الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ27%

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: 209

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 209 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93112 / تحميل: 5436
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٦٤-٨٦٢٩-١٠-٢
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق ، ثم أدخلوه سرباً وجصصوا عليه ، فأصبح ميتاً ، وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر(١) .

ما قاله الإمام العسكري بعد هلاك المعتز :

حينما قتل المعتز خرج توقيع من الإمام العسكريعليه‌السلام يؤكد عزم المعتز على قتل الإمامعليه‌السلام قبل أن يُولَد له ، وفي ذلك دلالة واضحة على اعتقاد بني العباس بأن المولود هو صاحب الزمانعليه‌السلام الذي يقصم الجبّارين ويقيم دولة الحق.

عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، قال : « خرج عن أبي محمدعليه‌السلام حين قتل الزبيري :هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه ، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سمّاه محمداً »(٢) .

خامساً ـ المهتدي ( ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ه‍ )

هو محمد بن الواثق بن المعتصم ، بويع بالخلافة في رجب سنة ٢٥٥ ه‍ ، وقد نقل المؤرخون في ترجمته أنه كان من أحسن خلفاء بني العباس مذهباً ، وأجودهم طريقة ، وأكثرهم ورعاً وعبادة وزهادة ، وأنه اطّرح الغناء والشراب ، ومنع أصحاب السلطان من الظلم ، وكان يجلس للمظالم ، ويتقلّل في مأكوله وملبوسه(٣) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٦ : ٢٠٠ ، الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٣ ، البداية والنهاية ١١ : ١٦ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٣.

(٢) أصول الكافي ١ : ٣٢٩ / ٥ ـ باب الاشارة والنص إلى صاحب الدارعليه‌السلام ، إكمال الدين : ٤٣٠ / ٣ ـ باب ٤٢.

(٣) راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٨١ ، الكامل في التاريخ ٦ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ،

٨١

وهو بهذا التصرف استطاع الترفع على سيرة أسلافه العباسيين المعروفين بالترف والاسراف والمجون ومعاقرة الخمور وغيرها من مظاهر الانحراف ، لكن ثمة فرقاً بين السيرة الصالحة التي تكون واعزاً للحق والعدل والانصاف وتمنع صاحبها عن الظلم والجور ، والسيرة التي يفتعلها صاحبها أو يتصنّعها لأجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم على الخلفاء المتقدمين ، وقد صرح بعض المؤرخين بأن المهتدي كان يتشبّه بعمر بن عبد العزيز(١) ، والتشبه غير التطبّع.

ونقل آخر عنه أنه قال لأحد جلسائه حين سأله عما هو فيه من التقشف في الأكل ، فقال : « انّي فكرت في أنه كان في بني اُمية عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلّل والتقشف على ما بلغك ، فغرت على بني هاشم ، فأخذت نفسي بما رأيت »(٢) .

فالتزهّد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة وفطرة سليمة ، وبنوهاشم هنا خصوص بني العباس لا عمومهم ، لأن فيهم من قال فيه تعالي :( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) وفيهم آل البيت المعصومونعليهم‌السلام ، ويبين ذلك الخصوص في تصريحة بقول آخر : « أما تستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز ؟! »(٤) ، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم على العباسيين في مقابل بني

__________________

البداية والنهاية ١١ : ٢٣ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٥ ، الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٦.

(١) الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٦.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨١.

(٣) سورة القلم : ٦٨ / ٤.

(٤) `الكامل في التاريخ ٦ : ٢٢٤.

٨٢

اُمية.

ولو كان المهتدي محمود السيرة لخالف أسلافه في التعامل مع الإمامعليه‌السلام وأصحابه وشيعته ، لكنه انتهج نفس أساليبهم ، وكما يلي :

١ ـ مواقفه من الطالبيين :

تعرض نحو عشرين من العلويين للقتل صبراً أو الأسر أو السجن أو الترشيد خلال فترة حكومة المهتدي التي كانت أقلّ من سنة واحدة ، على ما نقله أبو الفرج وحده.

فقد قتل صبراً في أيام المهتدي محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وطاهر بن أحمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقُتل أيضاً الحسين بن محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وَقَتل أصحاب عبد الله بن عبد العزيز ، يحيى بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد ، قُتل بقرية من قري الري في ولاية عبد الله بن عبد العزيز.

واُسِر محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ، أسره الحارث بن أسد وحمله إلى المدينة فتوفّي بالصفراء ، فقطع الحارث رجيلة وأخذ قيدين كانا فيهما ورمى بهما.

وقتل جعفر بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، قتله سعيد الحاجب بالبصرة.

٨٣

وقتل بالسمّ موسى بن عبد الله بن موسى بن عبيد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب ، وكان رجلاً صالحاً ، راوياً للحديث ، قد روي عنه عمر ابن شبّة ، ومحمد بن الحسن بن مسعود الزرقي ، ويحيى بن الحسن بن جعفر العلوي وغيرهم. وكان سعيد الحاجب حمله وحمل ابنه إدريس وابن أخيه محمد ابن يحيى بن عبد الله بن موسى ، وأبا الطاهر أحمد بن زيد بن الحسين بن عيسىٰ ابن زيد بن علي بن الحسين ، إلى العراق ، فعارضه بنو فزارة بالحاجز ، فأخذوهم من يده فمضوا بهم ، وأبى موسى أن يقبل ذلك منهم ، ورجع مع سعيد الحاجب ، فلما كان بزبالة دسّ إليه سمّاً فقتله(١) وأخذ رأسه وحمله إلى المهتدي في المحرم سنة ٢٥٦ ه‍.

وأُسِرَ عيسىٰ بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر ، أسره عبد الرحمن خليفة أبي الساج بالجار(٢) ، وحمله فمات بالكوفة.

وقُتل محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، قتله عبد الله بن عزيز بين الري وقزوين.

ومات في الحبس علي بن موسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حبسه عيسىٰ بن محمد المخزومي بمكة ، فمات في حبسه. ومات في الحبس أيضاً محمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حمله عبد الله بن عبد العزيز عامل طاهر

__________________

(١) ذكر ذلك المسعودي أيضاً في مروج الذهب ٤ : ٤٢٩ وجعله في زمان المعتز.

(٢) الجار : بلدة على البحر الأحمر.

٨٤

إلى سر من رأى ، وحمل معه علي بن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فحبسا جميعاً حتى ماتا في الحبس.

وكذلك إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، حبسه محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن المنصور عامل المهتدي على المدينة ، فمات في حبسه ، ودفن في البقيع.

وكذلك عبد الله بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن ، حبسه أبو الساج بالمدينة ، فبقي بالحبس إلى ولاية محمد بن أحمد بن المنصور ، ثم توفي في حبسه ، فدفعه إلى أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن داود بن الحسن فدفنه بالبقيع(١) .

ولم تكفّه سيرته الصالحة عن التصدي لشيعة الإمام والنكاية بهم ، بل كان مصداقاً للحقد التقليدي الذي يكنّه أسلافه العباسيون تجاهم ، فقد ذكر السيوطي أنه نفى جعفر بن محمود إلى بغداد ، وكره مكانه ، لأنّه نسب عنده إلى الرفض(٢) .

٢ ـ سيرة المهتدي مع الإمام العسكري عليه‌السلام :

حاول ( المهتدي ) العباسي التضييق على الإمام العسكريعليه‌السلام بشتى الوسائل ، وكان عازماً على قتل الإمامعليه‌السلام ، وهناك جملة من الروايات التي تؤيد ذلك :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٣٥ ـ ٤٣٩.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨١.

٨٥

عن أبي هاشم الجعفري ، قال : « كنت محبوساً مع أبي محمدعليه‌السلام في حبس المهتدي ، فقال لي :يا أبا هاشم ، إن هذا الطاغية أراد أن يعبث بأمر الله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله للمتولي بعده وليس لي ولد ، وسيرزقني الله ولداً بكرمه ولطفه ، فلما أصبحنا شغبت الأتراك على المهتدي وأعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحّح العزم على قتل أبي محمدعليه‌السلام ، فشغله الله بنفسه حتى قُتل ومضى إلى أليم العذاب »(١) .

ويبدو أن تاريخ اعتقال الإمامعليه‌السلام في أول حكم المهتدي ، لأنّهعليه‌السلام ذكر في هذا الحديث أنه ليس له ولد وسيرزقه الله ولداً بكرمه ولطفه ، وقد ولد الحجةعليه‌السلام في النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وتولّى المهتدي في أول رجب سنة ٢٥٥ ه‍.

وتتشابه أجواء هذا الحديث وتاريخه مع حديث عيسىٰ بن صبيح(٢) الذي اعتقل مع الإمامعليه‌السلام قال : « دخل الحسن العسكريعليه‌السلام علينا الحبس ، وكنت به عارفاً إلى أن قال : قلت : ألك ولد ؟ قال :إي والله ، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فاما الآن فلا »(٣) . فلعلّ الجملة المعترضة في حديث أبي هاشم الجعفري المتقدّم « وليس لي ولد » هي جواب للإمامعليه‌السلام عن سؤال

__________________

(١) إثبات الوصية : ٢٥٢ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٣ ، ونحوه في المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٦٣ ، الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٠٥ / ١٧٣ و ٢٢٣ / ١٨٧ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٣ / ٧٩.

(٢) في الفصول المهمة : عيسىٰ بن الفتح.

(٣) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٧ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٧٥ / ٤٨ عن الخرائج والجرائح.

٨٦

عيسى بن صبيح الذي كان معهم في السجن.

وكان قبل ذلك قد تهدّد الإمامعليه‌السلام بالقتل وتوعّد شيعته ، فكتب أحمد بن محمد إلى الإمام العسكريعليه‌السلام حين أخذ المهتدي في قتل الموالي : يا سيدي ، الحمد لله الذي شغله عنّا ، فقد بلغني أنه يتهددك ويقول : والله لأجلينّهم عن جديد الأرض(١) . فوقّععليه‌السلام بخطه :ذلك أقصر لعمره ، عد من يومك هذا خمسة أيام ، ويُقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخاف يمرّ به ، وكان كما قال »عليه‌السلام (٢) .

هلاك المهتدي :

لقد تنكّر المهتدي للاتراك ، وعزم على تقديم الأبناء ، فلمّا علموا بذلك استوحشوا منه وأظهروا الطعن عليه ، فأحضر جماعة منهم فضرب أعناقهم ، فاجتمع الأتراك وشغبوا ، فخرج إليهم المهتدي في السلاح ، واستنفر العامة ، وأباحهم دماء الأتراك وأموالهم ونهب منازلهم ، فتكاثر الأتراك عليه ، وافترقت العامة عنه حتى بقي وحده ، فسار إلى دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة ، فلحقوه وأخذوه وحملوه على بغل وجراحاته تنطف دماً ، فحبسوه في الجوسق عند أحمد بن خاقان ، وقبّل المهتدي يده مراراً عديدة ، فدعوه إلى أن يخلع نفسه فأبى ، فقالوا : إنّه كتب بخطه رقعة لموسى بن بغا وبابكيال وجماعة من القواد أنه لا يغدر بهم ولا يغتالهم ولا يفتك بهم ولا يهمّ بذلك ، وأنه متى فعل ذلك فهم في

__________________

(١) جديد الأرض : وجهها.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥١٠ / ١٦ ، الإرشاد ٢ : ٣٣٣ ، إعلام الورى ٢ : ١٤٤ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٨ / ٥.

٨٧

حلّ من بيعته والأمر إليهم يُقعِدون من شاءوا.

فاستحلوا بذلك نقض أمره ، فداسوا خصييه وصفعوه وقيل : خلعوا أصابع يديه من كفيّه ورجليه من كعبيه حتى ورمت كفاه وقدماه وفعلوا به غير شيء حتى مات في رجب سنة ٢٥٦ ه‍(١) ، فكان تنكّره للأتراك أقصر لعمره ، وكان قتله بعد هوان واستخفاف كما قال الإمامعليه‌السلام .

سادساً ـ المعتمد ( ٢٥٦ ـ ٢٧٩ ه‍ )

وهو أحمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع سنة ٢٥٦ ه‍ ، وكان هو وأخوه الموفق طلحة كالشريكين في الخلافة ، فله الخطبة والسكة والتسميّ بامرة المؤمنين ، ولأخيه طلحة الأمر والنهي وقيادة العساكر ومحاربة الأعداء وترتيب الوزراء والامراء ، وكان المعتمد مشغولاً عن ذلك بلذّاته(٢) .

١ ـ مواقفه من الطالبيين :

لم تخرج سياسة المعتمد عن إطار السياسة العباسية القاضية بمراقبة أهل البيتعليهم‌السلام ومطاردة شيعتهم والقسوة على الطالبيين ، ففي أيام المعتمد قُتل علي بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي ، قُتل بسرّ من رأى على باب جعفر بن المعتمد ولا يدري من قتله ، وكذلك محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي ، ضَرَب عبد العزيز ابن أبي دلف عنقه صبراً بآبة ، وهي قرية بين قم وساوة.

وقُتل حمزة بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله

__________________

(١) راجع : تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٦ ، الكامل في التارخ ٦ : ٢٢١ ـ ٢٢٣.

(٢) الفخري في الآداب السلطانية : ٢٥٠.

٨٨

ابن جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام ، قتله صلاب التركي صبراً ومثّل به.

وقتل في أيام المعتمد أيضاً إبراهيم ومحمد ابنا الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، والحسن بن محمد بن زيد بن عيسىٰ بن زيد الحسين ، وإسماعيل بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وتوفّي في السجن بسرّ من رأى محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن ابن القاسم بن الحسن بن زيد الأكبر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وتوفي أيضاً في السجن بسرّ من رأى موسى بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان حمل من مصر في أيام المعتز فبقي إلى هذا الوقت ثم مات ، وحمل سعيد الحاجب محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي ، وحمل ابنيه أحمد وعلياً ، فتوفي محمد وابنه أحمد في الحبس.

وحُبس الحسين بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي ، حبسه يعقوب بن الليث الصفار لما غلب على نيسابور ، ثمّ حمله معه حين خرج إلى طبرستان ، وتوفي في الطريقرضي‌الله‌عنه .

وتوفي في حبس يعقوب بنيسابور محمد بن عبد الله بن زيد بن عبيد الله بن زيد بن عبد الله بن الحسن بن زيد بن الحسن(١) .

وفي سنة ٢٥٨ ه‍ اخرج أحمد بن طولون الطالبيين من مصر إلى المدينة ، ووجه معهم من ينفذهم ، وكان خروجهم في جمادي الآخرة ، وتخلف بعضهم حيث أراد أن يتوجه إلى المغرب ، فأخذه أحمد بن طولون وضربه مائة وخمسين

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٤٠ ـ ٤٤٣.

٨٩

سوطاً وأطافه بالفسطاط(١) .

٢ ـ موقفه من الإمام العسكري عليه‌السلام :

وفي زمان المعتمد اعتقل الإمام العسكريعليه‌السلام عدّة مرات ، فقد روي أنه سُلّم إلى نحرير ، وكان يضيق عليه ويؤذيه ، فقالت له امرأته : ويلك اتقي الله ، لا تدري من في منزلك ! وعرّفته صلاحه ، وقالت : إنّي أخاف عليك منه. فقال : لأرمينّه بين السباع ، ثم فعل ذلك به ، فرئيعليه‌السلام قائماً يصلي والسباع حوله(٢) .

وحُبس عند علي بن جرين سنة ٢٦٠ ه‍ ، وروي « أنه لما كان في صفر من هذه السنة جعلت اُم أبي محمدعليه‌السلام تخرج في الأحايين إلى خارج المدينة وتجسّ الأخبار ، حتى ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين ، وحبس أخاه جعفراً معه ، وكان المعتمد يسأل علياً عن أخباره في كلّ مكان ووقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل ، فسأله يوماً من الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك ، فقال له : أمضِ الساعة إليه وأقرئه مني السلام ، وقل له : انصرف إلى منزلك » إلى آخر الرواية وفيها أنهعليه‌السلام أبى أن يخرج من السجن حتى أخرجوا أخاه معه(٣) ، رغم أن جعفراً كان يسيء إليه ويتربّص به.

وروى ابن حجر الهيتمي وغيره أنهعليه‌السلام أخرج بسبب حادثة الاستسقاء ، قال : « لمّا حبسعليه‌السلام قحط الناس بسرّ من رأى قحطاً شديداً ، فأمر المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا ، فخرج النصاري ومعهم

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥١٠.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥١٣ / ٢٦ ـ باب مولد أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام من كتاب الحجة ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٩ / ٧.

(٣) إثبات الوصية : ٢٥٣ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٣ ـ ٣١٤ و ٣٣٠ / ٢.

٩٠

راهب كلما مدّ يده إلى السماء هطلت ، ثمّ في اليوم الثاني كذلك ، فشكّ بعض الجهلة وارتدّ بعضهم ، فشقّ ذلك على المعتمد ، فأمر بإحضار الحسن الخالصعليه‌السلام وقال له : أدرك اُمّة جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يهلكوا. فقال الحسن :يخرجون غداً وأنا أزيل الشكّ إن شاء الله ، وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم.

فلمّا خرج الناس للاستسقاء ، ورفع الراهب يده مع النصاري غيّمت السماء ، فأمر الحسنعليه‌السلام بالقبض على يده ، فإذا فيها عظم آدمي ، فأخذه من يده وقال :استسق ، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك ، فقال المعتمد للحسنعليه‌السلام : ما هذا يا ابا محمد ؟ فقال :هذا عظم نبي ، ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف من عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال ، وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسنعليه‌السلام إلى داره »(١) .

وهكذا كان ديدن الحكام العباسيين مع أهل البيتعليهم‌السلام حينما تضيق بهم السبل وتوصد أمامهم الأبواب ، يضطرون إلى اللجوء نحو معدن العلم وثاني الثقلين وباب حطّة وسفينة نوح ، يلتمسون النجاة مما يهدّد عروشهم ويبدّد عرى دولتهم.

لقد شدّد المعتمد على حصار الإمامعليه‌السلام واعتقاله ، لأنه يعلم أنه الإمام

__________________

(١) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي : ١٢٤ ـ مكتبة القاهرة ـ مصر ـ ١٣٨٥ ه‍ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٥ ـ ١٠٨٧ ، نور الأبصار : ٣٣٧ ، وأخرجه في إحقاق الحق ١٢ : ٤٦٤ و ١٩ : ٦٢٠ و ٦٢٥ و ٢٩ : ٦٤ عن عدة مصادر ، وراجع : الخرائج والجرائح ١ : ٤٤١ / ٢٣ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٥٨ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٧٠ / ٣٧.

٩١

الحادي عشر ، وأن ما بعده هو آخر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام الذي يقضي على دعائم الظلم والجور ، ويطيح بدولة الظالمين ، وينشر العدل والقسط ، لهذا أراد أن يطفئ النور الثاني عشر ، ولكن الله أبي إلا أن يتمّ نوره.

روى الصيمري بالاسناد عن المحمودي ، قال : « رأيت بخطّ أبي محمدعليه‌السلام لما خرج من حبس المعتمد( يُرِيدُون لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ ) »(١) .

وذكر نصر بن علي الجهضمي في ( مواليد الأئمةعليهم‌السلام ) أن الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام قال عند ولادة محمد بن الحسنعليه‌السلام :« زعمت الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف رأوا قدرة القادر ؟ » (٢) .

وانتهت قصة صراع الإمام العسكريعليه‌السلام مع خلفاء بني العباس بشهادته مسموماً في الثامن من ربيع الأول سنة ٢٦٠ ه‍ ، على المشهور من الأقوال في وفاته(٣) ، وهو في الثامنة والعشرين أو التاسعة والعشرين من عمره الشريف ، ليبدأ بعد هذا التاريخ فصلاً جديداً من المأساة الكبري على يد المعتمد وجهازه الحاكم لم تزل آثاره باقية ولن تزول إلى أن يأذن الله بفرج وليه القائم المؤمّل والعدل المنتظرعليه‌السلام ليملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

* * *

__________________

(١) مهج الدعوات : ٣٣٤ ، إثبات الوصية : ٢٥٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٤ ، والآية من سورة الصف : ٦١ / ٨.

(٢) مهج الدعوات : ٣٣٤.

(٣) سنأتي على ذكر الأقوال في الفصل الأخير من هذا كتاب.

٩٢

الفصل الثّالث

الهوية الشخصية للإمام العسكري عليه‌السلام

نسبه عليه‌السلام

هو أبو محمد الحسن العسكري بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد باقر العلم بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط الشهيد بن علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله عليهم أجمعين.

نَسَبٌ عليه من شَمْسِ الضُّحىٰ

نورٌ ، ومِنَ فَلَقِ الصَّباحِ عمودُ

اُمّه رضي الله تعالى عنها :

أمّ ولد ، يقال لها سوسن ، وتكنى أمّ الحسن ، وتعرف بالجدّة ، أي جدّة الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام ، ولها أسماء اُخرى ، فيقال لها : حُديث ، وحُديثة ، وسليل ، وسمانة ، وشكل النوبية وغيرها(١) .

__________________

(١) راجع : أصول الكافي ١ : ٥٠٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، التهذيب / الشيخ الطوسي ٦ : ٩٢ ـ باب ٤٢ من كتاب المزار ، الإرشاد ٢ : ٣١٣ ، إكمال الدين : ٣٠٧ آخر باب ٢٧ خبر اللوح ، إثبات الوصية : ٢٤٤ ، دلائل الإمامة : ٤٢٤ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، روضة

٩٣

ورجّح صاحب عيون المعجزات أن اسمها سليل ، حيث قال : « اسم اُمّهعليه‌السلام ـ على ما رواه أصحاب الحديث ـ سليل ( رضي الله عنها ) وقيل : حديث ، والصحيح سليل ، وكانت من العارفات الصالحات »(١) .

ولعلّ ذلك مبني على الحديث الوارد عن المعصوم ، وهو يشيد بفضلها وعفتها وصلاحها ، رواه المسعودي عن العالمعليه‌السلام أنه قال :« لمّا اُدخلت سليل اُمّ أبي محمد على أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سليل مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس » (٢) .

وبعثها الإمام العسكريعليه‌السلام إلى الحج سنة ٢٥٩ ه‍ ، وأخبرها عما يناله سنة٦٠ ، فأظهرت الجزع وبكت ، فقالعليه‌السلام :« لابد من وقوع أمر الله فلا تجزعي » وفي صفر سنة ٢٦٠ ه‍ كانت في المدينة ، فجعلت تخرج إلى خارجها تتجسّس الأخبار وقد أخذها الحزن والقلق(٣) .

وحينما اتصل بها خبر شهادة الإمامعليه‌السلام عادت إلى سامراء ، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إياها بالميراث ، وسعايته

__________________

الواعظين : ٢٥١ ، تاريخ مواليد الأئمةعليهم‌السلام / ابن الخشاب : ١٩٩ ـ مطبوع ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٠ ، تذكرة الخواص : ٣٢٤ ، كشف الغمة ٣ : ٢٧١ ، إعلام الورى ٢ : ١٣١ ، تاج المواليد : ١٣٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٥ / ٢ ، ٢٣٦ / ٥ و ٧ ، ٢٣٨ / ١١.

(١) بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨ / ١١.

(٢) إثبات الوصية : ٢٤٤.

(٣) راجع : إثبات الوصية : ٢٥٣ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٣ ، ٣٣٠ / ٢.

٩٤

بها إلى سلطان ، وكشف ما أمر الله عزوجل ستره(١) .

وتوفيت في سامراء وكانت قد أوصت أن تدفن في الدار إلى جنب ولدها الإمام العسكريعليه‌السلام ، فنازعهم جعفر وقال : الدار داري لا تدفن فيها(٢) .

ولادته : عليه‌السلام

ولد الإمام العسكريعليه‌السلام يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الآخر سنة ٢٣٢ ه‍ في مدينة جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو القول المشهور في ولادتهعليه‌السلام (٣) .

ويؤيد ما رواه الطبري الإمامي بالاسناد عن الإمام العسكريعليه‌السلام ، أنه قال :« كان مولدي في ربيع الآخر سنة ٢٣٢ من الهجرة » (٤) .

ووقع اختلاف في تاريخ الولادة ومكانها ، فقيل : سنة ٢٣٠ ه‍ ، أو ٢٣١ ، أو ٢٣٣ ، وقيل : في شهر رمضان من سنة ٢٣٢ ه‍ ، وقيل : يوم الاثنين الرابع من

__________________

(١) إكمال الدين : ٤٧٤ / ٢٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٣١ / ٣.

(٢) إكمال الدين : ٤٤٢ / ١٥.

(٣) إعلام الورى ٢ : ١٣١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٧٩ ، نور الأبصار : ٣٣٨ ، روضة الواعظين / ابن الفتال : ٢٥١ ـ منشورات الرضي ـ قم ، وذكرت سنة الولادة مع الشهر في المصادر التالية : اُصول الكافي ١ : ٥٠٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، والارشاد ٢ : ٣١٣ ، والتهذيب للشيخ الطوسي ٦ : ٩٢ ـ باب ٤٢ من كتاب المزار ـ دار الكتب الاسلامية ـ طهران ، واقتصر كثيرون على ذكر السنة ، ومنهم ابن الأثير في الكامل ٦ : ٢٥٠ ـ آخر حوادث سنة ٢٦٠ ه‍ ، وابن خلكان في الوفيات ٢ : ٩٤ ـ منشورات الرضي ـ قم ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ١٢٤ ، والسويدي في سبائك الذهب : ٣٤٢ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(٤) دلائل الإمامة : ٤٢٣ / ٣٨٤.

٩٥

شهر ربيع الآخر ، أو السادس ، أو العاشر ، من سنة ٢٣٢ ه‍ ، وقيل : في السادس من شهر ربيع الأول ، أو الثامن منه(١) .

وذكر الشيخ الحرّ العاملي أهمّ هذه الأقوال في بيتين من منظومته ، أشار فيهما إلى المشهور من الأقوال ، يقول :

مولده شهـر ربيع الآخر

وذاك في اليوم الشريف العاشر

في يوم الاثنين وقيل الرابعُ

وقيل في الثامـن وهو الشائعُ(٢)

هذا من حيث تاريخ الولادة ، أما من حيث مكانها فقد ذكر بعضهم أنه ولدعليه‌السلام في سامراء سنة ٢٣١ ه‍(٣) ، أو في ربيع الآخر سنة ٢٣٢(٤) ، وهذا لا يصح لأنّ الثابت في التاريخ أنّ المتوكل هو الذي استدعى الإمام أبا الحسن الهاديعليه‌السلام إلى سامراء ، وقد تولّى المتوكل ملك بني العباس في ذي الحجة سنة

__________________

(١) راجع : أصول الكافي ١ : ٥٠٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، دلائل الإمامة : ٤٢٣ ، الهداية الكبري / الخصيبي : ٣٢٧ ـ مؤسسة البلاغ ـ بيروت ـ ١٤٠٦ ه‍ ، روضة الواعضين : ٢٥١ ، الأئمة الاثنا عشر لابن طولون : ١١٣ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ـ طبعة اسماعيليان ـ قم ، المنتظم / ابن الجوزي ١٢ : ١٥٨ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، تذكرة الخواص : ٣٢٤ ، تاريخ أهل البيت لكبار المحدثين والمؤرخين : ٨٧ ـ مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام ـ ١٤١٠ ه‍ ، الانساب / للسمعاني ٤ : ١٩٤ ـ دار الجنان ـ بيروت ، احقاق الحق / للتستري بشرح السيد المرعشي ٢٩ : ٥٩ عن تاريخ الأحمدي ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٦ ـ ٢٣٨.

(٢) الأنوار البهية / الشيخ عباس القمي : ٢٥٠ ـ نشر الشريف الرضي ـ قم.

(٣) تذكرة الخواص : ٣٢٤.

(٤) روضة الواعظين : ٢٥١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٦ / ٥.

٩٦

٢٣٢ ه‍ ، فكيف تكون ولادة الإمام العسكريعليه‌السلام في سامراء سنة ٢٣١ ه‍ أو في ربيع الآخر سنة ٢٣٢ ه‍ ، وكلا التاريخين في زمان الواثق ، وهوعليه‌السلام لمّا يزل في المدينة.

ويعارض هذا أيضاً ما قدّمناه في الفصل الثاني من أنهعليه‌السلام غادر المدينة مع أبيهعليه‌السلام سنة ٢٣٦ ه‍ على رواية المسعودي ، أو سنة ٢٣٣ ه‍ على رواية الطبري ، أو سنة ٢٤٣ ه‍ على رواية الشيخ المفيد ، أو سنة ٢٣٤ ه‍ على ما حققه بعض الباحثين.

ولدينا بعض الأحاديث الصريحة بولادته في المدينة منها حديث أبي حمزة نصير الخادم(١) ، وحديث أحمد بن عيسىٰ العلوي الذي يصرح برؤيته بصريا وهي قرية على ثلاثة أميال من المدينة(٢) ، كما نصّ المؤرخون والمحدثون الذين قدمنا ذكرهم في ولادته على أنهعليه‌السلام ولد في المدينة ومنهم : الشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، وابن الفتال ، وابن الصباغ ، والشبلنجي ، والكنجي ، والسويدي وغيرهم(٣) ، وقال ياقوت : « ولد بالمدينة ونقل إلى سامراء »(٤) .

ألقابه : عليه‌السلام

أشهر ألقاب الإمام أبي محمدعليه‌السلام هو العسكري ، وقد اُطلق عليه وعلى

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٥٠٩ / ١١ ـ باب ميلاد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٣١ ، إثبات الوصية : ٢٥١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٣٦ / ٨١٤ ، إعلام الورى ١ : ١٤٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٦٨ / ٢٨.

(٢) الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٩٩ / ١٦٥.

(٣) راجع : إحقاق الحق ١٢ : ٤٥٨ ، ١٩ : ٦١٩ ، ٢٩ : ٥٩ عن عدة مصادر.

(٤) معجم البلدان ـ المجلد الثالث : ٣٢٨ ـ عسكر سامراء.

٩٧

أبيهعليه‌السلام ، لأنهما سكنا عسكر المعتصم الذي بناه لجيشه ، وهو اسم سرّ من رأى(١) .

وقيل : هو اسم محلّة في سامراء ، قال الشيخ الصدوق : سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون : إنّ المحلّة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن ابن عليعليه‌السلام بسرّ من رأى كانت تسمّى عسكر ، فلذلك قيل لكلّ واحدٍ منهما العسكري(٢) .

وكان هو وأبوه وجدهعليه‌السلام يعرف كلّ منهم في زمانه بابن الرضا(٣) .

وهناك ألقاب اُخرى تطلق على الإمام العسكريعليه‌السلام وفي كلّ منها دلالة علي كمال من كمالاته أو مظهر من مظاهر شخصيته ، منها : الخالص ، الشافي ، الزكي ، المرضي ، الصامت ، الهادي ، الرفيق ، النقي ، المضيء ، المهتدي ، السراج ، وغيرها(٤) من الألقاب التي تحكي مكارم أخلاقه وخصائصه السامية وصفاته الزكية.

__________________

(١) راجع : الانساب / للسمعاني ٤ : ١٩٤ ـ ١٩٦ ، معجم البلدان ـ المجلد الثالث : ٣٢٨ ، القاموس المحيط / الفيروز آبادي ـ عسكر ـ ٢ : ٩٢ ـ دار الجيل ـ بيروت ، الأئمة الاثنا عشر / لابن طولون : ١١٣.

(٢) علل الشرائع / الصدوق ١ : ٢٣٠ ـ باب ١٧٦ ، معاني الأخبار / الصدوق : ٦٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ١١٣ / ١ و ٢٣٥ / ١.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٠ ، إعلام الورى ٢ : ١٣١.

(٤) دلائل الإمامة : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، إعلام الورى ٢ : ١٣١ ، مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٠ ، إكمال الدين : ٣٠٧ باب ٢٧ ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : ١٤٢ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨.

٩٨

كنيته عليه‌السلام :

اشتهر الإمام العسكريعليه‌السلام بكنية واحدة عرف بها عند سائر المؤرخين والمحدثين ، هي أبو محمد ، وذكر الطبري الامامي أنهعليه‌السلام يكني أيضاً أبا الحسن(١) ولم أجده في غيره ، بل هي كنية أبيهعليه‌السلام .

حليته عليه‌السلام :

وصفه أحد معاصريه من رجال البلاط العباسي ، وهو أحمد بن عبيد الله بن خاقان(٢) بقوله : « انه أسمر أعين ـ أي واسع العين ـ حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، له جلالة وهيئة حسنة »(٣) .

وقال ابن الصباغ : « صفته بين السمرة والبياض »(٤) .

وجاء في صفة لباسه : « أنه كان يلبس ثياباً بيضاء ناعمة ، ويلبس مسحاً أسود خشناً على جلده ، ويقول :هذا لله ، وهذا لكم »(٥) .

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٤٢٤.

(٢) ترجم له النجاشي في رجاله : ٨٧ / ٢١٣ وقال : ذكره أصحابنا في المصنفين ، وأن له كتاباً يصف فيه سيدنا أبا محمدعليه‌السلام ، ولم أر هذا الكتاب ، وقال الشيخ الطوسي : له مجلس يصف فيه أبا محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ، أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، الفهرست : ٨١ / ١٠٢ ـ مكتبة المحقق الطباطبايي ـ قم ـ ١٤٢٠ ه‍.

(٣) أصول الكافي ١ : ٥٠٣ / ١ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٢١ ، إكمال الدين ١ : ٤٠ مقدمة المصنف ، إعلام الورى ٢ : ١٤٧ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٩٠١.

(٤) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨١ ، نور الأبصار : ٣٣٨.

(٥) الغيبة / للشيخ الطوسي : ٢٤٧ / ٢١٦.

٩٩

نقش خاتمه عليه‌السلام :

كان نقش خاتمه :سبحان من له مقاليد السماوات والأرض (١) . وقيل : أنا لله شهيد(٢) . وفي نسخة من البحار : إنّ الله شهيد(٣) .

وقال الطبري الإمامي : « كان له خاتم فصّه : الله وليي »(٤) .

بوابه عليه‌السلام :

المشهور أنّ بوابه هو وكيلة الثقة الجليل ، العظيم الشأن عثمان بن سعيد العمريرضي‌الله‌عنه . وقيل : ابنه محمد بن عثمان. وقال ابن شهر آشوب : الحسين بن روح النوبختي ، وقيل : محمد بن نصير ، ورجّح الطبري صحّة الأول(٥) .

شاعره عليه‌السلام :

قيل : هو أبو الحسن علي بن العباس ، المعروف بابن الرومي ( ٢٢١ ـ ٢٨٣ ه‍ )(٦) ولم أجد قصيدة لابن الرومي في الإمامعليه‌السلام ، نعم توجد له قصيدة رائعة في مدح أبي الحسين يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن عليعليه‌السلام ،

__________________

(١) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨١ ، نور الأبصار : ٣٣٨ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨ / ٩.

(٢) مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : ١٤٢.

(٣) بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨ / ١٢.

(٤) دلائل الإمامة : ٤٢٥.

(٥) راجع : تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج : ٣٣ ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ـ ضمن مجموعة نفيسة ، مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، دلائل الإمامة : ٤٢٥ ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : ١٤٣.

(٦) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨١ ، نور الأبصار : ٣٣٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الفصل الرّابع

إمامته عليه السلام

قال الشيخ المفيد: كان الامام بعد أبي جعفر عليه‌السلام ابنه أبا الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام ، لاجتماع خصال الامامة فيه، وتكامل فضله، وأنه لا وارث لمقام أبيه سواه، وثبوت النص عليه بالامامة، والاشارة إليه من أبيه بالخلافة (1) .

وقال المسعودي: لما حضرت الامام الجواد عليه‌السلام الوفاة نص على أبي الحسن وأوصى إليه، وكان سلم المواريث والسلاح إليه بالمدينة، ومضى في سنة عشرين ومئتين من الهجرة في يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة (2) .

وفيما يلي نذكر أهم الأدلة الواردة في إمامته عليه‌السلام وكما يلي:

أولاً - نص آبائه عليه عليه‌السلام :

وردت المزيد من النصوص عن النبي والآل المعصومين عليهم‌السلام تصرح بتعيين أوصياء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفائه من عترته واحدا بعد واحد باسمائهم وأوصافهم، بشكل يجلو العمى عن البصائر وينفي الشك عن القلوب، وسنذكر هنا ثلاثة أحاديث عن آبائه المعصومين عليهم‌السلام كنموذج على تلك النصوص، ونحيل القارئ

__________________

(1) الإرشاد 2: 297.

(2) اثبات الوصية: 192.

١٤١

إلى مظانّ بقيتها (1) .

1 - عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبداللّه الأنصاري يقول: قال لي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا جابر، إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أوّلهم عليّ، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد ابن علي المعروف بالباقر، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، محمد بن الحسن بن علي... » (2) .

2 - وروى ابن شاذان بالاسناد عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن سلامة عن أبي سلمى راعي أبل رسول اللّه، قال: سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: « ليلة أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ وعلا: « آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربّه ». قلت: والمؤمنون؟ قال: صدقت يا محمد، من خلفت في أمتك؟ قلت: خيرها. قال: علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا رب. قال: يا محمد، إنّي اطّلعت إلى الأرض اطلاّعة فاخترتك منها، فشققت لك اسما من أسمائي، فلا اذكر في موضع إلاّ ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليّا، وشققت له اسما من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي.

__________________

(1) راجع: اُصول الكافي 1: 286 - 292 - باب ما نص اللّه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأئمّة عليهم‌السلام واحدا فواحدا، إكمال الدين: 250 - 378 - الأبواب 23 - 36، بحار الأنوار 36: 192 - 418 - باب 40 - 48.

(2) ينابيع المودة 3: 398 الباب 94، كشف الغمة / الإربلي 3: 314.

١٤٢

يا محمد، اني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم.

يا محمد، أتحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم يارب. فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي، في ضحضاح من نور قياما يصلّون وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنّه كوكب دري.

قال: يا محمد، هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي انه الحجة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي » (1) .

3 - عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: « سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى عليه‌السلام قصيدتي التي أولها:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم اللّه والبركات

يميز فينا كل حقّ وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

__________________

(1) مقتل الحسين / الخوارزمي 1: 95 - 96، فرائد السمطين 2: 319 / 571.

١٤٣

بكى الرضا عليه‌السلام بكاءً شديدا، ثم رفع رأسه إليّ فقال لي: يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام، ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد، ويملأها عدلاً كما ملئت جورا.

فقال: يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره... » (1) .

ثانيا - نص أبيه عليه عليه‌السلام :

فيما يلي نعرض أهم النصوص الواردة عن أبيه عليه‌السلام في النص عليه والإشارة إليه بالإمامة من بعده.

1 - عن إسماعيل بن مهران، قال « لما خرج أبو جعفر عليه‌السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الاولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك، إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ فكر بوجهه إلى ضاحكاً وقال: ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة. فلما اخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم التفت إلي فقال: عند هذه يخاف علي، الأمر من بعدي إلى ابني علي » (2) .

__________________

(1) إكمال الدين: 372 / 6 باب 35، عيون أخبار الرضا 2: 296 / 35 الباب 66، ينابيع المودة 3: 348 الباب 86، فرائد السمطين 2: 337 / 591.

(2) اُصول الكافي 1: 323 / 1 باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، الارشاد 2: 298.

١٤٤

2 - وعن الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه، أنه قال: « كان يلزم باب أبي جعفر عليه‌السلام للخدمة التي كان وكل بها، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيئ في السحر في كل ليلة، ليعرف خبر علّة أبي جعفر عليه‌السلام ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر عليه‌السلام وبين أبي إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي، فخرج ذات ليله وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول لأبي: إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني ماضٍ والأمر صائر إلى ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي.

ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه، وقال لأبي: ما الذي قد قال لك؟ قال: خيراً. قال: قد سمعت ما قال، فلم تكتمه؟ وأعاد ما سمع فقال له أبي: قد حرم الله عليك ما فعلت، لأنّ الله تعالى يقول: ( وَلَا تَجَسَّسُوا ) (1) فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوماً ما، وإياك أن تظهرها إلى وقتها.

فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع، وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة، وقال: إن حدث بي حدث الموت قبل أن اطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.

فلما مضى أبو جعفر عليه‌السلام ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتى قطع على يديه نحو من أربعمائة إنسان، واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده، وأنه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه، ويسأله أن يأتيه، فركب أبي وصار إليه، فوجد القوم مجتمعين عنده، فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الأمر؟ فقال أبي لمن عنده الرقاع:

__________________

(1) سورة الحجرات 49: 12.

١٤٥

احضروا الرقاع، فأحضروها، فقال لهم: هذا ما أُمرت به.

فقال بعضهم: قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر؟ فقال لهم: قد آتاكم الله عزوجل به، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة، وسأله أن يشهد بما عنده، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئاً، فدعاه أبي إلى المباهلة، فقال لما حقق عليه: قد سمعت ذلك، وهذه مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم، فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحق جميعاً » (1) .

3 - وعن محمد بن الحسين الواسطي: أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر يحكي أنه أشهده على هذه الوصية المنسوخة: « شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام أشهده أنه أوصى إلى علي ابنه بنفسه وأخواته، وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه، وجعل عبد الله بن المساور قائماً على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك إلى أن يبلغ علي بن محمد (2)، صير عبد الله بن المساور ذلك اليوم إليه، يقوم بأمر نفسه واخوانه،

__________________

(1) اُصول الكافي 1: 323 / 2 باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، الارشاد 2: 300.

(2) في بيان للعلامة المجلسي قال: لعله للتقية من المخالفين الجاهلين بقدر الامام عليه‌السلام ومنزلته وكماله في صغره وكبره، اعتبر بلوغه في كونه وصياً، وفوض الأمر ظاهراً قبل بلوغه إلى عبد الله، لئلا يكون لقضاتهم مدخلاً في ذلك، فقوله عليه‌السلام : (إذا بلغ) يعني أبا الحسن عليه‌السلام . وقوله عليه‌السلام : (صير) أي بعد بلوغ الامام عليه‌السلام صيره عبد الله مستقلاً في امور نفسه ووكل امور أخواته إليه عليه‌السلام . قوله: (ويصيّر) بتشديد الياء، أي عبد الله أو الامام عليه‌السلام (أمر موسى إليه) أي إلى موسى (بعدهما) أي بعد فوت

١٤٦

ويصير أمر موسى إليه، يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها، وذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين.

وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه، وشهد الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام - وهو الجواني - على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب، وكتب شهادته بيده، وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده » (1) .

4 - وعن الصقر ابن أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما‌السلام يقول: « إن الامام بعدي إبني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الامام بعد الحسن؟ فبكى عليه‌السلام بكاءً شديداً، ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر. فقلت له: يا ابن رسول الله، لم سمي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلت له: ولم سمي المنتظر؟ قال: لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها

__________________

عبد الله والامام عليه‌السلام ، ويحتمل التخفيف أيضاً. وقوله: (على شرط أبيهما) متعلق بيقوم في الموضعين. بحار الأنوار 50: 123.

(1) أصول الكافي 1: 325 / 3 باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام .

١٤٧

المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون » (1) .

5 - وعن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه: « أن أبا جعفر عليه‌السلام لما أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها، أجلس أبا الحسن عليه‌السلام في حجره بعد النص عليه، وقال له: ما الذي تحب أن أهدي إليك من طرائف العراق؟ فقال عليه‌السلام : سيفاً كأنه شعلة نار. ثم التفت إلى موسى ابنه وقال له: ما تحب أنت؟ فقال: فرساً. فقال عليه‌السلام : أشبهني أبو الحسن، وأشبه هذا أمه » (2) .

6 - وعن أحمد بن هلال، عن أمية بن علي القيسي، قال: « قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : من الخلف من بعدك؟ قال: ابني علي » (3) .

وعنه، قال: « أخبرني محمد بن إسماعيل بن بزيع أنه حضر أمية بن علي وهو يسأل أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن ذلك، فأجاب بمثل ذلك الجواب » (4) .

ثالثاً - اجماع الامامية:

نقل الاجماع على امامة أبي الحسن الهادي عليه‌السلام جملة من أعلام الامامية المعروفين ومنهم:

1 - قال الشيخ المفيد بعد ايراده النص على أبي الحسن عليه‌السلام من أبيه: والأخبار في هذه الباب كثيرة جداً، إن عملنا على إثباتها طال بها الكتاب، وفي إجماع العصابة على إمامة أبي الحسن عليه‌السلام وعدم من يدعيها سواه في وقته ممن

__________________

(1) إكمال الدين: 378 / 3 باب 36.

(2) عيون المعجزات: 119، بحار الأنوار 50: 123 / 5.

(3) كفاية الأثر: 280.

(4) كفاية الأثر: 280.

١٤٨

يلتبس الأمر فيه، غنىً عن إيراد الأخبار بالنصوص على التفصيل (1) .

وقال في موضع آخر: ثم ثبتت الامامية القائلون بإمامة أبي جعفر عليه‌السلام بأسرها على القول بامامة أبي الحسن علي بن محمد من بعد أبيه عليهما‌السلام ونقل النص عليه إلا فرقة قليلة العدد شذوا عن جماعتهم، فقالوا بإمامة موسى بن محمد أخي أبي الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام ، ثم إنهم لم يثبتوا على هذا القول إلا قليلاً حتى رجعوا إلى الحق ودانوا بإمامة علي بن محمد عليهما‌السلام ورفضوا القول بإمامة موسى بن محمد، وأقاموا جميعاً على إمامة أبي الحسن عليه‌السلام (2) .

2 - وقال ابن شهرآشوب: رواة النص على إمامة أبي الحسن علي بن محمد النقي عليه‌السلام جماعة منهم: إسماعيل بن مهران، وأبو جعفر الأشعري، والخيراني، والدليل على إمامته إجماع الامامية على ذلك وطريق النصوص والعصمة، والطريقان المختلفان من العامة والخاصة من نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمامة الاثني عشر، وطريق الشيعة النصوص على إمامته عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام (3) .

رابعاً - شواهد اخرى:

وهناك شهادات نوردها وان كنا في غنى عنها، لكون أغلبها وارد عن مخالفي مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكننا نعتقد أنها تؤكد شهرة النص حتى عند المخالفين، سيما وأنها توكد امامته عليه‌السلام وكونه أحد الأئمة أو عاشرهم. وفيما يلي نذكر بعضها.

1 - قال الذهبي: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن

__________________

(1) الارشاد 2: 300.

(2) الفصول المختارة: 317.

(3) المناقب / ابن شهرآشوب 4: 402.

١٤٩

زين العابدين، السيد الشريف، أبو الحسن العلوي الحسيني الفقيه، أحد الاثني عشر، وتلقبه الامامية الهادي (1) .

2 - وقال ابن حجر الهيتمي: علي العسكري، سمي بذلك لأنه لما وجه المتوكل لاشخاصه من المدينة المنورة إلى سر من رأى، أسكنه بها، وكانت تسمى العسكر، فعرف بالعسكري، وكان وارث أبيه علماً وسخاء... (2) .

3 - ويقول ابن العماد الحنبلي: أبو الحسن علي بن الجواد محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق العلوي الحسيني المعروف بالهادي، كان فقيهاً إماماً متعبداً، وهو أحد الأئمّة الاثني عشر (3) .

4 - وقال اليافعي: أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، عاش أربعين سنة، وكان متعبداً فقيهاً إماماً (4) .

5 - وقال الخطيب البغدادي: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن الهاشمي، أشخصه جعفر المتوكل على الله من مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بغداد ثم إلى سر من رأى، فقدمها وأقام بها عشرين سنة وتسعة اشهر إلى ان توفي ودفن بها في أيام المعتز بالله، وهو أحد من يعتقد الشيعة والامامية فيه (5)، ويعرف بأبي الحسن العسكري (6) .

__________________

(1) تاريخ الاسلام / الذهبي: 218 وفيات سنة 251 - 260.

(2) الصواعق المحرقة: 207.

(3) شذرات الذهب 2: 128.

(4) مرآة الجنان 2: 119.

(5) الظاهر: الامامة فيه، بلا حرف العطف.

(6) تاريخ بغداد 12: 56 / 6440.

١٥٠

6 - وقال السمعاني: أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالعسكري، من عسكر سر من رأى، أشخصه جعفر المتوكل على الله من مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بغداد، ثم إلى سر من رأى، فقدمها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر، إلى أن توفي بها في أيام المعتز بالله، وهو أحد من يعتقد الشيعة فيه الامامية (1)، ويعرف بأبي الحسن العسكري (2) .

7 - وقال خير الدين الزركلي: أبو الحسن العسكري، علي الملقب بالهادي ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الحسيني الطالبي، عاشر الأئمّة الاثني عشر عند الامامية، وأحد الأتقياء الصلحاء (3) .

8 - وأذعن أبو عبد الله الجنيدي بأن الامام الهادي عليه‌السلام أعلم منه، وأنه تعلم منه ضروباً من العلم، وأنه خير أهل الأرض، وأنه يحفظ القرآن من أوله إلى آخره ويعلم تأويله وتنزيله، والجنيدي هو الذي عهد إليه عمر بن الفرج الرخجي أن يعلم الامام عليه‌السلام بأمر المعتصم، وكان معروفاً بعداء أهل البيت عليهم‌السلام ، فذهل من حدّة ذكاء الامام عليه‌السلام وغزارة علمه مع كون الامام عليه‌السلام صبياً لم يبلغ الثامنة، الأمر الذي جعل الجنيدي ينتهي عن النصب والعداء لأهل البيت عليهم‌السلام ، ويدين بالولاء لهم ويعتقد بالامامة ويهتدي إلى سواء السبيل (4) .

* * *

__________________

(1) الظاهر: الامامة.

(2) الأنساب 4: 194.

(3) الأعلام 5: 140.

(4) إثبات الوصية / المسعودي: 222.

١٥١

الفصل الخامس

مكارم أخلاقه ومنزلته عليه السلام

يتحلّى أئمة أهل البيت عليهم‌السلام بصفات الكمال ومعالي الأخلاق التي ميزت شخصياتهم العظيمة عن سائر من عاصرهم في العبادة والعلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مظاهر العظمة، ذلك لأنّهم استوحوا من جدهم المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله رساليته وروحانيته وأخلاقيته، وتجسدت فيهم شخصيته، فكانوا اختصارا لجميع عناصرها الأخلاقية والروحية والانسانية، وصاروا رمزا للفضيلة والمروءة وقدوةً صالحة للانسانية.

ولقد أوتي الامام الهادي عليه‌السلام كسائر آبائه الطاهرين من الفضائل ومكارم الأخلاق مالم يؤت أحد من معاصريه، فلم ير مثله في عبادته وتهجّده وطاعته لربه، فضلاً عن زهده وتقواه وحسن سيرته وعلمه الجم وحكمته وبلاغته.

قال الشاعر:

ولست أحصي مكرمات الهادي

فإنها في العدّ كالأعداد (1)

من هنا نال الامام عليه‌السلام إعجاب كبار العلماء والمؤرخين ممن عاصره وغيرهم، على اختلاف نزعاتهم وميولهم، فأشادوا بشخصيته الفذة وصفاته الرفيعة وسجاياه الحميدة ومعالي أخلاقه وتفوقه على سائر المعاصرين له.

__________________

(1) الأنوار القدسية / الشيخ محمد حسين الأصفهاني: 101.

١٥٢

وشهد له عليه‌السلام من رجال البلاط وزير المعتمد عبيداللّه بن يحيى بن خاقان ت 263 هـ الذي وصفه بالفضل والنبل والجزالة لابنه أحمد بن عبيداللّه، وكان قد سأله عن الامام العسكري عليه‌السلام ، فقال له: « يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبيك؟ فقال عبيداللّه بن خاقان: يابني ذاك إمام الرافضة، ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة، ثم قال:... ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً » (1) .

وذكر ابن أبي الحديد عن أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ت 255 هـ في تعداد صفاته وصفات آبائه المعصومين عليهم‌السلام قوله: من الذي يعدّ من قريش أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ؟ فمنهم خلفاء، ومنهم مرشّحون: ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي عليهم‌السلام ، وهذا لم يتّفق لبيتٍ من بيوت العرب ولا من بيوت العجم » (2) .

وقال ابن شهرآشوب: كان عليه‌السلام أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت عليه هيبة الوقار، وإذا تكلم عليه سيماء البهاء، وهو من بيت الرسالة والامامة، ومقر الوصية والخلافة، شعبة من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة

__________________

(1) اصول الكافي1: 504 / 1 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، إكمال الدين: 42 مقدمة المؤلف، الارشاد2: 322، روضة الواعظين: 250، إعلام الورى 2: 147.

(2) شرح نهج البلاغة 15: 278.

١٥٣

مجتباة (1) .

وقال الشيخ علي بن عيسى الاربلي: إذا قال بذّ الفصحاء، وحير البلغاء، وأسكت العلماء، إن جاد بخل الغيث، وإن صال جبن الليث، وإن فخر أذعن كل مساجل، وسلم إليه كل مناضل، وأقر لشرفه كل شريف،... وإن ذكرت العلوم فهو موضح إشكالها، وفارس جلادها وجدالها، وابن نجدتها وصاحب أقوالها، واطلاع نجادها وناصب أعلام عقالها (2) .

ولسنا نريد من خلال كلمات هؤلاء الأعلام أن ندخل في تقييم الإمام عليه‌السلام لمجرد أنهم شهدوا له، لأنّه عليه‌السلام يختصّ من موقع إمامته بالدرجة الرفيعة عند اللّه، ويتمتّع بملكات قدسية في جميع جوانب المعرفة والروحانية والصلاح والخلق الرفيع، وهي التي جعلت هؤلاء العلماء وآخرين غيرهم يذعنون لعظم شخصيته ويظهرون له الإكبار والاحترام والثناء.

من هنا نأتي إلى ذكر نبذة من معالي الفضيلة وعناصر العظمة والملكات القدسية والخصال الروحانية التي تحلى بها الامام الهادي عليه‌السلام من العلم والعبادة والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مناقبه الفذّة وخصاله الفريدة التي ورثها عن آبائه المعصومين وكما يلي:

أولاً - العلم:

بدت على الامام الهادي عليه‌السلام مظاهر العلم والمعرفة منذ حداثة سنه، فقد تميز كأبيه بالإمامة المبكرة، لأنه أسند إليه منصب الامامة بكل ما تتطلبه من علم كامل بالشريعة وأحكامها وهو في سن الثامنة من عمره الشريف، وتلك

__________________

(1) المناقب 4: 401.

(2) كشف الغمة 3: 164.

١٥٤

ظاهرة نلاحظها لأول مرّة في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام متمثلة بالامام الجواد وثانياً بولده الامام الهادي عليهما‌السلام ، وهو أمر لا يصدق على سائر الناس، ولا يقع في دائرة الإمكان الا أن يكون المعني محاطاً بالعناية الالهية وواقعاً ضمن دائرة الاصطفاء الالهي الذي جعل عيسى بن مريم عليهما‌السلام يتكلم في المهد ويتولى مهام النبوة وهو في السابعة من عمره، وجعلت يحيى بن زكريا عليهما‌السلام نبياً وهو في بواكير الصبا.

روى الصفار بالاسناد عن علي بن محمد النوفلي، قال: « سمعت أبا الحسن العسكري عليه‌السلام يقول: اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، وإنما كان عند آصف حرف واحد فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان عليه‌السلام ، ثم انبسطت له الأرض في أقل من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً، وحرف واحد عند الله تعالى مستأثر به في علم الغيب » (1) .

وكان الامام الهادي عليه‌السلام أبرز المعاصرين له في العلم والمعرفة والتقوى والعبادة والوجاهة والقيادة والريادة، ولقد تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه المشرق في المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشريعة الاسلامية ومسائل العقائد المختلفة، حتى ان المتوكل العباسي وهو ألدّ أعدائه كان يرجع إلى رأي الامام عليه‌السلام في المسائل التي اختلف فيها علماء عصره، مقدماً رأيه عليه‌السلام على آرائهم، وكانوا يرجعون إليه في كل معضلة، ويلجأون إليه في كل مأزق، وأمرهم في ذلك مشتهر حتى أذعن سائر العلماء المعاصرين له ممن ناظرهم بتفوقه العلمي، ولو رأوا أدنى قصور في ذلك لأظهروه سيما وان من حوله يحاولون الكيد له ويتربّصون به وبأصحابه، ولذلك شواهد كثيرة تدل

__________________

(1) بصائر الدرجات: 231 / 3.

١٥٥

بمجموعها على أنه عليه‌السلام كان أعلم أهل زمانه وأرجحهم كفة بلا خلاف.

نبوغه المبكر:

ذكر الرواة بوادر كثيرة من ذكائه، كان منها أن المعتصم بعد شهادة الامام الجواد عليه‌السلام عهد إلى عمر بن الفرج الرخجي أن يشخص إلى يثرب ليختار معلماً لأبي الحسن الهادي عليه‌السلام ، وقد عهد إليه أن يكون المعلم معروفاً بالنصب والانحراف عن أهل البيت عليهم‌السلام ليميل به عن نهجهم حسب اعتقاده، فاختار أبا عبد الله الجنيدي الذي وقف ذاهلاً أمام نبوغه وتفوقه، حيث كان يملي على المعلم بما فيه استفاده له، وأذعن المعلم بأنه يتعلم منه ولا يعلمه كما يظن الناس، وانه عليه‌السلام خير أهل الأرض وأفضل من خلق الله تعالى، وأخيراً قال بإمامته وعرف الحق وقال به.

روى المسعودي بإسناده عن الحميري، عن محمد بن سعيد مولى لولد جعفر بن محمد، قال: « قدم عمر بن الفرج الرخجي المدينة حاجاً بعد مضي أبي جعفر الجواد عليه‌السلام فأحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله عليهم‌السلام ، فقال لهم: ابغوا لي رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم، لا يوالي أهل هذا البيت، لأضمّه إلى هذا الغلام وأوكله بتعليمه، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه. فأسموا له رجلاً من أهل الأدب يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالجنيدي، وكان متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم، ظاهر الغضب والعداوة.

فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان، وتقدم إليه بما أراد، وعرفه أن السلطان أمره باختيار مثله وتوكيله بهذا الغلام، قال: فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن عليه‌السلام في القصر بصريا، فإذا كان الليل أغلق الباب

١٥٦

وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه، فمكث على هذا مدة، وانقطعت الشيعة عنه وعن الاستماع منه والقراءة عليه.

ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه، وقلت له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟ فقال منكراً علي: تقول الغلام ولا تقول الشيخ الهاشمي! أنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني؟ قلت: لا. قال: فإني والله أذكر له الحزب من الأدب أظن أني قد بالغت فيه، فيملي علي بما فيه أستفيده منه، ويظن الناس أني أعلمه وأنا والله أتعلم منه.

قال: فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه، ثم لقيته بعد ذلك، فسلمت عليه، وسألته عن خبره وحاله، ثم قلت: ما حال الفتى الهاشمي؟ فقال لي: دع هذا القول عنك، هذا والله خير أهل الأرض، وأفضل من خلق الله تعالى، وإنه لربما همّ بالدخول فأقول له: تنظر حتى تقرأ عشرك. فيقول لي: أي السور تحب أن أقرأها ؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه، فيهذّها بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط، بأطيب من مزامير داود النبي التي بها من قراءته يضرب المثل.

قال: ثم قال: هذا مات أبوه بالعراق وهو صغير بالمدينة، ونشأ بين هذه الجواري السود، فمن أين علم هذا؟ قال: ثم ما مرت به الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته وعرف الحق وقال به » (1) .

قال الشاعر:

حار فيه فكر الجنيدي مذ

شاهد فيه ما حير الأفكارا

جاء يملي له العلوم صغيراً

فإذا بالصغار تهدي الكبارا (2)

__________________

(1) إثبات الوصية / المسعودي: 222.

(2) الذخائر / اليعقوبي: 63.

١٥٧

روايات عن مقامه العلمي:

ان أهم صفات الامامة بعد ثبوت النص على الامام، هي السبق في العلم والحكمة، لكونها ضرورة لازمة في الامام لأجل أن يكون أهلاً لهذه المنزلة، وكفؤاً لهذه المسؤولية، وقطباً تلتف حوله الناس، وتطمئن إلى سبقه في العلم والحكمة والمعرفة، وقدرته الفائقة في مواجهة ما تبتلى به الاُمّة والدولة، فلا يحتاج إلى غيره ممن هم محتاجون إلى إمام يهديهم ويرشدهم، اذ لا يصح أن يلتف الناس حول رجل ويسلمون إليه قيادهم، وهم يجدون من هو أعلم منه أو أرجح فهماً وحكمةً ومعرفةً في شؤون الدين والدنيا، وهذه الناحية تكاد تكون بديهية لازمت جميع الأنبياء والأوصياء بين أقوامهم، وهي أشد ما تكون بروزاً وظهوراً في حياة خاتم الأنبياء وأوصيائه عليهم‌السلام .

روى الشيخ الصدوق بالاسناد عن أحمد بن علي الأنصاري، عن الحسن ابن الجهم، قال: « حضرت مجلس المأمون يوماً وعنده علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم فقال له: يا بن رسول الله، بأي شيء تصحّ الامامة لمدعيها؟ قال: بالنص والدليل. قال له: فدلالة الامام فيما هي؟ قال: في العلم واستجابة الدعوة.... » (1) .

وهكذا كان أئمة الهدى عليهم‌السلام ، فلم يعرف عن أحدهم أنه تلكأ يوماً في مسألة، أو أفحمه أحد في حجة، بل كان سبقهم نوعاً من الاعجاز، وأظهر ما يكون ذلك مع الامام محمد الجواد وولده الامام الهادي عليهما‌السلام ، فقد أوتيا العلم والحكمة وفصل الخطاب ولما يبلغا الحلم، وسبقا علماء ومتكلمي عصرهما،

__________________

(1) عيون أخبار الرضا / الشيخ الصدوق 1: 216.

١٥٨

وشهدوا لهما بالفضل والتقدم والسبق.

وللامام الهادي جملة احتجاجات ومناظرات وأجوبة على مسائل شتى ناظر وأجاب خلالها كثيراً من المناوئين وغيرهم، باسلوب هادئ متين مدعم بالحجة والمنطق والبرهان الساطع، ولم يجتمع إليه أحد من أولئك المناظرين إلا وأذعن بتفوقه العلمي وسبقه المعرفي، وفيما يلي نورد بعض الروايات الدالة على غزارة علمه وتفوقه ورجحان كفته.

1 - سورة تخلو من سبعة أحرف:

في شرح شافية أبي فراس، قال: ومما نقل أن قيصر ملك الروم كتب إلى خليفة من خلفاء بني العباس كتاباً يذكر فيه: إنا وجدنا في الانجيل أنه من قرأ سورة خالية من سبعة أحرف حرّم الله تعالى جسده على النار. وهي: الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء، فإنا طلبنا هذه السورة في التوراة فلم نجدها، وطلبناها في الزبور فلم نجدها، فهل تجدونها في كتبكم؟

فجمع الخليفة العلماء وسألهم في ذلك، فلم يجب منهم أحد عن ذلك إلا النقي علي بن محمد بن الرضا عليه‌السلام ، فقال: إنها سورة الحمد، فإنها خالية من هذه السبعة أحرف. فقيل: الحكمة في ذلك أن الثاء من الثبور، والجيم من الجحيم، والخاء من الخيبة، والزاي من الزقوم، والشين من الشقاوة، والظاء من الظلمة، والفاء من الفرقة أو من الآفة. فلما وصل إلى قيصر وقرأه فرح بذلك فرحاً شديداً، وأسلم لوقته، ومات على الاسلام، والحمد لله رب العالمين (1) .

2 - معنى المال الكثير:

روى السمعاني والخطيب البغدادي بالاسناد عن الحسين بن يحيى، قال:

__________________

(1) شرح شافية أبي فراس / ابن أمير الحاج: 563.

١٥٩

« اعتل المتوكل في أول خلافته، فقال: لئن برئت لأتصدقن بدنانير كثيرة، فلما برئ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك فاختلفوا، فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، فسأله فقال: يتصدق بثلاث وثمانين ديناراً. فعجب قوم من ذلك، وتعصب قوم عليه وقالوا: تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا؟ فرد الرسول إليه، فقال له: قل لأمير المؤمنين: في هذا الوفاء بالنذر، لأن الله تعالى قال: « لقد نصركم الله في مواطن كثيرة » (1) . فروى أهلنا جميعاً أن المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطناً، وأن يوم حنين كان الرابع والثمانين، وكلما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير كان أنفع له وأجرى (2) عليه في الدنيا والآخرة » (3) .

3 - جواز تكنية الكافر:

عن كتاب الاستدراك: « نادى المتوكل يوماً كاتباً نصرانياً: أبا نوح، فأنكروا كنى الكتابيين، فاستفتى فاختلف عليه، فبعث إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، فوقع عليه‌السلام : ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّ‌حْمَـٰنِ الرَّ‌حِيمِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) (4)، فعلم المتوكل أنه يحل ذلك، لأن الله قد كنى الكافر » (5) .

4 - من حلق رأس آدم؟:

روى الخطيب البغدادي بالاسناد عن محمد بن يحيى المعاذي، قال: « قال

__________________

(1) سورة التوبة: 9 / 24.

(2) في تاريخ بغداد: وآجر.

(3) تاريخ بغداد 12: 57 / 6440، الأنساب / السمعاني 4: 194.

(4) سورة المسد: 111 / 1.

(5) بحار الأنوار 10: 391 / 4.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209