الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ27%

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: 209

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 209 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92910 / تحميل: 5389
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٦٤-٨٦٢٩-١٠-٢
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الفصل السادس

عطاؤه العلمي

على رغم إقصاء الإمام العسكريعليه‌السلام عن موقعه الريادي والقيادي ، فقد استطاع أن ينهض بمهمته الرسالية ، فكان له رصيد علمي وعطاء معرفي واسع ، حيث واصل نشاط مدرسة آبائه المعصومينعليهم‌السلام من حيث المنهج والمصدر والمادة ، ومهّد لمدرسة الفقهاء والمحدثين من أصحابه التي سارت على خطاها ، فكان له دورٌ بارزٌ في رفد تلك المدرسة بالمادة العلمية اللازمة على مختلف الأصعدة ، سيما في مجال ترسيخ أصول الاعتقاد ، وإيصال سنن جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الأمة في أحلك الظروف أقساها ، وقد نسبت إليه بعض الآثار في هذا الاتجاه ، كما أعدّ جيلاً من الأصحاب الثقات الذين رفدوا الواقع الشيعي بمصادر يستقى منها العلم ومناهل تؤخذ منها المعرفة ، وكان بعضها يعرض عليه لينال تصحيحه وتوثيقه ، وتصدى الإمامعليه‌السلام لبعض الدعوات المنحرفة والشبهات الباطلة التي تشكل موطن خطرٍ على الرسالة وبيّن زيفها وبطلانها ، فأسهم في إنقاذ الاُمة من حالة التعثّر في مهاوي الضلال والانحراف. وفيما يلي نقف عند بعض تلك العطاءات في المباحث التالية :

١٤١

المبحث الأول : دوره عليه‌السلام في ترسيخ العقائد الاسلامية

نحاول هنا إثارة بعض الكلمات التي وردت عن الإمام العسكريعليه‌السلام في شؤون العقيدة والكلام ، وما يتصل بذلك من التمهيد لغيبة ولده الحجة المهديعليه‌السلام ، وملاحظة بعض الأفكار المنحرفة لردّها وتفنيدها ، وكما يلي :

أولاً : كلماته في التوحيد

ففي باب التوحيد لم يدع الإمامعليه‌السلام مناسبة دون أن يوجه أصحابه إلى التوحيد الخالص والتحذير من رواسب الشرك مهما دقّت وصغرت ، ومن ذلك ما رواه أبو هاشم الجعفري قال : « سمعت أبا محمدعليه‌السلام يقول :من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل : ليتني لا اؤاخذ إلا بهذا ، فقلت في نفسى : إن هذا لهو الدقيق ، ينبغي للرجل أن يتفقّد من أمره ومن نفسه كلّ شيء ».

فكأنّ الإمامعليه‌السلام عرف ما في نفسه ، وهناك أحاديث كثيرة عنه وعن آبائهعليهم‌السلام تذكر أنّ بعض الناس كان يسمع الجواب من الإمام وهو يفكرّ ، أي لم يطرح السؤال بعد ، حيث إنّ الملكة القدسية تجعلهعليه‌السلام يعرف ما يضمرون من قبل ان يتحدّثوا به. فقالعليه‌السلام :« يا أبا هاشم ، صدقت فالزم ما حدّثت به نفسك ، فإنّ الاشراك في الناس أخفى من دبيب الذرّ على الصفا في الليلة المظلمة ، ومن دبيب الذرّ على المسح الأسود » (١) .

وكان الجدل يدور في صفات الله تعالى منذ عهد الإمام الباقرعليه‌السلام حتى عهد الإمام العسكريعليه‌السلام ، ولعلّ أبرز المسائل التي كانت مدار البحث والجدل هي

__________________

(١) الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٠٧ / ١٧٦ ، الثاقب في المناقب : ٥٦٧ / ٥٠٩ ، إثبات الوصية : ٢٤٩ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٨٨ / ١١.

١٤٢

مسألة الرؤية والتجسيم والتصوير ، وكان منهج الأئمةعليه‌السلام هو أنهم يتحدثون بلغة القرآن وباُسلوبه وبمفرادته في العقيدة ، ليوجّهوا الناس إلى الأخذ بالعناوين الكبرى في العقيده من القرآن الكريم لا من غيره.

فعن يعقوب بن إسحاق ، قال : « كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله : كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه ؟ فوقّععليه‌السلام :يا أبا يوسف ، جل سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يُرى ».

قال : وسألته : « هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربه ؟ فوقّععليه‌السلام :إنّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ » (١) .

وعن سهل بن زياد ، قال : « كتب إلى أبي محمدعليه‌السلام سنة خمس وخمسين ومائتين : قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد » وهذا يدلّ على أن الجدل الكلامي في التوحيد كان يدور حتى في أوساط أتباع أهل البيتعليهم‌السلام « فمنهم من يقول هو جسم ، ومنهم من يقول : هو صورة ، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه ، فعلت متطولاً على عبدك ؟ » والعبودية هنا من باب التواضع.

« فوقّع بخطّهعليه‌السلام :سألت عن التوحيد ، وهكذا منكم معزول ، الله واحد أحد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم ، ويصور ما يشاء وليس بصورة جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه أن يكون له شبه ، هو

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٩٥ / ١ ـ باب ابطال الرؤية من كتاب التوحيد ، التوحيد / الشيخ الصدوق : ١٠٨ / ٢ ـ باب ما جاء في الرؤية.

١٤٣

لا غيره ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » (١) .

فلقد أرادعليه‌السلام أن يقول للسائل بأن لا يستغرق في الجدل الكلامي عندما يتحدث عن الله سبحانه وتعالى ، ولكن طلب إليه أن يقرأ كتاب الله فيما أنزله من آياته ، فهو أعرف بنفسه من مخلوقاته كلها ؛ لأن المخلوق لا يستطيع أن يعرف من ربّه إلا ما عرّفه ربه ، وإلا فلا يمكن للعقل أن يدرك صفاته جل جلاله ذاتياً ، فهو ليس بجسم لأنّه خالق الأجسام ، وهو ليس بصورة لأنّه خالق الصورة ومبدعها.

وعن أبي هاشم الجعفري ، قال : « سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمدعليه‌السلام عن قول الله تعالى :( يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ ) (٢) فقال :هل يمحو إلا ما كان ، وهل يثبت إلا ما لم يكن. فقلت في نفسي : هذا خلاف ما يقول هشام : إنّه لا يعلم الشيء حتى يكون. فنظر إليّ أبو محمدعليه‌السلام فقال :تعالى الجبّار العالم بالأشياء قبل كونها ، الخالق إذ لا مخلوق ، والربّ إذ لا مربوب ، والقادر قبل المقدور عليه ، فقلت : أشهد أنّك ولي الله وحجته والقائم بقسطه ، وأنّك على منهاج أمير المؤمنين »(٣) ، فلقد أكّد أن المخلوقين يحتاجون إلى معرفة الأشياء في صورتها الوجودية ، أما الله سبحانه فهو الذي

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ١٠٣ / ١٠ ـ باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى من كتاب التوحيد ، التوحيد / الشيخ الصدوق : ١٠١ / ١٤ ـ باب أنه عزوجل ليس بجسم ولا صورة.

(٢) سورة الرعد : ١٣ / ٣٩.

(٣) إثبات الوصية : ٢٤٩ ، الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٣٠ / ٤٢١ ، الثاقب في المناقب : ٥٦٦ / ٥٠٧ ، الخرائج والجرائح٢ : ٦٨٧ / ١٠.

١٤٤

يخلق الوجود ، فهو يعرف ما يريد أن يخلقه قبل أن يخلقه.

ثانياً : كلماته في الإمامة

أكد الإمام العسكريعليه‌السلام في الكثير من كلماته على فرض الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام وضرورة معرفتهم والتصديق بهم والتمسك بهديهم وأداء حقوقهم التي جعلها الله لهم ، ولولا ذلك لا يستكمل المرء خصال الايمان.

ومن ذلك ما جاء في كتابٍ لهعليه‌السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري :« إنّ الله بمنّه ورحمته لمّا فرض عليكم الفرائض ، لم يفرض ذلك عليكم لحاجةٍ منه إليكم ، بل برحمة منه ـ لا إله إلا هو ـ عليكم ، ليميز الخبيث من الطيب ، وليبتلي ما في صدوركم ، وليمحص ما في قلوبكم ، لتسابقوا إلى ; ولتتفاضل منازلكم في جنّته.

ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية ، وجعل لكم باباً تستفتحون به أبواب الفرائض ، ومفتاحاً إلى سبيله ، لولا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأوصياء من ولده لكنتم حيارى كالبهائم ، لا تعرفون فرضاً من الفرائض ، وهل تدخل مدينة إلا من بابها ، فلمّا مّن عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه : ( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) (١) وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها ليحلَّ لكم ماوراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم مشاربكم ، قال الله تعالي : ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٣.

١٤٥

عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَىٰ ) (١) »(٢) .

وفي حديث أبي هاشم الجعفري : « أنّ الإمام العسكريعليه‌السلام قال له مبيناً منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :ما ظنك بقومٍ من عرفهم عرف الله ، ومن أنكرهم أنكر الله ، ولا يكون مؤمناً حتى يكون لولايتهم مصدقاً ، وبمعرفتهم موقناً » (٣) .

قال أبو هاشم : « وقلت في نفسي : اللهمّ اجعلني في حزبك وفي زمرتك. فأقبل عليّ أبو محمدعليه‌السلام فقال :أنت في حزبه وفي زمرته إن كنت بالله مؤمناً ولرسوله مصدقاً ، وبأوليائه عارفاً ، ولهم تابعاً ، فابشر ثم أبشر » (٤) ، فالانتماء إلى حزب الله ليس مجرد دعوى ، بل هو ارتباط عقائدي ومنهج سلوكي يقتضي الإيمان بالله والتصديق برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعرفة أوليائه ، وبذلك حدّدعليه‌السلام مبدأ الولاية لله وللرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعترته الطاهرة.

وفي حديث آخر عن الحسن بن ظريف بيّن فيه الإمام العسكريعليه‌السلام المصداق البارز لحزب الله عند اختلاف الكلمة ، قال : « كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله : ما معنى قول رسول الله لأمير المؤمنينعليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه ؟ فقال :أراد بذلك أن جعله علماً يعرف به حزب الله عند الفرقة » (٥) .

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٢٣.

(٢) تحف العقول : ٣٥٨ ، علل الشرائع / الشيخ الصدوق ١ : ٢٩١ / ٦ باب ١٨٢ علل الشرائع واُصول الاسلام.

(٣) الثاقب في المناقب : ٥٦٧ / ٥٠٨ ، إثبات الوصية : ٢٤٩.

(٤) إعلام الورى ٢ : ١٤٣.

(٥) كشف الغمة / الاربلي ٣ : ٣٠٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٩٠ / ٥٠.

١٤٦

وجاء في كتاب المحتضر للحسن بن سليمان عنهعليه‌السلام في هذا السياق ما يؤكد فضل أهل البيتعليهم‌السلام ووجوب ولايتهم ، قال : « روي انه وجد بخط مولانا أبي محمد العسكريعليه‌السلام :فنحن السنام الأعظم ، وفينا النبوة والولاية والكرم ، ونحن منار الهدى والعروة الوثقى ، والأنبياء كانوا يقتبسون من أنوارنا ، ويقتفون آثارنا ، وسيظهر حجة الله على الخلق بالسيف المسلول لإظهار الحق »(١) .

وفي كتابٍ آخر لهعليه‌السلام إلى محمد بن الحسن بن شمّون :« نحن كهف لمن التجأ إلينا ، ونور لمن استبصر بنا ، وعصمة لمن اعتصم بنا ، من أحبّنا كان معنا في السنام الأعلى ، ومن انحرف عنا فإلى النار » (٢) .

ثالثاً : التمهيد لغيبة ولده الحجة عليه‌السلام

سار الإمام العسكريعليه‌السلام على خطى أبيهعليه‌السلام في التخطيط لمستقبل الإمامة والتحضير لزمان الغيبة بتهيئة المقدمات الضرورية للانتقال من مرحلة الإمامة الظاهرة إلى الإمامة الغائبة ، وتعويد الشيعة على ذلك فكراً وسلوكاً.

وكانت المهمة التي نهض بها الإمام العسكريعليه‌السلام في هذا السبيل صعبة للغاية ؛ ذلك لأنه والد الإمام الثاني عشرعليه‌السلام ويقع عليه العبء الأكبر في ترسيخ مبدأ الغيبة التي بدأت تباشيرها وأوشك زمانها في وقت عصيب عملت فيه السلطة الحاكمة على عزل الإمامعليه‌السلام عن أصحابه ومواليه وشدّدت الرقابة عليه ، ووقفت ضدّه وضدّ فكرة الغيبة بالذات ، سيما وأنهم يدركون أنه قد آن

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٦ : ٢٦٤ / ٤٩.

(٢) كشف الغمة / الإربلي ٣ : ٣٠٠ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٩٩.

١٤٧

أوانها وأن الإمام الثاني عشر على وشك الولادة ، مما يهدّد كيانهم ويقضّ مضاجعهم ، فالتبليغ في هذا الاتجاه يعتبر في منطق السلطة خروجاً وتحدياً يستحق أقصى العقاب.

لكن مع ذلك استطاع إمامنا الممتحن الصابرعليه‌السلام أن ينهض بهذه المهمة العسيرة بكلّ جدارة وقوة ، فعمل على تأصيل هذا المبداء العقائدي الذي هو من صميم الدين وضرورياته في نفوس أصحابه ، للحفاظ على خطّهم الرسالي من الضياع والانهيار والتحذير من الاختلاف والفرقة وغيرها من التداعيات المحتملة للفترة الانتقالية من الظهور إلى الغيبة ، كما استطاع أن يتّخذ تدابير الحيطة والسرية للحفاظ على حياة ولده الحجةعليه‌السلام من براثن السلطة وأدوات رقابتها وقمعها.

من هنا يمكن تلخيص نشاط الإمام العسكريعليه‌السلام في هذا الاتجاه بما يلي :

١ ـ التمهيد العملي للغيبة

من البديهي أنه لو غاب الإمام الحجةعليه‌السلام عن شيعته ، وأوكل إدارة اُمورهم ابتداءً إلى القيّم أو السفير الذي يعيّنه لأداء هذه المهمة ، لكان ذلك مدعاة للاستغراب ، ولتولّد عنه مضاعفات ونتائج غير محمودة.

من هنا فقد اتخذ الإمام العسكريعليه‌السلام ومن قبله أبوهعليه‌السلام اُسلوباً شبيهاً بمنهج الإمام المهديعليه‌السلام في الاحتجاب عن الناس وإيكال أمر تبليغ الأحكام وقبض الحقوق المالية وإيصال التواقيع الصادرة عن الإمام إلى الوكلاء الذين يختارهم من خاصة أصحابه ، لغرض تهيئة الذهنية العامة كي تستسيغ هذا الأسلوب ويحسن تقبّلها له.

١٤٨

قال المسعودي في أواخر ( إثبات الوصية ) : « روي أنّ أبا الحسن صاحب العسكرعليه‌السلام احتجب عن كثير من الشيعة إلا عن عددٍ يسير من خواصّه ، فلما أفضى الأمر إلى أبي محمدعليه‌السلام كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان ، وإن ذلك إنما كان منه ومن أبيه قبله مقدمةً لغيبة صاحب الزمانعليه‌السلام لتألف الشيعة ذلك ، ولا تنكر الغيبة ، وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار »(١) .

وحينما يطغى اُسلوب الاحتجاب على معظم حياة الإمامعليه‌السلام ، يكون اتخاذ نظام الوكلاء ألزم وأقرب ، وكان هذا النظام ـ أي نظام الوكلاء ـ معمولاً به حتى قبل الامامين العسكريينعليهم‌السلام لأنّه يحقّق ارتباط الأئمةعليهم‌السلام بالبلاد البعيدة ذات القواعد الموالية لهمعليهم‌السلام ، لكنه أصبح ظاهرة ملموسة تمارسها حتى القوعد القريبة خلال إمامة العسكريينعليهما‌السلام .

وكان من بين الوكلاء الذين اعتمدهم الإمام العسكريعليه‌السلام للنهوض بهذا الأمر : إبراهيم بن عبدة النيسابوري ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وأيوب بن نوح بن دراج ، وجعفر بن سهيل الصيقل ، وحفص بن عمرو العمري ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وعلي بن جعفر الهمّاني ، والقاسم بن العلاء الهمداني ، ومحمد بن أحمد بن جعفر القمي ، وأبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، ومحمد بن صالح بن محمد الهمداني وغيرهم.

ويمكن القول إن وكالة عثمان بن سعيد للإمام العسكريعليه‌السلام كانت بمثابة التمهيد للسفارة المهدوية ؛ لأنّ عثمان بن سعيد كان السفير الأول للإمام

__________________

(١) إثبات الوصية : ٢٧٢.

١٤٩

الحجةعليه‌السلام ، وذلك مما يزيد من ثقة الشيعة به ، سيما وإنّه منصوص على ثقته وأمانته وعدالته وصلاحه لهذا الأمر من قبل الإمامين العسكريينعليهما‌السلام (١) .

وكانت أداة الإمامعليه‌السلام في الإتصال بشيعته هي المكاتبات والتواقيع التي يتحمّل الوكيل العبء الأكبر في إيصالها من وإلى الإمام ، فكان الأصحاب يكتبون إلى الإمامعليه‌السلام بعض المسائل التي تشكل عليهم في اُمور دينهم ودنياهم ، والإمامعليه‌السلام يجيب عليها عن طريق التواقيع.

وقد تفشّىٰ هذا الأسلوب حتى اتخذت المكاتبات والتواقيع حيّزاً واسعاً في تراث الإمامين العسكريين ، وبلغت من الكثرة بحيث أصبحت مادة للجمع والتأليف من قبل بعض الأصحاب المعاصرين للعسكريينعليهما‌السلام ، ومنهم : عبد الله بن جعفر الحميري ، الذي صنّف ( مسائل الرجال ومكاتباتهم أبا الحسن الثالثعليه‌السلام ) و ( مسائل لأبي محمد الحسنعليه‌السلام على يد محمد بن عثمان العمري ) و ( مسائل أبي محمد وتوقيعاته )(٢) . وعلي بن جعفر الهمّاني البرمكي ، وله ( مسائل لأبي الحسنعليه‌السلام )(٣) ، ومحمد بن الحسن الصفار ت ٢٩٠ ه‍ ، وله ( مسائل كتب بها إلى أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام )(٤) ، ومحمد بن الريان بن الصلت الأشعري ، وله ( مسائل لأبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام )(٥) ، ومحمد بن سليمان ابن الحسن الزراري ، وله ( مسائل وجوابات لأبي محمد الحسن

__________________

(١) راجع : كتاب الغيبة / للشيخ الطوسي : ٣٥٤ / حديث ٣١٥ وما بعده.

(٢) رجال النجاشي : ٢٢٠ / ٥٧٣.

(٣) رجال النجاشي : ٢٨٠ / ٧٤٠.

(٤) الفهرست / للشيخ الطوسي : ٤٠٨ / ٦٢٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣٧٠ / ١٠٠٩.

١٥٠

العسكريعليه‌السلام )(١) ، ومحمد بن علي بن عيسىٰ القمي ، وله ( مسائل لأبي محمد العسكريعليه‌السلام )(٢) وغيرهم.

وصفوة القول إن الإمام العسكريعليه‌السلام استطاع من خلال التخطيط للارتباط به عن طريق الوكلاء ، أن يمهّد لنفس الأسلوب الذي اعتمده ولده الإمام المهديعليه‌السلام خلال غيبته الصغري ( ٢٦٠ ـ ٣٢٩ ه‍ ) وبذلك اعتاد الشيعة هذا الأمر وتقبّلوه بشكل تدريجي يزيح معه كلّ عوامل الارتياب والشكّ ، وهكذا كانت غيبة الإمام الصغرى أيضاً تمهيداً للغيبة الكبرى التي أمر الإمامعليه‌السلام شيعته بالرجوع إلى رواة حديثهم واتّباع الفقهاء العدول من أتباع مدرستهم.

٢ ـ النصّ على ولده المهدي عليه‌السلام وعرضه على أصحابه

وهذا الأمر يتطلب المزيد من الحذر والحزم والموازنة بين نقيضين ؛ الأول يتطلب عرض الإمام المهديعليه‌السلام على أصحابه للتأكد من ولادته والإشهاد عليها وإثبات النص عليه ، والثاني يتطلب إخفاء ولادته والتكتم على شخصه خشية من السلطة التي كانت مستعدة لبذل مختلف وسائل الاغراء والتهديد في سبيل القبض عليه.

وقد استطاع الإمام العسكريعليه‌السلام الموازنة بين الأمرين متحرياً الحيطة والدقة ، متبعاً أقصى درجات السرية والكتمان ، حيث حدثت الولادة المباركة في النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وجهد الإمام العسكريعليه‌السلام خلال السنوات

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٤٧ / ٩٣٧.

(٢) رجال النجاشي : ٣٧١ / ١٠١٠.

١٥١

الخمس التي قضاها مع ابنه المهديعليه‌السلام من أجل إخفاء ولادته واسمه ومكانه وسائر اُموره عن أسماع السلطة ومراقبة عيونها.

فمن أساليب الكتمان أنهعليه‌السلام لم يعقّ عن ابنهعليه‌السلام في داره ، بل أوصى أحد أصحابه لأداء هذ المهمة ، وقد روي أنه أمر أبا عمرو عثمان بن سعيد أن يعق عنه بكذا وكذا شاة(١) ، كما روي أنهعليه‌السلام وجّه إلى إبراهيم بن إدريس بكبشين ، وكتب إليه« عقّ هذين الكبشين عن مولاك ، وكُل هنأك الله ، وأطعم إخوانك » (٢) .

أما من حيث تبليغ أصحابه بالولادة أو النص ، فمن الطبيعي أنّهم يختلفون في مقدار ضبطهم وصمودهم أمام وسائل الاغراء والتهديد من قبل الجهاز الحاكم ، لهذا اختار الإمام العسكريعليه‌السلام من أصحابه الأشخاص الذين يتوقع منهم صلابة الإرادة وقوة الإيمان وعمق الإخلاص ، وحمّلهم أمانة الوصية ومسؤولية النص على ولده الحجةعليه‌السلام بعد عرضه عليهم.

ورد في الحديث أنهعليه‌السلام كان يتخيّر لهذه المهمة الأقرب لقرابته والأولى لولايته وذوي الكرامة عند الله سبحانه ، ومع ذلك يأخذ عليهم بالكتمان ويوصيهم بالستر والسريّة.

ففي كتابٍ لهعليه‌السلام بخطّه بعثه إلى أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري ، جاء فيه :« ولد لنا مولود ، فليكن عندك مستوراً ، وعن جميع الناس مكتوماً ، فانا

__________________

(١) إكمال الدين : ٤٣١ / ٦ باب ٤٢ ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله ابن الحسنعليه‌السلام ...

(٢) إثبات الوصية : ٢٦٠ ، غيبة الطوسي : ٢٤٦ / ٢١٤.

١٥٢

لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته » (١) .

وجاء في حديث آخر :« يا أحمد بن إسحاق ، لولا كرامتك على الله عزوجل وعلى حججه ، ما عرضت عليك ابني هذا إنّه سمي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ».

إلى أن قال :« يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمرالله ، وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، فخذ ما آتيتك واكتمه ، وكن من الشاكرين تكن معنا في علّيين » (٢) .

ويمكن القول إن اُسلوب الاحتجاب الذي اعتمده الإمامعليه‌السلام ساعد كثيراً على إخفاء الولادة المباركة ، فضلاً عن انشغال الدولة آنذاك بحوادث كبرى اشرنا إليها في الفصل الأول ، كان على رأسها ثورة صاحب الزنج وحركات يعقوب بن الليث الصفار وبعض الخوارج الشراة وغيرهم ، مما شغل الدولة عن الالتفات إلى الولادة ، وفوق ذلك كلّه القدرة على الاستتار عن الانظار التي حباها الله لوليه الحجة بن الحسنعليه‌السلام ، فكان مثله في هذه الأمة مثل الخضرعليه‌السلام ومثل ذي القرنين ، كما جاء في كثير من الروايات التي تحدثت عن صفة القائم المهديعليه‌السلام . كلّ ذلك جعل السلطة تسقط اسم الحجةعليه‌السلام من حسابها القانوني على الأقل ، كما ورد على لسان أوثق أصحاب الإمامعليه‌السلام ، وهو أبو عمرو عثمان

__________________

(١) إكمال الدين : ٤٣٣ / ١٦ باب ٤٢ ماروي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله بن الحسنعليه‌السلام ...

(٢) إكمال الدين : ٣٨٤ / ١ باب ٣٨ ما روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام من وقوع الغيبة بابنه القائمعليه‌السلام ...

١٥٣

ابن سعيد العمري حينما سأله عبد الله بن جعفر الحميري عن اسم الإمامعليه‌السلام فقال : « إياك أن تبحث عن هذا ، فانّ عند القوم أن هذا النسل قد انقطع »(١) .

وفي حديث آخر عنه أيضاً قال الحميري : « قلت : فالاسم ؟ قال العمري : محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عندي ، فليس لي أن أحلّل ولا اُحرّم ، ولكن عنهعليه‌السلام ، فإنّ الأمر عند السطان أنّ أبا محمدعليه‌السلام مضى ولم يخلف ولداً ، وقسّم ميراثه ، وأخذه من لا حق له فيه ، وهو ذا عياله يجولون ليس أحدٌ يجسر أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئاً ، وإذا وقع الاسم وقع الطلب ، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك »(٢) .

وتحريم السؤال عن الاسم الوارد في هذا الحديث هو من أساليب الكتمان التي انتهجها الإمام العسكريعليه‌السلام لإخفاء ولده ، لأنّ الإسم يدلّ على المسمىّ ، فإذا أشير إلى المسمّى وقع الطلب عليه ، ولعلّ التحريم كان للتقية ويقتصر على تلك الفترة التي اشتد الطلب بها على الإمام الثاني عشرعليه‌السلام وكثر السؤال عنه ، كما ذكر بعض الأعلام(٣) ،

__________________

(١) إكمال الدين : ٤٤٢ / ١٤ باب ٤٣ ذكر من شاهد القائمعليه‌السلام ورآه وكلّمه.

(٢) أصول الكافي ١ : ٣٣٠ / ١ باب في تسمية من رآه.

(٣) وقد تعارضت الأخبار في هذه المسألة بين مانع ومجوز للتسمية ، وتعارف عند الشيعة ذكرهعليه‌السلام بالقابه كالحجة والقائم والخلف وصاحب الدار والناحية والغلام والغريم وغيرها. وللسيد محسن الأمين رأي يجمع بين الأخبار خلاصته أن التصريح بالاسم مكروه مطلقاً ، والتسمية تصريحاً وكناية محرمة في زمان الخوف. راجع : المجالس السنية / السيد محسن الأمين ٥ : ٦٧٨ ـ دار التعارف ـ بيروت ، في رحاب أئمة أهل البيتعليهم‌السلام / السيد محسن الأمين ـ القسم الخامس : ٥ ـ ٦ ـ دار التعارف ـ بيروت.

١٥٤

وإلا فانّهعليه‌السلام معلوم الاسم والكنية منذ زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه.

ثمّ إنّ إشارة العمريرضي‌الله‌عنه إلى تقسيم الميراث ، هي دلالة واضحة على أنّ السلطة قد غضّت النظر عن الإمام الحجةعليه‌السلام ولو في حساباتها القانونية الآنيّة ، وثبت ذلك عند القاضي ، كما جاء في حديث أحمد بن عبيد الله بن خاقان ، وهو من رجال السلطة ، قال : « فلمّا دُفِن ـ أي الإمام العسكريعليه‌السلام ـ وتفرّق الناس ، اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده ، وكثر التفتيش في المنازل والدور ، وتوقّفوا على قسمة ميراثه ، ولم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل ، فقسّم ميراثه بين اُمّه وأخيه جعفر ، وادّعت اُمّه وصيّته ، وثبت ذلك عند القاضي »(١) .

على أن السلطة لم تغضّ النظر على المدي البعيد ، بل يبقى هاجس الخوف يساورها إلى ما بعد ١٨ سنة من شهادة الإمام العسكريعليه‌السلام ، كما جاء في مجلس أحمد بن عبيد الله بن خاقان الذي عقده في شعبان سنة ٢٧٨ ه‍ حينما كان عاملاً من قبل السلطان على الخراج والضياع في قم ، وجاء في آخر المجلس : « والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن عليعليه‌السلام حتى اليوم »(٢) وقوى الشرّ إلى اليوم ما انفكّت تخشى من اسم المهدي ومن حكومته الموعودة في يوم الخلاص والانعتاق من الظلم والجور الذي غطّى أنحاء الأرض.

ومهما يكن فإنّ الإمام العسكريعليه‌السلام استطاع أداء التكليف المتعلق به ، وهو التبليغ لولده الحجةعليه‌السلام بعرضه على أصحابه والاشهاد على ولادته والنص

__________________

(١) إكمال الدين : ٤٣ ـ المقدمة.

(٢) إكمال الدين : ٤٣ ـ المقدمة ـ والمجلس يبدأ من ص٤٠ ـ ٤٣.

١٥٥

عليه ، بالقدر الذي تقوم به الحجة على الناس مع الضمان الكامل لنجاته من تطلّب الجهاز الحاكم ، وفيما يلي نقتصر على ذكر الأشخاص الذين حمّلهم الإمام العسكريعليه‌السلام مسؤولية حفظ النص على ولده بالإمامة ، أو اُولئك الذين أثبت عليهم الحجة قولاً وعملاً بعرض ولده المهديعليه‌السلام عليهم ، دون أن نذكر الأحاديث بلفظها كي لا يطول المقام.

أ ـ رواة النص عن الإمام العسكري عليه‌السلام

لابدّ من الاشارة أولاً إلى أن النص على ظهور الإمام المهديعليه‌السلام في آخر الزمان جاء في تراث المسلمين متواتراً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أثبته مؤلفو الصحاح والمسانيد(١) ، كما روى النص على الإمام المهديعليه‌السلام وكونه ابن الحسن العسكريعليه‌السلام وأنه الثاني عشر من أئمة أهل البيت المعصومين ، جملة أصحاب الأئمةعليهم‌السلام جيلاً بعد جيل حتى أصبح الاعتقاد بالغيبة من ضروريات مذهب التشيع ، فكان كلّ واحد من الأئمة المعصومينعليهم‌السلام يؤدّي دوره الكافي في هذا الإطار ، لتوعية الناس وارشادهم إلى هذه العقيدة الكبرى ، كما صرحوا بصفات الإمام الغائب قبل ولادته ، فأخبروا عن كونه ابن سيدة الإماء ، وأنه خفي الولادة معروف النسب ، وأن الناس لا يرون شخصه ولا يحلّ لهم ذكره باسمه ، وأخبروا عن غيبته قبل وقوعها ، وأن له غيبتين إحداهما أطول من الأخرى ، وأنه الإمام المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ، فيملأ الأرض قسطاً

__________________

(١) راجع : المهدي المنتظرعليه‌السلام في الفكر الإسلامي / السيد ثامر العميدي ـ الإصدار الأول من اصدارات مركز الرسالة.

١٥٦

وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(١) ، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تنطبق إلا على الإمام محمد بن الحسن المهديعليه‌السلام .

وجاء دور الإمام العسكريعليه‌السلام ليقع عليه العبء الأكبر في هذا المجال ، باعتباره الوالد المباشر للإمام الحجةعليه‌السلام ، فصرّح لبعض أصحابه كما ذكرنا ، وفي فترات متفاوتة من أول الولادة المباركة حتى قبل مضيّه بأيام قلائل ، بكون ولده محمدعليه‌السلام هو الإمام من بعده والخليفة على أصحابه ، ومن بين الذين سمعوا النص عنهعليه‌السلام : أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري ، وأحمد بن محمد بن عبد الله ، وأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وعمرو الأهوازي ، وأبو غانم الخادم ، ومحمد بن أيوب بن نوح ، ومحمد بن عثمان العمري ، ومحمد بن علي بن بلال ، ومعاوية بن حكيم ، وموسى بن جعفر بن

__________________

(١) راجع : إكمال الدين : ٢٥٦ / من باب٢٤ ـ ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النص على القائمعليه‌السلام وأنه الثاني عشر من الأئمةعليهم‌السلام ـ إلى باب ٣٨ ص ٣٨٤ ـ ما روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام من وقوع الغيبة بابنه القائمعليه‌السلام وأنه الثاني عشر من الأئمةعليهم‌السلام ، إثبات الوصية : ٢٦٢ ، أصول الكافي ١ : ٣٣٢ ـ ٣٤٣ باب في النهي عن الاسم ، وباب نادر في حال الغيبة ، وباب في الغيبة ، الإرشاد ٢ : ٣٤٥ ـ باب ما جاء من النص على إمامة صاحب الزمان الثانى عشر من الأئمة صلوات الله عليهم في مجمل ومفصل على البيان ، دلائل الإمامة : ٥٢٩ ـ معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة ، إعلام الورى ٢ : ٢٢٣ ـ الباب الثاني ـ في ذكر النصوص الدالة على إمامتهعليه‌السلام من آبائه ، إلى غير ذلك من المصادر وهي كثيرة ولعلّ أهمهما غيبة النعماني وغيبة الطوسي.

١٥٧

وهب ، ويعقوب بن منقوش وغيرهم(١) .

ب ـ الذين رأوا الإمام المهدي في حياة أبيه عليهما‌السلام

وعرض الإمام العسكريعليه‌السلام ولده على بعض أصحابه الذين تقدم ذكرهم وغيرهم من خدم الدار ، ليكون أبلغ في تأكيد الحجة وتبليغ النص ، فتشرف بعضهم برؤيته في يومه الأول ، وبعضهم في اليوم الثالث ، وبعضهم حينما بلغ السنة الثالثة أو الخامسة من عمره الشريف ، وكان من بينهم : أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري الذي رآه في سنته الثالثة ، وحكيمة ابنة الإمام محمد الجوادعليه‌السلام وهي عمة أبيه الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وكانت قابلته ، وحمزة بن أبي الفتح ، وحمزة بن نصر غلام أبي الحسنعليه‌السلام ، وأبو نصر ظريف الخادم ، وجارية أبي علي الخيزراني ، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وعمرو الأهوازي ، وأبو غانم الخادم ، وكامل بن إبراهيم المدني ، ومارية ونسيم وكانتا

__________________

(١) راجع : أصول الكافي ١ : ٣٢٨ ـ باب الاشارة وانص إلى صاحب الدارعليه‌السلام من كتاب الحجة ، إكمال الدين : ٣٨٤ / ١ ـ ٩ باب ٣٨ ما روى عن أبي محمد الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام من وقوع الغيبة بابنه القائمعليه‌السلام وأنه الثاني عشر من الأئمةعليهم‌السلام ، وص ٤٢٤ / ١ ـ ١٦ باب ٤٢ ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله بن الحسن بن علي ، وص ٤٣٤ / ١ ـ باب ٤٣ ذكر من شاهد القائمعليه‌السلام ورآه وكلمه ، غيبة الشيخ الطوسي : ٢٢٩ ـ ٢٥١ ـ فصل ٢ ، الإرشاد ٢ : ٣٤٨ ـ باب ما جاء من النص على إمامة صاحب الزمانعليه‌السلام ، إعلام الورى ٢ : ٢٤٨ ـ الفصل ٣ في ذكر النصوص عليه ( صلوات الله عليه ) من جهة أبيه الحسن ابن عليعليه‌السلام خاصة ، بحار الأنوار ٥١ : ١٥٨ / باب ٩نص العسكريين ( صلوات الله عليهما ) على القائمعليه‌السلام .

١٥٨

من خدم الدار ، ويعقوب بن منقوش رآه حينما كان خماسياً(١) .

وعرضهعليه‌السلام قبل مضية بأيام قلائل على أربعين من أصحابه منهم : معاوية ابن حكيم ، ومحمد بن أيوب بن نوح ، ومحمد بن عثمان العمري ، قائلاً لهم :« هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم ، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا ، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا » (٢) .

٣ ـ بيان التكليف في زمان الغيبة

سبق عن النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته المعصومينعليهم‌السلام في أحاديث كثيرة(٣) التأكيد على الغيبة وحتمية تحققها وضرورة الإيمان بها ، وكونها سبباً للابتلاء والتمحيص والحيرة ، مما يتطلب مستوى عالياً من الصبر وانتظار الفرج ، للثبات على الدين ، وتقوية نوازع الاخلاص والاستقامة وقوة الارادة رجاء اليوم الموعود بظهور المصلح والاستخلاف في الأرض وتأسيس دولة الحق في آخر الزمان.

__________________

(١) راجع المصادر المتقدمة ، وأصول الكافي ١ : ٣٢٩ ـ باب في تسمية من رآهعليه‌السلام من كتاب الحجة ، إثبات الوصية : ٢٥٧ ، الإرشاد ٢ : ٣٥١ ـ باب ذكر من رأى الإمام الثاني عشرعليه‌السلام ، دلائل الإمامة : ٥٠٥ معرفة من شاهده في حياة أبيهعليه‌السلام ، إعلام الورى ٢ : ٢١٤ فصل ٢ في ذكر مولدهعليه‌السلام واسم امه ، وص (٢١٨) الفصل ٣ في ذكر من رآهعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٥٢ : ١ ـ باب ١٨ ذكر من رآه ( صلوات الله عليه ).

(٢) إكمال الدين : ٤٣٥ / ٢ باب ٤٣ ، الغيبة الشيخ الطوسي : ٣٥٧ / ٣١٩.

(٣) راجع : أصول الكافي ١ : ٣٣٣ ـ باب نادر في حال الغيبة وص ٣٣٥ باب في الغيبة من كتاب الحجة ، ودلائل الإمامة : ٥٢٩ معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة.

١٥٩

وسار الإمام العسكريعليه‌السلام في ذلك على خطى آبائهعليهم‌السلام ، ويمكن تلخيص دوره في هذا الاتجاه بالنقاط التالية :

أ) معرفة الحجة رغم طول الغيبة والحيرة ، ففي حديث محمد بن عثمان العمري ، قال : « سمعت أبي يقول : سئل أبو محمد الحسن بن عليعليه‌السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائهعليهم‌السلام :أنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة ، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. فقالعليه‌السلام :إنّ هذا حق كما أنّ النهار حقّ. فقيل له : يابن رسول الله ، فمن الحجة والإمام بعدك ؟ فقال :ابني محمد ، هو الإمام والحجة بعدي من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون ، ويهلك فيها المبطلون ، ويكذب فيها الوقّاتون ، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة » (١) .

وفي حديث الحسن بن محمد بن صالح البزاز ، قال : « سمعت الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام يقول : إن ابني هو القائم من بعدي ، وهو الذي تجري فيه سنن الأنبياءعليهم‌السلام بالتعمير والغيبة حتى تقسو القلوب لطول الأمد ، فلا يثبت على القول به إلا من كتب الله عزوجل في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه »(٢) .

ب) التحذير من الاختلاف والشكّ والدعوة إلى الثبات على الدين ، كما جاء في الحديث الذي قدّمناه آنفاً« ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم

__________________

(١) إكمال الدين : ٤٠٩ / ٩ ـ باب ٣٨.

(٢) إكمال الدين : ٥٢٤ / ٤ باب ٤٦ ما جاء في التعمير.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209