حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام12%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 470

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 317101 / تحميل: 7228
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

والياً على الكوفة سبع سنين وهو لا يدع ذم علي والوقوع فيه(١) . وقد أراد معاوية بذلك أن يصرف القلوب عن الإمام (عليه السلام) وأن يحول بين الناس وبين مبادئه التي أصبحت تطارده في قصوره.

يقول الدكتور محمود صبحي : لقد أصبح علي جثة هامدة لا يزاحمهم في سلطانهم ، ويخيفهم بشخصه ، ولا يعني ذلك ـ أي سبّ الإمام ـ إلا أنّ مبادئه في الحكم وآراءه في السياسة كانت تنغّص عليهم في موتهم كما كانت في حياته(٢) .

لقد كان الإمام رائد العدالة الإنسانية والمثل الأعلى لهذا الدين ، يقول الجاحظ : لا يعلم رجل في الأرض متى ذكر السبق في الإسلام والتقدم فيه ، ومتى ذكر النخوة والذب عن الإسلام ، ومتى ذكر الفقه في الدين ، ومتى ذكر الزهد في الأمور التي تناصر الناس عليها كان مذكوراً في هذه الخلال كلها إلا في علي(٣) .

ويقول الحسن البصري : والله ، لقد فارقكم بالأمس رجل كان سهماً صائباً من مرامي الله عز وجل ، رباني هذه الأمة بعد نبيها (صلى الله عليه وآله) وصاحب شرفها وفضلها وذا القرابة القريبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير مسؤم لأمر الله ، ولا سروقة لمال الله أعطى القرآن عزائمه فأورده رياضاً مونقة ، وحدائق مغدقة ذلك علي بن أبي طالب(٤) .

لقد عادت اللعنات التي كان يصبها معاوية وولاته على الإمام بإظهار فضائله ؛ فقد برز الإمام للناس أروع صفحة في تأريخ الإنسانية كلها ، وظهر للمجتمع أنّه المنادي الأول بحقوق الإنسان ، والمؤسس الأول للعدالة الاجتماعية

__________________

(١) تأريخ الطبري ٦ / ١٤١ طبع أوربا.

(٢) نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية / ٢٨٢.

(٣) الإسلام والحضارة العربية ٢ / ١٤٥.

(٤) مناقب ابن المغازلي / رقم الحديث ٦٩.

١٦١

في الأرض. لقد انطوت السنون والأحقاب واندكت معالم تلك الدول التي ناوئت الإمام ، سواء أكانت من بني أمية أم من بني العباس ، ولم يبقَ لها أثر ، وبقي الإمام (عليه السلام) وحده قد احتل قمّة المجد فها هو رائد الإنسانية الأول وقائدها الأعلى وإذا بحكمه القصير الأمد يصبح طغراءً في حكام هذا الشرق ، وإذا الوثائق الرسمية التي أثرت عنه تصبح مناراً لكل حكم صالح يستهدف تحقيق القضايا المصيرية للشعوب ، وإذا بحكم معاوية أصبح رمزاً للخيانة والعمالة ورمزاً لاضطهاد الشعوب واحتقارها.

ستر فضائل أهل البيت :

وحاول معاوية بجميع طاقاته حجب فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وستر مآثرهم عن المسلمين ، وعدم إذاعة ما أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في فضلهم.

يقول المؤرخون : إنّه بعد عام الصلح حج بيت الله الحرام فاجتاز على جماعة فقاموا إليه تكريماً ولم يقم إليه ابن عباس ، فبادره معاوية قائلاً : يابن عباس ما منعك من القيام؟ كما قام أصحابك إلا لموجدة علي بقتالي إياكم يوم صفين! يابن عباس ، إنّ ابن عمي عثمان قتل مظلوماً!

فردّ عليه ابن عباس ببليغ منطقه قائلاً : فعمر بن الخطاب قد قُتل مظلوماً ، فسلم الأمر إلى ولده ، وهذا ابنه ـ وأشار إلى عبد الله بن عمر ـ.

أجابه معاوية بمنطقه الرخيص :

إنّ عمر قتله مشرك.

فانبرى ابن عباس قائلاً :

فمَنْ قتل عثمان؟

١٦٢

ـ قتله المسلمون.

وأمسك ابن عباس بزمامه فقال له : فذلك أدحض لحجتك إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلاّ بحق.

ولم يجد معاوية مجالاً للردّ عليه ، فسلك حديثاً آخر أهم عنده من دم عثمان فقال له : إنّا كتبنا إلى الآفاق ننهي عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك يابن عباس.

فانبرى ابن عباس بفيض من منطقه وبليغ حجته يسدد سهاماً لمعاوية قائلاً : فتنهانا عن قراءة القرآن؟

ـ لا.

ـ فتنهانا عن تأويله؟

ـ نعم.

ـ فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟

ـ نعم.

ـ فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

ـ العمل به.

ـ فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟

ـ سل عن ذلك ممن يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.

ـ إنما نزل القرآن على أهل بيتي ، فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط؟!

ـ فاقرؤوا القرآن ، ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم ، ومما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكم ، وارووا ما سوى ذلك.

١٦٣

وسخر منه ابن عباس ، وتلا قوله تعالى :( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلّا أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .

وصاح به معاوية : اكفني نفسك وكفّ عنّي لسانك ، وإن كنت فاعلاً فليكن سرّاً ولا تسمعه أحداً علانية(١) .

ودلّت هذه المحاورة على عمق الوسائل التي اتّخذها معاوية في مناهضته لأهل البيت وإخفاء مآثرهم.

وبلغ الحق بمعاوية على الإمام أنّه لما ظهر عمرو بن العاص بمصر على محمد بن أبي بكر وقتله ، استولى على كتبه ومذكراته وكان من بينها عهد الإمام له ، وهو من أروع الوثائق السياسية فرفعه ابن العاص إلى معاوية فلما رآه قال لخاصته : إنّا لا نقول هذا من كتب علي بن أبي طالب ولكن نقول هذا من كتب أبي بكر التي كانت عنده(٢) .

التحرج من ذكر الإمام :

وأسرف الحكم الأموي إلى حد بعيد في محاربة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد عهد بقتل كل مولود يسمى علياً ، فبلغ ذلك علي بن رباح فخاف ، وقال : لا أجعل في حل من سماني علياً فإن اسمي علي ـ بضم العين ـ(٣) .

ويقول المؤرخون : إنّ العلماء والمحدثين تحرجوا من ذكر الإمام علي والرواية عنه خوفاً من بني أمية فكانوا إذا أرادوا أن يرووا عنه يقولون :

__________________

(١) حياة الإمام الحسن ٢ / ٣٤٣.

(٢) شرح النهج ٢ / ٢٨.

(٣) تهذيب التهذيب ٧ / ٣١٩.

١٦٤

روى أبو زينب(١) ، وروى معمر عن الزهري عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنّ الله عز وجل منع بني إسرائيل قطر السماء لسوء رأيهم في أنبيائهم ، واختلافهم في دينهم ، وإنّه أخذ على هذه الأمّة بالسنين ، ومنعهم قطر السماء ببغضهم علي بن أبي طالب».

قال معمر : حدثني الزهري في مرضة مرضها ، ولم اسمعه يحدث عن عكرمة قبلها ولا بعدها فلما أبل من مرضه ندم على حديثه لي وقال : يا يماني اكتم هذا الحديث ، واطوه دوني فإن هؤلاء ـ يعني بني أميّة ـ لا يعذرون أحداً في تقريض علي وذكره.

قال معمر : فما بالك عبت علياً مع القوم وقد سمعت الذي سمعت؟!

قال الزهري : حسبك يا هذا إنّهم أشركونا مهامهم فاتبعناهم في أهوائهم(٢) .

وقد امتحن المسلمون امتحاناً عسيراً في مودتهم للإمام وتحرجوا أشدّ التحرّج في ذلك ، يقول الشعبي : ماذا لقينا من علي إن أحببناه ذهبت دنيانا وإن بغضناه ذهب ديننا.

ويقول الشاعر :

حبّ علي كله ضرب بر

جفّ من تذكاره القلب

هذه بعض المحن التي عاناها المسلمون في مودتهم لأهل البيت (عليهم السلام) التي هي جزء من دينهم.

__________________

(١) شرح النهج ١١ / ١٤.

(٢) مناقب ابن المغازلي / رقم الحديث ١٤٩.

١٦٥

مع الشيعة :

واضطهدت الشيعة أيام معاوية اضطهاداً رسمياً في جميع أنحاء البلاد ، وقوبلوا بمزيد من العنف والشدّة ، فقد انتقم منهم معاوية كأشدّ ما يكون الانتقام قسوة وعذاباً ، فقد قاد مركبة حكومته على جثث الضحايا منهم ، وقد حكى الإمام الباقر (عليه السلام) صوراً مريعة من بطش الأمويين بشيعة آل البيت (عليهم السلام) يقول : «وقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة ، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره»(١) .

وتحدّث بعض رجال الشيعة إلى محمد بن الحنفية عمّا عانوه من المحن والخطوب بقوله : فما زال بنا الشين في حبكم حتى ضُربت عليه الأعناق ، وأبطلت الشهادات ، وشردنا في البلاد ، وأوذينا حتى لقد هممت أن أذهب في الأرض قفراً ، فأعبد الله حتى ألقاه ، لولا أن يخفى عليّ أمر آل محمد (صلى الله عليه وآله) وحتى هممت أن أخرج مع أقوام(٢) شهادتنا وشهادتهم واحدة على أمرائنا فيخرجون فيقاتلون(٣) .

لقد كان معاوية لا يتهيب من الإقدام على اقتراف أية جرية من أجل أن يضمن ملكه وسلطانه ، وقد كانت الشيعة تشكّل خطراً على حكومته فاستعمل معهم أعنف الوسائل وأشدها قسوة من أجل القضاء عليهم ، ومن بين الإجراءات القاسية التي استعملها ضدهم ما يلي :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ٣ / ١٥.

(٢) الأقوام : هم الخوارج.

(٣) طبقات ابن سعد ٥ / ٩٥.

١٦٦

القتل الجماعي

وأسرف معاوية إلى حد كبير في سفك دماء الشيعة ، فقد عهد إلى الجلادين من قادة جيشه بتتبع الشيعة وقتلهم حيثما كانوا ، وقد قتل بسر بن أبي أرطأة بعد التحكيم ثلاثين ألفاً عدا مَنْ أحرقهم بالنار(١) ، وقتل سمرة بن جندب ثمانية آلاف من أهل البصرة(٢) ، وأمّا زياد بن أبيه فقد ارتكب أفظع المجازر فقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون ، وأنزل بالشيعة من صنوف العذاب ما لا يوصف لمرارته وقسوته.

إبادة القوى الواعية :

وعمد معاوية إلى إبادة القوى المفكرة والواعية من الشيعة ، وقد ساق زمراً منهم إلى ساحات الإعدام ، وأسكن الثكل والحداد في بيوتهم ، وفيما يلي بعضهم :

١ ـ حجر بن عدي :

لقد رفع حجر بن عدي علم النضال ، وكافح عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، وسحق إرادة الحاكمين من بني أميّة الذين تلاعبوا في مقدرات الأمّة وحولوها إلى مزرعة جماعية لهم ولعملائهم وأتباعهم.

لقد استهان حجر من الموت وسخر من الحياة ، واستلذّ الشهادة في سبيل عقيدته ، فكان أحد المؤسسين لمذهب أهل البيت (عليه السلام).

__________________

(١) شرح النهج ٢ / ٦.

(٢) الطبري ٦ / ٣٢.

١٦٧

وامتحن حجر كأشدّ ما تكون المحنة قسوة حينما رأى السلطة تعلن سب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وترغم الناس على البراءة منه فأنكر ذلك ، وجاهر بالردّ على ولاة الكوفة ، واستحلّ زياد بن أبيه دمه فألقى عليه القبض ، وبعثه مخفوراً مع كوكبة من إخوانه إلى معاوية ، وأوقفوا في (مرج عذراء) فصدرت الأوامر من دمشق بإعدامهم ، ونفذ الجلادون فيهم حكم الإعدام فخرت جثثهم على الأرض وهي ملفعة بدم الشهادة والكرامة وهي تضيء للناس معالم الطريق نحو حياة أفضل لا ظلم فيها ، ولا طغيان.

مذكرة الإمام الحسين

وفزع الإمام الحسين حينما وافته الأنباء بمقتل حجر فرفع مذكرة شديدة اللهجة إلى معاوية ذكر فيها أحداثه وبدعه ، والتي كان منها قتله لحجر والبررة من أصحابه ، وقد جاء فيها : «ألست القاتل حجراً أخا كندة والمصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ولا يخافون في الله لومة لائم. قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما كانت أعطيتهم الأيمان المغلّظة ، والمواثيق المؤكّدة أن لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في نفسك عليهم؟!»(١)

واحتوت هذه المذكّرة على ما يلي :

١ ـ الإنكار الشديد على معاوية لقتله حجراً وأصحابه من دون أن يقترفوا أو يحدثوا فساداً في الأرض.

٢ ـ إنها أشادت بالصفات البطولية في هؤلاء الشهداء من إنكار الظلم ،

__________________

(١) حياة الإمام الحسن ٢ / ٣٦٥.

١٦٨

ومقاومة الجور ، واستعظام البدع والمنكرات التي أحدثتها حكومة معاوية ، وقد هبّوا إلى ميادين الجهاد ، لإقامة الحقّ ، ومناهضة المنكر.

٣ ـ إنّها أثبتت أنّ معاوية قد أعطى حِجْرَاً وأصحابه عهداً خاصاً في وثيقة وقّعها قبل إبرام الصلح أنْ لا يعرض لهم بأي إحنة كانت بينه وبينهم ، ولا يصيبهم بأي مكروه ، ولكنّه قد خاس بذلك فلمْ يفِ به ، كما لمْ يفِ للإمام الحسن بالشروط التي أعطاها له ، وإنّما جعلها تحت قدميه ، كما أعلن ذلك في خطابه الذي ألقاه في النُّخيلة.

لقد كان قتلُ حِجْر مِن الأحداث الجسام في الإسلام ، وقد توالت صيحات الإنكار على معاوية مِن جميع الأقاليم الإسلامية ، وقد ذكرناها بالتفصيل في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

٢ ـ رشيد الهجري :

وفي فترات المحنة الكبرى التي مُنِيَتْ بها الشيعة في عهد ابن سُميّة تعرّض رشيد الهجري لأنواع المِحن والبلوى ، فقد بعث زياد شرطته إليه ، فلمّا مَثُلَ عنده صاح به (ما قال لك خليلك ـ يعني علياً ـ أنّا فاعلون بك؟).

فأجابه بصدق وإيمان : (تقطعون يدي ورجلي ، وتصلبوني) ، وقال الخبيث مستهزءاً وساخراً :

(أما والله لأكذبنَّ حديثه ، خلّوا سبييله). وخلّت الجلاوزة سراحه ، وندم الطاغية فأمر بإحضاره فصاح به :

(لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال صاحبك : إنّك لا تزال تبغي لنا سوءاً إنْ بقيت ، اقطعوا يديه ورجليه).

وبادر الجلادون فقطعوا يديه ورجليه ، وهو غير حافل بما يعانيه مِن الآلام.

ويقول المؤرخون : إنّه أخذ يذكر مثالب بني أُميّة ، ويدعو إلى إيقاظ الوعي والثورة ، ممّا غاظ ذلك زياداً فأمر بقطع

١٦٩

لسانه(١) الذي كان يطالب بالحقّ والعدل ، وينافح عن حقوق الفقراء والمحرومين.

٣ ـ عمرو بن الحمق الخزاعي :

ومِن شهداء العقيدة : الصحابي العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي الذي دعا له النّبي (صلّى الله عليه وآله) أنْ يمتّعه الله بشبابه ، واستجاب الله دعاء نبيه ، فقد أخذ عمرو بن حمق الثمّانين عاماً ولمْ ترَ في كريمته شعرة بيضاء(٢) ، وتأثر عمرو بهدي أهل البيت ، وأخذ مِن علومهم ، فكان مِن أعلام شيعتهم.

وفي أعقاب الفتنة الكبرى التي مُنِيَتْ بها الكوفة في عهد الطاغية زياد بن سُميّة شعر عمرو بتتبع السلطة له ، ففرّ مع زميله رفاعة بن شدّاد إلى الموصل ، وقبل أنْ ينتهيا إليه كمنا في جبل ليستجما فيه ، وارتابت الشرطة فبادرت إلى إلقاء القبض على عمرو.

أمّا رفاعة ، ففرّ ولمْ تستطع أنْ تُلقي عليه القبض ، وجيئ بعمرو مخفوراً إلى حاكم الموصل عبد الرحمن الثقفي ، فرفع أمره إلى معاوية ، فأمره بطعنه تسع طعنات بمشاقص(٣) ، لأنّه طعن عثمّان بن عفان ، وبادرت الجلاوزة إلى طعنه فمات في الطعنة الأولى ، واحتُزّ رأسه الشريف ، وأُرسل إلى طاغية دمشق ، فأمر أنْ يُطاف به في الشام.

ويقول المؤرخون : إنّه أوّل رأس طيف به في الإسلام ، ثمّ أمر به معاوية أنْ يُحمل إلى زوجته السيّدة آمنة بنت شريد ، وكانت في سجنه ، فلمْ تشعر إلاّ ورأس زوجها قد وضع في حجرها ، فذعرت وكادت أنْ تموت ، وحُمِلَتْ مِن السجن إلى معاوية ، وجرت بينها وبينه محادثات دلّت على ضِعة معاوية ، واستهانته بالقيم العربية والإسلامية ، القاضية بمعاملة المرأة معاملةً كريمةً ، ولا تؤخذ بأي ذنب يقترفه زوجها أو غيره.

__________________

(١) سفينة البحار ١ / ٥٢٢.

(٢) الإصابة ٢ / ٥٢٦.

(٣) المشاقص : ـ جمع مفردة مشقص ـ النصل العريض أو سهم فيه نصل عريض.

١٧٠

مذكّرة الإمام الحُسين :

والتاع الإمام الحًسين (عليه السّلام) أشدّ ما تكون اللوعة حينما علم بقتل عمرو ، فرفع مذكرةً إلى معاوية عدّد فيها أحداثه ، وما تعانيه الأُمّة في عهده من الاضطهاد والجور ، وجاء فيما يخص عمرو :

«أوَ لستَ قاتل عمرو بن الحمق ، صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، العبد الصالح ، الذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه ، واصفرّ لونه ، بعدما أمِنته ، وأعطيته مِن عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائراً لنزل إليك مِن رأس الجبل ، ثمّ قتلته جراءة على ربّك ، واستخفافاً بذلك العهد»(١) .

لقد خاس معاوية بما أعطاه لهذا الصحابي الجليل ـ بعد الصلح ـ مِن العهد والمواثيق بأنْ لا يعرض له بسوء ولا مكروه.

٤ ـ أوفى بن حصن :

وكان أوفى بن حصن مِن خيار الشيعة ـ في الكوفة ـ وأحد أعلامهم النابهين ، وهو مِن أشدّ الناقمين على معاوية ، فكان يذيع مساوءه وأحداثه.

ولمّا علم به ابن سُميّة أوعز إلى الشرطة بإلقاء القبض عليه ، ولمّا علم أوفى بذلك اختفى ، وفي ذات يوم استعرض زياد الناس فاجتاز عليه أوفى ، فشك في أمره ، فسأل عنه فأُخبر باسمه ، فأمر بإحضاره ، فلمّا مَثُل عنده سأله عن سياسته فعابها وأنكرها ، فأمر زياد بقتله ، فهوى الجلادون عليه بسيوفهم وتركوه جثة هامدة(٢) .

__________________

(١) حياة الإمام الحسن.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ١٨٠ ، الطبري ٦ / ١٣٠ ـ ١٣٢.

١٧١

٥ ـ الحضرمي مع جماعته :

وكان عبد الله الحضرمي مِن أولياء الإمام أمير المؤمنين ، ومِن خلّص شيعته ، كما كان مِن شرطة الخميس ، وقد قال له الإمام يوم الجمل :

«أبشر يا عبد الله ، فإنّك وأباك مِن شرطة الخميس ، لقد أخبرني رسول الله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس ، ولمّا قُتِلَ الإمام جزع عليه الحضرمي ، وبنى له صومعة يتعبّد فيها ، وانضمّ إليه جماعة مِن خيار الشيعة ، فأمر ابن سُميّة بإحضارهم ، ولمّا مَثُلوا عنده أمر بقتلهم ، فقتلوا صبراً(١) .

لقد كانت فاجعة عبد الله كفاجعة حِجْر بن عدي ، فكلاهما قُتِلَ صبراً ، وكلاهما أُخِذَ بغير ذنب ، سوى الولاء لعترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

إنكار الإمام الحُسين :

وفزع الإمام الحُسين كأشدّ ما يكون الفزع ألماً ومحنةً على مقتل الحضرمي وجماعته الأخيار ، فأنكر على معاوية في مذكرته التي بعثها له ، وقد جاء فيها.

«أوَ لستَ قاتل الحضرمي ، الذي كتب فيه إليك زياد أنّه على دين علي (عليه السّلام) ، فكتبت إليه أنْ اقتلْ كلّ مَنْ كان على دين علي ، فقتلهم ومثّل فيهم بأمرك ، ودين علي هو دين ابن عمّه (صلّى الله عليه وآله) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف».

ودلّت هذه المذكّرة ـ بوضوح ـ على أنّ معاوية قد عهد إلى زياد بقتل كلّ مَنْ كان على دين علي (عليه السّلام) ، الذي هو دين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، كما دلّت على أنّ زياداً قد مثّل بهؤلاء البررة بعد قتلهم ، تشفياً منهم لولائهم لعترة

__________________

(١) بحار الانوار ١٠ / ١٠١.

١٧٢

رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

٦ ـ جويرية العبدي :

ومِنْ عيون شيعة الإمام جويرية بن مسهر العبدي ، وفي فترات المحنة الكبرى التي امتحنت بها الشيعة أيّام ابن سُميّة ، بعث خلفه فأمر بقطع يده ورجله ، وصلبه على جذع قصير(١) .

٧ ـ صيفي بن فسيل :

ومِنْ أبطال العقيدة الإسلامية صيفي بن فسيل ، الذي ضرب أروع الأمثلة للإيمان ، فقد سُعيَ به إلى الطاغية زياد ، فلمّا جيء به إليه صاح به :

ـ يا عدو الله ما تقول في أبي تراب؟

ـ ما أعرف أبا تراب(٢)

ـ ما أعرفك به؟

ـ أما تعرف علي بن أبي طالب؟

ـ بلى

ـ فذاك أبو تراب.

ـ كلا ذاك أبو الحسن والحسين.

وانبرى مدير شرطة زياد منكراً عليه :

ـ يقول لك الأمير : هو أبو تراب ، وتقول : أنت ل :! ، فصاح به البطل العظيم مستهزءاً منه ، ومِن أميره.

ـ وإنْ كذب الأمير أتريد أنْ أكذب؟ وأشهد على باطل ، كما شهد

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد.

(٢) كان الأمويون يرمزون بهذه الكتبية إلى جعل الإمام كقاطع طريق ، جاء ذلك في التاريخ السياسي للدولة العربية ٢ / ٧٥ ، وجاء في الأغاني ١٣ / ١٦٨ أنّ زياداً كان يحتقر الشيعة ويسميهم الترابية.

١٧٣

وتحطم كبرياء الطاغية ، فضاقت به الأرض ، وقال له :

ـ وهذا أيضاً مع ذنبك ، وصاح بشرطته عليّ بالعص ، فأتوه به ، فقال له :

ـ ما قولك؟ ، وانبرى البطل بكلّ بسالة وإقدام غير حافل به قائلاً :

ـ أحسن قول أنا قائله في عبد مِنْ عباد الله المؤمنين ...

وأوعز السفّاك إلى جلاديه بضرب عاتقه حتّى يلتصق بالأرض ، فسعوا إليه بهراواتهم فضربوه ضرباً مبرحاً حتّى وصل عاتقه إلى الأرض ، ثمّ أمرهم بالكفّ عنه ، وقال له :

ـ إيه ما قولك في علي؟

وحسب الطاغية أنّ وسائل تعذيبه سوف تقلبه عن عقيدته ، فقال له :

والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ، ما قلت إلاّ ما سمعت منّي

وفقد السفّاك إهابه ، فصاح به ، لتلعنه أو لأضربن عنقك ...

وهتف صيفي يقول :

ـ إذاً تضربها والله قبل ذلك ، فإنْ أبيت إلاّ أنْ تضربها رضيت بالله وشقيت أنت ...

وأمر به أنْ يوقرَ في الحديد ، ويلقى في ظلمات السجون(١) ، ثمّ بعثه مع حِجْر بن عدي فاستشهد معه(٢) .

٨ ـ عبد الرحمن :

وكان عبد الرحمن العنزي مِن خيار الشيعة ، وقد وقع في قبضة جلاوزة

__________________

(١) الطبري ٤ / ١٩٨.

(٢) حياة الإمام الحسن ٢ / ٣٦٢.

١٧٤

زياد ، فطلب منهم مواجهة معاوية ، لعلّه أنْ يعفو عنه ، فاستجابوا له وأرسلوه مخفوراً إلى دمشق ، فلمّا مَثُلَ عند الطاغية قال له :

(إيهٍ أخا ربيعة ، ما تقول في علي؟)

(دعني ولا تسألني فهو خير لك).

(والله لا أدعك).

فانبرى البطل الفذ يُدلي بفضائل الإمام ، ويشيد بمقامه قائلاً : (أشهد أنّه كان مِن الذاكرين الله كثيراً ، والآمرين بالحقّ ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس).

والتاع معاوية فعرّج نحو عثمّان ، لعلّه أنْ ينال منه فيستحلّ إراقة دمه ، فقال له : (ما قولك في عثمّان؟)

فأجابه عن انطباعاته عن عثمّان ، فغاظ ذلك معاوية وصاح به :

(قتلت نفسك) ، بل إيّاك قتلت ، ولا ربيعة بالوادي.

وظنّ عبد الرحمن أنّ أُسرته ستقوم بحمايته وإنقاذه ، فلمْ ينبرِ إليه أحدٌ ، ولمّا أمِنَ منهم معاوية بعثه إلى الطاغية زياد ، وأمره بقتله ، فبعثه زياد إلى (قس الناطف)(١) فدفنه وهو حي(٢) .

لقد رفع هذا البطل العظيم راية الحقّ ، وحمل معول الهدم على قلاع الظلم والجور ، واستشهد منافحاً عن أقدس قضية في الإسلام.

هؤلاء بعض الشهداء مِن أعلام الشيعة ، الذين حملوا مشعل الحرية ، وأضاءوا الطريق لغيرهم مِن الثوار الذين أسقطوا هيبة الحكم الأموي ، وعملوا على إنقاضه.

__________________

(١) قس الناطف : موضع قريب مِن الكوفة.

(٢) الطبري ٦ / ١٥٥.

١٧٥

المروّعون مِن أعلام الشيعة :

وروّع معاوية طائفة كبيرة مِن الشخصيات البارزة مِن رؤساء الشيعة ، وفيما يلي بعضهم :

١ ـ عبد الله بن هاشم المرقال.

٢ ـ عَدِي بن حاتم الطائي.

٣ ـ صعصعة بن صوحان.

٤ ـ عبد الله بن خليفة الطائي.

وقد أرهق معاوية هؤلاء الأعلام إرهاقاً شديداً ، فطاردتهم شرطته ، وأفزعتهم إلى حدٍّ بعيدٍ ، وقد ذكرنا ماعانوه مِن الخطوب في كتابنا (حياة الإمام الحسن).

ترويع النّساء :

ولمْ يقتصر معاوية في تنكيله على السّادة مِنْ رجال الشيعة ، وإنّما تجاوز ظلمه إلى السّيدات مِنْ نسائهم ، فأشاع فيهم الذعر والإرهاب ، فكتب إلى بعض عمّاله بحمل بعضهنّ إليه ، فحُمِلَتْ له هذه السّيدات :

١ ـ الزرقاء بنت عَدِي.

٢ ـ أُمّ الخير البارقية.

٣ ـ سودة بنت عمارة.

٤ ـ أُمّ البرّاء بنت صفوان.

١٧٦

٥ ـ بكارة الهلالية.

٦ ـ أروى بنت الحارث.

٧ ـ عكرش بنت الأطرش.

٨ ـ الدارمية الحجونية.

وقد قابلهن معاوية بمزيد مِن التوهين والاستخفاف ، وأظهر لهنّ الجبروت والقدرة على الانتقام ، غير حافلٍ بوهن المرأة وضعفها ، وقد ذكرنا ما جرى عليهن في مجلسه مِن التحقير في كتابنا (حياة الإمام الحسن)

هدم دور الشيعة :

وأوعز معاوية إلى جميع عمّاله بهدم دور الشيعة ، فقاموا بنقضها(١) .

وتركوا شيعة آل البيت (عليه السّلام) بلا مأوى يأوون إليه ، ولمْ يكن هناك أي مُبرر لهذه الإجراءات القاسية ، سوى تحويل الناس عن عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

حرمان الشيعة مِن العطاء :

ومِن المآسي الكئيبة التي عانتها الشيعة في أيّام معاوية أنّه كتب إلى جميع عمّاله نسخةً واحدةً جاء فيها : (انظروا إلى مَنْ قامت عليه البيّنة أنّه يُحبّ علياً وأهل بيته فامحوه مِن الديوان ، واسقطوا عطاءه ورزقه)(٢) ، وبادر عمّاله في الفحص في سجلاتهم ، فمَنْ وجدوه محبّاً لآل البيت (عليه السّلام) محوا اسمه ، وأسقطوا عطاءه.

__________________

(١) شرح النهج ١١ / ٤٤.

(٢) شرح النهج ١١ / ٤٤.

١٧٧

عدم قبول شهادة الشيعة :

وعمد معاوية إلى إسقاط الشيعة اجتماعياً ، فعهد إلى جميع عمّاله بعدم قبول شهادتهم في القضاء وغيره(١) مبالغة في إذلالهم وتحقيرهم.

إبعاد الشيعة إلى الخراسان :

وأراد زياد بن أبيه تصفية الشيعة مِن الكوفة ، وكسر شوكتهم فأجلى خمسين ألفاً منهم إلى خراسان ـ المقاطعة الشرقية في فارس(٢) ـ ، وقد دقّ زياد بذلك أوّل مسمار في نعش الحكم الأموي ، فقد أخذت تلك الجماهير التي أُبعدت إلى فارس تعمل على نشر التشيع في تلك البلاد ، حتى تحوّلت إلى مركز للمعارضة ضد الحكم الأموي ، وهي التي أطاحت به تحت قيادة أبي مسلم الخراساني.

هذا بعض ما عانته الشيعة في عهد معاوية مِنْ صنوف التعذيب والإرهاب ، وكان ما جرى عليهم مِن المآسي الأليمة مِن أهم الأسباب في ثورة الإمام الحسين ، فقد رفع علم الثورة لينقذهم مِن المحنة الكبرى التي امتحنوا بها ، ويُعيد لهم الأمن والاستقرار.

البيعة ليزيد :

وختم معاوية حياته بأكبر إثم في الإسلام ، وأفظع جريمة في التاريخ ،

__________________

(١) حياة الإمام الحسن.

(٢) تاريخ الشعوب الإسلامية ١ / ١٤٧.

١٧٨

فقد أقدم غير متحرّج على فرض خليعه يزيد خليفة على المسلمين يعيث في دينهم ودنياهم ، ويخلد لهم الويلات والخطوب ، وقد استخدم معاوية شتى الوسائل المنحطّة في جعل المُلْك وراثة في أبنائه. ويرى الجاحظ أنّه تشبّه بملوك الفرس البزنطيين فحوّل الخلافة إلى مُلْكٍ كسروي وعصبٍ قيصري. وقبل أنْ نعرض إلى تلك البيعة المشومة ، وما رافقها مِن الأحداث ، نذكر عرضاً موجزاً لسيرة يزيد ، وما يتّصف به مِن القابليات الشخصية التي عجّت بذمها كتب التاريخ مِنْ يومه حتّى يوم الناس هذا ، وفيما يلي ذلك :

ولادة يزيد :

ولد يزيد سنة (٢٥) أو (٢٦ هـ)(١) ، وقد دهمت الأرض شعلة مِنْ نار جهنم وزفيرها ، تحوط به دائرةُ السَوءِ وغضبٌ مِن الله ، وهو أخبث إنسان وجِدَ في الأرض ، فقد خُلِقَ للجريمة والإساءة إلى الناس وأصبح علماً للانحطاط الخُلُقي والظلم الاجتماعي ، وعنواناً بغيضاً للاعتداء على الأُمّة وقهرَ إرادتها في جميع العصور.

يقول الشيخ محمّد جواد مغنية : أمّا كلمة يزيد فقد كانت مِنْ قبل اسماً لابن معاوية ، أمّا هي الآن عند الشيعة فإنّها رمز للفساد والاستبداد والتهتّك والخلاعة ، وعنوان للزندقة والإلحاد ، فحيث يكون الشرّ والفساد فثمَّ اسم يزيد ، وحيثما يكون الخير والحقّ والعدل فثمَّ اسم الحُسين(٢) .

وقد أثر عن النّبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه نظر إلى معاوية يتبختر في بردة حبرة وينظر إلى عطفَيه ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : «أي يوم لأُمّتي منك ، وأي يوم سُوء

__________________

(١) تاريخ القضاعي من مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم العامّة.

(٢) الشيعة في الميزان / ٤٥٥.

١٧٩

لذريتي منّك ، مِن جرو يخرج مِن صُلبك ، يتّخذ آيات الله هُزُوا ويستحلّ مِن حرمتي ما حرم الله عز وجل»(١) .

نشأته :

نشأ يزيد عند أخواله في البادية مِن بني كلاب الذين كانوا يعتنقون المسيحية قبل الإسلام ، وكان مُرسَل العِنان مع شبابهم الماجنين فتأثر بسلوكهم إلى حدٍّ بعيدٍ ، فكان يشرب معهم الخمر ويلعب معهم بالكلاب.

يقول العائلي : إذا كان يقيناً أو يشبه اليقين أنّ تربية يزيد لمْ تكن إسلامية خالصة ، أو بعبارة أخرى : كانت مسيحية خالصة ، فلمْ يبقَ ما يستغرب معه أنْ يكون متجاوزاً مستهتراً مستخفّاً بما عليه الجماعة الإسلامية ، لا يحسب لتقاليدها واعتقاداتها أي حساب ولا يقيم لها وزناً ، بل الذي نستغرب أنْ يكون على غير ذلك(٢) .

والذي نراه أنّ نشأته كانت نشأة جاهلية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة ، ولا تحمل أي طابعٍ مِن الدين مهما كان ؛ فإنّ استهتاره في الفحشاء وإمعانه في المنكر والإثم ممّا يوحي إلى الاعتقاد بذلك.

صفاته :

أمّا صفاته الجسمية : فقد كان شديد الأدمة بوجهه آثار الجدري(٣)

__________________

(١) المناقب والمثالب ـ للقاضي نعمان المصري / ٧١.

(٢) سمو المعنى في سمو الذات / ٥٩.

(٣) تاريخ القضاعي.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام ، وقد قام معاوية بضيافتهم والإحسان إليهم.

مؤتمرُ الوفود الإسلاميّة :

وعقدت وفود الأقطار الإسلاميّة مؤتمراً في البلاط الاُموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد ، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الإسلام ، ولزوم طاعة ولاة الاُمور ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعمله بالسّياسة ، ودعاهم لبيعته.

المؤيّدون للبيعة :

وانبرت كوكبة مِنْ أقطاب الحزب الاُموي فأيّدوا معاوية ، وحثّوه على الإسراع للبيعة ، وهم :

1 ـ الضحّاك بن قيس

2 ـ عبد الرحمن بن عثمان

3 ـ ثور بن معن السلمي

4 ـ عبد الله بن عصام

5 ـ عبد الله بن مسعدة

وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده ، والردّ على المعارضين له.

٢٠١

خطابُ الأحنف بن قيس :

وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيّد تميم الأحنف بن قيس ، الذي تقول فيه ميسون اُمّ يزيد : لو لمْ يكن في العراق إلاّ هذا لكفاهم(1) . وتقدّم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ التفت إلى معاوية قائلاً :

أصلح الله أمير المؤمنين ، إنّ الناس في منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف ، وقد حلبت الدهر أشطره.

يا أمير المؤمنين ، فاعرف مَنْ تسند إليه الأمر مِنْ بعدك ثمّ اعصِ أمر مَنْ يأمرك ، ولا يغررك مَنْ يُشير عليك ولا ينظر لك ، وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً.

وأثار خطاب الأحنف موجةً مِن الغضب والاستياء عند الحزب الاُموي ، فاندفع الضحّاك بن قيس مندِّداً به ، وشتم أهلَ العراق ، وقدح بالإمام الحسن (عليه السّلام) ، ودعا الوفد العراقي إلى الإخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه. ولمْ يعن به الأحنف ، فقام ثانياً فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه مِنْ تسليم الأمر إلى الحسن (عليه السّلام) مِنْ بعده ؛ حسب اتفاقية الصلح التي كان من أبرز بنودها إرجاع الخلافة مِنْ بعده إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما أنّه هدّد معاوية بإعلان الحرب إذا لمْ يفِ بذلك.

__________________

(1) تذكرة ابن حمدون / 81.

٢٠٢

فشلُ المؤتمر :

وفشلَ المؤتمر فشلاً ذريعاً بعد خطاب الزعيم الكبير الأحنف بن قيس ، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاُموي ، وانبرى يزيد بن المقفّع فهدّد المعارضين باستعمال القوّة قائلاً : أمير المؤمنين هذا ـ وأشار إلى معاوية ـ ، فإنْ هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ، ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى السيف ـ.

فاستحسن معاوية قوله ، وراح يقول له : اجلس فأنت سيّد الخطباء وأكرمهم.

ولمْ يعن به الأحنف بن قيس ، فانبرى إلى معاوية فدعاه إلى الإمساك عن بيعة يزيد ، وأنْ لا يُقدّمَ أحداً على الحسن والحسين (عليهما السّلام). وأعرض عنه معاوية ، وبقي مصرّاً على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ المؤتمر لمْ يصل إلى النتيجة التي أرادها معاوية ؛ فقد استبان له أنّ بعض الوفود الإسلاميّة لا تُقِرّه على هذه البيعة ولا ترضى به.

سفرُ معاوية ليثرب :

وقرّر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محطّ أنظار المسلمين ، وفيها أبناء الصحابة الذين يُمثّلون الجبهة المعارضة للبيعة ؛ فقد كانوا لا يرون يزيداً نِدّاً لهم ، وإنّ أخذ البيعة له خروجٌ على إرادة الأُمّة ، وانحراف عن الشريعة الإسلاميّة التي لا تُبيح ليزيد أنْ يتولّى شؤون المسلمين ؛ لما عُرِفَ به مِن الاستهتار وتفسّخ الأخلاق.

٢٠٣

وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية ، وتحمّل أعباء السفر لتحويل الخلافة الإسلاميّة إلى مُلْكٍ عضوض ، لا ظل فيه للحقّ والعدل.

اجتماعٌ مغلق :

وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعقد معهم اجتماعاً مغلقاً ، ولمْ يُحضر معهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) ؛ لأنّه قد عاهد الحسن (عليه السّلام) أنْ تكون الخلافة له مِنْ بعده ، فكيف يجتمع به؟ وماذا يقول له؟ وقد أمر حاجبه أنْ لا يسمح لأي أحدٍ بالدخول عليه حتّى ينتهي حديثه معهم.

كلمةُ معاوية :

وابتدأ معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه ، وصلّى على نبيّه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فقد كبر سنّي ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أنْ اُدعى فأُجيب ، وقد رأيت أنْ استخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا. وأنتم عبادلة قريش وخيارهم وأبناء خيارهم ، ولمْ يمنعني أنْ أُحضِرَ حسناً وحُسيناً إلاّ أنّهما أولاد أبيهما علي ، على حُسنِ رأي فيهما ، وشدّة محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيراً رحمكم الله.

ولم يستعمل معهم الشدّة والإرهاب ؛ استجلاباً لعواطفهم ، ولمْ يخفَ عليهم ذلك ، فانبروا جميعاً إلى الإنكار عليه.

٢٠٤

كلمةُ عبد الله بن عباس :

وأوّل مَنْ كلّمه عبد الله بن عباس ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّك قد تكلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس مَنْ تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الأُمّة التسليم لنبيّها إذا اختاره الله له ؛ فإنّه إنّما اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم.

وكانت دعوة ابن عباس صريحةً في إرجاع الخلافة لأهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمسّهم به رحماً ؛ فإنّ الخلافة إنّما هي امتداد لمركز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأهل بيته أحقّ بمقامه وأولى بمكانته.

كلمةُ عبد الله بن جعفر :

وانبرى عبد الله بن جعفر ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخذ فيها بالقرآن فاُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاُولوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر مِنْ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ وأيمُ الله ، لو ولّوها بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ؛ لحقّه وصدقه ، ولأُطيع الرحمن وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الأُمّة سيفان ، فاتقِ الله يا معاوية ، فإنّك قد صرت راعياً ونحن رعيّة ، فانظر لرعيتك فإنّك مسؤول عنها غداً ،

٢٠٥

وأمّا ما ذكرت مِن ابنَي عمّي وتركك أنْ تحضرهم ، فوالله ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز ذلك إلاّ بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقل أو دع ، واستغفر الله لي ولكم.

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى الحقّ ، والإخلاص للأُمّة ، فقد رشّح أهل البيت (عليهم السّلام) للخلافة وقيادة الأُمّة ، وحذّره مِنْ صرفها عنهم كما فعل غيره مِن الخلفاء ، فكان مِنْ جرّاء ذلك أنْ مُنِيَتِ الأُمّة بالأزمات والنّكسات ، وعانت أعنف المشاكل وأقسى الحوادث.

كلمةُ عبد الله بن الزبير :

وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصة ، نتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتّقِ الله يا معاوية وأنصف نفسك ؛ فإنّ هذا عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلي خلّف حسناً وحُسيناً ، وأنت تعلم مَنْ هما وما هما؟ فاتّقِ الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك.

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وقد حفّزهم بذلك لمعارضة معاوية وإفساد مهمّته.

٢٠٦

كلمةُ عبد الله بن عمر :

واندفع عبد الله بن عمر ، فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستّة مِنْ أصحاب الشورى إلاّ على أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصة لمَنْ كان لها أهلاً ؛ ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، ممّن كان أتقى وأرضى ، فإنْ كنت تريد الفتيان مِنْ قريش فلعمري أنّ يزيد مِنْ فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك مِن الله شيئاً.

ولمْ تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي ، وإنّما عبّرت تعبيراً صادقاً عن رأي الأغلبية السّاحقة مِن المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد ، ولمْ يرضوا به.

كلمةُ معاوية :

وثقلَ على معاوية كلامهم ، ولمْ يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم ، فراح يشيد بابنه فقال : قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ مِن أبنائهم ، مع أنّ ابني إنْ قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول الله ، فلمّا مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر وعمر مِنْ غير معدن المُلْك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلةٍ ، ثمّ رجع المُلْك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد

٢٠٧

أخرجك الله يابن الزبير ، وأنت يابن عمر منه ، فأمّا ابنا عمّي هذان فليسا بخارجين مِن الرأي إنْ شاء الله(1) .

وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة ، وقد أخفق فيه إخفاقاً ذريعاً ؛ فقد استبان له أنّ القوم مصمّمون على رفض بيعة يزيد. وعلى إثر ذلك غادر يثرب ، ولمْ تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقد أهملت ذلك ، وأكبر الظن أنّه لمْ يجتمع بهما.

فزعُ المسلمين :

وذُعِرَ المسلمون حينما وافتهم الأنباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم ، وكان مِنْ أشدّ المسلمين خوفاً المدنيون والكوفيون ، فقد عرفوا واقع يزيد ، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للإسلام.

يقول توماس آرنولد : كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألِفوا البيعة والشورى ، والنُّظم الاُولى في الإسلام ، وهم بعدُ قريبون منها ؛ ولهذا أحسّوا ـ وخاصة في مكّة والمدينة ، حيث كانوا يتمسّكون بالأحاديث والسّنن النّبوية الاُولى ـ أنّ الاُمويِّين نقلوا الخلافة إلى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية ، مطبوع بالعظمة وحبّ الذات بدلاً مِنْ أنْ يحتفظوا بتقوى النّبي وبساطته(2) .

لقد كان إقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكماً على المسلمين تحوّلاً خطيراً في حياة المسلمين الذين لمْ يألفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فُرِضَ عليهم بقوّة السّلاح.

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

(2) الخلافة ـ لتوماس / 10.

٢٠٨

الجبهةُ المعارضة :

وأعلن الأحرار والمصلحون في العالم الإسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد ، ولمْ يرضوا به حاكماً على المسلمين ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد كان يحتقر يزيد ويكره طباعه الذميمة ، ووصفه بأنّه صاحب شراب وقنص ، وأنّه قد لزم طاعة الشيطان وترك طاعة الرحمن ، وأظهر الفساد ، وعطّل الحدود ، واستأثر بالفيء ، وأحلّ حرام الله وحرّم حلاله(1) . وإذا كان بهذه الضِعة ، فكيف يبايعه ويقرّه حاكماً على المسلمين؟!

ولمّا دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الإمام (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النّبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النّفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الأُسرة النّبوية تبعاً لزعيمهم العظيم ، ولمْ يشذّوا عنه.

الحرمان الاقتصادي :

وقابل معاوية الأسرة النّبوية بحرمان اقتصادي ؛ عقوبةً لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد ، فقد حبس عنهم العطاء سنةً كاملة(2) ، ولكنّ ذلك لمْ يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 252 ، الإمامة والسياسة 1 / 200.

٢٠٩

2 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

ومِن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقد وسمها بأنّها هرقلية ، كلّما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر(1) . وأرسل إليه معاوية مئة ألف درهم ليشتري بها ضميره فأبى ، وقال : لا أبيع ديني(2) .

3 ـ عبد الله بن الزبير :

ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد ، ووصفه بقوله : يزيد الفجور ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات(3) . ولمّا أجبرته السّلطة المحلّية في يثرب على البيعة فرّ منها إلى مكّة.

4 ـ المنذر بن الزبير :

وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد وشجبها ، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد أمام أهل المدينة ، فقال : إنّه قد أجازني بمئة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أنْ أخبركم خبره. والله ، إنّه ليشرب الخمر. والله ، إنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة(4) .

5 ـ عبد الرحمن بن سعيد :

وامتنع عبد الرحمن بن سعيد مِن البيعة ليزيد ، وقال في هجائه :

__________________

(1) الاستيعاب.

(2) الاستيعاب ، البداية والنهاية 8 / 89.

(3) أنساب الأشراف 4 / 30.

(4) الطبري 4 / 368.

٢١٠

لستَ منّا وليس خالُك منّا

يا مضيعَ الصلاةِ للشهواتِ(1)

6 ـ عابس بن سعيد :

ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد حينما دعاه إليها عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له : أنا أعرَفُ به منك ، وقد بعتَ دينك بدنياك(2) .

7 ـ عبد الله بن حنظلة :

وكان عبد الله بن حنظلة مِن أشدّ الناقمين على البيعة ليزيد ، وكان مِن الخارجين عليه في وقعة الحرّة ، وقد خاطب أهل المدينة ، فقال لهم : فو الله ، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أنْ نُرمى بالحِجارة مِن السّماء.

حياة الإمام الحُسين

إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لمْ يكن معي أحدٌ مِن الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً(3) .

وكان يرتجز في تلك الواقعة :

بعداً لمَنْ رام الفساد وطغى

وجانب الحقّ وآيات الهدى

لا يبعد الرحمنُ إلاّ مَنْ عصى(4)

__________________

(1) الحُسين بن علي (عليه السّلام) 2 / 6.

(2) القضاة ـ للكندي / 310.

(3) طبقات ابن سعد.

(4) تاريخ الطبري 7 / 12.

٢١١

موقفُ الأُسرة الاُمويّة :

ونقمت الأُسرة الاُمويّة على معاوية في عقده البيعة ليزيد ، ولكن لمْ تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي ، وإنّما كانت مِنْ أجل مصالحهم الشخصية الخاصة ؛ لأنّ معاوية قلّد ابنه الخلافة وحرمهم منها ، وفيما يلي بعض الناقمين :

1 ـ سعيد بن عثمان :

وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية ، وقد رفع عقيرته قائلاً : علامَ جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك؟! فوالله لأبي خير مِنْ أبيه ، وأُمّي خير مِنْ أُمّه ، وأنا خيرٌ مِنه ، وقد ولّيناك فما عزلناك ، وبنا نلت ما نلت!

فراوغ معاوية وقال له : أمّا قولك إنّ أباك خير مِنْ أبيه فقد صدقت ، لعمر الله إنّ عثمان لخير مِنّي ؛ وأمّا قولك إنّ أُمّك خير مِنْ أُمّه فحسب المرأة أنْ تكون في بيت قومِها ، وأنْ يرضاها بعلها ، ويُنجب ولدها ؛ وأمّا قولك إنّك خير مِنْ يزيد ، فوالله ما يسرّني أنّ لي بيزيد ملء الغوطة ذهباً مثلك ؛ وأمّا قولك إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني ، فما ولّيتموني إنّما ولاّني مَنْ هو خير مِنكم عمر بن الخطاب فأقررتموني.

وما كنت بئس الوالي لكم ؛ لقد قمت بثأركم ، وقتلتُ قتلة أبيكم ، وجعلت الأمر فيكم ، وأغنيت فقيركم ، ورفعت الوضيع منكم ...

٢١٢

وكلّمه يزيد فأرضاه ، وجعله والياً على خراسان(1) .

2 ـ مروان بن الحكم :

وشجب مروان بن الحكم البيعة ليزيد وتقديمه عليه ، فقد كان شيخ الاُمويِّين وزعيمهم ، فقال له : أقم يابن أبي سفيان ، واهدأ مِنْ تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نُظراء ، وأنّ لهم على مناوئتك وزراً.

فخادعه معاوية ، وقال له : أنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كلّ شدّة عضده ، فقد ولّيتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وإنّا مجيرو وفدك ، ومحسنو وفدك(2) .

وقال مروان لمعاوية : جئتم بها هرقلية ، تُبايعون لأبنائكم!(3) .

3 ـ زياد بن أبيه :

وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده ؛ وذلك لما عرف به مِن الاستهتار والخلاعة والمجون.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد ، وإنّه ليس أولى مِن المغيرة بن شعبة. فلمّا قرأ كتابه دعا برجل مِنْ أصحابه كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحداً غيره ، فقال له : إنّي اُريد أنْ ائتمنك على ما لم ائتمن على بطون الصحائف ؛ ائت معاوية وقل له : يا أمير المؤمنين ، إنّ كتابك ورد عليّ بكذا ، فماذا يقول

__________________

(1) وفيات الأعيان 5 / 389 ـ 390.

(2) الإمامة والسّياسة 1 / 128.

(3) الإسلام والحضارة العربية 2 / 395.

٢١٣

الناس إنْ دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبغ ، ويدمن الشراب ، ويمسي على الدفوف ، ويحضرهم ـ أي الناس ـ الحُسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر؟! ولكن تأمره أنْ يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين ، فعسانا أنْ نموه على الناس. وسار الرسول إلى معاوية فأدّى إليه رسالة زياد ، فاستشاط غضباً ، وراح يتهدّده ويقول :

ويلي على ابن عُبيد! لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد. والله ، لأردّنه إلى أُمّه سُميّة وإلى أبيه عُبيد(1) .

هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية مِن الأُسرة الاُمويّة وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين.

إيقاعُ الخلاف بين الاُمويِّين :

واتّبع معاوية سياسة التفريق بين الاُمويِّين حتّى يصفو الأمر لولده يزيد ؛ فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص واستعمل مكانه مروان بن الحكم ، ثمّ عزل مروان واستعمل سعيداً مكانه ، وأمره بهدم داره ومصادرة أمواله ، فأبى سعيد مِنْ تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله وولّى مكانه مروان ، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره ، فلمّا همّ مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شأنه ، فامتنع مروان مِن القيام بما أمره معاوية.

وكتب سعيد إلى معاوية رسالة يندّد فيها بعمله ، وقد جاء فيها : العجب ممّا صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له ، أنْ يضغن بعضنا

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 196.

٢١٤

على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره مِن الأخبثين ، وعفوه وإدخاله القطيعة بنا والشحناء ، وتوارث الأولاد ذلك!(1) .

وعلّق عمر أبو النّصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع أُسرته بقوله : إنّ سبب هذه السّياسة هو رغبة معاوية في إيقاع الخلاف بين أقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد مِنْ بعده ، فكان يضرب بعضهم ببعضٍ حتّى يظلّوا بحاجة إلى عطفه وعنايته(2) .

تجميدُ البيعة :

وجمّد معاوية رسمياً البيعة ليزيد إلى أجل آخر حتّى يتمّ له إزالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه. ويقول المؤرّخون : إنّه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب ، واطّلع على آرائهم المعادية لما ذهب إليه ، أوقف كلّ نشاط سياسي في ذلك ، وأرجأ العمل إلى وقت آخر(3) .

اغتيالُ الشخصيات الإسلاميّة :

ورأى معاوية أنّه لا يمكن بأي حالٍ تحقيق ما يصبوا إليه مِنْ تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتّع باحترام بالغ في نفوس المسلمين ، فعزم على القيام باغتيالهم ؛ ليصفو له الجو ، فلا يبقى أمامه أي مزاحم ،

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 18.

(2) السياسة عند العرب ـ عمر أبو النّصر / 98.

(3) الإمامة والسياسة 1 / 182.

٢١٥

وقد قام باغتيال الذوات التالية :

1 ـ سعد بن أبي وقاص :

ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين مِن المسلمين ، فهو أحد أعضاء الشورى ، وفاتح العراق ، وقد ثقل مركزه على معاوية فدسّ إليه سُمّاً فمات منه(1) .

2 ـ عبد الرحمن بن خالد :

وأخلص أهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وأحبّوه كثيراً ، وقد شاورهم معاوية فيمَنْ يعقد له البيعة بعد وفاته ، فقالوا له : رضينا بعبد الرحمن بن خالد ، فشقّ ذلك عليه ، وأسرّها في نفسه.

ومرض عبد الرحمن ، فأمر معاوية طبيباً يهودياً كان مكيناً عنده أنْ يأتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله ، فسقاه الطبيب فمات على أثر ذلك(2) .

3 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

وكان عبد الرحمن بن أبي بكر مِنْ أقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده ، وقد أنكر عليه ذلك ، وبعث إليه معاوية بمئة ألف درهم فردّها عليه ، وقال : لا أبيع ديني بدنياي. ولمْ يلبث أنْ مات فجأة بمكة(3) .

وتعزو المصادر سبب وفاته إلى أنّ معاوية دسّ إليه سُمّاً فقتله.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 29.

(2) الاستيعاب.

(3) المصدر نفسه.

٢١٦

4 ـ الإمام الحسن (عليه السّلام) :

وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة وإثم في الإسلام ، فقد عمد إلى اغتيال سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسن (عليه السّلام) ، الذي عاهده بأنْ يكون الخليفة مِنْ بعده.

ولم يتحرّج الطاغية مِنْ هذه الجريمة في سبيل إنشاء دولة اُمويّة تنتقل بالوارثة إلى أبنائه وأعقابه ، وقد وصفه (الميجر اُوزبورن) بأنّه مخادع ، وذو قلب خال مِنْ كلّ شفقة ، وأنّه كان لا يتهيّب مِنْ الإقدام على أيّة جريمة مِنْ أجل أنْ يضمن مركزه ؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه ، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، كما تخلّص مِنْ مالك الأشتر قائد علي بنفس الطريقة(1) .

وقد استعرض الطاغية السفّاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يرَ أحداً خليقاً بارتكاب الجريمة سوى جُعيدة بنت الأشعث ؛ فإنّها مِنْ بيت قد جُبِلَ على المكر ، وطُبِعَ على الغدر والخيانة ، فأرسل إلى مروان بن الحكم سُمّاً فاتكاً كان قد جلبه مِنْ مَلكِ الروم ، وأمره بأنْ يُغري جُعيدة بالأموال وزواج ولده يزيد إذا استجابت له ، وفاوضها مروان سرّاً ففرحت ، فأخذت مِنه السُّمّ ودسّته للإمام (عليه السّلام) ، وكان صائماً في وقت ملتهب مِن شدّة الحرّ ، ولمّا وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، والتفت إلى الخبيثة فقال لها : «قتلتيني قتلك الله. والله لا تصيبنَّ مِنّي خَلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر مِنك ، يخزيك الله ويخزيه».

وأخذ حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يعاني الآلام الموجعة مِنْ شدّة السُّمّ ،

__________________

(1) روح الإسلام / 295.

٢١٧

وقد ذبلت نضارته ، واصفرّ لونه حتّى وافاه الأجل المحتوم. وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها مِن الأحداث في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

إعلانُ البيعة رسميّاً :

وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) وريحانته ، فقد قضى على مَنْ كان يحذر منه ، وقد استتبت له الاُمور ، وخلت السّاحة مِنْ أقوى المعارضين له ، وكتب إلى جميع عمّاله أنْ يبادروا دونما أي تأخير إلى أخذ البيعة ليزيد ، ويُرغموا المسلمين على قبولها. وأسرع الولاة في أخذ البيعة مِن الناس ، ومَنْ تخلّف عنها نال أقصى العقوبات الصارمة.

مع المعارضين في يثرب :

وامتنعت يثرب مِنْ البيعة ليزيد ، وأعلن زعماؤهم وعلى رأسهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) رفضهم القاطع للبيعة ، ورفعت السّلطة المحلّية ذلك إلى معاوية ، فرأى أنْ يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فإنْ أبوا أجبرهم على ذلك. واتّجه معاوية إلى يثرب في موكب رسميّ تحوطه قوّة هائلة مِن الجيش ، ولمّا انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهدّدهم.

وفي اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وإلى عبد الله بن عباس ، فلمّا مَثُلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة ، وأخذ يسأل الحُسين (عليه السّلام) عن أبناء أخيه والإمامُ (عليه السّلام) يُجيبه ، ثمّ خطب معاوية فأشاد بالنّبي (صلّى الله عليه وآله) وأثنى عليه ، وعرض إلى بيعة يزيد ، ومنح ابنه الألقاب الفخمة ، والنعوت الكريمة ، ودعاهما إلى بيعته.

٢١٨

خطابُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :

وانبرى أبيّ الضيم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أمّا بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي المادح وإنْ أطنب في صفة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مِنْ جميع جزءاً ، وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِنْ إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النّعت ، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السُّرج ، ولقد فضلّتَ حتّى أفرطت ، واستأثرتَ حتّى أجحفت ، ومنعتَ حتّى بخلت ، وجُرْتَ حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حقٍّ مِنْ اسمٍ حقّه مِنْ نصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد مِن اكتماله ، وسياسته لأُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ تريد أنْ توهم الناس في يزيد ، كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد مِنْ نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به مِن استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحَمام السبق لأترابهنَّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصراً ، ودع عنك ما تحاول ؛ فما أغناك أنْ تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ، فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة ، فتُقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً ، ولعمر الله أورثنا الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائمَ عند موت الرسول ، فأذعن للحجّة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم : كان

٢١٩

ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية مِنْ طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

وذكرتَ قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وتأميره له ، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتّى أنِفَ القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : لا جرم يا معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري. فكيف تحتجّ بالمنسوخ مِنْ فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه مِن الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعاً وحولك مَنْ لا يُؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أنْ تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟! إنّ هذا لهو الخسران المبين! واستغفر الله لي ولكم».

وفنّد الإمام (عليه السّلام) في خطابه جميع شبهات معاوية ، وسدّ عليه جميع الطرق والنوافذ ، وحمّله المسؤولية الكبرى فيما أقدم عليه مِنْ إرغام المسلمين على البيعة لولده. كما عرض للخلافة وما منيت به مِن الانحراف عمّا أرادها الله مِنْ أنْ تكون في العترة الطاهرة (عليهم السّلام) ، إلاّ أنّ القوم زووها عنهم ، وحرفوها عن معدنها الأصيل.

وذُهل معاوية مِنْ خطاب الإمام (عليه السّلام) ، وضاقت عليه جميع السّبل ، فقال لابن عباس : ما هذا يابن عباس؟!

ـ لعمر الله إنّها لذرّيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وأحد أصحاب الكساء ، ومِن البيت المطهّر ، فاله عمّا تريد ؛ فإنّ لك في الناس مقنعاً حتّى يحكم الله

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

واقفي ، وكان من أصحاب. إلى آخره(1) .

وفيكش : حمدويه ، قال : حدّثنا الحسن بن موسى ، أنّ أحمد بن الحارث الأنماطي كان واقفيّا(2) .

وفي ظم : ابن الحارث الأنماطي(3) . ثمّ فيه : ابن الحارث واقفي(4) .

وفيست : ابن الحارث ، له كتاب ، أخبرنا به أحمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري ، عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عنه(5) .

والظاهر اتّحاد الكل ، وهو : الأنماطي الواقفي.

وفيتعق : في النقد : أحمد بن الحارث ، روى عنه المفضّل بن عمر قجخ (6) (7) ، فتأمّل(8) .

قلت : لم أعرف وجها للتأمّل ، ويأتي بعيدة عن ق ما نقله عنه ، فتدبّر.

124 ـ أحمد بن الحارث :

روى عنه المفضّل بن عمر ، قي(9) .

وزاد ق : وأحمد بن أبي الأكراد(10) . وربما يحتمل كونه الأنماطي‌

__________________

(1) الخلاصة : 202 / 5.

(2) رجال الكشي : 468 / 892.

(3) رجال الشيخ : 343 / 19.

(4) رجال الشيخ : 344 / 32.

(5) الفهرست : 36 / 112.

(6) رجال الشيخ : 153 / 229.

(7) نقد الرجال : 19 / 27.

(8) تعليقة الوحيد البهبهاني : 33 ، ولم ترد فيه عين العبارة.

(9) رجال البرقي : 21.

(10) رجال الشيخ : 153 / 229 ، وبرقم 230 : أحمد بن أبي الأكراد ، والظاهر أنّه لا ربط له بالأول.

٢٤١

المذكور.

125 ـ أحمد بن الحارث الزاهد :

ضاجخ ، عاميّ ، د(1) .

ولم أجده فيجخ ولا غيره.

126 ـ أحمد بن الحسن بن إسماعيل :

ابن شعيب بن ميثم التمّار ، أبو عبد الله(2) ، مولى بني أسد الميثمي ، من أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، واقفي. قالجش : وهو على كلّ حال(3) ثقة(4) معتمد عليه.

وعندي فيه توقّف ،صه (5) .

وفيجش بعد بني أسد : قال أبو عمرو الكشّي : كان واقفا ، وذكر هذا عن حمدويه ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، قال : أحمد بن الحسن واقف(6) .

وقد روى عن الرضاعليه‌السلام . وهو على كلّ حال ثقة ، صحيح الحديث ، معتمد عليه.

له كتاب نوادر ، يعقوب بن يزيد ، وعبيد الله بن أحمد بن نهيك ، والحسن بن محمّد بن سماعة ، عنه بكتابه عن الرجال ، وعن أبان بن عثمان(7) .

__________________

(1) رجال ابن داود : 227 / 19.

(2) قوله : أبو عبد الله ، لم يرد في المصدر.

(3) في المصدر : وجه.

(4) في المصدر : ثقة صحيح الحديث.

(5) الخلاصة : 201 / 4.

(6) رجال الكشي : 468 / 890.

(7) رجال النجاشي : 74 / 179.

٢٤٢

وفي ست بعد بني أسد : كوفي ، صحيح الحديث سليم. روى عن الرضاعليه‌السلام . وله كتاب النوادر ، أخبرنا به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن يعقوب بن يزيد الأنباري الكاتب ، عن محمّد بن الحسن بن زياد ، عنه.

ورواه حميد بن زياد ، عن أبي العبّاس عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، عنه(1) .

وفيتعق : في العيون أيضا أنّه واقفي(2) . وربما يظهر منجش توقّفه فيه ، والظاهر أنّه لروايته عن الرضاعليه‌السلام ، ويشير إليه قوله : وقد روى. إلى آخره.

وقال جدّي : روايته عنهعليه‌السلام تدلّ على رجوعه ، فإنّهم كانوا أعادي لهعليه‌السلام (3) (4) .

قلت : ربما كان الوقف بعد الرواية.

ولذا في الوجيزة : موثّق(5) ، وذكره في الحاوي في الموثّقين(6) ، إلاّ أنّ في ب ذكر روايته عنهعليه‌السلام من دون تعرّض للوقف(7) ، فتدبّر.

وفيمشكا : ابن الحسن الميثمي الثقة ، عنه محمّد بن الحسن بن زياد ، وعبيد الله بن أحمد بن نهيك ، والحسن بن محمّد بن سماعة ، ويعقوب‌

__________________

(1) الفهرست : 22 / 66.

(2) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 : 20 / 1.

(3) روضة المتقين : 14 / 43.

(4) تعليقة الوحيد البهبهاني : 33.

(5) الوجيزة : 148 / 79.

(6) حاوي الأقوال : 197 / 1044.

(7) معالم العلماء : 12 / 56.

٢٤٣

ابن يزيد ، وموسى بن عمر(1) .

127 ـ أحمد بن الحسن الاسفرايني :

أبو العبّاس المفسّر الضرير ، له كتاب المصابيح في ذكر ما نزل من القرآن في أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو كتاب حسن كثير الفوائد ، سمعت أبا العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح يمدحه ويصفه ،جش (2) .

ومثلهست إلى قوله : كثير الفوائد.

وزاد : أخبرنا به عدّة من أصحابنا ، منهم محمّد بن محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون وغيرهم ، عن أبي عبد الله أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع ، عن أبي طالب محمّد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول ، عنه(3) .

أقول : في ب ، إلى قوله : حسن(4) .

وأخبرناك : بأنّ ذكر الرجل فيه وفيجش وست من دون تعرّض لفساد المذهب يدلّ على كونه إماميّا عندهم ، فإذا أضيف إليه كونه ذا كتاب ـ سيّما في أهل البيتعليهم‌السلام ـ خصوصا وأن يصفه جماعة من أساطين الفن ويمدحه ، يدخل في سلك الحسان لا محالة.

فذكر الحاوي إيّاه في قسم الضعاف(5) ليس ينكر.

لكن الكلام مع العلاّمة المجلسي في عدم ذكره في الوجيزة ، مع ذكره أحمد بن حاتم بن ماهويه(6) وأمثاله ، فتدبّر.

__________________

(1) هداية المحدثين : 170 ، ولم يرد فيه التوثيق.

(2) رجال النجاشي : 93 / 231.

(3) الفهرست : 27 / 84.

(4) معالم العلماء : 15 / 75.

(5) حاوي الأقوال : 223 / 1165 ، وفيه : ابن الحسين الأسفراني.

(6) الوجيزة : 148 / 74.

٢٤٤

128 ـ أحمد بن الحسن بن الحسين :

اللؤلؤي ، ثقة ـ وليس بابن المعروف بالحسن بن الحسين اللؤلؤي ـ كوفي. وله كتاب اللؤلؤة(1) ، أخبرنا به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن جعفر ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عنه ، ست(2) ،صه إلى قوله : كوفي(3) .

وجش كست حتّى السند ، إلاّ التوثيق. وفيه : وليس هو الحسن بن الحسين اللؤلؤي(4) .

أقول : فيمشكا : ابن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عنه الحسن بن الحسين اللؤلؤي(5) .

129 ـ أحمد بن الحسن الرازي :

يكنّى أبا علي ، خاصّي ، روى عن أبي الحسين الأسدي. روى عنه التلعكبري ، وله منه إجازة ، لم(6) .

وفيتعق : كونه من مشايخ الإجازة يشير إلى وثاقته(7) .

قلت : في الوجيزة : ممدوح(8) .

وفيمشكا : ابن الحسن الرازي ، عنه التلعكبري(9) .

__________________

(1) في نسخة « م » : اللؤلؤ.

(2) الفهرست : 23 / 69.

(3) الخلاصة : 15 / 10.

(4) رجال النجاشي : 78 / 185.

(5) هداية المحدثين : 170.

(6) رجال الشيخ : 444 / 38.

(7) تعليقة الوحيد البهبهاني : 33.

(8) الوجيزة : 148 / 78.

(9) هداية المحدثين : 170.

٢٤٥

130 ـ أحمد بن الحسن بن عبد الملك :

روى عنه ابن الزبير ، روى عن الحسن بن محبوب ، لم(1) .

ويأتي عن غيره : ابن الحسين.

131 ـ أحمد بن الحسن بن علي :

ابن محمّد بن فضّال بن عمر بن أعين(2) ـ مولى عكرمة بن ربعي الفيّاض ـ أبو الحسين ، وقيل : أبو عبد الله. يقال : إنّه كان فطحيّا ، وكان ثقة في الحديث ، روى عنه أخوه عليّ بن الحسن. ومات(3) سنة ستّين ومائتين ،جش (4) .

ونحوهست ، وزاد : أبو الحسين بن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عنه(5) .

وكست صه ، إلاّ السند ، وزاد : أنا أتوقّف في روايته(6) .

ويأتي في أخيه محمّد عن محمّد بن مسعود أيضا كونه فطحيّا.

وفيتعق : يأتي في الحسن بن علي قوله : حرّف محمّد بن عبد الله على أبي ، مع أنّ الظاهر رجوع أبيه. فالظاهر أنّ قولجش : وكان ثقة ، أيضا من مقول القول ، لأنّ فطحيّته أظهر وأشهر من وثاقته.

هذا ، وذكر في العدّة أنّ الطائفة عملت بما رواه بنو فضّال(7) ، وطريق‌

__________________

(1) رجال الشيخ : 453 / 89 ، وفيه : ابن عبد الملك الأودي.

(2) في المصدر : ابن محمّد بن علي بن فضال بن عمر بن أيمن.

(3) في نسخة « م » : مات.

(4) رجال النجاشي : 80 / 194.

(5) الفهرست : 24 / 72.

(6) الخلاصة : 203 / 10.

(7) عدّة الأصول : 1 / 381.

٢٤٦

البناء والعمل ـ بالنحو الذي ظهر عندي ـ مرّ في الفوائد(1) .

أقول : فيمشكا : ابن الحسن بن عليّ بن فضّال الفطحي الثقة ، عنه عليّ بن الحسن أخوه ، والصفّار ، ومحمّد بن أحمد بن يحيى ، ومحمّد بن عليّ بن محبوب كما في كتابي الشيخ(2) ، وإن كان في ترك الواسطة بينهما نظر ، فإنّه شائع في تضاعيف طرق الكتاب ، وإثبات الواسطة قليل.

وهو عن عمرو بن سعيد.

وكثيرا ما يرد عليّ بن الحسن مطلقا عن أحمد بن الحسن مطلقا ، والمراد بهما هما(3) .

132 ـ أحمد بن الحسن القطّان :

كثيرا ما يروي عنه الصدوق مترضّيا(4) .

وقال في كمال الدين : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، المعروف بأبي عليّ بن عبد ربّه الرازي ، وهو شيخ كبير لأصحاب الحديث(5) .

وفي نسخة منه ومن الخصال : ابن الحسين.

وفي الأمالي : أحمد بن الحسن القطّان ، المعروف بأبي عليّ بن عبد ربّه(6) ، المعدل(7) .

والظاهر أنّه من مشايخه ،تعق (8) .

__________________

(1) تعليقة الوحيد البهبهاني : 33.

(2) تهذيب الأحكام 2 : 316 / 1292 ، الاستبصار 1 : 260 / 933.

(3) هداية المحدّثين : 170.

(4) التوحيد : 406 / 5.

(5) كمال الدين : 1 / 67.

(6) من قوله : الرازي إلى هنا ساقط من نسخة « ش ».

(7) أمالي الصدوق : 454. وفيه وفي التعليقة : العدل.

(8) تعليقة الوحيد البهبهاني : 34 ، باختلاف.

٢٤٧

قلت : الذي في نسخة من كمال الدين : حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسن القطّان ، وكان شيخا لأصحاب الحديث ببلد الري ، يعرف بأبي عليّ ابن عبد ربّه.

133 ـ أحمد بن الحسين بن أحمد :

النيسابوري ، الخزاعي ، نزيل الري ، والد الشيخ الحافظ عبد الرحمن ، عدل ، عين ، قرأ على السيّدين المرتضى والرضي رضوان الله عليهما والشيخ أبي جعفررحمه‌الله .

له الأمالي في الأخبار أربع مجلّدات ، وكتاب عيون الأحاديث ، والروضة في الفقه والسنن ، والمفتاح في الأصول والمناسك.

أخبرنا الشيخ الإمام السعيد ترجمان كلام الله جمال الدين أبو الفتوح الحسين بن عليّ بن محمّد(1) الخزاعي الرازي النيسابوري ، عن والده ، عن جدّه ، عنه ، عه(2) .

134 ـ أحمد بن الحسين بن سعيد :

ابن حمّاد بن سعيد(3) بن مهران ، مولى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، أبو جعفر الأهوازي ، الملقّب دندان.

روى عن جميع شيوخ أبيه إلاّ حمّاد بن عيسى ، فيما زعم أصحابنا القمّيّون ، وضعّفوه ، وقالوا : هو غال ، وحديثه يعرف وينكر. عنه محمّد بن الحسن الصفّار ،جش (4) .

وكذاصه وست إلى قوله : وينكر ، وزادست : الحسين بن عبيد الله‌

__________________

(1) في المصدر زيادة : ابن أحمد.

(2) فهرست الشيخ منتجب الدين : 7 / 1.

(3) في الخلاصة : سعد.

(4) رجال النجاشي : 77 / 183.

٢٤٨

وابن أبي جيد ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عنه(1) .

وزادصه علىجش : وقال ابن الغضائري : وحديثه فيما رأيته سالم ، والذي أعتمد عليه التوقّف فيما يرويه(2) .

وفيتعق : في المعراج : لا وجه لتوقّفه ، مع سلامة القدح عن المعارض(3) .

وفيه : ما أشرنا في إبراهيم بن صالح ، ومرّ في الفوائد التأمّل في غلوّ القمّيّين(4) ، وأحاديثه في كتب الحديث صريحة في خلافه ، مضافا الى أنّجش وست لم يحكما به ، بل نقلا عن الغير ، وابن الغضائري مع كثرة غمزه لم يغمز عليه(5) .

قلت : ويؤيّده : أنّ في ب ذكره وذكر مصنّفاته ، ولم يتعرّض لقدح أصلا(6) ، فهو عنده إمامي. وكونه صاحب مصنّفات مدح كما لا يخفى ، فتدبّر.

وفيمشكا : ابن الحسين بن سعيد ، عنه محمّد بن الحسن الصفّار(7) .

135 ـ أحمد بن الحسين بن عبد الملك :

أبو جعفر الأزدي ، كوفيّ ، ثقة ، مرجوع إليه. ما يعرف له مصنّف ، غير‌

__________________

(1) الفهرست : 22 / 67.

(2) الخلاصة : 202 / 8.

(3) معراج أهل الكمال : 110 / 46.

(4) فوائد الوحيد البهبهاني المطبوع ذيل رجال الخاقاني : 38.

(5) تعليقة الوحيد البهبهاني : 34 ، باختلاف.

(6) معالم العلماء : 12 / 57.

(7) هداية المحدثين : 171.

٢٤٩

أنّه جمع كتاب المشيخة وبوّبه على أسماء الشيوخ ،جش (1) .

ونحوه ست ، وزاد : سمعنا هذه النسخة من أحمد بن عبدون ، قال : سمعتها من عليّ بن محمّد بن الزبير ، عنه. وفيه : الأودي ، بدل : الأزدي(2) .

وصه كجش إلى قوله : مرجوع إليه ، وزاد : أعتمد على روايته(3) .

وفي لم : ابن الحسن بن عبد الملك الأودي ، روى عنه ابن الزبير.

روى عن الحسن بن محبوب(4) .

لكنّ الذي في طريقه الى ابن محبوب(5) ، ومشيخة التهذيب : الحسين ، وفيها أيضا : الأزدي(6) .

وفي د : ومنهم من يقول : الأزدي ، وليس بشي‌ء. وأود : اسم رجل(7) .

قلت : في حواشي الشيخ حسنرحمه‌الله علىصه : قد تتبّعت الكتب لتحقيق ضبط هذه الكلمة ، فرأيتها مضطربة ، فالتصحيف واقع قطعا ، ولكنّ الموجود في مظانّ الصحّة ، والمتكرّر كثيرا هو : الأودي ، انتهى.

وفي الحاوي : الموجود في باب الأحداث من التهذيب ، وفي باب‌

__________________

(1) رجال النجاشي : 80 / 193.

(2) الفهرست : 23 / 71.

(3) الخلاصة : 15 / 11.

(4) رجال الشيخ : 453 / 89.

(5) في الفهرست : 47 ، في ترجمة الحسن بن محبوب : الحسين بن عبد الملك الأزدي ، إلاّ أنّ في مجمع الرجال : 2 / 146 ، نقلا عن الفهرست : أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي.

(6) تهذيب الأحكام ـ المشيخة ـ 10 : 58 / 30.

(7) رجال ابن داود : 37 / 69.

٢٥٠

الاستحاضة : ابن عبد الملك الأودي(1) ، وربما يوجد في بعض المواضع(2) : ابن عبد الكريم الأودي عن الحسن بن محبوب(3) ، وهو غلط من النسّاخ(4) .

وفيمشكا : ابن الحسين بن عبد الملك الأودي ، عليّ بن محمّد بن الزبير ، وابن عقدة ، عنه. وهو عن الحسن بن محبوب.

وسبق أحمد بن الحسن بن عبد الملك ، فلا تغفل عن احتمال الاتّحاد ، بل هو الظاهر(5) .

136 ـ أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري :

فيتعق : سيذكره المصنّف في باب المصدّر بابن(6) .

وهو من المشايخ الأجلّة ، والثقات الذين لا يحتاجون الى التنصيص بالوثاقة ، ويذكر المشايخ قوله في الرجال ويعدّونه في جملة الأقوال ، ويأتون به في مقابلة أقوال أعاظم الرجال ، ويعبّرون عنه بالشيخ ، ويذكرونه مترحّما.

وهو المراد بابن الغضائري على الإطلاق ، كما صرّح به المصنّف في آخر الكتاب ، وجماعة من المحقّقين(7) ، ويظهر من تصريح العلاّمة في المقامات ، منها في إسماعيل بن مهران(8) ، وكذاطس ، منها في شريف بن‌

__________________

(1) التهذيب 1 : 30 / 80 ، 168 / 482.

(2) في الحاوي زيادة : الحسين.

(3) التهذيب 1 : 122 / 324.

(4) حاوي الأقوال : 22 / 60.

(5) هداية المحدثين : 171.

(6) منهج المقال : 398.

(7) منهم السيد الداماد في الرواشح السماوية : 111 الراشحة الخامسة والثلاثون. والمجلسي الأول في روضة المتقين : 14 / 330. والمجلسي الثاني في بحار الأنوار : 1 / 22 ، وغيرهم.

(8) الخلاصة : 8 / 6.

٢٥١

سابق(1) .

ويدلّ عليه قول الشيخ في أوّلست : ولم يتعرّض أحد منهم لاستيفاء جميعه ـ أي الرجال ـ إلاّ ما كان قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد اللهرحمه‌الله ، فإنّه عمل كتابين : أحدهما ذكر فيه المصنّفات ، والآخر ذكر فيه الأصول(2) .

وقالطس في كتابه الجامع للرجال : وعن كتاب أبي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري(3) .

وعن الشهيد الثاني الحكم بأنّه والده(4) .

وربما يكون وهما نشأ منصه في سهل بن زياد ، حيث قال : ذكر ذلك ابن نوح وأحمد بن الحسين ، ثمّ قال : وقال ابن الغضائري : إنّه كان ضعيفا(5) .

لكن بعد ملاحظةجش (6) ، ومعرفة أنّصه مأخوذة منه ، ربما يرتفع الوهم ، سيّما مع ملاحظة ما ذكرنا ، بل بعد التتبّع لا يبقى شبهة في أنّ مثل هذا الكلام عن أحمد ، وأنّه المعهود بالجرح والتعديل.

واحتمال إطلاق العلاّمة ابن الغضائري على الحسين في خصوص المقام اعتمادا على القرينة بعيد ، لعدم معهوديّة ما ذكره عنه ، بل عدم معهوديّة النقل ، فتأمّل.

__________________

(1) التحرير الطاووسي : 153.

(2) الفهرست : 1 ، وفيه : أبو الحسن.

(3) التحرير الطاووسي : 5.

(4) قال الشهيد الثاني في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد ، والد الشيخ البهائي : ومصنفات ومرويات الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري التي من جملتها كتاب الرجال.

راجع البحار : 108 / 159.

(5) الخلاصة : 228 / 2.

(6) رجال النجاشي : 185 / 490.

٢٥٢

قال الشيخ محمد : مراد العلاّمة من قوله : قال ابن الغضائري.

إلى آخره ، بيان عبارته ، إذجش اختصرها.

ومن قوله : وأحمد بن الحسين ، عبارته بعينها نقلها عنه. وقوله : قال ابن الغضائري ، ابتداء كلامه ، فتأمّل.

لأنّ الذي ذكره مغاير لما ذكره ابن الغضائري ، فإنّه قال : ضعيف في الحديث غير معتمد فيه. وابن الغضائري : ضعيف جدّا فاسد الرواية والمذهب.

مع أنّه ربما لا يظهر من عبارةجش أنّ ابن الغضائري ضعّفه ، إذ ربما يظهر أنّ ابتداء ما ذكره عن ابن الغضائري : وكان أحمد. إلى آخره.

ولم يذكر أيضا قوله : فأظهر البراءة. إلى آخره.

فلذا ذكر عبارته بعينها ولم يقل : قال أحمد ، مكان : ابن الغضائري ، لئلاّ يتوهّم كونه منجش أيضا ، فيحصل اختلال ، فتدبّر.

نعم في عبد الله بن أبي زيد عنجش ، قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله ، عن أبي غالب الزراري : كنت أعرف أبا طالب واقفا ، ثمّ عاد إلى الإمامة(1) .

لكنّ هذا مع ندرته ، ليس برؤية ما ينقل عن ابن الغضائري. وكذا ما في أحمد بن القاسم(2) .

ويزيد ما ذكرناه وضوحا : أنّجش أو غيره لم يذكر للحسين كتابين في الرجال ، بل ولا كتابا. نعم له كتاب التاريخ.

وفيصه في عمر بن ثابت : ضعيف جدّا ، قاله ابن الغضائري ، وقال‌

__________________

(1) رجال النجاشي : 232 / 617 ، وفيه : عبيد الله بن أبي زيد.

(2) رجال النجاشي : 95 / 234.

٢٥٣

في كتابه الآخر. إلى آخره(1) .

مع أنّه ربما يقول : حدّثني أبي ، ولم يعهد للحسين أب يعد في هذه المقامات ، فتتبّع.

وقال في النقد : أحمد بن الحسين بن عبيد الله(2) الغضائري ، صنّف كتاب الرجال المقصور على ذكر الضعفاء ، والظاهر أنّ ابن الغضائري الذي ينقل عنه فيصه كثيرا هو هذا ، كما صرّح به في إسماعيل بن مهران(3) وأبي الشداخ(4) (5) (6) .

أقول : جزم ولده الفاضل أيضا بكونه هو ، وبالغ في الردّ على الشهيد الثاني ، ثمّ قال : وعلى ما اخترنا ، يكفي في توثيق ابن الغضائري اعتناء المشايخ والفضلاء بأقواله وجرحه وتعديله ، سيّما العلاّمة ومن تأخّر عنه ، انتهى.

وصرّح بذلك أيضا في الحاوي(7) .

وفي مل : أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري ، له كتاب الرجال ، من المعاصرين للشيخ ، وثّقه العلاّمة(8) ، انتهى.

وفي أوائل البحار : إنّ كونه أحمد لعلّه أقوى(9) . وفي موضع آخر : هو‌

__________________

(1) الخلاصة : 241 / 10.

(2) في المصدر زيادة : ابن إبراهيم.

(3) الخلاصة : 8 / 6.

(4) الخلاصة : 191 / 37.

(5) نقد الرجال : 20 / 44.

(6) تعليقة الوحيد البهبهاني : 35.

(7) حاوي الأقوال : 8.

(8) أمل الآمل 2 : 12 / 24.

(9) بحار الأنوار : 1 / 22.

٢٥٤

الظاهر(1) .

وقال المحقّق الشيخ محمّد عند ذكر كلام للعلاّمة ـ يأتي في ترجمة حذيفة بن منصور ـ : لا يخفى دلالة كلام العلاّمة هنا على تعديل ابن الغضائري ، ثمّ قال : وإنّما المقصود هنا التنبيه على أنّ العلاّمة قائل بتوثيق ابن الغضائري ، وهو أحمد ، كما ذكرته في موضع آخر.

وعن السيّد الداماد في مواضع من حواشيه على الاختيار : اختياره(2) .

وكذا في الرواشح ، قال : وكان شريك شيخنا النجاشي في القراءة على أبيه أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله(3) .

قلت : ربما يظهر من ترجمة عليّ بن محمّد بن شيران(4) ، بل وترجمة عبد الله بن أبي عبد الله(5) ، أنّجش كان يقرأ عليه أيضا ، فلاحظ.

وفي المجمع : إنّه شيخ الشيخ والنجاشي ، وعالم عارف جليل كبير في الطائفة(6) .

هذا ، وما مرّ من المناقشة في كلام الشيخ محمّد في تصحيح كلام العلاّمة ، لعلّه ليس بمكانه ، بل الأمر كما ذكرهرحمه‌الله ، فإنّ كلمتي : ابن نوح وأحمد بن الحسين رحمهما الله ، آخر كلامجش الذي نقله العلاّمة ، وقوله : وقال ابن الغضائري ، ابتداء كلام من العلاّمةرحمه‌الله ، كما هو ظاهر لمن لاحظ الترجمة المذكورة ، ولا منافاة(7) أصلا ، سوى أنّ ما ذكرهجش نقل‌

__________________

(1) بحار الأنوار : 1 / 41.

(2) اختيار معرفة الرجال : 1 / 119.

(3) الرواشح السماوية : 112.

(4) رجال النجاشي : 269 / 705.

(5) رجال النجاشي : 219 / 572.

(6) مجمع الرجال : 1 / 108.

(7) ولا مغايرة ، ( خ ل ).

٢٥٥

بالمعنى ، وما ذكره العلاّمة عين عبارته.

قوله سلّمه الله تعالى : فإنّه قال : ضعيف في الحديث غير معتمد ، وابن الغضائري : ضعيف جدّا فاسد الرواية ، ذلك غير مضرّ في مقام النقل بالمعنى.

وقوله دام فضله : إذ ربما يظهر أنّ ابتداء ما ذكره عن ابن الغضائري : وكان أحمد. إلى آخره ، خفيّ جدّا ، إذ القدر المتيقّن فيه كونه مقول القول هو قوله : وقد كاتب. إلى آخره ، والباقي سواء في الظهور والخفاء.

وقوله : ولم يذكر البراءة ، فيه ما ذكرناه أوّلا.

وقوله : ولذا ذكر عبارته بعينها ، ربما يكون الباعث بيان ما قاله ابن الغضائري وحده فيه ، إذ الذي نقلهجش كلام ابن الغضائري وابن نوح كليهما ، فتدبّر.

137 ـ أحمد بن الحسين بن عبيد الله :

المهراني ، الآبي ، له ترتيب الأدلّة فيما يلزم خصوم الإماميّة وغيره ، ب.

وفيتعق : هو أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن عبيد الله(1) بن مهران الآبي العروضي ، يروي عنه الصدوق مترضّيا(2) (3) .

قلت : في نسختي من ب بعد الإماميّة : دفعه عن الغيبة والغائب ، المكافاة في المذهب في النقض على أبي خلف(4) .

__________________

(1) في المصدر زيادة : ابن محمّد.

(2) كمال الدين 2 : 476 / 26.

(3) تعليقة الوحيد البهبهاني : 35.

(4) معالم العلماء : 24 / 113.

٢٥٦

138 ـ أحمد بن الحسين بن عمر :

ابن يزيد الصيقل ، أبو جعفر ، كوفيّ ، ثقة من أصحابنا ، وجدّه عمر ابن يزيد بيّاع السابري ، يروي(1) عن أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ،صه (2) .

وزادجش : له كتب ، لا نعرف(3) منها إلاّ النوادر ، قرأته أنا وأحمد بن الحسينرحمه‌الله على أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عنه.

وقال أحمد بن الحسينرحمه‌الله : له كتاب في الإمامة ، أخبرنا به أبي ، عن العطّار ، عن أبيه ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عنه(4) .

أقول : فيمشكا : ابن الحسين بن عمر الثقة ، عنه محمّد بن أحمد ابن يحيى ، وأحمد بن أبي زاهر(5) .

139 ـ أحمد بن الحسين بن يحيى :

ابن سعيد الهمداني(6) ، أبو الفضل ، بديع الزمان ، الشاعر المشهور ، فاضل جليل ، إمامي المذهب ، حافظ ، أديب ، منشئ ، له مقامات عجيبة ، وله ديوان شعر ، وكان عجيب البديهة والحفظ ، مل(7) .

وهو غير مذكور في الكتابين.

__________________

(1) في المصدر : روى.

(2) الخلاصة : 19 / 41.

(3) في المصدر : لا يعرف.

(4) رجال النجاشي : 83 / 200.

(5) هداية المحدثين : 171.

(6) في المصدر : أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني.

(7) أمل الآمل 2 : 13 / 26.

٢٥٧

140 ـ أحمد بن حمّاد :

ج (1) . وزاد كر : المحمودي ، يكنّى أبا علي(2) .

وفيصه : ابن حمّاد المروزي ، روى الكشّي إنّ الماضي(3) عليه‌السلام كتب إليه يقول له : قد مضى أبوكرضي‌الله‌عنه وعنك ، وهو عندنا على حال محمودة ، ولن تبعد من تلك الحال ، وروى عنه أشياء رديّة تدلّ على ترك العمل بروايته ، وقد ذكرتها في الكتاب الكبير. والأولى عندي التوقّف عمّا يرويه(4) .

وفيكش في أحمد بن حمّاد المروزي : محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني أبو علي المحمودي محمّد بن أحمد بن حمّاد المروزي ، قال : كتب أبو جعفرعليه‌السلام الى أبي. إلى أن قال : قال المحمودي : قد كتب(5) إليّ الماضي. إلى آخر ما مرّ عنصه (6) .

ويأتي في ابنه محمّد ، وفيه : وجدت في كتاب أبي عبد الله الشاذاني(7) ، سمعت الفضل بن شاذان يقول : التقيت مع أحمد بن حمّاد المتشيّع وكان ظهر له منه الكذب ، فكيف غيره(8) .

عليّ بن محمّد القتيبي ، عن الزفري بكر بن زفرة الفارسي ، عن الحسن بن الحسين أنّه قال : استحلّ أحمد بن حمّاد منّي مالا له خطر ، ثمّ‌

__________________

(1) رجال الشيخ : 398 / 9.

(2) رجال الشيخ : 428 / 8.

(3) في المصدر : أن الباقر.

(4) الخلاصة : 204 / 17.

(5) في المصدر : وكتب.

(6) رجال الكشي : 559 / 1057.

(7) في المصدر : زيادة : بخطه.

(8) رجال الكشي : 560 / 1058.

٢٥٨

ذكر أنّه كتب الى أبي الحسنعليه‌السلام يشكوه ، فكتبعليه‌السلام : خوّفه بالله ، ففعل ولم ينفع ، فعاوده برقعة اخرى ، فكتبعليه‌السلام : إذا لم يجد(1) فيه التخويف بالله كيف نخوّفه(2) بأنفسنا(3) .

محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني أبو علي المحمودي ، قال : حدّثني أبي ، ثمّ ذكر احتجاجا حسنا له مع أبي الهذيل العلاّف في الإمامة(4) .

هذا ، والظاهر أنّ أحمد بن حمّاد : مروزي ، لكن ابنه : محمّد ، هو المكنّى بأبي علي الملقّب بالمحمودي ، من أصحاب العسكريعليه‌السلام .

وجعل الشيخ هذه الكنية واللقب لأحمد ، وعدّه من رجالهعليه‌السلام ، سهو من قلمه ، كما يأتي في محمّد ابنه. وقد عرفت منكش إنّ الماضيعليه‌السلام كتب الى محمّد ابنه لا إليه ، كما في صه.

قلت : قد سبقهطس فيه وفي التوقّف في روايته(5) .

ولا يخفى أنّه لا صراحة في خبري الذم في كونه المراد ، مضافا إلى جهالة سند الثاني ، وعلى فرض التسليم فهو معارض بترضّي الإمام عنه بعد موته ، وقوله : قد مضى وهو عندنا على حال محمودة ، والراوي ليس إلاّ محمّد ابنه.

ويأتي عنصه (6) وطس (7) جلالته ، والراوي عنه محمّد بن مسعود ،

__________________

(1) في المصدر : يحل.

(2) في المصدر : فكيف تخوفه.

(3) رجال الكشي : 561 / 1059.

(4) رجال الكشي : 561 / 1060.

(5) التحرير الطاووسي : 55 / 32.

(6) الخلاصة : 152 / 72.

(7) التحرير الطاووسي : 527 / 388.

٢٥٩

وحاله معلوم.

فما في الوجيزة من أنّه مختلف فيه(1) ، ليس بمكانه.

وأمّاصه وطس ، فتوقّفهما لظنّهما أنّه هو الراوي للمدح ، فتدبّر.

141 ـ أحمد بن حمزة بن بزيع :

قال حمدويه عن أشياخه : إنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع وأحمد بن بزيع(2) كانا في عداد الوزراء ،كش (3) .

وزادصه وقد ذكره في القسم الأوّل : وهذا لا يثبت به(4) عندي عدالته(5) .

وبخطّ الشهيد الثاني : هذا لا يقتضي مدحا ـ فضلا عن العدالة ـ إن لم يكن إلى الذنب أقرب ، وحينئذ فلا وجه لإدراجه في هذا القسم(6) .

وفيتعق : فيه إيماء إلى الجلالة ، وقربه إلى الذنب بعد اقترانه بمحمّد ابن إسماعيل كما ترى(7) .

قلت : احتمل في المجمع كونه المذكور في إبراهيم بن محمّد الهمداني(8) ، فيكون ثقة ، فتأمّل.

142 ـ أحمد بن حمزة بن عمران :

القمّي ، يأتي في عمران بن عبد الله ما يشير إلى كونه معتمدا ،تعق (9) .

__________________

(1) الوجيزة : 149 / 83 ، وفيها : ممدوح ، وفي النسخ الخطيّة منها : مختلف فيه.

(2) في المصدر : أحمد بن حمزة بن بزيع.

(3) رجال الكشي : 564 / 1065.

(4) لم يرد في المصدر : به.

(5) الخلاصة : 18 / 30.

(6) في نسختنا من تعليقة الشهيد الثاني لم ترد هذه العبارة.

(7) تعليقة الوحيد البهبهاني : 35.

(8) مجمع الرجال : 1 / 112.

(9) تعليقة الوحيد البهبهاني : 35.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470