الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة11%

الأسرار الفاطميّة مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 1420
الصفحات: 534

الأسرار الفاطميّة
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136793 / تحميل: 8267
الحجم الحجم الحجم
الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة

مؤلف:
ISBN: ١٤٢٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

في الروايات الشريفة علىٰ معرفة شروط هذه المعرفة ومن شروط هذه المعرفة هو القبول عن أهل البيتعليهم‌السلام في كل ما يقولونه من المعارف الربانية الحقة وفي كل ما يقولونه من الحق فهم حجج الله علىٰ الخلق ، فالراد عليهم كالراد علىٰ الرسول وعلىٰ الله تعالىٰ ، هذا البيان يظهر لنا ان معرفة مراتب التوحيد متوقف على المعارف الربانية التي جاء بها أهل البيت في بيان معنىٰ التوحيد والقبول عنهم في كل شيء يقولون به ، فانه من عرفهم فقد عرف الله تعالىٰ لانهم هم الادلاء عليه وعلى مرضاته وكل ما ثبت للائمةعليهم‌السلام فهو ثابت للزهراءعليها‌السلام فهي مشتركة معهم في كونها نورانية وكونها الصراط المستقيم وكذلك كونها الكلمات التي تلقاها آدمعليه‌السلام لتوبته واشتراكها في المباهلة معهمعليهم‌السلام وأيضاً اشتراكها في كونهم الشجرة الطيبة ونزول الملائكة عليهم في ليلة القدر واشتراكها معهم في بدء خلقها معهم قبل خلق آدم وعرض ولايتهم علىٰ الاشياء الخ. والاهم من هذا كله هو كونهاعليها‌السلام الحجة علىٰ الأئمة وعلى معرفتها دارت القرون الاولىٰ وما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتىٰ أقر بفضلها ومحبتها وعلىٰ هذا الاساس يكون كل من يقبل عنها الحق فهو من الموحدين وكل ما صدر منها لابد من الإيمان به وإلاّ الراد عليها كالراد علىٰ الله ورسوله. وعليه تكون فاطمةعليها‌السلام مرتبطة بتوحيد الله تعالىٰ ونعني بذلك أنه لابد من الإيمان بها والتصديق بكل ما صدر منها انه الحق وان توحيد أي مسلم أو مؤمن لا يكتمل حتىٰ يقر بفضلها ومحبتها وولايتها ، فيكون علىٰ هذا الأساس كل من رد عليها ولم يقبل منها الحق فهو مشرك أو منافق فهي اذن لها ارتباط بالاصل الأوّل من اصول الدين وهو التوحيد وهذا ثابت لها وللائمة من ولدهاعليهم‌السلام وهذا ما وجدناه في قول الإمام الحسينعليه‌السلام عندما خرج في واقعة كربلاء حاملاً الطفل الرضيع وهو ينادي : هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟

ومحل الشاهد هو هل من موحد يخاف الله فينا ، فالذي يكون موحداً لابد ان يخاف الله في كل شيء ويقف عند حدوده التي أمرنا بالوقوف عندها ، فانه من ملازمات التوحيد مخافة الله تعالى في عدم أذية الناس وخلق الله تعالى والذي

١٤١

لا يخاف الله تعالىٰ فهو ليس موحد فالذين ظلموا آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكونوا موحدين لانهم لم يخافوا الله تعالىٰ في خلقه الذين خلقهم قبل كل شيء فما بالك ، فيهمعليه‌السلام حيث كانوا من الذين استخلصهم واصطفاهم الله تبارك وتعالىٰ علىٰ الخلق فيكون من باب الاولوية انه كل من ظلمهم كان من المشركين وكل من رد عليهم فقد أشرك بالله تعالىٰ من حيث لا يعلم لأنّ الله تعالى أمر الخلق بالاخذ عنهم والتسليم لهم وان الراد علهيم راد على الله والراد علىٰ الله مشرك وقد أخبر الله تعالىٰ عن حكم من أشرك فيهم حيث يقول الله تعالىٰ في كتابه( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ *ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) . يعني ما وضعوا أصناماً ظاهرة يعبدونهم من دون الله ويصلون لهم ولكنهم اتخذوا رجالا من دون ولي الله وحجة الله فأمرهم بخلاف ما أمر الله فأطاعوهم في خلاف أمر الله فعبدوهم من حيث لا يعلمون فرد عليه سبحانه فقال أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ، وقال الإمام الصادقعليه‌السلام حكاية عنهم هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث لا يعلمون.

إذن لا يعرف الله احد من الخلق حق معرفته حتىٰ يأتي بالشروط التي تتوقف عليها المعرفة وهذه الشروط كلها معرفتهمعليهم‌السلام بما فيهم فاطمة الزهراء التي هي قطب الرحىٰ التي تدور عليها معرفة أهل البيت وكما وصفت لك وفسرت فاذا كان كذلك فكيف لا يقبل عنهم أي فرد ، وقد قبل عنهم لانه قبل العلم والمعرفة والتوحيد عنهم ولو لم يقبل لم يعلم ولم يعرف اذ لا يكون ذلك منه غيرهمعليهم‌السلام ، وعلىٰ هذا كانت فاطمةعليها‌السلام من هذه الجهة ومن خلال فقرة الزيارة الجامعة الكبيرة مرتبط بصميم التوحيد وهذا لا يظهر إلاّ لمن تمعن وتفحص ودقق في مأثورات أهل البيتعليهم‌السلام فافهم تغنم أنشاء الله.

اما ثاني الادلة التي نستطيع من خلالها الورود في مسألة ارتباط فاطمة بصميم التوحيد فهو ما جاءت وتظافرت به الروايات الشريفة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه الروايات تنقسم فيما نحن فيه الى أربعة طوائف :

١٤٢

١ ـ الطائفة الاولىٰ : اذاهاعليها‌السلام هو أذىٰ الله تبارك وتعالىٰ.

٢ ـ الطائفة الثانية : رضاهاعليها‌السلام هو رضىٰ الله تبارك وتعالىٰ.

٣ ـ الطائفة الثالثة : حبهاعليها‌السلام هو حب الله تبارك وتعالىٰ.

٤ ـ الطائفة الرابعة : غضبهاعليها‌السلام هو غضب الله تبارك وتعالى ٰ.

ونستفيد من خلال التأمل والتمعن في مدلولات هذه الروايات أنه لا معنى لارتباط أذية ورضىٰ فاطمة وغضبها بالله تعالىٰ اذا لم تكن معصومة بالعصمة المطلقة ، فالله تبارك وتعالىٰ جعلها معبرة عن غضبه ورضاه لكونها معصومة بالعصمة المطلقة الذاتية وإلاّ فان هكذا قول يكون في غاية الوهن والعبث وعدم الحكمة. فالله تبارك وتعالىٰ جعل فاطمةعليها‌السلام المعبرة عن غضبه ورضاه وعلىٰ لسان نبيه الاكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا يدل علىٰ انهاعليها‌السلام معصومة وإلا فانه لا داعي ولا حكمة في كونها تمثل غضب ورضا السماء اذا لم تكن معصومة ولا تفعل إلاّ برضا الله تبارك وتعالىٰ. وعلىٰ كل حال فان جميع الروايات المروية عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جاءت لتؤكد هذه الحقيقة وهي كون فاطمة لها ارتباط بالله تعالىٰ وتوحيده سواء كان هذا الارتباط تارة يأتي علىٰ هيئة غضب الله أو رضاه أو علىٰ هيئة حب الله تبارك وتعالىٰ أو أذاه. وإليك بعض النصوص التي بينت هذه الطوائف الأربعة من الروايات :

* جاء في تفسير قوله تعالىٰ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) أنها نزلت في غصب حق أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأخذ حق فاطمة « أذاها » ، قد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله عز وجل :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (١) .

أقول : يظهر من هذا الآية ان الله تبارك وتعالىٰ يتأذىٰ من فعل بعض القوم ومن المعلوم ان الله لا تصل إليه اذية أي بشر بالمعنىٰ وانما جعل بعض المؤمنين

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم ٥٣٣. عنه البحار ٤٣ / ٢٥ ح ٢٣ في تفسير الآية ٥٧ من الأحزاب ، وجاء في المناقب ٣ / ٢١٠ في رواية مقاتل :( الَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ ) يعني علياً.( وَالمُؤْمِنَاتِ ) يعني فاطمة( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) .

١٤٣

والذين هم أهل بيت النبوة مظهر من مظاهر أذيته اذا تؤذوا همعليهم‌السلام ، وهذا نص صريح في كونهم مرتبطين بالله ، فالغضب الإلهي يتجلّى في غضبهم كما أنّ غضبهم مرآة غضب الله ، وكذلك الحال في الرضا.

* وجاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : « ان فاطمة بضعة مني وان الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها »(١) .

* وورد عن تفسير الثعلبي باسناده عن مجاهد قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أخذ بيد فاطمةعليها‌السلام وقال :

« من عرف فاطمة فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله »(٢) .

* وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال :

« يا فاطمة ، ان الله ليغضب لغضبك ، ويرضىٰ لرضاك »(٣) . وهذا الحديث يعتبر من أهم الاحاديث التي رواها العامة والخاصة ولقد وجدنا لهذا الحديث عدة أسانيد مختلفة سواء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة أو عن ائمة الهدىٰعليهم‌السلام فتارة يكون الحديث عن الإمام الحسينعليه‌السلام واخرىٰ عن الصادق والباقر أو عن الإمام زين العابدين وهكذا نجده بأسانيد مختلفه ولكن المحتوى واحد والمضمون لا يختلف وهو ان الله يغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها(٤) .

* وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام هذا الحديث حيث قال جده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « يا فاطمة ، ان الله تبارك وتعالىٰ ليغضب لغضبك ويرضىٰ لرضاك » ، وقد أثار هذا

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٠٣ ، ح ٢.

(٢) كشف الغمة : ١ / ٤٦٧ ، الفصول المهمة ١٢٨١ ، نور الابصار : ٥٢ ، نزهة المجالس ٢ / ٢٢٨ ، ائمة الهدىٰ : ٨٢ ، الاحقاق : ١٠ / ٢١٢ ، ٢١٣.

(٣) المناقب : ٣ / ١٠٦ ومثله عن الحسين « ع » كشف الغمة ١ / ٤٥٨.

(٤) ولقد روي هذا الحديث في كتب مختلفة واسانيد معتبرة ومن هذا الكتب مقتل الخوارزمي ١ / ٥١ ، ومجالس المفيد ٩٤ وروضة الواعظين ١٨٠ ، تاريخ دمشق ١ / ١٥٩ ، وسيلة النجاة ٢١٢ ، وكنز العمال ١٢ / ١١١ ، ميزان الاعتدال ١ / ٥٣٥ ح ٢٠٠٢ ، غاية المرام : ٢٩٤ ، صحيفة الرضا ٩٠ / ح ٢٣.

١٤٤

الحديث بعض الشباب الذين كانوا في زمن الإمامعليه‌السلام ومنهم صندل الذي جاء إليه وقال له : يا ابا عبد الله ان هؤلاء الشباب يجيئونا عنك بأحاديث منكره.

فقال : له جعفرعليه‌السلام : وماذاك يا صندل ؟

قال : جاء عنك ، انك حدثتهم ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها !

قال : فقال جعفرعليه‌السلام : يا صندل ، ألستم رويتم فيما تروون : أن الله تبارك وتعالىٰ يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضىٰ لرضاه ؟! قال : بلى.

قال : فما تنكرون ان تكون فاطمةعليها‌السلام مؤمنة يغضب لغضبها ، ويرضىٰ لرضها ؟!. قال : فقال : « الله أعلم حيث يجعل رسالته »(١) .

ويظهر من هذا الحديث ان مسألة انكار أحاديث أهل البيت في قضية فاطمة الزهراء وان رضاها رضا الله ورسوله كانت موجودة من زمن الأئمةعليهم‌السلام ، وكذلك توجد نقطة مهمة ونكتة خافية وهي ان الرسول انما تحدث بهذه الاحاديث في فاطمةعليها‌السلام ليؤكد علىٰ مسألة مهمة وهو ان فاطمةعليها‌السلام سوف تظلم وتؤذىٰ من بعده ، لذا سوف ترضىٰ عن بعض المسلمين وتغضب على البعض الاخر فلذلك أعطىٰ الرسول الاعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ظابطة كلية في مسألة تقييم بعض الشخصيات في زمن فاطمةعليها‌السلام ألا وهي ضابطة الرضا والغضب بالنسبة لفاطمة ، فكأنما يشير إلى ما سيجري عليها من الظلم من بعده.

اذن تبين لنا من خلال تفسير الآية المباركة( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ ) وبيان بعض الاحاديث الشريفة حول رضا فاطمة وغضبها وانهما مقرونان برضا الله وغضبه ، انهاعليها‌السلام مرتبطة بصميم التوحيد وهنا يرد هذا السؤال المهم في ما نحن فيه ألا وهو ما الثمرة من هذا الارتباط ؟ أو بعبارة أخرىٰ ما الفائدة في ارتباط غضب فاطمة ورضاها بالله تعالىٰ ؟ والجواب يظهر من خلال متابعة القرآن الكريم والاحاديث التي

__________________

(١) كنز العمال : ١٣ / ٦٧٤ ح ٣٧٧٢٥ ، الحاكم في مستدركه : ٣ / ١٥٣ ميزان الاعتدال : ١ / ٥٣٥ ح ٢٠٠٢ ، التذكرة لابن الجوزي : ٣٢٠ ، كفاية الطالب ٣٦٣ أسد الغابة : ٥ / ٥٢٢ ، ذخائر العقبىٰ : ٣٩ / ينابيع المودة : ١٧٣ ، ١٩٨ الاصابة : ٤ / ٣٧٨ ، خصائص السيوطي : ٢ / ٢٦٥ ، الكامل في الرجال : ٢ / ٧٦٢ ، اسعاف الراغبين : ١٨٧ عنهم ، العوالم : ١ / ١٥٤.

١٤٥

رويناها لك من خلال الكتب المعتبرة والذي نراه وحسب فهمنا القاصر ان بعض الثمرات هي :

١ ـ أن كل من آذى فاطمة فقد آذى الله ورسوله لذا سوف يستحق اللعنة بنص القرآن الكريم( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ ) هذا في الدنيا.

٢ ـ اعداد العذاب الالهي للذين يؤذون الله تعالى في ذرية رسوله( وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) .

٣ ـ ونستفيد من بعض الروايات ان الله تعالى ليغضب لغضب المؤمن فكيف بإبنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

٤ ـ اعطاء ضابطة مهمة من الناحية التأريخية وهي كل من ثبتت أذيته لفاطمة في حياتها لابد من لعنه والبراءة منه وكل من سار علىٰ منوال الظالمين للزهراء في حقها ورضايتهم علىٰ فعل الظالمين فهم مع الظالمين يجب لعنهم في الدنيا والبراءة منهم. وكثيرة هي الثمرات في هذا الارتباط وفي الذي سردناه لك كفاية لمن يرجوا الوصول الىٰ حقيقة الامور.

فاطمةعليها‌السلام وعلاقتها بالنبوة

من القضايا المهمة التي يهمنا البحث عنها هو ارتباط فاطمة الزهراءعليها‌السلام بمقام النبوة الخاتمية ومن يمثل هذه الخاتمية أعني بذلك شخص رسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولابد لنا ونحن نرتوي من الماء العذب لفاطمةعليها‌السلام واللآلئ المتناثرة في حياتها ان نقف مع مقامها والارتباط الوثيق لهذا المقام بالنسبة للنبوة ، والذي ينقدح في الذهن القاصر لصاحب هذا القلم ان هناك عدة أدلة وشواهد تثبت ان لفاطمة ارتباط وثيق بالنبوة ، وهذا الارتباط تارة يتمثل علىٰ نحو الابوة لهذه الصديقة الطاهرة وتارة أخرىٰ على شكل حب لهذه النسمة الطيبة ومرة اخرىٰ علىٰ الارتباط العقائدي لهاعليها‌السلام ، وسوف نعطي عدة شواهد وادلة علىٰ ذلك ، ومن خلال استقراء واستنطاق بعض الكتب الروائية والتاريخية التي تروي لنا قضية الزهراء وارتباطها بشخص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من

١٤٦

جهة وبمقام النبوة من جهة أخرىٰ ، أما كيف يكون هذا الارتباط بالنبوة ومقامها ، فنقول : وردت عدة شواهد على هذه المسألة من القرآن الكريم ولكن نكتفي علىٰ شاهد قرآني واحد وهو الآية ٥٧ من سورة الاحزاب( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا ) فهذه الآية الشريفة وكما تبيّن لنا لها ارتباط بمسألة أذىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نعلم انه ورد في الحديث الشريف عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت ، وكذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من آذىٰ مؤمنا فقد آذاني ، فهذه الأحاديث تثبت مسألة أذى رسول الله ولقد حدثنا التاريخ كيف ان القوم عندما بعث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة كيف آذوه وطردوه من دياره والأكثر من ذلك نجد ان الكثير من النصوص عند العامة والخاصة قد بينت ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد آذوه القوم بعد مماته في إبنته فاطمةعليها‌السلام فعلىٰ هذا الاساس ومن هذا المنطلق قد صدرت عدة أحاديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله تبين وتؤكد علىٰ حقيقة ثابتة ولا ينكرها إلا معاند أو منافق وهي أنهم قد آذوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذريته ، فكانت الاحاديث المروية عنه تمثل الدعامة العظمىٰ لارتباط أقرب الناس إليه وهي فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ولا نقصد من ارتباط الصديقة الطاهرةعليها‌السلام به مجرد لانه والدها كلا بل هناك أمور غيبية قد ذكرت بعض الروايات اسرارها وكما بينا في بعض أحاديثنا كحديث الاقرار بفضل فاطمة جميع الأنبياء وانه ما تكاملت نبوة نبي حتّى أقرّ بفضلها ومحبتها ممّا يدل على ارتباطها بالنبوّة العامّة كارتباطها بالنبّوة الخاصّة وغير ذلك من الأحاديث في هذا المضمار ، وان كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مال إليها وأحبها فأزداد ما عند فاطمةصلى‌الله‌عليه‌وآله بحسب زيادة ميله، وأكرمها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم حتى خرج بها عن حد الآباء للأولاد ، فقال بعض الخاص والعام مراراً لا مرة واحدة وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد : إنها سيدة نساء العالمين وإنها إذا مرت في الموقف نادىٰ منادٍ من جهة العرش : يا أهل الموقف : غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا من الاحاديث الصحيحة(١) . وعليه لابد من ذكر بعض

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد والقول كله له : ٩ / ١٩٣ ، عنه اعلموا اني فاطمة : ٤ / ٥٥.

١٤٧

النصوص التي تبين لنا مقام فاطمة من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

* فلقد جاء في حديث طويل عن سعد بن أبي وقاص انه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : فاطمة بضعة مني ، من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني ، فاطمة أعز الناس عليّ(١) .

* وروي النسائي باسناده عن المسور بن محزمة ، قال : « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو علىٰ المنبر يقول « فاطمة هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ، ومن آذىٰ رسول الله فقد حبط عمله »(٢) .

* وروىٰ أحمد بأسناده عن المسور ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله « فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما قبضها وأنه تنقطع يوم القيامة الانساب والاسباب إلا نسبي وسببي »(٣) .

* وروي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان فاطمة شعرة مني ، فمن آذىٰ شعرة مني فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذىٰ الله ، ومن آذىٰ الله لعنه الله ملء السماوات والأرض(٤) .

* عن عبد الله بن زبير عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث : انها ـ فاطمة ـ بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها(٥) . وكثيرة هي الاحاديث التي تروي لنا ارتباط الزهراء وظلمها وأذيتها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولئلا يطول المقام بنا ولا نخرج عن هذا الكتاب نكتفي بهذه الاحاديث ونقول :

إنّ كلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لا ينطق عن الهوىٰ إن هو إلا وحي يوحىٰ هذا يدل علىٰ انه ليس غضبه بإعتبار انه والدها ، لا وانما غضب النبوة ومقامها السامي الذي تمثل السماء ونحن نعلم أيضاً انه أذىٰ فاطمة ايضاً هو أذىٰ الله تبارك وتعالىٰ ، وإلا

__________________

(١) مجالس المفيد : ٢٥٩ ، أمالي الطوسي : ح ١ ، ٢٤ ، بشارة المصطفىٰ : ٨٥.

(٢) الخصائص : ٣٥.

(٣) مسند أحمد ٤ / ٣٣٢.

(٤) كشف الغمة ١ / ٤٦٧.

(٥) مسند أحمد ٤ / ٥ ، صحيح الترمذي ٥ / ٦٩٨ ح ٣٨٦٩ ، الصواعق المحرقة : ١١٤ ، لسان العرب : ١ / ٧٥٨ ، النهاية : ٥ / ٦٢.

١٤٨

لا معنىٰ ان يغضب الرسول ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لانه أباها الشخصي فقط لانه في مثل هذه الحالة سوف تكون العصبية لها باعتبار القرابة وانما يؤكد الرسول من خلال هذه الاحاديث علىٰ حقيقة مهمة جداً وهي مسألة عصمة فاطمةعليها‌السلام لانها لو كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذياً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ كل حال لذا ثبتت لها العصمة من خلال أقوال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقهاعليه‌السلام . ويظهر ايضاً من خلال الحديث المروي في حق فاطمةعليها‌السلام عن أبي جعفرعليه‌السلام يقول : « ولقد كانتعليها‌السلام مفروضة الطاعة علىٰ جميع من خلق الله من الجن والانس ، والطير والوحوش والأنبياء والملائكة » الحديث (١). وأيضاً الحديث الذي يقول « ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتىٰ أقرَّ بفضل فاطمةعليها‌السلام وحجيتها » حيث نستفيد من هذين الحديثين ان فاطمةعليها‌السلام كانت مرتبطة بنبوة الأنبياء السابقين قبل نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهي ـ أي النبوة ـ لم تكتمل في أي نبي من الأنبياء حتى أقر بفضل فاطمة وحجيتها ، وهذا يدل انها كانت مفروضة الطاعة علىٰ جميع الأنبياء وكما تبين لنا من خلال البحوث المتقدمة في هذا الأمر.

فاطمةعليها‌السلام والعدل الإلهي

يعتبر العدل من الأصول الإعتقادية التي يمتاز بها الشيعة الامامية عن غيرهم من المذاهب الاخرىٰ ، فمسألة العدل عندهم قد دخلت كل الأصعدة الحياتية المهمة وهذا يعود الىٰ وجود العدل في كل أفعال الله تعالىٰ فهو ـ أي الله تعالىٰ ـ قد جعله من أسماءه الحسنىٰ فعندما يأخذ الشيعة الامامية العدل ويعتبرونه من اصول الدين لم يكن هذا جزافاً وانما كان علىٰ اساس وأصل متين استمدوه من القرآن الكريم هذا الكتاب العظيم الذي بذر فكرة العدل في قلوب وأرواح الناس ثم سقاها ونماها فكرياً وفلسفياً وعملياً واجتماعياً انه القرآن الكريم الذي طرح مسألة العدل من حيث مظاهرها المختلفة العدل التكويني ، والعدل التشريعي ، والعدل الاخلاقي ، والعدل الاجتماعي الخ.

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٢٨.

١٤٩

والقرآن الكريم يصرح بان نظام الوجود مبني علىٰ أساس العدل والتوازن على أساس الاستحقاق والقابلية ، وعلىٰ هذا الاساس توجد عدة آيات قرآنية تؤكد علىٰ مسالة العدل سواء كان ذلك عن طريق ذكر المقابل للعدل أي الظلم وتأتي الآية القرآنية تنفي الظلم أي تقر العدل بالنتيجة أو عن طريق ذكر القرآن ان هناك يوم حساب يحاسبون فيه الناس ليكون العدل هو الاساس الذي سوف تكون عليه المحاسبة ، وهكذا يذكر القرآن الكريم آيات العدل في كل مظاهرها الوجودية ، وسنورد هنا بعض الآيات القرآنية التي تعتبر الفاعلية الالهية والتدبير الالهي قائماً على أساس العدل حيث يقول الباري عز وجل في هذا المضمار( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) (١) . أو أن العدل هو المعيار لله سبحانه في موضوع الخلقة( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ ) (٢) . وعلق علىٰ هذه الآية الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : « بالعدل قامت السماوات والأرض » واهتم القرآن الكريم اهتماماً استثنائياً بالعدل التشريعي أي مراعاة أصل العدل دائماً في النظام الاعتباري والتشريع القانوني ، وقد صرح ذلك في الكتاب المعجز بان الهدف من ارسال الأنبياء وبعثة الرسل انما هو قيام النظام البشري وارساء الحياة الانسانية علىٰ أساس العدل والقسط :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (٣) .

واضافة إلىٰ ذلك فان الاصل الكلي الذي نسبه القرآن إلى كل الأنبياء بخصوص النظام التشريعي ولا سيما في الشريعة الاسلامية هو( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) وفي مكان آخر يقول( ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ ) . ويعتبر القرآن الكريم الإمامة والقيادة عهداً الهياً ينبعث عنه النضال ضد الظلم والتلاؤم مع العدل ، ويقول القرآن الكريم في موضوع لياقة إبراهيمعليه‌السلام للامامة والقيادة :( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي

__________________

(١) آل عمران : آية ١٨.

(٢) الرحمن : آية ٧.

(٣) الحديد : آية ٢٥.

١٥٠

جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) .فعندما أختار الله ابراهيم إماماً ، إستفهم ابراهيم هل تشمل هذه الموهبة الالهية نسله ؟

فأجيب بأن الإمامة عهد إلهي والظالمون لا نصيب لهم فيه ، يعني مقتضىٰ العدالة الربانية هكذا تكون مع الظالمين. وإذا دققنا النظر في القرآن الكريم وجدناه يدور حول محور واحد هو العدل في كل الافكار القرآنية من التوحيد الىٰ المعاد ومن النبوة الىٰ الإمامة والزعامة ومن الآمال الفردية الىٰ الاهداف الاجتماعية ، فالعدل في القرآن قرين التوحيد وركن المعاد وهدف لتشريع النبوة وفلسفة الزعامة والإمامة ومعيار كمال الفرد ومقياس سلامة المجتمع(٢) . اذن بعد هذه المقدمة في العدل يأتي السؤال في هذا المقام الذي نحن فيه وهو هل ان الله جل جلاله أعطىٰ الىٰ اولياؤه الكثير من المناصب والمقامات الروحانية وعلىٰ كل المستويات بالعدل أو جزافاً اعطاهم اياها ؟

فمثلاً مقام فاطمة الزهراءعليها‌السلام وحجيتها على الأئمة وعلى جميع الأنبياء والجن والانس ، ومقام شفاعتها يوم القيامة وانها تشفع بالجنة هل أعطىٰ الله تعالى هذه المقامات بالعدل لها فتكون عندئذ مرتبط بالعدل الالهي أم لا ؟

وهذا السؤال يحتاج الى ذكر مسألة مهمة وهي تعريف العدل سواء لغوياً أم اصطلاحياً وبعد ذلك نرىٰ مدىٰ انطباق هذا الموضوع وعلىٰ ضوء التعريف في حياة الصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام ومدىٰ ارتباطها بالعدل الالهي.

العدل في اللغة : العدل من أسماء الله سبحانه ، العدل هو الذي لا يميل به الهوىٰ فيجور في الحكم ، وهو في الاصل مصدر سُمّي به فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه لانه جعل المسمىٰ نفسه عدلاً وفلان من أهل المعدلة أي من أهل العدل.

والعدل : الحكم بالحق ، فيقال هو يقضي بالحق ويعدل وهو حكم عادل : ذو معدلة في حكمه(٣) . اما تعريف العدل في الاصطلاح فلقد وردت فيه عدة تعاريف ولكن الذي يهمنا فيما نحن فيه التعريف الذي يقول : « هو رعاية الاستحقاق في افاضة الوجود

__________________

(١) البقرة : آية ١٢٤.

(٢) العدل الالهي : ٤٦.

(٣) لسان العرب مادة عدل.

١٥١

وعدم الامتناع عن الافاضة والرحمة حيث يتوفر امكان الوجود أو امكان الكمال ». وعلىٰ أساس هذا التعريف يتبين لنا ان الموجودات تتفاوت مع بعضها في النظام الكوني من حيث قابليتها لاكتساب الفيض الالهي من مبدأ الوجود ، فكل موجود وفي أي رتبة من الوجود يملك استحقاقاً خاصاً من حيث قابليته لاكتساب الفيض ، ولما كانت الذات الالهية المقدسة كمالاً مطلقاً وخيراً مطلقاً وفياضة علىٰ الاطلاق فهي تعطي ولا تمسك ولكنها تعطي لكل موجود ما هو ممكن له من وجود أو كمال وجود ، فالعدل الالهي ـ حسب هذه النظرية ـ يعني ان أي موجود يأخذ من الوجود ومن كماله المقدار الذي يستحقه وبامكانه ان يستوفيه(١) . وعلىٰ هذا الاساس تكون الزهراءعليها‌السلام مستحقة للعدل الالهي في افاضة الكمال لها وفي كل المقامات المعنوية والروحية ، فكونهاعليها‌السلام حجة علىٰ الأنبياء وعلىٰ جميع البشر وانه ما تكاملت نبوة نبي حتىٰ أقر بفضلها وكذلك كونها صاحبة الشفاعة الكبرىٰ يوم القيامة وغيرها من المقامات التي أعطاها الله تعالىٰ اياها كل ذلك لانها كانت مستحقة لكل هذا الكمال ، أما كيف كانت مستحقة لذلك فهذا ما نفهمه من خلال الزيارة الواردة في حقها « السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك صابرة لما امتحنك » فعلىٰ أساس هذا الامتحان وكونها صابرة نجد ان الله تعالىٰ وجدها مستحقة للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها ، وعليه تكون الحكمة الالهية للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها ، حيث تكون الحكمة الالهية في وضع الزهراء في مقامها السامي انما هو بالامكان اللائق لها وبالعدل الالهي استحقت ذلك فتكونعليها‌السلام حينئذ مرتبطة بالعدل الالهي من حيث كونها مستحقة للافاضات الربانية وكما تبين لك من خلال الاحاديث الواردة في شأنهاعليها‌السلام . هذا من جهة ومن جهة أخرىٰ ان مُوالاتُنا لفاطمةعليها‌السلام هل هي من العدل الالهي أم لا ؟

لا شك ولا ريب عندما يطلب الله تعالى منا ان نكون مع الزهراءعليها‌السلام في التولية والتبرئة من اعدائها هو عين العدل الالهي لأنّ الله تعالىٰ وعلىٰ لسانه في القرآن

__________________

(١) العدل الالهي : ٧١.

١٥٢

الكريم اعتبر أذىٰ رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الأسباب المؤدية الىٰ اللعنة والعذاب الأليم وباعتبار كونهاعليها‌السلام من لحم رسول الله بل هي نساء رسول الله المعبر عنهم « بنسائنا » في آية المباهلة وأيضاً رضاها رضىٰ رسول الله وغضبها غضب الله ورسوله وإضافة الىٰ ذلك انها مستحقة حسب وجودها وللفيوضات الربانية كل ذلك يعتبر من العدل الإلهي فتكون عندئذعليها‌السلام مرتبطة بصميم العدل الإلهي وإن موالاتنا لها عين العدل الذي أمرنا الله تعالىٰ ونكون له ملازمين له في كل الحالات.

فاطمةعليها‌السلام وعلاقتها بالإمامة

تشكل الإمامة أصلاً مهماً من الأصول الخمسة الدينية عند الشيعة الإمامية بعد التوحيد والنبوة والعدل ، ولقد تظافرت الروايات الشريفة علىٰ التأكيد علىٰ هذه المسألة المهمة في الدين الاسلامي فضلاً عن القرآن الكريم الذي أكد أيضاً علىٰ مسألة إثبات الإمامة من خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بل نقول ان من أراد الإطلاع على هذه القضية فعليه مراجعة الكتب الكلامية التي أثبتت هذه المسألة المهمة ، ولقد تطرقنا الىٰ هذه المسألة ـ أي الإمامة ـ في هذا الكتاب باعتبارها لها إرتباط عميق بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وربما سائل يسأل كيف يمكننا أن نعرف أن الزهراء لها ارتباط بصميم الإمامة ؟ وهذا سؤال مهم علىٰ ما أتصوره ولابد من خلال استقراء الكتب الروائية وحياة الصديقة الطاهرة وقراءة بعض النصوص واستنطاقها نجد أن هناك عدة أمور يمكن من خلالها إثبات هذا الارتباط الوثيق للزهراء بالإمامة التي جعلها الله تبارك وتعالىٰ أما ماهية هذه القضية من خلال إثباتها عن طريق الروايات أو الزيارات الواردة فهذا ما يتوقف بيانه علىٰ إبراز بعض الأدلة والشواهد التي تؤيد هذه القضية تارة وتدعمها تارة أخرىٰ.

أولاً : أما الأدلة التي نستطيع من خلال اثبات ارتباط فاطمة بصميم الدين فهذا ما يتبين لنا من كونهاعليها‌السلام الحجة علىٰ الأنبياء فضلاً عن الأئمةعليهم‌السلام . إما كونها الحجة علىٰ

١٥٣

الأنبياء فهذا ما أثبته الحديث المروي الذي يقول فيه الإمامة : « ما تكاملت نبوة نبي حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرىٰ وعلىٰ معرفتها دارت القرون الأولىٰ » ولا نريد الوقوف مع مفهوم هذا الحديث علىٰ أي شيء يدل فلقد تبين لك كيف انها لابد من الإقرار بفضلها ومحبتها من قبل الخلق أجمعين فضلاً عن الأنبياء ، وإما كونها الحجة علىٰ الأئمة فهذا ما تبين لنا من خلال شرح الحديث الوارد عن الإمام الحسن العسكري الذي يقول فيه « نحن حجج الله علىٰ خلقه وجدتنا فاطمةعليها‌السلام حجة الله علينا » فراجع شرح هذا الحديث في كتابنا هذا وسوف يتبين لك الحال في هذا الأمر وهذا يكون أفضل شاهد علىٰ كونها مرتبطة بصميم الإمامة ولهذا يحتاج الىٰ تمعن في هذا الأمر وتدقيق عميق حتىٰ نصل الىٰ مداركه ومدلولاته.

ثانيا : إن الزهراءعليها‌السلام كانت الرحم الطاهر لحمل الإمامة فهي أُم الأئمة الأطهار وهي والدة الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة واللذان كانا إمامان قاما أو قعدا ، فقد حملت بهما من خلال الارتباط السماوي بأمير المؤمنين حيث زوجها الله تبارك وتعالىٰ من أمير المؤمنين وكما ورد في الحديث الذي يقول « زوج النور من النور » وهذا يشهد به الموالي والمخالف في قضية زواج الزهراءعليها‌السلام ، أما كونها رحم طاهرة ، فهذا ما أثبتته الآية الكريمة( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) فضلاً عن الزيارة الشريفة الواردة في حق الإمام الحسينعليه‌السلام والتي يقول فيها الإمامعليه‌السلام « أشهد إنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لك تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها » فهذه الزيارة اضافة الى آية التطهير تثبت كونهاعليها‌السلام الرحم الطاهر للأئمةعليهم‌السلام ومن جهة شاهد علىٰ كونها مرتبطة بصميم الإمامة بالنكتة التي بيناها لك من حيث هي أُم الأئمةعليهم‌السلام .

ثالثاً : نجد من خلال استقراء القرآن الكريم ومتابعة آياته الشريفة أن الزهراءعليها‌السلام تكون مشتركة ومرتبطة بالإمامة من خلال عدة آيات قرآنية اثبت اشتراكها مع الأئمةعليهم‌السلام منها كونها الصراط المستقيم ومشتركة معهمعليهم‌السلام فلقد ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال :

١٥٤

« قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أن الله جعل علياً وزوجته وأبناؤه حجج الله على خلقه ، وهم أبواب العلم في أمتي ، من أهتدىٰ بهم هُدي الىٰ صراط مستقيم »(١) . وأيضاً عن رسول الله أنه قال : « اهتدوا بالشمس فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر ، فاذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة ، فاذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين ، فقيل يا رسول الله ما الشمس وما القمر وما الزهرة وما الفرقدان ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : الشمس أنا ، والقمر عليّ ، والزهرة فاطمة ، والفرقدان الحسن والحسينعليهما‌السلام »(٢) .

قوله تعالىٰ :( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (٣) .

* أخرج ابن النجّار عن ابن عبّاس قال : سألت رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، قال : سأل بحقّ محمَّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ ، فتاب عليه(٤) .

قوله تعالىٰ :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (٥) .

* قال محبّ الدّين الطبريّ : لما نزل قوله تعالى :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) الآية ، دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هؤلاء الأربعة(٦) .

* عن أبي سعيدرضي‌الله‌عنه : لمّا نزلت هذه الآية ، دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال : « اللّهُمّ هؤلاء أهلي ». أخرجه مسلم والترمذيّ(٧) .

قوله تعالىٰ :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ) (٨) .

* عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا شجرةٌ ، وفاطمة فرعها ، وعليٌ لقاحها ، وحسن وحسين ثمرها ، ومحبيّهم(٩) من أمَّتي أوراقها. ثمّ قال : هم في جنّة عدن والّذي بعثني

__________________

(١) شواهد التنزيل للحافظ الاسكافي الحنفي ١ / ٥٨ ، ٥٩.

(٢) شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني الحنفي ١ / ٥٨ ، ٥٩.

(٣) البقرة : آية ٣٧.

(٤) « الدر المنثور » ١ / ١٤٧.

(٥) آل عمران : آية ٦١.

(٦) « ذخائر العقبى » : ٢٥ ، ٢٤.

(٧) « ذخائر العقبىٰ » ٢٥ ، ٢٤.

(٨) ابراهيم : آية ٢٤.

(٩) كذا ، والصواب « محبّوهم ».

١٥٥

بالحقّ(١) .

* وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا شجرةٌ ، وعليٌّ القلب ، وفاطمة اللقاح ، والحسن والحسين الثمر ، وشيعتنا الورق ، وحيث يُنبت الشجر تساقط ورقها ، ثم قال : في جنَّة عدن والّذي بعثني بالحقّ(٢) .

وقوله تعالى :( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ) (٣) .

* عن عكرمة : هم النبيُّ وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (٤) .

قوله تعالى :( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ) (٥) .

* عن عبد الله بن مسعود : يعني جزيتهم بالجنّة اليوم بصبر عليِّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين في الدنيا علىٰ الطاعات وعلىٰ الجوع والفقر ، وبما صبروا علىٰ المعاصي وصبروا علىٰ البلاء لله في الدنيا ، أنَّهم هم الفائزون والناجون من الحساب(٦) .

قوله تعالىٰ :( كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ) (٧) .

* عن موسىٰ بن القاسم ، عن عليّ بن جعفر قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قوله الله عزّ وجلّ « كمشكاة فيها مصباح » قال : المشكاة فاطمة ، والمصباح الحسن ، والحسين الزجاجة « كأنَّها كوكبٌ دُرّيّ » قال : كانت فاطمة كوكباً دُرّياً من نساءِ العالمين « يوقدُ من شجرة مباركةٍ » الشجرة المباركة إبراهيم « لا شرقيَّة ولا غربيَّة » لا يهوديَّة ولا نصرانيَّة « يكادُ زيتها يضيء » قال : يكاد العلم أن ينطق منها « ولو لم ـ تمسسه نار ، نور علىٰ نُور » قال : فيها إمام بعد إمام( يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) قال : يهدي الله عزّ وجلّ لولايتنا من يشاء(٨) .

__________________

(١) شواهد التنزيل : ١ / ٣١٢ ـ ٣١٣.

(٢) شواهد التنزيل : ١ / ٣١٢ ، ٣١٣.

(٣) الاسراء : آية ٥٧.

(٤) شواهد التنزيل : ١ / ٣٢٤.

(٥) المؤمنون : آية ١١.

(٦) المصدر : ٤٠٨.

(٧) النور : آية ٣٥.

(٨) المناقب لابن المغازليّ : ٣١٧.

١٥٦

قوله تعالىٰ :( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) (١) .

* عن عبد الله بن الحسن ، عن أبيه ، عن جدَّه قال : أبو الحمراء خادم النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا نزلت هذه الآية كان النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي باب عليّ وفاطمة عند كل صلوة فيقول : الصلاة ـ رحمكم الله ـإِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (٢) .

قوله تعالىٰ :( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ) (٣) .

* عن السدّيّ : نزلت في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ ، زوّج فاطمة عليّاً ، وهو ابن عمّه وزوج ابنته ،كان نسباً وكان صهراً(٤) .

قول تعالىٰ :( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) (٥) .

* قال النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله قلت : يا جبرئيل من أزواجنا ؟ قال : خديجة. قال : ومن ذرياتنا ؟ قال : فاطمة. وقرَّة أعين ؟ قال : الحسن والحسين. قال : واجعلنا للمتّقين إماماً ؟ قال : عليُّ بن أبي طالب(٦) .

قوله تعالى( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (٧) .

* عن أبي سعيد الخدريّرضي‌الله‌عنه قال : نزلت في خمسة : في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، أخرجه أحمد في المناقب وأخرجه الطبرانيّ(٨) .

قوله تعالىٰ :( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ـ) (٩) .

* قال الزَّمخشريُّ : إنَّها لمّا نزلت( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) قيل : يا رسول الله مَنْ قرابتك هؤلاء الَّذين وجبت علينا مودَّتهم ؟ قال : عليّ وفاطمة

__________________

(١) طه : آية ١٣٢.

(٢) شواهد التنزيل : ١ / ٣٨١. والآية في الأحزاب : آية ٣٣.

(٣) الفرقان : آية ٥٤.

(٤) المصدر : ٤١٤.

(٥) الفرقان : آية ٧٤.

(٦) شواهد التنزيل : ١ / ٤١٦.

(٧) الأحزاب : آية ٣٣.

(٨) ذخائر العقبى : ٢٤.

(٩) الشورى : آية ٢٣.

١٥٧

وابناهُما وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من مات علىٰ حبّ آل مُحمّد مات شهيداً. ألا ومن مات علىٰ حبِّ آل مُحمّد مات مغفوراً له. ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات مغفوراً له. ألا ومن مات علىٰ حبِّ آل محمّد مات تائباً. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان. ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد بشَّره ملك الموت بالجنَّة ثمَّ منكرٌ ونكير. ألا ومن مات علىٰ حبِّ آل محمَّد يزفُ إلى الجنة كما تزفُّ العروس إلى بيت زوجها. ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنَّة. ألا ومن مات على حبِّ آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة. ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد مات على السنَّة والجماعة. ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله. ألا ومن مات على بغض آل محمَّد مات كافراً. ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمَّ رائحة الجنَّة(١) .

* قوله تعالى :( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَىٰ لَهُمْ ) (٢) .

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس : يعني وليَّ علي وحمزة وجعفر وفاطمة والحسن والحسين ووليّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ينصرهم بالغلبة على عدوّهم(٣) .

* قوله تعالى :( كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) (٤) .

عن عبد الله بن عبّاس قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمةعليه‌السلام (٥) .

* قوله تعالى :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (٦) .

عن ابن عبّاس قال : نزلت في النبيِّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (٧) .

__________________

(١) الكشّاف : ٣ / ٤٦٧.

(٢) محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : آية ١١.

(٣) شواهد التنزيل : ٢ / ١٧٤ ، ١٩٤ ، ١٩٧.

(٤) الذاريات : آية ١٧.

(٥) شواهد التنزيل : ٢ / ١٧٤ ، ١٩٤ ، ١٩٧.

(٦) الطور : آية ٢١.

(٧) شواهد التنزيل : ٢ / ١٧٤ ، ١٩٤ ، ١٩٧.

١٥٨

قوله تعالى :( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ *بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ *فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) (١) .

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) قال : عليٌّ وفاطمة ،( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ) قال : النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ،( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) قال : الحسن الحسين(٢) .

* قوله تعالى :( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٣) .

إنَّ رجلاً جاء إلى النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه الجوع ، فبعث إلى بيوت أزواجه فقلن : ما عندنا إلاَّ الماء. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من لهذه الليلة ؟ فقال عليٌّعليه‌السلام : أنا يا رسول الله. فأتىٰ فاطمة فأعلمها ، فقالت : ما عندنا إلاّ قوت الصبية ولكنّا نؤثر به ضيفنا. فقال عليٌّعليه‌السلام : نوِّمي الصبية وأنا أُطفئ للضيف السراج. ففعلت وعشَّى الضيف. فلمّا أصبح أنزل الله عليهم هذه الآية :( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) (٤) .

عن ابن عباس في قول الله( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) قال : نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (٥) .

* قوله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) (٦) .

قال أبو الفضل شهاب الدين السيّد محمود الآلوسيُّ : وماذا عسى يقول امرؤ فيهما يعني عليّاً وفاطمةعليهما‌السلام سوى أنّ عليّاً مولى المؤمنين ووصيُّ النبيُّ ، وفاطمة البضعة الأحمديَّة والجزء المحمَّديِّ ، وأمَّا الحسنان فالرَّوح والريحان وسيِّدا شباب أهل الجنان.

وليس هذا من الرفض ، بل ما سواه عندي هو الغيّ. ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم أنَّه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين ، وأنَّما صرَّح عزّ وجلّ بولدان مخلَّدين رعاية

__________________

(١) الرحمن : آية ١٩ ـ ٢٢.

(٢) الدر المنثور : ٧ / ٦٩٧.

(٣) الحشر : آية ٨.

(٤) شواهد التنزيل : ٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٥) شواهد التنزيل : ٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٦) الدهر : آية ٨.

١٥٩

لحرمة البتول وقرَّة عين الرسول(١) .

* قوله تعالى :( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ *تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ) (٢) .

عن عبد الله بن عجلان السكونيِّ قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : بيت عليٍّ وفاطمة من حجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسقف بيتهم عرش ربِّ العالمين ، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي ، والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً وفي كلِّ ساعة وطرفة عين ، والملائكة لا ينقطع فوجهم ، فوج ينزل وفوج يصعد(٣) .

رابعاً : من خلال الروايات الشريفة نجد ان الزهراءعليها‌السلام مرتبطة ومشتركة مع الأئمة الذين يمثلون الدعامة الكبرى للإمامة في كثير من الامور وهذا ما نجده من خلال الروايات الشريفة التي اثبتت هذه المسألة ومنها :

في خلقتها النورانيّة

* عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنَّه قال : لمّا خلق الله تعالى آدم أبو البشر(٤) ونفخ فيه من روحه ، التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجَّداً وركَّعاً ، قال آدم : يا ربِّ هل خلقت أحداً من طين قبلي ؟ قال : لا ، يا آدم ، قال : فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الَّذين أراهم في هيئتي وصورتي ؟ قال : هؤلاء خمسة من ولدك ، لولاهم ما خلقتك ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماءٍ من أسمائي ، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار ، ولا العرش ، ولا الكرسي ، ولا السماء ، ولا الأرض ، ولا الملائكة ، ولا الانس ، ولا الجنَّ. فأنا المحمود وهذا محمّد ، وأنا العالي وهذا عليٌّ ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن ، وأنا المحسن وهذا الحسين ، آليت بعزَّتي أنَّه لا يأتيني أحد

__________________

(١) روح المعاني : ٢٩ / ١٥٨.

(٢) القدر : آية ٣ ـ ٤.

(٣) تأويل الآيات : للعلامة السيّد شرف الدين النجفيّ : ٢ / ٨١٨.

(٤) كذا.

١٦٠

فصل : مما روي في الأرزاق(1)

روي عن سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « أكثروا الإستغفار فإنه يجلب الرزق ».

وقالعليه‌السلام : « من رضي باليسير من الرزق(2) ، رضي الله منه باليسيرمن العمل ».

وروي ان الله ـ جل اسمه ـ أوحى إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام : « ليحذر الذي يستبطئني في الرزق ، أن أغضب فافتح عليه باباً من الدنيا ».

وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك ».

وروي عن أحد الأئمةعليه‌السلام ، أنه قال في الرزق المقسوم بالحركة : « إن من طلبه من غير حلّه فوصل إليه ، حوسب به من حله وبقي عليه وزره » فالواجب أن لايطلب إلا من الوجه المباح دون المحظور.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال : « من حسنت نيته زيد في رزقه ».

واعلم أن الدليل على جواز الزيادة في الأرزاق ، هوالدليل على جواز الزيادة في الأعمار ، لأن الله تعالى إذا زاد في عمرعبده ، وجب أن يرزقه ما يغتذي به.

ذكروا إن إبراهيم بن هرمة إنقطع إلى جعفر بن سليمان الهاشمي ، فكان يجريله رزقاً فقطعه ، فكتب إليه إبن هرمة :

إن الذي شق فمي ضامن

للرزق حتى يتوفاني

حرمتني شيئاً قليلاً فما

ان زاد في مالك حرماني(3)

 فرد عليه رزقه وأحسن إليه ، فأنشد لبعضهم :

التمس الأرزاق عند الذي

مادونه إن سيل من حاجب

من يبغض التارك تسآله

جوداً؟ ومن يرضى عن آل طالب!؟

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 290 ـ 292 ، وفيه تمام الفضل.

2 ـ في الأصل : بالرزق ، وما اثبتناه من المصدر.

3 ـ في الأصل : وما أثبتناه من المصدر.

حرمتني شيئاً قليلاً نلته

مازاد في مالك حرماني

 

١٦١

ومن [ إذا ](1) قال جرى قوله

بغير توقيع إلى كاتب

 ورويَ عن الصادق صلوات الله عليه ، أنه قال : « ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم : رجل جلس عن طلب الرزق ، ثم يقول : اللهم ارزقنى ، يقول الله تعالى : ألم أجعل لك طريقاً إلى الطلب! ورجل له امرأة سوء يقول : اللهم خلصني منها ، يقول الله تعالى : أليس قد جعلت أمرها بيدك! ورجل سلم ماله إلى رجل [ و ](2) لم يشهد [ عليه ](3) به ، فجحده إياه ، فهو يدعو(4) عليه ، يقول الله تعالى : قد أمرتك بالاشهاد فلم تفعل ».

لابن وكيع التنيسي :

لا تحيلن على سعدك في الرزق ونحسك

وإذا أغفلك الدهر فذكّره بنفسك

لا تعجّل بلزوم البيت رمساً قبل رمسك

إنما يحمد حسن الرزق في حمده حسك

 وروي في بعض الكتب : إن الله عز وجل يقول : « يابن آدم ، حرك يدك أبسطلك في الرزق ، وأطعني فيما آمرك فما اعلمني بما يصلحك ».

قيل لبعضهم : لو تعرضت لفلان لوصلك ، فقال : ما تلهفت على (أحد بشيء)(5) من أمر الدنيا ، منذ حفظت هذه الأربع الآيات من كتاب الله عز وجل : قوله :( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا مسمك لها ) (6) [ وقوله سبحانه : ](7) ( وان يردك بخير فلا رادّ لفضله ) (8) وقوله سبحانه :( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) (9) وقوله جل اسمه :( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) (10) .

فروي أن صلة الرجل الذي قيل له : لوتعرضت له ، أتت الى منزله من غيرطلب

__________________

1 ـ أثبتناه من المصدر.

2 ـ أثبتناه من المصدر.

3 ـ أثبتناه من المصدر.

4 ـ في ألاصل : فيدعو ، وما أثبتناه من المصدر.

5 ـ في المصدر : شيء.

6 ـ فاطر35 : 2.

7 ـ أثبتناه ليستقيم السياق.

8 ـ يونس 107 : 10

9 ـ هود 11 : 6.

10 ـ الذاريات 51 : 22.

١٦٢

وانشد لابن أصبغ :

لو كان في صخرة في البحر راسية

صماء ملمومة ملس نواحيها

رزق لنفس براها الله لانفلقت

عنه فأدّت إليها كل مافيها

أو كان بين طباق السبع مطلبها

لسهل الله في المرقى مراقيها

حتى يلاقي الذي في اللوح خط له

إن هي أتته [ و ](1) ألاسوف يأتيها

 وروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « مامن مؤمن إلأ وله باب يصعد منه عمله ، وباب ينزل منه رزقه ، فإذا مات بكيا عليه ، وذلك قول الله عز وجل :( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) (2) .

* * *

__________________

1 ـ أثبتناه من المصدر.

2 ـ الدخان 44 : 29.

١٦٣

قصيدة في الآداب والأمثال لابن دريد(1)

ما طاب فرع لايطيب أصله

حمى مؤاخاة اللئيم فعله

 وكل من آخا لئيماً مثله

من يشتكي الدهر يطل في الشكوى

والدهر ماليس عليه عدوى

 مستشعر الحرص عظيم البلوى

من أمن الدهر اُتي من مأمنه

لاتستثر ذا لبد من مكمنه

 وكل شيء يُبتغى من معدنه

لكل ناع ذات يوم ناعي

وانما السعي بقدر الساعي

 قد يُهلك المرعيَّ عنف الراعي

من ترك القصد تضق مذاهبه

دل على فعل امرىء مصاحبه

 لا تركب الأمر وأنت عائبه

من لزم التقوى استبان عدله

من ملك الصبر عليه عقله

 نجا من العثر وبان فضله

يجلو اليقين كدر الظنون

والمرء في تقلّب الشؤون

 حتى توفاه يد المنون

يارب حُلوٍ سيعود سمّا

ورب حمد سيحور ذَمّا

 ورب روح سيصير همّا

من لم يصل فارض إذا جفاكا

وأوله حمداً إذا قلاكا

 أو أوله منك الذي أولاكا

مالك إلا ما عليك مثله

لاتحمدّن المرء مالم تبله

 والمرء كالصورة لولا فعله

ياربما أورثت اللجاجة

ماليس بالمرء إليه حاجة

 وضيق أمر يتبع انفراجه

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 11 ، تمام القصيدة

١٦٤

ليس يقي من لم يق الله الحذر

وليس يفتات امرؤ على القدر

 والقلب يعمى مثل ما يعمى البصر

كم من وعيد يخرق الاذانا

كأنما يعني به سوانا

 أصمّنا الامهال بل أعمانا

ما أفسد الخرق اساهُ الرفق

وخير ما أنبأ عنك الصدق

 كم صعقة دلّ عليها البرق

لكل ما يؤذي وإن قل ألم

ما أطول الليل على من لم ينم

 وسقم عقل المرء من شر السقم

أعداءُ غيب إخوة التلاقي

ياسوءتا لهذه(1) الأخلاق

 كأنما اشتقت من النفاق

أنف الفتى وهو صريم(2) أجدع(3)

من وجهه وهو قبيح أشنع

 هل يستوى المحفوظ(4) والمضيَّع

ما منك من لم يقبل المعاتبة

وشر أخلاق الفتى المواربة

 ينجيك مما تكره المجانبة

متى تصيب الصاحب المهذبا

هيهات ما أعسر هذا مطلبا

 وشرّ ما طالبته ما استصعبا

آفة عقل الأشمط التصابي

رب مَعيب فعله عيّاب

 زم الكلام حذر الجواب

لكل ما مجري جواد كبوه

مالك إلاّ ما قبلت عَدْوَه

 من ذا الذي يسقيك عفواً صفوه

لا يسلك الشر سبيل الخير

والله يقضي ليس زجر الطير

 كم قمرعاد إلى قمير

__________________

1 ـ في الأصل : ياسوء مالهذه ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ يقال : صَرَمْت الشيء صرماً من باب ضرب : قطعته « مجمع البحرين ـ صرم ـ 6 : 101 ».

3 ـ الجدع : قطع الأنف والأذن والشفة واليد « مجمع ألبحرين ـ جدع ـ 4 : 310 ».

4 ـ في المصدر : المحظوظ.

١٦٥

لايجتمع جمع لغير بين

لفرقة كل اجتماع اثنين

 يعمى الفتى وهو بصيرالعين

الصمت إن ضاق الكلام أوسع

لكل جنب ذات يوم مصرع

كم جارع لغيره ما يجمع

مالك إلا ما بذلت مال

في طرفة العين يحول الحال

 ودون آمال الفتى الآجال

كم قد بكت عين وليس تضحك

وضاق من بعد اتساع مسلك

 لاتُبرَ مَنْ أمراً عليك يُملك

خير الاُمور ما حمدت غبه

لايرهب المذنب إلاذنبه

 والمرء(1) مقرون بمن أحبه

كل مقام فله مقال

كل زمان فله رجال

 وللعقول تضرب الأمثال

دع كل أمر منه يوماً تعتذر

عف كل ورد غير محمود الصدر

 لاتنفع الحيلة في ماضي القدر

نوم امرىء خير له من يقظه

لم ترضه فيه الكرام الحفظه

 وفي صروف الدهر للمرء عظه

مسألة الناس لباس ذل

من عف لم يسأم ولم يمل

 فارضَ من الاستر بالأقل

جواب سوء المنطق السكوت

قد أفلح المُتَّئدُ(2) الصموت

 ماحم من رزقك لايفوت

في كل شيء عبرة لمن عقل

قد يسعدالمرء إذا المرء اعتدل

 يرجو غداً ودون ما يرجو الأجل(3)

من لك بالمحض وليس محض

يخبث بعض ويطيب بعض

 وربّ أمر قد نهاه النقض

__________________

1 ـ في الأصل : والأمر ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ التؤده : التأني والرزانة ضد التسرع « مجمع البحرين ـ تأتد ـ 18 : 3 ».

3 ـ في ألأصل : ألأمل ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٦

كم زاد في ذنب جهول عذره

دع أمر من يعنى عليك(1) أمره

 يخشى امرؤ شيئاً ولا يضره

يارب إحسان يعود ذنبا

ورب سلم سيعود حربا

 وذو الحجى يجهل إن أحبّا

قد يدرك المعسر في إعساره

ما يبلغ الموسر في إيساره

 وينتهى الهاوي إلى قراره

الشيء في نقص إذا تنهاها

والنفس تنقاد إلى رداها

 مذعنة تجيب سائقاها

الناس في فطرتهم سواء

وإن تساوت بهم الأهواء

 كل بقاء بعده فناء

لم يغل شيء وهو موجود الثمن

مال الفتى ما فضه لا ما احتجن

 إذا حوى جثمانه يرى الحبن(2)

المال يحكى الفيء بانتقاله

وإنما المنفق من أمواله

 ما عمر الخلة من سؤاله(3)

من لاح في عارضه القتير(4)

فقد أتاه بالبلى النذير

 ثم إلى ذي العزة المصير

رأيت غب الصبر مما تحمد

وإنما النفس(5) كما تعود

 وشر ما يطلب مالا يوجد

إن أتباع المرء كل شهوة

ليلبس القلب لباس قسوة

 وكبوة العجب أشد كبوة

من يزرع المعروف ما رضي

لكل شيء غاية ستنقضي

 والشر موقوف لذي التعرض

__________________

1 ـ في الأصل : يغني عليكم ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ الحبن : عظم البطن « النهاية ـ حبن ـ 335 : 1 ».

3 ـ في الاصل : نسأله ، وما أثبتناه من المصدر.

4 ـ القتبر : الشيب « النهاية ـ قتر ـ 4 : 12 ».

5 ـ في الاصل : المنفق ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٧

 

لا يأكل الانسان إلا ما رزق

ما كل أخلاق الرجال تتفق

 هان على النائم ما يلقى الأرق

من يلذع الناس يجد من يلذعه

لسان ذى الجهل وشيكاً يوقعه

 لا يعدم الباطل حقاً يدمغه

كل زمان فله توابع

والحق للباطل ضد دافع

 يغصك المشروب وهو سائغ

رب رجاء مض(1) من مخافة

ورب أمن سيعود آفة

 ذو النجح لايستبعد المسافة

كم من عزيز قد رأيت ذلاً

وكم سرور مقبل تولّى

 وكم وضيع شال فاستقلا

لا خير في صحبة من لا ينصف

والدهر يجفو أمره ويلطف

 والموت يفني كل عين تطرف

رب صباح لامريء لم يمسه

حتف الفتى موكّل بنفسه

 حتى يحل في ضريح رمسه

إني أرى كل جديد بالي

وكل شيء فإلى زوال

 فاستشف من جهلك بالسؤال

إن رحيلاً فأعدّ الزادا

إن معاداً فاحذر المعادا

 لايلهك العمر وإن تمادا

إنك مربوب مدين تُسأل

والدهرعن ذي غفلة لا يغفل

وكل ما قدمته محصّل

حتى يجيء يومك المؤجل

 * * *

__________________

1 ـ في الاصل : فص ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٨

 [ فصل ](1)

روي عن أحد الائمةعليهم‌السلام انه قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عز وجل كتم ثلاثة في ثلاثة : كتم رضاه في طاعته ، حتى لايستصغر أحداً شيئاً من الطاعات ، فلعل فيه رضاه. وكتم سخطه في معصيته ، حتى لايستصغر أحد سيئة ، فلعل فيها سخطه. وكتم وليه في خلقه ، فلا يستخفن أحدكم أخاه ، فإنه لايدري لعله ولي لله »(2) .

وأيضاً أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ، ليحافظ الإنسان على ، الصلوات الخمس فيحصل الوسطى ، وأخفى ليلة القدر في ليالي رمضان ليحافظ الرجل على ليالي رمضان ، فيحصل له ليلة القدر ، وأخفى ساعة الإجابة في الليل والنهار ، ليحافظ على ، الدعاء في الليل والنهار.

ومن كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن ».

لاخير في العيش إلاّ لرجلين : عالم مطاع ، ومستمع واع.

وكفى بالقناعة غنى ، وبالعبادة شغلاً.

لا تنظروا إلى صغير الذنب ، ولكن انظروا إلى من اجترأتم عليه.

وقالعليه‌السلام : آفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الظرف الصلف.

لاحسب إلا بتواضع ، ولاكرم إلا بتقوى ، ولا عمل إلا بنية ، ولا عبادة إلابيقين.

إن العاقل من أطاع الله وإن كان ذميم المنظر حقير الخطر ، وإن الجاهل من عصى الله وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر.

أفضل الناس أعقل الناس ، إن الله تعالى قسم العقل ثلاثة أجزاء ، فمن كانت‏

__________________

1 ـ أثبتناه من كنز الفوائد.

2 ـ كنزالفوائد : 13 باختلاف يسير.

١٦٩

فيه كمل عقله ، ومن لم تكن فيه فلا عقل له : المعرفة بالله تعالى ، وحسن الطاعة ، وحسن الصبر.

إن لكل شيء آلة وعدة ، وآلة المؤمن وعدته العقل ، ولكل شيء مطية ، ومطية المرء العقل ، ولكل شيء دعامة ، ودعامة الدين العقل ، ولكل شيء غاية ، وغاية العبادة العقل ، ولكل قوم راع ، وراعي العابدين العقل ، ولكل تاجر بضاعة ، وبضاعة المجتهدين العقل ، ولكل خراب عمارة ، وعمارة الآخرة العقل ولكل سفر فسطاط يلجأون اليه ، وفسطاط المسلمين العقل(1) .

* * *

__________________

1 ـ كنزالفوائد : 13 ، وفيه من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سرته حسنته ...

١٧٠

فصل

روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال : « العقل ولادة ، والعلم إفادة ، ومجالسة العلماء زيادة »(1) .

وروي عنهعليه‌السلام أنه قال : « هبط جبريلعليه‌السلام على آدم صلوات الله عليه فقال له : يا آدم ، اُمرت أن أخيّرك بين ثلاث ، فاختر منهن واحدة ودع اثنتين.

فقال له آدمعليه‌السلام : وما الثلاث؟

قال : العقل ، والحياء ، والدين.

فقال آدم صلى الله عليه : فاني قد اخترت العقل.

فقال جبريل للحياء والدين : انصرفا ، فقالا يا جبريل : انا اُمرنا أن نكون مع العقل(2) ».

روي أن طاووس اليماني قال : رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول :

ألا أيها المأمول في كلّ حاجة

شكوت إليك الضرّ فاسمع شكايتي

ألا يارجائي أنت كاشف كربتي

فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي

زادي قليل ما أراه مبلّغي

أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي

أتيت بأعمال قباح رديّة

فما في الورى خلق جنى كجنايتي

أتحرقني في النار ياغاية المنى

فأين رجائي منك أين مخافتي

 قال فتأملته فإذا هوعلي بن الحسينعليه‌السلام فقلت : يا ابن رسول الله ، ما هذا الجزع وأنت ابن رسول الله! ولك أربع خصال : رحمة الله ، وشفاعة جدك رسول الله ، وأنتابنه ، وأنت طفل صغير(3) .

__________________

1 ـ كنز الفوائد 13.

2 ـ كنز الفوائد 13 ، وفيه زيادة : حيث كان قال : فشأنكما ، وعرج

3 ـ لايخفى تعارض هذه القطعة من الحديث ، وما يأتي من قولهعليه‌السلام : « وأنما كوني طفلاً » مع ماتقدم في بدايته من قول طاووس اليماني : « رأيت في جوف الليل رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة » ، كما أن المشهور في هذه الواقعة التأريخية ان طاووس قال : رايت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي فيدعائه ، فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسينعليه‌السلام فقلت له يا أبن رسول الله رأيتك على

١٧١

فقال له : « يا طاووس ، إنني نظرت في كتاب الله فلم أرلي من ذلك شيئاً فإن الله تعالى يقول :( ولايشفعون إلالمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) (1) وأما كوني ابن رسول الله ، فإن الله تعالى يقول :( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، فن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) (2) وأما كوني طفلاً ، فإني رأيت الحطب الكبار لايشتعل إلا بالصغار » ثم بكىعليه‌السلام حتى غشي عليه(3) .

خبر اخر في العقل ، وهو المشتهر بين الخاصة والعامة ، من أن أول شيء خلق الله تعالى العقل ، فقال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ، ما خلقت خلقاً أحب الي منك ، بك اُعطي وبك أمنع ، وبك اُثيب وبك اُعاقب ، وعزتي وجلالي ، ما أكملتك إلاّ فيمن أحببت.

* * *

__________________

حاله كذا ، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك الخوف ، أحدها : أنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والثاني شفاعة جدك ، والثالث : رحمة الله ، فقال : يا طاووس أمّا اني ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول : «فلا أنساب بينهم يومئذ » وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول : «ولايشفعون إلا لمن ارتضى » وامّا رحمة الله فإن الله تعالى يقول انها قريبة من المحسنين ، ولا علم اني محسن ، اُنظر « كشف الغمة 2 : 108 ، وعنه في البحار 46 : 101 / 89 ».

1 ـ الأنبياء 21 : 28.

2 ـ المؤمنون 23 : 101 ـ 103.

3 ـ أخرجه المجلسي في بحار الانوار 99 : 198 / 15 عن اعلام الدين.

١٧٢

فصل : في ذم الدنيا(1)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحب دنياه أضرّ بآخرته ».

وقال أمير المؤمنينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الدنيا دول ، فاطلب حظك منها بأجمل الطلب ».

وقالعليه‌السلام : « من أمن الزمان خانه ، ومن غالبه أهانه ».

وقال : « الدهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك ، فإن كان لك فلاَ تبطر ، وإن كان عليك فاصبر ، فكلاهما عنك سينحسر ».

لبعض الشعراء :

وإن امرءاً دنياه أكبر همّه

لمستمسك منها بحبل غرور

 وقال بعضهم : إياك والاغترار بالدنيا والركون إليها ، فإن أمانيها كاذبة ومالها خائبة ، وعيشها نكد وصفوها كدر ، وأنت منهاعلى خطر ، اما نعمة زائلة واما بلية نازلة ، واما مصيبة موجعة واما منية مفجعة.

وقال اخر : صاحب الدنيا في حرب ، يكابد الأهوال لتنقدع(2) ، والجهالة لتنقمع ، والأدواء لتندفع ، والآمال لتنال ، والمكروه ليزال ، وبعض ذلك عن بعض شاغل ، والمشتغل عنه ضائع ، فلما رأى الحكماء أنه لاسبيل إلى إحكام ذلك ، تركوا مايفنى ليحرزوا ما يبقى.

* * *

__________________

1 ـ تمام الفصل في كنزالفوائد : 16 ، وفيه (ذكر) بدل (ذم).

2 ـ قدعت فرسي : كففته. « مجمع البحرين ـ قدع ـ 4 : 376 ».

١٧٣

فصل : في ذكر الأمل(1)

روي ان الله تعالى قال : يابن آدم ، في كل يوم تؤتى رزقك وأنت تحزن ، وعمرك ينقص وأنت لاتحزن ، تطلب ما يطغيك ، وعندك ما يكفيك.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كان يأمل أن يعيش غداً ، فإنه يأمل أن يعيش أبداً ».

وقال بعضهم : الآمال لاتنتهي ، والحي لايكتفي.

وقيل : ما أطاع عبد أمله ، إلاّ قصرعمله.

وقال اخر : لايلهك الأمل الطويل عن الأجل القصير.

وقال اخر : من جرى في عنان أمله عثر بأجله.

وقال اخر : إنك إن أدركت أملك قرّبك من أجلك ، وإذا أدركك أجلك لم تبلغ أملك.

ابن الرومي :

خمسون عاماً كنت أمّلتها

كانت أمامي ثم خلفتها

كنز حياة لي أنفقته

على تصاريف تصرفتها

لو كان عمري مئة هدّني

يذكرني اني تنصفتها

 * * *

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 16 ، وفيه تمام الفضل.

١٧٤

فصل : في ذكر الموت(1)

روي أنه كان في التوراة مكتوباً : يا ابن آدم ، أنت لاتشتهي تموت حتى تتوب ، وأنت لاتتوب حتى تموت.

وقال أمير المؤمنين صلى الله عليه : « من أكثر ذكرالموت رضي من الدنيا باليسير ».

وقال بعضهم : لو رأيتم الأجل ومسيره ، لأبغضتم الأمل وغروره ، وأنشد :

نُراعُ لذكر الموت ساعة ذكره

وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب

 وقيل : إن أمراً اخره الموت لحقيق أن يخاف مابعده.

وروي أن أمير المؤمنينعليه‌السلام سمع إنساناً يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال : « قولنا : إنا لله إقراراً له منا بالملك ، وقولنا : إنا إليه راجعون إقراراً على أنفسنا بالهلك ».

وقيل : من عجائب الدنيا أنك تبكي على ، من تدفنه ، وتترك(2) التراب على وجه من تكرمه.

وقال ابو نؤاس :

غرّ جهولاً أمله

يموت من جا أجله

ومن دنا من يومه

لم تغن عنه حيله

وكيف يبقى آخر

قد غاب عنه أوله

لا يصحب الانسان من

دنياه إلا عمله(3)

 أبو ذؤيب :

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع

 غيره :

ننافس في الدنيا ونحن نعيبها

فقد حذّرتناها لعمري خطوبها

ومانحسب الساعات تقطع مدة

على انها فينا سريع دبيبها

 __________________

1 ـ كنز الفوائد : 16 ـ 18 ، وفيه تمام الفصل.

2 ـ في المصدر : وتطرح.

3 ـ في الأصل : أمله ، وما أثبتناه من المصدر.

١٧٥

كأني برهطي يحملون جنازتي

إلى حفرة يحثى عليَّ كثيبها

وباكية حرى تنوح وإنني

على غفلة عن صوتها لا اُجيبها

أيا هادم اللذات ما منك مهرب

تحاذر نفسي منك ماسيصيبها

رأيت المنايا قسمت بين أنفس

ونفسي سيأتي بعد ذاك نصيبها

 لأبي إسحاق الصابي من قطعة كتبها إلى الشريف الرضي أبي الحسن الموسوي :

وإني على عيث الردى في جوانبي

وماكف من خطوى(1) وبطش بناني

وإن لم يدع إلا فؤاداً مروعا

به غُبر باق من الخفقان

تلوم تحت الحجب ينفث حكمة

إلى اُذن تصغي لنطق لساني

لأعلم أني ميت عاق دفنه

ذماء قليل في غد هو فاني

وان فما للأرض غرثان حائماً

يراصد من أكلي حضور اؤان

به شرهُ عم الورى بفجائع

تركن فلاناً ثاكلاً لفلان

غدا فاغراً يشكو الطوى وهو راتع

فماتلتقي يوماً له شفتان

وكيف وحدّ الفوت منه فناؤنا

وما دون ذاك الحدِ رَدّ عنان

إذا غاضنا بالنسل ممن نعوله

تلا أولاً منه بمهلك ثاني

إلى ذات يوم لاترى الأرض وارثاً

سوى الله من انس براه وجان(2)

 لغيره :

فكم من صحيح بات للموت آمنا

أتته المنايا رقدة بعدما هجع

فلم يستطع اذجاءه الموت بغتةً

فراراً ولامنه بحيلته انتفع

فأصبح تبكيه النساء مكفّناً

ولايسمع الداعي إذا صوته ارتفع(3)

وقُرّب من لحدٍ فصار مقيله

وفارق ماقد كان بالأمس قد جمع

 __________________

1 ـ في الأصل : خطوبي ، وما أثبتناه من المصدر.

2 ـ رسائل الصابي والشريف الرضي : 16.

3 ـ في المصدر : رفع.

١٧٦

فصل في ذكرالموت والقتل وما

بينهما والفرق بينهما(1)

إعلم ، أن الموت غير القتل ، والذي يدل على أنهما غير ان قول الله عز وجل :( أفان مات أوقتل ) (2) وقوله تعالى :( ولئن متم أوقتلتم ) (3) وقوله سبحانه :( ما ماتوا وما قتلوا ) (4) وليس يجوز أن يكون التأكيد والتكرير في لفظين يرجعان إلى معنى واحد.

ويدل على ذلك أيضاً العلم بأن الله سبحانه ليس بقاتل لمن مات حتف أنفه ، ولو قال قائل في ميت : إن الله قتله ، لعاب العقلاء عليه ، والموت والقتل عرضان وليسا بجسمين.

وقد قال شيخنا المفيدرضي‌الله‌عنه : إن القتل متولد عن الأسباب ، ومحله محل حياة الأجسام ، والموت معنى يضاد حياة الفاعل المخلوق ولايصح حلوله في الأجسام ، قال : وهذا مذهب يختص بي.

والقتل عند جميع أهل العدل من مقدورات العباد ، والموت لايقدر عليه أحد إلاّ الله عز وجل.

ولو كان القتل هو الموت لكان من ذبح فرس غيره وإبله وغنمه قد أحسن إليه ، لأن لولا ذبحه لماتت ـ على رأي من يقول : إن القتل هو الموت ـ ومعلوم خلاف ذلك ، وذاك أن القتل سبب لزوال الحياة ، لأن المقتول لو تعداه القتل لجاز من الله تعالى أن يبقيه أويميته ، ولا دليل على أحد الأمرين.

* * *

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 18 ، وفيه إلى قول : ولو كان القتل هو الموت.

2 ـ آل عمران 3 : 144.

3 ـ آل عمران 3 : 158.

4 ـ آل عمران 3 : 156.

١٧٧

فصل من كلام أمير المؤمنين

صلوات الله عليه

في الأخوان واداب الأخوة

في الإيمان(1)

« الناس إخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فهي عداوة ، وذلك قوله عز وجل :( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاّ المتقين ) (2) .

من قلب الاخوان عرف جواهر الرجال.

امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة ، ساعده على كل حال وزل معه حيث مازال ، فلا تطلبن منه المجازاة ، فإنها من شيم الدناة.

ابذل لصديقك كل المودة ، ولا تبذل له كل الطمأنينة ، واعطه كل المواساة ، ولا تفضي إليه بكل الأسرار ، توفي الحكمة حقها ، والصديق واجبه.

لايكوننّ أخوك أقوى منك على مودتك.

البشاشة فخ المودة ، والمودة قرابة مستفادة.

لايفسدك الظن على صديق أصلحه لك اليقين.

كفى بك أدباً لنفسك ماكرهته لغيرك.

لأخيك عليك مثل الذي لك عليه.

لاتضيعنّ حق أخيك إتكالاً على ما بينك وبينه ، فإنه ليس لك بأخ من ضيعت حقه.

ولا يكن أهلك أشق الناس بك.

إقبل عذر أخيك ، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً.

لا يكلف أحدكم أخاه الطلب إذا عرف حاجته.

لا ترغبن فيمن زهد فيك ، ولا تزهدن فيمن رغب فيك.

__________________

1 ـ كنز الفوائد : 34 : وفيه تمام الفصل.

2 ـ الزخرف 43 : 67.

١٧٨

إذا كان للمحافظة موضعاً لاتكثرن العتاب ، فإنه يرث الضغينة ويجرالى البغضة ، وكثرته من سوء الأدب.

إرحم أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك.

إحفظ(1) زلة وليك لوقت وثبة عدوك.

من وعظ أخاه سراً فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه.

من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه ، وحنينه إلى أوطانه ، وحفظ قديم إخوانه.

* * *

__________________

1 ـ في المصدر : احتمل.

١٧٩

فصل مما جاء نظماَ في الإخوان(1)

روي أن الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام كان يتمثل كثيراً بهذين البيتين :

أخوك الذي لوجئت بالسيف عامداً

لتضربه لم يستَغِشَّك في الود

ولوجئتَهُ تدعوه للموت لم يكن

يردك إبقاءاً عليك من الرد(2)

وقال سالم(3) بن وابصة :

احب الفتى ينفي الفواحشَ سمعه

كأن به من كل فاحشة وقرا

سليم دواعي الصدرلاباسطاً أذى

ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا

إذا ما أتت من صاحب لك زلة

فكن أنت محتالاً لزلته عذرا

غنى النفس ما يكفيك من سدّ خِلة

فإن زاد شيئاًعاد ذاك الغنى فقرا

لغيره :

إذاجمع الفتى حسبا ودينا

فلا تعدل به أبدا قرينا

ولاتسمح بحظك منه بل كن

بحظك من(4) مودته ضنينا(5)

وقال آخر :

وكنت إذا الصديق أرادغيظي

وأشرقني على حنق بريقي

غفرت ذنوبه وصفحت عنه

مخافة أن أعيش بلاصديق

 لآخر :

ومن لم يغمض عينه عن صديقه

وعن بعض مافيه يعيش وهو عاتب

ومن يتتبع جاهداً كل عثرة

يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب

 وقال إياس بن القائف :

يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم

ترمي النوى بالمقترين المراميا

فاكرم أخاك الدهرمادمتما معاً

كفى بالممات فرقة وتنائيا

 __________________

1 ـ كنزالفوائد : 34 وفيه تمام الفصل.

2 ـ في المصدر : الود.

3 ـ في المصدر : مسلم.

4 ـ في الأصل : في ، وما أثبتناه من المصدر.

5 ـ الضنين : البخيل « الصحاح ـ ضنن ـ 6 : 2156 ».

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534