حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام12%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 470

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 316961 / تحميل: 7216
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وتُوفّي في جمادى الآخرة سَنة ٣٩٦ه-(١) .

٧٢ - محمّد بن عمر الكشّي: تُوفّي قبل ٣٦٩ه-(٢) .

قال النجاشي ( ١٠١٩ ): محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، أبو عمرو. كان ثقة، عيناً، وروى عن الضُعفاء كثيراً، وصحب العياشي وأخذ عنه، وتخرج عليه، وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العِلم، له كِتاب الرجال، كثير العِلم، وفيه أغلاط كثيرة.

وقال الطوسي ( ٦١٥ ): ثقة، بصير بالأخبار وبالرجال، حَسن الاعتقاد، له كِتاب الرجال.

وقال في رجاله: محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، يُكنّى أبا عمرو الكشّي، صاحب كِتاب الرجال، مِن غُلمان العياشي، ثقة بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب.

روى عن جماعة كثيرة منهم: حمدويه بن نصر الكشّي، وجبرائيل بن محمّد الفاريابي وغيرهما.

وروى عنه أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري المُتوفّى ٣٨٥ه-، وأبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه المُتوفّى ٣٦٩ه-.

وله كِتاب الرجال الموسوم ب- معرفةالناقلين عن الأئمّة الصادقين ، كان فيه العامّة والخاصّة، وفيه أغلاط كثيرة، وقد تصدّى الشيخ

____________________

(١) تاريخ بغداد ج٥ ص٢٨٢ رقم ٢٧٨٠.

(٢) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (١٠١٩)، الفهرست للطوسي (٦١٥)، رجال الطوسي ص٤٩٧ رقم ( ٣٨ )، طبقات أعلام الشيعة/ القرن الرابع ص٢٩٥، مصفى المقال ص٣٧٥، الأُصول الأربعة في عِلم الرجال للسيد الخامنئي، قاموس الرجال ج٩ ص٤٨٦ رقم ( ٧١٢٠ ).

١٠١

الطوسي؛ فجرّد منه الخاصّة، وهذّبه، وسمّاه اختيار الرجال، هكذا اشتهر، ولكنّ المُحقّق التستري لم يقبل ذلك، ويقول: إنّ الأصل في ذاك الكلام القهبائي، وإنّه توهّم، وإنّه كان كباقي كُتب رجال الإماميّة مُختصّاً بالخاصّة ومَن صنّف لهم، أو روى لهم مِن غيرهم، وأوّل رجال: علم رجال الشيخ(١) ، وهو المطبوع الآن المُنتشر، وهو ما اختاره الطوسي.

تُوفّي في حدود مُنتصف القرن الرابع، لأنّه تُوفّي قبل أبي القاسم ابن قولويه المُتوفّى ٣٦٩ه- بسنوات عديدة.

٧٣- أحمد الجوهري: المُتوفّى ٤٠١ه-/ ١٠١١م(٢) .

أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن الحسن بن عيّاش بن إبراهيم بن أيّوب الجوهري، أبو عبد الله.

قال الطوسي ( ٩٩ ): كان سَمِع الحديث وأكثر، وأختل في آخر عُمره، وكان جَدّه وأبوه وجهين ببغداد(٣) .

كُتبه في الرجال:

له عدّة كُتب في مُختلف المواضيع، ومنها في الرجال وهي:

١ - مُقتضب الأثر في عَدَد الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام . مطبوع.

٢ - أخبار أبي هاشم الجعفري.

____________________

(١) قاموس الرجال ج٩ ص٤٨٧.

(٢) ترجمته: فهرست كُتُب الشيعة للطوسي رقم٩٩، رجال النجاشي ج١ رقم٢٠٥، قاموس الرجال ج١ ص٦٢٢ رقم ٥٦١، الأعلام للزركلي ج١ ص٢١٠.

(٣) فهرست كُتُب الشيعة ص٧٨ رقم ٩٩.

١٠٢

٣ - شِعر أبي هاشم الجعفري.

٤ - أخبار جابر الجُعفي.

٥ - الاشتمال على مَعرفة الرجال. فيه مَن روى عن إمام وإمام. مُختصَر.

٦ - أخبار السيّد أبي السيّد الحميري المُتوفّى ١٧٣ه-.

٧ - ذكر مَن روى الحديث مِن بني ناشرة.

٨ - أخبار وُكلاء الأئمّةعليهم‌السلام الأربعة. مُختصَر.

هذه الكُتب ذكرها الطوسي في الفهرست، والنجاشي في ترجمته.

وكان مِن أصدقاء النجاشي، لكنّه لا يَعتمد عليه، ولم يروِ عنه شيئاً، ونقل تضعيفه.

وقد نقل عنه الشيخ في مصباح المُتهجِّد في أدعية شهر رجب دعاء:

( اللهُمَّ إنّي أسألُكَ بِمعاني جَميعِ ما يدعوكَ بهِ وُلاة أمرِك ) (١) .

قال المُحقِّق التستري: وهو دعاء مُختل الألفاظ والمعاني، وفيه فقرة مُنكرة: لا فرق بينك وبينها إلاّ أنّهم عبادك(٢) .

٧٤- الغضائري: تُوفّي ٤١١ه-(٣) .

الحسين بن عبيد الله الغضائري.

قال الطوسي في رجاله: الحسين بن عبيد الله الغضائري، يُكنّى أبا عبد الله،

____________________

(١) مصباح المُتهجِّد ص ٧٣٩ - ٧٤١.

(٢) قاموس الرجال ج١ ص ٦٢٣.

(٣) رجال النجاشي ( ١٦٤ )، رجال الطوسي ص٤٧٠، رياض العلماء ج٢ ص١٢٩، أعيان الشيعة ج٦ ص٨٥، الميزان للذهبي ج٢ ص٢٩٧، لسان الميزان ج٢ ص٢٨٩ و ٢٩٧ رقم ١٢١٣ و١٢٣٠.

١٠٣

كثير السُماع، عارف بالرجال، وله تصانيف ذكرناها في الفهرست، سمعنا منه، وأجاز لنا بجميع رواياته، مات سَنة إحدى عشر وأربعمائة(١) .

ولكن النُسَخ الموجودة فِعلاً لم توجَد فيها ترجمته، وكذلك ما نَقله عنها العُلماء المُتقدّمون كالعلاّمة، وابن داود، وابن طاوس، لم ينقلوا ترجمته عن الفهرست، فلعلّه سهوٌّ مِن قَلم الشيخ الطوسي، أو أنّ الترجمة كانت في المسودّة، ولم تُبيّض أو أنّها سقطت مِن نُسخ الفهرست.

وقال النجاشي ( ١٦٤ ): الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري، أبو عبد الله. شيخنارحمه‌الله . ثمّ ذكر كُتبه.

وهو مِن الث-قات؛ لأنّه مِن مشايخ النجاشي، حيث نَصّ على وثقة مشايخه في ترجمة ابن الجُنيد، رقم ( ١٠٤٨ ).

ووثّقه أيضاً ابن طاوس في كِتاب النجوم(٢) .

وقال صاحب الرياض: الفاضل، العالِم، الفقيه، المعروف بالغضائري(٣) .

وقال الذهبي: شيخ الرافضة، يروي عن الجعابي، صنّف كِتاب الغدير. مات سَنة إحدى عشر وأربعمائة. كان يحفظ شيئاً كثيراً(٤) .

وقال ابن حجر: مِن كبار شيوخ الشيعة، كان ذا زُهد، وورع، وحِفظ، ويُقال كان مِن أحفظ الشيعة لحديث أهل البيت(٥) .

وهو والد أحمد بن الحسين الغضائري الآتي، صاحب الكُتب في الرجال.

____________________

(١) رجال الطوسي ص٤٧٠.

(٢) رياض العُلماء ج٢ ص١٣١ رقم ٢٠٢٦.

(٣) رياض العُلماء ج٢ ص١٢٩ رقم ٢٠٢٦.

(٤) الميزان للذهبي ج٢ ص٢٩٧.

(٥) لسان الميزان ج٢ ص٢٨٩ رقم ١٢١٣.

١٠٤

مَن هو صاحب كِتاب الرجال؟

هل هو المُترجَم، أو ابنه أحمد الآتي؟

لا إشكال أنّ لابنه أحمد أكثر مِن كِتاب في عِلم الرجال، كما سوف يأتي في ترجمته، والمُترجَم كم يظهر مِن أحواله له أيضاً كِتاب في أحوال الرجال، كما ذكر ذلك الشهيد الثاني(١) ، وأشار إليه الشيخ الطوسي مِن أنّه كان عارفاً بالرجال - كما تقدّم -.

وفاته:

تُوفّي في ١٥ صفر سَنة ٤١١ه-، كما ذكره النجاشي والطوسي.

٧٥- ابن الغضائري

أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري، أبو الحسين، مِن مشايخ النجاشي، ومِن المعاصرين للشيخ الطوسي.

روى عن أبيه الحسين بن عبيد الله، وعن ابن عبدون وغيرهما.

وروى عنه النجاشي وغيره.

له في عِلم الرجال:

١ - فهرست كُتب الأصحاب.

٢ - فهرست أُصول الأصحاب.

٣ - كِتاب الممدوحين.

____________________

(١) اُنظر ترجمته في رياض العلماء.

١٠٥

٤ - كِتاب المذمومين. المعروف بكتاب الضُعفاء لابن الغضائري. توجد نُسخة مِن كِتاب الضعفاء في المكتبة المركزيّة لجامعة طهران، في ٣٦ ورقة، تحت رقم عام هو ١٠٧١(١) .

وقد نقل الطوسي في مُقدّمة الفهرست: فإني لمّا رأيت جماعة مِن شيوخ طائفتنا مِن أصحاب الحديث عَملوا فهرست كُتب أصحابنا، وما صنّفوه مِن التصانيف وروه مِن الأُصول، ولم أجد منهم أحداً استوفى ذلك، ولا ذَكر أكثره، بل كلٌّ مِنهم كان غرضه أن يَذكر ما اختصّ بروايته، وأحاطت به خُزانته مِن الكُتب، ولم يتعرّض أحدٌ منهم لاستيفاء جميعه، إلاّ ما كان قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد اللهرحمه‌الله ، فإنّه عمل كتابين: أحدهما ذَكر فيه المُصنَّفات، والآخر ذَكر فيه الأُصول، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقَدِر عليه، غير أنّ هذين الكتابين لم يَنسخهما أحد مِن أصحابنا، واخترم هورحمه‌الله ، وعَمِد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما مِن الكُتب. على ما يحكي بعضهم عنهم(٢) .

قال المحقّق التستري مُعلّقاً على هذه الحكاية: فالحقّ عدم تحقّق الحكاية، وأنّ كُتبه الأربعة بقيت بعده، ووصلت إلى النجاشي، أمّا فهرستاه، فلأنّه قال في صالح أبي مُقاتل: ذكره أحمد بن الحسين، وقال: صنّف كتاباً في الإمامة.

وقال في الحسين بن محمّد الأزدي - بعد ذكر كُتبه -: ذكر ذلك أحمد بن الحسين.

____________________

(١) ذَكر ذلك البقّال في هامش الرعاية في عِلم الدراية للشهيد الثاني ص١٧٧.

(٢) الفهرست للطوسي ص٢ بتحقيق الطباطبائي.

١٠٦

وقال في أبي الشداخ: ذكر أحمد بن الحسين، أنّه وقعَ إليه كِتاب في الإمامة.

وقال في جعفر بن أحمد بن أيّوب: ذكر أحمد بن الحسين، أنّ له كِتاب الرد.

وقال في خالد بن يحيى بن خالد: ذكره أحمد بن الحسين، وقال: رأيت له كتاباً - إلى أن قال - وأمّا كتابا ممدوحِيه ومذمومِيه فلأنّه - النجاشي - وثّقَ سُماعةَ، وقال: ذكره أحمد بن الحسين، وضعّف خيبريّاً، وقال: ذَكر - أي ذلك - أحمد بن الحسين، ومثله في سهل الآدمي.

وله كِتاب آخر غير الأربعة، وهو كِتابُ التاريخ، وموضوعه وَفَيات الرجال، وقد وصل أيضاً إلى النجاشي، فقال في أحمد البرقي: قال أحمد بن الحسين في تاريخه، تُوفّي أحمد بن أبي عبد الله إلخ. لكن ضاع الفهرستان والتاريخ بعد النجاشي، كضياع أكثر كُتب القُدماء التي عدّها الشيخ والنجاشي في فهرستهما. ووصل مجروحوه إلى ابن طاوس والعلاّمة وابن داود. ووصل جزء مِن ممدوحه إلى العلاّمة كما يظهر منه في عمر بن ثابت. وإلى ابن داود فقال في فصل مَن وثّق-ه النجاشي مرّتين: إنّ ابن الغضائري زاد عليهم خمسة(١) .

٧٦- السيرافي

أحمد بن محمّد بن نوح، يُكنّى أبا العبّاس السيرافي، سَكن البصرة، واسع الراوية، ثقة في روايته - رواياته خ ل - …

____________________

(١) قاموس الرجال ج١ ص٤٤١ - ٤٤٢.

١٠٧

وله تصانيف، منها:

١ - كِتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وزاد على ما ذكره ابن عُقدة كثيراً، وابن عقدة ذَكر قرابة أربعة آلاف راويٍ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أمّا هذا فلا يُعلم كمْ زاد على ابن عُقدة(١) .

٢ - أخبار الأبواب.

٧٧- عبد العزيز بن إسحاق

له كِتاب في طبقات الشيعة. ذكره الطوسي في فهرست كُتُب الشيعة ص٣٤١ رقم ( ٥٣٧ ).

ولم يُعلم طبقته.

٧٨- أحمد القلاّء السوّاق:(٢) .

أحمد بن محمّد بن عليّ بن عمر بن رباح القلاّء السوّاق، أبو الحسن. مولى آل سعد بن أبي وقاص.

قال النجاشي ( ٢٢٧ ): وكان أبو الحسن أحمد بن محمّد، ثقة في الحديث، صنّف كُتباً، فمنها: …

كِتاب ما روي في أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب، وهو شِركة بينه وبين أخيه عليّ بن محمّد.

____________________

(١) الفهرست للطوسي رقم ١١٧ ص٨٦.

(٢) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي ج١ ص٢٣٦ رقم ٢٢٧، فهرست كُتُب الشيعة ص٦٥ رقم ٨٢.

١٠٨

وكذلك قال الطوسي في فهرست كُتُب الشيعة ص٦٥ رقم ٨٢ مِثل الذي قاله النجاشي.

والقلاّء مِن الواقفيّة.

٧٩- غياث بن إبراهيم

له كِتاب مَقتل أمير المؤمنين ( ع )(١) .

يروي عنه محمّد بن يحيى الخزّاز.

٨٠- سلمة بن الخطاب

سلمة بن الخطّاب البراوستاني الأزدورقاني - قرية مِن سواد الري -

له كِتاب مقتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام (٢) .

وقال النجاشي ( ٤٩٦ ): كان ضعيفاً في حديثه.

له مولد الحسين بن عليّعليهما‌السلام ومقتله. ذكره النجاشي.

٨١- أبو عبد الله الحسني

قال الطوسي: له كُتب منها: كِتاب أخبار المحدِّثين، كِتاب أخبار معاوية، كِتاب الفضائل، كِتاب الكشف(٣) .

____________________

(١) فهرست كُتُب الشيعة رقم ( ٥٦١ ).

(٢) فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم رقم ( ٣٣٤ ).

(٣) فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم ص٥٣٦ رقم ٨٧٤، الفهرست لابن النديم ص٣٣١.

١٠٩

الأُصول الأربعة

وبعد أن انتهى القرن الرابع الهجري ودخل القرن الخامس، وفيه كَثُر التأليف في عِلم الرجال، وفي النصف الأوّل منه صدرت الأُصول الأربعة لعِلم الرجال:

١- اختيار الرجال. للشيخ الطوسي.

٢- الرجال. المعروف برجال الشيخ الطوسي.

٣- فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم، وأسماء المصنّفين، وأصحاب الأُصول للشيخ الطوسي، المشتهر بالفهرست.

٤- فهرس أسماء مُصنّفي الشيعة. المعروف ب-- رجال النجاشي.

والكُتب الثلاثة الأُولى كلّها للشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي المُتوفّى ٤٦٠ه-، ومِن مُراجعتنا لأسماء ما تقدّمت مِن كُتب في عِلم الرجال في القرون الأربعة المتقدّمة، وإنّ أكثرها قد بادت وذهبت، ولم يبقَ لها إلاّ الاسم، وإنّ مجرّد صدور هذه الكُتب المتأخّرة للشيخ الطوسي أصبحت مَحطّ البحث، والتنقيب، والتحقيق.

كلّ ذلك يُنبّهنا إلى أهميّة هذه الكُتب الثلاثة، وما أحدثت مِن تطوّر في عِلم الرجال، فلنتعرّف على هذه الكُتب الثلاثة بصورة مختصرة، ثمّ نُعقّبه بدراسة لرجال النجاشي.

الأوّل: اختيار الرجال:

أصل هذا الكتاب هو كِتاب ( الرجال ) للكشّي المتقدّم ذِكره وترجمته، والكِتاب معروف عند المُتقدّمين كالنجاشي والطوسي وغيرهما بعنوان: الرجال،

١١٠

أو مَعرفة الرجال، أو معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقينعليهم‌السلام . كما أشار إلى الأخير ابن شهرآشوب فيمَعالم العُلماء .

واختُلِف أنّ الواصل إلينا منه، هل هو أصله، أو اختيار الشيخ منه؟

ظاهر تعبير أحمد بن طاوس، والعلاّمة، وابن داود الأوّل.

والصواب الثاني، كما صرّح به عليّ بن طاوس في كتابهفرج المهوم ناقلاً له عن نُسخة الأصل الواصل إليه بخطّ الشيخ(١) .

وقد نَقل النجاشي بعض العناوين، وبعض الكلمات عن كِتاب الكشّي، ولم يوجد ذلك في اختيار الشيخ له عين ولا أثر، فهذا يَدلّ أنّ الواصل إلينا هو اختيار الشيخ، وليس الأصل(٢) .

هل رجال الكشّي يشمل الخاصّة والعامّة، أم لا؟

توهّم القهبائي - الذي رتّب اختيار الشيخ منه على حروف التهجّي في الأوائل والثواني، الذي كان أساسه مِن ابن داود منّا - أنّ أصله كان في رجال العامّة والخاصّة، فاختار الشيخ منه الخاصّة.

واستند في ذلك إلى ما فيه في البرّاء بن عازب، قال أبو عمرو الكشّي: هذا بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنينعليه‌السلام في ما رُوي مِن جهة العامّة.

فقال: هذا صريحٌ في أنّ هذا الكِتاب مُنتخب مِن كِتاب الكشّي، وهو كان مُشتملاً على رجال العامّة والخاصّة، والشيخ اختار مِن هذا الكتاب رجال الشيعة(٣) .

____________________

(١) قاموس الرجال ج١ ص٤٦.

(٢) قاموس الرجال ج١ ص٤٧.

(٣) قاموس الرجال ج١ ص٢٥.

١١١

فدعوى أن رجال الكشّي مُشتمل على الخاصّة والعامّة كانت مِن القهبائي في كتابه مَجمع الرجال، ولكن المُحقّق التستري لم يقبل ذلك، وردّ عليه بعدّة أُمور:

١ - إنّ الكلام الّذي نقله القهبائي لا يوجد فيه دلالة على المُدّعى، غاية ما يدلّ عليه أنّ رجوع البرّاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام إنّما كان بعد دعائه عليه.

٢ - إنّ قوله: ( مِن جهة العامّة ) مُحرَّف ( مِن جهة عماه ). والدليل على ذلك أنّه نقل قصّه عماه برجال الخاصّة.

٣ - إنّ اختيار الشيخ يشتمل على الخاصّة، وبعض العامّة الّذين رووا عن أئمّتناعليهم‌السلام (١) .

وإنّ هذا الكتاب كان فيه أغلاط كثيرة واشتباهات، وحينئذ فقد تصدّى الشيخ الطوسي إلى تهذيب هذا الكتاب، وتجريده عن الزوائد، وتلخيصه، وقد سَمّى هذا التلخيص: اختيار الرجال.

وقد أملاه الشيخ الطوسي على تلامذته ابتداء مِن ٢٦ في صفر سَنة٤٥٦ه-.

وهذا لا يعني أنّ اختيار الرجال كان خالياً مِن الملاحظات والانتقادات، وأوّل ما فيه أنّه لم يُرتّب ترتيباً يسهل التناول، فلذلك تصدّى جماعة بعده إلى ترتيبه(٢) .

وقد طُبع الكتاب عدّة طبعات في بومباي، والنجف الأشرف، وآخرها في مشهد مع تحقيق دقيق، وترتيب لطيف بعنوان: اختيار مَعرِفة الرجال.

____________________

(١) قاموس الرجال ج١ ص٢٥.

(٢) اُنظر تفصيل ذلك في الذريعة ج١ ص٣٦٥، والأُصول الأربعة في عِلم الرجال للقائد السيّد علي خامنئي ص٢٥ - ٤٤ فيه تفصيل حول الموضوع.

١١٢

الثاني: الفهرست للشيخ الطوسي.

واسمه: فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم وأسماء المصنِّفين وأصحاب الأُصول، واشتهر ب- الفهرست.

والفهرست: يعني سرد أسماء الكُتب سواء كُتب خاصّة لشخص، أو لمكتبة، أو لطائفة، أو لأُمّة مع أسماء مؤلِّفيها، وقد تقدّمت بعض الفهارس على هذا المنوال، وإن كان بعضها أو أكثرها كان محدوداً في مجال ضيّق.

والفهرست للطوسي يُعدّ مِن أثمن الكُتب العِلميّة للشيعة، التي اعتمد عليها عُلماء الرجال في الجرح والتعديل، ونسبة الكتاب إلى مؤلِّفه.

وقد رأى الشيخ الطوسي الحاجة الماسّة إلى مِثل هذا الكِتاب على حَسب ما ذكره في مقدّمة كتابه فقال: فإنّي لمّا رأيت جماعة مِن شيوخ طائفتنا مِن أصحاب الحديث عَمِلوا فهرست كُتب أصحابنا، وما صنّفوه مِن التصانيف، ورووه مِن الأُصول، ولم أجد أحداً استوفى ذلك، ولا ذَكر أكثره، بل كلّ مِنهم كان غَرَضه أن يذكر ما اختصّ بروايته، وأحاطت به خزانته مِن الكُتب، ولم يَتعرّض أحدٌ منهم لاستيفاء جميعه(١) .

ثمّ بعد ذلك استثنى مِن ذلك ابن الغضائري، حيث ألّف كتابين في هذا الموضوع، وأتلفهما ورثته.

ثمّ وَعَدَ هو أن لا يقتصر في كتابه الفهرست على ذكر المُصنّفات والأُصول، بل وَعَد أن يذكر المصنِّفين ويُعَيِّنهم مِن العامّة أو الخاصّة، والوثقة أو عدمها، فقال: وإذا ذكرت كلّ واحد مِن المصنِّفين وأصحاب الأُصول، فلا بُدَّ مِن أن أُشير

____________________

(١) فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم، المُقدِّمة ص٢.

١١٣

إلى ما قيل فيه مِن التعديل والتجريح، وهل يعول على روايته أو لا؟ وأُبيّن عن اعتقاده، وهل هو موافق للحقّ، أو هو مُخالف له، لأنّ كثيراً مِن مُصنِّفي أصحابنا، وأصحاب الأُصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وإن كانت كُتُبهم مُعتمدة(١) .

وبالرغم مِن وعده هذا إلاّ أنّه في داخل الكِتاب وعند التراجم لم يتمكّن مِن الالتزام بذلك فأهمل الكثير مِن أهل التراجم حيث لم ينصّ عليهم بالوثقة أو عدمها.

وممّا يُلاحظ على الشيخ في الفهرست أيضاً اعتماده كثيراً على الفهرست لابن النديم، وقد نقل تراجم عديدة منه دون أن يشير إلى كون المُترجَم إماميّاً أو عاميّاً.

وهذا ممّا قلَّل مِن أهميّته في قِبال رجال النجاشي.

وقد شرح هذا الكتاب الشيخ سلمان البحراني الماحوزي المُتوفّى ١١٢١ه- بشرح سمّاه:معراج الكمال إلى معرفة الرجال . ذَكر في أوّله أنّ هذا الفهرست: مِن أحسن كُتب الرجال أُسلوباً، وأعمّها فائدة، وأكثرها نفعاً فقد جَمَع مِن نفائس هذا الفن خلاصتها، وحاز مِن دقائقه ومعرفة أسرارها نقاوتها إلخ(٢) .

وقد طُبع الكتاب عِدّة طبعات، آخرها في النجف مع تحقيق، وتعليق العلاّمة السيّد محمّد صادق بحر العلوم. وطبعة أخيرة بتحقيق العلاّمة السيّد عبد العزيز الطباطبائي، طُبعت في قُم، وهي جيدة اعتمد فيها على عشر نُسخ.

____________________

(١) مُقدّمة فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم ص٣-٤ بتحقيق الطباطبائي.

(٢) مقدّمة الفهرست، طبع النجف للسيّد بحر العلوم.

١١٤

الثالث: رجال الشيخ الطوسي:

وهو مُرتَّب على حَسب الطبقات، فيبدأ بأصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعده أصحاب كلّ واحد مِن الأئمّة، وفي آخره باب مَن لم يروِ عنهم.

ويبدو مِن مطاوي هذا الكتاب أنّه ألّفه بعد تأليف كِتاب الفهرست، حيث إنّه يُحيل في بعض التراجم إلى كِتاب الفهرست، كما في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى صاحب ( نوادر الحكمة )، ونقل عنه، وعن الفهرست ابن حجر في لسان الميزان كثيراً في تراجم عِدّة.

ومسلك الشيخ في رجاله أراد أن يستقصي أصحاب النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام ، مؤمناً كان أو مُنافقاً، إماميّاً كان أو عاميّاً.

فالاستناد إليه ما لم يُحرز إماميّة رجل غير جائز، حتّى في أصحاب النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله - وأمير المؤمنين -عليه‌السلام - فكيف في أصحابهم؟

وغيرُ الإمامي فيه مِن أوّله إلى باب أصحاب الصادقعليه‌السلام ، أكثرُ مِن الأمامي، وبعده ليس غير الإمامي فيه بتلك الكثرة، بل بابه الأخير - باب مَن لم يروِ عنهمعليهم‌السلام - لم يُعلم ذِكر غير الإمامي فيه؛ لعدم المُناسبة(١) .

____________________

(١) قاموس الرجال ج١ ص٢٩.

١١٥

١١٦

١١٧

البابُ الثاني

أهميّةُ النجاشي ورجاله

١١٨

أهمّ كتاب صَدر في القرن الخامس مِن كُتُب الرجال للشيعة الإماميّة هو رجال النجاشي.

للشيخ أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الكوفي الأسدي المولود ٣٧٢ه-، والمُتوفّى ٤٥٠ه-.

وهو الثقة، الصدوق، العارف بأحوال الرجال مِن أهل الحديث وغيرهم في وثاقتهم وعدمها، بل لأجل خبرته التامّة في الجرح والتعديل، وضبطه وإتقانه قُدِّم قولُه على قول غيره عند التعارض في الجرح والتعديل، بل ظاهر كلامه يُقَدم على تصريح غيره.

قال العلاّمة السيّد بحر العلوم المُتوفّى ١٢١٢ه-: هو أحد المشايخ الث-قات والعدول الأثبات، مِن أعظم أركان الجرح والتعديل، وأعلم علماء هذا السبيل، أجمع علماؤنا على الاعتماد عليه، وأطبقوا على الاستناد في أحوال الرجال إليه(١) .

وقال تلميذه الشيخ الصهرشتي في وصفه سَنة ٤٤٢ه-: وكان شيخاً بهيّاً ثقة، صدوق اللسان عند الموافق والمخالف،رضي‌الله‌عنه (٢) .

وقال الميرزا النوري في خاتمة المُستَدرَك:

العالِم النَقّاد، البصير، المضطلع الخبير، الذي هو أفضل مَن خطّ في فنّ

____________________

(١) الفوائد الرجالية ( رجال بحر العلوم ) ج٢ ص٣٥ ط النجف.

(٢) رياض العلماء ج٢ ص٤٤٥.

١١٩

الرجال بقلم، أو نطق بِفَم، فهو الرجل كلّ الرجل، لا يُقاس بسواه، ولا يُعدل به مَن عداه، كلّما ازددّت به تحقيقاً ازددّت به وثوقاً، وهو صاحب الكتاب المَعروف، الدائر، الّذي اتّكل عليه كافّة الأصحاب.

وبالجُملة فجلالة قدره، وعِظم شأنه في الطائفة أشهر مِن أن يحتاج إلى نقل الكلمات، بل الظاهر منهم تقديم قوله ولو كان ظاهراً على قول غيره مِن أئمّة الرجال في مقام المُعارضة في الجرح والتعديل، ولو كان نصّاً.

وقال الشهيد في المسالك: وظاهر حال النجاشي، أنّه أضبط الجماعة، وأعرفهم بحال الرواة.

وغير ذلك مِن التصريحات حول مقام النجاشي، وثباته، وإتقانه، ومعرفته بحال الرواة.

أهميّةُ رِجالِ النجاشي:

ومِن ذلك يظهر أهميّة كتابه في الرجال، وكونه أحسن كُتب الرجال، حيث إنّه يُعتبر عُمدة الكُتب الأربعة في علم الرجال، وهو كَكِتاب الكافي بالنسبة إلى الكُتب الأربعة الحديثيّة. والحقيقة تشهد لذلك، فإنّ الدارس لهذا الكتاب، وعند مقارنته بالكُتب الأُخرى، وبالأخص كُتب الشيخ الطوسي التي كانت صدرت مع كتابه في أزمنة متقاربة، يرى أهميّته على بقيّة الكُتب المؤلَّفة في هذا الفن.

مُميِّزات النجاشي:

١ - ومِن مُمّيزات النجاشي أنّه لا يروي إلاّ عن الثقة كما استظهره

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

أو أربعون ألفاً(١) وهم ينادون بشعار المسلمين يوم البدر : يا منصور أمت(٢) .

وقام مسلم بتنظيم جيشه ، وأسند القيادات العامة في الجيش إلى مَنْ عُرفوا بالولاء والإخلاص لأهل البيت (عليهم السّلام) ، وهم :

١ ـ عبد الله بن عزيز الكندي : جعله على ربع كندة.

٢ ـ مسلم بن عوسجة : جعله على ربع مذحج.

٣ ـ أبو ثمامة الصائدي : جعله على ربع قبائل بني تميم وهمدان.

٤ ـ العباس بن جعدة الجدلي : جعله على ربع المدينة.

واتّجه مسلم بجيشه نحو قصر الإمارة فأحاطوا به(٣) ، وكان ابن زياد قد خرج مِن القصر ليخطب الناس على أثر اعتقاله لهانئ ، فجاء إلى المسجد الأعظم فاعتلى أعواد المنبر ، ثمّ التفت إلى أصحابه فرآهم عن يمينه وشماله وفي أيديهم الأعمدة ، وقد شهروا سيوفهم للحفاظ عليه فهدأ روعه ، وخاطب أهل الكوفة قائلاً : أمّا بعد ، يا أهل الكوفة ، فاعتصموا بطاعة الله ورسوله وطاعة أئمّتكم ولا تختلفوا ولا تفرّقوا فتهلكوا وتذلّوا وتندموا وتقهروا ، فلا يجعلنَّ أحد على نفسه سبيلاً وقد اُعذر مَنْ أنذر.

وما أتمّ الطاغية خطابه حتّى سمع الضجّة وأصوات الناس قد علت ، فسأل عن ذلك فقيل له :

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٥١ ، تذهيب التهذيب ١ / ١٥٠ ـ الذهبي مِنْ مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.

(٢) هذا الشعار فيه تحريض للجيش على الموت في الحرب للتغلب على الأعداء ، وفيه تفاؤل بالنصر.

(٣) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧١.

٣٨١

الحذر الحذر ، هذا مسلم بن عقيل قد أقبل في جميع مَنْ بايعه.

واختطف الرعب لونه وسرت الرعدة بجميع أوصاله ، فأسرع الجبان نحو القصر وهو يلهث مِنْ شدّة الخوف فدخل القصر وأغلق عليه أبوابه(١) ، وامتلأ المسجد والسوق مِن أصحاب مسلم وضاقت الدنيا على ابن زياد وأيقن بالهلاك ؛ إذ لمْ تكن عنده قوّة تحميه سوى ثلاثين رجلاً مِن الشرطة وعشرين رجلاً مِن الأشراف الذين هم مِنْ عملائه(٢) .

وقد تزايد جيش مسلم حتّى بلغ فيما يقول بعض المؤرّخون ثمانية عشر ألفاً وقد نشروا الأعلام وشهروا السيوف ، وقد ارتفعت أصواتهم بقذف ابن زياد وشتمه وجرى بين اتباع ابن زياد وبين جيش مسلم قتال شديد ، كما نصّ على ذلك بعض المؤرّخين.

وأمعن الطاغية في أقرب الوسائل التي تمكّنه مِنْ إنقاذ حكومته مِن الثورة ، فرأى أنْ لا طريق له سوى حرب الأعصاب ودعايات الإرهاب فسلك ذلك.

حرب الأعصاب :

وأوعز الطاغية إلى جماعة مِنْ وجوه أهل الكوفة أنْ يبادروا ببث الذعر ونشر الخوف بين الناس ، وقد انتدب للقيام بهذه المهمّة الذوات التالية :

١ ـ كثير بين شهاب الحارثي.

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ١٥٤ ، الفتوح ٥ / ٨٥.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧١.

٣٨٢

٢ ـ القعقاع بن شور الذهلي.

٣ ـ شبث بن ربعي التميمي.

٤ ـ حجّار بن أبجر.

٥ ـ شمر بن ذي الجوشن الضبابي(١) .

وانطلق هؤلاء إلى صفوف جيش مسلم فأخذوا يشيعون الخوف ويبثّون الأراجيف فيهم ، ويظهرون لهم الإخلاص والولاء خوفاً عليهم عن جيوش أهل الشام.

فكان ما قاله كثير بن شهاب : أيّها الناس ، الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشرّ ولا تعرّضوا أنفسكم للقتل ، فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين ـ يعني يزيد ـ قد أقبلت ، وقد أعطى الله الأمير ـ يعني ابن زياد ـ العهد لئن أقمتم على حربه ولمْ تنصرفوا مِنْ عشيتكم أنْ يحرمَ ذريتكم العطاء ، ويفرّق مقاتلكم في مغازي أهل الشام مِنْ غير طمع ، وأنْ يأخذَ البريء بالسقيم والشاهد بالغائب حتّى لا تبقى فيكم بقيّة مِنْ أهل المعصية إلاّ ذاقها وبال ما جرت أيديها(٢) .

وكان هذا التهديد كالصاعقة على رؤوس أهل الكوفة ؛ فقد كان يحمل ألواناً قاسية مِن الإرهاب ، وهي :

أ ـ التهديد بجيوش أهل الشام : فقد زحفت إليهم ، وهي ستشيع فيهم القتل والتنكيل إنْ بقوا مصرّين على المعصية والعناد.

ب ـ حرمانهم مِن العطاء : وقد كانت الكوفة حامية عسكرية تتلّقى جميع مواردها الاقتصادية مِن الدولة.

ج ـ تجميرهم في مغازي أهل الشام : وزجّهم في ساحات الحروب

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٢.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٨.

٣٨٣

د ـ إنّهم إذا أصروا على التمرّد فإنّ ابن زياد سيعلن الأحكام العرفية ويسوسهم بسياسة أبيه التي تحمل شارات الموت والدمار حتّى يقضي على جميع ألوان الشغب والعصيان.

وقام بقيّة عملاء السلطة بنشر الإرهاب وإذاعة الذعر ، وكان مِنْ جملة ما أذاعوه بين الناس : يا أهل الكوفة ، اتّقوا الله ولا تستعجلوا الفتنة ولا تشقّوا عصا هذه الاُمّة ، ولا توردوا على أنفسكم خيول الشام فقد ذقتموها وجربتم شوكتها.

أوبئة الفزع والخوف :

وسرت أوبئة الخوف والفزع في نفوس الكوفيين وانهارت أعصابهم وكان الموت قد خيّم عليهم ، فجعل بعضهم يقول لبعض : ما نصنع بتعجيل الفتنة وغداً تأتينا جموع أهل الشام ، ينبغي لنا أنْ نقيم في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتّى يصلح الله ذات بينهم(١) .

وكانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها أو زوجها وهي مصفرّة الوجه مِن الخوف فتتوسّل إليه قائلة : الناس يكفونك(٢) . وكان الرجل يأتي إلى ولده وأخيه فيملأ قلبه رعباً وخوفاً ، وقد نجح ابن زياد في ذلك إلى حدّ بعيد ، فقد تغلّب على الأحداث وسيطر على الموقف سيطرة تامّة ، وقد خلع الكوفيون ما كانوا يرتدونه مِنْ ثياب

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٨٧.

(٢) تاريخ أبي الفداء ١ / ٣٠٠ ، تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٢.

٣٨٤

التمرّد على بني اُميّة ولبسوا ثياب الذلّ والعبودية ؛ مِنْ جراء ذلك الإرهاب الهائل والقسوة في الحكم ، فكانت الدماء تنرقرق بين العمائم واللحى.

هزيمة الجيش :

ومُنِيَ جيش مسلم بهزيمة مخزية لمْ يحدث لها نظير في جميع فترات التاريخ ، فقد هزمته الدعايات المضلّلة مِنْ دون أنْ تكون في قباله أيّة قوّة عسكرية.

ويقول المؤرّخون : إنّ مسلماً كلّما انتهى إلى زقاق انسلّ جماعة مِنْ أصحابه وفرّوا منهزمين ، وهم يقولون : ما لنا والدخول بين السلاطين؟!(١) .

ولمْ يمضِ قليل مِن الوقت حتّى انهزم معظمهم ، وقد صلّى بجماعة منهم صلاة العشاء في الجامع الأعظم فكانوا يفرّون في أثناء الصلاة ، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتّى انهزموا بأجمعهم بما فيهم قادة جيشه ، ولمْ يجد أحداً يدلّه على الطريق ، وبقي حيراناً لا يدري إلى أين مسراه ومولجه(٢) ، وكان قد اُثخن بالجراح فيما يقوله بعض المؤرّخين(٣) ، وقد أمسى طريداً مشرّداً لا مأوى يأوي إليه ، ولا قلب يعطف عليه.

__________________

(١) الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء ١ / ١٠٨.

(٢) مقامات الحريري ١ / ١٩٢.

(٣) الفتوح ٥ / ٨٧.

٣٨٥

في ضيافة طوعة :

وسار القائد العظيم سليل هاشم وفخر عدنان متلدّداً في أزقّة الكوفة وشوارعها ، ومضى هائماً على وجهه في جهة كندة(١) يلتمس داراً لينفق فيها بقيّة الليل ، وقد خلت المدينة مِن المارة وعادت كأنّها واحة موحشة ، فقد أسرع كلّ واحد مِنْ جيشه وأعوانه إلى داره وأغلق عليه الأبواب ؛ مخافة أنْ تعرفه مباحث الأمن وعيون ابن زياد بأنّه كان مع ابن عقيل فتلقي عليه القبض.

وأحاطت بمسلم تيّارات مذهلة مِن الهموم وكاد قلبه أنْ ينفجر مِنْ شدّة الألم وعظيم الحزن ، وقد هاله إجماع القوم على نكث بيعته وغدرهم به ، واستبان له أنّه ليس في المصر رجل شريف يقوم بضيافته وحمايته أو يدلّه على الطريق ؛ فقد كان لا يعرف مسالك البلد وطرقها.

وسار وهو حائر الفكر خائر القوى حتّى انتهى إلى سيّدة يُقال لها (طوعة) ، هي سيّدة مَنْ في المصر رجالاً ونساءً بما تملكه مِنْ إنسانية ونبل ، وكانت أولدت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالاً(٢) ، وكانت السيّدة واقفة على الباب تنتظر ابنها وترتقب طلوعه للأحداث الرهيبة التي حلّت في المصر ، ولمّا رآها مسلم بادر إليها فسلّم عليها فردّت عليه السّلام بتثاقل ، وقالت له :

ـ ما حاجتك؟

__________________

(١) الأخبار الطوال / ٢٤٠.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٢ ، وفي الفتوح ٥ / ٨٨ أنّها كانت فيما مضى امرأة قيس الكندي ، فتزوّجها رجل مِنْ بعده مِنْ حضرموت يُقال له أسد بن البطين ، فأولدها ولداً يقال له أسد.

٣٨٦

ـ اسقني ماءً.

فبادرت إلى دارها وجاءته بالماء فشرب منه ، ثمّ جلس ، فارتابت منه ، فقالت له : ألمْ تشرب الماء؟

ـ بلى.

ـ اذهب إلى أهلك إنّ مجلسك مجلس ريبة(١) .

وسكت مسلم ، فأعادت عليه القول بالانصراف وهو ساكت ، وكرّرت عليه القول ثالثاً فلمْ يجبها ، فذعرت منه وصاحت به : سُبحان الله! إنّي لا أحل لك الجلوس على بابي.

ولمّا حرّمت عليه الجلوس لمْ يجد بداً مِن الانصراف فقال لها بصوت خافت حزين النبرات : ليس لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك إلى أجر ومعروف؟ ولعلّي اُكافئك بعد اليوم.

وشعرت المرأة بأنّ الرجل غريب ، وأنّه على شأن كبير وله مكانة عظمى يستطيع أنْ يجازيها على معروفها وإحسانها ، فبادرته قائلة : ما ذاك؟ فقال لها وعيناه تفيضان دموعاً : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني القوم وغرّوني.

فقالت المرأة في دهشة وإكبار : أنت مسلم بن عقيل؟!

ـ نعم(٢) .

__________________

(١) تذهيب التهذيب ـ الذهبي ١ / ١٥١.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٢.

٣٨٧

وانبرت السيّدة بكلّ خضوع وتقدير فسمحت لضيفها الكبير بالدخول إلى منزلها وقد حازت الشرف والمجد ؛ فقد آوت سليل هاشم وسفير ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأدخلته في بيت في دارها غير البيت الذي كانت تأوي إليه ، وجاءته بالضياء والطعام فأبى أنْ يأكل ؛ فقد مزّق الأسى قلبه الشريف وأيقن بالرزء القاصم ، وتمثّلت أمامه الأحداث الرهيبة التي سيواجهها ، وكان أكثر ما يفكّر به كتابه للحُسين بالقدوم إلى الكوفة.

ولمْ يمضِ قليل مِنْ الوقت حتّى جاء بلال ابن السيّدة طوعة فرأى أمّه تُكثر الدخول والخروج إلى ذلك البيت لتقوم برعاية ضيفها ، فأنكر عليها ذلك واستراب منه فسألها عنه ، فأنكرته فألحّ عليها فأخبرته بالأمر بعد أنْ أخذت عليه العهود والمواثيق بكتمان الأمر.

وطارت نفس الخبيث فرحاً وسروراً وقد أنفق ليله ساهراً يترقّب بفارغ الصبر انبثاق نور الصبح ؛ ليخبر السلطة بمقام مسلم عندهم ، وقد تنكّر هذا الخبيث للأخلاق العربية التي تلزم بقرى الضيف وحمايته ، فقد كان هذا الخُلق سائداً حتّى في العصر الجاهلي ، وإنّا لنتّخذ مِنْ هذه البادرة مقياساً عاماً وشاملاً لانهيار القِيَم الأخلاقية والإنسانية في ذلك المجتمع الذي تنكّر لجميع العادات والقِيَم العربية.

وعلى أيّ حالٍ ، فقد طوى مسلم ليلته حزيناً ، قد ساورته الهموم وتوسّد الأرق ، وكان فيما يقول المؤرّخون قد قضى شطراً مِن الليل في عبادة الله ، ما بين الصلاة وقراءة القرآن ، وقد خفق في بعض الليل فرأى عمّه أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأخبره بسرعة اللحاق به فأيقن عند ذلك بدنو الأجل المحتوم منه.

٣٨٨

تأكّد الطاغية مِنْ فشل الثورة :

ولمّا انهزمت جيوش أهل الكوفة وولّت الأدبار تصحب معها العار والخيانة ، وقد خلا الجامع الأعظم منهم ، فلمْ يطمئن الطاغية الجبان مِنْ ذلك ؛ خوفاً مِنْ أنْ يكون ذلك مكيدة وخديعة ، فعهد إلى أذنابه بالتأكد مِن انهزام جيش مسلم وأمرهم بأنْ يشرفوا على ظلال المسجد لينتظروا هل كمِن أحد مِن الثوار فيه؟ وأخذوا يدلون القناديل ويشعلون النار في القصب ويدلونها بالحبال فتصل إلى صحن الجامع ، وفعلوا ذلك بالظلّة التي فيها المنبر فلمْ يروا إنساناً ، فأخبروه بذلك فاطمئن بفشل الثورة وأيقن بالقضاء عليها(١) .

إعلان حالة الطوارئ :

وأعلن الطاغية في الصباح الباكر حالة الطوارئ في جميع أنحاء المصر ، وقد شدّد على المدير العام لشرطته الحصين بن تميم بتنفيذ ما يلي :

أ ـ تفتيش جميع الدور والمنازل في الكوفة تفتيشاً دقيقاً للبحث عن مسلم.

ب ـ الإحاطة بالطرق والسكك لئلا يهرب منها مسلم.

ج ـ الاعتقالات الواسعة لجميع المؤيدين للثورة ، وقد ألقت الشرطة القبض على هؤلاء :

١ ـ عبد الأعلى بن يزيد الكلبي.

٢ ـ عمارة بن صلخب الأزدي.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.

٣٨٩

٣ ـ عبد الله بن نوفل بن الحارث.

٤ ـ مختار الثقفي.

٥ ـ الأصبغ بن نباتة.

٦ ـ الحارث الأعور الهمداني(١) .

راية الأمان :

وأوعز الطاغية إلى محمّد بن الأشعث أنْ يرفع راية الأمان ، ويعلن إلى الملأ أنّ مَنْ انضم إليها كان آمناً ؛ ولعلّ أسباب ذلك ما يلي :

١ ـ التعرّف على العناصر الموالية لمسلم لإلقاء القبض عليها.

٢ ـ إعلان الانتصار والقضاء على الثورة.

٣ ـ شلّ حركة المقاومة ، وإظهار سيطرة الدولة على جميع الأوضاع في البلاد.

ورُفعت راية الأمان فسارع الكوفيون الذين كانوا مع مسلم إلى الانضمام إليها ؛ لنفي التّهمة وإظهار إخلاصهم للحكم القائم آنذاك.

اشتباه :

ومِن الغريب ما ذكره ابن قتيبة(٢) ، والحر العاملي(٣) مِنْ أنّ مسلماً كان في بيت المختار ثمّ خرج لحرب ابن زياد ، وبعد فشل ثورته التجأ

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ / ٣١٤.

(٢) الإمامة والسياسة ٢ / ٤.

(٣) الدر المسلوك ١ / ١٠٨.

٣٩٠

إلى بيت هانئ فأجاره هانئ ، وقال له : ابن زياد يدخل داري فاضربْ عنقه ، فامتنع مسلم مِن الفتك به ، وقام ابن زياد باعتقال هانئ ، ثمّ أرسل شرطته لإلقاء القبض على مسلم فقاتلهم حتّى ضعف عن المقاومة فوقع أسيراً بأيديهم. وهذا الذي أفاداه لمْ يذهب إليه أحد مِن المؤرّخين ؛ فإنّ تفصيل الحادثة حسب ما ذكرناه ، وما عداه فهو مِن الأقوال الشاذّة التي نشأت مِنْ قلّة التتبّع.

خطبة ابن زياد :

ولمّا أيقن الطاغية بفشل ثورة مسلم ، وتفلل قواته المسلحة أمر بجمع الناس في الجامع ، فتوافدت الجماهير وقد خيّم عليها الذعر والخوف ، فجاء الطاغية وهو يرعد ويبرق ويتهدّد ويتوعّد ، فصعد المنبر فقال : أيّها الناس ، إنّ مسلمَ بن عقيل أتى هذه البلاد وأظهر العناد وشقّ العصا ، وقد برئت الذمّة مِنْ رجل أصبناه في داره ، ومَنْ جاء به فله ديته.

اتّقوا الله عباد الله ، والزموا طاعتكم وبيعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً ، ومَنْ أتاني بمسلمِ بن عقيل فله عشر آلاف درهم ، والمنزلة الرفيعة مَِنْ يزيد بن معاوية ، وله في كلّ يوم حاجة مقضيّة(١) .

وحفل هذا الخطاب بالقسوة والصرامة ، وفيه هذه النقاط التالية :

أ ـ الحكم بالإعدام على كلّ مَنْ آوى مسلماً مهما كانت لذلك الشخص مِنْ مكانة اجتماعية في المصر.

ب ـ إنّ دية مسلم تكون لمَنْ جاء به.

ج ـ إنّ مَنْ ظفر بمسلم تمنحه السلطة عشرة آلاف درهم.

__________________

(١) الفتوح ٤ / ٩٠.

٣٩١

د ـ إنّ مَنْ يأتي به يكون مِن القريبين عند يزيد وينال ثقته.

هـ ـ تُكافئ السلطة مَنْ جاء به بقضاء حاجة له في كلّ يوم.

وتمنّى أكثر اُولئك الأوغاد الظفر بمسلمٍ لينالوا المكافأة مِنْ ابن مرجانة والتقرّب إلى يزيد بن معاوية.

الإفشاء بمسلم :

وطالت تلك الليلة على بلال ابن السيّدة الكريمة طوعة التي آوت مسلماً ، فقد ظلّ يترقّب بفارغ الصبر طلوع الصبح ليخبر السلطة بمقام مسلم عندهم.

ولمْ يرقد تلك الليلة مِن الفرح والسرور ؛ فقد تمّت فيما يحسب بوارق آماله وأحلامه ، ولمّا طلع الصبح بادر إلى القصر بحالة تلفت النظر إليها مِن الدهشة ، فقصد عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث ، وهو مِن الاُسرة الخبيثة التي لا عهد لها بالشرف والمروءة ، فسارّه وأعلمه بمكان مسلم عنده ، فأمره عبد الرحمن بالسكوت لئلا يسمع غيره فيبادر بإخبار ابن زياد فينال الجائزة منه.

وأسرع عبد الرحمن إلى أبيه محمّد بن الأشعث فأخبره بالأمر ، وفطن ابن زياد إلى خطورة الأمر فبادر يسأل ابن الأشعث قائلاً : ما قال لك عبد الرحمن؟

ـ أصلح الله الأمير! البشارة العظمى.

ـ ما ذاك؟ مثلك مَنْ بشّر بخير.

ـ إنّ ابني هذا يخبرني أنّ مسلمَ بن عقيل في دار طوعة.

وسُرّ ابن زياد ، ولمْ يملك أهابه مِن الفرح ، فانبرى يُمني ابن الأشعث بالمال والجاه قائلاً :

٣٩٢

ـ قمْ فأتني به ، ولك ما أردت مِن الجائزة والحظّ الأوفى.

لقد تمكّن ابن مرجانة مِن الظفر بسليل هاشم ليجعله قرباناً إلى اُمويّته اللصيقة التي نحر في سبيلها هو وأبوه جميع القِيَم الإنسانية ، واستباحا كلّ ما حرّمه الله مِنْ إثم وفساد.

الهجوم على مسلم :

وندب الطاغية لحرب مسلم عمرو بن حريث المخزومي صاحب شرطته ومحمّد بن الأشعث(١) ، وضمّ إليهما ثلاثمئة رجل من صناديد الكوفة وفرسانها ، وأقبلت تلك الوحوش الكاسرة لحرب القائد العظيم الذي أراد أنْ يحرّرها مِن الذلّ والعبودية وينقذها مِن الظلم والجور.

ولمّا سمع وقْعَ حوافر الخيل وزعقات الرجال علم أنّه قد اُتي إليه ، فبادر إلى فرسه فأسرجه وألجمه وصبّ عليه درعه وتقلّد سيفه ، والتفت إلى السيّدة الكريمة طوعة فشكرها على ضيافتها وأخبرها أنّه إنّما اُتي إليه مِنْ قبل ابنها الباغي اللئيم قائلاً : رحمك الله ، وجزاك عنّي خيراً. اعلمي إنّما اُتيت مِنْ قِبل ابنك(٢) .

واقتحم الجيش عليه الدار فشدّ عليهم يضربهم بسيفه ففرّوا منهزمين ، ثمّ عادوا إليه فأخرجهم منها وانطلق نحوهم في السكّة شاهراً سيفه لمْ يختلج في قلبه خوف ولا رعب ، فجعل يحصد رؤوسهم بسيفه وقد أبدى مِن البطولات النادرة ما لمْ يشاهد لها التاريخ نظيراً في جميع

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١ / ١٥١.

(٢) الفتوح ٥ / ٩٢ ـ ٩٣.

٣٩٣

عمليات الحروب ، وكان يقاتلهم وهو يرتجز :

هو الموتُ فاصنعْ ويكَ ما أنتَ صانعُ

فأنتَ بكأسِ الموتِ لا شكَّ جارعُ

فصبرٌ لأمرِ الله جلّ جلالهُ

فحكمُ قضاءِ اللهِ في الخلقِ ذائعُ(١)

وأبدى سليل هاشم مِن الشجاعة وقوة البأس ما حيّر الألباب وأبهر العقول ؛ فقد قتل منهم فيما يقول بعض المؤرّخين واحداً وأربعين رجلاً(٢) ما عدا الجرحى ، وكان مِنْ قوّته النادرة أنّه يأخذ الرجل بيده ويرمي به مِنْ فوق البيت(٣) ، وليس في تاريخ الإنسانية مثل هذه البطولة ولا مثل هذه القوّة ، وليس هذا غريباً عليه ؛ فعمّه علي بن أبي طالب أشجع الناس وأقواهم بأساً وأشدّهم عزيمة.

واستعمل معه الجبناء مِنْ أنذال أهل الكوفة ألواناً قاسية وشاذّة مِنْ الحرب ، فقد اعتلوا سطوح بيوتهم وجعلوا يرمونه بالحجارة وقذائف النار(٤) ، ولو كانت في ميدان فسيح لأتى عليهم ، ولكنّها كانت في الأزقة والشوارع.

فشل الجيوش :

وفشلت جيوش أهل الكوفة وعجزت عن مقاومة البطل العظيم ، فقد أشاع فيهم القتل وألحق بهم خسائر فادحة ، وأسرع الخائن الجبان

__________________

(١) (٢) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢١٢.

(٣) المنذر النضيد / ١٦٤ ، نفس المهموم / ٥٧.

(٤) المحاسن والمساوئ ـ للبيهقي ١ / ٤٣.

٣٩٤

محمّد بن الأشعث يطلب مِنْ سيّده ابن مرجانة أنْ يمدّه بالخيل والرجال ؛ فقد عجز عن مقاومة مسلم. ولامه الطاغية قائلاً : سُبحان الله! بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به ، فثلم في أصحابك هذه الثلمة العظيمة(١) ؟!

وثقل هذا التقريع على ابن الأشعث ، فراح يشيد بابن عقيل قائلاً : أتظنّ أنّك أرسلتني إلى بقّال مِنْ بقالي الكوفة ، أو جرمقاني مِنْ جرامقة(٢) الحيرة؟!(٣) ، وإنّما بعثتني إلى أسد ضرغام وسيف حسام في كفِّ بطل همام مِنْ آل خير الأنام(٤) .

وأمدّه ابن زياد بقوى مكثّفة من الجيش فجعل البطل العظيم يقاتل وحده ، وهو يرتجز :

أقسمتُ لا اُقتلُ إلاّ حرّا

وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا

أو يخلط البارد سخناً مُرّا

رُدّ شعاعُ الشمسِ فاستقرا

كلّ امرئ يوماً يلاقي شرّا

أخافُ أنْ اُكذبَ أو اُغرّا(٥)

لقد كنت يابن عقيل سيّد الأحرار ، فقد رفعت لواء العزّة والكرامة ورفعت شعار الحرية والإباء ، وأمّا خصومك الحقراء فهم العبيد الذين رضوا بالذلّ والهوان.

وحلّل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله : هو رجز مِن الناحية النفسية صادق كلّ الصدق ، معبّر

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٦٣.

(٢) الجرامقة : قوم من العجم صاروا إلى الموصل.

(٣) مقتل الحسين ـ المقرّم / ١٨٠.

(٤) الفتوح ٥ / ٩٣.

(٥) تاريخ الطبري.

٣٩٥

تعبيراً دقيقاً عن الموجات النفسية التي كانت تندفع في نفس الشاعر وهو في موقفه الضيّق الحرج ، فهو قبل كلّ شيء مصمم على أنْ يحتفظ بحريته ولو أدّى هذا إلى قتله ، وهو يعلن في صراحة وصدق أنّ الموت شيء منكر ، ولا يقول هذا كما يقوله غيره ممّن يغالطون أنفسهم أنّ الموت شيء محبّب إلى نفسه ، وإنّما يعبّر عن نفسيته تعبيراً صادقاً ، فالموت شيء لا يحبّه ، ولكنّه لا يفرّ منه ما دام قد صمم على الاحتفاظ بحريته.

ثمّ يحاول أن يهدّئ مِنْ روعه ، ويجعل هذه الموجة العالية الرهيبة تنحسر عن نفسه دون أنْ يجذبها في تيارات مِن الهلع والفزع ، فيحدّث عن نفسه بأنّ الدنيا متقلبة وكلّ امرئ فيها لا بد أنْ يلاقي ما يسوؤه ، وهو يعرض هذا الحديث النفسي في صورة فنيّة رائعة.

وأضاف يقول : إنّه حريص على الحياة ، ولكنّه حريص على الحرية بجعله متردّداً ؛ لأنّه يخشى ، بل يخاف أنْ يكذّب عليه أعداؤه ، أو يخدعوه فيقتلوه دون محاولة منه لتنفيذ عهده بأنْ يموت في سبيل حريته ، أو يأسروه فيفقد حريته التي يحرص عليها حرصه على الحياة.

أرأيت كيف استطاع أنْ يصوّر موقفه الضيّق الحرج هذا التصوير الفتيّ الرائع ، الذي يشمل روعته مِنْ تعبيره عن نفسيته تعبيراً صادقاً لا رياء فيه ولا تضليل؟

إنّ هذا هو السرّ الذي يجعل هذه الشطور القليلة تؤثّر في نفوسنا تأثيراً يجعلنا نشعر بما كان يعانيه قائلها مِنْ صراع داخلي هائل لا يعدله إلاّ صراعه الخارجي مع أعدائه(١) .

__________________

(١) حياة الشعر في الكوفة / ٣٧١ ـ ٣٧٢.

٣٩٦

أمان ابن الأشعث :

ولمّا سمع محمّد بن الأشعث رجز مسلم الذي أقسم فيه أنْ يموت ميتة الأحرار ، وأنْ لا يُخدع ولا يُغرّ انبرى إليه قائلاً : إنّك لا تُكذب ولا تُخدع ، إنّ القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك ولا ضارّيك(١) .

فلمْ يعتنِ به مسلم ، وإنّما مضى يقاتلهم أعنف القتال وأشدّه ففرّوا منهزمين مِنْ بين يديه ، واعتلوا فوق بيوتهم يرمونه بالحجارة فأنكر عليهم مسلماً ذلك قائلاً : ويلكم! ما لكمْ ترمونني بالحجارة كما تُرمى الكفار ، وأنا مِنْ أهل بيت الأبرار؟! ويلكم! أما ترعون حقّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وذريته؟!

ولمْ يستطيعوا مقابلته وجبنوا عن مقابلته ، وضاق بابن الأشعث أمره فصاح بالجيش : ذروه حتّى أكلّمه ، ودنا منه ، فخاطبه : يابن عقيل ، لا تقتل نفسك ، أنتَ آمن ، ودمك في عنقي.

ولمْ يحفل به مسلم ؛ فإنّه على علم بأنّ الأشعث لمْ يمرّ في تاريخه ولا في تاريخ اُسرته أيّ معنى مِنْ معاني الشرف والنبل والوفاء ، فاندفع يقول له : يابن الأشعث ، لا اُعطي بيدي أبداً وأنا أقدر على القتال. والله ، لا كان ذلك أبداً.

وحمل مسلم على ابن الأشعث ففرّ الجبان يلهث كأنّه الكلب ، وأخذ العطش القاسي مِنْ مسلمٍ مأخذاً عظيماً فجعل يقول :

اللّهم ، إنّ العطش قد بلغ منّي.

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٣.

٣٩٧

وتكاثرت الجنود عليه إلاّ إنّها مُنِيَتْ بالذعر والجبن ، وصاح بهم ابن الأشعث : إنّ هذا هو العار والفشل أنْ تجزعوا مِنْ رجلٍ واحدٍ هذا الجزع ، احملوا عليه بأجمعكم حملةً واحدةً(١) .

وحملوا عليه حملةً واحدةً ؛ فضربه بكير بن حمران الأحمري ضربةً منكرةً على شفته العليا ، وأسرع السيف إلى السفلى ، وضربه مسلم ضربةً أردته إلى الأرض.

أسره :

وبعدما اُثخن مسلم بالجراح ، وأعياه نزيف الدم ، انهارت قواه وضعف عن المقاومة ، فوقع أسيراً بأيدي اُولئك الأوغاد ، فتسابقوا إلى ابن زياد يحملون له البشرى بأسرهم للقائد العظيم الذي جاء ليحررهم مِن الذلّ والعبودية ، وقد طار الطاغية فرحاً ؛ فقد ظفر بخصمه وتمّ له القضاء على الثورة.

أمّا كيفية أسره ، فقد اختلفت فيها أقوال المؤرّخين ، وهذه بعضها :

١ ـ ما ذكره ابن أعثم الكوفي : أنّ مسلماً وقف ليستريح ممّا ألمَّ به مِن الجروح ، فطعنه مِنْ خلفه رجل مِنْ أهل الكوفة طعنة غادرة فسقط إلى الأرض فأسرعوا إلى أسره(٢) .

٢ ـ ما ذكره الشيخ المفيد : أنّ مسلماً لمّا اُثخن بالحجارة وعجز مِن القتال أسند ظهره إلى جنب دار ، فقال له ابن الأشعث : لك الأمان.

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٩٤ ـ ٩٥.

(٢) الفتوح ٥ / ٥٩.

٣٩٨

فقال مسلم : أأمن؟ قال : نعم. فقال للقوم الذين معه : ألِيَ الأمان؟ قالوا : نعم ، إلاّ عبيد الله بن العباس السلمي فإنّه قال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل. وتنحّى.

فقال مسلم : أما لو لمْ تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم. واُتي ببغلة فحُمِلَ عليها فاجتمعوا حوله ، وانتزعوا سيفه فكأنّه عند ذلك أيس ، فقال : هذا أوّل الغدر(١) .

٣ ـ ما ذكره أبو مخنف : أنّهم عملوا له حفيرة وستروها بالتراب ثمّ انكشفوا بين يديه ، فحمل عليهم فانكشفوا بين يديه ، فلمّا انتهى إليها سقط فيها فازدحموا عليه وأسروه(٢) . وهذا القول لمْ يذهب إليه غير أبي مخنف.

مع عبيد الله السلمي :

ولمْ يفكر مسلم في تلك الساعة الحرجة بما سيعانيه مِن القتل والتنكيل على يد الطاغية ابن مرجانة ؛ وإنّما شغل فكره ما كتبه للإمام الحُسين بالقدوم إلى هذا المصر ، فقد أيقن أنّه سيلاقي نفس المصير الذي لاقاه ، فدمعت عيناه وظنّ عبيد الله بن العباس السلمي أنّه يبكي لما صار إليه مِن الأسر ، فأنكر عليه ذلك وقال له : إنّ مَنْ يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لمْ يبكِ.

فردّ عليه مسلم ما توهمّه فيه قائلاً :

__________________

(١) الإرشاد / ٢٣٨ ، تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٣.

(٢) مقتل أبي مخنف ـ مخطوط بمكتبة السيّد محمود سعيد ثابت في كربلاء ، وذكر ذلك الطريحي في المنتخب / ٢٩٩.

٣٩٩

إنّي والله ما لنفسي بكيت ، ولا لها مِن القتل أرثي وإنْ كنت لمْ أحبّ لها طرفة عين تلقها ، ولكنْ أبكي لأهلي المقبلين. أبكي لحُسين(١) .

وازدحمت الشوارع والأزقة بالجماهير الحاشدة لتنظر ما يؤل إليه أمر القائد العظيم وما سيلاقيه مِن الاُمويِّين ، ولمْ يستطع أحد منهم أنْ ينبس ببنت شفة حذراً مِن السلطة العاتية.

مع الباهلي :

وجيء بمسلم أسيراً تحفُّ به الشرطة وقد شهرت عليه السيوف ، فلمّا انتهي به إلى قصر الإمارة رأى جرّة فيها ماء بارد وقد أخذ العطش منه مأخذاً أليماً ، فالتفت إلى مَنْ حوله قائلاً : اسقوني مِنْ هذا الماء.

فانبرى إليه اللئيم الدنس مسلم بن عمرو الباهلي فقال له : أتراها ما أبردها؟ والله ، لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنم.

ولا حدّ لظلم الإنسان ولا منتهى لوحشيته وجفائه ، فما يضرّ اُولئك الجفاة لو سقوه الماء وهو أسير بين أيديهم لا يملك مِنْ أمره شيئاً ، وكان هذا السمت مِن التردّي وسقوط الأخلاق قد عُرف به جميع السفلة الساقطين مِنْ قتلة المصلحين.

فانبرى مسلم فأراد التعرّف على هذا الإنسان الممسوخ الذي تنكّر لأبسط القِيَم الإنسانية قائلاً له : مَنْ أنت؟!

__________________

(١) الإرشاد / ٢٣٨.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470