الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة11%

الأسرار الفاطميّة مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 1420
الصفحات: 534

الأسرار الفاطميّة
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136697 / تحميل: 8242
الحجم الحجم الحجم
الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة

مؤلف:
ISBN: ١٤٢٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ نجم الدين أبوالقاسم بن جعفر بن الحسن بن سعيد صاحب هذه الاجوبةرحمه‌الله : وقفت على هذه الاوراق الكريمة الدالة على فضل موردها وغزارة علمه واهتمامه بتحقيق الحق فيها وسألت له زيادة التوفيق وإحسان العاقبة، وقد أجبت عن ذلك بما اعتقد وجوب العمل به، والله الموفق للصواب(١) .

المسألة الخامسة :(٢) الجواب: [ عن المسألة الخامسة ]: الصلوات الخمس التي أشار إليها الشيخ الطوسيرحمه‌الله هي: صلاة الجنازة والطواف والكسوف والزلزلة والفريضة الفائتة، كل ذلك يجوز أن يصلى ما لم تتضيق الحاضرة، وخالف جماعة في قضاء الفوائت من الفرائض وأوجب تقديمها على الحاضرة ما لم يتضيق الوقت، والحق

____________________

(١) هذه العباره موجودة في آخر هذه الرسالة.

(٢) مع الاسف لا توجد من هذه الرسالة إلا نسخة واحدة ناقصة الاول إلى المسألة الخامسة.

٢٢١

جواز فعل الحاضرة كما يجوز قضاء الفائتة إلا مع التضيق، ويدل عليه قوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) *(٣) ، وهو خطاب للنبي وغيره ممن كلف الصلاة وقولهعليه‌السلام : إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاة(٤) ، وقول الصادقعليه‌السلام : إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلاأن هذه قبل هذه(٥) .

ولو قيل(٦) : هذا الاطلاق بما روي عن الصادقعليه‌السلام : من فاتته صلاة فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت الحاضرة(٧) .

قلنا: وجوب القضاء لا يستلزم المنع من الحاضرة لان الواجب على التخيير مأمور به كالواجب المضيق.

ثم يعارض ذلك بما رواه أبوبصير وغيره عن الصادقعليه‌السلام في من فاتته المغرب والعشاء حتى طلع الفجر قال: يصلي الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل أن تطلع الشمس(٨) ، وما ينافي ذلك نحمله على الاتسحباب توفيقا بين الاخبار.

المسألة السادسة : في دم البراغيث والخنافس وبنات وردان والقراد(٩) والحلم(١٠)

____________________

(٣) سورة الاسراء: ٧٨.

(٤) في سنن البيهقي ١ / ٣٦٥: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن وقت الصلاة فقال: ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر..

(٥) الوسائل ٣ / ٩٢ / الفقيه ١ / ١٣٩ والتهذيب ٣ / ٢٤ والاستبصار ١ / ٢٤٦.

(٦) كذا في الاصل، ولعل الصحيح: " قيد " أو " قيل قيد ".

(٧) الوسائل ٣ / ٢٠٨ / الكافي ٣ / ٢٩٣ والتهذيب ٢ / ٢٦٦ والاستبصار ١ / ٢٨٦.

(٨) الوسائل ٣ / ٢٠٩ / التهذيب ٢ / ٢٧٠ والاستبصار ١ / ٢٨٨.

(٩) القراد واحدها قردة بضم القاف: دويبة تتعلق بالبعير ونحوه وهي كالقمل للانسان.

(١٠) في الاصل: الجلم بالجيم وهو القراد كما في تاج العروس ولعل الصحيح: الحلم بالحاء المهملة واحدها الحلمة: دودة تقع في الجلد فتأكله.

٢٢٢

والطبوع(١١) والسمك وكل ما ليس له نفس سائلة إذا حصل في ثوب الانسان أو في بدنه فما الحكم في ذلك شرعا؟ حتى أن الانسان في أكثر الاوقات يجد جلده حاويه ثم يمص من دم الانسان عيانا حتى يمتلئ فإذا فركه(١٢) الانسان يحصل منه على ثوبه أو بدنه من ذلك الدم ما يعلمه يقينا فهل والحال هذه يحكم الشرع بطهارته أو نجاسته؟ وكذا حكم المني إذا كان من حيوان ليس له نفس سائلة يكون نجسا أو طاهرا؟.

الجواب: لابأس بدم البق والبراغيث وإن كثر لانه طاهر، بل يكره إذا تفاحش في الثوب كراهة لا حظرا وإذا كان العفو عنه مطلقا فلا فرق بين أن نشاهد(١٣) دم الآدمي أو غيره أو لم نشاهد تمسكا بظاهر الاخبار الدالة على العفو عنه ودفعا للحرج، لعموم البلوى.

وأما مني مالا نفس له كالذباب والجراد والخنافس والبق فالظاهر أنه طاهر، وكذا ذرقه لان فضلاته تجري مجرى عصارة الثياب، ولان ميتته ليست نجسة فرطوباته كذلك، والاشارة بنجاسة المني ليس إلا ماله نفس سائلة كذا(١٤) يظهر.

المسألة السابعة : الماء الذي يتطهر به الانسان أو يرفع به الحدث يشربه الانسان في وقت

____________________

(١١) والطبوع كتنور شئ على صورة القراد الصغير المهزول يلصق بجسد الانسان.. كذا في تاج العروس مع تلخيص.

(١٢) فرك الثوب: دلكه. فرك الشئ عن الثوب: حكه حتى تفتت.

(١٣) كذا في الاصل ولعل الصحيح: نشاهد مصه من..

(١٤) هكذا كتب ناسخ هذه النسخة لفظة " كذا ".

٢٢٣

أو يتطهر به مدة أيام ثم حصل عند الانسان من شهد بنجاستة فهل تقبل شهادته أم لا؟ وعلى تقدير القبول يقضي جميع ما صلى من الصلوات ويشطف(١٥) ثيابه وبدنه أم لا؟ وهل إذا شرب الانسان ماء‌ا نجسا للضرورة أو عمدا..(١٦) .

الجواب: لا تقبل شهادة الواحد في ذلك، وتقبل شهادة العدلين، وعلى تقدير القبول يقضي كل صلاة صلاها بالوضوء من ذلك الماء أو الغسل، وأما ما غسل به ثوبه أو بدنه من النجاسة العينية فلا تجب إعادة ما صلاه في ذلك اليوم إذا كان حدثه مرتفعا لان طهارة الثوب والبدن من النجاسة العينية شرط مع العلم بالنجاسة لا مع الجهل بها بخلاف رفع الحدث.

المسألة الثامنة : سجدات العزائم الاربع هل تصح بغير طهارة أم لا، وكذا إذا أخل الانسان بسجدة من سجدات الصلاة أو بالتشهد سهوا فهل يصح بغير طهارة أم لا؟(١٧) .

الجواب: نعم يصح سجود التلاوة بغير طهارة، لان الامر بالسجود مطلق فيتناول مسمى السجود، وما عداه منفي بالاصل، وقياس سجود التلاوة على سجود الصلاة ليس حجة، اما سجود جبران الصلاة كما لو أخل بسجدة او التشهد حتى ركع فإن قضاء ذلك محتاج إلى الطهارة، وكذا سجود السهو أيضا يفتقر إلى الطهارة لانه جزء من الصلاة وجبر لها فيشترط فيه الطهارة.

____________________

(١٥) شطف الثوب: غسله.

(١٦) هنا سؤال آخر لا تقرأ بعض كلماته ولم يجب عنه المصنف فحذفناه لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

(١٧) كان في الاصل: بغير تشهد. والصحيح ما اثبتناه كما هو ظاهره.

٢٢٤

المسألة التاسعة : هل الاذان والاقامة للصلوات التي عليها الجمهور في الاوقات المخصوصة الآن كانت على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويصلونها معه كما يعملون الآن أو على غير ذلك؟ ونرى مشايخنا رضي ‌الله‌ عنهم قد جعلوا في كتبهم لكل صلاة أولا وآخرا مثل قولهم: إذا زالت الشمس أول وقت الظهر، وآخر وقتها إذا صار ظل كل شئ مثله، والعصر مثليه، والمغرب غيبوبة الشمي وآخرها غيبوبة الشفق من نايحة المغرب، وهو أول وقت العشاء الاخرة، وآخرها الثلث أو النصف من الليل على خلاف فيه، وأرى الفتيا من الاصحاب رضي ‌الله‌ عنهم والعمل من المشايخ والجماعة بأسرهم يصلون الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة وكان ينبغي على أصل التقسيم أن يصلي العصر(١٨) بعد صيرورة ظل كل شئ مثله(١٩) والعشاء الاخرة بعد غيبوبة الشفق، وكان يلزم إذا خرج وقت ظل كل شئ مثله(٢٠) أن يصلي الظهر قضاء‌ا وكذلك المغرب إذا غاب الشفق من المغرب يصلي قضاء‌ا لانه آخر وقتها.

وأما على رأي الجمهور فلا يرد شئ مما قلناه عليهم لانهم يصلون الصلوات في أوقات الاذان المقدم ذكره.

وما الفائدة في تأخير الاذان إلى وقت العصر إذا كان الاصحاب يصلون الظهر والعصر بعد أذان الظهر، وهل كان في زمان النبيعليه‌السلام تؤخر العصر إلى وقت أذانها أو تصلى عقيب الظهر، لان أصحابنا بأجمعهم يقولون: إن الفعل في أول الوقت أفضل من تأخيره، حتى أنهم نصوا في تصانيفهم وأفتوا بان

____________________

(١٨) كان في الاصل: الظهر والصحيح ما اثبتناه.

(١٩) في الاصل: مثليه والصحيح ما أثبتناه.

(٢٠) في الاصل: مثليه والصحيح ما أثبتناه.

٢٢٥

من أخر العصر إلى آخر الوقت من غير بدل كان آثما فاسقا فهل ما ذكروه في ذلك حق أم لا؟.

الجواب: لا ريب أن لكل صلاة وقتا يختص به وأنه ينبغي أن تصلى كل صلاة في وقتها المضروبة لها، لكن عندنا الجمع جائز سفرا وحضرا لعذر وغيره رخصة.

وقد روى الجمهور وأصحابنا جميعا أن النبيعليه‌السلام صلى الظهر والعصر في وقت الظهر في الحضر من غير مرض(٢١) وكذا روى أصحابنا والجمهور في المغرب والعشاء أنه صلاهما في وقت المغرب من غير مض ولا سفر(٢٢) وقال كثير من الاصحاب: ينبغي التفريق بين الصلوات إذا صلى النوافل والتعجيل إذا لم ينتفل.

والذي أراه [ أن ] الجمع جائز والتفريق في الاوقات أفضل، وقد بين ذلك الاصحاب حيث ذكروا المستحاضة وكونها تجمع بين الظهر والعصر بغسل، تقدم العصر وتؤخر الظهر، وكذا المغرب والعشاء(٢٣) ، هذا دليل اختصاص كل صلاة بوقتها لكنه ليس بلازم، وما روي(٢٤) من كراهية تأخير العصر فمحمول على تأخيرها عن وقت الاختيار إلى وقت الاضطر إذ المبادرة بها إذا صار ظل كل شئ مثليه(٢٥) أفضل.

____________________

(٢١) علل الشرائع للصدوق ٢ / ١٠.

(٢٢) علل الشرائع ٢ / ١١.

(٢٣) النهاية للشيخ الطوسي ٢٩،(٢٤) راجع الوسائل الباب التاسع من أبواب المواقيت.

(٢٥) كذا في الاصل، والصحيح: مثله.

٢٢٦

المسألة العاشرة : إذا شهد شاهد واحد عدل على شخص بالطلاق في مجلس واحد ثم شهد عليه شاهد واحد بالافتراق هل يحكم بصحة الطلاق أم لا؟.

وكذا إذا تلفظ بالطلاق عند شاهد واحد ثم تلفظ به عند شاهد آخر على افتراق الشاهدين لا على اجتماعهما يقع الطلاق أم لا؟.

وكذا إذا حضر عدلين في مجلس واحد وكانا أخر سين فهل يقع الطلاق أم لا وما الدليل على أن سهادة الشاهدين شرط في صحة الطلاق؟ وكذا كون المرأة طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع، وكذا كونها طاهرا من الحيض والنفاس.

وهل الحامل المستبين حملها يصلح طلاقها مخالعة أم لا؟ وهل إذا طلق الانسان طلقتين للعدة ثم تزوجت بزوج ثم طلقها ثم تزوج بها الاول تنهدم الطلقتان أم لا؟ وكذا الطلقة الواحدة هل تنهدم بالزوج أم لا؟.

وهل النية شرط في جميع ذلك أم لا؟ وهل من لها دون تسع سنين يصح طلاقها مخالعة إذا بذل الوصي أو الحاكم بعض صداقها يصح طلاقها أم لا؟ وهل إذا طلق من لها دون تسع سنين قد دخل بها كون عليها عدة ام لا؟ وكذا المرأة إذا بلغت خمسين أو الستين طلقت تكون عليها عدة أم لا؟ فيتصدق مولانا بالجواب.

الجواب لا يصح الطلاق إذا شهد الشاهدان متفرقين بل لابد من اجتماعهما على سماع اللفظ الواحد ولو شهدا منفردين لم يقع الطلاق.

وأما الشاهدان الاخرسان فإن كانا يسمعان صح الطلاق بشهادتهما وإن كانا أصمين لم يقع الطلاق، لعدم العلم بنطق المطلق، والنطق به شرط في وقوعه، لكن لو أشار إليهما بما يعلمان إقراره بطلاق سابق قبلت شهادتهما

٢٢٧

بالاقرار لا بالانشاء.

والدليل على أن الشهادة شرط في الطلاق قوله تعالى (أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم)(٢٦) فجمع بين الفراق والشهادة بالواو المقتضية للجمع وعليه اتفاق علمائنا، وأما اشتراط الطهر فلان الطلاق في الحيض محرم منهي عنه باتفاق علماء الاسلام وهو بدعة عندنا وعند الجمهور، لكن عندهم يقع مع كونه منهيا عنه وعندنا لا يقع، لان النهي يمنع وقوعه شرعيا لقولهعليه‌السلام : من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد(٢٧) ولان النكاح عصمة مستفادة من الشرع فيقف زوالها على إذنه فلا يزول مع نهيه.

وأما طلاق المستبين حملها فجائز إجماعا وتصح مخالعة وغير مخالعة، والزوج عندنا يهدم الطلقة والطلقتين كما يهدم الثلاث فلو طلقها مرة ثم تزوجت بعد العدة ثم طلقها الثاني جاز للاول العقد عليها بعد الاعتداد من الثاني وكذا لو طلقها اثنين.

والنية شرط في الطلاق لقوله تعالى (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم)(٢٨) .

ويصح طلاق من لها تسع سنين مخالعة إذا بذل الولي ورأى ذلك لها صلاحا.

ولو دخل بمن لها دون تسع سنين فالاكثر من الاصحاب لا يوجبون عليها العدة لو طلقت وكذا اليائسة، وقال علم الهدى: تلزمها العدة(٢٩) والاول أكثر

____________________

(٢٦) سورة الطلاق: ٢.

(٢٧) لم أجده فيما راجعت من المصادر.

(٢٨) سورة الاحزاب: ٥.

(٢٩) قال العلامة الحلي في المختلف ص ٦١٠: وقال السيد المرتضى: والذي أذهب أنا إليه أن على =

٢٢٨

في الرواية(٣٠) والعمل، وقول المرتضىرحمه‌الله حسن(٣١) .

المسألة الحادية عشرة : هل ذبائح من أظهر الشهادتين وإن اختلفوا في الآراء والمذاهب يحل أن تؤكل أم لا؟ وكذا الناصبي والمشبهة هل تحل ذبائحهم ومائعاتهم أم لا؟ ومعنى قول الصادقعليه‌السلام : الناصبي من قدم علينا أهل البيت فقد نصب لنا العداوة(٣٢) فهل يحمل هذا الحديث على عمومه أو يقيد باظهار الاستنقاص بأهل البيتعليهم‌السلام ؟.

وكذا الانسان إذا كان في بلد أكثره يهود ونصارى ومجوس وغيرهم من فرق الكفار ويكون بينهم مسلمون مظهرون الشهادتين فهل تحل أن يشتري الشخص من أسواقهم من غير سؤال أو يسأل عن المسلم حتى يشتري منه؟.

وكذا هل يجوز أن يشتري منهم الجلود إذ وجدت في الاسواق أم لا؟ وكذا المائعات إذا وجت في سوق فيه مسلمون مع أن كلا منهم يعتقد طهارة الآخر وإن اختلفوا في العقائد والملل، فهل يصح الاشتراء والحال هذه أم لا؟.

الجواب: ذبائح المسلمين كلهم حلال وإن اختلفوا في الآراء عد الخوارج والغلاة والمسجمة بالحقيقة، فانهم خارجون عن الاسلام وإن انتحلوه.

____________________

= الآيسة من المحيض والتي لم تبلغه العدة على كل حال..

(٣٠) راجع الوسائل، الباب الثاني والثالث من ابواب العدد.

(٣١) قال في الشرائع: وفي البائسة والتي لم تبلغ روايتان: إحداهما انهما تعتدان بثلاثة أشهر، والاخرى لا عدة عليهما، وهي الاشهر.

(٣٢) لم أجد هذه الرواية: نعم في مستطرفات السرائر ص ٦٨: قال محمد بن علي بن عيسى كتبت اليه (اي الامام موسى الكاظم) أسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتها؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب.

٢٢٩

وما روي أن الناصب من قدم علينا لا يعمل به، وليس الناصب إلا من نصب العداة لائمة الدين كالخوارج حسب.

وما يشتريه الانسان من أسواق المسلمين يحكم بطهارته إذا لم يعلم أن البائع خارج عن الاسلام سواء كثر الكفار فيه أو قلوا إذا كان البلد للاسلام لقولهعليه‌السلام : سوق المسلمين مطهرة(٣٣) ولان المنع من ذلك يستلزم الحرج.

وليس من اللازم سؤال البائع عن دينه ولا سؤال غيره عنه.

ويشتري الجلود على هذا الوجه، لكن لو علم أن البائع كافر أو خارج عن الاسلام لم يجز شراؤه منه لانه لا يؤمن على الذبائح ولا على الاخبار بها وكذا شراء المائعات.

المسألة الثانية عشرة: في معنى قول شيخنا الطوسي رضى الله عنه في نهايته: ومن شك في الركوع أو السجود في الركعتين الاولتين أعاد الصلاة، فان كل شك في الثالثة أو الرابعة وهو قائم فليركع، فإن ذكر في حال ركوعه أنه قد كان ركع أرسل نفسه إلى السجود من غير أن يرفع رأسه، فإن ذكر بعد رفع رأسه من الركوع أنه كان ركع أعاد الصلاة، وإن شك في حال السجود في الركوع مضى في صلاته وليس عليه شئ(٣٤) ، وهلا أجرى الشيخ الحكم في الركوع في الركعتين الاولتين مجرى بقية الاحكام لان الاصحاب رضي ‌الله‌ عنهم قالوا: إذا شك في شئ وهو في محله أتى به وإن كان قد انتقل إلى حالة أخرى فلا يلتفت إلى شكه لما قرر قدس الله

____________________

(٣٣) لم أجده بهذا اللفظ.

(٣٤) النهاية ص ٩٢.

٢٣٠

روحه في أكثر تصانيفه(٣٥) ، الجواب: اختار الشيخ الطوسي قدس الله روحه أن كل شك يلحق في الاولتين يبطلهما كمن شك في الركوع أو السجدتين، منهما، ولم يثبت ذلك عندي بل حكم الاولتين في ذلك حكم الآخرتين.

وأما قول الشيخ من شك في الركوع وهو قائم في الثالثة أو الثانية فليركع فهو كلام حسن، لان الاصل عدم الاتيان به ومحله باق قبل الاتيان به.

وقوله: إن كان ذكر أنه كان ركع أرسل نفسه ولا يرفع رأسه فشئ ذكره المرتضىرحمه‌الله في المصباح(٣٦) ونقله الشيخ الطوسيرحمه‌الله ولا أتحقق وجهه، بل الاوجه عندي أن الصلاة تبطل، لان الركوع يتحقق بنفس الانحناء والطمأنينة فيه، وزيادة الركوع مبطلة سهوا وعمدا، وقد وافق على أنه لو رفع رأسه وذكر أنه كان ركع أعاد، ورفع الرأس ليس جزء‌ا من الركوع بل هو مفارقة للركوع فلا يكون جزء‌ا منه.

وقول السائل ألا يسوي الشيخ بين الركوع والسجدتين في الاولتين قلنا: كذا فتواه فإنه لو شك في السجدتين في الاولتين أبطل الصلاة وفي الاخرتين يأتي بهما، ويحمل الشيخ ما روى من التلافي مع الشك إذا كان في الآخرتين لا في الاولتين.

____________________

(٣٥) قال الشيخ الطوسي في الجمل والعقود: القسم الثاني وهو ما لا حكم له.. ومن شك في شئ وقد انتقل إلى حالة أخرى..

راجع الوسائل العشر ص ١٨٧ وأيضا راجع المبسوط ١ / ١٢٠ قال فيه: ومن قال من أصحابنا: إن كل سهو يلحق الركعتين الاولتين يجب منه إعادة الصلاة يجب أن يقول..

(٣٦) هو من الكتب الفقهية للسيد المرتضى وليس عندنا.

٢٣١

المسأة الثالثة عشرة إذا صلى إنسان وفي إصبعه خاتم مغصوب أو على رأسه قلنسوة مغصوبة أو ما لا تتم الصلاة فيه منفردا وطولب بذلك ولا يمكن رد ما ذكرنا إلا بقطع الصلاة أو الانحراف عن القبلة فهل يبطل الصلاة ويرد ما غصبه، أو يمضي في صلاته، أو يقال: إن كان الوقت باقيا أبطل ورد وإن كان مضيقا يمضي في صلاته، فإن قيل: إن الصلاة تبطل مطلقا من حيث الامر برد ما غصبه، قيل: إن الصلاة مأمور بهما بمقتضى عمومات القرآن مطلقا.

الجواب: لا تجب عليه الاعادة وإن لم يرد الوديعة ولا الشئ المغصوب نعم لو قطعها وأداه جاز، لان إتمام الصلاة واجب.

وقطعها إبطال للعمل وهو غير جائز، ورد المغصوب واجب والمنع منه غير جائز، وقد تساوى الامران في الوجوب والمنع، فيكون المكلف مخيرا في المضي والقطع لعدم الرجحان.

المسألة الرابعة عشرة : إذا فقد الانسان ما يتطهر به من الماء التراب ووجد ترابا نجسا فهل يصح التيمم به أم لا؟ وهل إذا خرج الوقت يقضي ما فاته من الصلوات أم لا؟ وكذا إذا صلى الانسان وعلى ثوبه أو بدنه شئ من النجاسات ولا يتمكن من إزالتها فهل إذا صلى والحال هذه يعيد الصلاة أم لا؟ وعلى تقدير الاعادة على مذهب من بوجب ذلك يكون على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب، وعلى تقدير أحدهما ما الدليل؟ الجواب: لا يجوز التيمم بالتراب النجس لقوله تعالى: " فيتمموا صعيدا

٢٣٢

طيبا)(٣٧) والنجس ليس كذلك وإذا لم يجد ماء يتطهر به ولا ترابا طاهرا لم يصل ولو خرج الوقت، وفي القضاء قولان قال المرتضى والشيخ أبوجعفر رحمهما الله: يقضي ذلك(٣٨) وقال المفيد في رسالته إلى ولده(٣٩) : لا يقضي وهو أشبه بالمذهب.

أما إذا صلى وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة لا يتمكن من إزالتها فالاولى الاجزاء بها، لانها صلاة مأمور بها شرعا فتكون مجزية.

المسألة الخامسة عشرة: إذا أودع الانسان غيره شيئا من المال وأمره أن يسلمه إلى شخص، فلما حضر المودع سأله هل نقد فلان معك(٤٠) شيئا أم لا؟ فقال: ما نقد لك شيئا ولا أودعني شيئا من الاشياء، فأحضر من قال له سلم إليه شهودا يشهدون عليه بذلك فقال: لا شك أن فلانا أودعني ولكن أخذت وأخذ ماكان معي من الوديعة، فهل يقبل قوله في التلف أو يلزم بها مع الانكار على كل حال؟ الجواب: إذا أنكر الوديعة ثم اعترف بها أو شهد عليه شاهدان عدلان فإن ادعى التلف زمان الانكار وأقام بذلك بينة لم يضمن، وإن لم يقم بينة أو أقام بينة بالتلف بعد الانكار ضمن، لان الانكار مع الويعة فيكون عدوانا مقتضيا للضمان، والله أعلم.

قال الشيخ نجم الدين أبوالقاسم بن جعفر بن الحسن بن سعيد

____________________

(٣٧) سورة المائدة: ٦ وسورة النساء: ٤٣.

(٣٨) راجع النهاية للشيخ ص ٤٧ والناصريات للسيد المسألة ٥٥ والمختلف للعلامة الحلي ص ٥٣.

(٣٩) ليست هذه الرسالة عندنا.

قال في المختلف ص ٥٣: ونقل شيخنا أبوالقاسم جعفر بن سعيدرحمه‌الله عن بعض علمائنا سقوط الصلاة أداء وقضاء وهو قول لا بأس به إلا أنه معارض..

(٤٠) كذا في الاصل، وفي المصباح المنير: نقدت الرجل الدراهم بمعنى أعطيته.

٢٣٣

صاحب هذه الاجوبةرحمه‌الله وقفت على هذه الاوراق الكريمة الدالة على فضل موردها وغزارة علمه واهتمامه بتحقيق الحق فيهما وسألت له زيادة التوفيق وإحسان العاقبة وقد أجبت عن ذلك بما أعتقد وجوب العمل به، والله الموفق للصواب.

٢٣٤

٢٣٥

(٦) المسائل الكمالية

وهي تشتمل على عشر مسائل

تأليف المحقق الحليرحمه‌الله

٢٣٦

٢٣٧

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد حمد الله الذي صغر كل عظيم في جلال عظمته، وقصر كل قديم عن كمال أزليته، وخضع كل رفيع لقاهر عزته، وخشع كل منيع لباهر سطوته، والصلاة على أعظم من اختاره لرسالته وأكرم من اصطفاه لنشر دعوته، سيدنا محمد، وعلى خلفائه في امته وامنائه على سنته، وخلصائه من عترته وسلم تسليما.

فإنا مجيبون إلى ما سأل عنه الشيخ الفاضل الكامل المحقق المتقن كمال الدين محمد بن محمد بن سهل الآبي(١) أمده الله بتوفيقه وعصمته، من المسائل الدالة على معرفته القاضية بفهمه وإحاطته، مقتصرون على إرادته، غير متجاوزين حد إشارته، وهي مسائل عشر.

المسأل الاولى في الجوهر الفرد والدلالة على ثبوته.

الجواب: لما كان التصديق مسبوقا بالتصور تعين بيان المراد بالجوهر.

____________________

(١) راجع رسالتنا حول المحققرحمه‌الله .

٢٣٨

فنقول: لا ريب في جود الجسم ذي الابعاد الثلاثة.

ثم هذا لمعلوم حسا يقبل الانفكاك قطعا، لكن هل ينتهي تفكيكه إلى حد لا تقبل أجزاؤه الانفكاك حتى يكون ما منه تألف الجسم أجزاء متناهية كل واحد منها غير قابل للانفكاك، أم يقبل انقسامات لا نهاية لها بالفعل، أو بالقوة.

قال المتكلمون بالاول وسموا ما لا يقبل التجزئة جوهرا.

وقال النظام(٢) بالثاني.

وأكثر الفلاسفة على الثالث.

وزعم هؤلاء أن كل جسم مفروض فهو واحد بالفعل كما هو في الحس لا تجزئة فيه بالفعل مع قبوله بالقوة ما لا نهاية له من التجزئة.

وليس عندهم حجم إلا جسم، لانه لا ينفك من المقدار والابعاد المتقاطعة على قائمتين.

واعلم أن إثبات ما ذهب إليه كل واحد من الفريقين عسر، لكنا نقول قبل الشروع في تحقيق الاختيار: زعم الفلاسفة أن كل حجم مركب من مادة و صورة، وأن الصورة بها تصير المادة محسوسة، ثم الصورة ليست داخلة في حد ذات المادة.

فهي تقبل الصورة الجسمية وإن تعاظمت الصور.

والمتكلمون يزعمون أن كل جوهر له قدر من الحجمية لازمة لجوهريته عند وجوده لزوما ذاتيا، وتلك الحجمية لا أصغر منها، وأن التعاظم ليس إلا بانضمان الاجزاء لا لمقدار يقوم بالجسم.

وزعم الفلاسفة أن الاتصال ارتفاع المفاصل بين المتلاقيات بحيث تعود نهاية كل واحد بداية للآخر.

____________________

(٢) هو أبواسحق ابراهيم بن سيار البصري من أئمة المعتزلة متكلم أديب شاعر، توفي سنة ٢٣١ راجع هدية الاحباب للمحدث القمي ص ٢٧٣ والاعلام للزركلي ١ / ٤٣.

٢٣٩

وقال المتكلمون باستحالة ذلك، بل قد يعرض للمتلاقيين تضابط فإن اختلفا بعارض يدركه الحس وإلا أدرك العقل بقاء المفاصل، وإلا كان تداخلا لا التحاما(٣) .

وإذا عرفت هذا فنقول: الاقرب ما اختاره المتكلمون من كون الجوهر في صغر المقدار إلى حد لا يكون أصغر منه فلا يقبل أصغر من ذلك القدر، والدليل عليه أنه لو قبلت امادة الجوهرية حجمية زائدة عن حجمها لم يكن قدر أولى من أعظم ولا حاد، ويلزم منه وجود صورة الارض في مادة ذرة منها، وكذا لو قبلت أصغر لقبلت مادة الارض صورة الذره حتى تعود ماده البحار والجبال والاودية والاشجار مصورة بصورة ذرة من الذر، لكن العقل يأبى ذلك إباء‌ا ظاهرا، فمرتكبه معاند عقله.

وإذا أوجب لكل مادة صورة هي أصغر الصور لذاتها، كان ذلك هو الجوهر الفرد، ولزم أن يكون التعاظم بانضياف الجواهر وتكثرها، لا لمقدار يقوم بها.

وأن الاتصال ليس إلا التماس على وجه الالبحام لا لمعنى أنه يصير بينهما جزء مشترك، بل لمعنى اقتضى الالتحام، وهو المسمى بالتأليف.

وقولهم: الجسم واحد بالفعل كما هو في الحس مشكل، فإن عنوا أن الحس لا يدرك مفاصلة وإن كانت متحققة في نفس الامر فهذا معقول، وإن كانوا يزعمون أنه في نفس الامر واحد فهو يشكل بما لو قام به عرضان متضادان، فإن محل واحد منهما غير محل الآخر، وأنه ينقسم عند ذلك بالفعل، فذلك المحل قبل ورود العرض إن لم يكن متحققا كان تحققه بقيام العرض به، لكن قيام العرض موقوف على تحققه، وإلا لكان العرض مقوما محله، وهو محال.

واذا كان متحققا قبل قيام العرض به كان منقسما.

____________________

(٣) التحم الشيء: التصق.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الضياع ، ومن هذا المنطلق نجد الشعائر حين تلمسها فاطمة الزهراء ـعليها‌السلام ـ تحولها إلى حياة ونور ، وواقع وآلية تحفظ الحقوق وترعى الزمام ، فمثلا ـ التسبيح من شعائر الله ، لانه يعيد الإنسان إلى واقعه ، وحقيقته التي خلق من اجلها ، وهي العبادة المطلقة لله وحده والتوجه إلى الخالق القادر الذي لا اله غيره وهو ـ أي ـ التسبيح بعد كل ذلك رحلة ينسجم المرء فيها مع كل ما يجري في هذا الكون ، لانه ما من شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ وهو يسبح الله ويقدسه ، تقول الارقام العلية التي نأخذها من القرآن الكريم : ان كل شيء في هذا الكون ساجد يسبح لله ويقدسه ، اخذا من الذرة والخلية وانتهاء بأكبر سديم في الفضاء ابتداء من الأميبا ، الحيوان ذي الخلية الواحدة ، وانتهاء باكبر جرم حيواني في الأرض. ابتداء من اصغر عشب نائم في العراء ، وانتهاء باكبر دوحة في الأرض ، هذه كلها تشترك في تسبيحة واحدة ، وسجود واحد وتقديس للحق جل وعلا ومن هنا جاءت فكرة التسبيح لترد الإنسان إلى هذه الحقيقة وهي الانسجام الكامل مع ما يجري في هذا الكون. هذا هو كل ما يمكن ان يقال في التسبيح في مثل هذا المجال ولكن تعالوا معي لنرى الصديقة الزهراء كيف حولت هذا الشعار إلى صهريج مليء بالنور والحركة والعطاء انظروا كيف استطاعت الزهراء ان تجعل من هذه الشعيرة الاسلامية ، منهجا تربوياً ، حضاريا ، يسكب الراحة والطمأنينة في النفس ، ويجعل المسلم اقوى من الجبال في مواجهة الطغاة الظالمين. فالتسبيح بتسبيح الزهراء يبدأ ب‍ ٣٤ تكبيرة و ٣٣ تحميدة ، و ٣٣ تسبيحة ، وهو تسبيح معروف ، ومشهور ، وخصوصا عند أهل البيتعليهم‌السلام حيث كانوا يأمرون اولادهم بحفظه وقراءته ، قبل النوم ، وكان الإمام الصادقعليه‌السلام يقول : كنا نعلم اولادنا ، او قال : نعلم صبياننا حفظ هذا التسبيح وقرائته بعد الصلاة وفي اول دقائق النوم ، وقد تقدم ذكر هذا التسبيح والتعليق ، عليه ، ونحن اذا اردنا ان ندرك ما تقول فاطمة علنيا أن نجعل منها قدوة ، واسوة حسنة تفتح أبواب الحياة امامنا ، وتضيء عالمنا الذي اطبق عليه الظلام ، وذلك في فهمنا لتسبيح الزهراء فعندما نسبح بتسبيح فاطمة في اعقاب الفرائض يجب ان نتأثر به ، ونتخلق بآدابه ونسعى إلى ان يترك اثره الطيب في سلوكنا في الحياة بحيث ان الذي يقرأ هذا التسبيح او يقدم على ان عمل في حياته

٣٠١

اليومية عليه ان يشعر انه من احبة الزهراء او من انصارها الذين يحملون مبادئها ، وافكارها واهدافها إلى شعوب الارض وإلى الناس اجعين ، ولم لا ؟ الم تكن فاطمة رحمة للعالمين ، كما كان أبوها النبي رحمة للعالمين ؟ واذا كانت كذلك ، فان رسالتها هي رسائل لكل شعوب الأرض ، وعلى شيعتها ان يرفعوا صوتها إلى العالم اجمع فانه احب واقرب صوت إلى القلوب.

الزهراء تعلمت التسبيح من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

وفي تسبيح الزهراء ، نجد ان الصديقة الكبرى فاطمة الزهراءعليها‌السلام قد حولت هذا الشعار إلى سلوك يومي ، وذلك عندما علمها أبوها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا التسبيح ، ذهبت إلى قبر حمزة بن عبد المطلب وأخذت تصنع من تراب قبره حبات لمسبحتها لتدير بها هذا التسبيح. ومعنى ذلك انها اعطت الشعار محتوى ومضمونا ، ومعنىً ، أي انها جعلته شعارا حيا ، وليس مجرد كلمات تتحرك بها الشفاه واللسان ، دون ادراك ولا اسيتعاب. ان التسبيح هو تنزيه الله عن البعث ، انه تسبيح يؤكد الحكمة التي أقام الله عز وجل عليها الكون والحياة والإنسان والشهادة هي قمة هذه الحكمة أي ان الشهيد قد بلغ حداً من الحكمة والكمال ليس بعده حد وهذه هي الفلسفة ، والرشد ، الذي تريده الزهراء ، انه امتزاج بين التسبيح وبين دماء الشهداء. ان الصلاة من دون دم الشهيد لا تساوي شيئا. او قل : لولا الشهداء لما قام لهذا الدين عمود ، وحمزة هو سيد الشهداء ، طبعا قبل واقعة الطف ، وقبل مجيء يوم عاشوراء ، فلما جاء يوم عاشوراء ، يوم الحسين ، اصبح الحسينعليه‌السلام هو سيد الشهداء ، كما انه سيد شباب أهل الجنة ، وسيد الاحرار في العالم ، انه احتكاك فكري ، وحضاري بين التسبيح وبين دماء الشهداء ، وهذا هو الفارق الذي تنفرد به الحضارة الاسلامية عن غيرها من حضارات خاوية فارغة ، ونحن حينما نصلي على تربة الحسين ، فاننا نقيم هذا المعنى في القلوب ، وهو : ان الصلاة لا تقوم إلاّ بالشهادة ، ولذلك نخاطب الحسين في الزيارة ؛ اشهد انك قد أقمت الصلاة » أي اشهد انك بشهادتك قد أقمت الصلاة ، وحفظتها من

٣٠٢

الضياع ، وانت قد أقمت الصلاة بأهدافها ومبادئها قبل مصرعك ، وقبل يوم شهادتك. على ان السجود هو على التربة الحسينية ، وليس للتربة ، وهناك فرق بين السجود على الشيء والسجود للشيء ، فالسجود للأشياء قطعا حرام. كأن يسجد احد الناس لصنم أي يسجد له لا عليه. في حين ان السجود على التربة انما هو سجود لله وليس للتربة. فالتربة ليست اكثر من انها تحقق مصداق السجود على الأرض لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا ، ونحن نعرف ان المسلمين كانوا يصلون على تراب المسجد في ايام رسول الله. ثم ان التسبيح جاء في اطار التربية ، فهو يبدأ بالله ، وينتهي بالله ، وانه ليلخص مسيرة الحضارة الاسلامية ، من منطلقها وإلى هدفها من الله وإلى الله فهو يبدأ بالله اكبر وينتهي بسبحان الله ، فيكون قد بدأ بالله واختتم بالله ، في حين ان هذا المعنى لم يكن ليحصل لو كان البدأ بالحمد لله مثلاً. اذن : فالتسبيح ـ تسبيح الزهراء ـ قد جاء في اطار تربوي لانه يستقي نوره من القرآن الكريم ، والقرآن ، قد جاء للتربية ، واول آية ، وسورة نزلت في القرآن ، نجدها نزلت في اطار تربوي ، فأول كلمة فيه هي :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) . ولم يقل : اقرأ باسم الله مثلا ، وانما قال : اقرأ باسم ربك وكلمة الرب مأخوذة من التربية ، بمعنى ان القراءة يجب ان تأتي في اطار تربوي. ونفس الشيء في تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وروي في كتاب مزار المفيد عن الإمام الصادقعليه‌السلام انه قال : ان فاطمة كانت مسبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات ، فكانتعليها‌السلام بيدها تديرها تكبر وتسبح إلى ان قتل حمزة بن عبد المطلبعليه‌السلام فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس(١) . وهنا اود ان اتوقف معكم لحظات نتأمل من خلالها هذا الحديث العظيم اذ لا شك ان ذهابها إلى قبر سيد الشهداء الحمزة بن عبد المطلب الذي هدَّ مصرعه قلب النبي فقال في تأبينه : ما وقفت موقفا أغيظ علي من هذا الموقف حيث كانت هند زوجة ابي سفيان قد قامت بأبشع جريمة يمكن ان تقوم بها امرأة في مثل وضع هند آكلة الاكباد ، اذ شقت صدر الحمزة واخرجت كبده وارادت ان تمضغها

__________________

(١) المزار الكبير : ١٤٩ / ح ٢٠٧ ، مستدرك الوسائل : ٤ / ١٢ ح ٢.

٣٠٣

فحولها الله إلى حجر في فمها فلفظتها ، ثم جدعت انفه ، واذنه ، وقطعت اعضاءه وشوهت صورته النورانية بوحشية وحقد يظهران نكسة الشر في طبعها ، والدناءة والخباثة القابعة في داخلها ، والمعروف ان الحمزة بن عبد المطلب ، ويوم شهادته في احد ، كان صائما فأفطر في الجنة مع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح على روحه الطاهرة ، فهو يومذاك كان يمثل قمة الشهادة ، وسيد الشهداء ، لانه قتل يوم احد ، وأحد قبل يوم كربلاء بقرابة خمسين عاما من الزمن ، ومعنى ذلك ان الحمزة كان سيد الشهداء بحق ودون منازع ، فماذا يعني بالنسبة لنا ذهاب فاطمة إلى قبر حمزة سيد الشهداء احد ؟ ان فاطمة عندما تذهب إلى قبر حمزة ، وتصنع مسبحة من التراب الممزوج بدم الشهادة ، فانها تعطينا درساً بليغا في ان الشعار وحده لا يبني مجتمعا ، ويقيم امة ، وانما لابد للشعار من محتوى عملي ، ومنهج تطبيقي ، وبكلمة لابد للشعار من ممارسة فعلية وذلك ان الشعار لابد له من هدف يتجه نحوه ، ومن دون هدف ، يغدو تافها لا يثير دهشة احد ، ولا يشد انتباه احد ، ولا يربط على قلب احد. واقبح ما يكون ان يرفع الإنسان شعارا يخالفه ، ويعمل ضده ، يقول القرآن الكريم في هذا المضمار :( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ) (١) . وفي مكان اخر يقول :( لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) (٢) ولذلك كان ولا يزال ملاك الشعائر وتطبيقها واصبح تعظيمها يعني العمل بها ولا يطبقها إلاّ من امتحن الله قلبه للتقوى( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (٣) .

وللفائدة أقول : إنه لا فرق بين الشعار والشعيرة في هذا الموضوع بالذات فالشعار جمعه شعارات والشعيرة جمعه شعائر ، وكلها تصب في نهر واحد ، لأنّ الغاية من ذكرها هنا تحقيق غاية سامية ، وهدف شريف رباني واذا كان الشعار وحده لا يبني مجتمعا خاصة ، اذا كان خاليا من محتوى ، فان اهداف الشهادة هي المضمون الجيد للشعار ، وهي المحتوى الراقي لشعائر الله والتسبيح معناه التنزية لله من كل عبث في الكون

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٤٤.

(٢) سورة الصف : الايتان ٢ و ٣.

(٣) سورة الحج : الآية ٣٢.

٣٠٤

والحياة والإنسان ، واذا كان التسبيح معناه التنزيه ومعناه معرفة الله ، فمن ـ يا ترى ـ ينزه الله ، ويعرف الله اكثر من الشهداء ؟ ان الشهيد يشكل قمة حضارية عالية في معرفة الحق سبحانه وتعالى ، ولذلك صنعت فاطمة حبات المسبحة من تراب اقدس شهيد هوى إلى الأرض بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويكفي ان الزهراء حين تصلي وتسبح الله في صلاتها ، تتمثل صورة الشهادة في انصع اشكالها ، واروع معانيها امام عينيها وكفى بذلك فخراً وتربية وارتفاعا في سماء الجد ، وآفاق السماحة والشجاعة ، والفصاحة والمحبة في قلوب المؤمنين ، من هنا جاءت فكرة السجود على تراب كربلاء ، لأن ّ تراب كربلاء تضمن جسد الحسينعليه‌السلام ومن هو الحسين ؟ الحسين بن رسول الله الحسين ابن فاطمة الحسين الذي قال فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حسين مني وأنا من حسين احب الله من احب حسينا » علما بان الرسول قال : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ». فالسجود على الأرض وترابها سنة شريفة متبعة في سيرة النبي الاكرم ونحن عندما نسجد على قطعة من تراب كربلاء ونحتفظ بها في جيوبنا فان ذلك يرمز إلى شيئين :

الأوّل : اننا نطبق سنة شريفة جارية ، وهي السجود على الأرض وفقا لتعاليم الحبيب المصطفى.

والثاني : اننا نتذكر الحسين دائما الذي كان اقرب الناس إلى قلب جده رسول الله ، والذي كان يوم عاشوراء يلبس جبة النبي ، وعمامته والقرآن الكريم يقول :( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) . وقد أتانا النبي بالحسين وأهل بيته ، فقال : « حسين مني وانا من حسين احب الله من احب حسينا ». فكما ان الزهراء ، تريد ان تجعل اهداف الشهداء نصب عينيها حين تصنع سبحة لها من تراب قبر الشهيد ، كذلك نحن نريد ان نتذكر اهداف الإمام الحسينعليه‌السلام حين نصلي على قطعة من تراب ارض كربلاء المقدسة. اذن ففاطمة الزهراء بذهابها إلى قبر الحمزة ، اعطت شعيرة للتسبيح هذه دفقا معنويا ، وحياة ، وعطاء تربويا ، لا حدود له ، هذا بالاضافة إلى انها علمتنا كيف نتعامل مع شعائر الله ، وكيف نحول الشعار إلى

__________________

(١) سورة الحشر : الآية ٧.

٣٠٥

سلوك عملي نمشي به في الناس ، على ان تسبيح الزهراء ، قد صبه النبي في اطار تربوي عميق حين جعله يبدأ وينتهي بالله عزوجل. ان نظرة فاحصة نلقيها على هيكل التسبيح المذكور ، ترينا بوضوح ، ان التسبيح مؤلف من اربع وثلاثين تكبيرة وثلاث وثلاثين تحميدة وثلاث وثلاثين تسبيحة وهذا يعني انه بدأ بالله اكبر. فأول كلمة في التسبيح كلمة الله اذ انه لو بدأ مثلا في التحميد لكانت اول كلمة فيه كلمة الحمد وليس كلمة الله ، وهكذا اراد النبي لهذا التسبيح ان يصب في قالب تربوي كما هو شأن كل الشعائر الاسلامية فجعله يبدأ بالله اكبر وينتهي بسبحان الله انه بدأ بالله وختم بالله وهذا هو المراد من الاطار التربوي في منهج التسبيح وهو موافق لسلسلة الفكر الاسلامي في القرآن الكريم فنحن نعرف ان اول كلمة نزلت في القرآن هي :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) والرب كلمة مشتقة من التربية ، بمعنى ان القراءة المطلوبة يجب ان تكون في اطار التربية الربانية وإلاّ لكان يقول : اقرأ باسم الله الذي خلق ولكنه لم يقل باسم الله الذي خلق ، في هذه السورة بالذات ، وانما قال :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) هذا بالاضافة إلى ان القراءة معناها تغذية العقل ، لأنّ العقل يتغذى بالعلم ، ومن دون علم تموت العقول ، وحين يقول الحق سبحانه :اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فان ذلك يعني غذ عقلك بالتربية العلمية ، حتى يصل عقلك إلى مرحلة الرشد الفكري ، ان لفاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ قدرة عجيبة ، ومدهشة على تصوير المعاني الجافة واعطائها صورا حية ، ثم منحها ريشا رقيقا فيه المعاني في ارفع درجات الفهم ، والاسيتعاب وان قدرتها كما قلت آنفا ـ على تصوير قضايا الاسلام تصويرا دقيقا ، لمدهشة جدا ، فما من كلمة تقولها فاطمة ، وما من دمعة تسكبها من عينها ، وما من خطوة تخطوها فاطمة إلاّ صورت الاسلام بكل ابعاده تصويرا حقيقيا وواضحا ، يبهر الالباب ويأخذ بمجامع القلوب ، وهذه ميزة في أهل البيت لا يشاركهم فيها احد من العالمين بخلاف غيرهم من الناس ، او بتعبير اكثر دقة بخلاف الآخرين فالاسلام الذي يعرضه الاخرون يبدو اسلاما مزيفا مرقعا مهلهلا يضرب بعضه بعضا في حين ان الاسلام يعرضه أهل البيتعليهم‌السلام يبدوا اسلاما يشد بعضه بعضا ، وله نور وعليه حلاوة وجمال رشيق ، له قوة جذب شديدة ، وبكلمة : الحديث

٣٠٦

الذي يأتينا من النبي وأهل بيته ، وهم فاطمة وعلي والحسن والحسين ، والتسعة المعصومون ، من ذرية الحسينعليهم‌السلام .

أقول : الحديث الذي يأتينا من أهل البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، يأتي حديثا له نور هو من نور القرآن ، بل اننا نجد حديثهم يتعانق مع القرآن عناقا طويلا ، في مودة واخلاص فليس هناك حديث عن أهل البيت يخالف القرآن ابداً ومن هنا جاء حديث الثقلين الشهير الذي تذكره كل كتب الصحاح والحديث بدءا من صحيح البخاري ومسلم ، مرورا بصحيح الترمذي والنسائي وابن ماجه وابي داود ، وانتهاء بمسند بن حنبل والصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني كل هذه الكتب قد اجمعت واتفقت على كلمة واحدة وهي : ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ، وقد نبأني اللطيف الخبير انهما ، أي الكتاب والعترة لن يفترتا حتى يردا على الحوض ».

والآن وبعد هذه الجولة السريعة في رحاب التسبيح ، وبعد هذه السباحة في شاطئ تسبيح الصديقة فاطمة الزهراء ـ صلوات الله وسلامه عليها ـ فانه يجدر بنا ان نرجع إلى معالم هذا التسبيح الذي اصبح شعاراً يرفعه المناضلون ، والمجاهدون في وجوه الطغاة والجلادين بل ان هذا التسبيح ـ أعني تسبيح الزهراء ـ قد جمع كل مناهج الإنسان المؤمن في ، الحياة فهو يبدأ بالله اكبر ثم الحمد لله وينتهي بسبحان الله. وهذه هي مناهج المؤمن ومعالم الإيمان في الأرض. ان تبدأ بسم الله وتعتقد ان الله اكبر من كل شيء في هذا الوجود ، انه اكبر من المال ، واكبر من السطان ، واكبر من الاهل ، والنفس ، والحياة ، واذا كان اكبر من كل هذه الاشياء ، فمعنى ذلك انك تكون على اهبة الإستعداد لأن تضحي بنفسك واهلك ، ومالك وكل غال ونفيس في سبيل كلمة « الله اكبر » ومن هنا ندرك السر المكنون الذي جعل الصديقة الزهراء تذهب إلى قبر حمزة سيد الشهداء وتصنع من تراب قبره حبات لمسبحتها ، وكأنها بهذا العمل تلقنا درسا لا ننساه ابدا ، وهو ان كلمة الله اكبر التي جاءت في أول تسبيح الزهراء ، هذه الكلمة لا يحفظها إلاّ الشهداء ، ولا يحصنها من غائلة العوادي إلاّ دماء الشهداء ان كلمة الله اكبر تعني الصدق والوفاء والاخلاص ، والشجاعة والعفة والزهد ، والشرف

٣٠٧

الرفيع ، وهذه لا تسلم ابدا من ايدي العابثين إلاّ بسفك المهج واراقة الدماء. وصدق الشاعر حين قال :

لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى

حتى يراق على جوانبه الدم

ويقول أبو القاسم الشابي

إذا الشعب يوما اراد الحياة

فلابد ان يستجيب القدر

ولابد لليل ان ينجلي

ولابد للقيد ان ينكسر

اجل ان فاطمة الزهراءعليها‌السلام لتدرك جيداً ان هذا الشعار الذي اخذته من النبي لا يمكن حفظه إلاّ بالتضحية ، والشهادة ولذلك قامت بخطوة تكريمية للشهداء ، وهي انها جعلت من تراب قبر الشهيد حبات لمسبحتها ، لتدير عليها هذا المنهج الملائكي النوراني الذي سمي : تسبيح الزهراء. ونفس الشيء يقال بالنسبة للحمد ، فالحمد هو اعلى قمة يمكن ان يصل اليها الإنسان ، ومن هنا كانت سورة الحمد ام الكتاب ، لانها جمعت التعبير كله ولخصت مسيرة الأنبياء جميعا في مضمونها ، وكما في التكبير والتحميد كذلك في التسبيح ، وهو سبحان الله وكما قلت سابقا ان هذا التسبيح جاء مصبوبا في قالب ادبي واخلاقي وتربوي ، وذلك انه بدأ ب‍ « اسم الله » وانتهى ب‍ « باسم الله » فهو يبدأ ب‍ « الله اكبر » وينتهي ب‍ « سبحان الله » فنجد كلمه الله في اوله ، والله في اخره ، ولو بدأ ب‍ « الحمد الله » مثلا لما حصل هذا المعنى وهذا الاطار التربوي الجميل ، وهو مشتق ونابع من قول الله تعالى :( إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) اذن تسبيح فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ انما جاء ليزرع في أعماقنا شتائل النور ، ويبادر الحب والعطاء لقد جاء هذا التسبيح الجامعي العظيم ، ليشعل في قلوبنا قناديل الامل والرجاء ويمنحنا الطمأنينة والسلام ، ولكي نتذوق حلاوة التسبيح ، فانه لابد لنا من المواظبة على قراءته في أعقاب كل صلاة نصليها وذلك لانه يدفع البلاء عنا ، ويجلب الرزق ويعمنا بسحاب البركة والخير الكثير والله ولي التوفيق(١) . وختاما للموضوع نذكر اهم فوائد وآثار هذا التسبيح المبارك الذي منه رسول الله علينا من لسان ابنته

__________________

(١) اعلموا اني فاطمة : ٢ / ٦٨١ ـ ٦٩٨.

٣٠٨

فاطمة علما بان هذه الاثار والفوائد انما اخذناها واستفدناها من خلال عد كبير من الاحاديث المأثورة عن لسان أهل البيتعليهم‌السلام .

١ ـ ان تسبيح فاطمةعليها‌السلام من الخير الكثير للمؤمن(١) .

٢ ـ من قرأ هذا التسبيح عند النوم بات وله الف حسنة وعند قيامه من نومه ـ الذي قرأ فيه التسبيح ـ له الف حسنة(٢) .

٣ ـ ان هذا التسبيح مائة باللسان وألف في الميزان وذلك قوله تعالى( مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) إلى مائة الف(٣) .

٤ ـ انه ما عبد الله تعالى بشيء من التمجيد افضل من تسبيح فاطمة(٤) .

٥ ـ من سبح هذا التسبيح ثم استغفر الله غفر له وهي مائة باللسان ـ أي التسبيحة ـ وألف في الميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن(٥) .

٦ ـ انه ما يلزمه عند مؤمن فشقي في حياته(٦) .

٧ ـ انه من سبح هذا التسبيح في دبر الصلاة المكتوبة من قبل ان يبسط رجليه اوجب الله له الجنة ـ وفي رواية غفر له(٧) .

٨ ـ من سبح هذا التسبيح قبل ان يثني رجليه بعد انصرافه من صلاة الغداة غفر له(٨) .

٩ ـ ان من قرأه وكان في سمعه ثقل دفع الله عنه هذا الثقل الذي في أذنيه(٩) .

١٠ ـ ان هذا التسبيح افضل شيء علمه رسول الله لفاطمةعليها‌السلام (١٠) .

__________________

(١) شرح السنة : ٥ / ١٠٧ ، مسند احمد : ٦ / ٢٩٨ وكنز العمال : ٢٠ / ٥٥.

(٢) حلية الأولياء : ١ / ٦٩ ، نظم درر السمطين : ١٩٢ فتح الباري في شرح البخاري : ١١ / ١٠٢ ، اعلام النساء : ٣ / ١٢٠٢.

(٣) كنز العمال : ٢ / ٥٨.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٤٣ ح ١٤ ، الوسائل : ٤ / ١٢٠٤ ح ١.

(٥) ثواب الاعمال : ١٩٦ ح ٢ ، البلد الامين : ٩ قطعة ـ الوسائل : ٤ / ١٠٢٣ ح ٣.

(٦) امالي الصدوق : ٤٦٤ ح ١٦ ، ثواب الاعمال : ١٩٥.

(٧) فلاح السائل : ١٦٥ ، ثواب الاعمال : ١٩٦ ح ٤.

(٨) المصدر السابق.

(٩) مشكاة الانوار : ٢٧٨ ح ١٤.

(١٠) التهذيب : ٣ / ٦٧ ح ٢١.

٣٠٩

١١ ـ ان هذه التسبيح عند الأئمةعليهم‌السلام دبر كل صلاة احب اليهم من صلاة الف ركعة في كل يوم(١) .

١٢ ـ انه من الذكر الكثير ـ أي من سبح هذا التسبيح المبارك كان من الذاكرين من الله كثيرا « واذكروا الله ذكرا كثيرا » « والذاكرين الله والذاكرات الله »(٢) .

١٣ ـ ان من سبح تسبيح الصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام بسبحة من طين قبر الحسينعليه‌السلام كتب الله له اربعمائة حسنة ومحى عنه اربعمائة سيئة وقضيت له اربعمائة حاجة ورفع له اربعمائة درجة(٣) .

__________________

(١) كشف الغمة : ١ / ٤٧١.

(٢) معاني الأخبار : ١٩٣ ح ٥ ، تفسير العياشي : ١ / ٦٨.

(٣) البحار : ٨٥ / ٣٤٠ ح ٣٢.

٣١٠

٣١١

٣١٢

السيد محمد رضا حيدر شرف الدين العاملي

يا صاح لا عذل ولا ارغام

رفقا بنفسي فالملام حرام

لا غرو خلي ان بكيت بعبرة

حرى فقلبي ألهب وضرام

ما كنت أذرف للصبابة أدمعي

سفها ولا ادمى الفؤاد غرام

حفت بشخصي الحادثات ترومني

فدفعت جيش الحزن وهو غرام

ولكم جرعت من الحياة حميمها

لم يُثني منها أذى وسقام

صرعت فرسان الليالي والابا

طبعي فأحنت هامها الايام

ما هزني الخطب المروع بعظه

حتى ولو هتنت علي سهام

لكن يوم الدار خلف في الحشى

ندبا فما بين الضلوع حطام

يوم به اربد الفضاء وغاض

نور الخافقين فحلها الاظلام

وتداعت الافلاك في عليائها

بالنوح والسبع الطباق جهام

والشمس وارت في الحجاب ضياءها

حزنا وصدع البدر لا يلتام

اذ اوزفت بضغائن معهودة

والناس في مهد الخنوع نيام

زمر النفاق تروم اكرم منزل

فيه البتولة والفتى الضرغام

هجموا على دار الوصي وحرقوا

بابا اعز حريمه العلام

وانهال صاحبهم يلوع فاطما

بالسوط ضربا رق منه لئام

ثم انبرى عصرا يهشم ضلعها

فهوى الجنين وقد عراه حمام

سقطت مضرجة تجود بنفسها

لم يرع فيها للنبي ذمام

فاهتز عرش الله من أناتها

وبكى دما لمصابها الإسلام

٣١٣

٣١٤

البحث الثاني عشر

معرفة فاطمةعليها‌السلام

« من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها ، ما تكاملت النبوة لنبي حتى أمر بفضلها ومحبّتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى » (١) .

تعتبر مسألة المعرفة والبحث عن الحقيقة من المسائل العقائدية المهمة التي تأخذ وتشغل حيزاً كبيراً في العقيدة الإسلامية والتي لابد من دراستها وتوجيه العقل نحوها لكي يدركها إدراكاً منطقياً عقلائياً ، فلقد أقدمت المدرسة الشيعية الحقة على وضع الكثير من القضايا العقائدية على طاولة البحث والتحقيق للوصول إلى المعرفة الحقيقية التي تتمثل في كافة المستويات العقائدية ، وحسب ما أعتقده فإن أكثر المدارس وأفضلها في تقديم الشروط الصحيحة واللازمة للوصول للحقيقة هي مدرسة الشيعة الإمامية ، تلك المدرسة التي دعت الناس إلى التحقيق والتفكير والتفقه والتعقل في عقائدها ومبادئها لكي يصلوا إلى نور الحقيقة وفهمها والإستضاءة من نورها في كل جوانب الحياة الإنسانية ، فنحن نرى أن أبسط حركات الإنسان الإرادية يجب أن تكون مدروسة ومسموحاً بها من جانب العقل ، ففي وصية أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لكميل قال :

« يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة ».

وهذا يعني أن الإسلام لا يسمح للإنسان بالقيام بعمل من دون التحقيق والعلم بصحته ، لكي تكون النتيجة النهائية هي المعرفة الحقيقية ، فأكثر المؤمنين أفضلية أكثرهم معرفة وإيماناً ، والمعرفة لا تكون إلا بإدراك القضايا المطروحة ودراستها

__________________

(١) البحار : ٤٢ / ١٠٥.

٣١٥

الدراسة الصحيحة والتي يكون بناءها على ضوء الإستدلالات العقلية والمنطقية ، من هنا كان لابد لنا من الوقوف مع بعض الأحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة لكي نفهمها وندركها إدراكاً عقلياً ونورانياً وحسب ما يمليه علينا المنطق السليم والذوق الرفيع. ومرة أخرى نقف مع حديث آخر في معرفة الصديقة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام لكي ندركه الإدراك الصحيح الذي جاء المدح عليه ، وخاصة معرفة دراية الرواية وفهمها ، وهذا ما أوصى به الإمام الباقرعليه‌السلام لولده الإمام الصادقعليه‌السلام بقوله :

« يا بني اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم فإن المعرفة هي الدراية للرواية ».

و « الرواية » هي عبارة عن كلام منقول عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمامعليه‌السلام أما « الدراية » فهي عبارة عن التحقيق والدراسة والإجتهاد للمعرفة وإدراك المفهوم الحقيقي للرواية وعين ما يقصده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمامعليه‌السلام ، وبعبارة أخرى ، الرواية هي حفظ الحديث ونقله ، والدراية هي تفقه الحديث وفهمه ، والراوي هو ناقل الحديث والفقيه هو المحقق وعالم الحديث « دَرى درْياً ودراية الشيء بالشيء توصل إلى علمه المنجد ».

فالإمام الباقرعليه‌السلام يوصي ابنه الصادقعليه‌السلام أولاً بمعرفة منازل الشيعة على قدر رواياتهم ومعرفتهم ، ثم يوضح بعد ذلك أن ما يعنيه من بالمعرفة. هو دراية الروايات ، حيث يقول : « وبالدّرايات للرّوايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ».

أي أن المهم ، هو التحقيق والمعرفة وفهم الحديث لأن الرواية إذا لم تصحبها الدراية لا تجدي فتيلاً.

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام في كلام آخر له بشأن قيمة دراية الرواية ومعرفة الحديث : « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه »(١) .

فرواية الحديث ونقله ، يمكن أن تكون لها فائدتها الكبيرة وقيمتها العظيمة ، وتقع موقعها الأفضل لدى من ينقل الحديث اليهم ـ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه غير فقيه ـ ولكنها بالنسبة للراوي تكون مفيدة إذا ما اقترنت

__________________

(١) البحار : ٢ / ١٨٢.

٣١٦

بالدراية ، ورواية الحديث دون درايته لا تجدي نفعاً للراوي ـ « وكما قال أمير المؤمنين » « قيمة كل امرءٍ وقدره معرفته »(١) ـ بل ربما كانت في بعض الأحيان مضرَّة له ولغيره أيضاً إذ لو لم يكن الراوي على علم بالحديث فقد يتسبب حتى في تحريفه ولهذا قال أمير المؤمنين : « عليكم بالدرايات لا بالروايات »(٢) .

وجاء في كلام آخر لهعليه‌السلام : « همة السفهاء الرواية ، وهمة العلماء الدّراية »(٣) .

من هذا المنطلق وعلى هذا الأساس كانت لنا هذه الوقفة الجديدة مع حديث آخر يوضح لنا معرفة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام وارتباطها الوثيق بليلة القدر ، وسيأتي إن شاء الله ارتباطها الوثيق بليلة القدر في البحث الثالث عشر.

معرفة فاطمةعليها‌السلام

إن من القضايا المهمة في عقيدة الفرد المؤمن هي معرفة الحقيقة التي دعا اليها القرآن الكريم إضافة إلى دعوة أهل البيتعليهم‌السلام إلى الوقوف عليها ولو على قدر القابليات والإستعدادات التي يمتلكها الفرد المؤمن( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) ، فلذا جاء في الحديث المأثور عن الإمام الصادقعليه‌السلام الذي يقول فيه « من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم على شبهة هامدة حتى يعلم منتهى الغاية ، ويطلب الحادث من الناطق عن الوارث وبأي شيء جهلتم ما أنكرتم ، وبأي شيء عرفتم ما أبصرتم إن كنتم مؤمنين » ، أي لابد من أن يكون للمؤمن حقيقة في معرفة ، والتي من شأنها ( هذه الحقيقة ) أن لا تخرج الإنسان عن الاستقامة عن الجادة التي أمرنا الله تعالى باتباعها والإلتزام بها ، ومعرفة هذه الحقيقة يحتاج فيها الإنسان المؤمن إلى وجود عدة أمور لا يستغني عنها في سبيل تحصيل هذه الحقيقة ، ومن هذه الأمور هو التعقل عن الله تعالى والذي من شأن هذا التعقل أن يؤدي إلى المعرفة الصحيحة التي لا تزيل قدم الإنسان المؤمن عن

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢.

(٢) البحار : ٢ / ١٦٠.

(٣) البحار : ٢ / ١٦٠.

٣١٧

الصراط المستقيم فيكون نور هذه الحقيقة يظهر في قلب المؤمن على سبيل الذوق والوجدان فتأخذه هذه الحقيقة كل كيانه بل تكون هذه الشغل الشاغل في حياته ويسعى إلى الوصول اليها وعلى قدر القابليات والإستعدادات التي منحها الله تبارك وتعالى إليه هذا ما نجده من خلال أصحاب الأئمةعليهم‌السلام الذين كانوا دائماً يسعون إلى الوصول والحصول على هذه الحقيقة فلذا ترى كميل بن زياد يسأل أمير المؤمنين علي بن طالبعليه‌السلام عن هذه الحقيقة في الحديث المروي وهو أنه سأله عن الحقيقة بقوله ما الحقيقة فقال لهعليه‌السلام مالك والحقيقة ؟ فقال كميل : « أولست صاحب سرك » قال : « بلى ! ولكن يرشح عليك ما يطفح مني » فقال كيمل : « أو مثلك يخيب سائلاً ؟ ».

فقالعليه‌السلام : « الحقيقة كشف سجات الجلال من غير إشارة » فقال كميل : « زدني فيه بياناً ». قال الإمامعليها‌السلام : « صحو الموهوم مع محو المعلوم ». قال كميل : « زدني فيه بياناً » قال الإمامعليه‌السلام : « هتك السر لغلبة الستر » قال كميل : « زدني فيه بياناً ». قال الإمامعليه‌السلام : « نور يشرق من صبح الأزل ، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره » قال كميل : « زدني فيه بياناً ». قال الإمامعليه‌السلام : « إطف السراج ، فقد طلع الصبح ».

إذن بسؤال المؤمن عن الحقيقة يصل إلى العلم بها وببعض جوانبها فلربما لا يستطيع معرفة كنُهها كما في قضية كميل بن زياد التي مرت عليك الآن ، فالعلم أول دليل يؤدي إلى المعرفة التي تنور القلب بحقيقة الإيمان ، والتي تكون هذه المعرفة برهان صدقٍ على نور الإسلام وحقيقة الإيمان ، وعليه نجد في كثير من الروايات الشريفة أن الأفضلية فيما بين المؤمنين بغض النظر عن التقوى التي هي من ملازمات المعرفة ، أقول نجد أن الأفضلية هي بالمعرفة فبعضنا أكثر حجاً من بعض وبعضنا أكثر صياماً وصلاة وصدقة من البعض ، ولكن الأفضلية بالمعرفة ، وعليه نجد في الروايات المأثور أن « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة »(١) .

إذن يظهر من خلال استقراء الأحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة أن قضية معرفة الحقيقة في حياة الفرد المؤمن مما لا يكن الإستهانة بها بل لابد من السعي إلى

__________________

(١) البحار : ٣ / ١٤.

٣١٨

الوقوف عليها في كل جوانبها التي تدعو إلى التعقل بها وهضمها بالصورة الصحيحة ، فلقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادقعليه‌السلام انه قال : « لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له »(١) .

حيث دل هذا الحديث على أن العمل والمعرفة أحدهما ملازم للآخر وأن من الضروري على أن الذي يعمل لابد له من المعرفة بحقيقة عمله وإلا فان الله تعالى لا يقبل عملاً إلا بمعرفة ، وعلى هذا الأساس تأخذ قضية المعرفة حيزاً كبيراً في جميع جوانب الشريعة الإسلامية سواء كان على مستوى الأصول أو على مستوى الفروع ، فعلى المستوى الأول الذي يتمثل في التوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد لابد من المعرفة التي من شأنها أن تجعل الحقيقة التي سعى المؤمنون الأوائل في الوقوف عليها ثابتة والراسخة في قلوبهم لكي لا تميل بهم الأهواء شرقاً ولا غرباً ، والمعرفة التي نسعى الوقوف عليها في الجانب العقائدي المتمثل في قضيتنا التي نطرحها الآن هي المعرفة الخاصة بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام لكي ندرك بعض الحقيقة الخاصة بها وإلا فالمعرفة الحقيقية لها لا يستطيع الوصول إلى طبيعتها ومعرفة كنهها إلا من كان في مستواها وهذا لا يكون إلا في الذي كان كفواً لها وهي كفوٌ له ذلك هو أمير المؤمين علي بن أبي طالبعليه‌السلام أما نحن فمعرفتنا لها تكون أما بالحواس الخمس أو تكون معرفتنا من خلال معرفة الشيء بأشباهه ، أما الحواس الخمسة فان لابد لها من دليل يرشدها ويعرفها بالوجدان الأمر الذي يعرض عليها ، وهذا ما جاء في مناظرة الإمام الصادقعليه‌السلام للطبيب الهندي حيث قال له : « أما إذ أبيت إلا الجهالة وزعمت أن الأشياء لا تدرك إلا بالحواس فإني أخبرك أنّه ليس للحواس دلالة على الأشياء ولا فيها معرفة إلا بالقلب ، فانه دليلها ومعرّفها الأشياء التي تدعى أن القلب لا يعرف إلاّ بها »(٢) .

حيث يظهر من هذا الحديث أن المعرفة الذوقية الوجدانية تكون نابعة من القلب ،

__________________

(١) الكافي : ١ / ٤٤.

(٢) البحار : ٣ / ١٥٩.

٣١٩

لذا فإن معرفة فاطمةعليها‌السلام تحتاج إلى ذوق سليم ووجدان حكيم لكي تظهر لنا بعض أنوار هذه المعرفة ، هذا من جهة ومن ناحية أخرى يمكن معرفة فاطمة من خلال دراسة حياتها دراسة تحليلية مقارنة للقديسات والمؤمنات على مر العصور وان كان القياس مع الفارق وكما هو مثبوت في محله فإن فاطمة لا تصل إلى مقامها أي إمرأة مهما كانت في المستوى الإيماني الذي تعلق بحياتها.

وعلى كل حال فإن ما نطرحه في هذا البحث حول معرفة فاطمة إنما هو معرفة ظاهرية وعلى ما نمتلكه من وسائل المعرفة الظاهرية وإلا فنحن كما قال أمير المؤمنين في غرر الحكم : « كيف يعرف غيره من جهل نفسه » فأكثر الناس يجهلون حال انفسهم فكيف بغيرهم ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور فمن هذا الباب لابد لنا ان نلج في هذا الأمر ونقف مع معرفة فاطمةعليها‌السلام الحقيقية.

مستويات معرفة فاطمةعليها‌السلام

هناك عدة مستويات نستطيع من خلالها معرفة أي شخصية تاريخية او اسلامية ولابد لنا من الالتفات اليها ونحن نسعى في طريق معرفة فاطمة ام ابيها فاطمة سلام الله عليها بل كل الأئمةعليهم‌السلام يتجلى هذا الأمر في معرفتهم المعرفة الحقيقية اما المستويات فهي :

١ ـ المستوى الأوّل : المعرفة التأريخية لهاعليها‌السلام .

٢ ـ المستوى الثاني : المعرفة المناقبية لهاعليها‌السلام .

٣ ـ المستوى الثالث : المعرفة العلمية والفكرية لهاعليها‌السلام .

٤ ـ المستوى الرابع : المعرفة النورانية لهاعليها‌السلام .

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534