حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام12%

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 470

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 470 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 317201 / تحميل: 7237
الحجم الحجم الحجم
حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام

حياة الامام الحسن بن علي عليهما السلام الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دار البلاغة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وعبيد الله بن العباس ، ولمّا مثلا عندها ذكّراها بما أمرها الله أنْ تقرّ في بيتها ، وأنْ لا تسفك دماء المسلمين ، وبالغا في نصيحتها ، ولو أنّها وعت نصيحتهما لعادت على الناس بالخير العميم ، وجنّبتهم كثيراً مِن المشاكل والفتن ، إلاّ أنّها جعلت كلامهما دبر أذنيها ، وراحت تقول لهم : إنّي لا أردّ على ابن أبي طالب بالكلام ؛ لأنّي لا أبلغه في الحِجاح(١) .

وبذل الإمام (عليه السّلام) قصارى جهوده في الدعوة إلى السّلم وعدم إراقة الدماء ، إلاّ أنّ هناك بعض العناصر لمْ ترق لها هذه الدعوى ، وراحت تسعى لإشعال نار الحرب وتقويض دعائم السّلم.

الدعوة إلى القرآن :

ولمّا باءت بالفشل جميع الجهود التي بذلها الإمام (عليه السّلام) مِن أجل حقن الدماء ، ندب الإمام (عليه السّلام) أصحابه لرفع كتاب الله العظيم ودعوة القوم إلى العمل بما فيه ، وأخبرهم أنّ مَنْ يقوم بهذه المهمة فهو مقتول ، فلمْ يستجب له أحد سوى فتى نبيل مِن أهل الكوفة ، فانبرى إلى الإمام (عليه السّلام) وقال : أنا له يا أمير المؤمنين.

فأشاح الإمام (عليه السّلام) بوجهه عنه ، وطاف في أصحابه ينتدبهم لهذه المهمة فلمْ يستجب له أحد سوى ذلك الفتى ، فناوله الإمام (عليه السّلام) المصحف ، فانطلق الفتى مزهوّاً لمْ يختلج في قلبه خوف ولا رعب ، وهو يلوح بالكتاب أمام عسكر عائشة قد رفع صوته بالدعوة إلى العمل بما فيه ، ولكنّ القوم قد دفعتهم الأنانية إلى الفتك به فقطعوا يمينه ، فأخذ المصحف بيساره وهو يناديهم بالدعوة إلى العمل بما فيه ، فاعتدوا عليه وقطعوا يساره ، فأخذ المصحف

__________________

(١) الفتوح ٢ / ٣٠٦.

٤١

بأسنانه وقد نزف دمه ، وراح يدعوهم إلى السّلم وحقن الدماء قائلاً : الله في دمائنا ودمائكم.

وانثالوا عليه يرشقونه بنبالهم فوقع على الأرض جثة هامدة ، فانطلقت إليه اُمّه تبكيه وترثيه بذوب روحها قائلة :

يا ربِّ إنّ مسلماً أتاهُمْ

يتلو كتاب الله لا يخشاهُمْ

فخضّبوا مِن دمه لحاهُمْ

واُمّهم قائمةٌ تراهُمْ

ورأى الإمام (عليه السّلام) بعد هذا الإعذار أنْ لا وسيلة له سوى الحرب ، فقال لأصحابه : «الآن حلّ قتالهم ، وطاب لكم الضراب»(١) . ودعا الإمام (عليه السّلام) حضين بن المنذر وكان شاباً ، فقال له : «يا حضين ، دونك هذه الراية ، فو الله ما خفقت قط فيما مضى ، ولا تخفق فيما بقي راية أهدى منها إلاّ راية خفقت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)».

وفي ذلك يقول الشاعر :

لمَنْ رايةٌ سوداء يخفُقُ ظلُّها

إذا قيل قدِّمها حُضينٌ تقدّما

يُقدّمها للموت حتّى يزيرها

حِياض المنايا تَقطرُ الموتَ والدما(٢)

الحربُ العامة :

ولمّا استيأس الإمام (عليه السّلام) مِن السّلم عبّأ جيشه تعبئة عامّة ، وكذلك فعل أصحاب عائشة وقد حملوها على جملها (عسكر) ، واُدخلت هودجها المصفّح بالدروع ، والتحم الجيشان التحاماً رهيباً. يقول بعض المؤرّخين : إنّ

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٢٤٦.

(٢) أنساب الأشراف ١ ق ١ / ١٨٠.

٤٢

الإمام الحُسين (عليه السّلام) قد تولّى قيادة فرقة مِنْ فرق الجيش ، وإنّه كان على الميسرة ، وخاض المعركة ببسالة وصمود(١) . وكان جمل عائشة فيما يقول بعض مَنْ شهد المعركة هو راية أهل البصرة ، يلوذون به كما يلوذ المقاتلون براياتهم ، وقد حمل الإمام (عليه السّلام) عليهم وقد رفع العلم بيسراه ، وشهر في يمينه ذا الفقار الذي طالما ذبّ به عن دين الله ، وحارب به المشركين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله). واقتتل الفريقان كأشدّ ما يكون القتال ضراوة ، يريد أصحاب عائشة أنْ يحرزوا النصر ويحموا أُمّهم ، ويريد أصحاب علي (عليه السّلام) أنْ يحموا إمامهم ويموتوا دونه.

مصرعُ الزبير :

وكان الزبير رقيق القلب ، شديد الحرص على مكانته مِن النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّ حبّ المُلْك هو الذي أغراه ودفعه إلى الخروج على الإمام (عليه السّلام) ؛ يضاف إلى ذلك ولده عبد الله فهو الذي زجّ به في هذه المهالك ، وباعد ما بينه وبين دينه ، وقد عرف الإمام (عليه السّلام) رقّة طبع الزبير ، فخرج إلى ميدان القتال ورفع صوته :

«أين الزبير؟».

فخرج الزبير وهو شاك في سلاحه ، فلمّا رآه الإمام (عليه السّلام) بادر إليه واعتنقه ، وقال له بناعم القول : «يا أبا عبد الله ، ما جاء بك ها هنا؟».

ـ جئت أطلب دم عثمّان.

فرمقه الإمام (عليه السّلام) بطرفه وقال له :

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ١٩٣.

٤٣

«تطلب دم عثمّان!».

ـ نعم.

ـ «قتل الله مَنْ قتل عثمّان».

وأقبل عليه يحدّثه برفق ، قائلاً : «أنشدك الله يا زبير ، هل تعلم أنّك مررت بي وأنت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو متكئ على يدك ، فسلّم عليّ رسول الله وضحك إليّ ، ثمّ التفت إليك فقال لك : يا زبير ، إنّك تقاتل عليّاً وأنت له ظالم».

وتذكّر الزبير ذلك ، وقد ذهبت نفسه أسىً وحسرات ، وندم أشدّ ما يكون النّدم على موقفه هذا ، والتفت إلى الإمام (عليه السّلام) وهو يصدّق مقالته : اللّهم نعم.

ـ «فعلامَ تقاتلني؟».

ـ نسيتها والله ، ولو ذكرتها ما خرجت إليك ولا قاتلتك(١) .

ـ «ارجع».

ـ كيف ارجع وقد التقت حلقتا البطان؟! هذا والله العار الذي لا يُغسل.

ـ «ارجع قبل أنْ تجمع العار والنار».

وألوى عنان فرسه ، وقد ملكت الحيرة والقلق أهابه ، وراح يقول :

فاخترتُ عاراً على نارٍ مؤجّجةٍ

ما إنْ يقوم لها خلقٌ من الطينِ

نادى عليٌّ بأمرٍ لستُ أجهلُهُ

عارٍ لَعمرُك في الدنيا وفي الدينِ

فقلتُ حسبُك مِن عذلٍ أبا حسنٍ

فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني(٢)

وقفل الإمام (عليه السّلام) راجعاً إلى أصحابه ، فقالوا له : تبرز إلى زبير حاسراً

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ٧٣.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٢٤٧. على أنّ الأبيات وردت على غير هذا النسق ، وما أثبتناه فهو من بعض المصادر الاُخرى. (موقع معهد الإمامين الحَسنَين)

٤٤

وهو شاك السّلاح ، وأنت تعرف شجاعته! فقال (عليه السّلام) :

«إنّه ليس بقاتلي ، إنّما يقتلني رجل خامل الذكر ، ضئيل النسب ، غيلة في غير ماقط(١) حرب ولا معركة رجال. ويل أُمّه أشقى البشر! ليودّ أنّ أُمّه هبلت به. أما أنّه وأحمر ثمّود لمقرونان في قرن ...»(٢) .

واستجاب الزبير لنداء الإمام (عليه السّلام) فاتّجه صوب عائشة ، فقال لها : يا أُمّ المؤمنين ، إنّي والله ما وقفت موقفاً قط إلاّ عرفت أين أضع قدمي فيه إلاّ هذا الموقف ؛ فإنّي لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر؟!

وعرفت عائشة تغيير فكرته وعزمه على الانسحاب مِنْ حومة الحرب ، فقالت له باستهزاء وسخرية مثيرة عواطفه : يا أبا عبد الله ، خفت سيوف بني عبد المطلب؟! وعاثت هذه السخرية في نفسه ، فالتفت إليه ولده عبد الله فعيّره بالجبن قائلاً : إنّك خرجت على بصيرة ، ولكنّك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أنّ تحتها الموت فجبنت.

إنّه لمْ يخرج على بصيرة ولا بيّنة مِنْ أمره ، وإنّما خرج مِنْ أجل المُلْك والسلطان.

والتاع الزبير مِنْ حديث ولده ، فقال له : ويحك! إنّي قد حلفت له أنْ لا اُقاتله. [فقال له ابنه :] كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتق غلامه وراح يجول في ميدان الحرب ليُري ولده شجاعته ، ويوضّح له أنّه إنّما فرّ بدينه لا جبناً ولا خوراً ، ومضى منصرفاً على وجهه حتّى أتى وادي السّباع. وكان الأحنف بن قيس مع قومه مقيمين هناك ،

__________________

(١) الماقط : ساحة القتال.

(٢) شرح نهج البلاغة ١ / ١٣٥.

٤٥

فتبعه ابن جرموز فأجهز عليه وقتله غيلة ، وحمل مقتله إلى الإمام (عليه السّلام) فحزن عليه كأشدّ ما يكون الحزن ، ويقول الرواة : إنّه أخذ سيفه وهو يقول : «سيف طالما جلا الكروب عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)». وعلى أي حالٍ ، لقد كانت النهاية الأخيرة للزبير تدعو إلى الأسف والأسى ؛ فقد تمرّد على الحقّ ، وأعلن الحرب على وصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه.

مصرعُ طلحة :

وخاض طلحة المعركة وهو يحرّض جيشه على الحرب ، فبصر به مروان بن الحكم فرماه بسهم ؛ طلباً بثار عثمّان ، فوقع على الأرض يتخبّط بدمه. وكان مروان يقول لبعض ولد عثمّان : لقد كفيتك ثأر أبيك من طلحة. وأمر طلحة مولاه أنْ يأوي به إلى مكان ينزل فيه ، فأوى به بعد مشقّة إلى دار خربة مِنْ دور البصرة فهلك فيها بعد ساعة.

قيادةُ عائشة للجيش :

وتولّت عائشة قيادة الجيش بعد هلاك الزبير وطلحة ، وقد تفانت بنو ضبّة والأزد وبنو ناجية في حمايتها. ويقول المؤرّخون : إنّهم هاموا بحبّها ، فكانوا يأخذون بعر جملها ويشمّونه ، ويقولون : بعر جمل أُمّنا ريحه ريح المسك. وكانوا محدقين به لا يريدون فوزاً ولا انتصاراً سوى حمايتها ، وإنّ راجزهم يرتجز :

يا معشرَ الأزد عليكُمْ أُمّكمْ

فإنّها صلاتُكُم وصومكُمْ

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٩٧.

٤٦

والحرمةُ العظمى التي تعمّكُمْ

فأحضروها جدكُمْ وحزمكُمْ

لا يغلبنْ سمّ العدو سمّكُمْ

إنّ العدوَّ إنْ علاكُمْ زمّكُمْ

وخصّكُم بجورهِ وعمّكُمْ

لا تفضحوا اليوم فداكُم قومكُمْ(١)

وكانت تحرّض على الحرب كلّ مَنْ كان على يمينها ، ومَنْ كان على شمالها ، ومَنْ كان أمامها قائلة : إنّما يصبر الأحرار. وكان أصحاب الإمام (عليه السّلام) يلحّون على أصحاب عائشة بالتخلّي عنها ، وراجزهم يرتجز :

يا أُمَّنا أعقّ اُمٍّ نعلمُ

والأُمُّ تغذو وُلدها وترحمُ

أما ترينَ كم شُجاعٍ يُكلمُ

وتختلي منه يدٌ ومِعصمُ

وكان أصحاب عائشة يردّون عليهم ويقولون :

نحن بني ضبّة أصحابَ الجملْ

ننازلُ القرن إذا القرن نزلْ

والقتلُ أشهى عندنا مِن العسلْ

نبغي ابن عفّان بأطراف الأسلْ

ردّوا علينا شيخَنا ثمّ بجلْ

واشتدّ القتال كأشد وأعنف ما يكون القتال ، وكثرت الجرحى ، وملئت أشلاء القتلى وجه الأرض.

عقرُ الجمل :

ورأى الإمام (عليه السّلام) أنّ الحرب لا تنتهي ما دام الجمل موجوداً ، فصاح (عليه السّلام) بأصحابه : «اعقروا الجمل ؛ فإنّ في بقائه فناء العرب». وانعطف عليه الحسن (عليه السّلام) فقطع يده اليمنى ، وشدّ عليه الحُسين (عليه السّلام) فقطع يده اليسرى(٢) ، فهوى إلى جنبه وله عجيج منكر لمْ يسمع مثله ، وفرّ حماة الجمل في البيداء ؛ فقد تحطّم صنمهم

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٨١.

(٢) وقعة الجمل ـ مُحمّد بن زكريا / ٤٤.

٤٧

الذي قدّموا له هذه القرابين ، وأمر الإمام (عليه السّلام) بحرقه وتذرية رماده في الهواء ؛ لئلاّ تبقى منه بقية يُفتتن بها السذّج والبسطاء.

وبعد الفراغ مِنْ ذلك ، قال : «لعنه الله مِنْ دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل!». ومدّ بصره نحو الرماد الذي تناهبه الهواء ، فتلا قوله تعالى :( وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ) . وبذلك فقد وضعت الحرب أوزارها ، وكتب النصر للإمام (عليه السّلام) وأصحابه ، وباءت القوى الغادرة بالخزي والخسران.

وأوفد الإمام (عليه السّلام) للقيا عائشة الحسن والحُسين (عليهما السّلام) ومُحمّد بن أبي بكر(١) ، فانطلقوا إليها ، فمدّ مُحمّد يده في هودجها فجفلت منه ، وصاحت به : مَنْ أنت؟

ـ أبغض أهلك إليك.

ـ ابن الخثعميّة؟

ـ نعم أخوك البرّ.

ـ عقوق.

ـ هل أصابك مكروه؟

ـ سهم لمْ يضرّني.

فانتزعه منها ، وأخذ بخطام هودجها وأدخلها في الهزيع الأخير مِن الليل إلى دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث ، فأقامت فيه أياماً.

العفو العام :

وسار علي (عليه السّلام) في أهل البصرة سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أهل مكة

__________________

(١) وقعة الجمل / ٤٥.

٤٨

كما قال (عليه السّلام) ، فأمِنَ الأسود والأحمر ـ على حدّ تعبير اليعقوبي(١) ـ ولمْ ينكّل بأيّ أحد مِنْ خصومه ، وجلس للناس فبايعه الصحيح منهم والجريح ، ثمّ عمد إلى بيت المال فقسّم ما وجد فيه على الناس بالسواء.

وسار (عليه السّلام) إلى عائشة فبلغ دار عبد الله بن خلف الخزاعي الذي أقامت فيه عائشة ، فاستقبلته صفية بنت الحارث شرّ لقاء ، فقالت له : يا علي ، يا قاتل الأحبّة ، أيتم الله بنيك كما أيتمت بني عبد الله! وكانوا قد قتلوا في المعركة مع عائشة ، فلمْ يجبها الإمام (عليه السّلام) ومضى حتّى دخل على عائشة ، فأمرها أنْ تغادر البصرة وتمضي إلى يثرب لتقرّ في بيتها كما أمرها الله.

ولمّا انصرف أعادت عليه صفية القول الذي استقبلته به ، فقال لها : «لو كنت قاتل الأحبّة لقتلت مَنْ في هذا البيت». وهو يشير إلى أبواب الحجرات المقفلة ، وكان فيها كثير مِن الجرحى وغيرهم مِنْ أعضاء المؤامرة [الذين] آوتهم عائشة ، فسكتت صفية ، وأراد مَنْ كان مع الإمام (عليه السّلام) أنْ يبطشوا بهم ، فزجرهم زجراً عنيفاً ؛ وبذلك فقد منح العفو لأعدائه وخصومه.

وسرّح الإمام (عليه السّلام) عائشة تسريحاً جميلاً ، وأرسل معها جماعة مِنْ النساء بزي الرجال لتقرّ في بيتها حسب ما أمرها الله ، وقد رحلت عائشة مِن البصرة ، وأشاعت في بيوتها الثكل والحزن والحداد.

يقول عمير بن الأهلب الضبي ، وهو مِن أنصارها :

لقد أورثتنا حومةَ الموت اُمُّنا

فلمْ تنصرف إلاّ ونحن رواءُ

أطعنا بني تيمٍ لشقوةِ جدِّنا

وما تيمُ إلاّ أعبدٌ وإماءُ(٢)

لقد أوردت أُمّ المؤمنين أبناءها حومة الموت ، فقد كان عدد الضحايا مِن المسلمين فيما يقول بعض المؤرخين عشرة آلاف ، نصفهم مِن أصحابها ،

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٩.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٢٥٦.

٤٩

والنصف الآخر مِنْ أصحاب الإمام (عليه السّلام)(١) . وكان مِنْ أعظم الناس حسرة الإمام (عليه السّلام) ؛ لعلمه بما تجرّ هذه الحرب مِنْ المصاعب والمشاكل.

متاركُ الحرب :

وأعقبت حرب الجمل أفدح الخسائر وأعظم الكوارث التي اُبتلي بها المسلمون ، ومِن بينها ما يلي :

١ ـ إنّها مهّدت السبيل لمعاوية لمناجزة الإمام (عليه السّلام) ، والتصميم على قتاله ، فقد تبنى شعار معركة الجمل وهو المطالبة بدم عثمان ، ولولا حرب الجمل لما استطاع معاوية أنْ يعلن العصيان والتمرّد على حكم الإمام (عليه السّلام).

٢ ـ إنّها أشاعت الفرقة والاختلاف بين المسلمين ، فقد كانت روح المودّة والأُلفة سائدة فيهم قبل حرب الجمل ، وبعدها انتشرت البغضاء بين أفراد الأُسر العربية ؛ فقبائل ربيعة واليمن في البصرة أصبحت تكن أعمق البغض والكراهية لإخوانهم من ربيعة وقبائل اليمن في الكوفة ، وتطالبها بما أُريق من دماء أبنائها ، بل أصبحت الفرقة ظاهرة شائعة حتّى في البيت الواحد ؛ فبعض أبنائه كانوا شيعة لعلي والبعض الآخر كانوا شيعة لعائشة.

ويقول المؤرّخون : إنّ البصرة بقيت محتفظة بولائها لعثمان حفنة من السنين ، وإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) إنّما لمْ ينزح إليها لما عُرِفت به من الولاء لعثمان.

٣ ـ إنّها أسقطت هيبة الحكم وجرّأت على الخروج عليه ؛ فقد تشكّلت الأحزاب النفعية التي لا همّ لها إلاّ الاستيلاء على السلطة والظفر بخيرات البلاد ، حتّى كان التطاحن على الحكم من أبرز سمات ذلك العصر.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٢٢٤ ، وفي رواية أبي العلاء في أنساب الأشراف ١ ق ١ / ١٨٠ أنّ عدد الضحايا عشرون ألفاً.

٥٠

٤ ـ إنّها فتحت باب الحرب بين المسلمين ، وقبلها كان المسلمون يتحرجون أشدّ ما يكون التحرّج في سفك دماء بعضهم بعضاً.

٥ ـ إنّها عملت على تأخير الإسلام وشلّ حركته وإيقاف نموّه ، فقد انصرف الإمام (عليه السّلام) بعد حرب الجمل إلى مقاومة التمرّد والعصيان الذي أعلنه معاوية وغيره من الطامعين في الحكم ، ممّا أدّى إلى أفدح الخسائر التي مُنِيَ بها الإسلام.

يقول الفيلسوف (ولز) : إنّ الإسلام كاد أنْ يفتح العالم أجمع لو بقي سائراً سيرته الاُولى لو لمْ تنشب في وسطه مِنْ أوّل الأمر الحرب الداخلية ؛ فقد كان همّ عائشة أنْ تقهر علياً قبل كلّ شيء(١) .

٦ ـ واستباحت هذه الحرب حرمة العترة الطاهرة التي قرنها النّبي (صلّى الله عليه وآله) بمحكم التنزيل ، وجعلها سفن النجاة وأمن العباد ، فمنذ ذلك اليوم شُهِرَت السيوف في وجه عترة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، واستحلّ الأوغاد إراقة دمائهم وسبي ذراريهم ، فلمْ يرعَ بنو اُميّة في وقعة كربلاء أي حرمة للنّبي (صلّى الله عليه وآله) في أبنائه ، وانتهكوا معهم جميع الحرمات.

هذه بعض متارك حرب الجمل التي جرّت للمسلمين أفدح الخسائر في جميع فترات التاريخ.

القاسطون :

ولمْ يكد يفرغ الإمام (عليه السّلام) من حرب الناكثين ـ كما اسماهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ حتّى جعل يتأهّب لحرب القاسطين الذين أسماهم النّبي (صلّى الله عليه وآله) بذلك ، ورأى الإمام (عليه السّلام) أنْ يغادر البصرة إلى الكوفة ؛ ليستعدّ لحرب عدوّ عنيف هو معاوية بن أبي سفيان الذي حارب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبلى في حربه أشدّ

__________________

(١) شيخ المضيرة / ١٧٣.

٥١

البلاء وأقواه ، ولمْ يكن معاوية بأقلّ تنكّراً للإسلام وبغضاً لأهله مِنْ أبيه ، وكان المسلمون الأوّلون ينظرون إليهما نظرة ريبة وشك في إسلامهما ، وقد استطاع بمكره ودهائه أنْ يغزو قلب الخليفة الثاني ، ويحتل المكانة المرموقة في نفسه فجعله والياً على الشام ، وظلّ يبالغ في تسديده وتأييده ، وبعد وفاته أقرّه عثمان وزاد في رقعة سلطانه.

وظلّ معاوية في الشام يعمل عمل مَنْ يريد المُلْك والسلطان ، فأحاط نفسه بالقوّة واشترى الضمائر ، وسخّر اقتصاد بلاده في تدعيم سلطانه ، وبعد الأحداث التي ارتكبها عثمان علم معاوية أنّه مقتول لا محالة ، فاستغاث به عثمان حينما حوصر فأبطأ في نصره ، وظلّ متربصاً حتّى قُتِلَ ليتّخذ مِنْ قميصه ودمه وسيلة للتشبث بالمُلْك ، وقد دفعه إلى ذلك حرب الجمل التي كان شعارها المطالبة بدم عثمان ، فاتّخذه خير وسيلة للتذرّع لنيل المُلْك.

ويقول المؤرّخون : إنّه استعظم قتل عثمان وهول أمره ، وراح يبني مُلْكه على المطالبة بدمه.

وكان الإمام (عليه السّلام) محتاطاً في دينه كأشدّ ما يكون الاحتياط فلمْ يصانع ولمْ يحاب ، وإنّما سار على الطريق الواضح ، فامتنع أنْ يستعمل معاوية على الشام لحظة واحدة ؛ لأنّ في إقراره على منصبه تدعيماً للظلم وتركيزاً للجور.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ الإمام (عليه السّلام) بعد حرب الجمل قد غادر البصرة مع قواته المسلحة ، واتّجه إلى الكوفة ليتّخذها عاصمة ومقرّاً له. واتّجه فور قدومه إليها يعمل على تهيئة وسائل الحرب لمناهضة عدوّه العنيف الذي يتمتّع بقوى عسكرية هائلة أجمعت على حبّه ونصرته ، وكان الشنّي يحرّض الإمام (عليه السّلام) ويحفزّه على حرب أهل الشام بعد ما أحرزه مِن النصر في وقعة الجمل ، وقد قال له :

قل لهذا الإمام قد خبت الحر

بُ وتمّت بذلك النعماءُ

وفرغنا من حرب مَنْ نكث العهْـ

ـد وبالشام حيّةٌ صمّاءُ

٥٢

تنفث السمّ ما لمَنْ نهشته

فارمِها قبل أنْ تعض شفاءُ(١)

إيفادُ جرير :

وقبل أنْ يعلن الإمام (عليه السّلام) الحرب على غول الشام أوفد للقياه جرير بن عبد الله البجلي يدعوه إلى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون من مبايعته ، وقد زوّده برسالة(٢) دعاه فيها إلى الحقّ مِنْ أقصر سبيله ، وبأوضح أساليبه ، وفيها الحكمة الهادية لمَنْ أراد الهداية ، وشرح الله صدره ، وفجّر في فؤاده ينبوع النور. وانتهى جرير إلى معاوية فسلّمه رسالة الإمام (عليه السّلام) ، وألحّ عليه في الوعظ والنصيحة ، وكان معاوية يسمع منه ولا يقول له شيئاً ، وإنّما أخذ يطاوله ويسرف في مطاولته ، لا يجد لنفسه مهرباً سوى الإمهال والتسويف.

معاوية مع ابن العاص :

ورأى معاوية أنّه لن يستطيع التغلّب على الأحداث إلاّ إذا انضمّ إليه داهية العرب عمرو بن العاص فيستعين به على تدبير الحيل ، ووضع المخططات التي تؤدي إلى نجاحه في سياسته ، فراسله طالباً منه الحضور إلى دمشق. وكان ابن العاص فيما يقول المؤرّخون : قد وجد على عثمان حينما عزله عن مصر ، فكان يؤلّب الناس عليه ويحرّضهم على الوقيعة به ، وهو ممّن مهّد للفتنة والثورة عليه ، ولمّا أيقن بحدوث الانقلاب عليه خرج إلى أرض

__________________

(١) الأخبار الطوال / ١٤٥.

(٢) الرسالة في وقعة صفّين / ٣٤.

٥٣

كان يملكها بفلسطين فأقام فيها ، وجعل يتطلّع الأخبار عن قتله.

ولمّا انتهت رسالة معاوية إلى ابن العاص تحيّر في أمره ، فاستشار ولديه عبد الله ومُحمّداً ؛ أمّا عبد الله فكان رجل صدق وصلاح فأشار عليه أنْ يعتزل الناس ، ولا يجيب معاوية إلى شيء حتّى تجتمع الكلمة ويدخل فيما دخل فيه المسلمون ؛ وأمّا ابنه مُحمّد فقد طمع فيما يطمع فيه فتيان قريش مِن السعة والتقدّم وذيوع الاسم ، فقد أشار عليه بأنْ يلحق بمعاوية لينال من دنياه.

فقال عمرو لولده عبد الله : أمّا أنت فأمرتني بما هو خير لي في ديني. وقال لولده مُحمّد : أمّا أنت فأمرتني بما هو خير لي في دنياي. وأنفق ليله ساهراً يفكّر في الأمر هل يلتحق بعلي فيكون رجلاً كسائر المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم مِنْ دون أنْ ينال شيئاً مِنْ دنياه ، ولكنّه يضمن أمر آخرته ، أو يكون مع معاوية فيظفر بتحقيق ما يصبو إليه في الدنيا مِن الثراء العريض ، وهو لمْ ينسَ ولاية مصر فكان يحنّ إليها حنيناً متّصلاً ، وقد اُثر عنه تلك الليلة مِن الشعر ما يدلّ على الصراع النفسي الذي خامره تلك الليلة.

ولمْ يسفر الصبح حتّى آثر الدنيا على الآخرة ، فاستقرّ رأيه على الالتحاق بمعاوية ، فارتحل إلى دمشق ومعه ابناه ، فلمّا بلغها جعل يبكي أمام أهل الشام كما تبكي المرأة ، وهو يقول : وا عثماناه! أنعى الحياء والدين(١) .

قاتلك الله يابن العاص! أنت تبكي على عثمان وأنت الذي أوغرت عليه الصدور ، وأثرت عليه الأحقاد ، وكنت تلفي الراعي فتحرّضه عليه حتّى سُفك دمه! لقد بلغ التهالك على السلطة في ذلك العصر مبلغاً أنسى الناس دينهم ، فاقترفوا في سبيل ذلك كلّ ما حرّمه الله.

ولمّا التقى ابن العاص بمعاوية فتح معه الحديث في حربه مع الإمام (عليه السّلام) ، فقال ابن العاص :

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ١٢٩.

٥٤

ـ أمّا علي فوالله لا تساوي العرب بينك وبينه في شيء مِن الأشياء ، وإنّ له في الحرب لحظاً ما هو لأحد مِنْ قريش إلاّ أنْ تظلمه.

واندفع معاوية يبيّن دوافعه في حربه للإمام قائلاً : صدقت ، ولكنّا نقاتله على ما في أيدينا ، ونلزمه قتلة عثمان.

واندفع ابن العاص ساخراً منه قائلاً : وا سوأتاه! إنّ أحق الناس أنْ لا يذكر عثمان أنت!

ـ ولِمَ ويحك؟!

ـ أمّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتّى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار إليه ، وأمّا أنا فتركته عياناً وهربت إلى فلسطين(١) .

واستيقن معاوية أنّ ابن العاص لا يخلص له ، ورأى أنّ مِن الحكمة أنْ يستخلصه ويعطيه جزاءه مِن الدنيا ، فصارحه قائلاً : أتحبّني يا عمرو؟

ـ لماذا؟ للآخرة فوالله ما معك آخرة ، أم للدنيا؟ فوالله لا كان حتّى أكون شريكك فيها.

ـ أنت شريكي فيها؟

ـ اكتب لي مصر وكورها.

ـ لك ما تريد.

فسجّل له ولاية مصر ، وجعلها ثمناً لانضمامه إليه(٢) في مناهضته لوصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد ظفر بداهية مِنْ دواهي العرب ، وبشيخ مِنْ شيوخ قريش قد درس أحوال الناس ، وعرف كيف يتغلّب على الأحداث.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٢.

(٢) العقد الفريد ٣ / ١١٣.

٥٥

ردُّ جرير :

ولمّا اجتمع لمعاوية أمره وأحكم وضعه ردّ جرير ، وأرسل معه إلى الإمام (عليه السّلام) رسالة حمّله فيها المسؤولية في إراقة دم عثمان ، وعرّفه بإجماع أهل الشام على حربه إنْ لمْ يدفع له قتلة عثمان ، ويجعل الأمر شورى بين المسلمين.

وارتحل جرير إلى الكوفة فأنبأ علياً (عليه السّلام) بامتناع معاوية عليه ، وعظم له أمر أهل الشام ، ورأى الإمام أنْ يقيم عليه الحجّة مرّة أخرى ، فبعث له سفراء آخرين يدعونه إلى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون ، إلاّ أنّ ذلك لمْ يجدِ شيئاً ، فقد أصرّ معاوية على غيّه وعناده حينما أيقن أنّ له القدرة على مناجزة الإمام (عليه السّلام) ومناهضته.

قميصُ عثمان :

وألهب معاوية بمكره وخداعه قلوب السذّج والبسطاء مِنْ أهل الشام حزناً وأسىً على عثمان ، فكان ينشر قيمصه الملطخ بدمائه على المنبر فيضجون بالبكاء والعويل ، واستخدم الوعّاظ فجعلوا يهوّلون أمره ، ويدعون الناس إلى الأخذ بثأره ، وكان كلّما فتر حزنهم عليه يقول له ابن العاص بسخرية واستهزاء : حرّك لها حوارها تحنّ.

فيخرج إليهم قميص عثمان فيعود لهم حزنهم ، وقد أقسموا أنْ لا يمسّهم الماء إلاّ مِن الاحتلام ، ولا يأتون النساء ، ولا ينامون على الفراش

٥٦

حتى يقتلوا قتلة عثمان(١) ، وكانت قلوبهم تتحرّق شوقاً إلى الحرب للأخذ بثأره. وقد شحن معاوية أذهانهم بأنّ علياً هو المسؤول عن إراقة دمه ، وأنّه قد آوى قتلته ، وكانوا يستنهضون معاوية للحرب ويستعجلونه أكثر منه.

زحفُ معاوية لصفّين :

وعلم معاوية أنّه لا بدّ من الحرب ؛ لأنّ الإمام (عليه السّلام) لا يحاب ولا يداهن في دينه ، فلا يقرّه على ولاية الشام ، ولا يسند له أي منصب من مناصب الدولة ، وإنّما يقصيه عن جميع أجهزة الحكم ؛ لما يعرفه عنه من الالتواء في دينه.

وسار معاوية في جموع أهل الشام ، وقدّم بين يديه الطلائع ، وقد أنزل أصحابه أحسن منزل وأقربه إلى شريعة الفرات ، وقد احتل الفرات ، وعُدّ هذا أوّل الفتح ؛ لأنّه حبس الماء على عدوّه ، وبقيت جيوشه رابضة هناك تصلح أمرها وتنضّم قواها استعداداً للحرب.

زحفُ الإمام (عليه السّلام) للحرب :

وتهيّأ الإمام (عليه السّلام) للحرب ، وقام الخطباء في الكوفة يحفّزون الناس للجهاد ، ويحثونهم على مناجزة معاوية بعدما أحرزوه من النصر الكبير في معركة الجمل ، وقد خطب فيهم الإمام الحسين (عليه السّلام) خطاباً رائعاً ومثيراً ، قال فيه بعد حمد الله والثناء عليه : «يا أهل الكوفة ، أنتم الأحبّة الكرماء ، والشعار دون الدثار ، جدّوا في

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ١٤١.

٥٧

إطفاء ما دثر بينكم ، وتسهيل ما توعّر عليكم ؛ ألا إنّ الحرب شرّها ذريع ، وطعمها فظيع ، فمَنْ أخذ لها أهبتها ، واستعدّ لها عدّتها ، ولم يألم كلومها قبل حلولها فذاك صاحبها ، ومَنْ عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قمن ألاّ ينفع قومه ، وأن يهلك نفسه. نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفيئة»(١) .

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى استعجال الحرب ، واستعداد الشام لها ، والإمعان في وسائلها ؛ فإنّ ذلك من موجبات النصر ، ومن وسائل التغلب على الأعداء ، وإنّ إهمال ذلك ، وعدم الاعتناء به ممّا يوجب الهزيمة والاندحار. ودلّ هذا الخطاب على خبرة الإمام (عليه السّلام) الواسعة في الشؤون العسكرية والحربية.

وتهيّأ الناس بعد خطاب سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) إلى الحرب ، وأخذوا يجدّون في تنظيم قواهم ، ولمّا تمّت عدّتهم زحف بهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لحرب ابن أبي سفيان ، وقد قدم طلائعه ، وأمرهم أنْ لا يبدؤوا أهل الشام بقتال حتّى يدركهم.

وزحفت كتائب الجيش العراقي كأنّها السيل ، وهي على يقين أنّها إنّما تحارب القوى الباغية على الإسلام ، والمعادية لأهدافه. وقد جرت في أثناء مسيرة الإمام (عليه السّلام) أحداث كثيرة لا حاجة إلى إطالة الكلام بذكرها ، فإنّا لا نقصد بهذه البحوث أن نلمّ بها ، وإنّما نشير إليها بإيجاز.

احتلالُ الفرات :

ولمْ يجد أصحاب الإمام (عليه السّلام) شريعة على الفرات يستقون منها الماء إلاّ وهي

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٣ / ١٨٦.

٥٨

محاطة بالقوى المكثفة من جيش معاوية ؛ يمنعونهم أشدّ المنع من الاستسقاء من الماء ، ولمّا رأى الإمام (عليه السّلام) ذلك أوفد رسله إلى معاوية يطلبون منه أنْ يخلّي بينهم وبين الماء ليشربوا منه ، فلمْ تسفر مباحثهم معه أي شيء ، وإنّما وجدوا منه إصراراً على المنع يريد أنْ يحرمهم منه ، كما حرموا عثمان مِن الماء.

وأضرّ الظمأ بأصحاب الإمام (عليه السّلام) ، وانبرى الأشعث بن قيس يطلب الإذن من الإمام (عليه السّلام) أنْ يفتح باب الحرب ليقهر القوى المعادية على التخلّي عن الفرات ، فلمْ يجد الإمام (عليه السّلام) بداً من ذلك فأذن له ، فاقتتل الفريقان كأشدّ ما يكون القتال ، وكُتِبَ النصر لقوات الإمام (عليه السّلام) فاحتلّت الفرات ، وأراد أصحاب الإمام (عليه السّلام) أنْ يقابلوهم بالمثل فيحرمونهم منه ، كما صنعوا ذلك معهم ، ولكنّ الإمام (عليه السّلام) لمْ يسمح لهم بذلك ، وعمل معهم عمل المحسن الكريم فخلّى بينهم وبين الماء.

لقد كان اللؤم والخبث من عناصر الاُمويِّين وذاتياتهم ، فقد أعادوا على صعيد كربلاء ما اقترفوه من الجريمة في صفّين ، فحالوا بين الإمام الحسين (عليه السّلام) وبين الماء ، وتركوا عقائل الوحي ومخدرات الرسالة ، وصبية أهل البيت (عليهم السّلام) قد صرعهم العطش ، ومزّق الظمأ قلوبهم ، فلمْ يستجيبوا لأيّة نزعة إنسانية ، ولمْ ترقّ قلوبهم فيعطفوا عليهم بقليل من الماء.

رسلُ السلام :

وكان الإمام (عليه السّلام) متحرّجاً كأشدّ ما يكون التحرّج في سفك دماء المسلمين ، فقد جهد على نشر السلام والوئام ، فأوفد إلى معاوية عدي بن حائم ، وشبث بن ربعي ، ويزيد بن قيس ، وزياد بن حفصة يدعونه إلى حقن دماء المسلمين ، ويذكّرونه الدار الآخرة ، ويحذّرونه أنْ ينزل به ما نزل بأصحاب الجمل ، ولكنّ ابن هند لمْ يستجب لذلك ، وأصرّ على الغي والتمرد ، وقد

٥٩

حمّل الإمام (عليه السّلام) المسؤولية في قتل عثمان بن عفان ، وقد دفعه إلى العصيان ما يتمتّع به من القوى العسكرية واتفاق كلمتها ، وإصرارها على الطلب بدم عثمان.

ورجعت رسل السّلام وقد أخفقت في سفارتها ، واستبان لها أنّ معاوية مصمّم على الحرب ، ولا رغبة له في الصلح ، وأحاطوا الإمام (عليه السّلام) علماً بذلك ، فجعل يتهيّأ للحرب ، ويدعو الناس إلى القتال.

الحربُ :

وعبّأ الإمام (عليه السّلام) أصحابه على راياتهم واستعد للقتال ، وقد أمر أصحابه أنْ لا يبدؤوهم بقتال ، كما عهد لهم في حرب الجمل ، وأنْ لا يقتلوا مدبراً ، ولا يجهزوا على جريح ، ولا يمثّلوا بقتيل ، ولا يهيجوا امرأة إلى غير ذلك من الوصايا التي تمثّل شرف القيادة العسكرية في الإسلام.

وجعلت فرق من جيش الإمام (عليه السّلام) تخرج إلى فرق من جيش معاوية فيقتتل الفريقان نهاراً كاملاً أو طرفاً منه ، ثمّ يتحاجزان من دون أنْ تقع حرب عامة بينهما ، وقد رجا الإمام (عليه السّلام) بذلك أنْ يثوب معاوية إلى الصلح وحقن الدماء. ودام الأمر على هذا حفنة من الأيام من شهر ذي الحجّة ، فلمّا أطلّ شهر الحرام ، وهو من الأشهر التي يحرم فيها القتال في الجاهلية والإسلام توادعوا شهرهم كلّه ، واُتيح للفريقين أنْ يقتلوا آمنين ، وقد آمن بعضهم بعضاً ولمْ تقع بينهم أي حرب ، وقد سعت بينهم سفراء السلم إلاّ أنّها أخفقت في سعيها.

وقد احتدم الجدال بين الفريقين ؛ فأهل العراق يدعون أهل الشام إلى جمع الكلمة وحقن الدماء ، ومبايعة وصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، والدخول فيما دخل فيه المسلمون ، وأهل الشام يدعون العراقيّين إلى الطلب بدم عثمان ورفض بيعة الإمام (عليه السّلام) ، وإعادة الأمر شورى بين المسلمين.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) قال: فقال: قصرت الأبناء عن عمل الاباء، فالحقوا الأبناء بالآباء لتقر بذلك أعينهم.

٢٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن سليمان الديلمي عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ أطفال شيعتنا من المؤمنين تربيهم فاطمةعليها‌السلام ، وقوله: «ألحقنا بهم ذرياتهم» قال: يهدون إلى آبائهم يوم القيامة.

٢٤ ـ فيمن لا يحضره الفقيه وفي رواية الحسن بن محبوب عن علي عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : قال: إنّ الله تبارك وتعالى كفل إبراهيمعليه‌السلام وسارة أطفال المؤمنين يغذونهم بشجرة في الجنة، لها أخلاف كأخلاف البقر(١) في قصر من درة، فاذا كان يوم القيامة ألبسوا وطيبوا واهدوا إلى آبائهم ملوك في الجنة مع آبائهم، وهذا قول الله تعالى:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) .

٢٥ ـ في مجمع البيان وروى زاذان عن عليٍّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنَّ المؤمنين وأولادهم في الجنة ثم قرأ هذه الاية.

٢٦ ـ وروى عن الصادقعليه‌السلام قال: أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم يوم القيامة.

٢٧ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمدعليهما‌السلام يقولان: إنّ الله تعالى عوض الحسين من قتله أنْ جعل الامامة في ذريته، والشفاء في تربته، واجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أيام زيارته جائيا وراجعا من عمره، قال محمد بن مسلم: فقلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : هذه الخلال تنال بالحسين فما له من نفسه؟ قال: إنّ الله تعالى ألحقه بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان معه في درجته ومنزلته، ثم تلا أبو عبد اللهعليه‌السلام : «( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ ) بايمانهم ألحقنا بهم ذرياتهم».

٢٨ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ )

__________________

(١) الأخلاف جمع الخلف ـ بكسر الخاء ـ: حلمة ضرع الناقة.

١٤١

قال: قصرت الأبناء عن عمل الآباء، فالحق اللهعزوجل الأبناء بالآباء ليقر بذلك أعينهم.

٢٩ ـ وباسناده إلى أبي بصير قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إذا مات الطفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات والأرض ألآ إنّ فلان بن فلان قد مات، فان كان قد مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه، وإلّا دفع إلى فاطمةعليها‌السلام تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما، أو بعض أهل بيته من المؤمنين فتدفعه اليه.

٣٠ ـ وباسناده إلى جميل بن دراج عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن أطفال الأنبياءعليهم‌السلام فقال: ليسوا كأطفال ساير الناس، قال: وقد سئلته عن إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو بقي كان صديقا؟ قال: لو بقي كان صديقا؟ قال: لو بقي كان على منهاج أبيهعليه‌السلام .

٣١ ـ وباسناده إلى عامر بن عبد الله قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: مات إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له ثمانية عشر شهرا، فأتم اللهعزوجل رضاعه في الجنة.

٣٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ ) قال: ليس في الجنة غناء ولا فحش ويشرب المؤمن ولا يأثم( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ) قال: في الجنة( قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ ) أي خائفين من العذاب.

٣٣ ـ في أصول الكافي باسناده إلى معروف بن خربوذ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: صلى أمير المؤمنينعليه‌السلام بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف اللهعزوجل ، ثم قال: أما والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنهم ليصبحون ويمشون شعثاء غبراء خمصاء بين أعينهم كركب المعزاء(١) يبيتون لربهم سجدا وقياما يراوحون بين اقدامهم وجباههم، يناجون

__________________

(١) الشعث: تفرق الشعر وعدم إصلاحه ومشطه وتنظيفه والغبر من الأغبر: المتلطخ بالغبار. وخمصاء جمع الأخمص (وقيل: الخميص) أي بطونهم خالية، قال المجلسي (ره) اما للصوم أو للفقر اولا يشبعون لئلا يكسلوا في العبادة، والمعز: ذوات الثغر من الغنم.

١٤٢

ربهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون مشفقون.

٣٤ ـ في كتاب سعد السعود لابن طاووسرحمه‌الله نقلا عن مختصر كتاب محمد بن العباس بن مروان باسناده إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث طويل يذكر فيه شيعة علىعليه‌السلام وحالهم في الجنة وفيه يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أنْ ذكر دخولهم الجنة على النجايب(١) تقودهم الملائكة فينطلقون صفا واحدا معتدلا لا يفوت منهم شيء شيئا، ولا يموت أذن ناقة ناقتها، ولا بركة ناقة بركتها(٢) ولا يرمون بشجرة من أشجار الجنة إلّا لحقتهم بثمارها ورجلت لهم عن طريقهم كراهية أنْ تنثلم طريقهم(٣) وان يفرق بين الرجل ورفيقه، فلما رفعوا إلى الجبار تبارك وتعالى قالوا ربنا أنت السلام ومنك السلام ولك بحق الجلال والإكرام، قال: فقال: أنا السلام ومنى السلام ولي بحق الجلال والإكرام فمرحبا بعبادي الذي أحفظوا وصيتي في أهل بيت نبيي ورعوا حقي وخافوني بالغيب، وكانوا منى على كل حال مشفقين.

٣٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم فمن الله علينا ووقينا عذاب السموم قال: السموم الحر الشديد،( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا ) قال: لم يكن في الدنيا أحلم من قريش( أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ) قال: هو ما قالت قريش أنّ الملائكة بنات الله.

٣٦ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه: ولقد بات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند بعض أزواجه في ليلة انكسف فيها القمر، فلم يكن منه في تلك الليلة مما كان يكون منه في غيرها حتى أصبح فقال له: يا رسول الله البغض كان هذا منك في هذه الليلة؟ قال لا. ولكن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة، فكرهت أنْ أتلذذ و

__________________

(١) النجيب: الفاضل من كل حيوان.

(٢) البركة: هيئة البروك وهو أنْ يلصق صدره بالأرض.

(٣) انثلم الحائط: أحدث فيه خللا.

١٤٣

ألهو فيها، وقد غير الله أقواما فقال جل وعز في كتابه:( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ) .

٣٧ ـ في تهذيب الأحكام الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن عمر بن عثمان عن أبي جعفر وأبى عبد اللهعليهما‌السلام وذكر حديثا طويلا يقول فيهعليه‌السلام : ولقد بات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عند بعض النساء فانكسف القمر في تلك الليلة فلم يكن منه فيها شيء، فقالت له زوجته: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي أكل هذا للبغض؟ فقال: ويحك هذا الحدث في السماء، فكرهت أنْ أتلذذ وأدخل في شيء، ولقد عير الله قوما فقالعزوجل :( وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ ) .

٣٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله: وان الذين ظلموا آل محمد حقهم عذابا دون ذلك قال: عذاب الرجعة بالسيف،( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) قال: لصلوة الليل فسبحه قال صلوة الليل(١) .

وادبار النجوم أخبرنا محمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن الرضاعليه‌السلام قال: أدبار السجود أربع ركعات بعد المغرب، وادبار النجوم ركعتين قبل صلوة الصبح.

٣٩ ـ في مجمع البيان( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) يعنى صلوة الليل وروى عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبى عبد اللهعليهما‌السلام في هذه الآية قالا: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقوم من الليل ثلاث مرات، فينظر في آفاق السماء ويقرأ الخمس من آل عمران التي آخرها( إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ) ثم يفتتح صلوة الليل ؛ الخبر بتمامه.

٤٠ ـ «وادبار النجوم» يعنى الركعتين قبل صلوة الفجر، وهو المروي عن أبي جعفر وابى عبد اللهعليهما‌السلام .

٤١ ـ وفيه «ادبار السجود» فيه أقوال أحدها أنّ المراد به الركعتان بعد المغرب «وادبار النجوم» ركعتان قبل الفجر، عن عليّ بن أبي طالب والحسن بن عليّعليهما‌السلام وعن

__________________

(١) وفي المصدر «قبل صلوة الليل» مكان «قال صلوة الليل».

١٤٤

ابن عباس مرفوعا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٢ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: «وادبار النجوم»! قال: ركعتان قبل الصبح.

٤٣ ـ في قرب الاسناد باسناده إلى إسماعيل بن عبد الخالق قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: الركعتين اللتين بعد الفجر هما( وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من كان يدمن قراءة والنجم في كل يوم أو في كل ليلة عاش محمودا بين الناس، وكان مغفورا له، وكان محبوبا بين الناس.

٢ ـ في مجمع البيان أبيّ بن كعب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ومن قرأ سورة والنجم اعطى من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد ومن جحد به.

٣ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ العزائم اربع:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) والنجم وتنزيل السجدة وحم السجدة.

٤ ـ في أمالي الصدوق (ره) باسناده إلى ابن عباس قال: صلينا العشاء الاخرة ذات ليلة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما سلم أقبل علينا بوجهه ثم قال: انه سينقض كوكب من السماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم، فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيي وخليفتي والامام بعدي، فلما كان قرب الفجر جلس كل واحد منا في داره ينتظر سقوط الكوكب في داره، وكان أطمع القوم في ذلك أبي العباس بن عبد المطلب، فلما طلع الفجر انقض الكوكب من الهوى فسقط في دار عليِّ بن أبي طالب، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّعليه‌السلام : يا عليُّ والذي بعثني بالنبوة لقد وجبت لك الوصية والخلافة والامامة بعدي، فقال المنافقون عبد الله بن أُبيّ وأصحابه: لقد ضلّ محمّد في محبة ابن عمّه وغوى، وما ينطق في شأنه إلّا بالهوى، فأنزل الله تبارك

١٤٥

تعالى:( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) يقولعزوجل : وخالق النجم إذا هوى ما ضل صاحبكم يعنى في محبة عليّ بن أبي طالب وما غوى وما ينطق عن الهوى يعنى في شأنه إنْ هو إلّا وحي يوحى.

وحدثنا بهذا الحديث شيخ لأهل الري يقال له أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ العدل، قال: حدّثنا محمد بن العباس بن بسام قال: حدّثني أبو جعفر محمد بن أبي الهيثم السعدي قال: حدّثني أحمد بن الخطاب قال حدّثنا أبو إسحاق الفزاري عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدهعليهم‌السلام عن عبد الله بن عباس بمثل ذلك، إلّا انه في حديثه: يهوى كوكب من السماء مع طلوع الشمس فيسقط في دار أحدكم.

٥ ـ وباسناده إلى الصادق عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: لـمّا مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضه الذي قبضه الله فيه اجتمع إليه أهل بيته وأصحابه فقالوا: يا رسول الله إنْ حدث بك حدث فمن لنا بعدك ومن القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم عن شيء مما سألوه ؛ فلما كان اليوم الثالث قالوا له: يا رسول الله إنْ حدث بك حدث فمن لنا بعدك ومن القائم فينا بأمرك؟ فقال لهم: إذا كان غدا هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي فانظروا من هو؟ فهو خليفتي عليكم من بعدي والقائم فيكم بأمرى ولم يكن فيهم أحد إلّا وهو يطمع أن يقول له: أنت القائم من بعدي فلما كان اليوم الرابع جلس كل رجل منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم إذا انقضَّ نجم من السماء قد غلب ضوئه على ضوء الدنيا حتى وقع في حجرة عليٍّعليه‌السلام ، فهاج القوم وقالوا: والله لقد أضلّ هذا الرجل وغوى وما ينطق في ابن عمّه إلّا بالهوى، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك:( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) إلى آخر السورة.

٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) قال: النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( إِذا هَوى ) لـمّا أسرى به إلى السماء وهو في الهوى، حدّثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: قلت:( النَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ ) قال: النجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سماه الله في غير موضع، فقال:( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) والحديث طويل

١٤٦

أخذنا منه موضع الحاجة.

٧ ـ في مجمع البيان وروت العامة عن جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام أنّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل من السماء السابعة ليلة المعراج ولما نزلت السورة، أخبر بذلك عتبة بن أبي لهب فجاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وطلق ابنته وتفل في وجهه وقال: كفرت بالنجم ورب النجم، فدعاصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه وقال: أللّهم سلط عليه كلبا من كلابك، فخرج عتبة إلى الشام فنزل في بعض الطريق وألقى الله عليه الرعب فقال لأصحابه ليلا: أنيمونى بينكم ليلا ففعلوا فجاء أسد وافترسه من بين الناس.

٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : قول اللهعزوجل : «( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى * وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) وما أشبه ذلك؟ قال: إنّ للهعزوجل أنْ يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أنْ يقسموا إلّا به.

٩ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى علي بن مهزيار قال: قلت لأبي جعفر الثانيعليه‌السلام : قول اللهعزوجل :( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى ) وقولهعزوجل :( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) وما أشبه هذا، قال: إنّ اللهعزوجل يقسم من خلقه بما يشاء وليس لخلقه أنْ يقسموا إلّا بهعزوجل .

١٠ ـ في روضة الكافي علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) قال: أقسم بقبر محمد(١) إذا قبض( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ ) بتفضيله أهل بيته( وَما غَوى )

١١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن العباس عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ) يقول: ما ضل في عليٍّ وما غوى( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) وما كان قال فيه إلّا بالوحي الذي أوحى اليه.

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر «بقبض محمد».

١٤٧

١٢ ـ في روضة الكافي متصل بآخر ما نقلنا قريبا أعنى وما غوى( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) يقول: ما يتكلم بفضل أهل بيته بهواه، وهو قول اللهعزوجل :( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى )

١٣ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن سليمان عن عبد الله بن محمد اليماني عن مسمع بن الحجاج عن صباح الحذاء عن صباح المزني [عن جابر] عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لـمّا أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليٍّعليه‌السلام يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة فلم يبق منهم في بر ولا بحر إلّا أتاه فقالوا: يا سيدهم ومولاهم(١) ماذا دهاك؟ فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه، فقال لهم: فعل هذا النبي فعلا إنْ تمّ لم يعص الله أبدا، فقالوا: يا سيدهم أنت كنت لادم، فلما قال المنافقون: انه ينطق عن الهوى وقال أحدهما لصاحبه: اما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون؟ ـ يعنون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ صرخ إبليس صرخة يطرب فجمع أوليائه فقال لهم: اما علمتم أني كنت لادم من قبل؟ قالوا: نعم قال: آدم نقض العهد ولم يكفر بالرب، وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرسول، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٤ ـ في أمالي الصدوق (ره) باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال لعلقمة: إنّ رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط، وكيف تسلمون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسوله وحجج اللهعليهم‌السلام ، ألم ينسبوه إلى انه ينطق عن الهوى في ابن عمّه عليّعليه‌السلام حتى كذبهم اللهعزوجل ، فقال:( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٥ ـ في أصول الكافي علي بن محمد عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد

__________________

(١) أي قالوا يا سيدنا ومولانا وإنّما غيره لئلا يوهم انصرافه إليه (عليه السلام). وهذا شايع في كلام البلغاء في نقل أمر لا يرضى القائل لنفسه كما في قوله تعالى:( أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) وقوله «ماذا دهاك، يقال: دهاه إذا أصابته داهية، قاله المجلسي (ره) في مرآة العقول.

١٤٨

عن عمر بن عبد العزيز عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: حديثى حديث أبى، وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير ـ المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قول اللهعزوجل .

١٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم:( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ) يعنى اللهعزوجل ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) يعنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: حدّثني ياسر عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال: ما بعث الله نبيا الاصحاب مرة سوداء صافية وقوله:( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ) يعنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم دنى يعنى رسول الله من ربهعزوجل فتدلى قال: إنما نزلت ثم دنا( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) قال: كان من الله كما بين مقبض القوس إلى رأس السية(١) «أو أدنى» أي من نعمته ورحمته قال بل أدنى من ذلك.

١٧ ـ وفيه وأمّا قوله:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إليه مِنْ رَبِّهِ ) فانه حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّ هذه الآية مشافهة الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا أسرى به إلى السماء قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : انتهيت إلى سدرة المنتهى وإذا الورقة منها تظل أمّة من الأمم فكنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى كما حكى اللهعزوجل ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٨ ـ وفيه:( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) كان بين لفظه وبين سماع محمد كما بين وتر القوس وعودها، حدّثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن سنان قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : أول من سبق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) وذلك انه أقرب الخلق إلى الله تعالى وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لـمّا أسرى به إلى السماء: تقدم يا محمد فقد وطيت موطئا لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولو لا أنّ روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لـما قدر أنْ يبلغه، وكان من اللهعزوجل كما

__________________

(١) سية القوس: ما عطف من طر فيها.

(٢) كذا.

١٤٩

قال اللهعزوجل ( قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) أي بل أدنى.

١٩ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى علي بن سالم عن أبيه عن ثابت بن دينار قال: سألت زين العابدين علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام عن الله جل جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى عن ذلك قلت فلم أسرى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه، قلت فقول اللهعزوجل :( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) ؟ قال: ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دنى من حجب النور فرأى من ملكوت السماوات ثم تدلىعليه‌السلام فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى.

٢٠ ـ وباسناده إلى هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : فلما أسرى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه.

٢١ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّا عرج بى إلى السماء دنوت من ربيعزوجل حتى كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى، فقال لي: يا محمد من تحب من الخلق؟ قلت: يا رب عليا. قال: التفت يا محمد، فالتفت عن يساري فاذا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢٢ ـ وباسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّا أسرى بى إلى السماء كنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى ربي ما أوحى، ثم قال: يا محمّد اقرأ عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، فما سميت بهذا أحدا قبله ولا أسمى بها أحدا بعده.

٢٣ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن علي بن أبي حمزة قال: سأل أبو بصير أبا عبد اللهعليه‌السلام وانا حاضر فقال: جعلت فداك كم عرج برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: مرتين فأوقفه جبرئيلعليه‌السلام موقفا فقال له مكانك يا محمّد، فلقد وقفت

١٥٠

موقفا ما وقفه ملك ولا نبي، إنّ ربك يصلّي فقال: يا جبرئيل وكيف يصلّي؟ قال، يقول: سبوح قدوس أنا ربّ الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبى، فقال: أللّهم عفوك عفوك، قال: وكان كما قال الله:( قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) فقال له أبو بصير جعلت فداك ما قاب قوسين أو أدنى؟ قال: ما بين سيتها(١) إلى رأسها. فقال: كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ولا أعلمه إلّا وقد قال: زبرجد، فنظر في سم الإبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة، فقال الله تبارك وتعالى: يا محمّد، قال لبيّك ربّي، قال: مَن لامّتك بعدك؟ قال: الله أعلم قال: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين، قال: ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لأبي بصير: يا أبا محمد والله ما جاءت ولاية عليٍّ من الأرض، ولكن جاءت من السماء مشافهة.

٢٤ ـ في مجمع البيان وروى مرفوعا عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله:( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) قال: قدر ذراعين أو أدنى من ذراعين.

٢٥ ـ في بصائر الدرجات أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الصمد بن بشير قال: ذكر أبو عبد اللهعليه‌السلام بدو الأذان وقصة الأذان في أسراء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهى إلى سدرة المنتهى قال: فقال السدرة: ما جازني مخلوق قبل، قال:( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ) ، قال: فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه وفتحه فنظر إليه فاذا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم.

ثم طوى الصحيفة فأمسكها بيمينه وفتح صحيفة أصحاب الشمال فاذا فيها أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم نزل ومعه الصحيفتان، فدفعهما إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وفي هذا الحديث أشياء ستقف عليها في محالها إنشاء الله تعالى.

__________________

(١) مر معناه آنفا فراجع.

١٥١

٢٦ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن علي بن الحسينعليهما‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : انا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى.

٢٧ ـ وعن يعقوب بن جعفر الجعفري قال: سأل رجل يقال له عبد الغفار السلمي أبا إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى:( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) فقال: أرى هاهنا خروجا من حجب النور وتدليا إلى الأرض وأرى محمدا رأى ربه بقلبه ونسبه إلى بصره فكيف هذا؟ فقال أبو إبراهيمعليه‌السلام : دنا فتدلى فانه لم يزل عن موضع ولم يتدل ببدن فقال عبد الغفار أصفه بما وصف به نفسه حيث قال:( دَنا فَتَدَلَّى ) يتدل عن مجلسه إلّا وقد زال عنه ولو لا ذلك لم يصف بذلك نفسه، فقال أبو إبراهيمعليه‌السلام : أنّ هذه لغة في قريش إذا أراد الرجل منهم أنْ يقول: قد سمعت يقول: قد تدليت وإنّما التدلي الفهم.

٢٨ ـ وعن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : فانّ هذا سليمان قد سخرت له الرياح فسارت في بلاده غدوها شهر ورواحها شهر؟ فقال له عليٌّعليه‌السلام لقد كان كذلك ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى ما هو أفضل من هذا، أنّه أسرى به من مسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش، فدنى بالعلم فتدلى، فدلّى له من الجنة رفرف خضر، وغشي النور بصره فرأى عظمة ربهعزوجل بفؤاده ولم يرها بعينه، فكان قاب قوسين بينهما وبينه أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى، فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة قوله تعالى:( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدمعليه‌السلام إلى أنْ بعث الله تبارك اسمه محمّدا ؛ وعرضت على الأمم فأبوا أنْ يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرضها على أمته فقبلوها. وهذا

١٥٢

الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٩ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قولهعزوجل :( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ) فقال: يا حبيب لا تقرء هكذا، اقرأ: «ثم دنا فتدانى( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ ) في القرب( أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إلى عَبْدِهِ ) يعنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله «ما أوحى» يا حبيب إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا فتح مكّة أتعب نفسه في عبادة اللهعزوجل والشكر لنعمه في الطواف بالبيت، وكان عليٌّعليه‌السلام معه قال: فلما غشيهما الليل انطلقا إلى الصفا والمروة يريدان السعي، قال: فلما هبطا من الصفا إلى المروة وسارا في الوادي دون العلم الذي رأيت غشيتهما من السماء نور فأضاءت لهما جبال مكة وخشعت أبصارهما، قال: ففزعا فزعا شديدا قال: فمضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ارتفع عن الوادي وتبعه عليٌّعليه‌السلام ، فرفع رسول الله رأسه إلى السماء فاذا هو برمانتين على رأسه قال: فتناولهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأوحى اللهعزوجل إلى محمّد يا محمّد انهما من قطف الجنة(١) فلا يأكل منها إلّا أنت ووصيك عليّ بن أبي طالب، قال: فأكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إحداهما وأكل عليٌّعليه‌السلام الاخرى، ثمّ أوحى اللهعزوجل إلى محمّد ما أوحى.

٣٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( فَأَوْحى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ) قال: وحي مشافهة.

وفيه( فَأَوْحى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ) فسئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك الوحي؟ فقال: أوحى إليَّ أنّ عليّا سيّد المؤمنين وامام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين، وأوّل خليفة يستخلفه خاتم النبيين، فدخل القوم في الكلام، فقالوا: من الله ومن رسوله؟ فقال الله جل ذكره لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قل لهم( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) ثمّ ردّ عليهم فقال ؛ أفتمارونه على ما يرى فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمرت بغير هذا، أمرت أنْ أنصبه للناس فأقول لهم: هذا وليّكم من بعدي، وانه بمنزلة السفينة يوم الغرق ؛ من دخل

__________________

(١) قطف الثمرة: قطعها.

١٥٣

فيها نجى ومن خرج عنها غرق.

قال مؤلف هذا الكتاب قد تقدم لقولهعزوجل :( فَأَوْحى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ) بيان فيما نقلناه عند قولهعزوجل :( فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ ) الآية من أمالي شيخ الطائفة، وأصول الكافي، وبصاير الدرجات، وكتاب الاحتجاج فليراجع هناك.

٣١ ـ في مجمع البيان( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) قال ابن عباس: راى محمد ربه بفؤاده، وروى ذلك عن محمد بن الحنفية عن أبيه عليّعليه‌السلام و روى عن أبي ذر وابى سعيد الخدري أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن قوله:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) قال: قد رأيت نورا.

٣٢ ـ وعن أبي العالية قال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هل رأيت ربك ليلة المعراج؟ قال: رأيت نهرا ورأيت وراء النهر حجابا، ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير ذلك.

٣٣ ـ في أصول الكافي أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال: سألنى أبو قرة المحدّث أنْ أدخله على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخلعليه‌السلام فسأله عن الحلال والحرام والأحكام إلى قوله: قال أبو قرة: فانه يقول:( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) فقال أبو الحسنعليه‌السلام أنّ بعد هذه الآية ما يدل على ما راى حيث قال:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) يقول: ما كذب فؤاد محمّد ما رأت عيناه ثمّ أخبره بما راى فقال: لقد راى من آيات الكبرى فآيات الله غير الله.

٣٤ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربهعزوجل ؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت اللهعزوجل يقول:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد.

قال مؤلف هذا الكتاب: قد سبق في تفسير علي بن إبراهيم قريبا عند قوله تعالى:( فَأَوْحى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ) بيان ما لقوله تعالى:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) وكذلك لقولهعزوجل : أفتمارونه على ما يرى. أقول.

وقد سبق قريبا في أصول الكافي بيان لقولهعزوجل :( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى )

١٥٤

٣٥ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى حبيب السجستاني قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : يا حبيب( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ) يعنى عندها وافى به جبرئيل حين صعد إلى السماء، فلما انتهى إلى محل السدرة وقف جبرئيل دونها وقال: يا محمّد إنّ هذا موقفي الذي وضعني اللهعزوجل فيه، ولن أقدر على أنْ أتقدمه، ولكن امض أنت أمامك إلى السدرة فقف عندها. قال: فتقدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله السدرة وتخلف جبرئيلعليه‌السلام قال أبو جعفرعليه‌السلام انما سميت سدرة المنتهى لان أعمال أهل الأرض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محل السدرة والحفظة البررة دون السدرة يكتبون ما يرفع إليهم من أعمال العباد في الأرض، قال: فينتهون بها إلى محل السدرة قال: فنظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرأى أغصانها تحت العرش وحوله قال: فتجلى لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله نور الجبارعزوجل ، فلما غشي محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله شخص بصره وارتعدت فرائصه، قال: فشد اللهعزوجل ، لمحمد قلبه وقوى له بصره حتى راى من آيات ربه ما راى، وذلك قول اللهعزوجل ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ) قال: يعنى الموافاة قال: فرأى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ما راى ببصره( مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) ، يعنى أكبر الآيات قال أبو جعفرعليه‌السلام : وان غلظ السدرة لمسيرة مأة عام من أيام الدنيا، وان الورقة منها تغطى أهل الدنيا.

٣٦ ـ في بصاير الدرجات باسناده إلى عبد الصمد بن بشير قال: ذكر أبو عبد اللهعليه‌السلام بدو الأذان وقصة الأذان في أسراء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهى إلى سدرة المنتهى قال: فقالت السدرة: ما جازني مخلوق قبل.

٣٧ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن علي بن الحسينعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى وكان من ربه قاب قوسين أو ادنى.

٣٨ ـ وروى موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليٍّعليهم‌السلام قال. إنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : فإنّ موسى

١٥٥

ناجاه اللهعزوجل على طور سيناء قال عليٌّعليه‌السلام لقد كان كذلك ولقد أوحى اللهعزوجل إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله عند سدرة المنتهى، فمقامه في السماء محمود، وعند منتهى العرش مذكور، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٣٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام قال: قال لي يا أحمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟ فقلت: جعلت فداك قلنا نحن بالصورة للحديث الذي روى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راى ربه في صورة شاب، وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم، فقال: يا أحمد إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا أسرى به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى خرق له في الحجب مثل سلام الإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله أنْ يرى، وأردتم أنتم التشبيه، دع هذا يا أحمد لا ينفتح عليك منه أمر عظيم.

٤٠ ـ حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انتهيت إلى سدرة المنتهى وإذا الورقة منها تظل امة من الأمم، كنت من ربي كقاب قوسين او أدنى.

٤١ ـ وباسناده إلى إسماعيل الجعفي عن أبي جعفرعليه‌السلام وذكر حديثا طويلا وفيه قال: فلما انتهى به إلى سدرة المنتهى تخلف عنه جبرئيلعليه‌السلام فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : في هذا الموضع تخذلني؟ فقال تقدم أمامك فو الله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه خلق من خلق الله قبلك، فرأيت من نور ربي وحال بيني وبينه السبحة(١) قلت: وما السبحة جعلت فداك؟ فأومى بوجهه إلى الأرض وأومى بيده إلى السماء وهو يقول جلال ربي، جلال ربي ثلاث مرات.

٤٢ ـ وفيه وقال علي بن إبراهيم في قوله( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) قال: في السماء السابعة.

__________________

(١) قال المجلسي (ره) لعل المراد بالسبحة تنزهه وتقدسه تعالى أي حال بيني وبينه تنزهه عن المكان والرؤية والا فقد حصل غاية ما يمكن من القرب، وقال غيره: بل المراد جلاله وعظمته وكبريائه وقال (ره): وايماؤه إلى الأرض وحط رأسه كان خضوعا لجلاله تعالى.

١٥٦

وفيه( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) يقول رأيت الوحي مرة اخرى عند سدرة المنتهى التي يتحدث تحتها الشيعة في الجنان.

٤٣ ـ في كتاب الخصال عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال في وصية له: يا عليُّ إني رأيت اسمك مقرونا إلى اسمى في اربعة مواطن فآنست بالنظر إليه إلى قوله: فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها إني انا الله لا إله إلّا انا وحدي، محمّد صفوتي من خلقي، أيدته بوزيره ونصرته بوزيره، فقلت لجبرئيل: من وزيري؟ فقال عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : فلما جاوزت السدرة انتهيت إلى عرش رب العالمين جل جلاله. الحديث.

٤٤ ـ في كتاب التوحيد حديث طويل عن عليٍّعليه‌السلام وفيه يقول: وأمّا قوله:( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ) يعنى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله حين كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله.

٤٥ ـ في مجمع البيان وروى العامة عن عليٍّعليه‌السلام ( جَنَّةُ الْمَأْوى ) بالهاء.

٤٦ ـ في جوامع الجامع وأبى الدرداء «جنه المأوى بالهاء» وروى ذلك عن الصادقعليه‌السلام ومعناه ستره بظلاله ودخل فيه.

٤٧ ـ في من لا يحضره الفقيه في خبر بلال عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قلت لبلال: يرحمك الله زدني وتفضل عليّ فإنّي فقير، فقال يا غلام لقد كلفتني شططا؟ اما الباب الأعظم فدخل منه العباد الصالحون وهم أهل الزهد والورع، والراغبون إلى اللهعزوجل المستأنسون به قلت: يرحمك الله فاذا دخل الجنة فما ذا يصنعون؟ قال: يسيرون على نهرين في ماء صاف في سفن الياقوت مجاديفها الياقوت(١) فيها ملائكة من نور، عليهم ثياب خضر شديدة خضرتها، قلت يرحمك الله هل يكون من النور الخضر؟ قال: إنّ الثياب خضر ولكن فيها نور من نور رب العالمين جل جلاله ليسيروا على حافتي ذلك النهر قلت: فما اسم ذلك النهر؟ قال: جنة المأوى.

__________________

(١) المجداف: خشبة طويلة مبسوطة أحد الطرفين تسير بها القوارب وفي المصدر «مجاديفها اللؤلؤ».

١٥٧

٤٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ) قال لـمّا رفع الحجاب بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غشي نور السدرة.

٤٩ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّا أسرى بى إلى السماء وانتهيت إلى سدرة المنتهى قال: إنّ الورقة منها تظل الدنيا ؛ وعلى كل ورقة ملك يسبح، يخرج من أفواههم الدر والياقوت تبصر اللؤلؤة مقدار خمسمائة عام، وما يسقط من ذلك الدر والياقوت، يخرجونه ملائكة موكلون به، يلقونه في بحر من نور، يخرجونه كل ليلة جمعة إلى سدرة المنتهى، فلما نظروا إلى رحبوا بى وقالوا: يا محمد مرحبا بك، فسمعت اضطراب ريح السدرة وخفقة أبواب الجنان(١) وقد اهتزت فرحا بمجيئك، فسمعت الجنان تنادي وا شوقاه إلى عليٍّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام أجمعين.

٥٠ ـ في مجمع البيان( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ) وروى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال رأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائما يسبح اللهعزوجل .

٥١ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث أو غيره قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) قال: راى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل، له ستمائة جناح قد ملاء ما بين السماء والأرض.

٥٢ ـ في أصول الكافي أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال: سألنى أبو قرة المحدّث أنْ أدخله على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فأستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام إلى قوله: قال أبو قرة: فانه يقول:( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) فقال أبو الحسنعليه‌السلام : إنّ بعده هذه الآية ما يدل على ما راى حيث قال:( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) يقول: ما كذب فؤاد محمّد ما رأت عيناه، ثمّ أخبر بما راى، فقال:( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى )

__________________

(١) الخفقة: اسم المرة من خفق الراية: تحرك.

١٥٨

فآيات الله غير الله.

٥٣ ـ في كتاب التوحيد حديث طويل عن عليٍّعليه‌السلام يقول فيه: وقوله في آخر الاية:( ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) رأى جبرئيلعليه‌السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة اخرى، وذلك أنْ خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلّا الله رب العالمين.

٥٤ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى حبيب السجستاني عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل وفي آخره: فرأى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ما راى ببصره من آيات ربه الكبرى يعنى أكبر الآيات.

٥٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) يقول: لقد سمع كلاما لو لا انه قوى ما قوى.

وباسناده إلى أبي بردة الأسلمي قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليٍّعليه‌السلام : يا عليُّ إنّ الله أشهدك معى في سبع مواطن: اما أول ذلك قليلة أسرى بى إلى السماء قال لي جبرئيل: اين أخوك؟ فقلت: خلفته ورائي، قال: ادع الله فليأتك به، فدعوت الله وإذا بمثالك معى. والثاني حين اسيرى بى في المرة الثانية فقال لي جبرئيل: اين أخوك؟ قلت: خلفته ورائي، قال: ادع الله فليأتك به، فدعوت الله فاذا مثالك معى، إلى قوله: وأمّا السادس لـمّا أسرى بى إلى السماء جمع الله لي النبيين فصليت بهم ومثالك خلفي.

٥٦ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عمير أو غيره عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: ما للهعزوجل آية هي أكبر منى والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٥٧ ـ في أمالي شيخ الطائفة «قدس‌سره» باسناده إلى ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّا عرج بى إلى السماء ودنوت من ربيعزوجل حتى كان بيني وبينه( قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) قال لي: يا محمد من تحب من الخلق؟ قلت: يا رب عليا قال: التفت يا محمد فالتفت عن يساري فاذا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

١٥٩

٥٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله: أفرأيتم اللات والعزى قال: اللات رجل والعزى امرأة وقوله: ومناة الثالثة الاخرى قال: كان صنم بالمسلك خارج من الحرم على ستة أميال يسمى المناة.

٥٩ ـ في عيون الأخبار في باب النصوص على الرضاعليه‌السلام حديث قدسي حكاهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه: وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي وبه أنتقم من أعدائى وهو راحة لأوليائي وهو الذي به يشفى قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما فيفتتن الناس بهما أشد من فتنة العجل والسامري.

٦٠ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن محمد بن علي بن موسىعليهم‌السلام حديث طويل يذكر فيه القائمعليه‌السلام وفي آخره يقولعليه‌السلام : فاذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما.

٦١ ـ في كتاب مقتل الحسين لأبي مخنف (ره) من أشعار الحسينعليه‌السلام في موقف كربلاء :

والدي شمس وأمّي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

عبد الله غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللّات والعزّى معا

وعليٌّ قائم بالحسنين

مع رسول الله سبعا كاملا

ما على الأرض مصلّ غير ذين

هجر الأصنام لم يعبدها

مع قريش لا ولا طرفة عين

٦٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حديث طويل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول فيه، وقد ذكر الملحدين في آيات الله: ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله فألفه على اختيارهم ومما يدل للمتأمل له على إخلال تمييزهم وافترائهم وتركوا منه ما قدروا أنه لهم وهو عليهم وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره، وعلم الله أنّ ذلك يظهر ويبين فقال:( ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470