانه.

٤ ـ البيعة ليزيد :

ومن أهم بنود الصلح إرجاع الخلافة الإسلامية الى الإمام الحسن ، ومن بعده الى أخيه الحسينعليهما‌السلام بعد هلاك معاوية ، فقد كانت هذه المادة من أهم شروط الصلح التي وقع عليها معاوية ، ولكنه بعد ما تم له الأمر ، وصفا له الملك ، صمم على نقضها ، وعلى عدم الوفاء بها ، فقد أخذ يعمل مجدّا في جعل الخلافة وراثة في أهل بيته ، وهو بهذا الفعل

__________________

(١) سليم بن قيس.

٤١٧

كما يقول الاستاذ السيد قطب : « مدفوع بدافع لا يعرفه الإسلام ، دافع العصبية العائلية والقبلية ، وما هي بكثيرة على معاوية ولا بغريبة عليه ، فمعاوية بن أبي سفيان وابن هند بنت عتبة ، وهو وريث قومه وأشبه شيء بهم في بعد روحه عن حقيقة الإسلام »(١) .

لقد كان معاوية في فعله هذا مدفوعا بدافع الجاهلية العمياء ، وبدافع العصبية القبلية التي شجبها الإسلام فقد اعتبر المواهب والكفاءة والعلم والجدارة فيمن يتولى شئون الحكم ، والغى جميع الاعتبارات التي لا تمت لذلك ، فقد صح عن رسول الله (ص) أنه قال : « من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمّر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم »(٢) ولكن معاوية الذي برىء من الإسلام راح يعمل بوحي من جاهليته الى الانتقام من الإسلام والى تمزيق صفوف المسلمين فعمد الى جعل الخلافة الى ولده الفاسق الأثيم يزيد وقد صور فسقه ومجونه الشاعر العبقري الاستاذ الكبير بولس سلامة بقوله :

وترفق بصاحب العرش مشغو

لا عن الله بالقيان الملاح

ألف ( الله أكبر ) لا يساوي

بين كفي يزيد نهلة راح

تتلظى في الدنان بكرا فلم

تدنس بلثم ولا بماء قراح(٣)

وقال فيه عبد الله بن حنظلة الصحابي العظيم المنعوت بالراهب قتيل واقعة الحرة : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنه رجل ينكح الامهات ، والبنات ، والأخوات ، ويشرب الخمر

__________________

(١) العدالة الاجتماعية ص ١٨٠.

(٢) النصائح ص ٣٩.

(٣) ملحمة الغدير ص ٢٢٧.

٤١٨

ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا »(١) . وقال فيه المنذر بن الزبير لما قدم المدينة : « إن يزيد قد أجازني بمائة الف ، ولا يمنعني ما صنع بي أن أخبركم خبره ، والله إنه ليشرب الخمر ، والله إنه ليسكر حتى يدع الصلاة »(٢) ، وقال ابن فليح إن أبا عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه ، وأحسن جائزته ، فلما قدم المدينة قام الى جنب المنبر وكان مرضيا صالحا فخطب الناس فقال لهم : « ألم أحب؟ ألم أكرم؟ والله رأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة مسكرا ،(٣) .

لقد كان معاوية يعلم فسق ولده وارتكابه للموبقات ، وادمانه على شرب المسكر ، وتركه للصلاة ، وقد أدلى بذلك في كتابه الذي ندد فيه بأفعاله فقد جاء فيه ما نصه :

« بلغني أنك اتخذت المصانع والمجالس للملاهي والمزامير كما قال تعالى : « أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخالدون » ، وأجهرت الفاحشة حتى اتخذت سريرتها عندك جهرا. اعلم يا يزيد ، ان أول ما سلبكه السكر معرفة مواطن الشكر لله على نعمه المتظاهرة ، وآلائه المتواترة ، وهي الجرحة العظمى ، والفجعة الكبرى : ترك الصلوات المفروضات في أوقاتها ، وهو من أعظم ما يحدث من آفاتها ، ثم استحسان العيوب ، وركوب الذنوب ، وإظهار العورة ، وإباحة السر ، فلا تأمن نفسك على سرك ، ولا تعتقد على فعلك »(٤) .

__________________

(١) تأريخ ابن عساكر ٧ / ٣٧٢ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٨١.

(٢) البداية والنهاية ٨ / ٢١٦ ، الكامل لابن الأثير ٤ / ٤٥.

(٣) تاريخ ابن عساكر ٧ / ٢٨.

(٤) صبح الأعشى ٦ / ٣٨٨.

٤١٩

ومع علمه بمروق ولده عن الدين ، واستحلاله لما حرّم الله ، واغراقه في الشهوات ، كيف يمكنه من رقاب المسلمين ويفرضه حاكما عليهم ، إنه بذلك مدفوع بدافع الحقد على الإسلام ، وبدافع العصبية الجاهلية التي أترعت بها نفسه الشريرة.

لقد أجاهد معاوية نفسه في فرض يزيد حاكما على المسلمين ، فقد ظل سبع سنين يروض الناس ، ويعطي الأقارب ، ويدني الأباعد من أجل ذلك(١) ، ولما هلك زياد وكان كارها لبيعة يزيد أظهر عهدا مفتعلا عليه فيه عقد الخلافة ليزيد من بعده(٢) ، وهكذا اعتمد على جميع الوسائل التي لم يألفها المسلمون ، ولم يقرها الدين فى سبيل جعل الملك في بني أميّة وتحويل الخلافة عن مفاهيمها الخلاقة الى الملك العضوض. وقد جرت تلك المقدمات التي عملها معاوية فى حياة الإمام الحسن (ع) ولكنه لم يعلن البيعة الرسمية ليزيد إلا بعد اغتياله للإمام ، وعلينا أن نعرض بعض الوسائل التمهيدية التي عملها معاوية من أجل ذلك.

دعوة المغيرة :

وأول من تصدى الى الدعوة لهذه البيعة المشومة المنافق الأثيم أعور ثقيف المغيرة بن شعبة صاحب الأحداث والموبقات في الإسلام(٣) وسبب

__________________

(١) العقد الفريد ٢ / ٣٠٢.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٧٠ ، العقد الفريد ٢ / ٣٠٢.

(٣) من موبقات المغيرة انه أول من رشى في الإسلام كما يروي ذلك البيهقي وغيره ، ومن جرائمه انه الوسيط في استلحاق زياد بمعاوية ، وهو صاحب الدعوة الى البيعة ليزيد ،

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529