الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة11%

الأسرار الفاطميّة مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 1420
الصفحات: 534

الأسرار الفاطميّة
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136791 / تحميل: 8264
الحجم الحجم الحجم
الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة

مؤلف:
ISBN: ١٤٢٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وحثّ الإسلام على الابتداء بالدعاء؛ ليكون أَوّل اتصال بين الزوج والزوجة اتصالاً معنوياً روحياً، وليس مجرد اتصال بهيمي جسدي، فيستحب الدعاء بإدامة الحب والود: (اللهمّ ارزقني إلفَها وودّها ورضاها بي، وأرضني بها، واجمع بيننا بأحسن اجتماع، وأيسر ائتلاف، فإنّك تحبُّ الحلال وتكره الحرام) (1) .

ويستحب الأخذ بناصيتها، ويستقبل بها القبلة، ويخلع خفّها، ويغسل رجلها إذا جلست، ويصب الماء في جوانب الدار (2) .

والالتزام بذلك يخلق جواً من الاطمئنان، والاستقرار، والهدوء، في أَوّل خُطوات اللقاء، ويدفع ما في نفس الزوجة من دواعي القلق والاضطراب، خصوصاً وإنّ الزوجة تعيش في أَوّل يوم من حياتها الزوجية، حالةً من الخوف والاضطراب النفسي، فإذا شاهدت مثل هذه الأعمال من صلاة ودعاء، فإنّها ستعيش في جوّ روحي يبدّد مخاوفها ويزيل اضطرابها، ويستحب للرجل حين الجماع أن يدعو: (اللهمّ ارزقني وَلداً، واجعله تقياً زكياً، ليس في خَلقه زيادة ولا نقصان، واجعل عاقبته إلى خير) (3) .

وهذا إيحاء للمرأة وللرجل بأنّ العلاقة الجنسية ليست مجرد إشباع للغريزة، وإنّما هي مقدمة للإنجاب والتوالد، حيث يبتدئ الجماع (ببسم الله الرحمن الرحيم) (4) ، فتكون ليلة الزفاف ليلةً مباركة بذكر الله تعالى.

____________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 410، ومكارم الأخلاق: 208. وجواهر الكلام 29: 43.

(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 313. وجواهر الكلام 29: 46.

(3) تهذيب الأحكام 7: 411، ومكارم الأخلاق: 209.

(4) مكارم الأخلاق: 209.

٤١

كراهية المباشرة في أوقات معيّنة:

يكره للزوج أن يباشر ويجامع زوجته في الأوقات التالية (1) .

1 - ليلة الهلال باستثناء هلال شهر رمضان.

2 - ليلة النصف من الشهر، وليالي المُحاق.

3 - يوم الكسوف وليلة الخسوف.

4 - وقت الزلازل والرياح السود والصفر.

5 - ما بين طلوع الفجر والشمس.

6 - ما بين غروب الشمس ومغيب الشفق، وما بعد الظهر.

7 - ليلة الأضحى، وليلة النصف من شعبان.

8 - بين الأذان والإقامة.

كراهية المباشرة في أحوال معيّنة:

يكره للزوج مجامعة زوجته عرياناً، وقائماً، ومستقبل القبلة ومستدبرها، وفي وجه الشمس إلاّ أن يرخي ستراً.

ويكره له أن يجامع زوجته قبل الاغتسال من احتلام له.

ويكره له أن يتكلم أثناء الجماع باستثناء الكلام بذكر الله تعالى (2) .

ويكره للرجل أن يجامع زوجته متخيّلاً امرأةً أخرى، قال رسول

____________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 313. وجامع المقاصد 12: 22. وجواهر الكلام 29: 61.

(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 314. وجواهر الكلام 29: 60.

٤٢

الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك، فإنّي أخشى إن قضي بينكما وَلد أن يكون مخنّثاً، مؤنثاً، مخبلاً) (1) .

مستحبات المباشرة:

يستحبّ للرجل غضّ البصر (ولا ينظرنَّ أحد في فرج امرأته، وليغضّ بصره عند الجماع، فإنّ النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد) (2) ، ويستحب له أن يذكر الله تعالى، وأن يسأله أن يرزقه ذَكراً سوياً، كما يستحب الغسل أو الوضوء بعد الجماع قبل أن يجامع مرةً أُخرى (3) .

وتستحب المداعبة والملاعبة (4) ؛ لأنّ ذلك يعمّق الود والحب، وينقل الجماع من صورته البهيمية إلى صورة إنسانية، تتناسب مع طبائع الإنسان وعواطفه وإحساساته.

المحرّم في المباشرة:

يحرم على الرجل الدخول بزوجته الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين، قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين) (5) .

فإن دخل بها وأفضاها حرم عليه جماعها أبداً، ووجب عليه دفع

____________________

(1) مكارم الأخلاق: 209. وجواهر الكلام 29: 61.

(2) مكارم الأخلاق: 209.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 314.

(4) مكارم الأخلاق: 212.

(5) تهذيب الأحكام 7: 391.

٤٣

الأرش، والإنفاق عليها مدة حياتها (1) .

ويحرم جماعها وهي حائض (2) .

أحكام الجنابة:

يحرم على المجنب قراءة سور العزائم، وهي السور التي فيها آيات السجدة الواجبة.

ويحرم دخول المساجد، ووضع شيء فيها.

ويحرم مس كتابة المصحف، ومس كل كتابة من أسماء الله تعالى. ويكره قراءة ما زاد على السبع آيات من القرآن، ويكره للمجنب الأكل والشرب إلاّ بعد الوضوء، أو بعد غسل اليدين والتمضمض وغسل الوجه (3) .

وتتحقّق الجنابة بالجماع بقذف أو دون قذف، وبالقذف بغير جماع.

أحكام الحيض:

يحرم على الحائض قراءة سور العزائم، ومس كتابة القرآن وأسماء الله تعالى، ودخول المساجد ووضع شيء فيها.

ويبطل صوم الحائض، ويجب عليها قضاء الصوم الذي فاتها في زمن حيضها، ولا يجب عليها قضاء الصلاة، إلاّ إذا حاضت بعد دخول الوقت،

____________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 313. وجامع المقاصد 12: 330 - 332.

(2) جامع المقاصد 1: 319.

(3) جامع المقاصد 1: 265 - 269. والوسيلة إلى نيل الفضيلة: 55.

٤٤

فيجب عليها قضاء تلك الصلاة فقط، إن لم تكن قد أدّتها في وقتها، ولا يصح للزوج طلاق الحائض (1) .

الحمل:

أقل الحمل ستة أشهر، وأكثره تسعة أشهر، والريب ثلاثة أشهر، فتصير الغاية في أكثر الحمل سَنة كاملة (2) ، والسَنة الكاملة انفردت بها الإمامية (3) .

والفائدة في تحديد أكثر الحمل، أنّ الرجل إذا طلق زوجته فأتت بولد بعد الطلاق لأكثر من ذلك الحدّ لم يُلحق به، وتحديد الحمل يعتمد على النصوص، والتوقيف، والإجماع، وطرق علمية، ولا يثبت عن طريق الظن (4) .

ويحرم على الزوج نفي الحمل منه، وإن كان يعزل عن زوجته؛ لاحتمال سبق المني من غير انتباه، أو احتمال بقاء شيء من المني في المجرى وحصول اللقاح به عند العود إلى الإيلاج (5) .

ولا يجوز للمرأة إسقاط الجنين وإن كان من حرام، إلاّ إذا خافت الضرر على نفسها مع استمرار وجوده، فإنّه يجوز لها إسقاطه، في وقت لم تلجه

____________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 58 - 59. وجامع المقاصد 1: 317 - 319.

(2) الكافي في الفقه: 314.

(3) الانتصار: 345.

(4) الانتصار: 346.

(5) منهاج الصالحين، المعاملات، القسم الثاني: 112 - 113.

٤٥

الروح، أمّا بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز لها إسقاطه مهما كان السبب (1) .

ويستحب إطعام المرأة الحامل بعض المواد الغذائية؛ لتأثيرها على صحتها وصحة جنينها؛ لأنّ الأمراض الجسدية والتشوهات في الخِلقة ناجمة في أكثر الأحيان عن سوء التغذية، وهنالك أغذية مخصوصة لها تأثير على الصفات النفسية والروحية للجنين، ومن الأغذية التي يستحبّ إطعامها للحامل.

1 - السفرجل: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كلوا السفرجل، فإنّه يجلو البصر، وينبت المودة في القلب، وأطعموه حبالاكم، فإنّه يحسّن أولادكم) (2) .

2 - اللبان: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أَطعموا نساءكم الحوامل اللبان، فإنّه يزيد في عقل الصبي) (3) .

3 - التمر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر، فإنّ ولدها يكون حليماً تقياً) (4) .

ووضع أهل البيت (عليهم السلام) جدولاً متكاملاً، في أنواع الأغذية المفيدة، في صحة جسم الحامل وصحّة حملها، فيستحبُّ توفيرها للحامل، كما ورد في كتاب الأطعمة والأشربة من الكافي ومكارم الأخلاق، كالرّمان، والتين، والعنب، والزبيب، والبقول، والسلق، واللحم، والهريسة،

____________________

(1) منهاج الصالحين، المعاملات، القسم الثاني: 115 - 116.

(2) مكارم الأخلاق: 172.

(3) مكارم الأخلاق: 194.

(4) مكارم الأخلاق: 169.

٤٦

والخضروات.

ويحرم على الحامل تناول الأطعمة والأشربة المضرّة بصحتها وصحة الحمل.

ويجب على الزوج النفقة ابتداءً، ويكون الوجوب أشدّ وآكد في فترة الحمل، ولا يسقط وجوب النفقة وإن كانت الحامل مطلّقةً، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى، أنفق عليها حتى تضع حملها، فإذا وضعته أعطاها أجرها...) (1) .

وينبغي حسن المعاملة مع المرأة في جميع الأحوال، وهو أَولى في فترة الحمل، فهي بحاجة إلى مراعاة حالتها النفسية؛ لانعكاسها على الجنين، كما يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (... فإنّ لها حق الرحمة، والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة) (2) .

فالأفضل من قِبل الزوج تجسيداً لحق الرحمة والمؤانسة الرفق بها، وإسماعها الكلمات الجميلة، وتكريمها، والتعامل معها كإنسانة أكرمها الإسلام، وإشاعة جو السرور والبشاشة، والمودّة واللطف في المنزل، وإدخال الفرحة على قلبها، والصبر على أخطائها ومساوئها، التي لا تؤثر على نهجها الإسلامي، وتجنّب كلّ ما يؤدي إلى الإضرار بصحتها النفسية، كالتعبيس في وجهها، أو ضربها، أو هجرها، أو التقصير في حقوقها (3) .

____________________

(1) الكافي 6: 103.

(2) تحف العقول / الحراني: 188، المطبعة الحيدرية، النجف، 1380 هـ، ط5.

(3) راجع إرشاد القلوب: 175، ومكارم الأخلاق: 245، والكافي 5: 511، والمحجّة البيضاء 3: 19.

٤٧

الولادة:

هي المرحلة التالية لمرحلة الحمل مباشرة، ويجب على المرأة في أَوّل المخاض أن تخلو مع النساء، ولا يجوز لأحدٍ من الرجال الدخول عليها أثناء المخاض مع الاختيار (1) .

ويجوز عند الضرورة أن يقوم الرجل بإجراء عملية الولادة لها إن عجزت النساء عن ذلك (2) .

ويستحب على القابلة أن تأخذ الوليد وتمسح عنه الدم، وتحنّكه بماء الفرات، أو بماء عَذِب إن لم تجد ماء الفرات، ويستحبّ لها أن تحنّكه بالعسل المخلوط مع الماء، أو التحنيك بتربة الإمام الحسين (عليه السلام) (3) .

ويستحب على الوالدين أن يسمعا الوليد اسم الله تعالى بالأذان في أُذنه اليمنى، والإقامة في أُذنه اليسرى (4) .

عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مَن وُلِدَ له مولود فليؤذّن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقم في اليسرى؛ فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم) (5) .

ويستحب تسمية الوليد بأحسن الأسماء، وليس ثَمّة اسم أحسن من

____________________

(1) المقنعة: 521. وجواهر الكلام 31: 250.

(2) المبسوط 4: 160 - 161. وجواهر الكلام 31: 250.

(3) المقنعة: 521. وجواهر الكلام 31: 252.

(4) المقنعة: 521. وجواهر الكلام 31: 251.

(5) الكافي 6: 24.

٤٨

اسم محمد، فهو اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وكان الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، يحثّون المسلمين على تسمية أبنائهم وبناتهم بالأسماء التالية: (عبد الرحمن - وباقي أسماء العبودية لله ولصفاته - محمد، أحمد، علي، حسن، حسين، جعفر، طالب، فاطمة) (1) .

ويكره التسمية ببعض الأسماء، كالحَكَم، وحكيم، وخالد، ومالك، وحارث (2) .

واستحباب الاسم الحَسَن مقدمة؛ لتحصين الوليد من السخرية والاستهزاء في كبره؛ لأنّ الأسماء غير الحسنة تُستهجن من قِبل المجتمع، إضافةً إلى ذلك فإنّ الأسماء الحسنة كأسماء الأنبياء، والأئمة، والأولياء، تجعل الطفل مرتبطاً بهم في سلوكه ومواقفه، وهو في نفس الوقت نوع من التبرّك بأفضل أسماء الشخصيات، التي لها دور كبير في إرشاد الإنسانية وتقويمها.

ويستحب في اليوم السابع من الولادة أن تُثقب أُذن الوليد، ويُحلق شعر رأسه، ثمّ يجفّف ويتصدق بزنته ذهباً أو فضةً، ويختن في هذا اليوم، ويُعقّ عنه بشاة سمينة، يُعطى للقابلة منها الرجل بالورك، ويفرّق باقي اللحم على الفقراء والمساكين، ويُعقّ عن الذَكر بذَكر من الغنم، وعن الأُنثى بأُنثى منها (3) .

____________________

(1) راجع الكافي 6: 19.

(2) راجع الكافي 6: 21.

(3) المقنعة: 521 - 522. وجواهر الكلام 31: 253 وما بعدها.

٤٩

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (يُسمّى في اليوم السابع، ويُعقّ عنه، ويُحلق رأسه، ويتصدّق بوزن شعره فضةً، ويُبعث إلى القابلة بالرجل مع الورك، ويطعم منه ويتصدّق) (1) .

وفي رواية عنه (عليه السلام): (... واحلق رأسه يوم السابع، وتصدّق بوزن شعره ذهباً أو فضةً) (2) .

ولهذه المستحبات دور كبير في تعميق الأواصر الاجتماعية، بالتصدّق على الفقراء، وإطعام المحتاجين والمساكين، ولها آثار نفسية حسنة للطفل حينما يترعرع، ويفهم اعتناء الوالدين به في ولادته، إضافةً إلى الذكرى الحسنة عند مَن وصلته تلك الصدقة وتلك العقيقة، حيث يكون عندهم محل احترام وتقدير.

ومن الأذكار المأثورة عند ذبح العقيقة ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (وجّهت وجهي للّذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً، وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، اللهمّ منك ولك، اللهمّ هذا عن فلان بن فلان) (3) .

وفي السيرة عقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الحسن (عليه السلام) بيده وقال: (بسم الله عقيقة عن الحسن، اللهمّ عَظمها بعَظمه، ولحمها بلحمه، ودمها بدمه، وشعرها بشعره، اللهمّ اجعلها وقاءً لمحمّد وآله) (4) .

____________________

(1) الكافي 6: 29.

(2) الكافي 6: 28.

(3) الكافي 6: 31.

(4) الكافي 6: 32 - 33.

٥٠

وفي استحباب ثقب الأُذن والختان قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (إنّ ثقب أُذن الغلام من السُنّة، وختانه لسبعة أيام من السُنّة) (1) .

وللختان في اليوم السابع آثار صحيّة على الوليد، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (اختنوا أولادكم لسبعة أيام، فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللّحم، وإنّ الأرض لتكره بول الأغلف) (2) .

والختان في هذا اليوم يؤدي إلى سرعة الشفاء مع قلة الألم.

أحكام النفاس:

أقل مدّة للطهر من دم النفاس عشرة أيام (3) .

وحكم النُفَساء حكم الحائض في جميع المحرّمات والمكروهات (4) .

فيحرم عليها: قراءة سور العزائم، ومسّ كتابة القرآن وأسماء الله تعالى، ودخول المساجد، ووضع شيء فيها.

ويجب عليها منع زوجها من وطئها في الفرج.

ويبطل صومها، ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة، ولا يصحّ للزوج طلاقها.

____________________

(1) الكافي 6: 35.

(2) الكافي 6: 34.

(3) الكافي في الفقه: 315. والمسائل الاتفاقية: 115 - 116.

(4) جامع المقاصد 1: 349. والمسائل الاتفاقية: 118. والوسيلة إلى نيل الفضيلة: 61.

٥١

حكم تبنّي الوليد:

إذا ولدت امرأة على فراش الرجل لأكثر من ستة أشهر فصاعداً لزمه قبوله، ويحرم عليه نفيه منه، وإن ولدت لأقلّ من ذلك وليداً حيّاً سوياً ينبغي نفيه منه، فإن أقرّ به قُبل منه، ولم يسعه بعد ذلك الانتفاء منه (1) .

الرضاع:

حليب الأُمّ هو الغذاء الأمثل للطفل، فهو (أوفق بمزاجه وأنسب بطبعه) (2) ، وأفضل مَن يمنحه الحنان، فيكون الطفل أقل توتراً، وأهنأ بالاً، وأسعد حالاً، فيستحب إرضاع الطفل من حليب أُمّه، قال الإمام علي (عليه السلام): (ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه) (3) .

وهذا ما يؤكّده العلم الحديث، وهو يكشف مناسبة حليب الأُمّ لحاجة الرضيع من حيث مكوّناته، ومن حيث درجة حرارته أيضاً، فإنّ مكوّناته وحرارته تتغيّر مع نمو الطفل، وبحسب ما يتطلبه النمو السليم.

وعلى الرغم من استحباب إرضاع الطفل من حليب أُمّه، إلاّ أنّه لا يتوجب عليها إرضاعه (4) ، سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الرضاع فقال: (لا تُجبر الحرّة على رضاع الولد، وتجبر أُمّ الولد) (5) .

____________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 317. وجواهر الكلام 31: 224. ومنهاج الصالحين - المعاملات: 112 - 113.

(2) الحدائق الناضرة 25: 71.

(3) الكافي 6: 40.

(4) الحدائق الناضرة 25: 71. وجواهر الكلام 31: 272. والصراط القويم: 214.

(5) الكافي 6: 41.

٥٢

وعدم الوجوب مشروط بوجود الأب وقدرته على دفع الأُجرة، أو عدم تبرّع الأُمّ، أو وجود مال للولد، ووجود مرضعة أُخرى، وفي حالة عدم توفر هذه الشروط، يجب على الأُمّ إرضاعه، كما يجب عليها الإنفاق عليه إذا كان الأب معسراً أو مفقوداً (1) .

وفي الظروف الاستثنائية التي تقف حائلاً دون إرضاع الأُمّ لطفلها بسبب قلّة الحليب، أو مرض الأُمّ، أو موتها، أو رفضها للرضاعة مجاناً، يستحبّ اختيار المرضِعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معيّنة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (انظروا مَن ترضع أولادكم، فإنّ الولد يشبُّ عليه) (2) .

ويستحب اختيار المرأة المرضعة التي تتوفر فيها أربع خصال: العاقلة، المسلمة، العفيفة، الوضيئة (3) .

قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (استرضع لولدك بلبن الحِسان، وإيّاك والقِباح فإنّ اللبن قد يعدي) (4) .

وقال (عليه السلام): (عليكم بالوضاء من الظؤرة، فإنّ اللبن يعدي) (5) .

ويكره استرضاع الحمقاء، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تسترضعوا الحمقاء، فإن الولد يشبُّ عليه) (6) .

____________________

(1) الحدائق الناضرة 25: 72. وجواهر الكلام 31: 272.

(2) الكافي 6: 44. وجواهر الكلام 29: 307.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 316. وجامع المقاصد 12: 208. وجواهر الكلام 29: 306.

(4) الكافي 6: 44. وجواهر الكلام 29: 306.

(5) الكافي 6: 44.

(6) مكارم الأخلاق: 237. وجواهر الكلام 29: 306.

٥٣

وكذا البغيّة والمجنونة، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (توقّوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة، فإنّ اللبن يعدي) (1) .

ويجوز استرضاع الكتابيات على كراهية، وفي حال عدم وجود مرضِعة مسلمة، وترتفع الكراهة في حال منعهنَّ من شرب الخمر، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (إذا أرضعنَ لكم، فامنعوهنَّ من شرب الخمر) (2) .

وكراهية استرضاع تلك الأصناف ناجمة من تأثير اللبن على الطفل، ففي حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (... فإنّ اللبن يعدي، وإنّ الغلام ينزع إلى اللبن) (3) .

ومن أجل تحسين حليب الطفل، يستحبُّ إطعام النساء في نفاسهنَّ التمر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليكن أَوّل ما تأكل النُفَساء الرطب) (4) .

ويفضّل إطعام نوع خاص من التمر وهو البَرني، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (أطعموا البَرني نساءكم في نفاسهنَّ، تحلم أولادكم) (5) .

وللأُمّ حق الإرضاع لطفلها إن رضي الأب بغير أُجرة، ولها حق الامتناع من الرضاعة، إمّا إذا كانت مطلّقةً، فهي أَولى برضاعه سواء رضي الأب أم لم يرضَ، ولها أُجرة المِثل، فإن طلبت أُجرةً زائدة على ما يرضى به

____________________

(1) مكارم الأخلاق: 223. وجواهر الكلام 29: 306، 308.

(2) الكافي 6: 42. وجواهر الكلام 29: 307.

(3) الكافي 6: 43.

(4) الكافي 6: 22.

(5) الكافي 6: 22.

٥٤

غيرها، كان للأب حقّ انتزاعه من يدها (1) .

ولا يجوز للأب أن يسلّم الطفل إلى مرضعة تذهب به إلى منزلها إلاّ برضا الأُمّ (2) .

ومدّة الرضاع هي سنتان، وأقلّه واحد وعشرون شهراً، ويجوز الزيادة على السنتين مقدار شهرين، والزيادة لا أُجرة فيها (3) .

ويستحسن في مرحلة الرضاع مناغاة الطفل؛ لأنّها تؤثر على سرعة النطق، ونموّه اللغوي والعاطفي في المستقبل، حيث يشعر من خلال المناغاة بوجود الأمن والطمأنينة والهدوء، ولنا في سُنّة أهل البيت (عليهم السلام) خير منار واقتداء، فكانت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، تناغي الحسن (عليه السلام) في هذه المرحلة وتقول:

أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحق الرّسنْ

واعبد إلهاً ذا مِننْ

ولا توالِ ذا الإحَنْ

وكانت تناغي الحسين (عليه السلام):

أنت شبيه بأبي

لست شبيهاً بعليّ (4)

الفِطام:

حدّدت الشريعة الإسلامية مدة الإرضاع التامة بأربع وعشرين شهراً

____________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 315 - 316.

(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 315 - 316. ومنهاج الصالحين، المعاملات: 120.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 315 - 316. والصراط القويم: 214.

(4) بحار الأنوار 43: 286.

٥٥

كما جاء في قوله تعالى: ( والوالِداتُ يُرضِعنَ أولادَهُنَّ حَولَينِ كامِلينَ لِمن أرادَ أن يُتمَّ الرَّضَاعةَ... ) (1) .

وأقلّ الرضاع - كما تقدّم - واحد وعشرون شهراً، وينبغي على الوالدين إن أرادا فِطام الصبي في هذه المدة، أن يتشاورا فيما بينهما، قال تعالى: ( ... فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا.. ) (2) .

ويجوز تأخير الرضاع إلى شهر أو شهرين بعد مدة التمام، وهي أربع وعشرون شهراً، ويحرم الرضاع بعد ذلك؛ لأنّ لبن المرأة يصير من الخبائث، ومن فضلات مالا يُؤكل لحمه، فيحرم على المكلّف شربه، وكل ما حرم على المكلّف شربه يحرم إعطاؤه لغير المكلّف (3) .

فيجب على الأُمّ أو الأب المستأجر لمرضعة، مراعاة وقت الرضاع، ووقت الفِطام، بلا إفراط ولا تفريط، فيحسن إرضاع الولد واحداً وعشرين شهراً، ولا ينبغي إرضاعه أقل من ذلك (4) ، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الرضاع واحد وعشرون شهراً، فما نقص فهو جور على الصبي) (5) ؛ ذلك لأنّ الطفل بحاجة إلى اللبن في هذه المدّة، وبحاجة إلى الدفء العاطفي والحنان على حدٍّ سواء.

____________________

(1) سورة البقرة: 2 / 233.

2) سورة البقرة: 2 / 233.

(3) مهذّب الأحكام 25: 275.

(4) منهاج الصالحين، المعاملات: 120.

(5) الكافي 6: 40.

٥٦

الحضانة:

الحضانة هي الولاية على الطفل لفائدة تربيته، وما يتعلّق بها من مصلحته (1) ، ومرحلة الحضانة هي أهمّ المراحل في نموّ الطفل البدني، واللغوي، والعقلي، والأخلاقي، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخُلقية، وتتطلب هذه المرحلة من الوالدين إبداء عنايةٍ خاصةٍ في رعاية الطفل وحمايته، وتوفير ما يحتاجه من مقوّمات النموّ البدنية والروحية؛ ليكون عنصراً فعّالاً في المجتمع.

والأُمّ أحقُّ بحضانة الولد مدّة الرضاع، فلا يجوز للأب أن يأخذه في هذه المدّة منها، فإذا انقضت مدة الرضاع، فالأب أحق بالذكر، والأُمّ أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين من عمرها، ثمّ يكون الأب أحقّ بها، وإن فارق الأُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين، لم يسقط حقّ حضانتها ما لم تتزوج بالغير، فلو تزوجت سقط حقّها، وكانت الحضانة للأب (2) .

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج) (3) .

وعنه (عليه السلام) قال: (ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية، فإذا فُطم فالأب أحقُّ به من الأُمّ، فإذا مات الأب فالأُمّ أحقُّ به من العُصبة...) (4) .

وفي حال فقدان الأبوين تكون الحضانة لأب الأب مقدّماً على غيره

____________________

(1) الحدائق الناضرة 25: 83.

(2) مهذّب الأحكام 25: 278.

(3) وسائل الشيعة 21: 471.

(4) الكافي 6: 45.

٥٧

من الإخوة والأجداد (1) .

وإن فقد أب الأب تكون الحضانة لأقارب الطفل، على ترتيب مراتب الإرث الأقرب منهم يمنع الأبعد (2) .

ومن شروط حق الحضانة للأُمّ (3) :

1 - أن تكون مسلمةً.

2 - أن تكون عاقلةً.

3 - أن تكون سالمةً من الأمراض المعدية.

4 - أن تكون فارغةً من حقوق الزوج، فلو تزوّجت سقط حقها من الحضانة.

5 - أن تكون أمينةً.

6 - وأضاف بعض الفقهاء شرط عدم فسق الأُمّ (4) .

ولا يجوز للأمّ الحاضنة أن تسافر بالولد إلى بلد بغير رضا أبيه، ولا يجوز للأب أن يسافر به ما دام في حضانة أُمّه (5) .

____________________

(1) الحدائق الناضرة 25: 96.

(2) مهذّب الأحكام 25: 281.

(3) الحدائق الناضرة 25: 90 - 91، 93. والصراط القويم: 214.

(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 288.

(5) مهذب الأحكام 25: 283.

٥٨

الفصل الثالث

الحقوق الأُسريّة

وضع المنهج الإسلامي حقوقاً وواجبات على جميع أفراد الأُسرة، وأمر بمراعاتها من أجل إشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأُسرة، والتقيّد بها يسهم في تعميق الأواصر وتمتين العلاقات، وينفي كل أنواع المشاحنات والخلافات المحتملة، والتي تؤثّر سلباً على جوّ الاستقرار الذي يحيط بالأُسرة، وبالتالي تؤثّر على استقرار المجتمع المتكوّن من مجموعة من الأُسر.

أَوّلاً: حقوق الزوج:

من أهمّ حقوق الزوج حقّ القيمومة، قال الله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (1) .

فالأُسرة باعتبارها أصغر وحدة في البناء الاجتماعي بحاجة إلى قيّم ومسؤول عن أفرادها، له حقّ الإشراف، والتوجيه، ومتابعة الأعمال،

____________________

(1) النساء 4: 34.

٥٩

والممارسات، وقد أوكل الله تعالى هذا الحق إلى الزوج، فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق المنسجم، مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكلٍّ من الزوجين، وأن تراعي هذه القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم.

ومن الحقوق المترتبة على حق القيمومة حق الطاعة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدّق من بيتها شيئاً إلاّ بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلاّ بإذنه، ولا تمنعه نفسها، وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه...) (1) .

حتى إنّه ورد كراهة إطالة الصلاة من قِبل المرأة؛ لكي تتهرّب من زوجها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تُطوِّلنّ صلاتكنّ لتمنعنَّ أزواجكنّ) (2) .

ويجب عليها إحراز رضاه في أدائها للأعمال المستحبة، فلا يجوز لها الاعتكاف المستحب إلاّ بإذنه (3) ، ولا يجوز لها أن تحجّ استحباباً إلاّ بإذنه، وإذا نذرت الحج بغير إذنه لم ينعقد نذرها (4) .

ومن أجل تعميق العلاقات العاطفية، وإدامة الروابط الروحية، وإدخال السرور والمتعة في نفس الزوج، يستحب للمرأة الاهتمام بمقدمات ذلك، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله، ما حقّ الزوج على المرأة؟ قال: أكثر من ذلك،

____________________

(1) مَن لا يحضره الفقيه 3: 277.

(2) الكافي 5: 508.

(3) الكافي في الفقه: 187.

(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 191.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

إسرائيل ؟! فأشارت الىٰ عيسىٰ في المهد فقالوا لها( كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا ) فأنطق الله عيسىعليه‌السلام فقال( إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا *وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا *وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا *وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) .

إذن عندما جاءت إلى بني إسرائيل تحمل الطفل الكل شمتوا بها وانقلبوا عليها كما قال القرآن الكريم في ذلك « يا أخت هارون » يعني شماته والقرآن الكريم حكىٰ جانب من شماتتِهم فمريم عرفت انه ليس في بني إسرائيل لها ناصر ولا يذكر القرآن الكريم إنَّ هناك من وقف مع مريم وانبرى للدفاع عنها مثلاً حتى يقول إنها كانت إمرأة طاهرة تاريخها نظيف ، هذه كانت صاحبة معجزات في أحضان نبي فلابد أن نرى القضية قبل أن نحكم عليها بهذه السرعة ، فمن هذا القبيل لم يوجد رجل دافع عنها فاذاً كان هكذا موقفهم معها فأين يوجد الكفوء لها حتى تتزوج به وتكون ولادتها طبيعية فاذن لا يوجد كفوء لها يشاركها المعجزة والكرامة ويتحمل إلى جانبها مسؤولية السماء فالأكثرية بل الكل كانوا أناس غير ملتزمين والدليل على ذلك إنَّنا نجد أيضاً ، بعض أنصار الأنبياء جرحوا الأنبياء ، أصحاب موسىعليه‌السلام مثلا وهكذا فما كان هناك كفوء. بينما توفر الكفوء لفاطمةعليها‌السلام ألا وهو سيد الأوصياء وأمير الموحدين علي إبن أبي طالب أي نفس الرسول الاكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكما أخبر بذلك القرآن ، فتوفر الكفوء اذن دلالة علىٰ عدم الحاجة الىٰ المعجزه ، هذا ما نتصوره في الجواب الأوّل.

بنت النبي الذي لولا هدايتُهُ

ما كان للحق لاعين ولا أثرُ

هي التي وَرِثت حقاً مفاخِرَهُ

والعِطرُ فيه الذي في الورد مدَّخرُ

تزوجت في السما بالمرتضىٰ شرفاً

والشمسُ يقرنها في الرتبةِ القمرُ

٢ ـ أما بالنسبة لمريم وانها ولدت نبياً ولم تلد فاطمة نبياً فهذا يُرد عليه بأن ولادة الانبياء في بني اسرائيل حتى وان كانت ولادتهم طبيعية أو غير طبيعية لا يدل ذلك أن الأنبياء من بني اسرائيل أفضل من أهل البيتعليهم‌السلام فلقد ثبت بالادلة القاطعه ان أهل البيت لا يدانيهم آل من الآل سواء آل عمران أو آل لوط وغيرهم ممن ذكرهم القرآن

٢٢١

الكريم فهؤلاء لا يصلون ولا يرتقون الىٰ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام وهذا مسلم به وحتى أن حديث الكساء يشير الىٰ ذلك الأمر ، هذا الحديث الذي اعترف به أحقد من عليها ـ أي علىٰ الشيعة ـ ألا وهو ابن تيميه في كتابه منهاج السنة الذي ثنّىٰ ركبتيه وشد الأحزم لنقض كل فضائل أهل البيتعليهم‌السلام وحتى الرواية التي يجدها تحمل فضيلة فإنه ينكرها من الأساس فيكون بذلك مخالف لاسلوب العلماء والذين يريدون التخلص مثلاً من رواية بإسقاط سندها وضعفه عن القيام بالحجية. إذن فحديث الكساء الشريف أثبت أفضلية أهل البيتعليهم‌السلام من بقية الآل وهذا بالحقيقة يجعل هذا الحديث يتألق في سماء العقيدة والمعرفة فإنه يدل علىٰ أن أهل البيت خُلق الكون لأجلهم ، إذن لمّا ولدت مريم عيسىٰعليه‌السلام فإنّ فاطمة ولدت حسناً وحسيناً ولا يقاس بهم لا نبي من أنبياء بني إسرائيل ولا وصي وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « علماء أُمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل » فيه دلالة واضحة علىٰ ذلك لأنه لو أخذنا وفسرنا أن علماء أُمتي هم الأئمةعليهم‌السلام بالخصوص فيكون الأفضلية لفاطمةعليها‌السلام من هذه الجهة وأضف إلى ذلك أنّ عيسى بن مريمعليه‌السلام وكما وردت الروايات في ذلك إنَّه سوف يصلي خلف الإمام المهدي « عج » عند ظهوره الشريف وأضف الىٰ ذلك أنَّه أمير المؤمنين والأئمةعليهم‌السلام كان يقينهم ثابت ووصل مرحلة لا يصل إليها أحد من أنبياء بني اسرائيل أليس القرآن الكريم يقول في حق نبي من الأنبياء( أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) يعني لم يصل الىٰ مرحلة الاطمئنان القلبي الراسخ الذي هو عبارة عن اليقين الحقيقي ، أمّا علي وأولاد عليعليهم‌السلام « لو كشف لي الغطاء ما إزددت يقيناً ».

إذن ولادة مريم لعيسىٰ بالمعجزة الربانيّة وإنَّه كان نبياً لا يدل أفضليتهما من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام وعليه كل الأدلة المطروحة حول ذلك مردودة ، وهذا لا يعني إنَّنا نطعن بشخصية مريم أو نريد أن نقلل من شأنها بل اتخذناها عظيمة من العظيمات وقسنا عليها عظماء الأمة.

والثمرة في هذا البحث من الناحية العقائدية وحسب ما نتصوره أنَّه عندما ثبت أنَّها سيدة نساء العالمين وأنها أفضل النساء من الأولين والآخرين فإنَّه سوف يكون ظلمها وعدم رعاية حقها من قبل الذين ظلموها والذين رضوا بذلك ذا وبال عليهم

٢٢٢

في الدنيا بلعنهم والبرائة من ظلمهم وأفعالهم بحقِّ سيدة نساء العالمين وفي الآخرة الخزي والعذاب الأليم( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) . وأيضا الثمرة في ذلك هو أننا بقدر معرفتنا بمقامات أولياء الله تعالىٰ ـ ومنهم فاطمةعليها‌السلام ـ والتي ورد البحث عليها وعلىٰ طلب المزيد منها ، نزداد عند ذلك معرفة بالله تعالىٰ لأنَّه من عرفكم فقد عرف الله تعالىٰ لأنَّهم هم الدالّين عليه وعلى عظمته ، وهذا ثابت للزهراءعليها‌السلام كما ثبت للأئمةعليهم‌السلام .

وكذلك أنَّه متىٰ ما عرفنا أنَّه فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين عرفنا عند ذلك انَّ لها مقاماً سامياً وكرامةً ربانيَّة ، وخاصَّة نحنُ نؤمِن بأنَّها كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق بما فيهم الملائكة والجنَّ والأنبياء وإنَّه ما تكاملت نبوة نبي حتىٰ أقر بفضلها ومحبتها وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، كلّ ذلك له الأثر الكبير في أنَّ يعمق ارتباطنا بفاطمةعليها‌السلام ويدخل حبها في قلوبنا وفي صميم عقائدنا ونزداد تفاعلاً مع ظلاماتها وما جرىٰ عليها من الظلم والعدوان وعظيم المحن التي مرت عليها. وأخيراً نختم هذا البحث بما ورد من كلمات الأعلام حول ثبوت كونها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين والأمر لا يخلو من فائدة فيما نحن فيه ، وإليك أقوال المحدثين :

*قال ابن أبي الحديد : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مال إليها وأحبّها ، فازاد ما عند فاطمة بحسب زيادة ميله ، وأكرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إكراماً عظيماً أكثر ممّا كان الناس يظنّونه ، وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم ، حتّى خرج بها عن حدّ الآباء للأولاد ؛ فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة ، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحدٍ « إنها سيّدة نساء العالمين ، وإنّها عديلة مريم بنت عمران ، وإنّها إذا مرّت في المواقف ناد منادٍ من جهة العرش : « يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، وهذا من الأحاديث الصحيحة(١)

*وقال شهاب الدين الآلوسيُّ : عن ابن عبّاس ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أربع

__________________

(١) « شرح النهج » : ٩ / ١٩٣.

٢٢٣

نسوة سادات عالمهنّ : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وأفضلهنّ عالماً فاطمة » والّذي أميل إليه أنّ فاطمة البتول أفضل النساء المتقدّمات والمتأخرات من حيث إنّها بضعة رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل ومن حيثيّات أخرى أيضاً ، ولا يعكر على ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضليّة غيرها عليها من بعض الجهات ، وبحيثيّة من الحيثيّات

إذ البضعيّة من روح الوجود وسيّد كلّ موجود ، لا أراها تقابل بشيء ، وأين الثريّا من يد المتناول ؟ ومن هنا يعلم أفضليّتها على عائشة رضي الله تعالى عنها الذاهب إلى خلافها الكثير محتجّين بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء »

وأنت تعلم ما في هذا الإستدلال ، وأنّه ليس بنصّ على أفضليّة الحميراء على الزهراء ، أمّا أوّلاً ، فلأنّ قصارى ما في الحديث الأوّل على تقدير ثبوته إثبات أنّها عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدين ، وهذا لا يدلُّ على نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته عليه الصلاة والسلام ، ولعلمهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها لا تبقي بعده زمناً معتدّاً به يمكن أخذ الدين منها فيه لم ـ يقل فيها ذلك ، ولو علم لرُبمّا قال : خذوا كلّ دينكم عن الزهراء على أنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض » يقوم مقام ذلك الخبر وزيادة كما لا يخفى. كيف لا ، وفاطمة رضي الله تعالى عنها سيّدة تلك العترة(١) .

*وقال العلاّمة المجاهد السيّد شرف الدين رحمه‌الله : تفضيلها على مريمعليها‌السلام أمر مفروغ عنه عند أئمة العترة الطاهرة وأوليائهم من الإماميّة وغيرهم ، وصرّح بأفضليّتها على سائر النساء حتّى السيّدة مريم كثير من محقّقي أهل السنّة والجماعة كالتقيّ السبكيّ ، والجلال السيوطيّ ، والبدر ، والزركشيّ ، والتقّي المقريزيّ ، وابن أبي داود ، والمناوي فيما نقله عنهم العلاّمة النبهاني في « فضائل الزهراء » ص ٥٩ من كتابه « الشرف المؤبَّد » ، وهذا هو الّذي صرّح به السيّد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعيّة ونقله عن عدّة من أعلامهم ، وذلك حيث أورد تزويج فاطمة بعليّ في سيرته

__________________

(١) تفسير روح المعاني : ٣ / ١٥٥.

٢٢٤

النبويّة(١) حتّى مريم رضي الله عنها ، كما اختاره المقريزيّ والزركشيّ والحافظ السيوطيّ في كتابه « شرح النقابة » و « شرح جمع الجوامع » بالأدلّة الواضحة الّتي منها أنّ هذه الأمّة أفضل من غيرها ، والصحيح أنّ مريم ليست بنبيّة بل حكي الإجماع على أنّه لم يتنبأ امرأة قطّ. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله « مريم خير نساء عالمها ، وفاطمة خير نساء عالمها »(٢) رواه الترمذّي. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا بنيّة ، ألا ترضين أنّك سيدّة نساء العالمين ؟ قالت : يا أبت فأين مريم ؟ قال : تلك سيدّة نساء عالمها » رواه ابن عبد البرّ. وقد أخرج الطبراني بإسناد على شرط الشيخين ، قالت عائشة : « ما رأيت أحداً قطّ أفضل من فاطمة غير أبيها »(٣)

وروي المجلسيُّ « ره » قال : قال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقرّبين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم ، فيقولون : يا فاطمة( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون ». وفي رواية مقاتل والضحّاك وعكرمة عن ابن عباس : « وأفضلهنّ »(٥) . وعن محمد بن سنان ، عن المفضّل قال : قلت لأبي عبد اللهعليها‌السلام : أخبرني عن قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فاطمة : « إنّها سيّدة نساء العالمين » أهي سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين(٦) . وعن الحسن بن زياد العطّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ، أسيّدة نساء عالمها ؟ قال : ذاك مريم ، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين(٧) .

__________________

(١) هامش النصّ والاجتهاد : المورد ، ١١٤.

(٢) إنما قال « عالمها » لأنّ عالمها أفضل من عالم مريم كما صرّح به المؤلف آنفاً. « فاطمة مهجة قلب المصطفى ٩٥ ».

(٣) « السيرة الحلبيّة » : ٢ / ٦.

(٤) البحار : ٤٣ / ٤٩ ، وقد تقدم ، والآية في آل عمران ، ٤٢.

(٥) العوالم : ١١ / ٤٦ ، ٤٩.

(٦) نفس المصدر السابق.

(٧) « العوالم » : ١١ / ٤٩ ، ٥١.

٢٢٥

وقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما ، وأمّهما أفضل نساء أهل الأرض(١) .

وفي الحديث : إنّ آسية بنت مزاحم ، ومريم بنت عمران ، وخديجه يمشين أمام فاطمة كالحجاب لها إلى الجنّة(٢) .

* وروي السّيد الشبّررحمه‌الله عن النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فاطمة خير نساء أمتي إلاّ ما ولدته مريم ». ثمّ قال : وأحسن توجيهاته على تقدير صحّته أن تكون فيه « إلاّ » بمعنى الواو كما ذكره أهل العربيّة ، وحمّلوا عليه قوله تعالى( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) ، ويكون المعنى أنّها خير نساء أمتّي وخير نساء أمّة ما ولدته مريم وهو عيسى ؛ وخصّص تلك الاُمّة بالذكر لكثرة النساء الصالحات العابدات فيها دون أمم سائر الأنبياء(٤) .

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) البقرة : آية ١٥٠.

(٤) « مصابيح الأنوار » ٢ / ٣٩٣ ، ٣٩٤.

٢٢٦

٢٢٧

٢٢٨

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي

شجونٌ تستهلُ لها الدموعُ

وتُحرَقُ من لواعِجها الضلوعُ

وقفتُ علىٰ البقيعِ فسالَ طرفي

وقلبي فالدموعُ هيَّ النجيعُ

كأنَّ مصيبةَ الزهراءِ بيتٌ

بقلبي للأسىٰ وهوَّ البقيعُ

أمثلَ البضعةِ الزهراءِ تُجفىٰ

ويُعفي قبرُها وهوَّ الرفيعُ

ويغصُب حقُّها جهراً وتؤذىٰ

بحيثُ وصيةُ الهادي تضيعُ

تُصدُّ عن البكاءِ علىٰ أبيها

فتُحبسُ في محاجرها الدموعُ

وتَقتطِعُ الأراكةَ حين تأوي

لظلِّ غصونها كفٌ قطيعُ

ويُحرقُ بيتُها بالنارِ حقداً

ويُهتَكُ سترُها وهو المنيعُ

ويُكسرُ ضلعها بالبابِ عصراً

فيسقط حملُها وهو الشفيعُ

ويدمي صدرِها المسمارُ كسراً

فينبعُ بين ثدييها النجيعُ

ويُنثرُ قرطُها لطماً ويلوىٰ

عليها السوطُ والسيفُ الصنيعُ(١)

وحمرةُ عينها للحشرِ تبقىٰ

بها من كفِّ لاطمِها تشيعُ

تنوحُ فتسمع الشكوىٰ وتدعو

وما في المسلمين لها سميعُ

مصائبُ بالفظاعةِ قد تناهت

وكلُّ مصيبةٍ خطبٌ فظيعُ

قضت الماً من الزهراءِ فيها

حشاشةُ قلبِها وهو المروعُ

__________________

(١) السيف : الصقيل.

٢٢٩

٢٣٠

البحث الثامن

فاطمة الزهراءعليها‌السلام العلة الغائيّة

( يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ؛ ولولا فاطمة لما خلقتكما ) (١) .

هذا الحديث من الأحاديث المأثورة التي رواها جابر بن عبد الله الانصاري عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الله تبارك وتعالى ومن المعلوم أن كلام الله تعالى جاء على قسمين أحدهما ما ورد في القرآن الكريم والاخر ما جاء على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من دون ان يكون له وجود في القرآن الكريم وهو ما يعبر عنه بالاحاديث القدسية التي خاطب بها الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولقد جمعت كثير من الكتب هذه الاحاديث القدسية مثل كتاب كلمة الله وكتاب الاحاديث القدسية عند الفريقين وغيرهما من الكتب والذي يهمنا في المقام هذا الحديث القدسي الذي جاء ليثبت للصديقة فاطمةعليها‌السلام كرامة أخرى ، ومنقبة عظمى وذلك من خلال التمعن في مدلولات هذا الحديث المبارك.

يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك

والخطاب هنا من الباري عز وجل لرسوله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن المعلوم لدينا أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له عدة اسماء وردت على لسان القرآن الكريم مثل « محمد »صلى‌الله‌عليه‌وآله ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) ومثل أحمد( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ، وكذلك ياسين ، وغيرها من الأسماء التي جاءت بتعابير مختلفة ،

__________________

(١) الجنة العاصمة : ١٤٨ ، مستدرك سفينة البحار : ٣ / ٣٣٤ عن مجمع النورين : ١٤ ، عن العوالم : ٤٤.

٢٣١

وفيما نحن فيه جاء الخطاب للرسول باسم أحمد ، حيث توجه إليه الخطاب الالهي ليقول له لولاك يا رسول الله لما خلقت الموجودات التي هي متيسرة في الافلاك ، والافلاك هنا معناها كل الموجودت التي تدور حياتها ووجودها في الكون سواء نعلم بوجودها أم لا نعلم ، فعلة خلق الموجودات هو لأجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام وهذا ما أكدته كثير من الاحاديث المأثورة في هذا المقام منها عن النبي « لما خلق الله آدم أبو البشر نفخ فيه من روحه التفت آدم إلى يمنة العرش فاذا في النور خمسة أشباح سُجداً ورُكّعاً.

قال آدم : يا رب ! هل خلقت أحداً من طين قبلي ؟ قال : لا ، يا آدم ؛

قال : من هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي ؟

قال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من اسمائي لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ، ولا العرش ولا الكرسي ، ولا السماء ولا الأرض ، ولا الملائكة ولا الأنس ولا الجن ، فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا العالي وهذا علي وانا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الاحسان وهذا الحسن ، وانا المحسن وهذا الحسين آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم الا أدخلته ناري ولا أُبالي يا آدم ، هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أُنجيهم ، وبهم أهلكهم فاذا كان لك الي حاجة فبهؤلاء توسل فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نحن سفينة النجاة. من تعلق بها نجا ، ومن حاد عنها هلك ، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت(١) .

أقول : يظهر من هذا الحديث عدة أمور مهمة تتطابق في مدلولاتها مع الحديث القدسي الذي نحن بشأن توضيحه ، فأنوار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام مخلوقة قبل وجود آدم ، وأكد الحديث على أن علة خلق آدم هو من أجل هذه الانوار ـ حيث قال الله تعالى لادم : لولاهم ما خلقتك بل تجاوز الأمر إلى أن كل الموجودات هي مخلوقة بسببهم فالعرش والجنة والنار والكرسي والسماء والأرض والملائكة والإنس والجن كلهم لن يوجدوا لولا وجود انوار أهل البيت بما فيهم جدهم رسول

__________________

(١) فرائد السبطين : ١ / ٣٦ ح ١ ، عنه غاية المرام : ٥ ح ١ ، ح ١٥ ح ١ أرجح الطالب : ٤٦١.

٢٣٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك نجد في حديث الكساء المتقدم الذكر في كتابنا هذا انه يصف علة ايجاد الأفلاك هو لأجل أهل البيتعليهم‌السلام حيث يقول الله تعالى «يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فُلكاً يسري إلا في محبة هؤلاءعليهم‌السلام (١) أي إني لأجل حبهم وأنوارهم خلقت هذه الأفلاك ».

اذن يظهر من هذه الامور ومن خلال عدة احاديث مأثورة ان الأفلاك والموجودات ما خلقت لولا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا احمد لولاك لما خلقت الافلاك » وهذه العبارة مطابقة لمضمون كثير من الاحاديث الولائية سواء كانت من كتب الخاصة أو العامة. وبعبارة أخرى لتوضيح المطلب :

أولاً : حينما نسأل ، لماذا خلق الله الكون « الافلاك » ؟ فإن الجواب يأتي من القرآن الكريم وهو أن الله خلق الكون والحياة من أجل الإنسان ، لأنه قال :( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ، وقال :( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) وسخر كل شيء في السموات ، وكل شيء في الأرض ، وسخرها في خدمة الإنسان ، لأنه حينما يقول : سخرها ، فإن ذلك يعني أنه جعلها ، في خدمة الإنسان مسخرة له ، يتصرف بها كيف يشاء مثل تسخير القمر ، والبحر للانسان ، فمن القمر ، ننتفع بالضوء ، ومن البحر ننتفع بالماء وكما ان القمر يحمل السفن الفضائية على ظهره ، كذلك البحر يحمل السفن الشراعية على ظهره أيضاً.

إذاً : فالجواب على السؤال المتقدم : لماذا خلق الله الافلاك والكون ، والحياة ؟

أقول : الجواب ، خلقها من أجل الإنسان ، كما صرح بذلك القرآن الكريم ، في أكثر من مائة آية كلها تؤكد المعنى ، وتصب اهتماما في هذا الجانب ، بكلمة : سخر وجعل الخ.

وثانياً : نسأل ، لماذا خلق الله الإنسان ؟ ويأتي الجواب من القرآن أيضاً : إنه للعبادة ،( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٢) .

__________________

(١) راجع حديث الكساء الشريف.

(٢) سورة الذاريات : الآية ٥٦.

٢٣٣

والعبادة لا تتحقق إلاّ بشروط ، ومن أهم تلك الشروط :

(أ) معرفة الطريق. وكشف الوسيلة ووجود القائد ، لأنه من دون القائد ، لا يمكن الإنطلاق في اتجاه صحيح ، ولذلك صار القائد ، ملازماً لكل زمان ومكان ، ولكل الناس ، لانه من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية.

إذاً فالعبادة ، تتوقف على وجود القائد ، الإمام المعصوم ومعنى ذلك : أن فقدان القائد ، يعني فقدان العبادة ، وإذا فقدت العبادة ، انتفت الحكمة من وجود الإنسان ، واذا انتفت الحكمة من وجود الإنسان ، ولم يعد لوجود الافلاك معنىً ، لأن الافلاك انما وجدت بوجود الإنسان الذي يعبد الله ، ولذلك عندما تقوم الساعة ، وينتهي دور الإنسان في الحياة ، فإن الكواكب ، والنجوم ، والافلاك كلها تتمزق شذر مذر ، وينتهي دورها : وحملت الأرض والجبال ، فدكتا ، دكة واحدة ، ويقول :( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ) (١) ويقول القرآن الكريم :( إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ ) .( وَإِذَا النُّجُومُ ) .

وعليه فمن كل ما تقدم ، نخرج بالنتيجة التالية : وهي أن الله سبحانه ـ لولا الحبيب المصطفى ـ لم يخلق الكون ، ولا الافلاك ولأنّ هذه الحكمة ، لا تسقط بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنما تستمر الحكمة ، من خلال الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام أجمعين.

وعلى هذا الأساس كان خلق السماوات والأرض وما بينهما لاجل الإنسان وليعبد الله تعالى بعد معرفة الإنسان بان الله تعالى خلقه بقدرته لذلك وانه سيبعثه يوم القيامة لتجزى كل نفس بما كسبت ومن الضروري الذي ثبت في محله ان الدين الذي رضى به الله تعالى واتمه واكمله لعباده هو الذي قال فيه تعالى ـ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) .

هذا هو الدين القيم الذي ارسل به رسوله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ( بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) ، فظهر مما ذكرنا اجمالا معنى قوله « لولاك ما خلقت الأفلاك » وذلك لكونه سيد المرسلين وخاتم النبيين ، ورسولا إلى الناس جميعا بهذا

__________________

(١) سورة طه : الآية ١٠٥.

٢٣٤

الدين المبين ، وفي ذلك يقول سيدنا الأستاذ آية الله السيد عادل العلوي ما نصه :

« فغاية الخلق هو الرسول الاعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو الصادر الأوّل ـ لقاعدة الأشرف كما في الفلسفة ـ وقد ورد في الخبر الشريف ـ كما تقدم ذلك ـ أول ما خلق الله نور محمد فهو العلة التامة بعد علة العلل وهو الله سبحانه(١) .

ولولا عليّ لما خلقتك

أي يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لولا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب لما خلقتك ، وربما يظهر من هذا الكلام بعض التشويه لمن ليس له الباع الطويل لفهم ودراية احاديث أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن بأبسط تأمل وتدقيق في معاني هذا الكلام ينحل لنا هذا اللغز المحير ، فالرواية المتقدمة في علة خلق الموجودات تبين ان لولاهم ما خلقتك يا آدم ، أي ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليعليه‌السلام مشتركين في نفس الأمر لكون الإمام علي هو نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكما عبرت عنه آية المباهلة « انفسنا » فلا يتوهم المتوهمين في عدم تأويل وبيان هذا الأمر وتوجد نكته مهمة في هذا المقام متعلقة بأسرار البسملة ليست بقابلة للتقرير والتحرير ، حيث قيل في هذا المقام ان الوجود ظهر من باء بسم الله الرحمن الرحيم وكما ورد ذلك في الاحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة وقيل « بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود ». وقال أمير المؤمنين ومولى الموحدين عليعليه‌السلام « والله ! لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من « شرح » باء بسم الله الرحمن الرحيم ». وقال ايضاً « انا النقطة تحت الباء » لانه كنقطة بالنسبة إلى التعين الأوّل الذي هو النور الحقيقي المحمدي لقوله ـ أي رسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ « أول ما خلق الله نوري المسمى بالرحيم » ولقوله « أنا وعلي من نور واحد » لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كالباء وعليعليه‌السلام كالنقطة تحتها ، لأنّ الباء لا تعين إلا بالنقطة ، كما أن النبي لا يتكمل إلا بالولاية ، ومن هنا كان لولا علي لما خلقتك يا رسول الله فأفهم تغنم والله الهادي إلى

__________________

(١) راجع فاطمة ليلة القدر : ١٤.

٢٣٥

الحق ، وعلى هذا الاساس فانه لابد للرسالة السماوية من حجج وائمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكما أثبت هذا في محله من علم الكلام. لأنّ الأرض لا تخلو من حجة وامام في كل زمان ، وأنه « من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » وهذا عليعليه‌السلام امام واب الأئمة المعصومينعليهم‌السلام كلهم خلقوا من أجل هذا الدين الحنيف الذي روحه العبودية لله رب العالمين برسالة رسوله وخلافة هؤلاء الأئمة الامناء على الدين ، وصفوة الله وخزان علمهعليه‌السلام .

اذن العلة التامة كما قلنا في كمالاتها وصفاتها التي هي مظهر لاسماء الله وصفاته هو رسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا الإنسان الكامل والمخلوق الاتم ـ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لابد لمثل هذه العلة النورانية والكلمة الالهية التامة من معلول يشابهه ويناسخه لقانون العلة والمعلول كما هو ثابت في الفلسفة والحكمة المتعالية ويكون عندئذ هو نفسه وهو أمير المؤمنين اسد الله الغالب علي بن ابي طالبعليه‌السلام ومما يدل على ذلك هو آية المباهلة ، فيظهر من هذا كله معنى ولولا علي لما خلقتك.

ولولا فاطمة لما خلقتكما

وذلك لكون فاطمةعليها‌السلام أم ابيها فهي جمعت الكمالات المحمدية وكانت مظهراً للصفات الربوبية وهي بقية النبوة ولولاها لما قام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للدين عمود ولا أخضر له عود وبنورها زهرت السماوات العلى.

وكذلك كونها ام الأئمة. وهي الوعاء الطاهر لذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي الكوثر الذي لا ينقطع عطاؤه ومنها الامتداد العلوي لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، فاذا عرفنا ذلك أدركنا عظمة الزهراء وحكمة وجودها لأنّ صلاح العالم كله انما يكون وينطلق من ابناءها ويكفي دليلا على ذلك ، ان يكون صلاح العالم ، واصلاح الدنيا اليوم ، بواحد من ابناء فاطمةعليها‌السلام وهو الإمام المهديعليه‌السلام يقول الرسول الاعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله « المهدى من ولد فاطمة ».

اذاً فإن فاطمة الزهراء ، هي الصديقة الكبرى ، وهي الكوثر المتدفق بالعطاء ، وهي

٢٣٦

أم الأئمة الطاهرين ، ولولاها ، لانعدمت الحكمة ، من وجود الإسلام ، وتكوين الحضارة ، لأن الحضارة إنما قامت بأبناء فاطمة أخذاً من الإمام الحسن والحسين ، وعلي بن الحسين والباقر والصادق ومروراً بالإمام الكاظم ، والرضا والجواد ، وانتهاءً بالإمام الهادي ، والعسكري والإمام الحجة المنتظر عليهم افضل الصلاة وأزكى السلام.

ومن هنا جاء في تعريف فاطمة ، أنها ليلة القدر وأن الذي يعرف حقها ، وقدرها يدرك ليلة القدر ، ويستوعب مفهوم هذه الليلة العظيمة التي نزل فيها القرآن هدى للناس ، وبينات من الهدى والفرقان ، ولا يتحقق هذا المعنى من وجود الهداية ، والبينات إلاّ بوجود الأئمة المعصومين ، من أبناء فاطمة(١) .

والنتيجة هي : أنه لولا فاطمة ، لما كان هناك حكمة من وجود الاسلام ، وعلى هذا الاساس ، ومن هذا المنطلق ، تنتفي حكمة البعثة ، وإذا لم يبعث النبي ، لم يوجد الوصي ، وهكذا نجد أن هذه المسألة على عمقها ، فإنها واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار ، ولذلك جاء هذا الحديث القدسي ، جامعا ، معبراً ، قال : « يا أحمد ـ لولاك ، لما خلقت الافلاك ، ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة ، لما خلقتكما ».

__________________

(١) اعلموا اني فاطمة : ٨ / ٥٢٢.

٢٣٧

٢٣٨

٢٣٩

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534