حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام12%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 470

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 317058 / تحميل: 7227
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بن يعقوب(١)

قال ساب رسول الله وإن سألناهم عن أصحاب الرواية والمشهورين بكثرة الإسناد عن رسول الله قالوا ابن عمر(٢) وجابر بن عبد الله وعائشة وأبو هريرة ولم يذكر معهم في هذا الباب(٣) .

والذي يقال على هذا ما رويناه من كون عائشة أقرت أنه أعلم الناس بالسنة من طريق لا يتهم(٤) وأوردنا أيضا(٥) أنه عيبة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال صاحب كتاب الاستيعاب:

وعن ابن عباس في إسناد ذكره(٦) قال كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل(٧) به(٨) .

وروى صاحب العمدة(٩) عن ابن المغازلي عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه بإسناده عن النبيعليه‌السلام أنه قال علي مني كرأسي من بدني(١٠)

__________________

(١) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(٢) المصدر: وعبد الله بن عمرو.

(٣) العثمانية: ٩٣.

(٤) مرت الاشارة اليه هامش ص: ٩٩.

(٥) مرت الاشارة اليه هامش ص: ٨٣.

(٦) قال صاحب الاستيعاب: وحدثنا فضيل عن عبد الوهاب قال: حدثنا شريك عن ميسرة عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنا اذا اتانا الثبت عن علي لم نعدل به.

(٧) ن: يعدل.

(٨) الاستيعاب: ٣ / ١١٠٤.

(٩) في كل النسخ رمز اليه بحرف عليه السلام انظر: عمدة ابن البطريق: ٣٧٦ و ٣٧٧.

(١٠) مناقب ابن المغازلي: ٩٢ حديث ١٣٦ وذكره بطريق اخر بلفظ: علي مني مثل رأسي من بدني. حديث ١٣٥ ولقد روى الحديث باللفظين او بلفظ علي مني بمنزلة رأسي من بدني جماعة: اخطب خطباء خوارزم في مناقبه: ٨٧ وابن حجر في الصواعق المحرقة: ٧٥

٢٢١

وإذا تقرر هذا فكيف يقاس به غيره أو يماثل به سواه فكيف ما اعتمده الناقص(١) ساب الله من ترجيح أبي هريرة(٢) عليه المتهم عند عمر وغيره من أعيان الصحابة المقدوح فيه جدا.

وقد يكون العذر في كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يذكر عند ذكر أبي هريرة وشبهه رئاسة من أغفل ذكره برهان سفاهة أبي عثمان في كون ترك ذكره برهان غمضه إذ الخاص التمام لا يذكر مع العامة والنجوم الثواقب لا تذكر مع السها.

__________________

والقندوزي في ينابيع المودة: ٥٣ و ١٨٠ و ٢٨٤ والشبلنجي في نور الابصار: ٧٣ والخطيب في تاريخ بغداد: ٧ / ١٢ ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ٦٣ والرياض النضرة:٢ / ١٦٢.

(١) ن: الناقض.

(٢) ابو هريرة الدوسي اليماني، اختلف في اسمه فقد قيل: انه عبد الرحمن وقيل عامر: وقيل غير ذلك كان من اصحاب الصفة يتصدق عليه المسلمون وقد صحب النبي (ص) ثلاث سنين وقيل اربع.

ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وقال: يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: ابو هريرة كان يدلس. ذكره ابن عساكر.

وقال شريك شريك عن مغيرة عن ابراهيم قال: كان اصحابنا يدعون من حديث ابي هريرة وروى الاعمش عن ابراهيم قال: ما كانوا ياخذون بكل حديث ابي هريرة.

وقد استعمله عمر بن الخطاب في ايام امارته على البحرين. وذكر الذهبي في سير اعلام النبلاء عن همام بن يحيى، حدثنا اسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة، ان عمر قال لابي هريرة: كيف وجدت الامارة؟ قال: بعثتني وانا كاره ونزعتني وقد احببتها. واتاه باربعمائة الف من البحرين، فقال: ما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين الفا قال: من اين اصبتها؟ قال: كنت اتجر قال: انظر راس مالك ورزقك فخذه واجعل الاخر في بيت المال.

وتوفي ابو هريرة سنة ٥٩ وقيل ٥٨ وقيل غير ذلك.

انظر سير اعلام النبلاء: ٢ / ٥٧٨ - ٦٣٢ والبداية والنهاية: ٨ / ١٠٣ - ١١٥ والاصابة: ١٢ / ٦٣ وتهذيب التهذيب ١٢ / ٢٦٢.

٢٢٢

ولقد بلي مولاناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحداق(١) عمه(٢) تجعل عماها دليل نقص(٣) ما خفي عنها برهان التهويش لما بعده الكمه(٤) منها ومعاندين لا يزعهم عن البهت الشنيع دين ولا يمنعهم عن الإفك البين حياء.

والشمس لا يهبطها عائب

سيان دان أو غفول جهول

والنقص إذ ذاك على عائب

قد قيدته بالصغار(٥) الكبول(٦) .

وذكر أن النبيعليه‌السلام قال أقرؤكم أبي وقال أفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال معاذ(٧) .

والذي يقال على هذا إن الذي يرويه الخصم غير متقبل علينا وبعد فلا نعلم إلى من أشار بقوله أقرؤكم أفرضكم أعرفكم والأشبه أن تكون إشارة إلى مخاطبين حاضرين ولا يعرف(٨) من هم حتى تدري الفضيلة على من.

قال وإذا(٩) صرت إلى أن تسأل عن الاختيار وجودة الرأي والقوة في السلطان والضبط للعدو والعوام قالوا أبو بكر وعمر وإن سألت عن الفتوح قالوا أبو بكر وعمر وعثمان(١٠) .

__________________

(١) الحداق: مفرده الحدقة سواد العين.

(٢) عمه: مفردة اعمه وعمهاء: المتحير في طريقه كالاعمى.

(٣) ن: نقض.

(٤) كمه كمها: عمى او صار اعشى ( المنجد ).

(٥) الصغار ( بفتح الاول ): الذل.

(٦) الكبول: مفرده الكبل، القيد.

(٧) العثمانية: ٩٤.

(٨) ن: تعرف.

(٩) في المصدر: فان.

(١٠) العثمانية: ٩٤.

٢٢٣

وذكر عدو الله أن عليا لم يكن له رأي(١) وذكر خرافات لا تستند إلى دليل عمن لا يبنى(٢) على قوله.

والذي يقال على هذا(٣) أنه رد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قد شهد له بالحكمة الباهرة على غيره ذكرنا ذلك من عدة طرق ولكن الدين قيد يمنع السياسة الدنياوية السلطانية التي يرضاها غير المتقيدين بمراسم الله المنقادين إلى تدبيره(٤) المنبعثين إلى أوامره المتباعدين(٥) عن معصيته وإلا فأي وجه خفي عنه من فنون التدبير في حرب أو غيره وقد ارتضاه رسول الله صاحب لوائه في حروبه وجعله رئيس الناس لما وجهه إلى اليمن فأحسن وجعله عوض مهجته في المدينة لما توجه إلى تبوك.

وينبهك على أن الذي كان المقيد له عن تدبير الدنيا كون المغيرة بن شعبة أشار عليه باستنابة معاوية فأبى عليه ثم جاءه فصوب رأيه في عزله فقال له نصحت في الأولى وغششت في الثانية.

ألا تراه عرف وجه التدبير السياسي ومنعه منه التدبير الديني ولم يكن غيره عند من عرف السيرة متقيدا بهذه القيود.

وقد ذكر ابن أبي الحديد شيئا من هذا(٦) ولا أرى التعرض بخلصاء الصحابة رضوان الله عليهم وقد ذكرنا من تدبير غيره نبذة وذكرنا اقتداء أعيان الصحابة برأيه في عدة مواضع.

وأما ترجيحه منصوره ومن تلاه بكثرة الفتوح فإن لسان الجارودية يجيب

__________________

(١) العثمانية: ٩٤.

(٢) ن: يثنى.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٥) ج وق: المساعدين.

(٦) شرح ابن ابي الحديد: ١ / ٢٣٢.

٢٢٤

عن هذا بأن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان مصدودا(١) عن ذلك بحوادث السقيفة والشورى وكان مع ذلك في محاربة من أخبره رسول الله بمحاربتهم.

وتقول الجارودية إن الذي جرى من الفتوح كان ببركة الإسلام وجهاد من جاهد من المسلمين وإشارة أمير المؤمنينعليه‌السلام بإنفاذ الجيوش إلى فارس وتخلف عمر عنهم وذلك أصل روح الفتوح.

وقد ذكر(٢) أبو عمر يوسف بن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب أنه لما ورد على عمر إجماع أهل أصبهان وهمدان والري وآذربيجان وأن ذلك أقلقه شاور أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأشار عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٣) أن يبعث إلى أهل الكوفة فيسير ثلثاهم كذا ويبقى ثلثهم على ذراريهم وأيضا(٤) إلى أهل البصرة وأن الله تعالى فتح عليه أصبهان وذلك ببركة رأي أمير المؤمنينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذا عاضد لما وصفناه به من حكمته ومجيد رأيه(٥) وشرف بصيرته. قال بعد ما حكينا عنه من الخرافات الرادة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصفه أمير المؤمنينعليه‌السلام بالحكمة والفضل الجم والخيرية على جميع البشر إن عليا ما كان يساوي أبا بكر ولا يجاريه ولا يدانيه ولا يقاربه وإنه كان في طبقة أمثاله طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد(٦) .

والجواب عن هذا السبب بما أنه غير مستغرب(٧) ممن سب الله تعالى أن

__________________

(١) ن: مصدوفا.

(٢) لم اعثر عليه في كتاب الاستيعاب ولكن ابا نعيم ايضا ذكره في اخبار اصفهان: ١ / ١٩.

(٣) ن: ويبعث.

(٤) لا توجد في: ن.

(٥) ن: اراءه.

(٦) العثمانية: ٩٧.

(٧) ن: بعيد.

٢٢٥

يسب عليا وقد سبق تقرير ذلك وأن الفرقة الخارجية لو سمعت بهذا أنفت منه فإن قائلهم ما تعدى الأخذ عليه بالتحكيم حيث يقول

كان علي قبل تحكيمه

جلدة بين العين والحاجب

ولو أن هذا الخبيث عول على عمدة يبني عليها أو سيرة بينة يشار إليها كان لقوله وجه ولكنه يتفوه(١) بما تفوه به غير معتمد على أس ولا بان على أصل شغل الحنق(٢) الشانئ وقاعدة المبغض القالي.

وقد ذكرنا ما يرد عليه من ذلك ونزيده(٣) إيضاحا بعد حديثين نذكرهما شاهدين بفضله على جميع العرب أحدهما(٤) يقتضي الفضل على جميع المسلمين.

روى(٥) صاحب العمدة(٦) عن ابن المغازلي بإسناده المتصل عن رسول الله إن عليا سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين(٧)

__________________

(١) ن: تفوه.

(٢) الحنق: الحاقد.

(٣) ج وق: يزيده.

(٤) في كل النسخ: واحدهما.

(٥) في كل النسخ: وروى.

(٦) في كل النسخ رمز اليه بحرف عليه السلام انظر: العمدة لابن البطريق: ٣٥٦.

(٧) مناقب ابن المغازلي: ١٠٤ قال: اخبرنا ابو طاهر محمد بن علي بن محمد البيّع البغدادي فيما كتب به اليّ يخبرني ان ابا احمد عبيد الله بن ابي مسلم الفرضي حدثهم قال: حدثنا: ابو العباس احمد بن محمد بن سعيد الحافظ حدثنا محمد بن اسماعيل بن اسحاق حدثنا محمد بن عديس حدثنا جعفر الاحمر حدثنا هلال الصوّاف عن عبد الله بن كثير - او كثير بن عبد الله - عن ابن اخطب عن محمد بن عبد الرحمن بن اسعد بن زرارة الانصاري عن ابيه قال: قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله : - لما كان ليلة اسري بي الى السماء اذا قصر احمر من ياقوت يتلألأ فاوحى اليّ في علي انه سيد المسلمين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين.

٢٢٦

وفي رواية عائشة بالسند إليها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا عائشة إذا سرك أن تنظري(١) إلى سيد العرب فانظري إلى(٢) علي بن

__________________

وبطريق ثان عن عبد الله بن اسعد بن زرارة عن ابيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :انتهيت ليلة اسري بي الى سدرة المنتهى، فاوحى اليّ في علي ثلاث: انه امام المتقين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين الى جنات النعيم.

ورواه ايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٣٧ بزيادة في اوله: اوحي الي في علي ثلاث.

وذكره ايضا المتقى في كنز العمال: ٦ / ١٥٧ بزيادة في اوله: لما عرج بي الى السماء انتهى بي الى قصر من لؤلؤ من ذهب يتلألأ فاوحى اليّ ربي في علي ثلاث خصال ( وساق الحديث ).

وذكره ايضا بطريق ثان: ٦ / ١٥٧ قال في اوله: ليلة اسري بي اتيت على ربي عز وجل فاوحى اليّ في علي بثلاث الى اخره.

وذكره ايضا ابن حجر في الاصابة: ج ٤ القسم ١ ص ٣٣ وابن الاثير في اسد الغابة: ١ / ٦٩ و ٣ / ١١٦ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٧٧ والهيثمي في مجمع الزوائد: ٩ / ١٢١.

وذكر ابو نعيم في حليلة الاولياء: ١ / ٦٦.

بسنده عن الشعبي قال: قال علي عليه‌السلام : قال لي رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: مرحبا بسيد المسلمين وامام المتقين فقيل لعلي عليه‌السلام : فأي شيء كان من شكرك؟ قال: حمدت الله تعالى على ما اتاني، وسألته الشكر على ما اولاني وان يزيدني مما اعطاني.

وذكر ايضا ابو نعيم في حليته: ١ / ٦٣.

بسنده عن انس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: يا انس اسكب لي وضوء، ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين، قال انس: قلت اللهم اجعله رجلا من الانصار، وكتمته اذ جاء علي عليه‌السلام فقال: من هذا يا انس؟ فقلت: علي فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه ويمسح عرق علي عليه‌السلام بوجهه، قال علي عليه‌السلام : يا رسول الله لقد رايتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل، قال: وما يمنعني وانت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي.

(١) في كل النسخ: تنظرين.

(٢) لا توجد في: ن.

٢٢٧

أبي طالب(١)

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي: ٢١٣.

بسنده عن سلمة بن كهيل قال: مر علي بن ابي طالب على رسول الله (ص) وعنده عائشة فقال:

يا عائشة اذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب فقلت: الست سيد العرب؟ فقال: انا امام المسلمين وسيد المتقين فاذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب.

وذكر حديثين اخرين احدهما بسنده عن سعيد بن جبير عن عائشة قالت: اقبل علي بن ابي طالب فقال النبي (ص): من سره ان ينظر الى سيد شباب العرب فلينظر الى علي، فقلت: يا رسول الله الست سيد شباب العرب؟ قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد شباب العرب.

والحديث الاخر بسنده عن سعيد بن جبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب.

وايضا رواه الخطيب البغدادي في تاريخه: ١١ / ٨٩.

بسنده عن سلمة بن كهيل قال: مر علي بن ابي طالب عليه‌السلام على النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم وعنده عائشة فقال لها اذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب، فقالت: يا نبي الله الست سيد العرب؟ فقال: انا امام المسلمين وسيد المتقين، واذا سرك ان تنظري الى سيد العرب فانظري الى علي بن ابي طالب.

وذكره ايضا المتقى في كنز العمال: ٦ / ١٥٧ وايضا في كنز العمال: ٦ / ٤٠٠ قال:

عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله انت سيد العرب، قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وذكر ابو نعيم في حلية الاولياء: ٥ / ٣٨.

بسنده عن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: يا انس ان عليا سيد العرب فقالت عائشة الست سيد العرب؟ قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وروى الحاكم في مستدرك الصحيحين: ٣ / ١٢٤.

بسنده عن سعيد بن جبير عن عائشة ان النبي - صلى الله عليه ( وآله ) وسلم - قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٢٤.

بسنده عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: ادعوا لي سيد

٢٢٨

وروى بالإسناد المتصل عن أنس قال:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله عز وجل خلق خلقا ليس من ولد آدم ولا من ولد إبليس يلعنون مبغض(١) علي بن أبي طالب قيل(٢) يا رسول الله و(٣) من هم قال(٤) القنابر ينادون في السحر على رءوس الشجر ألا لعنة الله على مبغض(٥) علي بن أبي طالب(٦) .

وروى أبو نعيم بإسناده إلى مقاتل بن سليمان في قول الله عز وجل( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) الآية(٧) نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام وذلك أن نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه(٨)

__________________

العرب فقلت: يا رسول الله الست سيد العرب؟ قال: انا سيد ولد ادم وعلي سيد العرب.

وروى الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١١٦ وابن حجر في صواعقه: ص ٧٣ وابو نعيم ايضا في حلية الاولياء: ١ / ٦٣ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٧٧ احاديث بالمضامين المتقدمة .

(١) في المصدر: مبغضي.

(٢) في المصدر: قالوا.

(٣) في المصدر: من هم.

(٤) في المصدر باضافة: هم.

(٥) في المصدر: مبغضي.

(٦) مناقب ابن المغازلي: ١٤٢ حديث ١٨٧ قال:

اخبرنا ابو نصر بن الطحان اجازة عن القاضي ابي الفرج الخيوطي قال: حدثني احمد بن الحسن اخبرنا محمد بن الحسن حدثنا المقدام بن داود حدثنا اسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن انس وساق الحديث واخرجه عبد الله الشافعي في مناقبه وجمال الدين ابن حسنويه في در بحر المناقب على ما في احقاق الحق: ٧ / ٢٢١.

(٧) تتمها:( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) . الاحزاب: ٥٨.

(٨) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط وذكره ايضا الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية قال:وقيل: نزلت في ناس من المنافقين يوذون عليا عليه‌السلام ويسمعونه وايضا ذكره الواحدي في اسباب النزول: ص ٢٧٣.

وذكره الزمخشري ايضا في الكشاف في تفسير قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ) في سورة المطففين قال:

٢٢٩

وفي هاتين الروايتين دليل على وعيد الجاحظ الشديد(١) وفيما سلف عند التنقيح(٢) شاهد بأن الجاحظ ساب الصحابة(٣) يفهمه من اعتبر.

قال فإن قالوا إن عليا كان أزهد فيما تناحر(٤) الناس عليه ولأن أزهد الناس في الدنيا أعلمهم بأعمال الآخرة(٥) قلنا صدقتم في صفة الزهد ولكن أبا بكر أزهد منه(٦) .

وتعلق بأنه كان ذا مال كثير فأنفقه في سبيل الله وكانت تركته يوم مات بعير ناضح(٧) وعبد صيقل(٨) مع الخلافة وكثرة الفتوح والغنائم والخراج والصدقة وكان علي مخفقا يعال ولا يعول فاستفاد الرباع والمزارع والعيون والنخيل ومات ذا مال وأوقاف وما يحسب ماله ووقفه بينبع إلا مثل كل شيء ملكه أبو بكر مذ كان في الدنيا إلى أن فارقها وتزوج فأكثر وطلق فأكثر حتى عابه بذلك معاوية(٩) .

__________________

وقيل: جاء علي بن ابي طالبعليه‌السلام في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا الى اصحابهم فقالوا: راينا اليوم الاصلع، فضحكوا منه فنزلت قبل ان يصل عليعليه‌السلام الى رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلم.

وذكره ايضا الفخر الرازي في تفسيره في ذيل الآية المذكورة: ٣١ / ١٠١.

(١) ج وق: السديد.

(٢) ن: التقبيح.

(٣) ن: للصحابة.

(٤) ق: شاجر. وتناحر الناس عليه: تخاصموا وتشاحوا فكاد بعضهم ينحر بعضا ( المنجد ).

(٥) في المصدر: ولان ازهد الناس في الدنيا ارغبهم في الآخرة، ولان ارغبهم في الآخرة اعلمهم باحوال الآخرة.

(٦) العثمانية: ٩٧.

(٧) ن بزيادة: كتابة.

(٨) ن: عبد صقلبي، وعبد صيقل: نحيف، يقال: صقلت الناقة اذا اضمرتها وصقلها السير اذا اضمرها ( لسان العرب: صقل ).

(٩) العثمانية: ٩٧ - ٩٨.

٢٣٠

قال واستشهد وعنده تسع عشرة سرية وأربع نسوة عقائل ولا سواء من كان ذا مال فأنفقه ومن كان مقلا فكسبه ولم يتزوج أبو بكر في خلافته امرأة(١) ولا اتخذ سرية ولا تفكه بشيء(٢) .

وذكر أنه رد عمالته على بيت المال أوصى بذلك بني تيم ولم ينقل عن علي ذلك(٣) .

وضعف مقابلة ذلك بكونه كان ينضح بيت المال في كل جمعة ويصلي فيه ركعتين بما أنه فرق بين من يعطي ماله إلى من يعطي مال غيره(٤) .

ويحسن أن أنشد عند هذا

هتفت تبارى البدر والبدر كامل

منير بدت في الخافقين ذوائبه

ترفع عن شبه ولو مد باعه

ضياء تراءت زهره وثواقبه

يحالفه من طاب فرعا ومحتدا

كما يتجافاه خبيث مناسبه

سيجني ثمار البغي والعرض قائم

وقد رجفت أخطاره ونوائبه

وكان قسيم الخلد والنار آمنا

به ري ظمآن عدته(٥) مشاربه

كما لأعاديه الشقاء وذائد

عن الحوض رصت بالنمير جوانبه.

وأقول بعد هذا غير صالح(٦) في الطعن على الصحابة بل على من يسلط الطعن على الصحابة والقرابة مؤكدا بذلك الوقيعة بين المسلمين.

ومن الجواب له عما سبح فيه كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام

__________________

(١) لا توجد في: ق.

(٢) العثمانية: ٩٨.

(٣) العثمانية: ٩٨.

(٤) العثمانية: ٩٩.

(٥) ج: غذته.

(٦) في النسخ: سالح.

٢٣١

لمعاوية - وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حن قدح ليس منها وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها(١) في كلام بسيط لمولانا تضمنته مطاوي كتاب نهج البلاغة في الكتاب الشهير البليغ إلى معاوية هذا كلامه لمنافي كذا ذي عشيرة(٢) ورئاسة قديمة وحديثة.

وأما أبو عثمان فليس من ذوي الأنساب العريقة والمنازل في الدنيا الرفيعة فيحسد عليها أربابها وينازع(٣) أصحابها ولا له بالقبيلين تعلق نسب(٤) أو موالاة بعبودية على ما أعرف.

وهذا يدلك على أنه خبيث الولادة رديء الطبيعة إذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بوروا(٥) أولادكم بحب علي(٦) .

__________________

(١) الكتاب رقم ٢٨ من نهج البلاغة.

(٢) ق: عشرة.

(٣) ن: يبارع.

(٤) ق: كسب.

(٥) ن: برروا وبوروا: اختبروا، باره يبوره: جربه واختبره.

(٦) ذكره الحافظ الجرزي في اسنى المطالب: ٨.

عن ابي سعيد الخدري قال: كنا معشر الانصار نبور أولادنا بحبهم عليا - رضي‌الله‌عنه - فاذا ولد فينا مولود فلم يحبه عرفنا انه ليس منا.

وايضا في نفس الكتاب المذكور ص ٨.

ذكر عن عبادة بن الصامت: كنا نبور اولادنا بحب علي بن ابي طالب - رضي‌الله‌عنه -، فاذا راينا احدهم لا يحب علي بن ابي طالب علمنا انه ليس منا وانه لغير رشدة.

ثم قال الحافظ المذكور بعد ذكر هذا الحديث:

وهذا مشهور من قديم والى اليوم انه ما يبغض عليا - رضي‌الله‌عنه - الا ولد زنا.

وكذلك ذكره الشيخ محمد طاهر بن علي الصديقي في مجمع بحار الانوار ١ / ١٢١ ( على ما في احقاق الحق: ٧ / ٢٦٦ ) قال:

٢٣٢

ويؤيد هذا ما رواه أخطب خطباء خوارزم مرفوعا إلى زيد بن يثيع(١) يسنده إلى أبي بكر يقول رأيت رسول الله خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسينعليه‌السلام فقال(٢) يا معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة وحرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم(٣) لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب الولادة(٤) ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء الولادة فقال رجل(٥) يا زيد أنت سمعت منه(٦) قال إي ورب الكعبة(٧) .

__________________

ومنه: كنا نبور اولادنا بحب علي. وقال الزبيدي في تاج العروس في مادة ( بور ):

ومنه الحديث، كنا نبور اولادنا بحب علي - رضي‌الله‌عنه -. وذكر الحديث ايضا ابن الاثير في النهاية: ١٦١ مادة ( بور ) وقد تقدم منا ذكر بعض المصادر التي اشارت الى ان بغض علي دليل على خبث الولادة وحبه على طيب الولادة هامش ص (٢٣).

(١) ق: بثيع.

(٢) في المصدر: فقال رسول الله (ص).

(٣) في المصدر: وولي لمن والاهم وعدو لمن عاداهم.

(٤) في المصدر: طيب المولد.

(٥) في المصدر: لزيد.

(٦) في المصدر: انت سمعت ابا بكر يقول هذا؟.

(٧) مناقب الخوارزمي: ٢١١ قال: وبهذا الاسناد عن ابي سعد السمان هذا اخبرني ابو سعيد احمد ابن محمد الماليني بقرائتي عليه حدثني ابو بكر محمد بن يحيى بن حيان الدير عاقولي حدثني محمد بن الحسين بن حفص الاشناني حدثني محمد بن علي الفارسي عن سليمان بن حرب عن يونس بن سليمان التميمي عن ابيه عن زيد بن يثيع قال: سمعت ابا بكر الصديق يقول: رأيت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] الحديث ورواه ايضا المحب الطبري في الرياض النضرة:٢ / ١٩٩.

وفي اسد الغابة: ٣ / ١١.

بسنده عن صبيح مولى ام سلمة قال: كنت بباب رسول الله - صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم - فجاء علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فجلسوا ناحية، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: انكم على خير، وعليه كساء خيبري فجللهم به فقال: انا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم.

وذكره ايضا الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٦٩.

٢٣٣

أما دعوى المشار إليه أنه كان لأبي بكر رضوان الله عليه مال كثير فأنفقه في سبيل الله فدعوى لم يثبت أبو عثمان برهانها ولم يوضح دليلها وللجارودية من الزيدية أن يقولوا فرق بين دعوى لم يعضدها البرهان ودعوى عضدها البرهان إذ قد روى غيرنا ممن لا يتهم نزول الآي المتكاثر في صدقة علي وشكر الله تعالى له على ذلك وثناءه عليه مثل قوله تعالى( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها

__________________

وروى الترمذي في صحيحه: ٢ / ٣١٩.

بسنده عن صبيح مولى ام سلمة عن زيد بن ارقم ان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : انا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.

وروى هذا ايضا ابن ماجة في صحيحه: ص ١٤ والحاكم في مستدركه: ٣ / ١٤٩ وابن الاثير في اسد الغابة: ٥ / ٥٢٣ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٢١٦ والمحب الطبري في ذخائر العقبى:

ص ٢٥.

وروى احمد بن حنبل في مسنده: ٢ / ٤٤٢.

بسنده عن ابي هريرة، قال: نظر النبي صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم الى علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام فقال: انا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.

ورواه ايضا الحاكم في مستدركه: ص ١٤٩ والخطيب البغدادي في تاريخه: ٧ / ١٣٦ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٢١٦.

وذكر المحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ٢٣ قال:

وعنها - يعني ام سلمة قالت كان النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم عندنا منكسا راسه فعملت له فاطمة عليها‌السلام حريرة فجاءت ومعها حسن وحسين عليهما‌السلام فقال لها النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: اين زوجك؟ اذهبي فادعيه فجاءت به فاكلوا فاخذ كساء فاداره عليهم وامسك طرفه بيده اليسرى، ثم رفع اليمنى الى السماء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي وخاصتي، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا انا حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم، عدو لمن عاداهم.

٢٣٤

شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً ) ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (١) .

روى ذلك الثعلبي(٢) وأبو نعيم الحافظ(٣) رواه الثعلبي بأسانيد متعددة عن ابن عباس في قول الله عز وجل( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (٤) قال مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامة العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت نذرا وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء فقال عليرضي‌الله‌عنه إن برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا وذكر عن فاطمة وفضة نحو ذلك فبرءا وليس عند آل محمد قليل ولا كثير فانطلق علي إلى شمعون بن حانا(٥) الخيبري وكان يهوديا فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير.

وفي حديث المزني عن ابن مهران فانطلق علي إلى جار له من اليهود يعالج الصوف يقال له شمعون بن حانا(٦) فقال هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها ابنة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة أصوع من شعير فقال نعم فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة بذلك فقبلت

__________________

(١) الدهر: ٧ الى ٢٢.

(٢) الكشف والبيان: مخطوط.

(٣) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(٤) الدهر: ٧.

(٥) ق: جانا.

(٦) ق: جانا.

٢٣٥

وأطاعت فقامت فاطمة رضوان الله عليها إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص(١) وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغرب ثم أتى(٢) المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة وذكر شعرا(٣) قال فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته(٤) وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فوقف بالباب فقال السلام عليكم أهل بيت محمد يتيم من

__________________

(١) ج وق: قرصا.

(٢) ن: اتى الى المنزل.

(٣) والشعر كما جاء في تفسير القرطبي: ١٩ / ١٢٩.

فاطم ذات الفضل واليقين

يا بنت خير الناس اجمعين

اما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين

يشكوا الى الله ويستكين

يشكو الينا جائع حزين

كل امرى بكسبه رهين

وفاعل الخيرات يستبين

موعدنا جنة عليين

حرمها الله على الضنين

وللبخيل موقف مهين

تهوى به النار الى سجين

شرابه الحميم والغسلين

من يفعل الخير يقم سمين

ويدخل الجنة اي حين

فانشات فاطمة رضي الله عنها تقول:

امرك عندي يابن عم طاعة

ما بي من لوم ولا وضاعة

غديت في الخبز له صناعة

اطعمه ولا ابالي الساعة

ارجو اذا اشبعت ذا المجاعة

ان الحق الاخيار والجماعة

وادخل الجنة لي شفاعة

(٤) ق: واخبزته.

٢٣٦

أولاد المهاجرين استشهد أبي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه عليرضي‌الله‌عنه وذكر شعرا(١) قال فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما كان في اليوم الثالث قامت فاطمة رضي الله عنها إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته(٢) وصلى علي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال السلام عليكم أهل بيت محمد تأسرونا وتشدونا ولا تطعمونا أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله من(٣) موائد الجنة فسمعه علي وذكر شعرا(٤)

__________________

(١) وهو ايضا كما جاء في المصدر السابق:

فاطم بنت السيد الكريم

بنت نبي ليس بالزنيم

لقد اتى الله بذي اليتيم

من يرحم اليوم يكن رحيم

ويدخل الجنة اي سليم

قد حرم الخلد على اللئيم

الا يجوز ( كذا ) الصراط المستقيم

يزل في النار الى الجحيم

شرابه الصديد والحميم

فانشات فاطمة رضي الله عنها تقول:

اطعمه اليوم ولا ابالي

واوثر الله على عيالي

امسوا جياعا وهم اشبالي

اصغرهم يقتل في القتال

بكربلا يقتل باغتيال

يا ويل للقاتل من وبال

تهوى به النار الى سفال

وفي يديه الغل والاغلال

كبولة زادت على الاكبال

(٢) ق: اخبزته.

(٣) ج: على.

(٤) وهو ايضا كما جاء في تفسير القرطبي: ١٩ / ١٢٩.

فاطم يا بنت النبي احمد

بنت نبي سيد مسود

وسماه ( كذا ) الله فهو محمد

قد زانه الله بحسن اغيد

٢٣٧

قال فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما أن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم أخذ عليرضي‌الله‌عنه بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين وأقبل نحو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما بصر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني(١) ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال وا غوثاه يا أهل بيت محمد(٢) تموتون جوعا فهبط جبرئيلعليه‌السلام فقال يا محمد خذها هناك الله في أهل بيتك قال وما آخذ يا جبرئيل فأقرأه( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) إلى قوله( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) إلى آخر السورة قال وزاد ابن مهران في هذا الحديث فوثب النبي - صلى الله عليه

__________________

هذا اسير للنبي المهتد

مثقل في غله مقيد

يشكو الينا الجوع قد تمدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلى الواحد الموحد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

اعطيه لا لا تجعليه اقعد

فانشات فاطمة رضي الله عنها تقول:

لم يبق مما جاء غير صاع

قد ذهبت كفي مع الذراع

ابناي والله هما جياع

يا رب لا تتركهما ضياع

ابوهما للخير ذو اصطناع

يصطنع المعروف بابتداع

عبل الذراعين شديد الباع

و ما على رأسي من قناع

الا قناعا نسجه انساع

(١) ن: ساءني.

(٢) لا توجد في: ن.

٢٣٨

[ وآله ] - حتى دخل على فاطمة فلما رأى ما بهم انكب(١) عليهم يبكي ثم قال لهم أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم فهبط جبرئيلعليه‌السلام بالآيات( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً ) (٢)

قال هي عين في دار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفجر إلى دار الأنبياءعليهم‌السلام والمؤمنين( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضة الغرض من الحديث(٣) .

قال والله ما قالوا ذلك بألسنتهم ولكنهم أضمروه في نفوسهم فأخبر(٤) الله تعالى بإضمارهم وذكر فنونا قال بعدها قال ابن عباس فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا ضوء كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان بها فيقول أهل الجنة يا رضوان قال ربنا عز وجل( لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً ) (٥) فيقول لهم رضوان ليست هذه بشمس ولا قمر ولكن هذه فاطمة وعلي ضحكا ضحكا أشرقت الجنان من نور ضحكهما وفيهما أنزل الله سبحانه وتعالى( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) إلى قوله( وَكانَ

__________________

(١) ن: اقبل.

(٢) الدهر: ٥ - ٦.

(٣) ولقد روى ايضا نزول هذه الآيات في أهل البيتعليهم‌السلام جمع من العامة وبالفاظ مختلفة منهم: ابن الاثير في اسد الغابة ٥ / ٥٣٠ والواحدي في اسباب النزول: ٣٣١ والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) والشبلنجي في نور الابصار: ١٠٢ والزمخشري في تفسير قوله تعالى( وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢٢٧ وفي ذخائر العقبى: ١٠٢ والفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل الآية والقرطبي في تفسيره: ١٩ / ١٢٩ وسبط ابن الجوزي في التذكرة: ٣٢٢ والكنجي في كفاية الطالب: ٢٠١ والخازن في تفسيره: ٧ / ١٥٩ والالوسي في روح المعاني: ٢٩ / ١٥٧.

(٤) ق: فاحسن.

(٥) الدهر: ١٣.

٢٣٩

سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) .

وروى حديث الصدقة في حال الركوع(١) أبو نعيم من عدة طرق(٢) وكذا روى حديث الصدقة أمام النجوى(٣) من عدة طرق(٤) وكذا روى حديث الصدقة ليلا ونهارا وفي(٥) السر والعلانية من عدة طرق(٦) . أقول ولو لم يكن إلا جوده بمهجته وشكر الله تعالى له على فعلته المقترنة بمخالصته(٧) لكفى.

وإن في القصة الأولى من المعنى الأعظم والعلى الأضخم والمجد الأوسم والدين الأقوم والسخاء الأشهر المعلم ما يفوق صدقات البرايا على ما يعرف عدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه ذو الفخر الذي لا يصل فخر إليه ولا تقف بإزائه دعاو لا يعلم برهانها ولا يثبت أركانها ولو ثبت لم تكن مناسبة لما ذكرناه في هذه القصة ولا في آية النجوى الذي تفرد علي دون المسلمين كافة بها وعاتب الله تعالى المسلمين عداه في البعد عنها(٨) .

__________________

(١) اشارة الى الآية:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) المائدة: ٥٥ ونزولها بشان أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وسوف يأتي الكلام حولها ص: (١٣١).

(٢) معرفة الصحابة مخطوط.

(٣) اشارة الى الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المجادلة: ١٢ وايضا وقد مرّ الكلام حولها ص (٤٧).

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٥) ج وق: لا توجد.

(٦) اشارة الى الآية:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة: ٢٧٤ وقد مرّ الكلام حولها ايضا في ص (٤٨).

(٧) ن: لمخالصته.

(٨) اشارة الى الآية:( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) : المجادلة: ١٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٩ ـ المظالم الهائلة على الشيعة :

وذهبت نفس الإمام الحُسين أسى على ما عانته الشيعة ـ في عهد معاوية ـ مِنْ ضروب المحن والبلاء ، فقد أمعن معاوية في ظلمهم وإرهاقهم. وفتك بهم فتكاً ذريعاً ، وراح يقول للإمام الحُسين : يا أبا عبد الله ، علمت أنّا قتلنا شيعة أبيك فحنّطناهم وكفّناهم وصلّينا عليهم ودفناهم(١) .

وقد بذل قصارى جهوده في تصفية الحساب معهم ، وقد ذكرنا عرضاً مفصّلاً لما عانوه في عهد معاوية ، وخلاصته :

١ ـ إعدام أعلامهم : كحِجْر بن عَدِي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وصيفي بن فسيل وغيرهم.

٢ ـ صلبهم على جذوع النخل.

٣ ـ دفنهم أحياءً.

٤ ـ هدم دورهم.

٥ ـ عدم قبول شهادتهم.

٦ ـ حرمانهم من العطاء.

٧ ـ ترويع السيّدات مِنْ نسائهم.

٨ ـ إذاعة الذعر والخوف في جميع أوساطهم.

إلى غير ذلك مِنْ صنوف الإرهاق الذي عانوه ، وقد ذُعِرَ الإمام الحُسين (عليه السّلام) ممّا حلّ بهم ، فبعث بمذكرته الخطيرة لمعاوية التي سجّل فيها جرائم ما ارتكبه في حقّ الشيعة ، وقد ذكرناها في البحث عن حكومة معاوية.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٦.

٢٨١

لقد كانت الإجراءات القاسية التي اتّخذها الحكم الأموي ضدّ الشيعة مِنْ أسباب ثورته ، فهبّ لإنقاذهم مِنْ واقعهم المرير وحمايتهم مِنْ الجور والظلم.

١٠ ـ محو ذكر أهل البيت (عليهم السّلام) :

ومِنْ ألمع الأسباب التي ثار مِنْ أجلها أبو الشهداء (عليه السّلام) هو أنّ الحكم الاُموي قد جهد على محو ذكر أهل البيت (عليهم السّلام) واستئصال مآثرهم ومناقبهم. وقد استخذم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل ، وهي :

١ ـ افتعال الأخبار في الحطّ مِنْ شأنهم.

٢ ـ استخدام أجهزة التربية والتعليم لتربية النشء على بغضهم.

٣ ـ معاقبة مَنْ يذكر مناقبهم بأقصى العقوبات.

٤ ـ سبّهم على المنابر والمآذن وخطب الجمعة.

وقد عقد الإمام الحُسين (عليه السّلام) مؤتمره السياسي الكبير في مكّة المكرّمة ، وأحاط المسلمين علماً بالإجراءات الخطيرة التي اتّخذها معاوية إلى إزالة أهل البيت عن الرصيد الإسلامي ، وكان (عليه السّلام) يتحرّق شوقاً إلى الجهاد ، ويودّ أنّ الموت قد وافاه ولا يسمع سبّ أبيه على المنابر والمآذن.

١١ ـ تدمير القِيَم الإسلاميّة :

وعمد الاُمويّون إلى تدمير القِيَم الإسلاميّة ، فلمْ يعد لها أيّ ظلّ على واقع الحياة الإسلاميّة ، وهذه بعضها :

٢٨٢

أ ـ الوحدة الإسلاميّة :

وأشاع الاُمويّون الفرقة والاختلاف بين المسلمين فأحيوا العصبيات القبلية ، وشجّعوا الهجاء بين الأُسر والقبائل العربية حتّى لا تقوم وحدة بين المسلمين.

وقد شجّع يزيد الأخطلَ على هجاء الأنصار الذين آووا النّبي (صلّى الله عليه وآله) وحاموا عن دينه أيّام غربة الإسلام ومحنته.

لقد كانت الظاهرة البارزة في شعر ذلك العصر هي الهجاء المقذع ، فقد قصر الشعراء مواهبهم الأديبة على الهجاء والتفنن في أساليب القذف ، والسبّ للأُسر التي كانت تنافس قبائلهم.

وقد خلا الشعر الاُموي عن كلّ نزعة إنسانية أو مقصد اجتماعي ، وتفرّد بظاهرة الهجاء ، وقد خولف بذلك ما كان ينشده الإسلام من الوحدة الشاملة بين أبنائه.

ب ـ المساواة :

وهدم الاُمويّون المساواة العادلة التي أعلنها الإسلام ، فقدّموا العرب على الموالي ، وأشاعوا جوّاً رهيباً من التوتر والتكتّل السياسي بين المسلمين ، وكان مِنْ جرّاء ذلك أنْ ألّف الموالي مجموعة مِن الكتب في نقض العرب وذمهم ، كما ألّف العرب كتباً في نقض الموالي واحتقارهم ، وعلى رأس القائمة التي أثارت هذا النحو من التوتر بين المسلمين زياد بن أبيه ، فقد كان حاقداً على العرب ، وقد عهد إلى الكتاب بانتقاصهم.

وقد خالفت هذه السياسة النكراء روح الإسلام الذي ساوى بين المسلمين في جميع الحقوق والواجبات على اختلاف قومياتهم.

٢٨٣

ج ـ الحرية :

ولمْ يعُد أيّ مفهوم للحرية ماثلاً على مسرح الحياة طيلة الحكم الاُموي ، فقد كانت السلطة تحاسب الشعب حساباً منكراً وعسيراً على كلّ بادرة لا تتفق مع رغباتها ، حتّى لمْ يعُد في مقدور أيّ أحد أنْ يطالب بحقوقه ، أو يتكلّم بأيّ مصلحة للناس ، فقد كان حكم النّطع والسيف هو السائد في ذلك العصر.

لقد ثار أبو الأحرار لينقذ الإنسان المسلم وغيره مِن الاضطهاد الشامل ، ويُعيد للناس حقوقهم التي ضاعت في أيّام معاوية ويزيد.

١٢ ـ انهيار المجتمع :

وانهار المجتمع في عصر الاُمويِّين ، وتحلّل مِنْ جميع القِيَم الإسلاميّة.

أمّا أهمّ العوامل التي أدّت إلى انهياره فهي :

١ ـ حرمان المجتمع مِن التربية الروحية : فلمْ يحفل بها أحد مِن الخلفاء سوى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فقد عني بها عناية بالغةً ، إلاّ إنّه قد مُنِيَ بالأحداث الرهيبة التي منعته مِنْ مواصلة مسيرته في إصلاح الناس وتقويم أخلاقهم.

٢ ـ إمعان الحكم الاُموي في إفساد المجتمع وتضليله ، وتغديته بكلّ ما هو بعيد عن واقع الإسلام وهديه.

إنّ هذين العاملين ـ فيما نحسب ـ مِنْ أهم العوامل التي أدّت إلى انهيار ذلك المجتمع. أمّا مظاهر ذلك التحلّل والانهيار فهي :

٢٨٤

١ ـ نقض العهود :

ولمْ يتأثم أغلب أبناء ذلك المجتمع من نقض العهود والمواثيق ، فقد كان عدم الوفاء بها أمراً عادياً ومتسالماً عليه ، وقد شجعهم على ذلك (كسرى العرب) ، فقد أعلن في خطابه بالنّخيلة أنّ كلّ ما شرطه على نفسه للإمام الحسن لا يفي به ، وعمد إلى نقض جميع الشروط التي أعطاها له.

وكانت هذه الظاهرة مِنْ أبرز ذاتيات الكوفيين ، فقد أعطوا للإمام الحُسين أعظم العهود والمواثيق على مناصرته ومناجزة عدوّه ، إلاّ أنّهم خاسوا ما عاهدوا عليه الله فخذلوه وقتلوه.

٢ ـ عدم التحرّج مِن الكذب :

ومِن الأمراض التي أُصيب بها ذلك المجتمع عدم التحرّج مِن الكذب ، وقد مُنِي الكوفيون بذلك بصورة خاصة ، فإنّهم لمّا أحاطوا بالإمام الحُسين (عليه السّلام) يوم الطفّ لقتله ، وجّه (عليه السّلام) سؤالاً إلى قادة الفرق الذين كاتبوه بالقدوم إليهم ، فقال : «يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا زيد بن الحرث ، ألمْ تكتبوا إليّ أنْ قد أينعت الثمار ، واخضرّ الجناب ، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة».

ولمْ تخجلْ تلك النفوس القذرة مِنْ تعمّد الكذب ، فأجابوه مجمعين : لمْ نفعل.

وبُهِرَ الإمام فاندفع يقول : «سُبحان الله! بلى والله لقد فعلتم».

٢٨٥

وقد جرّوا إلى المجتمع بما اقترفوه مِن الآثام كثيراً مِن الويلات والخطوب ، وتسلّح بهم أئمّة الظلم والجور إلى اضطهاد المسلمين وإرغامهم على ما يكرهون.

٣ ـ عرض الضمائر للبيع :

وقد كان مِنْ أحطّ ما وصل إليه ذلك المجتمع مِن الانحراف والزيغ عرض الضمائر والأديان لبيعها على السّلطة جهاراً ، وقد ألمعنا إلى ذلك بصورة مفصّلة عند البحث عن عهد معاوية.

٤ ـ الإقبال على اللّهو :

وأقبل المجتمع بِنَهَمٍ على اللّهو والدعارة ، وقد شجّع الاُمويّون بصورة مباشرة حياة المجون لزعزعة العقيدة الدينية مِن النفوس ، وصرف الناس عمّا ينشده الإسلام مِن التوازن في سلوك الفرد.

هذه بعض الأمراض التي ألمّت بالمجتمع الإسلامي ، وقد أدّت إلى تسيّبه وانهيار قِيَمِه.

وقد ثار الإمام الحُسين (عليه السّلام) ليقضى على التذبذب والانحراف الذي مُنِيَت به الأُمّة.

١٣ ـ الدفاع عن حقوقه :

وانبرى الإمام الحُسين (عليه السّلام) للجهاد دفاعاً عن حقوقه التي نهبها الاُمويّون واغتصبوها ، وأهمها ـ فيما نحسب ـ ما يلي :

٢٨٦

١ ـ الخلافة :

وآمن الإمام الحُسين (عليه السّلام) كأبيه أنّ العترة الطاهرة أولى بمقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأحقّ بمركزه مِنْ غيرهم ؛ لأنّهم أهل بيت النّبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، بهم فتح الله وبهم ختم ـ على حدّ تعبيره ـ وقد طبع على هذا الشعور وهو في غضون الصبا. فقد انطلق إلى عمر وكان على منبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فصاح به : «انزل عن منبر أبي ، واذهب إلى منبر أبيك».

ولمْ ينفرد الإمام الحُسين بهذا الشعور ، وإنّما كان سائداً عند أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) ، فهم يرون أنّ الخلافة مِنْ حقوقهم ؛ لأنّهم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأكثرهم وعياً لأهدافه.

وهناك شيء آخر جدير بالاهتمام وهو أنّ الحُسين (عليه السّلام) كان هو الخليفة الشرعي بمقتضى معاهدة الصلح التي تمّ الاتفاق عليها ، فقد جاء في بنودها : ليس لمعاوية أنْ يعهد بالأمر إلى أحد مِنْ بعده ، والأمر بعده للحسن ، فإنْ حدث به حدث فالأمر للحُسين(١) .

وعلى هذا فلمْ تكن بيعة يزيد شرعية. فلمْ يخرج الإمام الحُسين (عليه السّلام) على إمام مِن أئمّة المسلمين كما يذهب لذلك بعض ذوي النزعات الاُمويّة ، وإنّما خرج (عليه السّلام) على ظالم مغتصب لحقّه.

٢ ـ الخُمس :

والخمس حقّ مفروض لأهل البيت (عليهم السّلام) نصّ عليه القرآن وتواترت به السنّة ، ولكنّ الحكومات السابقة تناهبته فلمْ تؤدِ لهمْ منه شيئاً ؛ لشلّ حركة المقاومة عند العلويين، وقد أشار الإمام الحُسين (عليه السّلام) إلى ذلك في

__________________

(١) حياة الإمام الحسن ٢ / ٢٨٨ الطعبة الثانية.

٢٨٧

حديثه مع أبي هرّة الذي نهاه عن الخروج على بني أُميّة ، فقال (عليه السّلام) له :

«ويحك أبا هرة! إنّ بني أُميّة أخذوا مالي فصبرت».

وأكبر الظنّ أنّ المال الذي أخذته بنو أُميّة منه هو الخمس ، وقد أعلن ذلك دعبل الخزاعي في رائعته التي انشدها أمام الرضا (عليه السّلام) في خراسان بقوله :

أرى فيئهمْ في غيرِهم متقسّماً

وأيديهمْ مِنْ فيئهِمْ صفراتِ

والتاع الإمام الرضا (عليه السّلام) فجعل يقلّب يديه وهو يقول : «إنّها والله لصفرات». وقد أقضّ مضاجع العلويين منعهم من الخمس ؛ باعتباره أحد المصادر الرئيسية لحياتهم الاقتصادية.

ولعلّ الإمام الحُسين قد استهدف بنهضته ارجاع هذا الحقّ السليب لأهل البيت (عليهم السّلام).

١٤ ـ الأمر بالمعروف :

ومِنْ أوكد الأسباب التي ثار مِنْ أجلها أبيّ الضيم (عليه السّلام) إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فإنّهما مِنْ مقوّمات هذا الدين ، والإمام بالدرجة الأولى مسؤول عنهما.

وقد أدلى (عليه السّلام) بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفيّة التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد ، فقال (عليه السّلام) : «إنّي لمْ أخرج أشِرَاً ولا بطراً ، ولا ظالماً ولا مفسداً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي ؛ أريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

لقد انطلق (عليه السّلام) إلى ميادين الجهاد ليقيم هذا الصرح الشامخ الذي بُنيت عليه الحياة الكريمة في الإسلام ، وقد انهارت دعائمه أيّام الحكم الاُموي ، فقد أصبح المعروف في عهدهم منكراً والمنكر معروفاً ، وقد

٢٨٨

أنكر عليهم الإمام في كثير مِن المواقف ، والتي كان مِنها خطابه الرائع أمام المهاجرين والأنصار ، فقد شجب فيه تخاذلهم عن نصرة الحقّ ودحض الباطل وإيثارهم للعافية ، وقد ذكرناه في الحلقة الأولى مِنْ هذا الكتاب.

وممّا قاله (عليه السّلام) في هذا المجال أمام أصحابه وأهل بيته يوم الطفّ : «ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء ربّه».

لقد آثر الموت على الحياة ؛ لأنّه يرى الحقّ قد تلاشى والباطل قد استشرى.

١٥ ـ إماتة البدع :

وعمد الحكم الاُموي إلى نشر البدع بين المسلمين ، التي لمْ يقصد منها إلاّ محق الإسلام وإلحاق الهزيمة به. وقد أشار الإمام (عليه السّلام) إلى ذلك في رسالة بعثها لأهل البصرة ، يقول (عليه السّلام) : «فإنّ السنّة قد اُميتت ، والبدعة قد اُحييت»(١) .

لقد ثار (عليه السّلام) ليقضي على البدع الجاهلية التي تبنّاها الاُموييون ، ويحيي سنّة جدّه التي أماتوها ، فكانت نهضته الخالدة مِنْ أجل إماتة الجاهلية ونشر راية الإسلام.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٠.

٢٨٩

١٦ ـ العهد النّبوي :

واستشف النّبي (صلّى الله عليه وآله) مِنْ وراء الغيب ما يُمْنى به الإسلام مِن الأخطار الهائلة على أيدي الاُمويِّين ، وإنّه لا يمكن بأيّ حالٍ تجديد رسالته وتخليد مبادئه إلاّ بتضحية ولده الإمام الحُسين (عليه السّلام) ؛ فإنّه هو الذي يكون الدرع الواقي لصيانة الإسلام ، فعهد إليه بالتضحية والفداء.

وقد أدلى الحُسين بذلك حينما عدله المشفقون عليه مِن الخروج إلى العراق ، فقال (عليه السّلام) لهم : «أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأمرٍ وأنا ماضٍ إليه».

ويقول المؤرّخون : إنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) كان قد نعى الحُسين إلى المسلمين وأحاطهم علماً بشهادته وما يعانيه مِنْ أهوال المصائب ، وكان ـ باستمرار ـ يتفجّع عليه ويلعن قاتله ، وكذلك أخبر الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بشهادته وما يجري عليه ، وقد ذكرنا في الحلقة الأولى مِنْ هذا الكتاب الأخبار المتواترة بذلك.

وكان الإمام الحُسين (عليه السّلام) على علم وثيق بما يجري عليه ، فقد سمع ذلك مِنْ جدّه وأبيه وقد أيقن بالشهادة ، ولمْ يكن له أيّ أمل في الحياة ، فمشى إلى الموت بعزم وتصميم امتثالاً لأمر جدّه الذي عهد إليه بذلك.

١٧ ـ العزة والكرامة :

ومِنْ أوثق الأسباب التي ثار مِنْ أجلها أبو الأحرار هو العزّة والكرامة ، ققد أراد الاُمويّون إرغامه على الذلّ والخنوع ، فأبى إلاّ أنْ يعيش عزيزاً تحت ظلال السيوف والرماح ، وقد أعلن سلام الله عليه ذلك يوم الطفّ بقوله : «ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلّة ،

٢٩٠

وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله ، ونفوسٌ أبيّة وأنوفٌ حميّة مِنْ أنْ نؤثرَ طاعة اللئام على مصارع الكرام». وقال (عليه السّلام) : «لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً».

لقد عانق الموت بثغر باسم في سبيل إبائه وعزّته ، وضحّى بكلّ شيء مِنْ أجل حريته وكرامته.

١٨ ـ غدر الاُمويِّين وفتكهم :

وأيقن الإمام الحُسين (عليه السّلام) أنّ الاُمويِّين لا يتركونه ، ولا تكفّ أيديهم عن الغدر والفتك به حتّى لو سالمهم وبايعهم ، وذلك لما يلي :

١ ـ إنّ الإمام كان ألمع شخصية في العالم الإسلامي ، وقد عقد له المسلمون في دخائل نفوسهم خالص الودّ والولاء ؛ لأنّه حفيد نبيّهم وسيد شباب أهل الجنّة ، ومِن الطبيعي أنّه لا يروق للأمويين وجود شخصية تتمتّع بنفوذ قوي ومكانة مرموقة في جميع الأوساط ، فإنّها تشكّل خطراً على سلطانهم وملكهم.

٢ ـ إنّ الاُمويِّين كانوا حاقدين على النّبي (صلّى الله عليه وآله) ؛ لأنّه وترهم في واقعة بدر وألحق بهم الهزيمة والعار ، وكان يزيد يترقّب الفرص للانتقام مِنْ أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) ؛ ليأخذ ثاراث بدر منهم.

ويقول الرواة إنّه كان يقول :

لستُ مِنْ خندفَ إنْ لمْ أنتقمْ

مِنْ بني أحمدَ ما كان فعلْ

ولمّا استوفى ثاره وروّى أحقاده بإبادتهم ، أخذ يترنّم ويقول :

قد قتلنا القرمَ مِنْ ساداتهمْ

وعدلناه ببدرٍ فاعتدلْ

٢٩١

٣ ـ إنّ الاُمويِّين قد عُرِفُوا بالغدر ونقض العهود ؛ فقد صالح الحسن معاوية ، وسلّم إليه الخلافة ومع ذلك فقد غدر معاوية به فدسّ إليه سمّاً فقتله ، وأعطوا الأمان لمسلم بن عقيل فخانوا به.

وقد ذكرنا في البحوث السابقة مجموعة من الشخصيات التي اغتالها معاوية خشية منهم.

وقد أعلن الإمام الحُسين (عليه السّلام) أنّ بني أُميّة لا يتركونه. يقول (عليه السّلام) لأخيه محمّد بن الحنفيّة : «لو دخلت في جحر هامة مِنْ هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقتلوني».

وقال (عليه السّلام) لجعفر بن سليمان الضبعي : «والله ، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة ـ يعني قلبه الشريف ـ مِنْ جوفي». واختار (عليه السّلام) أنْ يعلن الحرب ويموت ميتة كريمة تهزّ عروشهم ، وتقضي على جبروتهم وطغيانهم.

هذه بعض الأسباب التي حفّزت أبا الأحرار إلى الثورة على حكم يزيد.

رأيٌ رخيص :

ووصف جماعة مِن المتعصّبين لبني أُميّة خروج الإمام على يزيد بأنّه كان مِنْ أجل المُلْك والظفر بخيرات البلاد ، وهذا الرأي ينمّ عن حقدهم على الإمام بما أحرزه مِن الانتصارات الرائعة في نهضته المباركة التي لمْ يظفر بمثل معطياتها أيّ مصلح اجتماعي في الأرض ، وقد يكون لبعضهم العذر لجهلهم بواقع النهضة الحسينيّة وعدم الوقوف على أسبابها.

لقد كان الإمام على يقين بإخفاق ثورته في الميادين العسكرية ؛ لأنّ خصمه كان يدعمه جند مكثّف اُولوا قوّة واُولوا بأس شديد ، وهو لمْ تكن عنده أيّة قوّة عسكرية ليحصل على المُلْك ، ولو كان المُلْك غايته كما يقولون لعاد

٢٩٢

إلى الحجاز ، أو مكان آخر حينما بلغه مقتل سفيره مسلم بن عقيل وانقلاب الكوفة عليه ، ويعمل حينئذ مِنْ جديد على ضمان غايته ونجاح مهمّته. لقد كان الإمام (عليه السّلام) على علم بأنّ الأوضاع السائدة كلّها كانت في صالح بني أُميّة ، وليس منها ممّا يدعمه أو يعود لصالحه.

يقول ابن خلدون : إنّ هزيمة الحُسين كانت أمراً محتّماً ؛ لأنّ الحُسين لمْ تكن له الشوكة التي تمكّنه مِنْ هزيمة الاُمويِّين ؛ لأنّ عصبية مضر في قريش ، وعصبية قريش في عبد مناف ، وعصبية عبد مناف في بني أُميّة ، فعرف ذلك لهم قريش وسائر الناس لا ينكرونه(١) .

لقد كانت ثورة الإمام مِنْ أجل غاية لا يفكّر بها أولئك الذين فقدوا وعيهم واختيارهم ، فقد كان خروجه على حكم يزيد مِنْ أجل حماية المُثُل الإسلاميّة والقِيَم الكريمة مِن الاُمويِّين الذين حملوا معول الهدم.

يقول بعض الكتاب المعاصرين : ويحقّ لنا أنْ نسأل ماذا كان هدف الحُسين (عليه السّلام) ، وماذا كانت القضية التي يعمل مِنْ أجلها؟

أمّا لو كان هدفه شخصيّاً يتمثّل في رغبته في إسقاط يزيد ليتولّى هو بنفسه الخلافة التي كان يطمع إليها ، ما وجدنا فيه هذا الإصرار على التقدّم نحو الكوفة رغم وضوح تفرّق الناس مِنْ حوله ، واستسلامهم لابن زياد وحملهم السلاح في أعداد كثيرة لمواجهته والقضاء عليه.

إنّ أقصر الناس نظراً كان يدرك أنّ مصيره لنْ يختلف عمّا آل إليه فعله ، ولو كان الحُسين بهذه المكانة مِنْ قصر النظر لعاد إلى مكّة ليعمل مِنْ جديد للوصول إلى منصب الخلافة. ولو كان هدفه في أول الأمر الوصول إلى منصب الخلافة ثمّ لمّا بلغه مصرع ابن عمّه وقرّروا صلة السفر للثأر

__________________

(١) المقدمة / ١٥٢.

٢٩٣

مِنْ قاتليه ـ كما يزعم بعض الباحثين ـ استجابة لقضية أهله وأقاربه. لو كان هذا هدفه لأدرك أنّ جماعته التي خرجت معه للثأر وهي لا تزيد على التسعين ؛ رجالاً ونساءً وأطفالاً ، لنْ تصل إلى شيء مِنْ ذلك مِنْ دون أنْ يقضى على أفرادها جميعاً ، وبغير أنْ يضحّي هو بنفسه ضحيّة رخيصة في ميدان الثأر.

ومِنْ ثمّ يكون مِنْ واجبه للثأر أنْ يرجع ليعيد تجميع صفوف أنصاره وأقربائه ، ويتقدّم في الجمع العظيم مِن الغاصبين والموتورين.

فالقضية إذاً ليست قضية ثأر ، والهدف ليس هدفاً شخصيّاً ، وإنّما الأمر أمر الأُمّة ، والقضية كانت للحقّ ، والإقدام إقدام الفدائي الذي أراد أنْ يُضربَ المثل بنفسه في البذل والتضحية ، ولمْ يكن إصرار الحُسين على التقدّم نحو الكوفة بعد ما علم مِنْ تخاذل أهلها ونكوصهم عن الجهاد إلاّ ليجعل مِنْ استشهاده علماً تلتفّ حوله القلّة التي كانت لا تزال تؤمن بالمُثُل ، وتلتمس في القادة مَنْ يُنير لها طريق الجدّ في الكفاح ، وتحريكاً لضمائر المتخاذلين القاعدين عن صيانة حقوقهم ورعاية صوالحهم.

وألمّ هذا القول بالواقع المشرق الذي ناضل مِنْ أجله الإمام الحُسين ، فهو لمْ يستهدف أي مصلحة ذاتية ، وإنّما استهدف مصلحة الأُمّة وصيانتها مِن الاُمويِّين.

تخطيط الثورة :

ودرس الإمام الحُسين (عليه السّلام) أبعاد الثورة بعمق وشمول ، وخطّط أساليبها بوعي وإيمان ، فرأى أنْ يزجَّ بجميع ثقله في المعركة ويضحّي بكلّ شيء ؛ لإنقاذ الأُمّة مِنْ محنتها في ظلّ ذلك الحكم الأسود الذي تنكّر لجميع متطلبات الأُمّة.

وقد أدرك المستشرق الألماني (ماريين) تخطيط الإمام

٢٩٤

الحُسين لثورته ، فاعتبر أنّ الحُسين قد توخّى النصر منذ اللحظة الأولى وعلم النصر فيه ، فحركة الحُسين في خروجه على يزيد ـ كما يقول ـ إنّما كانت عزمة قلب كبير عزّ عليه الإذعان ، وعزّ عليه النصر العاجل ، فخرج بأهله وذويه ذلك الخروج الذي يبلغ به النصر الآجل بعد موته ، ويحيي به قضية مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة.

لقد أيقن أبو الشهداء (عليه السّلام) أنّ القضية الإسلاميّة لا يمكن أنْ تنتصرَ إلاّ بفخامة ما يقدّمه مِن التضحيات ، فصمّم بعزم وإيمان على تقديم أروع التضحيات ، وهذه بعضها :

١ ـ التضحية بنفسه :

وأعلن الإمام (عليه السّلام) عن عزمه على التضحية بنفسه فأذاع ذلك في مكّة ، فأخبر المسلمين أنّ أوصالَه سوف تتقطّع بين النواويس وكربلاء ، وكان في أثناء مسيرته إلى العراق يتحدّث عن مصرعه ، ويشابه بينه وبين أخيه يحيى بن زكريا ، وأنّ رأسه الشريف سوف يُرفع إلى بغي مِنْ بغايا بني أُميّة ، كما رُفِعَ رأس يحيى إلى بغي مِنْ بغايا بني إسرائيل.

لقد صمّم على الموت ، واستهان بالحياة مِنْ أجل أنْ تُرتفع راية الحقّ ، وتعلو كلمة الله في الأرض ، وبقي صامداً على عزمه الجبّار ، فلم يرتهب حينما أحاطت به الجيوش الهائلة وهي تُبيد أهل بيته وأصحابه في مجزرة رهيبة اهتزّ مِنْ هولها الضمير الإنساني ، وقد كان في تلك المحنة الحازبة مِنْ أربط الناس جأشاً وأمضاهم جناناً ، فلمْ يرَ قبله ولا بعده شبيهاً له في شدّة بأسه وقوة عزيمته ، كما لا يعرف التاريخ في جميع مراحله تضحية أبلغ أثراً في

٢٩٥

حياة الناس مِنْ تضحيته (عليه السّلام) ، فقد بقيت صرخة مدوّية في وجوه الظالمين والمتسبدّين.

٢ ـ التضحية بأهل بيته (عليهم السّلام) :

وأقدم أبو الشهداء (عليه السّلام) على أعظم تضحية لمْ يقدّمها أيّ مصلح اجتماعي في الأرض ، فقد قدّم أبناءه وأهل بيته وأصحابه فداءً لما يرتأيه ضميره مِنْ تعميم العدل وإشاعة الحقّ والخير بين الناس.

وقد خطّط هذه التضحية وآمن بأنّها جزء مِنْ رسالته الكبرى ، وقد أذاع ذلك وهو في يثرب حينما خفّت إليه السيّدة أم سلمة زوج النّبي تعدله عن الخروج ، فأخبرها عن قتله وقتل أطفاله. وقد مضى إلى ساحات الجهاد وهو متسلّح بهذا الإيمان ، فكان يشاهد الصفوة مِنْ أصحابه الذين هم مِنْ أنبل مَنْ عرفتهم الإنسانية في ولائهم للحقّ وهم يتسابقون إلى المنيّة بين يديه ، ويرى الكواكب مِنْ أهل بيته وأبنائه وهم في غضارة العمر وريعان الشباب وقد تناهبت أشلاءهم السيوفُ والرماحُ ، فكان يأمرهم بالثبات والخلود إلى الصبر قائلاً : «صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً».

واهتزّت الدنيا مِنْ هول هذه التضحية التي تمثّل شرف العقيدة وسموّ القصد ، وعظمة المبادئ التي ناضل مِنْ أجلها ، وهي من دون شك ستبقى قائمة على ممرّ القرون والأجيال تضيء للناس الطريق ، وتمدّهم بأروع الدروس عن التضحية في سبيل الحقّ والواجب.

٢٩٦

٣ ـ التضحية بأمواله :

وضحى أبيّ الضيم بجميع ما يملك فداءً للقرآن ووقاية لدين الله ، وقد هجمت بعد مقتله الوحوش الكاسرة مِنْ جيوش الاُمويِّين على مخيّمه فتناهبوا ثقله ومتاعه حتّى لمْ يتركوا ملحفة أو إزاراً على مخدرات الرسالة إلاّ نهبوه ، ومثّلوا بذلك خسّة الإنسان حينما يفقد ذاتياته ويُمسخ ضميره.

٤ ـ حمل عقائل النّبوة :

وكان مِنْ أروع ما خطّطه الإمام العظيم (عليه السّلام) في ثورته الكبرى حمله لعقائل النّبوة ومخدّرات الرسالة إلى كربلاء ، وهو يعلم ما سيجري عليهنّ مِنْ النّكبات والخطوب ، وقد أعلن ذلك حينما عذله ابن عباس عن حملهنّ معه إلى العراق ، فقال له : «قد شاء الله أنْ يراهنَّ سبايا».

لقد أراد (عليه السّلام) بذلك أنْ يستكمل أداء رسالته الخالدة في تحرير الأُمّة ، وإنقاذها مِن الاستبعاد الاُموي. وقد قمْنَ تلك السيدات بدور مشرق في إكمال نهضة أبي الشهداء (عليه السّلام) فأيقظنَ المجتمع بعد سباته ، وأسقطنَ هيبة الحكم الاُموي وفتحن باب الثورة عليه ، ولولاهن لمْ يتمكن أحد أنْ يفوه بكلمة واحدة أمام ذلك الطغيان الفاجر.

وقد أدرك ذلك كلّ مَنْ تأمّل في نهضة الإمام ودرس أبعادها. وقد ألمع إليها بعض العلماء والكتّاب ، وفيما يلي بعضهم :

٢٩٧

١ ـ الإمام كاشف الغطاء :

وأكّد الإمام الشيخ محمّد الحُسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله) في كثير مِنْ مؤلفاته أنّ الغاية مِنْ خروج الإمام بعائلته إلى كربلاء إكمالاً لنهضته ، وبلوغاً إلى هدفه في تحطيم دولة الاُمويِّين ، يقول : وهل تشكّ وترتاب في أنّ الحُسين (عليه السّلام) لو قُتِلَ هو وولْده ولمْ يتعقّبه قيام تلك الحرائر في تلك المقامات بتلك التحديات لذهب قتله جباراً ، ولمْ يطلب به أحد ثاراً ولضاع دمه هدراً ، فكان الحُسين يعلم أنّ هذا علم لابد منه ، وأنّه لا يقوم به إلاّ تلك العقائل فوجب عليه حتماً أنْ يحملهنَّ معه ؛ لا لأجل المظلومية بسبيهنَّ فقط ، بل لنظر سياسي وفكر عميق وهو تكميل الغرض وبلوغ الغاية مِنْ قلب الدولة على يزيد ، والمبادرة إلى القضاء عليها قبل أنْ تقضي على الإسلام وتعود الناس إلى جاهليتها الأولى(١) .

٢ ـ أحمد فهمي :

يقول الاُستاذ السيّد أحمد فهمي : وقد أدرك الحُسين أنّه مقتول ؛ إذ هو يعلم علم اليقين قُبْحَ طويّة يزيد ، وإسفاف نحيزته وسوء سريرته ، فيزيد بعد قتل الحُسين ستمتد يده إلى أنْ يؤذي النّبي (صلّى الله عليه وآله) في سلالته مِنْ قتل الأطفال الأبرياء وانتهاك حرمة النساء ، وحملهنَّ ومَنْ بقي مِن الأطفال مِنْ قفرةٍ إلى قفرةٍ ومِنْ بلدٍ إلى بلدٍ ، فيُثير مرأى أولئك حفيظة المسلمين ، فليس ثمّة أشنع ولا أفظع مِن التشفّي والانتقام مِن النساء والأطفال بعد قتل الشباب والرجال ، فهو بخروجه بتلك الحالة أراد أنْ يثأر

__________________

(١) تحدّث الإمام كاشف الغطاء عن هذه الجهة بالتفضيل في كتابه (السياسة الحسينيّة).

٢٩٨

مِنْ يزيد في خلافته ويقتله في كرامته ، وحقّاً لقد وقع ما توقّعه ، فكان لما فعله يزيد وعصبته مِنْ فظيع الأثر في نفوس المسلمين ، وزاد في أضغانهم ما عرضوا به سلالة النّبوة مِنْ هتك خدر النساء ، وهنَّ اللاتي ما عُرِفْنَ إلاّ بالصيانة والطهر والعزّ والمنعة ، ممّا أطلق ألسِنَة الشعراء بالهجاء والذمّ ، ونفر أكثر المسلمين مِنْ خلافة الاُمويِّين ، وأسخط عليهم قلوب المؤمنين ، فقد قتله الحُسين أشدّ مِنْ قتله إيّاه(١) .

٣ ـ أحمد محمود صبحي :

يقول الدكتور أحمد محمود صبحي : ثمّ رفض ـ يعني الحُسين ـ إلاّ أنْ يصحب أهله ؛ ليشهد الناس على ما يقترفه أعداؤه بما لا يبرّره دين ولا وزاع مِنْ إنسانية ، فلا تضيع قضيته مع دمه المراق في الصحراء فيفترى عليه أشدّ الافتراء حين يعدم الشاهد العادل على كلّ ما جرى بينه وبين أعدائه.

تقول الدكتورة بنت الشاطئ : أفسدت زينت أخت الحُسين على ابن زياد وبني أُميّة لذّة النصر ، وسكبت قطرات مِن السمّ الزعاف في كؤوس الظافرين ، وإنّ كلّ الأحداث السياسية التي ترتّبت بعد ذلك مِنْ خروج المختار وثورة ابن الزّبير ، وسقوط الدولة الاُمويّة وقيام الدولة العباسية ، ثمّ تأصل مذهب الشيعة إنّما كانت زينب هي باعثة ذلك ومثيرته(٢) .

أريد أنْ أقول : ماذا يكون الحال لو قُتِلَ الحُسين ومَنْ معه جميعاً مِن الرجال؟ ألا يسجّلَ التاريخ هذه الحادثة الخطيرة مِنْ وجهة نظر أعدائه

__________________

(١) ريحانة الرسول / ١٦٧.

(٢) بطلة كربلاء / ١٧٦ و ١٨٠.

٢٩٩

فيضيع كلّ أثر لقضيته مع دمه المسفوك في الصحراء؟(١)

هذه بعض الآراء التي تدعم ما ذكرناه مِنْ أنّ خروج الحُسين (عليه السّلام) بعائلته لمْ يكن الغرض منه إلاّ بلورة الرأي العام ، وإيضاح المقاصد الرفيعة التي ثار مِنْ أجلها ، ومِنْ أهمها القضاء على دولة الاُمويِّين التي كانت تشكّل خطراً مباشراً على العقيدة الإسلاميّة.

وهناك رأي آخر أدلى به العلاّمة المغفور له الشيخ عبد الواحد المظفر ، وهو : أنّ الحُسين إنّما خرج بعائلته خوفاً عليها مِنْ اعتقال الاُمويِّين وزجّها في سجونهم قال : الحُسين لو أبقى النساء في المدينة لوضعت السلطة الاُمويّة عليها الحَجْر ، لا بل اعتقلتها علناً وزجّتها في ظلمات السجون ، ولا بد له حينئذ مِنْ أحد أمرين خطيرين ، كلّ منهما يشلّ أعضاء نهضته المقدسة :

أمّا الاستسلام لأعدائه وإعطاء صفقته لهم طائعاً ليستنقذ العائلة المصونة ، وهذا خلاف الإصلاح الذي ينشده ، وفرض على نفسه القيام به مهما كلّفه الأمر مِن الأخطار ، أو يمضي في سبيل إحياء دعوته ، ويترك المخدّرات اللّواتي ضرب عليهن الوحي ستراً مِن العظمة والإجلال ، وهذا ما لا تطيق احتماله نفس الحُسين الغيور ، ولا يردع أُميّة رادع من الحياء ، ولا يزجرها زاجر من الإسلام.

إنّ أُميّة لا يهمّها اقتراف الشائن في بلوغ مقاصدها وإدراك غاياتها ، فتتوصل إلى غرضها ولو بارتكاب أقبح المنكرات الدينية والعقلية.

ألمْ يطرق سمعك سجن الاُمويِّين لزوجة عمرو بن الحمق الخزاعي ، وزوجة عبيد الله بن الحرّ الجعفي ، وأخيراً زوجة الكميت الأسدي؟!(٢)

__________________

(١) نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية / ٣٤٣.

(٢) توضيح الغامض من أسرار السنن والفرائض / ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470