الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ27%

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمام بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام
ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: 209

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ
  • البداية
  • السابق
  • 209 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93086 / تحميل: 5430
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٦٤-٨٦٢٩-١٠-٢
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق ، ثم أدخلوه سرباً وجصصوا عليه ، فأصبح ميتاً ، وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر(١) .

ما قاله الإمام العسكري بعد هلاك المعتز :

حينما قتل المعتز خرج توقيع من الإمام العسكريعليه‌السلام يؤكد عزم المعتز على قتل الإمامعليه‌السلام قبل أن يُولَد له ، وفي ذلك دلالة واضحة على اعتقاد بني العباس بأن المولود هو صاحب الزمانعليه‌السلام الذي يقصم الجبّارين ويقيم دولة الحق.

عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، قال : « خرج عن أبي محمدعليه‌السلام حين قتل الزبيري :هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه ، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سمّاه محمداً »(٢) .

خامساً ـ المهتدي ( ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ه‍ )

هو محمد بن الواثق بن المعتصم ، بويع بالخلافة في رجب سنة ٢٥٥ ه‍ ، وقد نقل المؤرخون في ترجمته أنه كان من أحسن خلفاء بني العباس مذهباً ، وأجودهم طريقة ، وأكثرهم ورعاً وعبادة وزهادة ، وأنه اطّرح الغناء والشراب ، ومنع أصحاب السلطان من الظلم ، وكان يجلس للمظالم ، ويتقلّل في مأكوله وملبوسه(٣) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٦ : ٢٠٠ ، الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٣ ، البداية والنهاية ١١ : ١٦ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٣.

(٢) أصول الكافي ١ : ٣٢٩ / ٥ ـ باب الاشارة والنص إلى صاحب الدارعليه‌السلام ، إكمال الدين : ٤٣٠ / ٣ ـ باب ٤٢.

(٣) راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٨١ ، الكامل في التاريخ ٦ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ،

٨١

وهو بهذا التصرف استطاع الترفع على سيرة أسلافه العباسيين المعروفين بالترف والاسراف والمجون ومعاقرة الخمور وغيرها من مظاهر الانحراف ، لكن ثمة فرقاً بين السيرة الصالحة التي تكون واعزاً للحق والعدل والانصاف وتمنع صاحبها عن الظلم والجور ، والسيرة التي يفتعلها صاحبها أو يتصنّعها لأجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم على الخلفاء المتقدمين ، وقد صرح بعض المؤرخين بأن المهتدي كان يتشبّه بعمر بن عبد العزيز(١) ، والتشبه غير التطبّع.

ونقل آخر عنه أنه قال لأحد جلسائه حين سأله عما هو فيه من التقشف في الأكل ، فقال : « انّي فكرت في أنه كان في بني اُمية عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلّل والتقشف على ما بلغك ، فغرت على بني هاشم ، فأخذت نفسي بما رأيت »(٢) .

فالتزهّد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة وفطرة سليمة ، وبنوهاشم هنا خصوص بني العباس لا عمومهم ، لأن فيهم من قال فيه تعالي :( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) وفيهم آل البيت المعصومونعليهم‌السلام ، ويبين ذلك الخصوص في تصريحة بقول آخر : « أما تستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز ؟! »(٤) ، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم على العباسيين في مقابل بني

__________________

البداية والنهاية ١١ : ٢٣ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٥ ، الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٦.

(١) الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٦.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨١.

(٣) سورة القلم : ٦٨ / ٤.

(٤) `الكامل في التاريخ ٦ : ٢٢٤.

٨٢

اُمية.

ولو كان المهتدي محمود السيرة لخالف أسلافه في التعامل مع الإمامعليه‌السلام وأصحابه وشيعته ، لكنه انتهج نفس أساليبهم ، وكما يلي :

١ ـ مواقفه من الطالبيين :

تعرض نحو عشرين من العلويين للقتل صبراً أو الأسر أو السجن أو الترشيد خلال فترة حكومة المهتدي التي كانت أقلّ من سنة واحدة ، على ما نقله أبو الفرج وحده.

فقد قتل صبراً في أيام المهتدي محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وطاهر بن أحمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقُتل أيضاً الحسين بن محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وَقَتل أصحاب عبد الله بن عبد العزيز ، يحيى بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد ، قُتل بقرية من قري الري في ولاية عبد الله بن عبد العزيز.

واُسِر محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ، أسره الحارث بن أسد وحمله إلى المدينة فتوفّي بالصفراء ، فقطع الحارث رجيلة وأخذ قيدين كانا فيهما ورمى بهما.

وقتل جعفر بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، قتله سعيد الحاجب بالبصرة.

٨٣

وقتل بالسمّ موسى بن عبد الله بن موسى بن عبيد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب ، وكان رجلاً صالحاً ، راوياً للحديث ، قد روي عنه عمر ابن شبّة ، ومحمد بن الحسن بن مسعود الزرقي ، ويحيى بن الحسن بن جعفر العلوي وغيرهم. وكان سعيد الحاجب حمله وحمل ابنه إدريس وابن أخيه محمد ابن يحيى بن عبد الله بن موسى ، وأبا الطاهر أحمد بن زيد بن الحسين بن عيسىٰ ابن زيد بن علي بن الحسين ، إلى العراق ، فعارضه بنو فزارة بالحاجز ، فأخذوهم من يده فمضوا بهم ، وأبى موسى أن يقبل ذلك منهم ، ورجع مع سعيد الحاجب ، فلما كان بزبالة دسّ إليه سمّاً فقتله(١) وأخذ رأسه وحمله إلى المهتدي في المحرم سنة ٢٥٦ ه‍.

وأُسِرَ عيسىٰ بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر ، أسره عبد الرحمن خليفة أبي الساج بالجار(٢) ، وحمله فمات بالكوفة.

وقُتل محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، قتله عبد الله بن عزيز بين الري وقزوين.

ومات في الحبس علي بن موسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حبسه عيسىٰ بن محمد المخزومي بمكة ، فمات في حبسه. ومات في الحبس أيضاً محمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حمله عبد الله بن عبد العزيز عامل طاهر

__________________

(١) ذكر ذلك المسعودي أيضاً في مروج الذهب ٤ : ٤٢٩ وجعله في زمان المعتز.

(٢) الجار : بلدة على البحر الأحمر.

٨٤

إلى سر من رأى ، وحمل معه علي بن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فحبسا جميعاً حتى ماتا في الحبس.

وكذلك إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، حبسه محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن المنصور عامل المهتدي على المدينة ، فمات في حبسه ، ودفن في البقيع.

وكذلك عبد الله بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن ، حبسه أبو الساج بالمدينة ، فبقي بالحبس إلى ولاية محمد بن أحمد بن المنصور ، ثم توفي في حبسه ، فدفعه إلى أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن داود بن الحسن فدفنه بالبقيع(١) .

ولم تكفّه سيرته الصالحة عن التصدي لشيعة الإمام والنكاية بهم ، بل كان مصداقاً للحقد التقليدي الذي يكنّه أسلافه العباسيون تجاهم ، فقد ذكر السيوطي أنه نفى جعفر بن محمود إلى بغداد ، وكره مكانه ، لأنّه نسب عنده إلى الرفض(٢) .

٢ ـ سيرة المهتدي مع الإمام العسكري عليه‌السلام :

حاول ( المهتدي ) العباسي التضييق على الإمام العسكريعليه‌السلام بشتى الوسائل ، وكان عازماً على قتل الإمامعليه‌السلام ، وهناك جملة من الروايات التي تؤيد ذلك :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٣٥ ـ ٤٣٩.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨١.

٨٥

عن أبي هاشم الجعفري ، قال : « كنت محبوساً مع أبي محمدعليه‌السلام في حبس المهتدي ، فقال لي :يا أبا هاشم ، إن هذا الطاغية أراد أن يعبث بأمر الله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله للمتولي بعده وليس لي ولد ، وسيرزقني الله ولداً بكرمه ولطفه ، فلما أصبحنا شغبت الأتراك على المهتدي وأعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحّح العزم على قتل أبي محمدعليه‌السلام ، فشغله الله بنفسه حتى قُتل ومضى إلى أليم العذاب »(١) .

ويبدو أن تاريخ اعتقال الإمامعليه‌السلام في أول حكم المهتدي ، لأنّهعليه‌السلام ذكر في هذا الحديث أنه ليس له ولد وسيرزقه الله ولداً بكرمه ولطفه ، وقد ولد الحجةعليه‌السلام في النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وتولّى المهتدي في أول رجب سنة ٢٥٥ ه‍.

وتتشابه أجواء هذا الحديث وتاريخه مع حديث عيسىٰ بن صبيح(٢) الذي اعتقل مع الإمامعليه‌السلام قال : « دخل الحسن العسكريعليه‌السلام علينا الحبس ، وكنت به عارفاً إلى أن قال : قلت : ألك ولد ؟ قال :إي والله ، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فاما الآن فلا »(٣) . فلعلّ الجملة المعترضة في حديث أبي هاشم الجعفري المتقدّم « وليس لي ولد » هي جواب للإمامعليه‌السلام عن سؤال

__________________

(١) إثبات الوصية : ٢٥٢ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٣ ، ونحوه في المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٦٣ ، الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٠٥ / ١٧٣ و ٢٢٣ / ١٨٧ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٣ / ٧٩.

(٢) في الفصول المهمة : عيسىٰ بن الفتح.

(٣) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٧ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٧٥ / ٤٨ عن الخرائج والجرائح.

٨٦

عيسى بن صبيح الذي كان معهم في السجن.

وكان قبل ذلك قد تهدّد الإمامعليه‌السلام بالقتل وتوعّد شيعته ، فكتب أحمد بن محمد إلى الإمام العسكريعليه‌السلام حين أخذ المهتدي في قتل الموالي : يا سيدي ، الحمد لله الذي شغله عنّا ، فقد بلغني أنه يتهددك ويقول : والله لأجلينّهم عن جديد الأرض(١) . فوقّععليه‌السلام بخطه :ذلك أقصر لعمره ، عد من يومك هذا خمسة أيام ، ويُقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخاف يمرّ به ، وكان كما قال »عليه‌السلام (٢) .

هلاك المهتدي :

لقد تنكّر المهتدي للاتراك ، وعزم على تقديم الأبناء ، فلمّا علموا بذلك استوحشوا منه وأظهروا الطعن عليه ، فأحضر جماعة منهم فضرب أعناقهم ، فاجتمع الأتراك وشغبوا ، فخرج إليهم المهتدي في السلاح ، واستنفر العامة ، وأباحهم دماء الأتراك وأموالهم ونهب منازلهم ، فتكاثر الأتراك عليه ، وافترقت العامة عنه حتى بقي وحده ، فسار إلى دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة ، فلحقوه وأخذوه وحملوه على بغل وجراحاته تنطف دماً ، فحبسوه في الجوسق عند أحمد بن خاقان ، وقبّل المهتدي يده مراراً عديدة ، فدعوه إلى أن يخلع نفسه فأبى ، فقالوا : إنّه كتب بخطه رقعة لموسى بن بغا وبابكيال وجماعة من القواد أنه لا يغدر بهم ولا يغتالهم ولا يفتك بهم ولا يهمّ بذلك ، وأنه متى فعل ذلك فهم في

__________________

(١) جديد الأرض : وجهها.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥١٠ / ١٦ ، الإرشاد ٢ : ٣٣٣ ، إعلام الورى ٢ : ١٤٤ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٨ / ٥.

٨٧

حلّ من بيعته والأمر إليهم يُقعِدون من شاءوا.

فاستحلوا بذلك نقض أمره ، فداسوا خصييه وصفعوه وقيل : خلعوا أصابع يديه من كفيّه ورجليه من كعبيه حتى ورمت كفاه وقدماه وفعلوا به غير شيء حتى مات في رجب سنة ٢٥٦ ه‍(١) ، فكان تنكّره للأتراك أقصر لعمره ، وكان قتله بعد هوان واستخفاف كما قال الإمامعليه‌السلام .

سادساً ـ المعتمد ( ٢٥٦ ـ ٢٧٩ ه‍ )

وهو أحمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع سنة ٢٥٦ ه‍ ، وكان هو وأخوه الموفق طلحة كالشريكين في الخلافة ، فله الخطبة والسكة والتسميّ بامرة المؤمنين ، ولأخيه طلحة الأمر والنهي وقيادة العساكر ومحاربة الأعداء وترتيب الوزراء والامراء ، وكان المعتمد مشغولاً عن ذلك بلذّاته(٢) .

١ ـ مواقفه من الطالبيين :

لم تخرج سياسة المعتمد عن إطار السياسة العباسية القاضية بمراقبة أهل البيتعليهم‌السلام ومطاردة شيعتهم والقسوة على الطالبيين ، ففي أيام المعتمد قُتل علي بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي ، قُتل بسرّ من رأى على باب جعفر بن المعتمد ولا يدري من قتله ، وكذلك محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي ، ضَرَب عبد العزيز ابن أبي دلف عنقه صبراً بآبة ، وهي قرية بين قم وساوة.

وقُتل حمزة بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله

__________________

(١) راجع : تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٦ ، الكامل في التارخ ٦ : ٢٢١ ـ ٢٢٣.

(٢) الفخري في الآداب السلطانية : ٢٥٠.

٨٨

ابن جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام ، قتله صلاب التركي صبراً ومثّل به.

وقتل في أيام المعتمد أيضاً إبراهيم ومحمد ابنا الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، والحسن بن محمد بن زيد بن عيسىٰ بن زيد الحسين ، وإسماعيل بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وتوفّي في السجن بسرّ من رأى محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن ابن القاسم بن الحسن بن زيد الأكبر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وتوفي أيضاً في السجن بسرّ من رأى موسى بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان حمل من مصر في أيام المعتز فبقي إلى هذا الوقت ثم مات ، وحمل سعيد الحاجب محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي ، وحمل ابنيه أحمد وعلياً ، فتوفي محمد وابنه أحمد في الحبس.

وحُبس الحسين بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي ، حبسه يعقوب بن الليث الصفار لما غلب على نيسابور ، ثمّ حمله معه حين خرج إلى طبرستان ، وتوفي في الطريقرضي‌الله‌عنه .

وتوفي في حبس يعقوب بنيسابور محمد بن عبد الله بن زيد بن عبيد الله بن زيد بن عبد الله بن الحسن بن زيد بن الحسن(١) .

وفي سنة ٢٥٨ ه‍ اخرج أحمد بن طولون الطالبيين من مصر إلى المدينة ، ووجه معهم من ينفذهم ، وكان خروجهم في جمادي الآخرة ، وتخلف بعضهم حيث أراد أن يتوجه إلى المغرب ، فأخذه أحمد بن طولون وضربه مائة وخمسين

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٤٠ ـ ٤٤٣.

٨٩

سوطاً وأطافه بالفسطاط(١) .

٢ ـ موقفه من الإمام العسكري عليه‌السلام :

وفي زمان المعتمد اعتقل الإمام العسكريعليه‌السلام عدّة مرات ، فقد روي أنه سُلّم إلى نحرير ، وكان يضيق عليه ويؤذيه ، فقالت له امرأته : ويلك اتقي الله ، لا تدري من في منزلك ! وعرّفته صلاحه ، وقالت : إنّي أخاف عليك منه. فقال : لأرمينّه بين السباع ، ثم فعل ذلك به ، فرئيعليه‌السلام قائماً يصلي والسباع حوله(٢) .

وحُبس عند علي بن جرين سنة ٢٦٠ ه‍ ، وروي « أنه لما كان في صفر من هذه السنة جعلت اُم أبي محمدعليه‌السلام تخرج في الأحايين إلى خارج المدينة وتجسّ الأخبار ، حتى ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين ، وحبس أخاه جعفراً معه ، وكان المعتمد يسأل علياً عن أخباره في كلّ مكان ووقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل ، فسأله يوماً من الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك ، فقال له : أمضِ الساعة إليه وأقرئه مني السلام ، وقل له : انصرف إلى منزلك » إلى آخر الرواية وفيها أنهعليه‌السلام أبى أن يخرج من السجن حتى أخرجوا أخاه معه(٣) ، رغم أن جعفراً كان يسيء إليه ويتربّص به.

وروى ابن حجر الهيتمي وغيره أنهعليه‌السلام أخرج بسبب حادثة الاستسقاء ، قال : « لمّا حبسعليه‌السلام قحط الناس بسرّ من رأى قحطاً شديداً ، فأمر المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا ، فخرج النصاري ومعهم

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥١٠.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥١٣ / ٢٦ ـ باب مولد أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام من كتاب الحجة ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٩ / ٧.

(٣) إثبات الوصية : ٢٥٣ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٣ ـ ٣١٤ و ٣٣٠ / ٢.

٩٠

راهب كلما مدّ يده إلى السماء هطلت ، ثمّ في اليوم الثاني كذلك ، فشكّ بعض الجهلة وارتدّ بعضهم ، فشقّ ذلك على المعتمد ، فأمر بإحضار الحسن الخالصعليه‌السلام وقال له : أدرك اُمّة جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يهلكوا. فقال الحسن :يخرجون غداً وأنا أزيل الشكّ إن شاء الله ، وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم.

فلمّا خرج الناس للاستسقاء ، ورفع الراهب يده مع النصاري غيّمت السماء ، فأمر الحسنعليه‌السلام بالقبض على يده ، فإذا فيها عظم آدمي ، فأخذه من يده وقال :استسق ، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك ، فقال المعتمد للحسنعليه‌السلام : ما هذا يا ابا محمد ؟ فقال :هذا عظم نبي ، ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف من عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال ، وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسنعليه‌السلام إلى داره »(١) .

وهكذا كان ديدن الحكام العباسيين مع أهل البيتعليهم‌السلام حينما تضيق بهم السبل وتوصد أمامهم الأبواب ، يضطرون إلى اللجوء نحو معدن العلم وثاني الثقلين وباب حطّة وسفينة نوح ، يلتمسون النجاة مما يهدّد عروشهم ويبدّد عرى دولتهم.

لقد شدّد المعتمد على حصار الإمامعليه‌السلام واعتقاله ، لأنه يعلم أنه الإمام

__________________

(١) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي : ١٢٤ ـ مكتبة القاهرة ـ مصر ـ ١٣٨٥ ه‍ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٥ ـ ١٠٨٧ ، نور الأبصار : ٣٣٧ ، وأخرجه في إحقاق الحق ١٢ : ٤٦٤ و ١٩ : ٦٢٠ و ٦٢٥ و ٢٩ : ٦٤ عن عدة مصادر ، وراجع : الخرائج والجرائح ١ : ٤٤١ / ٢٣ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٥٨ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٧٠ / ٣٧.

٩١

الحادي عشر ، وأن ما بعده هو آخر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام الذي يقضي على دعائم الظلم والجور ، ويطيح بدولة الظالمين ، وينشر العدل والقسط ، لهذا أراد أن يطفئ النور الثاني عشر ، ولكن الله أبي إلا أن يتمّ نوره.

روى الصيمري بالاسناد عن المحمودي ، قال : « رأيت بخطّ أبي محمدعليه‌السلام لما خرج من حبس المعتمد( يُرِيدُون لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ ) »(١) .

وذكر نصر بن علي الجهضمي في ( مواليد الأئمةعليهم‌السلام ) أن الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام قال عند ولادة محمد بن الحسنعليه‌السلام :« زعمت الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف رأوا قدرة القادر ؟ » (٢) .

وانتهت قصة صراع الإمام العسكريعليه‌السلام مع خلفاء بني العباس بشهادته مسموماً في الثامن من ربيع الأول سنة ٢٦٠ ه‍ ، على المشهور من الأقوال في وفاته(٣) ، وهو في الثامنة والعشرين أو التاسعة والعشرين من عمره الشريف ، ليبدأ بعد هذا التاريخ فصلاً جديداً من المأساة الكبري على يد المعتمد وجهازه الحاكم لم تزل آثاره باقية ولن تزول إلى أن يأذن الله بفرج وليه القائم المؤمّل والعدل المنتظرعليه‌السلام ليملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

* * *

__________________

(١) مهج الدعوات : ٣٣٤ ، إثبات الوصية : ٢٥٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٤ ، والآية من سورة الصف : ٦١ / ٨.

(٢) مهج الدعوات : ٣٣٤.

(٣) سنأتي على ذكر الأقوال في الفصل الأخير من هذا كتاب.

٩٢

الفصل الثّالث

الهوية الشخصية للإمام العسكري عليه‌السلام

نسبه عليه‌السلام

هو أبو محمد الحسن العسكري بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد باقر العلم بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط الشهيد بن علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله عليهم أجمعين.

نَسَبٌ عليه من شَمْسِ الضُّحىٰ

نورٌ ، ومِنَ فَلَقِ الصَّباحِ عمودُ

اُمّه رضي الله تعالى عنها :

أمّ ولد ، يقال لها سوسن ، وتكنى أمّ الحسن ، وتعرف بالجدّة ، أي جدّة الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام ، ولها أسماء اُخرى ، فيقال لها : حُديث ، وحُديثة ، وسليل ، وسمانة ، وشكل النوبية وغيرها(١) .

__________________

(١) راجع : أصول الكافي ١ : ٥٠٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، التهذيب / الشيخ الطوسي ٦ : ٩٢ ـ باب ٤٢ من كتاب المزار ، الإرشاد ٢ : ٣١٣ ، إكمال الدين : ٣٠٧ آخر باب ٢٧ خبر اللوح ، إثبات الوصية : ٢٤٤ ، دلائل الإمامة : ٤٢٤ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، روضة

٩٣

ورجّح صاحب عيون المعجزات أن اسمها سليل ، حيث قال : « اسم اُمّهعليه‌السلام ـ على ما رواه أصحاب الحديث ـ سليل ( رضي الله عنها ) وقيل : حديث ، والصحيح سليل ، وكانت من العارفات الصالحات »(١) .

ولعلّ ذلك مبني على الحديث الوارد عن المعصوم ، وهو يشيد بفضلها وعفتها وصلاحها ، رواه المسعودي عن العالمعليه‌السلام أنه قال :« لمّا اُدخلت سليل اُمّ أبي محمد على أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سليل مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس » (٢) .

وبعثها الإمام العسكريعليه‌السلام إلى الحج سنة ٢٥٩ ه‍ ، وأخبرها عما يناله سنة٦٠ ، فأظهرت الجزع وبكت ، فقالعليه‌السلام :« لابد من وقوع أمر الله فلا تجزعي » وفي صفر سنة ٢٦٠ ه‍ كانت في المدينة ، فجعلت تخرج إلى خارجها تتجسّس الأخبار وقد أخذها الحزن والقلق(٣) .

وحينما اتصل بها خبر شهادة الإمامعليه‌السلام عادت إلى سامراء ، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إياها بالميراث ، وسعايته

__________________

الواعظين : ٢٥١ ، تاريخ مواليد الأئمةعليهم‌السلام / ابن الخشاب : ١٩٩ ـ مطبوع ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٠ ، تذكرة الخواص : ٣٢٤ ، كشف الغمة ٣ : ٢٧١ ، إعلام الورى ٢ : ١٣١ ، تاج المواليد : ١٣٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٥ / ٢ ، ٢٣٦ / ٥ و ٧ ، ٢٣٨ / ١١.

(١) بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨ / ١١.

(٢) إثبات الوصية : ٢٤٤.

(٣) راجع : إثبات الوصية : ٢٥٣ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٣ ، ٣٣٠ / ٢.

٩٤

بها إلى سلطان ، وكشف ما أمر الله عزوجل ستره(١) .

وتوفيت في سامراء وكانت قد أوصت أن تدفن في الدار إلى جنب ولدها الإمام العسكريعليه‌السلام ، فنازعهم جعفر وقال : الدار داري لا تدفن فيها(٢) .

ولادته : عليه‌السلام

ولد الإمام العسكريعليه‌السلام يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الآخر سنة ٢٣٢ ه‍ في مدينة جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو القول المشهور في ولادتهعليه‌السلام (٣) .

ويؤيد ما رواه الطبري الإمامي بالاسناد عن الإمام العسكريعليه‌السلام ، أنه قال :« كان مولدي في ربيع الآخر سنة ٢٣٢ من الهجرة » (٤) .

ووقع اختلاف في تاريخ الولادة ومكانها ، فقيل : سنة ٢٣٠ ه‍ ، أو ٢٣١ ، أو ٢٣٣ ، وقيل : في شهر رمضان من سنة ٢٣٢ ه‍ ، وقيل : يوم الاثنين الرابع من

__________________

(١) إكمال الدين : ٤٧٤ / ٢٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٣١ / ٣.

(٢) إكمال الدين : ٤٤٢ / ١٥.

(٣) إعلام الورى ٢ : ١٣١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٧٩ ، نور الأبصار : ٣٣٨ ، روضة الواعظين / ابن الفتال : ٢٥١ ـ منشورات الرضي ـ قم ، وذكرت سنة الولادة مع الشهر في المصادر التالية : اُصول الكافي ١ : ٥٠٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، والارشاد ٢ : ٣١٣ ، والتهذيب للشيخ الطوسي ٦ : ٩٢ ـ باب ٤٢ من كتاب المزار ـ دار الكتب الاسلامية ـ طهران ، واقتصر كثيرون على ذكر السنة ، ومنهم ابن الأثير في الكامل ٦ : ٢٥٠ ـ آخر حوادث سنة ٢٦٠ ه‍ ، وابن خلكان في الوفيات ٢ : ٩٤ ـ منشورات الرضي ـ قم ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ١٢٤ ، والسويدي في سبائك الذهب : ٣٤٢ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(٤) دلائل الإمامة : ٤٢٣ / ٣٨٤.

٩٥

شهر ربيع الآخر ، أو السادس ، أو العاشر ، من سنة ٢٣٢ ه‍ ، وقيل : في السادس من شهر ربيع الأول ، أو الثامن منه(١) .

وذكر الشيخ الحرّ العاملي أهمّ هذه الأقوال في بيتين من منظومته ، أشار فيهما إلى المشهور من الأقوال ، يقول :

مولده شهـر ربيع الآخر

وذاك في اليوم الشريف العاشر

في يوم الاثنين وقيل الرابعُ

وقيل في الثامـن وهو الشائعُ(٢)

هذا من حيث تاريخ الولادة ، أما من حيث مكانها فقد ذكر بعضهم أنه ولدعليه‌السلام في سامراء سنة ٢٣١ ه‍(٣) ، أو في ربيع الآخر سنة ٢٣٢(٤) ، وهذا لا يصح لأنّ الثابت في التاريخ أنّ المتوكل هو الذي استدعى الإمام أبا الحسن الهاديعليه‌السلام إلى سامراء ، وقد تولّى المتوكل ملك بني العباس في ذي الحجة سنة

__________________

(١) راجع : أصول الكافي ١ : ٥٠٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، دلائل الإمامة : ٤٢٣ ، الهداية الكبري / الخصيبي : ٣٢٧ ـ مؤسسة البلاغ ـ بيروت ـ ١٤٠٦ ه‍ ، روضة الواعضين : ٢٥١ ، الأئمة الاثنا عشر لابن طولون : ١١٣ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ـ طبعة اسماعيليان ـ قم ، المنتظم / ابن الجوزي ١٢ : ١٥٨ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، تذكرة الخواص : ٣٢٤ ، تاريخ أهل البيت لكبار المحدثين والمؤرخين : ٨٧ ـ مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام ـ ١٤١٠ ه‍ ، الانساب / للسمعاني ٤ : ١٩٤ ـ دار الجنان ـ بيروت ، احقاق الحق / للتستري بشرح السيد المرعشي ٢٩ : ٥٩ عن تاريخ الأحمدي ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٦ ـ ٢٣٨.

(٢) الأنوار البهية / الشيخ عباس القمي : ٢٥٠ ـ نشر الشريف الرضي ـ قم.

(٣) تذكرة الخواص : ٣٢٤.

(٤) روضة الواعظين : ٢٥١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٦ / ٥.

٩٦

٢٣٢ ه‍ ، فكيف تكون ولادة الإمام العسكريعليه‌السلام في سامراء سنة ٢٣١ ه‍ أو في ربيع الآخر سنة ٢٣٢ ه‍ ، وكلا التاريخين في زمان الواثق ، وهوعليه‌السلام لمّا يزل في المدينة.

ويعارض هذا أيضاً ما قدّمناه في الفصل الثاني من أنهعليه‌السلام غادر المدينة مع أبيهعليه‌السلام سنة ٢٣٦ ه‍ على رواية المسعودي ، أو سنة ٢٣٣ ه‍ على رواية الطبري ، أو سنة ٢٤٣ ه‍ على رواية الشيخ المفيد ، أو سنة ٢٣٤ ه‍ على ما حققه بعض الباحثين.

ولدينا بعض الأحاديث الصريحة بولادته في المدينة منها حديث أبي حمزة نصير الخادم(١) ، وحديث أحمد بن عيسىٰ العلوي الذي يصرح برؤيته بصريا وهي قرية على ثلاثة أميال من المدينة(٢) ، كما نصّ المؤرخون والمحدثون الذين قدمنا ذكرهم في ولادته على أنهعليه‌السلام ولد في المدينة ومنهم : الشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، وابن الفتال ، وابن الصباغ ، والشبلنجي ، والكنجي ، والسويدي وغيرهم(٣) ، وقال ياقوت : « ولد بالمدينة ونقل إلى سامراء »(٤) .

ألقابه : عليه‌السلام

أشهر ألقاب الإمام أبي محمدعليه‌السلام هو العسكري ، وقد اُطلق عليه وعلى

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٥٠٩ / ١١ ـ باب ميلاد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٣١ ، إثبات الوصية : ٢٥١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٣٦ / ٨١٤ ، إعلام الورى ١ : ١٤٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٦٨ / ٢٨.

(٢) الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٩٩ / ١٦٥.

(٣) راجع : إحقاق الحق ١٢ : ٤٥٨ ، ١٩ : ٦١٩ ، ٢٩ : ٥٩ عن عدة مصادر.

(٤) معجم البلدان ـ المجلد الثالث : ٣٢٨ ـ عسكر سامراء.

٩٧

أبيهعليه‌السلام ، لأنهما سكنا عسكر المعتصم الذي بناه لجيشه ، وهو اسم سرّ من رأى(١) .

وقيل : هو اسم محلّة في سامراء ، قال الشيخ الصدوق : سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون : إنّ المحلّة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن ابن عليعليه‌السلام بسرّ من رأى كانت تسمّى عسكر ، فلذلك قيل لكلّ واحدٍ منهما العسكري(٢) .

وكان هو وأبوه وجدهعليه‌السلام يعرف كلّ منهم في زمانه بابن الرضا(٣) .

وهناك ألقاب اُخرى تطلق على الإمام العسكريعليه‌السلام وفي كلّ منها دلالة علي كمال من كمالاته أو مظهر من مظاهر شخصيته ، منها : الخالص ، الشافي ، الزكي ، المرضي ، الصامت ، الهادي ، الرفيق ، النقي ، المضيء ، المهتدي ، السراج ، وغيرها(٤) من الألقاب التي تحكي مكارم أخلاقه وخصائصه السامية وصفاته الزكية.

__________________

(١) راجع : الانساب / للسمعاني ٤ : ١٩٤ ـ ١٩٦ ، معجم البلدان ـ المجلد الثالث : ٣٢٨ ، القاموس المحيط / الفيروز آبادي ـ عسكر ـ ٢ : ٩٢ ـ دار الجيل ـ بيروت ، الأئمة الاثنا عشر / لابن طولون : ١١٣.

(٢) علل الشرائع / الصدوق ١ : ٢٣٠ ـ باب ١٧٦ ، معاني الأخبار / الصدوق : ٦٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ١١٣ / ١ و ٢٣٥ / ١.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٠ ، إعلام الورى ٢ : ١٣١.

(٤) دلائل الإمامة : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، إعلام الورى ٢ : ١٣١ ، مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٠ ، إكمال الدين : ٣٠٧ باب ٢٧ ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : ١٤٢ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨.

٩٨

كنيته عليه‌السلام :

اشتهر الإمام العسكريعليه‌السلام بكنية واحدة عرف بها عند سائر المؤرخين والمحدثين ، هي أبو محمد ، وذكر الطبري الامامي أنهعليه‌السلام يكني أيضاً أبا الحسن(١) ولم أجده في غيره ، بل هي كنية أبيهعليه‌السلام .

حليته عليه‌السلام :

وصفه أحد معاصريه من رجال البلاط العباسي ، وهو أحمد بن عبيد الله بن خاقان(٢) بقوله : « انه أسمر أعين ـ أي واسع العين ـ حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، له جلالة وهيئة حسنة »(٣) .

وقال ابن الصباغ : « صفته بين السمرة والبياض »(٤) .

وجاء في صفة لباسه : « أنه كان يلبس ثياباً بيضاء ناعمة ، ويلبس مسحاً أسود خشناً على جلده ، ويقول :هذا لله ، وهذا لكم »(٥) .

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٤٢٤.

(٢) ترجم له النجاشي في رجاله : ٨٧ / ٢١٣ وقال : ذكره أصحابنا في المصنفين ، وأن له كتاباً يصف فيه سيدنا أبا محمدعليه‌السلام ، ولم أر هذا الكتاب ، وقال الشيخ الطوسي : له مجلس يصف فيه أبا محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ، أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، الفهرست : ٨١ / ١٠٢ ـ مكتبة المحقق الطباطبايي ـ قم ـ ١٤٢٠ ه‍.

(٣) أصول الكافي ١ : ٥٠٣ / ١ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٢١ ، إكمال الدين ١ : ٤٠ مقدمة المصنف ، إعلام الورى ٢ : ١٤٧ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٩٠١.

(٤) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨١ ، نور الأبصار : ٣٣٨.

(٥) الغيبة / للشيخ الطوسي : ٢٤٧ / ٢١٦.

٩٩

نقش خاتمه عليه‌السلام :

كان نقش خاتمه :سبحان من له مقاليد السماوات والأرض (١) . وقيل : أنا لله شهيد(٢) . وفي نسخة من البحار : إنّ الله شهيد(٣) .

وقال الطبري الإمامي : « كان له خاتم فصّه : الله وليي »(٤) .

بوابه عليه‌السلام :

المشهور أنّ بوابه هو وكيلة الثقة الجليل ، العظيم الشأن عثمان بن سعيد العمريرضي‌الله‌عنه . وقيل : ابنه محمد بن عثمان. وقال ابن شهر آشوب : الحسين بن روح النوبختي ، وقيل : محمد بن نصير ، ورجّح الطبري صحّة الأول(٥) .

شاعره عليه‌السلام :

قيل : هو أبو الحسن علي بن العباس ، المعروف بابن الرومي ( ٢٢١ ـ ٢٨٣ ه‍ )(٦) ولم أجد قصيدة لابن الرومي في الإمامعليه‌السلام ، نعم توجد له قصيدة رائعة في مدح أبي الحسين يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن عليعليه‌السلام ،

__________________

(١) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨١ ، نور الأبصار : ٣٣٨ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨ / ٩.

(٢) مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : ١٤٢.

(٣) بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨ / ١٢.

(٤) دلائل الإمامة : ٤٢٥.

(٥) راجع : تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج : ٣٣ ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ـ ضمن مجموعة نفيسة ، مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، دلائل الإمامة : ٤٢٥ ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : ١٤٣.

(٦) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨١ ، نور الأبصار : ٣٣٨.

١٠٠

والحجاج بالعراق ، وعثمان بن حبارة بالحجاز ، وقرة بن شريك بمصر ) : امتلأت الأرض والله جوراً(١)

والفارق التأريخي هو انه مع جبروته وظلمه فقد تمت في عهده فتوحات واسعة وهذا يبين ان أمر الفتوحات لا يرتبط بعدالة الحاكم بل أن الإسلام كدين أقوى من الحام كفرد فقد يكون الخليفة جائراً ظالماً ، ولكن الناس تدخل في الدين الحنيف بإعتبار التوحيد والقرآن والصورة الكلية للإسلام .

وفي عهده قتل سعيد بن جبير شهيداً ، قتله الحجاج الثقفي في الكوفة .

الوليد والإمام زين العابدينعليه‌السلام

وهنا مجموعة من الشواهد التي مرّ بها السجادعليه‌السلام أيام الوليد :

أولاً : خشية المخزومي من الإمامعليه‌السلام : بالغ ولاة المدينة الإساءة إلى الإمام السجادعليه‌السلام وكان منهم هشام بن اسماعيل المخزومي والي المدينة من قبل عبد الملك بن مروان ( ت ٨٦ هـ ) ، بالرغم من وصية سيده عبد الملك بعدم التحرش بالإمامعليه‌السلام وعدم أيذائه ودار دولاب الحياة ومرت الأيام وإذا بالمخزومي يعزل من قبل الوليد بن

ــــــــــــــــ

(١) المصدر السابق .

١٠١

عبد الملك ( ت ٩٦ هـ ) ويجلد امام دار مروان بن الحكم وكانت خشية المخزومي هي ان يقابله الإمام السجادعليه‌السلام بالمثل وينتقم منه ولكن السجادعليه‌السلام كان أرفع من ذلك وأسمي فقد أمرعليه‌السلام أصحابه وخواصه الا يتعرضوا لهشام المخزومي ، بعد ان أذله الله وسلبه سلطته وعلم المخزومي بذلك فاستبدل سلوكه تجاه الإمامعليه‌السلام بسلوك آخر فكان ، وهو يرى زين العابدينعليه‌السلام ، لا يتمالك نفسه إلا بالهتاف : الله اعلم حيث يجعل رسالته(١)

ودلالات ذلك :

١ ـ كان مبدأهعليه‌السلام العفو عن الظالمين الذين ظلموه ويؤيده قولهعليه‌السلام : ( لو ان قاتل أبي أودع عندي السيف الذي قتل به أبي لأديته إليه )(٢) وتواتر الروايات القائلة بعفوه وسماحة نفسه تسقط الروايات المتعارضة التي تصوره وكأنه كان محباً للانتقام ، من ظالميه .

٢ ـ انهعليه‌السلام كان يقابل ظالميه ، وبعد ان هبطوا إلى أقصى حالات الضعف ، بالإحسان والرأفة كما حصل مع هشام المخزومي ، ومروان بن الحكم وعياله ونحوهم .

ثانياً : السجاد ودعاء الكرب : ولى الوليد على المدينة صالح بن عبد الله المري ، وكتب إليه بإخراج العلوي الحسن بن الحسن من السجن ،

ــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ج ٨ ص ٦١ والكامل في التاريخ لابن الاثير ج ٤ ص ٢٠١ .

(٢) نور الأبصار ص ١٣٧ .

١٠٢

وضربه خمسمائة سوط فأخرجه إلى المسجد ليضربه أمام الناس ولما سمع الإمام زين العابدينعليه‌السلام بذلك خفّ إليه وأشار عليه بدعاء الكرب حتى يفرج الله عنه وهو : ( لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العليّ العظيم ، سبحان الله رب السموات السبع ورب [ الأرضين السبع ] ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين ) فجعل الحسن يردد هذا الدعاء ، حتى صرف الله عنه فلم ينفذ الوالي ما أمر به ، واشفق عليه ، وكتب إلى الوليد بشأنه ، فأمره بالإفراج عنه(١)

ثالثاً : سراج الدنيا في ظلمات بني أمية : ولى الوليد على المدينة سنة ٨٧ هـ عمر بن عبد العزيز وكان الأخير يتظاهر بالعدل والتقوى ، ولكنه كان يتجاهل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ففي بداية ولايته على المدينة أحضر عمر بن عبدالعزيز : عروة بن الزبير ، وأبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة ، وعبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وغيرهم من فقهاء المدينة يطلب منهم العون على أمر الدين وتقويمه عند الأعوجاج كي لا يزلّ فيهوى في النار(٢) ولم يدع

ــــــــــــــــ

(١) الإتحاف بحب الأشراف ص ٧٦ .

(٢) تأريخ الطبري ج ٧ ص ٧١ والكامل لأبن الأثير ج ٤ ص ٢٠١ .

١٠٣

السجادعليه‌السلام إلى الإجتماع فكيف يكون ذلك ، وهو القائل : ( ان علي بن الحسين سراج الدنيا وجمال الإسلام وزين العابدين )(١)

قال في الكشكول : ( لما وضح لعمر بن عبد العزيز ميل الناس عن بني أمية لافراطهم في سب باب مدينة علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ] ، وأخذت الأندية تلهج بوخامة هذه الدنية أراد أن يبرر موقفه أمام الناس فاظهر الإستياء من هذه الفعلة ومنع العمال والولاة مما اعتادوه من لعن أمير المؤمنين وردّ على العلويين فدكاً رجاء ان يستميل القلوب ويستهوي الأفئدة وإلا فهو ما جبل عليه من العداء فان الشجرة المرّة لا تنبت إلا مرّاً(٢) .

مع هشام بن عبد الملك

حج هشام ابن عبد الملك ( ت ١٢٥ هـ ) في زمن أبيه(٣) في سنة ٨٥ أو ٨٦ هجرية على الأرجح وكان عمره آنذاك في حدود الرابعة عشرة من العمر ذلك لأن ولادته كانت سنة نيف وسبعين كما في تأريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٤٧ وتولى الخلافة بعد حوالي عشرين سنة من تأريخ قصيدة الفرزدق ، أي سنة خمس ومائة للهجرة .

ــــــــــــــــ

(١) تأريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٨ .

(٢) الكشكول فيما جرى على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ السيد حيدر الاملي ص ١٥٦ .

(٣) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ج ١ ص ١٥٣ بسنده المتصل الى عبد الله بن محمد عن أبيه .

١٠٤

وكان قد أحتشد بالبيت الحرام ذلك العام ، جمهور غفير من الحجيج للطواف والصلاة والتبرك بالحجر الأسود حتى ان هشاماً لما رأى ازدحام الناس على الحجر وتعسر عليه استلامه برفق ، وضع له منبر جلس عليه ينظر الجمع على راحته ويسلم من مدافعة الرجال .

وبينما هو على ذلك الحال ، أقبل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ونور الإمامة يسطع من محياه ، وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة ، فهابه الحجيج ، وبصر به بعض من يعرفه من الحجاج فنادى بأعلى صوته : (هذا بقية الله في أرضه ، هذا بقية النبوة ، هذا إمام المتقين ، وسيد العابدين ) فتقهقر الجمع ، حتى استلم الحجر وحده وقام باداء ما وجب عليه من دون تدافع أو مزاحمة فتعجبت حاشية هشام من ذلك ، وأخذوا يتساءلون عنه فتغير لون هشام ـ وهو الشاب المرشح للخلافة ـ ولم يرقه ان ينوه بمعرفته بالسجادعليه‌السلام أخر ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الزمان فانكر معرفته ظاهراً ، وهو على معرفةٍ به باطناً .

فقيّض الله له ولياً يضمر إيمانه بآل البيتعليه‌السلام في وقت كان معروفاً بشاعر البلاط الأموي وهذا المتفاني بحب ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الفرزدق ( همام بن غالب بن صعصعة ت ١١٠ هـ ) ، فقال شعراً جميلاً يعرّف به زين العابدين وفضل أهل البيتعليه‌السلام

والجدير بالذكر ان الفرزدق كان قد دخل مع أبيه على الإمام عليعليه‌السلام في البصرة سنة ٣٧ هـ فسأل الإمامعليه‌السلام عن الفرزدق ـ ولم يكن له من العمر اكثر من سبع وعشرين سنة ـ فقيل انه يقول الشعر ، فأرشدهعليه‌السلام الى ما هو خير له من ذلك وهو تعلم القرآن وعمل بالنصيحة واستفادها في شعره لاحقاً .

١٠٥

قصيدة الفرزدق :

قال : انا اعرفه ، وانشأ الفرزدق(١)

(يا سائلي أين حلّ الجود والكرم

عندي بيانٌ إذا طلابه قدم)

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم

هذا التقيّ النقي الطاهر العلم

اذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت

عن نيلها عرب الأقوام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغضي حياءً ويغضى من مهابته

فما يكلّم إلا حين يبتسم (٢)

بكفه خيزرانٌ ريحها عبقٌ

من كفّ أروع في عرنينه شممٌ (٣)

من جدّه دان فضل الأنبياء له

وفضل أمتّه دانت له الأمم

ــــــــــــــــ

(١) المناقب ج ٣ ص ٣٠٦ .

(٢) الإغضاء : إدناء الجفون وأغضى على الشيء : سكت .

(٣) الخيزران : بضم الزاء شجرٌ هنديٌّ ، وهو عروق ممتدة في الأرض وعبق به الطيب بالكسر عبقاً بالتحريك : أي لزق به ورجلٌ عبق : إذا تطيّب بأدنى طيب لم يذهب عنه أياماً والأروع : من يعجبك بحسنه وجهارة منظره والعرنين : بالكسر ، الأنف والشّمم : محرّكة ، ارتفاع قصبة الأنف وحسنها واستواء أعلاها وقوله : من كفّ : فيه تجريد مضاف إلى الأروع .

١٠٦

ينشق نور الهدى عن نور غرته

كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم (١)

مشتقّةٌ من رسول الله نبعته

طابت عناصره والخيم والشيم (٢)

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجدّه أنبياء الله قد ختموا

الله فضّله قدماً وشرّفه

جرى بذاك له في لوحه القلم

فليس قولك : من هذا ؟ بضائره

العرب تعرف من أنكرت والعجم

كلتا يديه غياثٌ عمّ نفعهما

يستوكفان ولا يعروهما العدم (٣)

سهل الخليقة لا تخسى بوادره

يزينه اثنان : حسن الخلق والكرم (٤)

حّمال أثقال أقوام إذا فدحوا

حلو الشمائل تحلو عنده نعم (٥)

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته

رحب الفناء أريبٌ حين يعترم (٦)

ما قال لا قط إلا في تشهده

لولا التشهد كانت لاؤه نعم

عمّ البرية بالإحسان فانقشعت

عنها الغيابة والإملاق والعدم

ــــــــــــــــ

(١) انجابت السحابة : انكشفت .

(٢) الخيم : بالكسر ، السجية والطبيعة والشيم : بكسر الشين وفتح الياء : جمع الشيمة بالكسر ، وهي الطبيعة .

(٣) استوكف : استقطر .

(٤) البوادر : جمع البادرة وهي ما يبدو من حدّتك في الغضب من قول أو فعل .

(٥) فدحه الدين : أثقله .

(٦) النقيبة : النفس والعقل ، والمشورة ونفاذ الرأي والطبيعة والأريب : العاقل وقوله : يعترم على المجهول من العرام ، أي عاقل إذا أصابته شدة .

١٠٧

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر ، وقربهم منجى ومعتصم

إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل : من خير أهل الأرض ؟ قيل : هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمةٌ أزمت

والأسد أسد الشرى والبأس محتدم (١)

لا ينقض العسر بسطاً من أكفهم

سيان ذلك وإن أثروا وإن عدموا (٢)

يستدفع السوء والبلوى بحبهم

ويستربّ به الإحسان والنّعم

مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل بدءٍ ومختومٌ به الكلم

يأبي لهم أن يحلّ الذّمّ ساحتهم

خيمٌ كريمٌ وأيدٍ بالندى هضم (٣)

أيّ الخلائق ليست في رقابهم

لأوّلية هذا أوله نعم

من يعرف الله يعرف أوّليّة ذا

فالدين من بيت هذا ناله الأمم

ولم يرق هشام تلك المصارحة التي سترها دون الشاميين ، وكبر عليه مدح الإمام زين العابدينعليه‌السلام بمحضره فأمر بسجن الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة ، والظاهر أنه أوصى بقطع صلته وعطائه من البلاط ولكن الفرزدق لم يعبأ بذلك .

ــــــــــــــــ

(١) الأزمة : الشدة ، وأزمت أي لزمت والشرى : ( كعلى ) طريق في سلمى كثيرة الأسد واحتدم عليه غيظاً : تحرّق ، والنار التهبت ، والدم اشتدت حمرته حتى تسوّد وفي بعض النسخ البأس بالباء الموحدة ، وفي بعضها بالنون وعلى الأول المراد أن شدتهم وغيظهم ملتهب في الحرب وعلى الثاني المراد أن الناس محتدمون عليهم حسداً .

(٢) أثرى : أي كثر ماله .

(٣) خيم : أي لهم خيم والندى : المطر ، ويستعار للعطاء الكثير وهضم : ( ككتب ) جمع هضوم ، يقال يد هضوم أي تجود بما لديها .

١٠٨

ووصلته هدية مالية من الإمامعليه‌السلام هي أعظم هدايا ذلك الزمان قيل انها اثني عشر الف درهم ، وقيل ألف دينار مشفوعة بالعذر بعدم وجدان الأكثر فأرجعها الفرزدق خوفاً من فوات الأجر الإلهي الذي توخاه من حبه لآل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلمه الإمامعليه‌السلام بقبول الله تعالى نصرته لذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنهمعليه‌السلام لا يرجعون بعطاياهم .

دلالات قصيدة الفرزدق :

١ ـ لاشك ان قصيدة الفرزدق تعدّ من أعظم الوثائق التاريخية التي تكشف حب الأمة الإسلامية لآل البيتعليه‌السلام في القرن الأول الهجري وتكشف أيضاً عن معرفة الأمة (على لسان الفرزدق ) لفضائل ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطهارتهم وتقواهم وعصمتهم وديباجة القصيدة تشير الى أدب جم ونظر بعيد وبلاغة متناهية وهذا ينطبق على أدب الفرزدق وشاعريته .

٢ ـ ان ذكر تلك القصيدة الرائعة في مصادر تاريخية واسعة يدلّ على تواترها وشيوعها بين الناس لم لا وقد وصف الفرزدق بأعظم وصفٍ ، وهو انه فاز بحب أهل البيتعليه‌السلام .

فقال ابن العماد الحنبلي ( ت ١٠٨٩ هـ ) في شذرات الذهب : ( مما يرجى له الزلفى وعظيم الفائدة بحميته في أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدحه زين العابدين علي بن الحسين وإعرابه عن الرغبة والرهبة )(١) وقال ابن خلكان في الوفيات واليافعي في مرآة الجنان : ( للفرزدق مكرمة يرجى له فيها الرحمة في دار الآخرة )(٢) ثم ذكر الرواية تلازمها تلك القصيدة الرائعة وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( قال الفرزدق للسجادعليه‌السلام انما قتل هذا لله عز وجل ونصرةً للحق وقياماً بحق رسول الله في ذريته ، ولست أعتاض عن ذلك بشيء )(٣) . وقال السيوطي في شرح شواهد المغني : ( قال الفرزدق للسجادعليه‌السلام حين رد الصلة : يا ابن رسول الله ما قلته الا غضباً لله عز وجل ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما كنت لآخذ عليه شيئاً )(٤)

ــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب ج ١ ص ١٤٢ .

(٢) مرآة الجنان ج ١ ص ٢٣٩ .

(٣) البداية والنهاية ج ٩ ص ١٠٩ .

(٤) شرح شواهد المغني ص ٢٥٠ طبعة مصر .

١٠٩

وقال الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ( سمعت الحافظ فقيه الحرم محمد بن احمد بن علي القسطلاني يقول : سمعت شيخ الحرمين أبا عبد الله القرطبي يقول : لو لم يكن للفرزدق عند الله عمل الا هذا لدخل الجنة به ، لانها كلمة حق عند ذي سلطان جائر )(١)

وصح إسناد هذه الرواية ، بقسميها الواقعة والقصيدة ، عن السبكي(٢) ( ت ٧٧١ هـ ) ، وأبو نعيم(٣) ( ت ٤٣٠ هـ ) ، والاصبهاني(٤) ( ت ٣٥٦ هـ ) ، ومحمد بن مسعود العياشي ( من أعيان المائة الثالثة)

٣ ـ ان السبب الباعث لإنشاء الفرزدق قصيدته هو تجاهل هشام ( ولي العهد ) بمعرفة زين العابدينعليه‌السلام عند استفهام أهل الشام منه ، بعدما شاهدوا جلالة الإمامعليه‌السلام وهيبته فتقهقر جمع الحجيج عن الحجر ، حتى استلمه ولن يعبأ الفرزدق بسطوة هشام ولا جبروت أبيه الخليفة الظالم ، فقال قولة الحق في الإمام زين العابدينعليه‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) كفاية الطالب ص ٣٠٦ .

(٢) طبقات الشافعية الكبرى ج ١ ص ١٥٣ .

(٣) حلية الأولياء ج ٣ ص ١٣٩ .

(٤) الأغاني ج ١٩٠ ص ٤٠ .

١١٠

الإمامعليه‌السلام في شخصيته

وكان الإمام السجادعليه‌السلام كريماً في نفسه ، جليلاً في قومه وكان القوم يعظّمون مقامه ويثنون على إمامته وعبادته وتقواه كان أفضل هاشمي في زمانه(١) ، وكان ذو فضل عظيم على أهل بيته وعصره ولقد أوتي من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثله ولا قبله إلا من مضى من سلفه(٢) ، وكان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله(٣) ، وروى عنه فقهاء العامة من العلوم ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلا والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء(٤) ، وله من الخشوع وصدقة السر وغير ذلك من الفضائل(٥)

ولعل كتاب محمد بن طلحة القرشي الشافعي كان قد جمع صفات زين العابدينعليه‌السلام جمعاً رائعاً ، فقال :

ــــــــــــــــ

(١) قاله حماد بن زيد من أبرز فقهاء البصرة ( تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٩)

(٢) قاله عبد الملك بن مروان ، على الرغم من عداوته للإمامعليه‌السلام ( بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٧٥)

(٣) قاله الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٢٤٠)

(٤) قاله الشيخ المفيد في ( الإرشاد ج ٢ ص ١٣٨ و ١٥٣)

(٥) قاله ابن تيمية في ( منهاج السنّة ج ٢ ص ١٢٣)

١١١

 ( كان قدوة الزاهدين وسيد المتقين ، وإمام المؤمنين ، شيمته تشهد له أنّه من سلالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمته يثبت مقام قربه من الله زلفاً ، وثفناته تسجّل له كثرة صلاته وتهجدّه ، وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها درّت له اخلاق التقوى فتفوّقها ، وأشرقت له أنوار التأييد فاهتدى بها ، وآلفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها ، وحالفته وظائف الطاعة فتحلّى بحليتها ، طالما اتخذ الليل مطية ركبها لقطع طريق الآخرة ، وظمأ الهواجر دليلاً استرشد به في مسافرة المسافرة وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة وشهد له أنّه من ملوك الآخرة )(١)

حج خمساً وعشرين حجة راجلاً(٢) وكان المشي من المدينة إلى مكة يستغرق حوالي عشرين يوماً وإذا كانت المسافة بين مكة والمدينة حوالي ٤٠٠ كليومتراً وكان معدل مشي الإنسان في اليوم ٢٠ كيلومتر استغرق الذهاب ثلاثة أسابيع ، والإياب ثلاثة أخرى وإذا افترضنا ان أداء المناسك يستغرق أسبوعين استغرق حج الإمامعليه‌السلام شهرين من كل سنة .

وكان فساد الوضع الإجتماعي وقلّة الموالين يدعوانه إلى تكثيف العمل الإرشادي ، وتربية الناس على التعبد لله عزّ وجلّ ،

ــــــــــــــــ

(١) مطالب السؤول ج ٢ ص ٤١ .

(٢) العقد الفريد ج ٣ ص ١٠٣ .

١١٢

فكانعليه‌السلام يبذل وقتاً ثميناً في موعظة المؤمنين وتدريس المتعلمين في الوقت الذي يقوم فيه بتأدية العبادات كالصلاة والصيام والحج وجهاد النفس ( الجهاد الأكبر ) فيتوهم المتوهم ( وهو عباد البصري ) ويسأله عن سبب تركه الجهاد الأصغر ، فيجيبه الإمامعليه‌السلام ، بان العلّة تكمن في قلّة الموالين الذين يعتمد عليهم في عمل عظيم كالقيام بالسيف فإذا وجدوا ( فالجهاد معهم أفضل من الحج )(١)

وكانت شخصية السجادعليه‌السلام تجذب أطراف إجتماعية متباعدة كالزهري عالم بني أمية ، والفرزدق شاعر البلاط الأموي ، وسعيد بن جبير التابعي الجليل ، ومحمد بن أسامة من بني هاشم ، وكان يصل الجميع بفكره ونصائحه ومحبتهعليه‌السلام

فهذا الزهري ، عندما عاقب شخصاً ومات في العقوبة ، خرج هائماً وتوحش ودخل إلى غار ، فطال مقامه تسع سنين فنصحه الإمام زين العابدينعليه‌السلام وقال له :

(إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك ، فابعث بديّة مسلّمة إلى أهله واخرج الى أهلك ومعالم دينك ) فقال له : فرّجت عني يا سيدي ! الله أعلم حيث يجعل رسالته ورجع الى بيته ولزم علي بن الحسينعليه‌السلام ، وكان يعدّ عند البعض من أصحابه ، ولذلك قال له بعض بني مروان : يا زهري ! ما فعل نبيك ؟

ــــــــــــــــ

(١) المناقب ج ٣ ص ٢٩٨ والاحتجاج ص ١٧١ .

١١٣

يعني علي بن الحسينعليه‌السلام (١) إلا ان الحق ان الزهري كان من حاشية آل مروان ، ولم يثبت أنه كان من أتباع أهل البيتعليه‌السلام أصلاً .

أما الفرزدق ( همام بن غالب ) فقد ذكرنا قصيدته ودلالالتها العقائدية ، وانه قالها كلمة حقٍ عند سلطان جائر .

وهذا سعيد بن جبير يأتم بعلي بن الحسينعليه‌السلام ، فكان زين العابدينعليه‌السلام يثني عليه ، وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر وذكر أنه لما دخل على الحجاج بن يوسف قال : أنت شقي بن كسير ؟ قال : أمي كانت أعرف بي ، سمتني سعيد بن جبير .

قال : ما تقول في أبي بكر وعمر ، هما في الجنة أو في النار ؟

قال : لو دخلت الجنة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها ، ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها .

قال : فما قولك في الخلفاء ؟ قال : لست عليهم بوكيل قال أيهم أحبّ إليك ؟

قال : أرضاهم لخالقي قال فأيهم أرضى للخالق ؟ قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرّهم ونجواهم قال : أبيت أن تصدقني ؟ قال : بل لم أحب أن أكذبك(٢)

ــــــــــــــــ

(١) المناقب ج ٣ ص ٢٩٨ .

(٢) روضة الواعظين ص ٢٤٨ .

١١٤

وهذا محمد بن أسامة عندما حضرة الموت ، دخلت عليه بنو هاشم ، فقال لهم : قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم ، وعليّ دين فأحبّ أن تضمنوه عني فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( أما والله ثلث دينك عليّ ) ثم سكت وسكتوا فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( عليّ دينك كله ) ثم قال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( أما إنه لم يمنعني أن أضمنه أولاً إلا كراهة أن تقولوا : سبقنا )(١) وهكذا خلق الأولياء أبناء الأنبياءعليه‌السلام

وكان الإمام السجادعليه‌السلام يحنو على آل عقيل ويكرمهم ، لما لهم من مواقف مشرفة يوم عاشوراء ، فقد ضحى أبناء عقيل وأحفاده الشبان بين يدي الإمام الحسينعليه‌السلام وكانعليه‌السلام يقول : ( إني أذكر يومهم مع أبي عبد اللهعليه‌السلام فأرقّ لهم )(٢) وكان من برهعليه‌السلام بآل عقيل انه بنى دورهم التي هدمها الأمويون(٣) وكانت ترد الإمامعليه‌السلام أموالٌ من مصادر مختلفة ، فكان يستثمرها في ذلك .

ــــــــــــــــ

(١) روضة الكافي ج ٨ ص ٣٣٢ .

(٢) كامل الزيارات ص ١٠٧ .

(٣) غاية الاختصار ص ١٦٠ .

١١٥

الأيام الأخيرة

ذكر جملة من المؤرخين(١) ان الوليد بن عبد الملك ( ت ٩٦ هـ ) قد دسّ سماً للإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وقيل ان هشام بن عبد الملك ( ت ١٢٥ هـ ) سمه(٢) ولأن شهادتهعليه‌السلام كانت أيام ملك الوليد الممتدة من سنة ٨٦ وحتى سنة ٩٦ للهجرة ، فانه يحتمل ان الوليد قد أوعز الى أخيه هشام بسمه في المدينة في شهر محرم الحرام سنة ٩٥ للهجرة ولا يوجد من بين المصادر التاريخية تأريخاً دقيقاً يبين وقت إطعام السم إلا انه من المؤكد انه قد حصل في شهر محرم الحرام والسم لا يدع للمرء فرصة العيش إلا فترة زمنية قصيرة .

ولنعش تلك الأيام الأخيرة من حياة الإمام السجادعليه‌السلام بين الوريقات القادمة .

ــــــــــــــــ

(١) ابن حجر في الصواعق المحرقة ص ١٢٠ وابن الصباغ في الفصول المهمة والشبراوي في الإتحاف ص ٥٢ .

(٢) دلائل الإمامة لابن جرير الطبري ص ٨٠ ومناقب ابن شهر اشوب ج ٢ ص ٢٦٩ وتاريخ القرماني ص ١١١ .

١١٦

وصايا السجادعليه‌السلام لأهل بيته

وكان من عادة آل البيتعليه‌السلام إذا علموا بدنو الأجل وقرب الوفادة على الله تعالى أوصلوا أهليهم بحسن طاعة الله تعالى وحسن التعامل مع الناس وكان الإمام السابق يوصي الإمام اللاحق بوصايا الإمامة والحكمة .

ومن ذلك ان مجموعة من أصحاب الإمام زين العابدينعليه‌السلام دخلت عليه أيام مرضه لعيادته ، فقالوا له : كيف أصبحت يا ابن رسول الله فدتك أنفسنا قالعليه‌السلام : ( في عافية والله المحمود على ذلك ) ثم قال لهم : ( كيف أصبحتم جميعاً ) قالوا : أصبحنا لك والله يا ابن رسول الله محبين وادين قالعليه‌السلام : ( من أحبنا الله تعالى أدخله الله ظلاً ظليلاً يوم لا ظل إلا ظله ، ومن أحبنا يريد مكافأتنا كافأه الله عنا بالجنة ، ومن أحبنا لغرض دنياً أتاه رزقه من حيث لا يحتسب )(١)

ومما أوصى به ولده : ( إذا أصابتكم مصيبة أو نزلت بكم فاقة فليتوضأ الرجل ويحسن وضوءه ويصلي أربع ركعات أو ركعتين ، وبعد الفراغ يقول : يا موضع كل شكوى ، يا سامع كل نجوى ، يا شافي كل بلاء ، ويا عالم كل خفية ، ويا كاشف ما يشاء يا نجي

ــــــــــــــــ

(١) الفصول المهمة لابن الصباغ ص ٢١٨ .

١١٧

موسى ، ومصطفى محمد ، يا خليل إبراهيم ، أدعوك دعاء من اشتدت فاقته ، وضعفت قوته ، وقلّت حيلته ، دعاء الغريب الغريق الفقير الذي لا يجد لكشف ما فيه إلا أنت يا أرحم الراحمين ، لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من من الظالمين ) ثم قالعليه‌السلام : ( من أصابه البلاء ودعا بهذا الدعاء أصابه الفرج من الله تعالى )(١)

وقالعليه‌السلام : ( يا بنيّ أخذ بيدي جدي وقال : يا بنّي أفعل الخير إلى كل من طلبه منك ، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه وإن لم يكن أهله كنت أهله وإن شتمك رجل وتحول الى يسارك وأعتذر إليك ، فأقبل منه )(٢) و( جالسوا أهل الدين والمعرفة ، فإن لم تقدروا عليهم فالوحدة آنس وأسلم ، فإن أبيتم إلا مجالسة الناس فجالسوا أهل المروآت )(٣)

وقالعليه‌السلام لبعض ولده : ( ان الله تعالى رضيني لك و لم يرضك لي ، وأوصاك بي ولم يوصني بك ، فعليك بالبر تحفة يسيرة )(٤) و( اعلم أن خير الآباء للابناء من لم تدعه المودّة إلى التفريط فيه ، وخير الأنباء للآباء من لم يدعه التقصير الى العقوق له )(٥)

ــــــــــــــــ

(١) كشف الغمة للأربلي ص ١٦٥ .

(٢) مشكاة الأنوار ص ٦٥ .

(٣) رجال الكشي ص ٤١٩ .

(٤) تحف العقول ص ٦٧ .

(٥) العقد الفريد ج٣ ص ٨٩ .

١١٨

وقالعليه‌السلام : ( يا بني خمسة لا تصاحبهم ولا توافقهم ولا تحادثهم إياك ومصاحبة الكذاب فانه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فانه بائعك بأكلة أو أقل منها وإياك ومصاحبة البخيل فانه يخذلك فيما تكون إليه أحوج وإياك ومصاحبة الأحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة قاطع رحمه ، فاني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع(١) قال تعالى : (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمّهُمْ وَأَعْمَى‏ أَبْصَارَهُمْ ) (٢) . وقال الله تعالى :( وَالّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ ) (٣)  وقال الله تعالى : (( الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (٥) (٤) .

ــــــــــــــــ

(١) كشف الغمة ص ٢٠٠ .

(٢) سورة محمد : الآية ٢٢ ـ ٢٣ .

(٣) سورة الرعد : الآية ٢٥ .

(٤) سورة البقرة : الآية ٢٧ .

(٥) الوافي ج٣ ص ١٠٥ .

١١٩

ثم قالعليه‌السلام : ( أحبكم الى الله أحسنكم عملاً ، وأعظمكم عند الله عملاً أسعاكم لعياله ، وأكرمكم عند الله أتقاكم لله تعالى )(١)

وقالعليه‌السلام : ( يا بنّي اصبر على النوائب ولا تتعرض للحقوق ، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعتك له )(٢) ( وإياك ومعادات الرجال فانها لن تعدمك مكر حليم أو مفاجأة لئيم )(٣)

وصايا السجادعليه‌السلام لإبنه الباقرعليه‌السلام

وفي أيام مرضهعليه‌السلام أيضاً جمع أولاده محمداً والحسن وعبد الله وزيداً والحسين وأوصى بالإمامة إلى أبنه محمد بن عليعليه‌السلام ، وكناه الباقر وجعل أمرهم إليهعليه‌السلام وقال له :

(يا بنّي : العقل رائد الروح ، والعلم رائد العقل ، والعقل ترجمان العلم واعلم ان العلم أبقى ، واللسان أكثر هذراً وان صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين بهما إصلاح شأن المعائش : ملء مكيالٍ

ــــــــــــــــ

(١) تحف العقول ص ٦٧ .

(٢) حلية الأولياء ج ٣ ص ١٣٨ والبيان والتبيين للجاحظ ج ٢ ص ٥٩ .

(٣) بحار الأنوار ج ١٧ ص ١٦٠ الطبعة القديمة .

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209