حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام12%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 470

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 317021 / تحميل: 7224
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

در مدرسه مرحوم ثقة الاسلام عموى والد بزگوارشان وامام جماعت مورد وثوق قاطبهء طبقات اجتماع در مسجد نو بازار آثار زهد وتقوى از سيماى او نمودار كه « سيماهم في وجوههم من اثر السجود » متجاوز از چهل سال پس از فوت پدر در مسجد ايشان در ظهر وشب اقامهء جماعت مى نمود وعدهء كثيرى از مؤمنين حضور به جماعتش را غنيمت مى شمرند ».

مجالس درسه وبعض من استفاد منه :

كان يدرس مختلف العلوم الإسلاميّة من الفقه والاصول والحكمة والكلام والهيئة والرياضي واشتهر بالاخيرين اشتهاراً واسعاً.

كان يلقي دروسه في الرياضي في المسجد الجامع العباس ( مسجد الإمام ) سابقاً. ودروس الهيئة كانت بمسجد « نو بازار » والفقه بمدرسة عمه آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد علي النجفي الشهير بثقة الاسلام.

وقد حضر أبحاثه جمع من الآيات والحجج والأعلام، نذكر بعضهم على ترتيب الحروف من دون ذكر الألقاب مع الاعتذار منهم:

- السيّد أحمد الفقيه الامامي

- الشيخ أحمد المهديان

- الشيخ اسماعيل الغروي

- السيّد محمد باقر الأحمدي

- السيّد محمد تقي الموسوي البيد آبادي، صهره

- السيّد حسن الحسيني

- الشيخ حسن الدياني النجف آبادي

- السيّد حسن الفقيه الامامي

٢١

- الشيخ حسينعلي المنتظري

- الشيخ حيدر علي الجبل عاملي

- الشيخ رحمت الله الفشاركي

- الشيخ محمد رضا مداح الحسيني

- الشيخ عبد الرحيم الفضيلتي

- الشيخ علي أكبر الفقيه

- المرحوم الشيخ محمد علي الاقائي

- الشيخ علي الشمس

- الشيخ قاسم الكاظميني

- السيّد محمد الفقيه الاحمد آبادي

- السيّد محمود الإمام جمعه زاده

- الشيخ مرتضى التمنائي

- الشيخ مرتضى الشفيعي

- الشيخ مرتضى المقتدائي

- الشيخ مظفر الكاظميني

- الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي، نجله

- الشيخ هادي النجفي، حفيده

تأليفاته القيّمة :

له تأليفات قيمة في غاية الحسن والفصاحة كما ينبغي له، ألفها مع عدم تفرغه لهذا الشأن واشتغاله في أكثر الأوقات بالتدريس وتربية الطلاب، وتوليه للشؤون الاجتماعيّة وقضاء حوائج العامّة، وإليك سرد أسمائها:

٢٢

* - إيرادات وانتقادات على دائرة المعارف لفريد وجدي.

* - ترجمة « نقد فلسفة داروين » من العربية إلى الفارسية في مجلدين ضخمين.

* - حاشية الروضات: طبع بعض منها مع حاشية والده على الروضات.

* - حاشية « سمط اللئال في مسئلتى الوضع والاستعمال » طبعت.

* - حاشية « وقاية الأذهان » في علم الأصول: طبعت.

* - دروس في فقه الاماميّة ( كتاب الصلاة وكتاب الصوم ) وهي دروسه التي كان يلقيها على تلامذته في البحث المعروف بالخارج.

* - رسالتان في ترجمة والده ونفسه.

* - رسالة في ترجمة جده العلّامة الحاج الشيخ محمد حسين النجفي الاصفهاني « قده » كتبها بعنوان المقدمة لتفسيره ( طبعت ).

* - صرف أفعال، رسالة ألفها في صغره.

* - الفوائد الرضوية في شرح الفصول الغروية، أو حاشية على فصول عمه العلّامة الشيخ محمد حسين الاصفهاني في علم الأصول.

* - گل گلشن: انتخبها من منظومة ( گلشن راز ) للعارف المشهور الشيخ محمود الشبستري.

* - المختار من القصائد والاشعار، وهي الرسالة الثانية في هذه المجموعة.

* - مسائل العلوم.

* - اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرحمن، وهي الرسالة الأولى في هذه المجموعة.

نموذج من نثره :

هذا كتاب إلى نجله العلّامة الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي كتبه بتاريخ

٢٣

٢ / ١١ / ١٣٣٦ ش:

« ولدي العزيز، جعلني الله فداك وزرقك العزة والسعادة في آخرتك ودنياك وجعل من يحسدك وقاك وعمرك الله عمراً طويلا مع الصحة والسلامة وأبقاك. قد وصل كتابك وسررت كثيراً من بلاغة أسلوبه وفصاحة مرقومه، وخصوصاً الأشعار الرنانة التي كتبتم في الصفحة الثانية من كتابكم، ولاسيما أشعار أحمد شوقي وكذا ما ذكرتم في ترجمة الاشعار التي كتبتها إليكم، فقد أحسنتم كل الاحسان وأجدتم كل الاجادة، فلله دركم وعلى الله أجركم.

أمّا ماذكرتم في أوّل الكتاب من أن هذه الأشعار من لامية العرب فغير صحيح لأنها لاميّة العجم التي عارض بها لاميّة العرب. ولاميّة العجم للطغرائي وهو مؤيد الدين حسن بن علي بن محمد الطغرائي الاصفهاني المنشئ الدئلي من ولد أبي أسود الدئلي المقتول في سنة ٥١٥ خمس عشرة وخمسمائة بتهمة فساد العقيدة وقد جاوز ستين سنة في الحرب التي وقعت بين السلطان مسعود السلجوقي والسلطان محمود السلجوقي، فأخذ الطغرائي أسيراً وقتل صبراً وكان وزيراً للسلطان مسعود المذكور، وسمّي بالطغرائي لأنه كان متولياً ديوان الطغراء.

وأمّا ما ذكرتم في وصف لاميّة العرب وان قائلها الشنفري - إلى آخرما ذكرتم - فصحيح جداً وقد أجدتم في بيانها

وأرجو منك أن تبلغ سلامي وتحياتي إلى السيّدين السندين الموسوي(١) والنوربخش(٢) والشيخين الجليلين الحائري(٣) وابن الدين(٤) ».

__________________

١) هو السيّد مجتبى الموسوي صهر المصنف.

٢) هو العلّامة الاستاذ السيّد كمال الدين النور بخش.

٣) هو العلّامة الفيلسوف نجل المحقق الحائري الشيخ مهدي اليزدي.

٤) هو العلّامة الاستاذ الشيخ عبد الحسين ابن الدين.

٢٤

نموذج من شعره :

كان قليل الشعر انشاءاً وكثير الشعر نشاداً بحيث نقل عنه الشيخ محمد علي المعلّم الحبيب آبادي «ره» في كتابه « مكارم الاثار » أبياتاً لجدّه من طريق الأمّ السيّد محمد علي بن السيّد صدر الدين المعروف بآقا مجتهد ( ت ١٢٧٤ ) قال «ره» ما نصّه: « آقاى مجد العلماء (١٣٢٦) اين اشعار را از او نقل مى كرد:

محتسب مستان زمستان جام مى

تازه مستان از زمستان رسته اند

شيخ را از پارسائي چاره نيست

چون در ميخانه بروى بسته اند

باستشارهء مستان گسسته ام تسبيح

كجااست خوشه تاكى كه استخاره كنم(١)

وقال المترجم «ره» في بعض مصنفاته: « أيضا شعر عربى له طاب ثراه ( أي لشيخنا البهائي ):

قد صرفت العمر في قيل وقال

يا نديمى قم فقد ضاق المجال

وقد قلت في هذا المعنى على نهج شعره «ره»:

آنچه ندارد عوضى در جهان

عمر عزيز است غنيمت بدان

وترجم هذا البيت من لامية العجم:

لو كان في شرف المأوى بلوغ منى

لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل

بقوله:

اگر درمكان بود عزَّ وخوشى

هميشه بدى شمس أندر حمل

وترجم إلى الفارسية أيضا هذه الابيات من لامية العجم :

__________________

١) مكارم الاثار ٤ / ١٠٩٦.

٢٥

فان علاني من دوني فلا عجب

لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

فانما رجل الدنيا وواحدها

من لايعول في الدنيا على رجل

غاض الوفا وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخلف بين القول والعمل

بقوله:

اگر برترى جست پستر زمن

مرا اسوه باشد به شمس وزحل

يگانه رجل در جهان آن كس است

كه تعويل نارد بديگر رجل

همانا وفا رفت وغدر آمده است

مسافت بود بين قول وعمل

راجع كتاب « المختار من القصائد والأشعار » للمترجم له.

إمامته للجماعة :

كان يقيم الجماعة في المسجدين الأعظمين المزدحمين « مسجد نو » في سوق إصبهان و « مسجد الإمام » أكثر من أربعين عاماً.

واقتدى به جماعة كبيرة من مختلف الطبقات من وجوه الفضلاء والمتدينين والوجهاء.

اخلاقه الفاضلة :

كان مؤدَّباً بالاخلاق الإسلاميّة والاداب القرآنيّة متبعاً للتعاليم النبوية متأدباً بالأخلاق المحمدية، كما وصف الله تعالى نبيه الأكرم في كتابه الكريم بقوله

٢٦

عزّ من قائل: «انك لعلى خلق عظيم »(١) وكما قال النبيصلّى الله عليه وآله : « بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ».

وهو من غير ملق ومجاملة اقتدى بالنبي الأكرم والأئمة الهداة المهديين عليهم صلوات رب العالمين، ولذا كان محبوب القلوب ووجيه الملة عند جميع الطبقات من الخواص والعوام.

أولاده :

له اربعة ابناء وخمس بنات:

أمّا أبناؤه فأكبرهم العلّامة آية الله الحاج الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي وهو امام الجماعة في المسجدين المذكورين اللذين أقام الجماعة فيهما والده والمدرس في مختلف العلوم الاسلامية.

وثانيهم: المهندس محمد رضا النجفي.

وثالثهم: المهندس محمد النجفي أدام الله تعالى ايامهم وتوفيقاتهم.

ورابعهم: حسين النجفي، توفى وهو طفل في عام ١٣٣٢ ش.

وفاته ومدفنه :

توفي رحمه الله تعالى في صبيحة يوم الأربعاء عشرين من ذي الحجّة سنة ١٤٠٣ ق المطابق لسادس شهر مهر ١٣٦٢ ش في طهران، ونقل جثمانه الشريف إلى اصبهان فوصل إليها يوم الخميس وغسل في بيته ثم شيع تشييعاً ضخماً إلى مسجد الإمام ومنها إلى مسجد « نو » ( الذي بناه جده الاكبر العلّامة الفقيه الرئيس آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد باقر النجفي الاصفهاني من تلاميذ الشيخ

__________________

١) سورة القلم: ٠٤.

٢٧

الاعظم الأنصاريرحمه الله ) بعد أن تعطلت الأسواق ودفن هناك في إيوان الشمال الشرقي، رحمة الله عليه رحمة واسعة.

ومن طريف البيان، ان سمع منه انه كان يقول: « نعم اليوم يوم الأربعاء » ولعله كان يشير إلى هذا البيت الفارسي:

خرم آن روز كه زين منزل ويران بروم

پى جانان طلبم در پى آنان بروم

تسلية المراجع بوفاته :

لما انتشر نبأ وفاته في البلاد بواسطة الراديو والتلفزيون والجرائد، انهالت برقيات كثيرة إلى نجله من علماء البلاد والمراجع العظام، تعزية بالمصاب الجلل وتسلية له ولسائر الاسرة، وممن أبرق:

١ - آية الله العظمى الإمام الخميني مد ظله العالي

٢ - آية الله العظمى السيّد ابوالقاسم الموسوي الخوئي مد ظله العالي

٣ - آية الله العظمى الحاج الشيخ حسينعلي المنتظري مد ظله العالي

٤ - آية الله العظمى السيّد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني مد ظله العالي

٥ - آية الله العظمى السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي مد ظله العالي

٦ - آية الله العظمى المرحوم السيّد عبد الله الشيرازي طاب ثراه

مراثيه :

رثاه جمع من العلماء والشعراء بما جادته به قريحتهم من المراثي بالعربية والفارسية، وإليك نماذج من تلك المراثي:

٢٨

١ - منهم العلّامة الحجّة الحاج السيّد مجتبى الصادقي أدام الله ايامه بأبيات أرخ فيها سنة الوفاة ايضا:

لهفي لموت البطل العليم

ذي المجد ثم الحسب القديم

أف لدهر يقنطف ثمر الهدى

من دوحة العلم ذي النسب الكريم

فأردت ان اورخ عام وفاته

ليكون تذكرة الاخلاف والحميم

ألحق إلى المجموع سبعاً ثم قل

«نرجو لمجد العلم مثوى في النعيم»

( ١٣٦٢ش )

٢ - ومنهم الأديب الاستاذ علي المظاهري، قال في ابيات بالفارسية:

مجد العلماء ومجد دين رفت

آن عالم عالم يقين رفت

آن مظهر زهد وپارسائى

آن رهبر راه راستين رفت

از مجمع عالمان معلم

از حلقه زاهدان نگين رفت

محراب نشين مسجد نو

بر منبر عرش از زمين رفت

آن دم كه از اين جهان به جنت

آن پاك نهاد پاك بين رفت

تاريخ وفات او رقم شد

«رونق ده علم وحصن دين رفت»

(١٣٦٢ش)

والشطر الاخير الذي نظم فيه التاريخ هو للاستاذ الاديب السيّد قدرت الله الهاتفي وفقه الله تعالى.

٣ - ومنهم الاديب الاستاذ الجمشيدى بقوله بالفارسية:

عالمى چون بگذرد از روزگار

عالمى گريان شود بى اختيار

از وجود عالمان دين بود

نظم اين گردنده گيتى بر قرار

هر كه شد با عالمان دين قرين

شد بدور زندگانى كامكار

٢٩

ملت ايران از اين دانشوران

يافت در دور جهانى اقتدار

رهبران دين ز جانبازى خويش

خوش بر آوردند از دشمن دمار

مجد دين مجد شرف مجد كمال

بود عمرى در ره حق استوار

تا كه از جمع عزيزان شد جدا

قلب أهل دين شد از غم داغدار

گرچه آن بحر كمال ومعرفت

رفته او از عالم ناپايدار

مانده از او شاخه هاى بارور

در جهان علم ودانش يادگار

اين مصيبت را به أهل علم ودين

خاصه بر آن رهبر والا تبار

تسليت گوييم وداريم آرزو

عمرشان باشد به گيتى پايدار

خاندانش را بخواهم تا ابد

در پناه حضرت پروردگار

٤ - ومنهم الشاعر البارع الاستاذ فضل الله اعتمادى ( برنا ):

مجد العلماء كه مجد دين نامش بود

حب حق وحب دين مى جامش بود

آن حبر كه كسب فضل وتدريس علوم

رسم وروش وسيرت مادامش بود

آن عالم عاملى كه روحانيت

سنخيت خاندان واقوامش بود

آن مجتهد مسلمى كاندر فقه

داراى اجازات ز اعظامش بود

هم زاده از كياى دانش بابش

هم وارث رهبران دين مامش بود

هم حب بتول ومرتضى داشت بدل

هم حامى مصطفى واسلامش بود

٣٠

مهر حسن وحسين واولاد حسين

چون جان وروان بجسم واندامش بود

در بندگى خدا لياليش گذشت

تعليم وهدايت كار ايامش بود

در هر عمل خير كه ميكرد قيام

كوشا زدل وجان پى اتمامش بود

نه فكر فريب خلق در سر پرورد

نه ميل به پيرروى اوهامش بود

نه ظلم وستم كسى در اعمالش ديد

نه نقص وخلاف وغش در احكامش بود

هر جا كه شدى ز كثرت حسن سلوك

هر كس پى احترام واكرامش بود

گفت ارجعى دعوت حق را لبيك

چون وقت فرا خواندن واعزامش بود

برنا پى تاريخ وفاتش بنوشت

بيتى كه بشمسى جمع ارقامش بود

(مجد العلماء كه مجد دين نامش بود

حب حق وحب دين مى جامش بود)

( ١٣٦٢ ش )

٣١

مصادرالترجمة :

ترجمته بقلمه - امجدية. الطبعة الثالثة / ١١ - ٣٤.

تاريخ علمى واجتماعى اصفهان در دو قرن اخير (بيان سبل الهداية فى ذكر أعقاب صاحب الهداية) المجلد الثانى والثالث.

دانشمندان وبزرگان اصفهان / ٣٢٩.

گنجينهء دانشمندان ٥ / ٣٨٤ - ٣٨٦.

مكارم الاثار ٤ / ١٠٩٦.

نقباء البشر ٢ / (ع)٥٣.

جريدة (عرفان) شهر فروردين ١٣٢٢ ش.

٣٢

٣٣

اليواقيت الحسان

في تفسير سورة الرحمن

٣٤

٣٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله بارىء النسَم وخالق العالم، الذي أوجدنا من كتم العدم، والصّلاة والسّلام على المنقذ الأعظم، والنبى الأفخم، والرسول الأكرم، سيّد ولد آدم، وعلى إله الأئمّة الأطهار، هداة الأمم ومفاتيح الظلم.

وبعد: يقول المفتقر إلى رحمة ربِّ العالمين العبد المسكين مجد الدين ابن العلّامة جامع المعقول والمنقول أبي المجد الشيخ محمد الرضا النجفي طاب الله ثراه وجعل الجنّة مثواه:

سألني بعض الاخوان عن سرّ تكرير الآية الشريفة في سورة الرحمن، فأجبته جواباً كافياً بازاحة ما خلج بباله شافياً - فالتمس مني أن أذكر ذلك في كتاب، وأن أضيف إليه تفسير هذه السورة المباركة في ضمن فصول وأبواب، فنكلت عن ذلك زمانا وأخرت الاقدام على ذلك أوانا، علما مني بأنّا في زمان كثر فيه العناد وظهر فيه الفساد واتخذ أهله اللغو عادة واللهو سعادة والجهل علما والخديعة فخرا، وسكن الأفاضل زوايا الخمول وقربت شمس الهداية على الأفول.

٣٦

لما رأيت الجهل في الناس فاشيا

تجاهلت حتّى ظن أني جاهل

فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص

ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل

ولما طال الحافه في ذلك واصرّ على ذلك أجبته إلى مسئوله في نيل مأموله وسميته ( اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرّحمن ).

ونسأل الله الكريم المنّان بحرمة رسوله نبي الرحمة وآله البررة أولياء الرحمن صلوات الله عليهم والرضوان أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم وذخري ليوم الدين، وأن ينفعني به واخواني المؤمنين، إنّه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير، عليه توكّلت وإليه أنيب.

وهذا أوان الشروع في المقصود متوكّلا على الله الملك المعبود:

٣٧

مقدمة

( في إعجاز القرآن )

القرآن العظيم والفرقان الكريم امتاز عن سائر معجزات نبينا المنقذ الأعظم صلّى الله عليه وآله - على كثرتها - بأنّه المعجزة الباقية على مر الدهر وصفحات الأيّام، فهو باق في كل زمان ومكان، ولايختص بعصر الرسالة كما لا اختصاص له بقرن دون قرن ومكان دون مكان، ينادي اليوم كما نادى أوّلا في الجوامع والمجامع التى اجتمعت الإنس والجن «على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا »(١) .

وتحدّى المرسل به صلّى الله عليه وآله ودعا فصحاء العرب من مصفى خطبائها وفحوا شعرائها، فقال بتعليم الله تعالى له: «فأتوا بسورة من مثله »(٢) «فأتوا بعشر سور مثله مفتريات »(٣) ، فنكصوا على أعقابهم خائبين وظهر عجزهم للعالمين، واختاروا اللئام على الكلام والقتال على المقال، لعلمهم بأنّه معجز للبشر

__________________

١) سورة الاسراء: ٨٨.

٢) سورة البقرة: ٢٣.

٣) سورة هود: ١٣.

٣٨

ولجأوا إلى الافتراء فقالوا: «ان هذا الا سحر يؤثر »(١) .

القرآن أكبر معجزة باقية إلى الان في جميع الأصقاع والبلدان، معجزة من الوجهة التاريخية، معجزة من جهة الاحتجاج، معجزة من وجهة التشريع العادل ونظام المدنية، معجزة من وجهة الاستقامة والسلامة من الاختلاف والتناقض، معجزة من الوجهة الاخلاقية، معجزة في اخباره عن المغيبات، معجزة من الوجهة العلمية(٢) .

فان الفلكي لما يتلو قوله تعالى «الم نجعل الأرض مهادا »(٣) أو قوله تعالى «وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرمر السحاب »(٤) يتعجب كيف قال القرآن العظيم بتحرك الأرض ودورانها على نفسها منذ أربعة عشر قرنا تقريبا بينما كانت الهيئة البطلميوسية قائلة بسكون الأرض ودوران الأجرام. وكذلك المجسطي المرجع الوحيد والمعوّل عليه في تعليم الهيئة والفلك قبل ذهاب غاليلة وكبرنيك وأضرابهما إلى ذلك الرأي بقرون وأجيال، وقد حبس غاليلة في أروبا لقوله بتحرّك الأرض وحكم البابا بكفره لقوله بذلك وأنّ زعمه ينافي العهدين القديم والجديد.

هذا في أرقى ممالك ذلك العصر، أعني المملكتين الشرقية والغربية ( الفرس والروم )، وأمّا الجزيرة العربية فلم تعرف حتّى هذه الفلسفة ولاعلمت حتّى هذه النظريّة ولاسمعت إسم بطلميوس ولا جالينوس ولا أفلاطون وأرسطاطاليس، ولاعرفت من الظواهر الطبيعية إلّا أنَّ الحرّ في الصيف شديد وفي الشتاء تقل حرارة الهواء، يغزو أهلها بعضهم بعضا ويقتل ويسلب بعضهم بعضا، يوؤدون البنات ويأكلون

__________________

١) سورة المدثر: ٢٤.

٢) راجع لتفصيل البحث إلى مقدمات آلاء الرحمن فى تفسير القرآن.

٣) سورة النبأ: ٦.

٤) سورة النمل: ٨٨.

٣٩

الحيات يقال: إنّه سئل بعضه عن مأكله ومشربه؟ فأجاب بأنّاً نأكل كلّما دبّ ودرج إلّا [ ](١) أوالجبل.

نعم، برع بينهم في العصر الجاهلي شعراء أذكياء، ولكن في الفصاحة الطبيعية والمعاني الساذجة ووصف الغمراء والبيداء ومدح المرأة الحسناء، لا في المعاني الدقيقة والحقائق العلميّة.

أمّا في الدولتين السابقتين الحكمة على المسكونة فقد ظهر فيهم أيضا ما يشين وجه التاريخ من العادات الفاسدة والاراء الكاسدة، ولا نطول الكلام بالتفصيل بل نقنع بالاشارة إليها.

في ذلك الظلام الدامس والوحشية السوداء وتلك الجزيرة البعيدة عن المدنية والبلاد القاحلة، نزل القرآن المبين على قلب سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الطاهرين، ناطقا بالحقائق العلمية وادق الاراء الفلسفية واصح المذاهب النظرية والحق الأبلج من المطالب الدينية، فنهضت تلك الأمّة المغلوبة على أمرها ببركة القرآن [ ](٢) وفتحت الشرق والغرب والشمال والجنوب، ووصلت جنودها واعلامها إلى حدود الصين من جهة والى المحيط [ الأطلسي ] من جهة أخرى، فتحوا البلاد الأندلسية والممالك الساحلية على المحيط الغربى وفتح المسلمون بعد ذلك بلاد روسيا وممالك بلغانيا والقسم الاعظم من أروبا، فصارت تلك الأمّة الوحشية أرقى الأمم وسيد العالم، ونبغ بينهم علماء وفلاسفه أذكياء، واسسوا المجامع العلمية والمعاهد المدرسية ومدنية راقية، وعلى أثره والاقتباس منه ظهر التمدن الحديث على أعلامها، ولكن تلك كانت خالية من هذه الويلات وتلك العيوبات و(٣) .

نعم، ان القرآن أوحي على محمد النبي صلّى الله عليه وآله وكانت معجزته

__________________

١ و ٢ ) كلمات لاتقرأ.

٣ ) خرجنا عما هو المقصود والشىء يذكر. منهرحمه الله .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وليس في تاريخ هذا الشرق ولا في غيره حاكم كالإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في عدله ونزاهته ، وإيثاره للحقّ على كلّ شيء ، فقد كان ـ فيما أجمع عليه المؤرّخون ـ لمْ يخضع لأيّة نزعة عاطفية ، ولمْ يستجب لأي هوى مطاع ، وإنّما سار على الطريق الواضح والمنهج السليم الذي سلكه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يحاب ولمْ يداهن في دينه ، وتبنّى النصح الخالص لجميع المسلمين ، وقد حاول جاهداً أيّام حكومته أنْ يرفعَ راية الإسلام ويحقّق مبادئه التي كان منها رفع الحيف والظلم ، ومنع الاستغلال ، وإزالة الفوارق بين أبناء المسلمين.

وكان مِن أعظم ما عنى به وضع أموال الدولة في مواضعها ، فلمْ ينفقَ أيّ شيء منها إلاّ على مرافقها التي عيّنها الإسلام ، وما تاجر بها ، ولو اشترى بها العواطف والضمائر ـ كما كان يفعل معاوية ـ لما تنكّر عليه النفعيون في جيشه ، كالأشعث بن قيس وغيره مِن أقطاب الخيانة والعمالة. لقد احتاط في أموال الدولة كأشدّ ما يكون الاحتياط ، وأجهد نفسه وحمّلها مِنْ أمره رهقاً مِنْ أجل أنْ يبسط العدل الاقتصادي بين الناس.

يقول عبد الله بن رزين : دخلت على علي (عليه السّلام) يوم الأضحى ، فقرّب إلينا حريرة ، فقلت له : أصلحك الله! لو قرّبت إلينا مِن هذا البط فإنّ الله قد أكثر الخير. فقال : «يا بن رزين ، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : لا يحلّ لخليفة مِن مال الله إلاّ قصعتان ؛ قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين يدي الناس»(١) .

وقد نقم على سياسته كلّ مَنْ استسلم لدوافع المادة وشهواتها ، فراحوا يعملون جاهدين للإطاحة بحكومته ، وتشكيل حكومة تضمن مصالحهم الاقتصادية والسياسية. ومِن المؤكد أنّ الإمام (عليه السّلام) كان يعلم كيف يجلب له الطاعة ، وكيف يبسط

__________________

(١) جواهر المطالب ـ شمس الدين أبو البركات / ٤٣ ، مِن مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

١٠١

سلطانه ونفوذه على اُولئك الذين نقموا عليه ، ولكن ذلك لا يتم إلاّ بأنْ يداهن في دينه ، فيوارب ويخادع ، ويعطي المال في غير حقّه ، فيكون كبقية عشّاق المُلْك والسلطان. ومِن الطبيعي إنّ الانحراف عن الحقّ والمتاجرة بمصالح الأُمّة ممّا يأباه علي (عليه السّلام) ، وتأباه مُثُلُه العليا ، فلا السلطة تغريه ، ولا اجتماع الناس حوله تزيده عزّة ، ولا تفرّقهم عنه تزيده وحشة كما كان يقول.

لقد كان الإمام (عليه السّلام) يؤمن إيماناً خالصاً بالدين ، ويرى مِن الضرورة أنْ يكون هو المسيطر على قلوب الناس وتفكيرهم ، وأنْ لا يكون هناك أيّ ظلّ للمنافع والأهواء. وممّا لا شك فيه أنّ هذا النوع الخالص مِن الإيمان لمْ يتحقّق إلاّ للقلة القليلة مِن أصحابه ، كحِجْر بن عدي ، ومالك الأشتر ، وعدي بن حاتم ، وميثم التمّار ونظرائهم ممّن تغذّوا بهديه ، وهم الذين قرؤوا القرآن فأحكموه ، وتدبّروا الفرض فأقاموه ، وأحيوا السُنّة وأماتوا البدعة على حدّ تعبيره. أمّا الأكثرية الساحقة مِن جيشه وشعبه ، فإنّهم لمْ يعوا أهدافه ومبادئه ، وجهلوا القيم العليا في سياسته المشرقة التي كانت تهدف إلى ضمان حقوق المظلومين والمضطهدين.

لقد تحرّج الإمام (عليه السّلام) في سلوكه السياسي ، فأخضع سياسته العامّة للقيم الدينية والخلقية ؛ فبسط الحقّ بجميع رحابه ومفاهيمه ، ولمْ يعد أي نفوذ للأقوياء ، ولا سلطان للرأسمالية القرشية التي كانت تعتبر السواد بستاناً لقريش. وقد هبّت القوى المنحرفة عن الحقّ في وجه الإمام (عليه السّلام) فأشعلت نار الحرب ، وأوقفت مسيرة الإمام (عليه السّلام) في تطبيق العدل الاجتماعي ، ووضعت السدود والحواجز في طريقه.

وقد وقف الإمام العظيم ملتاعاً حزيناً ، قد احتوشته ذئاب الإثرة والاستغلال ، وتناهبت مشاعره الأحداث المُفزعة التي تواكبت عليه ، وكان مِن أفجعها الفتن الداخلية التي كانت تثيرها الخوارج ، الذين كانوا يعيشون معه ، وهم يجاهرونه بالعداء ، وينشرون الفتن والاختلاف ، ويتربصون

١٠٢

الفرص للخروج عليه.

مؤتمرُ مكة :

ونزح فريق مِن الخوارج إلى مكة فعقدوا فيها مؤتمراً ، عرضوا فيه مصارع إخوانهم الذين قتلوا في النهروان ، كما عرضوا فيه الأحداث الجسام التي يواجهها العالم الإسلامي والتي أدّت إلى اختلافه وتفكّكه ، وعزوها إلى ثلاث ـ حسب ما يزعمون ـ : الإمام علي ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص.

وقد عقدوا النيّة بعد تبادل الرأي على القيام باغتيالهم ، وانبرى لتنفيذ هذا المخطط كلّ مِنْ.

١ ـ عبد الرحمن بن ملجم : تعهد بقتل الإمام علي (عليه السّلام).

٢ ـ الحجّاج بن عبد الله الصريمي : تعهد بقتل معاوية.

٣ ـ عمرو بن بكر التميمي : التزم بقتل ابن العاص.

وقد اتفقوا على القيام بعملية الاغتيال في ليلة الثامن عشر مِن رمضان ، ساعة خروج هؤلاء الثلاثة إلى صلاة الصبح ، وقد أقاموا بمكة أشهراً ، واعتمروا في رجب ، ثمّ تفرّقوا وقصد كلّ واحد لتنفيذ ما عهد إليه.

رأيٌ رخيص :

مِن الآراء الزائفة التي تحملها بعض الكتب ما ذهب إليه الدكتور (بديع شريف) مِن اتّهام الفرس بقتل علي(١) ، وهل وقف الدكتور على نسب ابن ملجم وأنّه كان فارسياً؟! أليس هو مِن مراد إحدى القبائل

__________________

(١) الصراع بين الموالي والعرب / ٣٢ ـ ٣٣.

١٠٣

العربية التي كانت تقطن في الكوفة؟! وعلّق الدكتور نوري جعفر على هذا الرأي بقوله : ومَنْ يدري! فلعلّ حبّ الفرس لعلي هو الذي جعل هؤلاء الكتّاب يبغضونهم ، ويكيلون لهم التهم بغير حساب(١) .

اشتراكُ الاُمويِّين في المؤامرة :

وذكر المؤرّخون هذا الحادث الخطير بشيء كثير مِن التحفّظ ، فلمْ يكشفوا النقاب عن أبعاده ، والذي نراه في كثير مِن الترجيح أنّ المؤامرة لمْ تكن مقتصرة على الخوارج ، وإنّما كان للحزب الاُموي ضلع كبير فيها ، والذي يدعم ذلك ما يلي :

١ ـ أنّ أبا الأسود الدؤلي ألقى تبعة مقتل الإمام (عليه السّلام) على بني اُميّة ، وذلك في مقطوعته التي رثا بها الإمام (عليه السّلام) ، فقد جاء فيها :

ألا أبلغ معاويةَ بنَ حربٍ

فلا قرّت عيونُ الشامتينا

أفي شهر الصيامِ فجعتمونا

بخيرِ الناس طُرّاً أجمعينا

قتلتُمْ خيرَ مَنْ ركب المطايا

ورحّلها ومَنْ ركب السفينا(٢)

ومعنى هذه الأبيات أنّ معاوية هو الذي فجع المسلمين بقتل الإمام (عليه السّلام) ، الذي هو خير الناس ، فهو مسؤول عن إراقة دمه. ومِن الطبيعي أنّ أبا الأسود لمْ ينسب هذه الجريمة لمعاوية إلاّ بعد التأكد منها ، فقد كان الرجل متحرّجاً أشدّ التحرّج فيما يقول.

٢ ـ أنّ القاضي نعمان المصري ، وهو مِن المؤرّخين القُدامى ، قد ذكر قولاً في أنّ معاوية هو الذي دسّ ابن ملجم لاغتيال الإمام (عليه السّلام) ، قال ما نصه :

__________________

(١) الصراع بين الموالي ومبادئ الإسلام / ١٠٣.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ١٩٨.

١٠٤

وقيل : إنّ معاوية عامَلَه ـ أي عامل ابن ملجم ـ على ذلك ـ أي على اغتيال الإمام (عليه السّلام) ـ ودسّ إليه فيه ، وجعل له مالاً عليه(١) .

٣ ـ وممّا يؤكد اشتراك الحزب الاُموي في المؤامرة هو أنّ الأشعث بن قيس قد ساند ابن ملجم ، ورافقه أثناء عملية الاغتيال ، فقد قال له : النجا فقد فضحك الصبح. ولمّا سمعه حِجْر بن عدي صاح به : قتلته يا أعور! وكان الأشعث مِن أقوى العناصر المؤيدة للحزب الاُموي ، فهو الذي أرغم الإمام (عليه السّلام) على قبول التحكيم ، وهدّد الإمام (عليه السّلام) بالقتل قبل قتله بزمان قليل ، كما كان عيناً لمعاوية بالكوفة.

إنّ المؤامرة ـ كما يقول الرواة ـ قد أُحيطت بكثير مِن السرّ والكتمان ، فما الذي أوجب فهم الأشعث ودعمه لها لولا الإيعاز إليه مِن الخارج؟!

٤ ـ إنّ مؤتمر الخوارج قد انعقد في مكة أيّام موسم الحجّ ، وهي حافلة ـ مِن دون شك ـ بالكثيرين مِن أعضاء الحزب الاُموي الذين نزحوا إلى مكة لإشاعة الكراهية والنقمة على حكومة الإمام (عليه السّلام) ، وأغلب الظنّ أنّهم تعرّفوا على الخوارج الذين كانوا مِن أعدى الناس للإمام (عليه السّلام) ، فقاموا بالدعم الكامل لهم على اغتيال الإمام (عليه السّلام).

وممّا يساعد على ذلك أنّ الخوارج بعد انقضاء الموسم أقاموا بمكة إلى رجب ، فاعتمروا في البيت ، ثمّ نزحوا إلى تنفيذ مخططهم ، فمِن المحتمل أنْ يكونوا في طيلة هذه المدّة على اتصال دائم مع الحزب الاُموي ، وسائر الأحزاب الاُخرى المناهضة لحكم الإمام (عليه السّلام).

٥ ـ والذي يدعو إلى الاطمئنان في أنّ الحزب الاُموي كان له الضلع الكبير في هذه المؤامرة ، هو أنّ ابن ملجم كان معلّماً للقرآن(٢) ،

__________________

(١) المناقب والمثالب ـ القاضي نعمان المصري / ٩٨ ، مِن مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم.

(٢) لسان ميزان ٣ / ٤٤٠.

١٠٥

وكان يأخذ رزقه مِن بيت المال ، ولمْ تكن عنده أيّة سعة مالية ، فمِنْ أين له الأموال التي اشترى بها سيفه ـ الذي اغتال به الإمام (عليه السّلام) ـ بألف وسمّه بألف؟! ومِنْ أين له الأموال التي أعطاها مهراً لقطام ، وهو ثلاثة آلاف وعبد وقَينة؟! كلّ ذلك يدعو إلى الظنّ أنّه تلقّى دعماً مالياً مِن الاُمويِّين إزاء قيامه باغتيال الإمام (عليه السّلام).

٦ ـ وممّا يؤكد أنّ ابن ملجم كان عميلاً للحزب الاُموي هو أنّه كان على اتصال وثيق بعمرو بن العاص ، وزميلاً له منذ عهدٍ بعيدٍ ؛ فإنّه لمّا فتح ابن العاص مصر كان ابن ملجم معه ، وكان أثيراً عنده ، فقد أمره بالنزول بالقرب منه(١) .

وأكبر الظنّ أنّه أحاط ابن العاص علماً بما اتفق عليه مع زميليه مِن عملية الاغتيال له وللإمام (عليه السّلام) ومعاوية ؛ ولذا لمْ يخرج ابن العاص إلى الصلاة ، وإنّما استناب غيره ، فلم تكن نجاته وليدة مصادفة ، وإنّما جاءت وليدة مؤامرة حيكت اُصولها مع ابن العاص.

هذه بعض الاُمور التي توجب الظنّ باشتراك الحزب الاُموي في تدبير المؤامرة ودعمها.

اغتيالُ الإمام (عليه السّلام) :

وأطلّ على المسلمين شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن ، وقد كان الإمام (عليه السّلام) على يقين بانتقاله إلى حظيرة القدس في بحر هذا الشهر العظيم ، فكان يجهد نفسه ويرهقها على أنْ يفطر على خبز الشعير وجريش الملح ، وأنْ لا يزيد على ثلاث لقم ـ حسب ما يقوله المؤرّخون ـ ، وكان يُحيي ليالي هذا الشهر بالعبادة.

ولمّا أقبلت ليلة الثامن عشر أحس الإمام (عليه السّلام) بنزول الرزء القاصم ،

__________________

(١) لسان ميزان ٣ / ٤٤٠.

١٠٦

فكان برماً تساوره الهموم والأحزان ، وجعل يتأمل في الكواكب ، وهي مرتعشة الضوء كأنّها ترسل أشعة حزنها إلى الأرض ، وطفق يقول :

«ما كذبتُ ولا كُذّبت ، إنّها الليلة التي وُعِدْتُ فيها».

وأنفق الإمام (عليه السّلام) ليله ساهراً ، وقد راودته ذكريات جهاده وعظيم عنائه في الإسلام ، وزاد وجيبه وشوقه لملاقاة ابن عمّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ ليشكو إليه ما عاناه مِن أُمّته مِن الأود. وتوجّه الإمام (عليه السّلام) بمشاعره وعواطفه إلى الله يطلب منه الفوز والرضوان ، وقبل أنْ تشرق أنوار ذلك الفجر ـ الذي دام في ظلامه على البؤساء والمحرومين ـ انطلق الإمام (عليه السّلام) فأسبغ الوضوء ، وتهيّأ إلى الخروج مِن البيت ، فصاحت في وجهه وزّ ، كأنّها صاحب ملتاعة حزينة ، تُنذر بالخطر العظيم الذي سيدهم أرض العرب والمسلمين.

وتنبّأ الإمام مِن لوعتهن بنزول القضاء ، فقال : «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، صوائح تتبعها نوائح»(١) . وخرج الإمام (عليه السّلام) إلى بيت الله ، فجعل يوقظ الناس على عادته إلى عبادة الله ، ثمّ شرع في صلاته ، وبينما هو ماثل بين يدي الله وذكره على شفتيه إذ هوى عليه المجرم الخبيث عبد الرحمن بن ملجم ، وهو يهتف بشعار الخوارج : (الحكم لله لا لك) ، فعلا رأس الإمام (عليه السّلام) بالسيف فقدّ جبهته الشريفة التي طالما عفّرها بالسجود لله ، وانتهت الضربة الغادرة إلى دماغه المقدّس الذي ما فكّر فيه إلاّ في سعادة الناس ، وجمعهم على صعيد الحقّ. ولمّا أحسّ الإمام (عليه السّلام) بلذع السيف انفرجت شفتاه عن ابتسامة ، وانطلق صوته يدوّي في رحاب الجامع قائلاً : «فزتُ وربِّ الكعبة».

لقد كنتَ يا أمير المؤمنين أوّل الفائزين ، وأعظم الرابحين

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٢٩١.

١٠٧

بمرضاة الله ، فقد سايرتَ الحقّ منذ نعومة أظفارك ، فلمْ تداهن في دينك ، ولمْ تؤثر رضا أحدٍ على طاعة الله ، قد جاهدتَ وناضلتَ مِن أجل أنْ تعلو كلمة الله في الأرض ، ووقيتَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بنفسك ومُهجتك. لقد فزتَ ، وانتصرتْ مبادئك ، وبقيتَ أنت وحدك حديث الدهر بما تركته مِن سيرةٍ مشرقةٍ أضاءت سماء الدنيا ، وغذّت الأجيال بجوهر الحقّ والعدل.

وخفّ الناس مسرعين إلى الجامع حينما أُذيعَ مقتل الإمام (عليه السّلام) ، فوجدوه طريحاً في محرابه وهو يلهج بذكر الله ، قد نزف دمه. ثمّ حُمل إلى داره والناس تعجّ بالبكاء ، وهم يهتفون ـ بذوب الروح ـ : قُتلَ إمام الحقّ والعدل! قُتِلَ أبو الضعفاء وأخو الغرباء! واستقبلته عائلته بالصراخ ، فأمرهنَّ (عليه السّلام) بالخلود إلى الصبر. وغرق الإمام الحسن (عليه السّلام) بالبكاء ، فالتفت إليه الإمام (عليه السّلام) قائلاً : «يا بُني ، لا تبكِ فأنت تُقْتَلُ بالسمّ ، ويُقْتَلُ أخوك الحُسين بالسيف». وتحقّق تنبّؤ الإمام (عليه السّلام) ، فلمْ تمضِ حفنةٌ مِن السنين وإذا بالحسن (عليه السّلام) اغتاله معاوية بالسمّ فذابت أحشاؤه ، وأمّا الحُسين (عليه السّلام) فتناهبت جسمه السيوف والرماح ، وتقطّعت أوصاله على صعيد كربلاء.

ويقول المؤرّخون : إنّ الإمام الحُسين (عليه السّلام) لمْ يكن حاضراً بالكوفة حينما اغتيل أبوه ، وإنّما كان في معسكر النخيلة قائداً لفرقة مِن الجيش الذي أعدّه الإمام (عليه السّلام) لمناجزة معاوية ، وقد أرسل إليه الإمام الحسن (عليه السّلام) رسولاً يعرّفه بما جرى على أبيه ، فقفل راجعاً إلى الكوفة وهو غارق بالأسى والشجون ، فوجد أباه على حافّة الموت ، فألقى بنفسه عليه يوسعه تقبيلاً ، ودموعه تتبلور على خديه.

١٠٨

وأخذ الإمام العظيم يوصي أولاده بالمُثل الكريمة والقيم الإنسانية ، وعهد إليهم أنْ لا يقتلوا غير قاتله ، وأنْ لا يتّخذوا مِنْ قتله سبباً لإثارة الفتنة وإراقة الدماء بين المسلمين ، كما فعل بنو اُميّة حينما قُتِلَ عميدهم عثمان.

الى رفيق الاعلى :

وأخذ الإمام (عليه السّلام) يعاني آلام الاحتضار وهو يتلو آيات الذكر الحكيم ، وكان آخر ما نطق به قوله تعالى : «لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ ». ثمّ فاضت روحه الزكية تحفّها ملائكة الرحمن ، فمادت أركان العدل في الأرض ، وانطمست معالم الدين. لقد مات ملاذ المنكوبين والمحرومين ، الذي جهد نفسه أنْ يقيم في ربوع هذا الكون دولة تكتسح الإثرة والاستغلال ، وتقيم العدل والحقّ بين الناس.

وقام سبطا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بتجهيز أبيهما ، فغسّلا جسده الطاهر وأدرجاه في أكفانه ، وفي الهزيع الأخير مِن الليل حملوه إلى مقرّه الأخير فدفنوه في النجف الأشرف ، وقد واروا معه العدالة الاجتماعية والقيم الإنسانية.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية لمّا وافاه النبأ بمقتل الإمام (عليه السّلام) فرح ، واتّخذ يوم قتله عيداً رسمياً في دمشق ، فقد تمّت بوارق آماله ، وتمّ له اتّخاذ المُلْك وسيلة لاستعباد المسلمين ، وإرغامهم على ما يكرهون.

متاركُ حكومة الإمام (عليه السّلام) :

وتركت حكومة الإمام (عليه السّلام) آثاراً بالغة الأهميّة والخطورة في المجتمع الإسلامي ، ولعلّ مِن أهمها ما يلي :

١٠٩

١ ـ أنّها أبرزت الواقع الإسلامي بجميع طاقاته في عالم السياسة والحكم ، فقد كان الإمام (عليه السّلام) يهدف في حكمه إلى إزالة الفوارق الاجتماعية بين الناس ، وتحقيق الفرض المتكافئة بينهم على اختلاف قومياتهم وأديانهم ، ومعاملة جميع الطوائف بروح المساواة والعدالة فيما بينهم مِن دون أنْ تتمتّع أي طائفة بامتيازٍ خاصٍ. وقد أوجدت هذه السياسة للإمام (عليه السّلام) رصيداً شعبياً هائلاً ، فقد ظلّ علي (عليه السّلام) قائماً في قلوب الجماهير الشعبية بما تركه مِنْ صنوف العدل والمساواة ، وقد هام بحبّه الأحرار ، ونظروا إليه كأعظم مصلح اجتماعي في الأرض ، وقدّموه على جميع أعلام تلك العصور.

يقول أيمن بن خريم الأسدي مخاطباً بني هاشم ، وعلى رأسهم الإمام (عليه السّلام) :

أأجعلُكمْ وأقواماً سواءً

وبينكُمُ وبينهمُ الهواءُ

وهمْ أرضٌ لأرجلِكُمْ وأنتمْ

لأرؤوسِهمْ وأعينِهم سماءُ(١)

٢ ـ أنّ مبادئ الإمام (عليه السّلام) وآراءه النيّرة ظلّت تطارد الاُمويِّين وتلاحقهم في قصورهم ، فكانوا ينظرون إليها شبحاً مُخيفاً يُهدّد سلطانهم ، ممّا جعلهم يفرضون سبّه على المنابر ؛ للحطّ مِن شأنه ، وصرْف الناس عن قِيَمه ومبادِئه.

٣ ـ أنّ حكومة الإمام (عليه السّلام) التي رفعت شعار العدالة الاجتماعية الكبرى قد جرّت لأبنائه كثيراً مِن المشاكل والمصاعب ، وألحقت بهم التنكيل والقتل مِن حكّام عصرهم ، وقد تنبّأ النّبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بذلك ، فقد روى أبو جعفر الإسكافي أنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السّلام) فوجد عليّاً (عليه السّلام) نائماً ، فذهبت لتوقظه ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : «دعيه ، فرُبّ سهرٍ له بعدي طويل ، ورُبّ جفوةٍ لأهل بيتي مِنْ أجله». فبكت فاطمة (عليها السّلام) ، فقال لها : «لا تبكي فإنّه معي ، وفي موقف الكرامة عندي»(٢) .

__________________

(١) الأغاني ١ / ٢١.

(٢) شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٧.

١١٠

لقد أمعن الحكم الاُموي والعباسي في ظلم أبناء الإمام (عليه السّلام) ؛ لأنّهم تبنَّوا حقوق المظلومين والمضطهدين ، وتبنَّوا المبادئ العليا التي رفع شعارها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فناضلوا كأشدّ ما يكون النضال في سبيل تحقيقها على مسرح الحياة.

وكان مِن أشدّ أبناء الإمام (عليه السّلام) حماساً واندفاعاً في حماية مبادئ أبيه الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد انطلق إلى ساحات الجهاد عازماً على الموت ، آيساً مِن الحياة ؛ ليحمي مبادئ جدّه وأبيه ، ويرفع راية الإسلام عاليةً خفّاقة ، وينكّس أعلام الشرك والإلحاد ، ويحطّم قيود العبودية والذلّ.

٤ ـ أوجد الإمام (عليه السّلام) في أثناء حكمه القصير وعياً أصيلاً في مقارعة الظلم ومناهضة الجور ، فقد هبّ في وجه الحكم الاُموي أعلام أصحابه كحِجْر بن عدي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وعبد الله بن عفيف الأزدي وأمثالهم مِن الذين تربّوا بهدي الإمام (عليه السّلام) ، فدوّخوا اُولئك الظالمين بثورات متلاحقة أطاحت بزهوهم وجبروتهم. لقد كان حكم الإمام (عليه السّلام) ـ حقّاً ـ مدرسة للنضال والثورة ، ومدرسة لبث الوعي الديني والإدراك الاجتماعي ، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن مخلّفات حكومة الإمام (عليه السّلام).

خلافةُ الحسن (عليه السّلام) :

وتقلّد الإمام الحسن (عليه السّلام) أزمة الخلافة الإسلامية بعد أبيه ، فتسلّم قيادة حكومة شكلية عصفت بها الفتن ، ومزّقت جيشها الحروب والأحزاب ، ولمْ تَعُدْ هناك أيّة قاعدة شعبية تستند إليها الدولة ، فقد كان الاتّجاه العام الذي يمثّله الوجوه والأشراف مع معاوية ، فقد كانوا على اتصال وثيق به قبل مقتل الإمام (عليه السّلام) وبعده ، كما كان لهم الدور الكبير في إفساد جيش الإمام (عليه السّلام) حينما مُنِيَ جيش معاوية بالهزيمة والفِرار. وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ الإمام الحسن (عليه السّلام)

١١١

بعد أنْ تقلّد الخلافة أخذ يتهيّأ للحرب ، وقد أمر بعقد اجتماع عام في جامع الكوفة ، وقد حضرته القوات المسلّحة وغيرها ، وألقى الإمام (عليه السّلام) خطاباً رائعاً ومؤثراً دعا فيه إلى تلاحم القوى ووحدة الصف ، وحذّر فيه مِن الدعايات التي تبثّها أجهزة الحكم الاُموي ، ثمّ ندب الناس لحرب معاوية ، فلمّا سمعوا ذلك وجلت قلوبهم وكُمّتْ أفواههم ، ولمْ يستجب منهم أحد سوى البطل المُلهم عَدِي بن حاتم ، فانبرى يُعلن دعمه الكامل للإمام (عليه السّلام) ، ووجّه أعنف اللوم والتقريع لأهل الكوفة على موقفهم الانهزامي ، واستبان للإمام وغيره أنّ جيشه لا يريد الحرب ، فقد خلع يد الطاعة ، وانساب في ميادين العصيان والتمرّد.

وبعد جهود مكثّفة قام بها بعض المخلصين للإمام (عليه السّلام) نفر للحرب أخلاط مِن الناس ـ على حدّ تعبير الشيخ المُفيد ـ كان أكثرهم مِن الخوارج والشكّاكين وذوي الأطماع ، وهذه العناصر لمْ تؤمن بقضية الإمام (عليه السّلام) ، وقد تطعّمت بالخيانة والغدر.

ويقول الرواة : إنّ الإمام (عليه السّلام) أسند مقدمة قيادة جيشه لعبيد الله بن العباس ـ الذي وتره معاوية بابنيه ـ ليكون ذلك داعية إخلاص له ، وحينما التقى جيشه بجيش معاوية مدّ إليه معاوية أسلاك مكره ، فمنّاه بمليون درهم يدفع نصفه في الوقت ، والنصف الآخر إذا التحقّ به(١) . وسال لعاب عبيد الله فاستجاب لدنيا معاوية ، ومال عن الحقّ ، فالتحق بمعسكر الظلم والجور ومعه ثمانية آلاف مِن الجيش(٢) ، غير حافل بالخيانة والعار ، ولا بالأضرار الفظيعة التي ألحقها بجيش ابن عمّه ؛ فقد تفلّلت جميع وحداته وقواعده.

ولمْ تقتصر الخيانة على عبيد الله ، وإنّما خان غيره مِن كبار قادة ذلك

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٤ / ٢٨.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩١.

١١٢

الجيش فالتحقوا بمعاوية ، وتركوا الإمام (عليه السّلام) في أرباض ذلك الجيش المنهزم يصعد آهاته وآلامه. ولمْ تقتصر محنة الإمام (عليه السّلام) وبلاؤه في جيشه على خيانة قادة فرقه ، وإنّما تجاوز بلاؤه إلى ما هو أعظم مِن ذلك ، فقد قامت فصائل مِن ذلك الجيش بأعمال رهيبة بالغة الخطورة ، وهي :

١ ـ الاعتداء على الإمام (عليه السّلام).

وقام الرجس الخبيث الجرّاح بن سنان بالاعتداء على الإمام (عليه السّلام) ، فطعنه في فخذه بمغول(١) ، فهوى الإمام (عليه السّلام) جريحاً ، وحُمِلَ إلى المواني لمعالجة جرحه(٢) ، وطعنه شخص آخر بخنجر في أثناء الصلاة(٣) ، كما رماه شخص بسهم في أثناء الصلاة إلاّ أنّه لمْ يؤثّر فيه شيئاً(٤) ، وأيقن الإمام (عليه السّلام) أنّ أهل الكوفة جادون في قتله واغتياله.

٢ ـ الحكم عليه بالكفر.

وأُصيب ذلك الجيش بدينه وعقيدته ، فقد رموا حفيد نبيّهم وريحانته بالكفر والمروق مِن الدين ، فقد جابهه الجرّاح بن سنان رافعاً عقيرته ، قائلاً : أشركت يا حسن كما أشرك أبوك(٥) . وكان هذا رأي جميع الخوارج الذين كانوا يمثّلون الأكثرية الساحقة في ذلك الجيش.

٣ ـ الخيانة العظمى.

والخيانة العظمى التي قام بها بعض زعماء ذلك الجيش أنّهم راسلوا

__________________

(١) المغول : آلة تشبه السيف.

(٢) الإرشاد / ١٧٠.

(٣) و (٤) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٥.

(٥) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٠٣.

١١٣

معاوية ، وضمنوا له تسليم الإمام (عليه السّلام) أسيراً ، أو اغتياله متى رغب وشاء(١) ، وأقضَّ ذلك مضجع الإمام (عليه السّلام) ، فخاف أنْ يؤسر ويُسلّم إلى معاوية فيمنّ عليه ، ويسجّل بذلك يداً لبني اُميّة على الأُسرة النّبوية ، كما كان (عليه السّلام) يتحدّث بذلك بعد إبرام الصلح.

٤ ـ نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام).

وعمد أجلاف أهل الكوفة إلى نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام) وأجهزته ، فنزعوا بساطاً كان جالساً عليه ، كما سلبوا منه رداءه(٢) .

هذه بعض الأحداث الرهيبة التي قام بها ذلك الجيش الذي تمرّس في الخيانة والغدر.

الصلحُ :

ووقف الإمام الحسن (عليه السّلام) مِن هذه الفتن السود موقف الحازم اليقظ ، الذي تمثّلت فيه الحكمة بجميع رحابها ومفاهيمها ، فرأى أنّه أمام أمرين :

١ ـ أنْ يفتح باب الحرب مع معاوية ، وهو على يقين لا يخامره أدنى شك أنّ الغلبة ستكون لمعاوية ؛ فإمّا أنْ يُقتل هو وأصحابه وأهل بيته الذين يمثّلون القيم الإسلامية ، ويخسر الإسلام بتضحيتهم قادته ودعاته مِن دون أنْ تستفيد القضية الإسلامية أيّ شيء ؛ فإنّ معاوية بحسب قابلياته الدبلوماسية يحمّل المسؤولية على الإمام (عليه السّلام) ، ويُلقي على تضحيته ألف حجاب ، أو أنّه يؤسر فيمنّ عليه معاوية فتكون سيئة على بني هاشم ، وفخراً لبني اُميّة.

٢ ـ أنْ يصالح معاوية فيحفظ للإسلام رجاله ودعاته ، ويبرز في

__________________

(١) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ٢ / ١٠٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي.

١١٤

صلحه واقع معاوية ، ويكشف عنه ذلك الستار الصفيق الذي تستّر به ، وقد اختار (عليه السّلام) هذا الأمر على ما فيه مِن قذى في العين ، وشجى في الحلق.

ويقول المؤرّخون : إنّه جمع جيشه فعرض عليهم الحرب أو السلم ، فتعالت الأصوات مِن كلّ جانب وهم ينادون : البقيّة البقيّة(١) .

لقد استجابوا للذلّ ورضوا بالهوان ومالوا عن الحقّ ، وقد أيقن الإمام (عليه السّلام) أنّهم قد فقدوا الشعور والإحساس ، وأنّه ليس بالمستطاع أنْ يحملهم على الطاعة ويكرههم على الحرب ، فاستجاب ـ على كره ومرارة ـ إلى الصلح.

لقد كان الصلح أمراً ضرورياً يحتّمه الشرع ، ويلزم به العقل ، وتقضي به الظروف الاجتماعية الملبدة بالمشاكل السياسية ؛ فإنّ مِن المؤكد أنّه لو فتح باب الحرب لمُنِيَ جيشه بالهزيمة ، ومُنِيَت الأُمّة مِن جرّاء ذلك بكارثة لا حدّ لأبعادها.

أمّا كيفية الصلح وشروطه وأسبابه ، وزيف الناقدين له فقد تحدّثنا عنها بالتفضيل في كتابنا حياة الإمام الحسن (عليه السّلام).

موقفُ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

والشيء المحقّق أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) قد تجاوب فكرياً مع أخيه في أمر الصلح ، وأنّه تمّ باتفاقٍ بينهما ، فقد كانت الأوضاع الراهنة تقضي بضرورته ، وأنّه لا بدّ منه.

وهناك بعض الروايات الموضوعة تعاكس ما ذكرناه ، وأنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) كان كارهاً للصلح ، وقد همّ أنْ يعارضه فأنذره أخوه

__________________

(١) حماة الإسلام ١ / ١٢٣ ، المجتنى لابن دريد / ٣٦.

١١٥

بأنْ يقذفه في بيت فيطيّنه عليه حتّى يتمّ أمر الصلح ، فرأى أنّ مِن الوفاء لأخيه أنْ يطيعه ولا يخالف له أمراً ، فأجابه إلى ذلك. وقد دلّلنا على افتعال ذلك وعدم صحته إطلاقاً في كتابنا حياة الإمام الحسن (عليه السّلام).

عدي بن حاتم مع الحسين (عليه السّلام) :

ولمّا أُبرم أمر الصلح خفّ عدي بن حاتم ومعه عبيدة بن عمر إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) وقلبه يلتهب ناراً ، فدعا الإمامَ إلى إثارة الحرب قائلاً : يا أبا عبد الله ، شريتم الذلّ بالعزّ ، وقبلتم القليل وتركتم الكثير! أطعنا اليوم واعصنا الدهر ؛ دع الحسن وما رأى مِن هذا الصلح ، واجمع إليك شيعتك مِن أهل الكوفة وغيرها ، وولّني وصاحبي هذه المقدمة ، فلا يشعر ابن هند إلاّ ونحن نقارعه بالسيوف.

فقال الحسين (عليه السّلام) : «إنّا قد بايعنا وعاهدنا ولا سبيل لنقض بيعتنا»(١) . ولو كان الحسين (عليه السّلام) يرى مجالاً للتغلّب على الأحداث لخاض الحرب وناجز معاوية ، ولكنْ قد سُدّتْ عليه وعلى أخيه جميع النوافذ والسبل ، فرؤوا أنّه لا طريق لهم إلاّ الصلح.

تحوّلُ الخلافة :

وتحوّلت الخلافة الإسلاميّة مِن طاقتها الأصيلة ومفاهيمها البنّاءة إلى مُلْكٍ عضوض مستبد ، لا ظل فيه للعدل ، ولا شبح فيه للحقّ ؛ قد تسلّطت الطغمة

__________________

(١) الأخبار الطوال / ٢٠٣.

١١٦

الحاكمة مِن بني أُميّة على الأُمّة ، وهي تمعن في إذلالها ونهب ثرواتها وإرغامها على العبودية. يقول بعض الكتّاب : ونجمَ عن زوال الخلافة الراشدة وانتقال الخلافة إلى بني أُميّة نتائج كبيرة ، فقد انتصرت اُسرة بني أُميّة على الاُسرة الهاشميّة ، وهذا كان معناه انتصار الأرستقراطية القرشية وأصحاب رؤوس المال والمضاربات التجارية على أصحاب المبادئ والمُثل.

لقد كان نصر معاوية هزيمة لكلّ الجهود التي بُذلت للحدّ مِن طغيان الرأسمالية القرشية ، هزيمة لحلف الفضول ، وهزيمة للدوافع المباشرة لقيام الإسلام وحربه على الاستغلال والظلم ، هزيمة للمُثل والمبادئ ، ونجاح للحنكة والسياسة المدعومة بالتجربة والمال ، ولقد كان لهذه الهزيمة وقع مفجع على الإسلام وأجيال المسلمين.

ويقول نيكلسون : واعتبر المسلمون انتصار بني أُميّة وعلى رأسها معاوية ، انتصاراً للأرستقراطية والوثنية التي ناصبت الرسول وأصحابه العداء ، والتي جاهدها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى قضى عليها ، وصبر معه المسلمون على جهادها ومقاومتها حتّى نصرهم الله ، وأقاموا على أنقاضها دعائم الإسلام ، ذلك الدين السمح الذي جعل الناس سواسية في السّراء والضرّاء ، وأزال سيادة رهطٍ كانوا يحتقرون الفقراء ، ويستذلون الضعفاء ، ويبتزّون الأموال.

وعلى أيّ حالٍ ، فقد فُجع العالم الإسلامي بعد الصلح بكارثة كبرى ، فخرج مِن عالم الدعة والأمن والاستقرار إلى عالم مليء بالظلم والجور ؛ فقد أسرع الاُمويّون بعد أنْ استتب لهم الأمر إلى الاستبداد بشؤون المسلمين ، وإرغامهم على ما يكرهون.

وعانى الكوفيّون مِن الظلم ما لم يعانه غيرهم ؛ فقد أخذت

١١٧

السلطة تحاسبهم حساباً عسيراً على وقوفهم مع الإمام (عليه السّلام) في أيّام صفين ، وعهدت في شؤونهم إلى الجلادين أمثال المغيرة بن شعبة ، وزياد بن أبيه ، فصبّوا عليهم وابلاً مِن العذاب الأليم ، وأخذ الكوفيّون يندبون حظهم التعيس على ما اقترفوه من عظيم الإثم في خذلانهم للإمام أمير المؤمنين وولده الحسن (عليهما السّلام) ، وجعلوا يلحّون على الإمام الحسين (عليه السّلام) بوفودهم ورسائلهم لينقذهم مِن ظلم الاُمويِّين وجورهم. إلاّ أنّ مِن المدهش حقّاً أنّه لمّا استجاب لهم شهروا في وجهه السّيوف ، وقطّعوا أوصاله وأوصال أبنائه على صعيد كربلاء وبهذا ينتهي بنا المطاف عن اُفول دولة الحقّ.

١١٨

حكومةُ معاوية

١١٩
١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470