الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ27%

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: 209

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 209 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93165 / تحميل: 5444
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٦٤-٨٦٢٩-١٠-٢
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وطالمـا عمّروا دوراً لتـحصنهم

ففارقوا الـدور والأهلين وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموال وادّخروا

فخلّفوها على الأعداء وارتحـلوا

أضحـت منازلـهم قفراً معطّلـة

وساكنوها إلى الأجداث قد نزلـوا

     

قال : فأشفق كلّ من حضر على عليّ ، وظن أن بادرة تبدر منه إليه ، قال : والله لقد بكى المتوكل بكاءً طويلاً حتى بلّت دموعه لحيته ، وبكي من حضره ، ثمّ أمر برفع الشراب ، ثم قال له : يا أبا الحسن ، أعليك دين ؟ قال :نعم ، أربعة آلاف دينار ، فأمر بدفعها إليه وردهّ إلى منزله من ساعته مكرماً »(١) .

٢ ـ هدم قبر الإمام الحسين عليه‌السلام :

والاجراء التعسفي الآخر الذي أقدم عليه المتوكل ، فسوّد به وجه التاريخ الانساني ، هو أنه أمر في سنة ٢٣٦ ه‍ بهدم قبر الإمام السبط الشهيد الحسينعليه‌السلام ، وقد بعث رجلاً من أصحابه يقال له الديزج ، وكان يهودياً فأسلم ، إلى قبر الحسينعليه‌السلام ، وأمره بكرب القبر ومحوه وإخراب كلّ ما حوله ، فمضى لذلك وخرّب ما حوله ، وهدم البناء ، وكرب ما حوله نحو مائتي جريب ،

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، وراجع أيضاً : تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي ٣٢٢ ـ مؤسسة أهل البيت ـ بيروت ـ ١٤٠١ ه‍ ، البداية والنهاية ١١ : ١٥ ، وفيات الأعيان / لابن خلكان ٣ : ٢٧٢ ـ منشورات الرضي ـ قم ، الأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام لابن طولون : ١٠٧ ـ منشورات الرضي ـ قم.

٦١

ثم أمر أن يبذر ويزرع ، ووكلّ به مسالح بين كلّ مسلحتين ميل ، فلا يزوره زائر إلا أخذوه ووجّهوا به إليه ، فقُتِل عدد كبير من زواره أو اُنهكوا عقوبة ، ونودي بالناس في تلك الناحية : من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة أيام حبسناه في المطبق(١) .

وجاء في بعض الأخبار : « أنه لما صار الماء فوق مكان القبر وقف وافترق فرقتين ، يميناً وشمالاً ، ودار حتى التقى تحت المكان ، وبقي الوسط خالياً من الماء ، والماء مستدير حوله ، فسمّي من ذلك اليوم بالحائر »(٢) .

وتألم المسلمون من ذلك وكتب أهل بغداد شتم المتوكل على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، ومنهم دعبل بن علي الخزاعي ( ت ٢٤٦ ) والبسّامي(٣) الذي يقول :

تالله إن كان اُمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتى بنو أبيه بمثله

هذا لعمري قبرة مهدوما

__________________

(١) راجع : مقاتل الطالبيين : ٣٩٥ ، الكامل في التاريخ ٦ : ١٠٨ ، تاريخ ابن الوردي ١ : ٢١٦ ـ المطبعة الحيدرية ـ النجف ، البداية والنهاية ١٠ : ٣١٥ ، تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٦٨.

(٢) بحار الأنوار ٤٥ : ٤٠٣ ، التتمة في التواريخ الأئمةعليهم‌السلام / للسيد تاج الدين العاملي : ١٣٧.

(٣) هو أبو الحسن ، علي بن محمد بن نصر بن منصور ابن بسّام ، المعروف بالبساّمي ، أو ابن بسّام ، الشاعر المشهور في زمن المقتدر العباسي ، وقد هجا الخلفاء والوزراء ، توفي سنة ٣٠٢ ه‍. سير أعلام النبلاء ١٤ : ١١٢ / ٥٦.

٦٢

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميمـا(١)

ولم يكتف المتوكل بالاعتداء على المكان المقدس الذي شهد ملحمة البطولة بين معسكر الحق بقيادة سيد الشهداءعليه‌السلام ومعسكر الباطل بقيادة يزيد ابن معاوية ، بل اعتدى على الزمان الذي بقي رمزاً يختزن الشجاعة والتحدّي للظلم والطغيان على مرّ الدهور ، فجعل المتوكل العاشر من المحرم الحرام سنة ٢٥٦ ه‍ يوماً لافتتاح مدينته التي بناها بالماحوزة ، ونزوله في قصر الخلافة فيها الذي سماه اللؤلؤة ، وكان يوماً مشهوداً يعجّ بأصحاب الملاهي والمطربين ، فاعطى فيه وأطلق ، وقيل : إنّه وهب فيه أكثر من ألفي ألف درهم(٢) .

٣ ـ حصار آل أبي طالب وملاحقتهم :

ذكرنا في الفصل الأول أن المتوكل فرض حصاراً ظالماً على آل أبي طالب حتى أن الوالي الذي استعمله على مكة والمدينة ـ وهو عمر بن الفرج الرخّجي ـ قد منعهم من الإتّصال والارتباط بالناس ومنع الناس من البرّ بهم ، وبلغ في هذا الاتجاه مبلغاً لم يبلغه أحد ممن سبقه(٣) .

قال أبو الفرج الأصفهاني : كان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظاً على جماعتهم ، مهتمّاً بأمورهم ، شديد الغيظ والحقد عليهم وسوء الظن والتهمة لهم ، واتّفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره كان يسيء الرأي فيهم ، فحسّن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحدٌ من خلفاء بني

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ : ٣٥ ، تاريخ الخلفاء / للسيوطي : ٢٦٩.

(٢) راجع : البداية والنهاية ١٠ : ٣٤٧ ، الكامل في التاريخ ٦ : ١٣٠.

(٣) راجع : مقاتل الطابيين : ٣٦٩.

٦٣

العباس القبله(١) .

وتعرض آل أبي طالب بشكل عام والعلويون بشكل خاص لصنوف الأذى والقسوة في زمان المتوكل ، فتفرق رجالهم في النواحي ، واختفى بعض كبارهم ، وتعرض بعضهم للمطاردة والابعاد أو الاعتقال ، أو التصفية الجسدية بدسّ السمّ وهم سجناء ، وأُجْبِرَ آخرون على ارتداء السواد الذي يمثّل شعار الدولة العباسية.

وممن قُتِل في زمان المتوكل القاسم بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي ، وكان رجلاً فاضلاً ، وقد حمله عمر بن الفرج الرخّجي إلى سرّ من رأى ، فأمروه بلبس السواد فامتنع ، فلم يزالوا به حتى لبس شيئاً يشبه السواد فرضي منه بذلك.

وروى أبو الفرج الأصفهاني عن أحمد بن سعيد ، عن يحيى بن الحسن عن ذوب مولاة زينب بنت عبد الله بن الحسين قالت : « اعتلّ مولاي القاسم بن عبد الله ، فوجّه إليه بطبيب يسأله عن خبره ، وجهه إليه السلطان ، فجسّ يده ، فحين وضع الطبيب يده عليها يبست من غير علّة ، وجعل وجعها يزيد عليه حتّى قتله ، قالت : سمعت أهله يقولون : أنه دسّ إليه السمّ مع الطبيب »(٢) .

وتوارى أحمد بن عيسىٰ بن زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام مدةً طويلة حتى توفي سنة ٢٤٧ ه‍ ، وكان فاضلاً عالماً مقدماً في أهله ، معروفاً فضله ، وقد كَتَب الحديث وعمّر ، وكُتِب عنه ، وروى عنه الحسين بن علوان روايات كثيرة ،

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٠٦.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٤٠٧.

٦٤

وروى عنه محمد بن المنصور الراوي ونظراؤه.

وتوارى أيضاً عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليعليه‌السلام منذُ أيام المأمون ومات في أيام المتوكل(١) .

وروى أبو الفرج الاصفهاني بالأسناد عن محمد بن سليمان الزينبي قال : « نُعي عبد الله بن موسى إلى المتوكل صبح أربع عشرة ليلة من يوم مات ، ونُعي له أحمد ابن عيسىٰ فاغتبط بوفاتهما وسُرّ ، وكان يخافهما خوفاً شديداً ، ويحذر حركتهما لما يعلم من فضلهما واستنصار الشيعة الزيدية بهما وطاعتهما لهما لو أرادوا الخروج عليه ، فلما ماتا أمن واطمأنّ ، فما لبث بعدهما إلا اُسبوعاً حتّى قُتِل »(٢) .

٤ ـ ملاحقة الشيعة وقتلهم :

أمنعت أجهزة المتوكل بمراقبة شيعة الإمام ومواليه ، فسامهم قتلاً واعتقالاً وافقاراً ، فأمروا ببعضهم أن يُلقى من جبل عالٍ بتهمة موالاة الإمامعليه‌السلام (٣) ، وقطع المتوكل ارزاق بعضهم لملازمة الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام (٤) ، وحبس علي بن جعفر ـ وَكيل الإمام الهاديعليه‌السلام وهو من أهل همينيا ـ لمدة طويلة وتحت ظروف قاسية(٥) .

وفي كلّ ذلك يتوجه الأصحاب إلى إمامهمعليه‌السلام فيعينهم بالدعاء. عن

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٠٨.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٤١٧.

(٣) الثاقب في المناقب : ٥٤٣ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٤٨.

(٤) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٤٢ ، بحار الأنوار ٥٠ : ١٢٧ / ٥.

(٥) رجال الكشي : ٢ : ٨٦٦ / ١١٢٩ ، بحار الأنوار ٥٠ : ١٨٣ / ٥٨.

٦٥

عبدالله بن سليمان الخلال ، قال : « كتبت إليهعليه‌السلام أسأله الدعاء أن يفرّج الله عنّا في أسباب من قبل السلطان إلى أن قال : فرجع الجواب بالدعاء »(١) .

قتل إمام العربية يعقوب بن السكّيت

روى المؤرخون أنه في سنة ٢٤٤ ه‍ قتل المتوكل يعقوب بن السكيت الإمام في العربية ، فإنّه ندبه إلى تعليم أولاده ، فنظر المتوكل يوماً إلى ولديه المعتز والمؤيد ، فقال لابن السكيت : من أحبّ إليك : هما أو الحسن والحسين ؟ فقال : قنبر خادم علي خير منك ومن ابنيك ، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى ماترحمه‌الله وقيل : أمر بسلّ لسانه من قفاه فمات ، وارسل إلى ابنه بديته(٢) .

دعاء المظلوم علي الظالم

بقي المتوكل يتوجّس خيفة من نشاط الإمامعليه‌السلام الذي لم تتضح له كامل أبعاده ، ففرض عليه ملازمة داره ومنعه من الركوب إلى أي مكان(٣) ، ومن ثمّ أمر باعتقاله ، فبقي رهن الاعتقال عند علي بن كركر(٤) ، وقبل مقتل المتوكل بأيام أمره أن يترجّل ويمشي بين يديه يوم الفطر ، وكان يوماً قائظاً شديد الحرّ ، فمشىعليه‌السلام مع بني هاشم حتى تفصّد عرقاً ، وكانعليه‌السلام لا يستطيع السير إلا متكأً لمرض ألمّ به ، فما كان من الإمامعليه‌السلام إلا أن يتوجه إلى الله سبحانه بدعاءٍ طويل

__________________

(١) الكامل في المناقب : ٥٤٨ / ٤٩٠.

(٢) الكامل في التاريخ ٦ : ١٣٣ ، تاريخ الخلفاء : ٢٦٩ ، تاريخ ابن الوردي ١ : ٣١٣.

(٣) راجع : الخرائج والجرائح ١ : ٣٩٦ / ٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ١٤٤ / ٢٨.

(٤) راجع : المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٣٩ ، الثاقب في المناقب : ٥٣٦ ، إعلام الورى ٢ : ١٢٣.

٦٦

يكشف عمّا يعانيهعليه‌السلام وشيعته من ظلم المتوكل وعدوانه وطغيانه ، وعن إحساسهعليه‌السلام العميق بمعاناة الأمة من الحيرة والضياع والحدود المعطلة والأحكام المهملة وغيرها من مظاهر التردّي.

روى المسعودي « أنه لما كان يوم الفطر في السنة التي قُتل فيها المتوكل ، أمر بني هاشم بالترجّل والمشي بين يديه ، وإنّما أراد بذلك أن يترجّل له أبو الحسنعليه‌السلام ، فترجّل بنو هاشم وترجّل فاتكأ على رجلٍ من مواليه ، فاقبل عليه الهاشميون ، فقالوا له : يا سيدنا ، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله ! فقال لهم أبو الحسنعليه‌السلام :في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم على الله من ناقة ثمود ، لما عقرت وضج الفصيل إلى الله ، فقال الله :( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) (١) ، فقتل المتوكل في اليوم الثالث. وروى أنهعليه‌السلام قال وقد أجهده المشي :أما إنه قد قطع رحمي ، قطع الله أجله »(٢) ، وهذا يوافق ما جاء في التاريخ ، فقد قتل المتوكل في الرابع من شوال سنة ٢٤٧ ه‍.

وجاء الخبر الذي رواه المسعودي مفصلاً في رواية قطب الدين الراوندي ، والسيد ابن طاوس الذي رواه في أكثر من طريق ، وتضمّن الدعاء الطويل الذي سمّاه الإمامعليه‌السلام ( دعاء المظلوم على الظالم ) قالعليه‌السلام :« لمّا بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوزٍ نتوارثها من آبائنا ، وهي أعزّ من الحصون والسلاح والجنن ، وهو دعاء المظلوم على الظالم ، فدعوت به عليه فأهلكه الله » .

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ٦٥.

(٢) إثبات الوصية : ٢٤٠.

٦٧

وفيما يلي مقطع منه يعكس لك شدة معاناة الإمامعليه‌السلام : « اللّهم إنّه قد كان في سابق علمك وقضائك ، وماضي حكمك ونافذ مشيئتك في خلقك أجمعين ، سعيدهم وشقيهم ، وفاجرهم وبرّهم ، أن جعلت لفلان بن فلان عليَّ قدرة فظلمني بها ، وبغى عليَّ لمكانها ، وتعزّز عليّ بسلطانه ، وتجبّر عليّ بعلوّ حاله ، وغرّه إملاؤك له ، وأطغاه حلمك عنه ، فقصدني بمكروهٍ عجزتُ عن الصبر عليه ، وتعمدني بشرّ ضعفت على احتماله ، ولم أقدر على الانتصار لضعفي ، والانتصاف منه لذلّي ، فوكلته إليك ، وتوكّلت في أمره عليك ، وتواعدته بعقوبتك ، وحذرته سطوتك ، وخوفته نقمتك ، فظنّ أن حلمك عنه من ضعف ، وحسب أن إملاءك له من عجز ، ولم تنهه واحدة عن اُخرى ، ولا انزجر عن ثانية باُولى ، ولكنه تمادى في غيّة ، وتتابع في ظلمه ، ولجّ في عدوانه ، واستشرى في طغيانه ، جرأةً عليك يا سيدي ، وتعرضاً لسخطك الذي لا تردّه عن القوم الظالمين ، وقلّة اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين.

فها أنا يا سيدي مستضعف في يديه ، مستضام تحت سلطانه ، مستذلّ بعقابه ، مغلوب مبغيّ عليّ ، مقصود وجلٌ خائف مروّع مقهور ، قد قلّ صبري ، وضاقت حيلتي ، وانغلقت عليّ المذاهب إلا إليك ، وانسدّت عليّ الجهات الا جهتك ، والتبست علي اُموري في رفع مكروهه عني ، واشتبهت عليّ الآراء في إزالة ظلمه ، وخذلني من استنصرته من عبادك ، وأسلمني من تعلّقت به من خلقك طرّاً ، واستشرت نصيحي فأشار عليّ بالرغبة إليك ،

٦٨

واسترشدت دليلي فلم يدلّني الا عليك » (١) .

مقتل المتوكل

لم يلبث المتوكل بعد هذا الدعاء سوى ثلاثة أيام حتى أهلكه الله تعالى وجعله عبرةً لكلّ من طغى وتجبّر ، على يد ابنه المنتصر وخمسة من القادة الترك.

فقد كان المتوكل بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد ، ثمّ انه أراد تقديم المعتز لمحبته لاُمه قبيحة ، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد فأبى فكان يحضره مجلس العامة ويحطّ من منزلته ويهدده ويشتمه ويتوعده ، واتفق أن انحرف الترك عن المتوكل لاُمور ، فاتفق الأتراك مع المنتصر على قتل أبيه ، فدخل عليه خمسة في جوف الليل وهو سكران ثمل في مجلس لهوه ، فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان ، وذلك لاربع خلون من شوال سنة ٢٤٧ ه‍.

وذكر المحدثون والمؤرخون أسباباً أخرى دفعت المنتصر إلى قتل أبيه تدلّ على انتصاره لأهل البيتعليهم‌السلام ، ومنها ما رواه الشيخ الطوسي عن ابن خشيش عن أبي الفضل ، قال : « إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمةعليها‌السلام فسأل رجلاً من الناس عن ذلك ، فقال له : قد وجب عليه القتل ، إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر. فقال : ما إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر »(٢) .

__________________

(١) مهج الدعوات : ٣٣٠ ـ ٣٣٧ ، بحار الأنوار ٩٥ : ٢٣٤ ـ ٢٤٠ / ٣٠.

(٢) الأمالي : ٣٢٨ / ٦٥٥.

٦٩

وعن ابن الأثير : « أن عبادة المخنّث الذي كان يرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون : قد أقبل الأصلع البطين يحكي بذلك علياًعليه‌السلام ، قد فعل ذلك يوماً والمنتصر حاضر ، فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفاً منه. فقال المتوكل : ما حالك ؟ فقام وأخبره. فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين ، إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك ، فكُل أنت لحمه إذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه ـ وتلك كلمة حق أمام سلطان جائر لكن المتوكل تمادي في طغيانه ـ فقال للمغنين : غنوا جميعاً :

غار الفتى لابن عمه

رأس الفتى في حِرّ أمّه

قال ابن الأثير : فكان هذا من الأسباب التي استحلّ بها المنتصر قتل المتوكل »(١) .

وجاء في رواية ابن الأثير : « أن المتوكل شرب في الليلة التي قتل فيها أربعة عشر رطلاً ، وهومستمر في لهوه وسروره إلى الليل بين الندماء والمغنين والجواري »(٢) .

وانتهت بمقتل المتوكل صفحة سوادء من تاريخ الظلم والجور ، وكان قتله خزياً في الدنيا( وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِنَ اللهِ مِن وَاقٍ ) (٣) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٦ : ١٠٩.

(٢) الكامل في التاريخ ٦ : ١٣٦ ـ ١٤١ ، تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٧١ ، البداية والنهاية ١٠ : ٣٤٩.

(٣) سورة الرعد ١٣ / ٣٤.

٧٠

ثانياً ـ المنتصر ( ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ه‍ ) :

هو محمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع له بعد قتل أبيه في شوال سنة ٢٤٧ ه‍ ، واعدّ كتاباً قرأه أحمد بن الخطيب أن الفتح بن خاقان قد قتل المتوكل فقتله به ، فبايعه الناس ، واستمرت خلافته ستة أشهر ويومين ، ولم تشر هذه الفترة القليلة إلى أي بادرة سوء من المنتصر تجاه الإمامعليه‌السلام وشيعته.

على أنه كان المنتصر أولاً لا يخرج عن إطار السياسة العامة التي انتهجها أبوه المتوكل في مواجهة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ، فقد مرّ بك أنه خلع على أبي السمط الشاعر الناصبي لشعر قاله يناوئ فيه أهل البيتعليهم‌السلام ، وربما يكون هذا تقية من أبيه ، وإلا فقد ثبتت توبته ، إذا خالف أباه المتوكل في كلّ شيء فقد خلع أخويه المعتز والمؤيد من ولاية العهد الذي عقده لهما المتوكل بعده(١) ، كما أحسن إلى الطالبيين بشكل عام والعلويين بشكل خاص.

قال ابو الفرج : « كان المنتصر يظهر الميل إلى أهل هذا البيت ، ويخالف أباه في أفعاله ، فلم يجرِ منه على أحد منهم قتل أو حبس ولا مكروه فيما بلغنا ، والله أعلم »(٢) .

وقال في موضع آخر ذكر فيه حصار المتوكل للطالبيين ، ثم قال : « إلى أن قُتل المتوكل ، فعطف المنتصر على العلويين ووجه بمال فرّقه فيهم ، وكان يؤثر

__________________

(١) راجع : الكامل في التاريخ ٦ : ١٤٦حوادث سنة ٢٤٨ ، تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٧٧.

(٢) مقاتل الطابيين ٤١٩.

٧١

مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه طعناً عليه ، ونصرة لفعله »(١) .

وذكر المؤرخون كثيراً من إجراءاته المخالفة لأبيه في الموقف من الطالبيين والعلويين : قال ابن الأثير : « أمر الناس بزيارة قبر علي والحسينعليهما‌السلام ، وآمن العلويين وكانوا خائفين أيام أبيه ، وأطلق وقوفهم ، وأمر بردّ فداك إلى ولد الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وذكر أن المنتصر لمّا ولي الخلافة كان أول ما أحدث أن عزل صالح بن علي عن المدينة ، واستعمل عليها علي بن الحسن(٢) بن إسماعيل بن العباس بن محمد ، قال علي : فلما دخلت أودّعه قال لي : يا علي ، إنّي اُوجّهك إلى لحمي ودمي ، ومدّ ساعده وقال : إلى هذا اُوجّهك ، فانظر كيف تكون للقوم ، وكيف تعاملهم ـ يعني آل أبي طالب ـ فقال : أرجو أن أمتثل أمر أمير المؤمنين إن شاء الله ، فقال : إذن تسعد عندي »(٣) .

ومات المنتصر في ربيع الآخر سنة ٢٤٨ لعلّة لم تمهله طويلاً ، وقيل : بل فصده الطبيب بمبضع مسموم فمات منه(٤) .

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٣٩٦.

(٢) في تاريخ الطبري ٩ : ٢٥٤ ( الحسين ).

(٣) الكامل في التاريخ ٦ : ١٤٩ حوادث سنة ٢٤٨ ، وراجع أيضاً : تاريخ ابن الوردي ١ : ٣١٥ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٤٢ ـ ٤٤ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٧٦.

(٤) الكامل في التاريخ ٦ : ١٤٨.

٧٢

ثالثاً ـ المستعين ( ٢٤٨ ـ ٢٥٢ ه‍ ) :

وهو أحمد بن المعتصم ، أخو الواثق والمتوكل ، بويع سنة ٢٤٨ ه‍ ، وقتل سنة ٢٥٢ ه‍ ، وكان مستضعفاً في رأيه وعقله وتدبيره ، وكانت أيامه كثيرة الفتن ، ودولته شديده الاضطراب حتى خلع ثمّ قتل(١) .

ونتيجة تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وضعف سلطة الخلافة في زمان المستعين ، ثار الكثير من العلويين مطالبين برفع الظلم عن كاهل أبناء الاُمة وداعين إلى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منهم الشهيد يحيى بن عمر ، والحسن ابن زيد العلوي ، والحسين بن محمد بن حمزة ، ومحمد بن جعفر بن الحسن ، ولم تحدثنا كتب التاريخ والرواية عن أي شيء من الوقائع بين المستعين والإمام الهاديعليه‌السلام لتدنّي سلطة الخلافة في عصره واستلام مقاليد الأمور بيد القادة الأتراك ، غير أنه لا يخرج عن نهج الخلفاء العباسيين في حصار الإمامعليه‌السلام والاساءة إلى شيعته بشكل عام والطالبيين بوجه خاص ، فقد ذكر المسعودي أن محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، حمله سعيد الحاجب من البصرة ، فحبس حتى مات ، وكان معه ابنه علي ، فلمات مات الأب خلي عنه ، وذلك في أيام المستعين ، وجعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قتله ابن الأغلب بأرض المغرب ، والحسن بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قتله العباس بمكة(٢) .

__________________

(١) الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤١.

(٢) مروج الذهب ٤ : ٤٢٩.

٧٣

مقتل المستعين :

في سنة ٢٥١ ه‍ شغب الأتراك على المستعين بعد قتل باغر التركي ، فهرب المستعين إلى بغداد مع وصيف وبغا الصغير ، ونزل دار محمد بن عبد الله بن طاهر ، فعاث الأتراك بغياً وفساداً في سامراء وأخرجوا المعتز من سجن الجوسق وبايعوه بالخلافة ، وصارت بغداد مسرحاً للاقتتال والخراب بين جيش المعتز ومؤيدي المستعين ، حتى انتهى القتال بخلع المستعين لنفسه من الخلافة سنة ٢٥٢ ه‍ ، وكان نتيجة ذلك القتال أن خربت الدور والحوانيت والبساتين ، ونهبت الأسواق والأموال وتردت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل على ما بيناه في الفصل الأول.

ثمّ إن المعتز سيّر المستعين إلى واسط ، فاقام بها نحو تسعة أشهر محبوساً موكلاً به أمين ، ثمّ أرسل المعتز إلى أحمد بن طولون أن يذهب إلى المستعين فيقتله فأبى ، فندب له سعيد بن صالح الحاجب فحمله إلى سامراء فذبحه وحمل إليه برأسه ، فأمر لسعيد بخمسين ألف درهم وولاه معونة البصرة(١) .

رابعاً ـ المعتز (٢٥٢ ـ ٢٥٥ ه‍ )

وهو الزبير أو محمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع له عند خلع المستعين سنة ٢٥٢ ه‍ ، وله عشرون سنة أو دونها(٢) .

__________________

(١) راجع : مروج الذهب ٤ : ٤١٧ ، الكامل في التاريخ ٦ : ١٨٥ ، البداية والنهاية ١١ : ١١ ، تاريخ ابن الوردي ١ : ٣١٦.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٢.

٧٤

١ ـ مواقفه من الطالبيين :

وتعرض الطالبيون في زمان المعتز إلى القتل والمطاردة والحبس والترحيل ، فقد حُمِل في أيامه من الري علي بن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد ، ومات في حبسه(١) .

وفي السنة التي بويع له فيها حمل جماعة من الطالبيين إلى سامراء ، منهم : أبو أحمد محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري(٢) .

وفي أيامه أيضاً قتل عبد الرحمن خليفة أبي الساج أحمد بن عبد الله بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن عليعليه‌السلام .

وتوفي في الحبس عيسىٰ بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، كان أبو الساج حمله فحبس بالكوفة فمات هناك.

وقتل بالري جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ، في وقعة كانت بين أحمد بن عيسىٰ بن علي بن الحسين بن علي بن الحسينعليه‌السلام وبين عبد الله بن عزيز عامل محمد بن طاهر بالري.

وقُتِل إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي ، قتله طاهر بن عبد الله في وقعة كانت بينه وبين الكوكبي بقزوين. وحبس أحمد ابن محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي في دار مروان ، حبسه

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٤٢٩.

(٢) الكامل في التاريخ ٦ : ١٨٧.

٧٥

الحارث بن أسد عامل أبي الساج في المدينة فمات في محبسه(١) .

٢ ـ شهادة الإمام الهادي عليه‌السلام في زمان المعتز :

في يوم الاثنين الثالث من رجب سنة ٢٥٤ ه‍(٢) توفي الإمام الهاديعليه‌السلام ، واكتظّ الناس في موكب التشييع ، وصلى عليه ابنه الإمام أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام (٣) ، وروي أنهعليه‌السلام خرج في جنازته مشقوق القميص ، فقيل له في ذلك ، فقال :« قد شقّ موسى على هارون » (٤) .

وعن اليعقوبي : أنه تمت الصلاة على جنازته الشريفة في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلما كثر الناس واجتمعوا ، كثر بكاؤهم وضجتهم ، فرُدّ النعش إلى داره فدفن فيها(٥) .

ونقل كثير من المؤرخين والمحدثين أنّ الإمام الهاديعليه‌السلام توفي مسموماً ،

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٣٣.

(٢) وقيل : لثلاث أو أربع أوخميس بقين من جمادي الآخرة سنة ٢٥٤ ، راجع : الكافي ١ : ٤٩٧. باب مولد أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة ، دلائل الإمامة : ٤٠٩ ، تاج المواليد / الطبرسي : ١٣٢ ـ ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٣٣ ، الكشف الغمة ٣ : ١٦٥ و ١٧٤ ، البداية والنهاية ١١ : ١٤ ـ ١٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٧٤ ، إعلام الورى ٢ : ١٠٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٣.

(٣) الكافي ١ : ٣٢٦ / ٣ ـ باب الاشارة والنص على أبي محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣١٥ ، إعلام الورى ٢ : ١٣٣.

(٤) رجال الكشي ، بشرح الداماد : ٨٤٢ ـ ٨٤٣ ، المناقب / ابن شهر آشوب ٤ : ٤٦٧ ، وسائل الشيعة ٣ : ٢٧٤ / ٣٦٣٤ ـ ٣٦٣٦.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٣.

٧٦

منهم : المسعودي ، وسبط ابن الجوزي ، والشبلنجي ، وابن الصباغ المالكي ، والشيخ أبو جعفر الطبري(١) ، وصرح الشيخ الكفعمي بأن الذي سمّه هو المعتز(٢) ، ونقل عن ابن بابوية أنّ الذي سمه هو المعتمد العباسي(٣) ، فإمّا أن يكون مصحفاً ، أو أن المعتمد هو الذي دسّ السمّ بايعازٍ من المعتز ، لأن المعتمد بويع بالملك في النصف من رجب سنة ٢٥٦ ه‍ بعد قتل المهتدي.

وليس بعيداً عن مثل المعتز اقتراف مثل هذه الجريمة النكراء ، لأنه كان شاباً متهوّراً لم يتحرج عن القتل ، ففي سنة ٢٥٢ ه‍ خلع أخاه المؤيد من ولاية العهد وعذّبه بضربه أربعين مقرعة ثم حبسه ودبّر قتله في السجن بعد ذلك بخمسة عشر يوماً ، كما حبس أخاه أبا أحمد بن المتوكل سنة ٢٥٣ ه‍ ونفاه إلى واسط ثم إلى البصرة ثم ردّه إلى بغداد(٤) ، ومرّ بك أنه أمر سعيد الحاجب بقتل ابن عمه المستعين فقتله وأتاه برأسه. فهكذا كانت أفعاله مع إخوته وأبناء عمومته ، أما مع الطالبيين ، فكانت أشد وأقسى ، وقد قدّمنا نماذج منها.

٣ ـ ما فعله المعتز بالإمام الحسن العسكري عليه‌السلام :

كانت سيرة المعتز مع الإمام العسكريعليه‌السلام كسيرة أسلافه من ملوك بني العباس مع أهل البيتعليهم‌السلام ، ومما يلحظ على تلك السيرة أن المعتز قد وضع

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ٤٢٣ ، تذكرة الخواص : ٣٢٤ ، نور الأبصار / الشبلنجي : ٣٣٧ ـ دار الجيل ـ بيروت ، الفصول المهمة ٢ / ١٠٧٦ ، دلائل الإمامة : ٤٠٩.

(٢) بحار الأنوار ٥٠ : ١١٧ عن مصباح الكفعمي.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٣٣ ، عن ابن باوية.

(٤) الكامل في التاريخ ٦ : ١٨٥ و ١٩٢ ، تاريخ الخلفاء / للسيوطي : ٢٧٩ ، البداية والنهاية ١١ : ١١ و ١٢.

٧٧

الإمام العسكريعليه‌السلام تحت الرقابة الشديدة ، ولم يعد بإمكانه الاتصال بأصحابه إلا في ظروف خاصة ، وتعرض الإمامعليه‌السلام للاعتقال في زمانه وضيق عليه في السجن ، وكانعليه‌السلام لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فيصوم النهار ويقوم الليل.

وأُودِععليه‌السلام في سجن صالح بن وصيف(١) ، وكان العباسيون يوصونه بالتضييق عليه ، ويدسّون العيون في داخل السجن مع أصحابه.

عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى ، قال : « دخل العباسيون على صالح بن وصيف عندما حُبِس أبو محمدعليه‌السلام ، فقالوا له : ضيق عليه ولا توسّع ، فقال لهم صالح : ما أصنع به وقد وكلت به رجلين شرّ من قدرت عليه ، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم ، ثم أمر باحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ فقالا له : ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا ، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين »(٢) .

وعن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، قال : « كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر أنا والحسن بن محمد العقيقي ، ومحمد بن إبراهيم.

__________________

(١) كان رئيس الامراء الترك في زمان المعتز والمهتدي ، وقتل في خلافة المعتدي سنة ٢٥٦ ه‍ ، راجع الكامل في التاريخ ٦ : ٢١٤.

(٢) الكافي ١ : ٥١٢ / ٢٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٣٤.

٧٨

العمري وفلان وفلان ، إذ ورد علينا أبو محمد الحسنعليه‌السلام وأخوه جعفر ، فخففنا له ، وكان المتولي لحبسه صالح بن وصيف ، وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول إنّه علوي ، قال : فالتفت أبو محمدعليه‌السلام وقال :لولا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرّج عنكم ، وأومأ إلى الجمحي أن يخرج فخرج.

فقال أبو محمدعليه‌السلام :هذا الرجل ليس منكم فاحذروه ، فإنّ في ثيابه قصّة قد كتبها إلى السلطان يخبره بما تقولون فيه ، فقام بعضهم ففتش ثيابه ، فوجد فيها القصة ، يذكرنا فيها بكلّ عظيمة ، ويعلمه أنا نريد أن ننقب الحبس ونهرب »(١) .

وحاول المعتز الفتك بالإمامعليه‌السلام على يد سعيد بن صالح الحاجب الذي قتل المستعين بعد أن حمله إلى سامراء فتناهت أنباء تلك المحاولة إلى أسماع الشيعة ، فكتب بعضهم إلى الإمامعليه‌السلام يتساءل عن ذلك ، فطمأنه بالمصير الذي ينتظر المعتز قبل أن ينفذ عزمه.

عن محمد بن بلبل قال : « تقدم المعتز إلى سعيد الحاجب أن أخرج أبا محمد إلى الكوفة ، ثمّ اضرب عنقه في الطريق ، فجاء توقيعهعليه‌السلام إلينا :الذي سمعتموه تكفونه ، فخلع المعتز بعد ثلاث وقُتِل »(٢) .

وعن المعلى بن محمد ، قال : أخبرني محمد بن عبد الله ، قال : « لما اُمر سعيد الحاجب بحمل أبي محمدعليه‌السلام إلى الكوفة ، كتب أبو الهيثم بن سيابة إليه : جعلت

__________________

(١) الثاقب في المناقب : ٥٧٧ / ٥٢٦ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٨٢ / ١ و ٢ ، نور الأبصار : ١٨٣ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٧٠ ، إعلام الورى ٢ : ١٤١.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٦٤.

٧٩

فداك ، بلغنا خبر أقلقنا وبلغ منا كلّ مبلغ ؟ فكتبعليه‌السلام :بعد ثلاث يأتيكم الفرج . فقتل الزبير ـ أي المعتز ـ يوم الثالث »(١) .

وكان الإمامعليه‌السلام قد توجه إلى الله تعالى بالدعاء عليه ، فقد روي عن محمد ابن علي الصيمري أنه قال : « دخلت على أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمدعليه‌السلام فيها :إنّي نازلت الله في هذا الطاغي ـ يعني الزبير ـوهو آخذه بعد ثلاث. فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل »(٢) .

خلع المعتز وقتله :

كان خلع المعتز في رجب سنة ٢٥٥ ه‍ ، وكان سبب خلعه أن الجند وعلى رأسهم القادة الترك اجتمعوا فطلبوا منه أرزاقهم ، فلم يكن عنده ما يعطيهم ، فسأل من اُمه أن تقرضه مالاً يدفعهم عنه به ، فلم تعطه واظهرت أنه لا شيء عندها ، فاجتمع الأتراك على خلعه وقتله ، فدخل إليه بعض الأمراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه ، وجرّوا برجله وأخرجوه وعليه قميص مخرّق ملطخ بالدم ، فأوقفوه في وسط دار الخلافة في حرّ شديد حتى جعل يراوح بين رجليه من شدّة الحرّ ، وجعل بعضهم يلطمه وهو يبكي ويقول له الضارب : اخلعها والناس مجتمعون. ثمّ ادخلوه حجرة مضيقاً عليه فيها ، وما زالوا عليه بأنواع العذاب حتى خلع نفسه من الخلافة وولي بعده المهتدي بالله ، ثمّ سلموه إلى من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلات ، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة أيام حتى

__________________

(١) الغيبة للطوسي : ٢٠٨ / ١٧٧ ، الخرائح والجرائح ١ : ٤٥١ / ٣٦ ، مهج الدعوات : ٢٧٤ ، دلائل الإمامة : ٤٢٧ / ٣٩١ ، الثاقب في المناقب : ٥٧٦ / ٥٢٣.

(٢) كشف الغمة ٣ : ٢٩٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٩٧ / ٧٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الذي ثار في أيام المتوكل وقُتِل في أيام المستعين ( 250 ه‍ ) ، وذكر في تلك القصيدة ظلم بني العباس لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقارن بين النهجين ، وهي طويلة ، يقول في مطلعها :

إمامك فانظر أي نهجيك تنهجُ

طريقان شتى مستقيم وأعوج(1)

عمره ومدة إمامته عليه‌السلام :

عمره يوم وافاه الأجل (28) عاماً ، فقد ولد في سنة 232 ه‍ واستشهد سنة 260 ه‍ ، وهو بذلك يعدّ أصغر آبائه المعصومينعليه‌السلام عمراً ، وعاش 22 عاماً في ظلّ أبيه الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام الذي استشهد سنة 254 ه‍ ، ووصفه بقوله :« أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة ، وأوثقهم حجة ، وهو الأكبر من ولدي ، وهو الخلف ، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها » (2) .

ومدّة إمامته ست سنوات ( 254 ـ 260 ه‍ ) عاصر فيها من سلاطين بني العباس المعتز ( 251 ـ 255 ه‍ ) والمهتدي ( 255 ـ 256 ه‍ ) والمعتمد ( 256 ـ 279 ه‍ )(3) .

__________________

(1) ديوان ابن الرومي 2 : 492 / 365 تحقيق الدكتور حسين نصار ، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

(2) أصول الكافي : 327 / 11 ـ باب الاشارة والنص على أبي محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة.

(3) راجع : تاج المواليد : 134 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، دلائل الإمامة : 423 ، إعلام الورى 2 : 31 ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : 142 ، بحار الأنوار 50 : 236 / 5 و 238 / 8.

١٠١

زوجته عليه‌السلام :

وهي اُمّ ولد يقال لها نرجسعليها‌السلام ، وكان الإمام أبو الحسن الهاديعليه‌السلام قد أعطاها إلى أخته حكيمة بنت محمد الجوادعليه‌السلام وقال لها :« يا بنت رسول الله ، اخرجيها إلى منزلك ، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمد واُمّ القائم » (1) .

وكما اختلفت الروايات في اسم أم الإمام العسكريعليه‌السلام كما مرّ ، فقد اختلفت أيضاً في اسم زوجته ، ويستفاد من أخبار أسرها وجلبها إلى بغداد وابتياعها(2) ، أنّ اسمها مليكة بنت يشوعا بن قصير ملك الروم ، واُمّها من ولد الحواريين ، تنسب إلى شمعون وصيّ المسيحعليه‌السلام ، ولما اُسرت سمّت نفسها نرجس لئلا يعرف الشيخ الذي وقعت في سهمه من الغنيمة أنّها من سلالة الملوك.

وقد تعدّدت أسماؤها ، فجاء في رواية : أنها ريحانة ، ويقال لها نرجس ويقال لها صقيل ، ويقال لها سوسن ، إلا أنه قيل لها بسبب الحمل صقيل(3) .

ويستفاد من الأخبار أنه بعد شهادة الإمام العسكريعليه‌السلام هجم جند السلطان لتفتيش دار الإمامعليه‌السلام طلباً للولد ، ولما لم يعثروا على شيء وجّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل ، وحملوها إلى داره ، فطالبوها بالولد فانكرته

__________________

(1) إكمال الدين : 423 / 1 ـ باب 41.

(2) راجع : إكمال الدين : 417 / 1 ـ باب 41 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 472 الغيبة للشيخ الطوسي : 208 / 178 ، روضة الواعظين : 252 ، دلائل الإمامة : 489 / 488.

(3) إكمال الدين : 432 / 12 ـ باب 42 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 393 / 362.

١٠٢

وادّعت الحبل تغطية على حاله ، فجعلت نسوة وخدم المعتمد والموفق والقاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كلّ وقت ، إلى أن دهمهم أمر يعقوب بن الليث الصفار ، وصاحب الزنج ، وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، فشغلوا عنها ، وخرجت عن أيديهم(1) .

وُلْدُه عليه‌السلام :

ذكر بعض النسابة والمؤرخين أنهعليه‌السلام لم يخلف ولداً غير الإمام الحجة القائم المهديعليه‌السلام (2) .

قال الشيخ المفيد : كان الإمام بعد أبي محمدعليه‌السلام ابنه المسمّي باسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المكّني بكنيته ، ولم يخلف ولداً غيره ظاهراً ولا باطناً ، وخلفه غائباً مستتراً ، وكانت سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين ، أتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب ، وجعله آية للعالمين ، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبياً ، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسىٰ بن مريمعليه‌السلام في المهد نبياً(3) .

وقال الطبرسي وغيره : خلّف ولده الحجة القائم المنتظر لدولة الحقّ ، وكان قد أخفى مولده لشدّة طلب سلطان الوقت له ، واجتهاده في البحث عن أمره ،

__________________

(1) راجع : إكمال الدين : 43 ـ مقدمة المصنف ، 476 / 25 باب 42 ، دلائل الإمامة : 425 ، بحار الأنوار 50 : 331 / 3.

(2) راجع : المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، كفاية الطالب / الكنجي : 458 ـ دار إحياء تراث أهل البيت ـ طهران ـ 1404 ه‍ ، دلائل الإمامة : 425 ، نور الأبصار : 341.

(3) الإرشاد 2 : 339.

١٠٣

فلم يره إلا الخواص من شيعته(1) .

وقيل : إنّ للإمام العسكري ذكراً واُنثي(2) ، وجاء في رواية للشيخ الصدوق أن له ولدين هما محمدعليه‌السلام وموسى(3) ، وعدّ بعضهم سبعة أولاد للإمام العسكريعليه‌السلام وهم : القائمعليه‌السلام وهو الإمام بعد أبيه ، وموسى ، وجعفر ، وإبراهيم ، وعائشة ، وفاطمة ، ودلالة(4) .

واذا سلّمنا بصحة هذه الأقوال فلا بدّ أن نفترض كونهم ممن درجوا في حياة أبيهمعليه‌السلام ، ويدلّ عليه ما رواه الشيخ الطوسي بالاسناد عن إبراهيم بن إدريس ، قال : « وجّه إلىّ مولاي أبو محمدعليه‌السلام بكبش ، ثمّ لقيته بعد ذلك فقال لي :المولود الذي ولد لي مات ، ثمّ وجّه إلي بكبشين ، وكتب :بسم الله الرحمن الرحيم ، عقّ هذين الكبشين عن مولاك ، وكُل هنأك الله ، واطعم إخوانك ، ففعلت ولقيته بعد ذلك فما ذكر لي شيئاً »(5) .

اخوته عليه‌السلام :

ذكر المؤرخون أن له ثلاثة اخوة ، وهم : محمد المتوفّي في حياة أبيه ، والحسين ، وجعفر المعروف بالكذاب ، وقيل : إن له من الإخوة اثنين وحسب وهما : جعفر وإبراهيم ، وهذا غلط واضح لشهرة السيد محمد بن الإمام الهاديعليه‌السلام في كتب الانساب والتاريخ والحديث. وله اخت واحدة مختلف في

__________________

(1) إعلام الورى 2 : 151 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455.

(2) مصباح الكفعمي : 523.

(3) راجع : إكمال الدين : 446 / 19 باب 43 و 467 / 21 من نفس الباب.

(4) التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : 143.

(5) الغيبة للشيخ الطوسي : 245 ـ 246 / 214.

١٠٤

اسمها فقيل : حكيمة ، أوعائشة ، أو علية ، أو عالية.

وقيل : له اختان وهما : عائشة ودلالة(1) .

السيد محمد :

وهو أبو جعفر محمد بن الإمام أبي الحسن الهادي ، المتوفي نحو سنة 252 ه‍(2) ، وقال السيد محسن الأمين : جليل القدر ، عظيم الشأن ، وكان أبوه خلّفه بالمدينة طفلاً لما اُتي به إلى العراق ، ثم قدم عليه في سامراء ، ثمّ أراد الرجوع إلى الحجاز ، فلمّا بلغ القرية التي يقال لها ( بلد ) على تسعة فراسخ من سامراء ، مرض وتوفّي ودفن قريباً منها ، ومشهده هناك معروف مزور ، ولمّا توفي شقّ أخوه أبو محمد ثوبه ، وقال في جواب من لامه على ذلك :« قد شق موسى على أخيه هارون » (3) .

وجاء في الرواية : « أن أبا الحسنعليه‌السلام قد بسط به في صحن دار ، يوم توفي محمد ابنه ، والناس جلوس حوله يعزّونه ، من آل أبي طالب وبني هاشم

__________________

(1) راجع : الإرشاد 2 : 312 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 433 ، دلائل الإمامة : 412 ، إعلام الورى 2 : 127 ، الفصول المهمة 2 : 1076 ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : 138.

(2) ورد في حديث أن عمر الإمام العسكريعليه‌السلام يوم وفاة أخيه السيد محمد نحو عشرين سنة ، وبما أنهعليه‌السلام ولد سنة 232 ، فتكون وفاة السيد محمد نحو سنة 252 هـ. راجع : أصول الكافي 1 : 327 / 8 ـ باب الاشارة والنص على أبي محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة.

(3) أعيان الشيعة 14 : 291 ـ دار التعارف للمطبوعات.

١٠٥

وقريش ومواليه ومن سائرالناس »(1) .

جعفر الكذاب :

أما جعفر الكذاب ، فكان صاحب فتنة وضلالة ، وقد أخبر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام عنه قبل ولادته ، وحذّروا شيعتهم من فتنته ، ففي حديث عن أبي خالد الكابلي« أنه سأل الإمام علي بن الحسين صلوات الله عليه : من الحجة والإمام بعدك ؟ فقال :ابني محمد ، واسمه في التوراة الباقر يبقر العلم بقراً ، وهو الحجة والإمام بعدي ، ومن بعد محمد ابنه جعفر ، واسمه عند أهل السماء الصادق.

فقلت له : يا سيدي ، كيف صار اسمه الصادق ، وكلكم صادقون ؟ فقال :حدّثني أبي عن أبيه عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فسمّوه الصادق ، فإنّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه ، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله عزوجل والمدّعي لما ليس له بأهل ، المخالف على أبيه ، والحاسد لأخيه ، ذلك الذي يروم كشف ستر الله عند غيبة ولي الله عزوجلّ ... ثم قال :كاني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله ، والمغيب في حفظ الله ، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته ، وحرصاً على قتله إن ظفر به ، طمعاً في ميراث أبيه حتى

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 326 / 8 باب الاشارة والنص على أبي محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة.

١٠٦

يأخذه بغير حقّه »(1) .

وحينما ولد جعفر فرح أهل الدار بولادته ، ولم يروا أثراً للسرور على أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ، فقيل له في ذلك ، فقال :« يهون عليك أمره ، فإنّه سيضلّ خلقاً كثيراً » (2) .

وقد تحقق ما قاله أهل البيتعليهم‌السلام عن فتنته وضلالته ، حيث كانت له بعد شهادة أخيه الإمام العسكريعليه‌السلام ثلاثة أدوار سيئة :

1 ـ ادعاء الإمامة بعد أخيه الحسنعليه‌السلام كذباً وزوراً ، ولهذا خرجت عن الإمام المهديعليه‌السلام عدّة تواقيع تنبه الشيعة على بطلان ادعائه وكذبه وعصيانه وظلمه ، وجهله بالأحكام وتركه الواجبات ، منها على يد أحمد بن إسحاق الأشعري ، وعلى يد محمد بن عثمان العمري(3) ، فجفته الشيعة بعد أن بان كلّ ما ذكره ، ممّا اضطره إلى التوسل برجال الدولة ومنهم الوزير عبيد الله بن يحيى ابن خاقان في أن يجعلوا له مرتبة أخيه فزبره بالقول « يا أحمق ، السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردّهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك ، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة لك إلى السلطان ليرتبك

__________________

(1) علل الشرائع / الصدوق 1 : 234 / 1 ـ المطبعة الحيدرية ـ النجف ـ 1385 ه‍ ، إكمال الدين : 319 / 2 باب 31.

(2) إكمال الدين : 321 / آخر الحديث 2 باب 31 ، الغيبة / للشيخ الطوسي : 226 / 193.

(3) راجع : إكمال الدين : 483 / 4 ـ باب 45 ، الغيبة / للشيخ الطوسي : 290 / 247 ، بحار الأنوار 50 : 230 / 3 عن احتجاج الطبرسي : 162 ـ 163.

١٠٧

مراتبهم ولا غير السلطان ، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا »(1) .

وحمل عشرين ألف دينار إلى المعتمد ، طالباً منه أن يجعل له مرتبة أخيه ومنزلته. فأجابه بنحو جواب ابن خاقان(2) .

2 ـ ادعاؤه التركة وبالتالي حيازته إياها مناصفة مع اُم العسكريعليه‌السلام بإذن من السلطات الحاكمة.

3 ـ افشاء سر أخيه العسكريعليه‌السلام إلى الدولة من خلال الايعاز لهم بولادة الإمام المهديعليه‌السلام ، ومن هنا بدأت سلسلة من المطاردات والاعتقالات لعيال الإمامعليه‌السلام ، ولم يتمكنوا من العثور على الإمام المهديعليه‌السلام ، وبذلك يكون جعفر قد كشف ما أوجب الله تعالى ستره وكتمانه.

وقد أجمل الشيخ المفيدرحمه‌الله جملة هذه الأدوار المشينة وغيرها التي قام بها جعفر الكذاب تعد شهادة أخيه الحسنعليه‌السلام بقوله : « تولّى جعفر بن علي أخو أبي محمدعليه‌السلام أخذ تركته ، وسعى في حبس جواري أبي محمدعليه‌السلام واعتقال حلائله ، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته ، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشرّدهم ، وجرى على مخلّفي أبي محمدعليه‌السلام بسبب ذلك كلّ عظيمة ؛ من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل.

وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمدعليه‌السلام ، واجتهد في القيام عند الشيعة

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 505 / 1 باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتال الحجة ، الإرشاد 2 : 324.

(2) راجع : إكمال الدين : 479 ، الخرائج والجرائح 3 : 1109.

١٠٨

مقامه ، فلم يقبل أحد منهم ذلك ، ولا اعتقده فيه ، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه ، وبذل مالاً جليلاً ، وتقرّب بكلّ ما ظنّ أنه يتقرّب به ، فلم ينتفع بشيء من ذلك »(1) .

وهكذا كان جعفر كإخوة يوسف الصديقعليه‌السلام يوم قالوا لأبيهم كذباً :( يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ) (2) .

__________________

(1) الإرشاد 2 : 336 ـ 337 ، ونحوه في المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، إعلام الورى 2 : 151 ـ 152 ، الفصول المنهمة 2 : 1093.

(2) سورة يوسف : 12 / 17.

١٠٩
١١٠

الفصل الرابع

امامته عليه‌السلام

قال الشيخ المفيد : كان الإمام بعد أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام ابنه أبا محمد الحسن بن علي لاجتماع خلال الفضل فيه ، وتقدّمه على كافة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة ويقتضي له الرئاسة ، من العلم والزهد وكمال العقل والعصمة والشجاعة والكرم وكثرة الأعمال المقربة إلى الله ، ثمّ لنصّ أبيهعليه‌السلام عليه وإشارته بالخلافة إليه(1) . وفيما يلي نذكر طرفاً من النصوص الواردة في إمامتهعليه‌السلام وكما يلي :

أولاً : نص آبائه عليه عليه‌السلام

وردت المزيد من النصوص عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآل المعصومينعليهم‌السلام تصرح بتعيين أوصياء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفائه من عترته واحداً بعد واحد باسمائهم وأوصافهم ، بشكل يجلو العمى عن البصائر وينفي الشك عن القلوب ، وسنذكر هنا حديثين عن آبائه المعصومينعليهم‌السلام كنموذج على تلك النصوص ، ونحيل القارئ إلى مظانّ بقيتها(2) .

__________________

(1) الإرشاد 2 : 313.

(2) راجع : أصول الكافي 1 : 286 ـ باب ما نص الله عزوجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على

١١١

1 ـ عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : « سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي الرضا علي بن موسىعليه‌السلام قصيدتي التي أولها :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة خارج

يـقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كلّ حـقّ وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضاعليه‌السلام بكاءً شديداً ، ثم رفع رأسه إليّ فقال لي :يا خزاعي ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا مولاي ، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ، ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً.

فقال :يا دعبل ، الإمام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ... »(1) .

2 ـ وعن الصقر بن أبي دلف ، قال : « سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضاعليه‌السلام يقول :إن الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والامام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ،

__________________

الائمةعليهم‌السلام واحداً فواحداً ، إكمال الدين : 250 ـ 378 ـ الأبواب 23 ـ 36 ، بحار الأنوار 36 : 192 ـ 418 ـ باب 40 ـ 48.

(1) إكمال الدين : 372 / 6 باب 35.

١١٢

وطاعته طاعة أبيه ... »(1) .

ثانياً : نص أبيه عليه عليه‌السلام

فيما يلي نعرض أهم النصوص الواردة عن أبيهعليه‌السلام في النص عليه والإشارة إليه بالإمامة من بعده.

1 ـ روى ثقة الإسلام الكليني بالإسناد عن يحيى بن يسار القنبري ، قال : « أوصى أبو الحسنعليه‌السلام إلى ابنه الحسنعليه‌السلام قبل مضيه بأربعة أشهر ، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي »(2) .

2 ـ وعن علي بن عمر النوفلي ، قال : « كنت مع أبي الحسنعليه‌السلام في صحن داره ، فمرّ بنا محمد ابنه ، فقلت له : جعلت فداك ، هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال :لا ، صاحبكم بعدي الحسن »(3) .

3 ـ وعن عبد الله بن محمد الأصفهاني ، قال : « قال أبو الحسنعليه‌السلام :صاحبكم بعدي الذي يصلّي عليّ. قال : ولم نعرف أبا محمد قبل ذلك. قال : فخرج أبو محمد فصلى عليه »(4) .

4 ـ وعن علي بن مهزيار ، قال : « قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : إن كان كون ـ وأعوذ بالله ـ فإلى من ؟ قال :عهدي إلى الأكبر من ولدي » (5) . وكان الإمام العسكريعليه‌السلام أكبر وُلد الإمام الهاديعليه‌السلام .

__________________

(1) إكمال الدين : 378 / 3 باب 36.

(2) أصول الكافي 1 : 325 / 1 ـ باب الإشارة والنص على أبي محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة.

(3) أصول الكافي 1 : 325 / 2 من نفس الباب المتقدم.

(4) أصول الكافي 1 : 326 / 3 من نفس الباب المتقدم.

(5) أصول الكافي 1 : 326 / 6 من نفس الباب المتقدم.

١١٣

5 ـ وعن علي بن عمرو العطار ، قال : « دخلت على أبي الحسن العسكريعليه‌السلام وأبو جعفر ابنه في الأحياء ، وأنا أظنّ أنه هو ، فقلت له : جعلت فداك ، من أخصّ من ولدك ؟ فقال :لا تخصوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري. قال : فكتبت إليه بعد : فيمن يكون هذا الأمر ؟ قال : فكتب إليّ :في الكبير من ولدي. قال : وكان أبو محمد أكبر من أبي جعفر »(1) .

6 ـ وعن أبي بكر الفهفكي قال : « كتب إليّ أبو الحسنعليه‌السلام :أبو محمد ابني انصح آل محمد غريزة ، وأوثقهم حجة ، وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف ، وإليه تنتهي عرىٰ الإمامة وأحكامها ، فما كنت سائلي فسله عنه ، فعنده ما يحتاج إليه »(2) .

7 ـ وعن داود بن القاسم ، قال : « سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول :الخلف من بعدي الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت : ولم جعلني الله فداك ؟ فقال :إنكم لا ترون شخصه ولايحلّ لكم ذكره باسمه »(3) .

8 ـ وروى الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد العظيم الحسني قال : « دخلت على سيدي علي بن محمدعليه‌السلام ، فلمّا بصر بي قال لي :مرحباً بك يا أبا القاسم ، أنت وليّنا حقاً. قال. فقلت له : يابن رسول الله ، إنّي اُريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عزوجل. فقال :هات يا أبا القاسم ، فقلت : إنّي أقول : إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء وإن

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 326 / 7 من نفس الباب المتقدم.

(2) أصول الكافي 1 : 327 / 11 من نفس الباب المتقدم.

(3) أصول الكافي 1 : 328 / 13 من نفس الباب المتقدم.

١١٤

محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله وإن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمد بن علي ، ثمّ جعفر بن محمد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمد بن علي ، ثمّ أنت يا مولاي. فقالعليه‌السلام :ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ قال : فقلت : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال :لأنه لا يرى شخصه ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . قال : فقلت : أقررت »(1) .

9 ـ وعن علي بن عبد الغفار ، قال : إن الإمام الهاديعليه‌السلام كتب إلى شيعته :« الأمر لي مادمت حياً ، فإذا نزلت بي مقادير الله عزوجل آتاكم الله الخلف مني ، وأنّى لكم بالخلف بعد الخلف ؟ » (2) .

10 ـ وعن الصقر بن أبي دلف قال : « سمعت علي بن محمد بن علي الرضاعليه‌السلام يقول :إنّ الإمام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً »(3) .

11 ـ وروى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي بالإسناد عن علي بن عمر النوفلي ، قال : « كنت مع أبي الحسن العسكريعليه‌السلام في داره ، فمرّ عليه أبو جعفر ، فقلت له : هذا صاحبنا ؟ فقال :لا ، صاحبكم الحسن »(4) .

__________________

(1) إكمال الدين : 379 / 1 ـ باب 37.

(2) إكمال الدين : 382 / 8 ـ باب 37.

(3) إكمال الدين : 383 / 10 ـ باب 37.

(4) كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 198 / 163.

١١٥

12 ـ وعن أحمد بن محمد بن رجاء صاحب الترك ، قال : « قال أبو الحسنعليه‌السلام :الحسن ابني القائم [ أي بأمر الإمامة ]من بعدي »(1) .

13 ـ وعن أحمد بن عيسىٰ العلوي من ولد علي بن جعفر ، قال : « دخلت على أبي الحسنعليه‌السلام بصريا فسلمنا عليه ، فإذا نحن بأبي جعفر وأبي محمد قد دخلا ، فقمنا إلى أبي جعفر لنسلم عليه ، فقال أبو الحسنعليه‌السلام :ليس هذا صاحبكم ، عليكم بصاحبكم ، وأشار إلى أبي محمد »(2) . إلى غير هذا من النصوص الكثيرة التى انتخبنا منها تلك الأحاديث.

مزاعم بعض المرتابين بإمامة العسكري عليه‌السلام :

أصّر بعض المرتابين بإمامة أبي محمدعليه‌السلام على تبنّي اعتقادهم حتى بعد سماعهم النص عليه ووفاة أبي جعفر في حياة أبيه ، فقالوا بإمامة أبي جعفر المعروف بالسيد محمد بن الإمام الهاديعليه‌السلام وتوقفوا عنده ، واعتقد بعضهم بغيبته وهم المحمدية ، واعتقد آخرون بوفاته وإمامة جعفر بن علي بعده. وهم لم يعتمدوا في ذلك سوى الأراجيف والأباطيل التي كان يبثها ضعاف النفوس والمتربصين بالتشيع ، ولم تكن لديهم في أقوالهم تلك أدنى حجة أو برهان ، ومما يدل على فساد قولهم أمور عديدة ، وهي :

1 ـ عدم وجود النص الذي يثبت مدّعاهم.

2 ـ ثبوت النص على أبي محمدعليه‌السلام وولده الإمام المهديعليه‌السلام ، كما في الأحاديث التي قدمناها ، ومنها ما يصرح بالنص على إمامة الإمام الحسن

__________________

(1) كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 199 / 164.

(2) كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 199 / 165.

١١٦

العسكريعليه‌السلام في حياة أبي جعفر ، والملاحظ أن النص على أبي محمدعليه‌السلام كان في فترات تاريخية تستغرق معظم الاعوام الاثنين والعشرين التي قضاها مع أبيه ، فقد نص عليه بصريا ولمّا يزل صغيراً في المدينة كما مرّ ، ونص عليه بعد وفاة أبي جعفر أي نحو سنة 252 ه‍ ، كما تقدم في جملة من الأحاديث ، ونص عليه قبل وفاته بأربعة أشهر كما في الحديث الأول ، وأخبر بعض أصحابه أن الإمام هو الذي يصلي عليه ، فصلى عليه أبو محمدعليه‌السلام ، ونحو هذا مما تقدم في أحاديث النص عليه بالإمامة.

3 ـ ثبوت موت أبي جعفر في حياة أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام موتاً ظاهراً معروفاً ، وقد ورد خبر موتهرضي‌الله‌عنه متواتراً(1) . ومن هنا قال : شيخ الطائفة : وأما المحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن علي العسكري وأنه حي لم يمت ، فقولهم باطل لما دللنا به على إمامة أخيه الحسن بن علي أبي القائمعليه‌السلام ، وأيضاً فقد مات محمد في حياة أبيهعليه‌السلام موتاً ظاهراً ، كما مات أبوه وجده ، فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورات(2) ، ثم أورد ما يدلّ على وفاته من الحديث.

4 ـ شهادة المخالفين بإمامة أبي محمد العسكريعليه‌السلام وإقرارهم بفضله ، ومنهم المعتمد الذي قصده جعفر الكذاب بعد وفاة أبيهعليه‌السلام ملتمساً دعم السلطة له في دعواه الإمامة ، فقال له المعتمد : « إن منزلة أخيك لم تكن بنا ، إنّما كانت

__________________

(1) راجع علي سبيل المثال : أصول الكافي 1 : 326 ـ 328 الأحاديث رقم 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 12 باب الاشارة والنص علي أبي محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة ، وإكمال الدين : 328 / 8 باب 37 ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 203 / 170 وغيرها كثير.

(2) الغيبة / الشيخ الطوسي : 198 و 200 ، وراجع ص : 83.

١١٧

بالله ، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه ، وكان الله يأبى إلا أن يزيده كلّ يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة ، وحسن السمت ، والعلم والعبادة ، فان كنت عند شيعة أخيك بمنزلته ، فلا حاجة بك إلينا ، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ، ولم يكن فيك ما كان في أخيك ، لم نغن عنك في ذلك شيئاً »(1) .

ومن رجال البلاط عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، الذي كان للإمام العسكريعليه‌السلام مجلس معه ، فتعجب ابنه أحمد بن عبيد الله لمظاهر الحفاوة والإكرام والتبجيل التي حظي بها الإمام عند أبيه عبيد الله فقال له : « يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبيك ؟ فقال عبيد الله ابن خاقان : يا بني ذاك إمام الرافضة ، ذاك الحسن ابن علي المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة ، ثم قال : يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا ، وإن هذا ليستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً.

قال أحمد : فازددت قلقاً وتفكراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال : فلم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره ، فما سألت أحداً من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس ، إلا وجدته عنده في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه ، فعظم قدره

__________________

(1) إكمال الدين : 479 ـ آخر باب 43 ، الخرائج والجرائح 3 : 1109.

١١٨

عندي إذ لم أر له ولياً ولا عدواً إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه »(1) .

5 ـ انقراض هذه الفرقة وكذلك تلك التي تفرّعت عنها ، في وقت متقدم من نشأتها ، وفي هذا دليل على بطلانها ، وفي هذا قال الشيخ المفيد : « فلما توفي [ الإمام أبو الحسنعليه‌السلام ] تفرّقوا بعد ذلك ، فقال الجمهور منهم بامامة أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ونقلوا النص عليه وأثبتوه.

وقال فريق منهم : إن الإمام بعد أبي الحسن ، محمد بن علي أخو أبي محمدعليه‌السلام ، وزعموا أن أباه علياًعليه‌السلام نص عليه في حياته ، وهذا محمد كان قد توفي في حياة أبيه ، فدفعت هذه الفرقة وفاته ، وزعموا أنه لم يمت ، وأنه حيّ ، وهو الإمام المنتظر.

وقال نفر من الجماعة شذوا أيضاً عن الأصل : إن الإمام بعد محمد بن علي ابن محمد بن علي بن موسىعليه‌السلام ، أخوه جعفر بن علي ، وزعموا أن أباه نص عليه بعد مضي محمد ، وأنه القائم بعد أبيه.

فيقال للفرقة الاولى : لم زعمتم أن الإمام بعد أبي الحسنعليه‌السلام ابنه محمد. وما الدليل على ذلك ؟ فإنّ ادّعوا النص طولبوا بلفظه والحجة عليه ، ولن يجدوا لفظاً يتعلقون به في ذلك ، ولا تواتر يعتمدون عليه ، لأنهم في أنفسهم من الشذوذ والقلّة على حدّ ينفي عنهم التواتر القاطع للعذر في العدد ، مع أنّهم قد انقرضوا ولا بقية لهم ، وذلك مبطل أيضاً لما ادّعوه.

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 504 / 1 باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، إكمال الدين : 42 مقدمة المؤلف ، الإرشاد 2 : 322 ، روضة الواعظين : 250 ، إعلام الورى 2 : 147.

١١٩

ويقال لهم في ادعاء حياته ، ما قيل للكيسانية والناووسية والواقفة ، ويعارضون بما ذكرناه ، ولا يجدون فصلاً ، فأما أصحاب جعفر فإنّ أمرهم مبني على إمامة محمد ، وإذا سقط قول هذا الفريق لعدم الدلالة على صحّته وقيامها على إمامة أبي محمدعليه‌السلام ، فقد بان فساد ما ذهبوا إليه »(1) .

موقف الإمام العسكري عليه‌السلام تجاه المدعيات الباطلة

يمكن تلخيص موقف الإمام العسكريعليه‌السلام حيال تلك الشرذمة القليلة التي حاولت عبثاً التشكيك بإمامته ، بأمرين وهما :

الأول : الرسائل والتوقيعات التوجيهية

بعث الإمام العسكريعليه‌السلام عن طريق وكلائه المزيد من الرسائل والوصايا التوجيهية إلى شيعته ومواليه في مختلف ديار الإسلام ، وبعضها مفصلة نسبياً ، وهي تحمل في طياتها الدعوة إلى التمسك بمبادئ الاسلام والعمل بشريعته السامية ، والتعلّق بسبيل الحق المتمثل بولاية أهل البيتعليهم‌السلام ، واعتقاد إمامتهعليه‌السلام (2) . وكان لتلك الرسائل دور فاعل في ازالة شكوك من كان يبحث عن الحجة والبرهان من المرتابين في إمامتهعليه‌السلام ، وحيثما التقوا بالحجة والبرهان في عمق بصيرتهم ، انفتحوا على نتائج الحقيقة ، فزال شكّهم ، والتحقوا بركب التشيع العريض الواسع.

عن أحمد بن إسحاق ، قال : « دخلت على مولانا أبي محمد الحسن بن علي

__________________

(1) الفصول المختارة / السيد المرتضي : 317 ، دار المفيد ـ 414 ه‍.

(2) راجع : تحف العقول : 258 وما بعدها ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 458 ـ 459 بحار الأنوار 78 : 370 باب 29.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209