الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة11%

الأسرار الفاطميّة مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 1420
الصفحات: 534

الأسرار الفاطميّة
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136802 / تحميل: 8268
الحجم الحجم الحجم
الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة

مؤلف:
ISBN: ١٤٢٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ومصحف فاطمة (ع) عن سليمان بن خاله، ومعلى بن خنيس فيما كان بينه (ع) وبين بني عمه في أمر الامامة فلا حظ وأذعن. أبو محمد الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أمه خولة بنت منظور الفزازية ذكرها بنسبها مع قصة تزويج الامام الحسن السبطعليه‌السلام بها أرباب السير والتراجم والنسب: منهم الشيخ المفيد في الارشاد، وابن عنبة في عمة الطالب، والبخاري في سر السلسلة، وابن زهرة في غاية الاختصار، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن سعد في الطبقات ج ٥ / ٣١٥. قال المفيد في الارشاد(١٩٦): وأما الحسنعليه‌السلام فكان جليلا، رئيسا، فاضلا، ورعا، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين (ع) في وقته. ومضى الحسن بن الحسن (ع) ولم يدع الامامة، ولا إدعاها له مدع كما وصفناه من حال أخيه زيد حمه الله. وقال ابن زهرة الحسيني في غاية الاختصار (٥٨): وأما الحسن المثنى الجليل أمه خولة بنت منظور. وذكره ابن حيان في الثقات. ذكره في تهذيب التهذيب. وكان الحسن المثنى من رواة الحديث في الفقه وغيره، روى عنه أصحابنا والعامة بطرقهم.وروى عن أبيه الامام أبي محمد الحسنعليه‌السلام . ذكره ابن عساكر في التاريخ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٢ / ٢٦٢، والذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٣ / ١٦٤ وغيرهم. وروى الصدوق (ره) في الخصال ج ٢ / ٩٤ باب(١٦) باسناده

٣٠١

عنه عنه (ع) في حق العالم. وروى الاربلي في كشف الغمة ج ٢ / ١٧٥ عن الحسن المثنى عن أبيه (ع) قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان من واجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم.

ورواه بطريق آخر عنه عنهعليه‌السلام في ج ٢ / ٣٠٢. وقد ذكرناه في طبقات أصحاب أبيه (ع)، وأصحاب عمه الحسينعليه‌السلام ، وأصحاب السجاد (ع). وروى الحسن المثنى عن فاطمة بنت الحسين (ع)، وعبدالله بن ابن جعفر، وجماعة. روى عنه إبنه عبدالله، وابن عمه الحسن بن محمد ابن الحنفية، وابراهيم بن الحسن، وسهل بن أبي صالح، وحنان بن سدير الكوفي، وجماعة ذكره ابن عساكر وابن حجر. وقد روى ابن عساكر وغيره أخبارا مكذوبة مفتعلة موضوعة مما نسب اليه كما وضع الكذابون أخبارا فيما ينافي مذهب أهل البيت (ع) ثم نسبوها بأئمة أهل البيت (ع) مما لا يخفى على المتتبع في أخبارهم ولا يسع المقام لتحقيق ذلك. وكان من شعر الحسن المثنى على ما ذكره ابن زهرة الحسينى عن نزهة الاداب:

لا خير في الود ممن لا تزال له

في الود مستشعرا من خيفة وجلا

إذا تغيب لم تبرح تسيئ به

ظنا وتسأل عما قال أو فعلا

٣٠٢

شهوده مع عمه الحسين (ع) يوم الطف

ذكر المؤرخون وأصحاب السير والحديث والانساب وغيرهم: أن الحسن بن الحسن أبا محمد حضر مع عمه الحسينعليه‌السلام يوم الطف وشهد المعركة، وواسى عمه في الصبر على السيوف والرماح حتى أثخن بالجراح ووقع على الارض بين القتلى، وكان به رمق فبرء. وهم بين من ذكر أنه أسر مع السبايا وحمل معهم، وبين من ذكر أنه انتزع منهم ولم يحمل معهم، وبين من أهمل ذلك واتفقوا على أنه برئ ولحق بالمدينة وعاش مدة. قال أبومخنف في المقتل(٣٩٩): وساروا بالسبايا، وعلي بن الحسين (ع) والحسن المثنى على الجمال بغير غطاء ولا وطاء. وقال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين(٧٩): وحمل أهله (ع) أسرى وفيهم عمر، وزيد، والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، وكان الحسن بن الحسن بن علي قد أرتث جريحا فحمل معهم. وقال المفيد في الارشاد(١٩٦): وكان الحسن بن الحسن (ع) مع عمه الحسين (ع) يوم الطف. فلما قتل الحسين (ع) وأسر الباقون من أهله جائه أسماء بن خارجة فأنتزعه من بين الاسارى، وقال: والله لا يصل إلى ابن خولة أبدا، فقال عمر بن سعد (لعنة الله): دعوا لابي حسان ابن أخته. ويقال: انه أسر، وكان به جراح قد أشفي منه. وقال في عمدة الطالب(١٠٠): وكان الحسن بن الحسن (ع)

٣٠٣

شهد الطف مع عمه الحسين (ع) وأثخن بالجراح، فلما أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا به رمقا، فقال اسماء بن خارجة بن عيينة بن خضر بن حذيفة بن بدر الفزاري: دعوه لي فان وهبه الامير عبيد الله بن زياد (لعنه الله) لي، والا رأى رأيه فيه، فتركوه له فحمله إلى الكوفة، وحكوا ذلك لعبيد الله بن زياد، دعوا لابي حسان ابن أخته، وعالجه اسماء حتى برئ، ثم لحق بالمدينة. وقال السيد صاحب اللهوف: كان الحسن بن الحسن المثنى قد واسى عمه في الصبر على السيوف، وطعن الرماح، وكان قد نقل من المعركة وقد أثخن بالجراح وبه رمق فبرء. وقال ابن حمزة الحسيني النقيب في غاية الاختصار(٥٩): وشهد الحسن بن الحسن الطف مع عمه الحسين (ع) فأفلت. وقال الذهبي في سير علام النبلاء ج ٣ / ٢٠٣: ولم يفلت من أهل بيت الحسين (ع) سوى ولده علي الاصغر، فالحسينية من ذريته وكان مريضا، وحسن بن حسن بن علي (ع) ولد ذرية.

تزوجه بنت عمه الحسين (ع)

قال المفيد في الارشاد(١٩٧) روى ان الحسن بن الحسن (ع) خطب إلى عمه الحسين (ع) احدى ابنتيه فقال له الحسين (ع) اختر يابني أحبهما إليك، فاستحيى الحسن ولم يحر جوابا، فقال له الحسينعليه‌السلام ، فاني قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ورواه نحوه ابن زهرة الحسيني في (غاية الاختصار)(٤١)

٣٠٤

وفيه: فهي أكبرهما سنا واكثرهما شبها الخ. وفي عمدة الطالب(٩٩) نحوه مع تفاوت يسير. وقال البخاري في سر السلسلة(٦) : خطب الحسن بن الحسن ابن علي (ع) إلى عمه الحسين (ع) إحدى بناته فأبرز اليه فاطمة وسكينة وقال يا بن اخي اختر أيتهما شئت، فاختار فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، وكانت أشبه الناس بفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فزوجه. واشار إلى قوله هذا ابن عنبة في العمدة. وقال في غاية الاختصار(٤١): وكان الحسن بن الحسن (ع) خطب إلى عمه الحسين (ع) فقال الحسين (ع): يابن أخي قد كنت انتظر هذا منك انطلق معي، فجاء به حتى أدخله منزله فخيره في ابنتيه فاطمة وسكينة، فاختار فاطمة، فزوجه إياها.

توليه صدقات امير المؤمنين (ع)

وكان الحسن المثنىرضي‌الله‌عنه يتولى صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في عصره وكان تولى صدقاته وصدقات فاطمة الزهراء سلام الله عليها ايضا من بعد علي (ع) للحسن ثم للحسين ثم من بعده لاكبر ولدها اذا كان يرضى بهديه واسلامه وامانته كما في أخبارها. وقد ذكره اصحابنا وجمهور المخالفين صدقاته (ع) كما في ارشاد شيخنا المفيد، وغاية الاختصار لابن زهرة، وعمدة الطالب، وأنساب الاشراف لاحمد بن يحيى البلاذري (ج ١ ق ١ / ٢٢٦)، وتاريخ ابن عساكر ج ١١ / ١٠٦ وتهذيب التهذيب ج ٢ / ٢٦٣. وكان توليه الصدقات أيام عبدالملك بن مروان.كما صرحوا

٣٠٥

بذلك.قال المفيد في الارشاد(٢٥٩) باسناده عن عبدالملك بن عبدالعزيز قال لما ولي عبدالملك بن مروان الخلافة رد إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقات علي بن أبي طالبعليه‌السلام وكانتا مضمومتين. ورواه الاربلي في كشف الغمة ج ٢ / ٢٩٩. وكان تولي الصدقات حسب ما ورد في اخبارها لولد فاطمة الزهراء سلام الله عليها: الحسن ثم الحسين ثم الاكبر من ولدها ممن يرضى بهديه وإسلامه، وامانته وعلى هذا فتولى صدقاتهما في عصره يرجع إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام ولذلك ولاها له عبدالملك بن مروان. قال في عمدة الطالب(٩٩): وكان الحسن بن الحسن يتولى صدقات امير المؤمنين علي (ع)، ونازعه فيها زين العابدين علي بن الحسين (ع)، ثم سلمها له. قلت: الظاهر ان ما ذكره في عمدة الطالب غير صحيح فان الولي لها شرعا حسب وقف اربابها هو علي بن الحسين (ع) كما ان الحكومة الخارجية أثبتتها وأرجعتها إليه كما صرحوا بذلك، ولعله كان بأمره. وإذنه (ع) تفضلا منه، والتحقيق في ذلك يستدعي محله. وروى الكليني في باب النص على أبي جعفر (ع) من اصول الكافي ج ١ / ٣٠٥ بطرق فيها الحسن كالصحيح وغيره عن أبي عبدالله (ع) يقول: ان عمر بن عبدالعزيز كتب إلى ابن حزم (واليه على القضاء بالمدينة) ان يرسل اليه بصدقة علي (ع) وعمر عثمان، وابن حزم بعث إلى زيد بن الحسن وكان أكبرهم، فسأله الصدقة فقال زيد: ان الوالي كان بعد علي (ع) الحسن، وبعد الحسن الحسين وبعد الحسين علي ابن الحسين وبعد علي بن الحسين محمد بن علي فابعث إليه.

٣٠٦

ولما ولى عبدالملك الحجاج بن يوسف على مكة والمدينة واليمن، واتصل به عمر عن علي (ع) فسأله أن يدخله في صدقات امير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال الحسن: لا أغير شرط علي (ع) ولا أدخل فيها من لم يدخل فقال له الحجاج إذا أدخله أنا معك فتوجه الحسن إلى عبدالملك بالشام ودخل عليه فأخبره بقول الحجاج فقال ليس له ذلك وكتب إلى الحجاج كتابا في ذلك ذكره المفيد وغيره من أصحابنا ومن الجمهور في كتبهم بتفصيله ومنهم ابن عساكر في تاريخه. وكان الحجاج يعانده كثيرا وله مواقف معه منها هذا المقام ومنها عند تشييع جنازة جابر بن عبدالله الانصاري المتوفي(٧٨) وعند دخول قبره.

تجنبه عن دعوى الامامة

قال المفيد في الارشاد: ومضى الحسن بن الحسن ولم يدع الامامة ولا ادعاها له مدع كما وصفناه في حال أخيه زيدرحمه‌الله . قلت: يظهر من ذلك عدم صحة ما نسب إليه في دعوى الامامة ولذلك سعى عليه كذبا إلى عبدالملك بن مروان، ووليد بن عبدالملك. قال في عمدة الطالب(١٠٠) عند ذكر الحسن بن الحسن (ع) وكان عبدالرحمان بن الاشعث قد دعا إليه، وبايعه، فلما قتل عبدالرحمان توارى الحسن. وكتب أو قيل لعبد الملك أن أهل العراق يدعونه إلى الخروج معهم عليك، فعاتب الحسن بن الحسن (ع)، فجعل يعتذر إليه ويحلف له فكلمه خالد بن يزيد بن معاوية في قبول عذره. راجع الاغاني وغيره ولما أمره هشام بن اسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة

٣٠٧

عبدالملك على المدينة ان يشتم آل علي عليا (ع) وآل الزبير عبدالله بن الزبير، وأبوا جميعا وكتبوا وصاياهم، فأمر الوالي بارشاد أخته ان يشتم آل علي آل الزبير وآل الزبير آل علي فكان الحسن بن الحسن (ع) أول من أقيم إلى جانب المنبر، وكان رجلا رقيق البشرة عليه يومئذ قميص كتان رقيق فأمره هشام بسب آل الزبير فامتنع وقال: ان لال الزبير رحما يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار فأمر هشام حرسيا عنده أن اضربه فضربه سوطا واحدا من فوق قميصه فخلص إلى جلده فسرحه حتى سال دمه تحت قدمه في المرمر الحديث. ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ج ١١ / ١٠٨. وقيل لوليد بن عبدالملك: ان الحسن بن الحسن (ع) يكاتب أهل العراق، فكتب إلى عامله بالمدينة عثمان بن حيان المري: انظر الحسن بن الحسن (ع) فاجلده مائة ضربة، وقفه للناس يوما، ولا أراني إلا قاتله، فجئ بالحسن والخصوم بين يديه فقام إليه علي بن الحسين (ع) فقال: أخي تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك " لا إله إلا الله الحكيم الكريم سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين "، فلما قالها انفرجت فرجة من الخصوم فرآه عثمان فقال: أرى وجه رجل قد إفتريت عليه كذبة. خلوا سبيله وأنا كاتب إلى امير المؤمنين بعذره فان الشاهد يرى مالا يراه الغائب وقيل: ان والي المدينة كان يومئذ هشام بن اسماعيل. ذكره ابن عساكر في ترجمته ج ١١ / ١٠٧ ورواه نحوه بطريق آخر لكن فيها: ان الوالي كان هشام بن اسماعيل. ورواه النسائي في كلمات الفرج كما في تهذيب التهذيب.

٣٠٨

مولده ووفاته

لم أقف على من ذكر مولده الا ان يثبت من مدة عمره وتاريخ وفاته.قال المفيد في الارشاد (١٩٧): وقبض الحسن بن الحسن (ع) وله خمس وثلاثون سنةرحمه‌الله وأخوه زيد بن الحسن حي، ووصى إلى أخيه من امه ابراهيم بن محمد بن طلحة. وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق ج ١١ / ١١٠ باسناده عن مصعب قال: وتوفى الحسن بن الحسن فأوصى إلى ابراهيم بن محمد بن طلحة وهو أخوه لامه. وقال في عمدة الطالب(١٠٠): دس اليه الوليد بن عبدالملك من قاه سما، فمات وعمره اذ ذاك خمس وثلاثون سنة، وكان يشبه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . قلت: تقدم انهرضي‌الله‌عنه ادرك أباه (ع) وروى عنه ولا تصح روايته عنه الا اذا كان له من العمر ما يصح في مثله الرواية، وقد مضى أبوه الامام السبط ابومحمد الحسن (ع) شهيدا في صفر سنة خمسين كما صرح بذلك المفيد في الارشاد وابن عنبة في عمدة الطالب، وفيه أقوال أخر: سنة ٤٤ أو ٤٩ أو ٥١ أو ٥٨ أو ٥٩. وقد حضر مع عمه كربلا سنة ٦١ وعانده الحجاج أيام امارته على الحجاز سنة ٧٣ أبوبعدها في توليه الصدقات، وفي تشييع جنازة جابر الانصاري الصحابي ودخوله قبره سنة ٧٨ قبل دخول عبدالملك المدينة وعزله الحجاج عن الحجاز. وروى عن الحسن المثنى الحسن المثلث ابنه المولود سنة ٧٧ على ما يأتي ولا تصح روايته الا بعد سنين من ولادته. وفي سنة(٨٥) او ما يقاربها اقيم بأمر هشام بن اسماعيل والى المدينة إلى

٣٠٩

جانب منبر مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره بسبب آل الربير فامتنع فضرب بسوط حتى سال الدم تحت قدمه في المرمر كما تقدم، ولعل ذلك كان حين ما أمر عبدالملك واليه بأخذ البيعة من الناس عند عقده العهد من بعده لولده وعند ذلك ضرب سعيد بن المسيب ستين سوطا وصمم. ذكره اليافعي في وقايع سنة ٨٥، وبويع لوليد بن عبدالملك سنة ٨٦ وكتب إلى عثمان بن حيان عامله بالمدينة ان أجلد الحسن بن الحسن (ع) مائة ضربة وقفه للناس يوما ولا اراني الا قاتله الحديث كما تقدم ولعله لذلك ذكر في العمدة كما تقدم: ان الوليد دس من سقاه سما. وقال في تهذيب التهذيب ج ٣ / ٢٦٣ في ترجمته: قرأت بخط الذهبي مات سنة ٩٧. قلت: فان صح ذلك فهذا في ايام سليمان بن عبدالملك فقد مات الوليد سنة ٩٦. وقد ظهر من ذلك كله ان ما في الارشاد وعمدة الطالب في مدة عمر الحسن بن الحسن (ع) غير مستقيم ولعله كان فيهما تصحيفا من النساخ فلا حظ. ولما مات الحسن بن الحسن (ع) ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين بن عليعليهما‌السلام على قبره فسطاطا، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار، وكانت تشبه بالحور العين لجمالها، فلما كان رأس السنة قالت لمواليها: اذا اظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط، فلما أظلم الليل سمعت قائلا يقول: " هل وجدوا ما فقدوا " فأجابه آخر: " بل يئسوا فانقلبوا " ذكره المفيد في إرشاده وابن زهرة في غاية الاختصار ص ٤٢ و ٥٩ وغيرهما.

٣١٠

الحسن بن راشد أبوعلي البغدادي مولى آل المهلب

ذكره الشيخ في أصحاب الرضا (ع)(٣٧٣) بلا تمييز، وفي اصحاب الجواد (ع)(٤٠٠) قائلا: الحسن بن راشد البغدادي، أبا علي مولى لال المهلب، بغدادي، ثقة. وفى أصحاب الهادي (ع)(٤١٣): السن بن راشد يكنى أبا علي، بغدادي. قلت: قد ذكرنا روايته عنهم (ع) في طبقات أصحابهم، وقد سمع عن أبي الحسن الهاديعليه‌السلام في أيام بقائه في المدينة كما صرح به فيما رواه في التهذيب ج ٩ / ٢٠٤. ثم انه: كان أبوعلي بن راشد وجيها عند أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ووكيلا من قبله على بغداد، والمدائن والسواد وما يليها رواه المشايخ بأسانيدهم. وتقدم في ج ١ / ١٣٠ ذكر وكالته وان الوكالة بمثل ذلك تدل على العدالة بل وفوق حدها. قال أبوعمرو الكشي في رجاله(٣١٨): وجدت بخط جبرئيل ابن أحمد: حدثني محمد بن عيسى اليقطيني قال: كتبعليه‌السلام إلى على بن بلال في سنة اثنتين وثلاثين ومأتين: بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله اليك وأشكر طوله وعوده وأصلي على محمد النبي وآله صلوات الله ورحمته علهيم ثم اني أقمت ابا علي بن راشد مقام الحسين بن عبد ربه وأئتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لايقدمه أحد وقد أعلم أنك شيخ ناحيتك فأحببت افرادك واكرامك بالكتاب بذلك فعليك بالطاعة له والتسليم اليه جميع الحق قبلك وان تخص موالي على ذلك وتعرفهم من ذلك ما يصير سببا إلى عونه وكفايته فذلك موفور وتوفير

٣١١

علينا ومحبوب للدنيا ولك به جزاء من الله وأجر فان الله يعطي من يشاء، ذو الاعطاء والجزاء برحمته وأنت في وديعة الله. وكتبت بخطي وأحمد الله كثيرا. محمد بن مسعود قال حدثني محمد بن نصير قال حدثني أحمد بن محمد بن عيسى قال: نسخت الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها، والمدائن، والسواد، وما يليها: أحمد الله اليكم ما أنا عليه من عافيته وحسن عادته وأصلي على نبيه وآله أفضل صلواته وأكمل رحمته ورأفته، واني أقمت أبا علي بن راشد مقام الحسين بن عبد ربه ومن كأن قبله من وكلائي، وصار في منزلته عندى ووليته ما كان يتولاه غيره من وكلائي قبلكم ليقبض حقي وارتضيته لكم، وقدمته في ذلك وهو أهله وموضعه، فصيروا رحمكم الله إلى الدفع اليه ذلك، والي، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علة، فعليكم بالخروج عن ذلك والتسرع إلى اطاعة الله وتحليل أموالكم والحقن لدمائكم، وتعاونوا على البر والتقوى واتقوا الله لعلكم ترحمون، واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تموتن الا وأنتم مسلمون فقد أوجبت في طاعته طاعتي والخروج إلى عصيانه عصياني فألزموا الطريق يأجركم الله من فضله فان الله بما عنده واسع كريم متطول على عباده رحيم نحن وأنتم في وديعة الله وحفظه. وكتبته بخطي والحمد لله كثيرا. وفي كتاب آخر: وأنا أمرك يا أيوب نوح ان تقطع الاكثار بينك وبين أبي علي، وأن يلزم كل أحد منكما ما وكل به وأمر بالقيام فيه بأمر ناحيته فانكم اذا انتهيتم إلى كل ما أمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي، وآمرك يا با علي بمثل ما آمرك به ايوب ان لا تقبل من احد من اهل بغداد والمدائن شيئا يحملونه، ولاتلي لهم استئذانا علي ومر

٣١٢

من اتاك بشئ من غير اهل ناحيتك ان يصيره إلى الموكل بناحيته وآمرك يا باعلي في ذلك بمثل ما امرت به ايوب، وليعمل كل واحد منكما مثل ما امرته به. وفي ترجمة علي بن الحسين بن عبدالله(٣١٧) عن حمدويه ابن نصير قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا على بن الحسين بن عبدالله قال سألته ان ينسي في اجلي قال: أو تلقى ربك ليغفر لك خير لك، فحدث بذلك علي بن الحسين اخوانه بمكه، ثم مات بالخزيمية في المنصرف من سنته. وهذا في سنة تسع وعشرين ومأتين.رحمه‌الله ، فقال: فقد نعى الي نفسي. قال: وكان وكيل الرجل (ع) قبل أبي علي بن راشد. التهذيب ج ٤ / ١٢٣ علي بن مهزيار قال قال لي أبوعلي بن راشد: قلت له (ع): أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك فقال لي بعضهم الحديث ورواه في الاستبصار ج ٢ / ٥٥. وذكره الشيخ في الغيبة في وكلائهم (ع) المحمود بن(٢١٢) ثم قال: أخبرني ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن محمد ابن عيسى قال: كتب ابوالحسن العسكريعليه‌السلام إلى الموالي ببغداد، والمدائن، والسواد، وما يليها: قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبدربه، ومن قبله من وكلائي وقد أوجبت في طاعته، وفي عصيانه الخروج إلى عصياني، وكتبت بخطي. التهذيب ج ٤ / ١٦٧ أبوالحسن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد عيسى قال: حدثني أبوعي بن راشد قال كتب إلي ابوالحسن العسكري (ع) كتابا وأرخه

٣١٣

يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومأتين وكان يوم الاربعاء يوم شك الحديث. وفيه دعائه (ع) له ويدل على مكانته عنده. وفي الغيبة: روى محمد بن يعقوب رفعه إلى محمد بن فرج قال: كتبت اليهعليه‌السلام أسأله عن أبي علي بن راشد، وعن عيسى بن جعفر، وعن إبن بند، وكتب إلى: ذكرت إبن راشدرحمه‌الله ، فانه عاش سعيدا ومات شهيدا الحديث. ابو عمرو الكشي(٣٧١): حدثني محمد بن قولويه قال حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا احمد بن هلال عن محمد بن الفرج قال كتبت إلى أبي الحسن (ع): اسأله عن أبي علي ابن راشد، وعن عيسى بن جعفر بن عاصم، وإبن بند، فكتب إلي: ذكرت ابن راشدرحمه‌الله فانه عاش سعيدا ومات شهيدا الحديث. وفي ترجمة عروة بن يحيى الدهقان(٣٥٤): قال علي بن سليمان بن رشيد العطار البغدادي: يلعنه (أي عروة) ابومحمد (ع) وذكر انه كانت لابي محمد (ع) خزانة، وكان يليها ابوعلي بن راشدرضي‌الله‌عنه فسلمت إلى عروة فأخذ منها لنفسه ثم أحرق باقي ما فيها يغايظ بذلك أبا الحسن (ع)، فلعنه وبرأ منه ودعا عليه فما أمهله الحديث. قلت: الظاهر ان ولايته على الخزانة كانت في زمن أبي الحسن (ع) فلا ينافي ما تقدم من، وفات ابن راشد في حياته. واما ما في عدة من الروايات المذكورة في الكافي، والفقه، والتهذيب: عن محمد بن عيسى عن الحسن بن راشد عن العسكري (ع) او الفقيه العسكري (يب ج ١ / ١٣١) ونحو ذلك فالمراد بالعسكري فيها: ابوالحسن الهادي العسكريعليه‌السلام وتحقيق ذلك في طبقات أصحابه من كتابنا في الطبقات.

٣١٤

الحسن بن راشد مولى بني العباس ابومحمد الكوفي البغدادي الوزير

ذكره الشيخ في أصحاب الصادق (ع) (١٦٧) قائلا: الحسن ابن راشد مولى بني العباس، كوفي.

وذكره البرقي ايضا في أصحابه(٢٦) وقال: وكان وزير المهدي وموسى، وهارون، بغدادي.

وذكره ابن الغضائري أيضا فيمن روى عنه وعن أبي الحسن (ع) كما يأتي. قلت: روى عن ابي عبدالله (ع) كثيرا جدا روى عنه عنه (ع) جماعة كثيرة ذكرناهم في طبقات أصحابه منهم: حفيده القاسم بن يحيى فروى المشايخ في كتبهم كثيرا عنه عن جده الحسن بن راشد عنهعليه‌السلام ، وروى القاسم عن جده عنه (ع) في كتابه. رواه عنه الطبرسي في الاحتجاج ج ٢ / ٣٠٧ باسناده عن ابن الحميري عنه. ومنهم عبدالله بن القاسم (اصول الكافى ج ١ / ٣٨٧)، وعبدالله بن الفضل النوفلي (التهذيب ج ٤ / ٢٦٦)، وابراهيم بن أبي بكر (يب ج ٤ / ٢٦٧)، ومحمد بن أبي عمير (يب ج ٤ / ٢٦٧ و / ٣١٣، وغيرهم. وذكره البرقي في أصحاب الكاظم (ع) ممن أدرك أباه أيضا(٤٨) قائلا حسن بن راشد مولى بني العباس، كوفي. وذكره الشيخ في اصحابه أيضا(٣٤٦) قائلا: الحسين بن راشد مولى بني العباس بغدادي. قال ابن داود(٤٣٩): الحسن بن راشد مولى بني العباس ق (غض) ضعيف جدا. البرقي: كان وزير المهدي. اقول. اني رأيته

٣١٥

بخط الشيخ أبي جعفر في كتاب الرجال: (حسين بن راشد مولى بني العباس " واما الحسن بن راشد ابوعلي مولى آل المهلب فمن رجال الجواد (ع) وهو بغدادي ثقة. وربما التبس الحسين بن راشد بالحسن ابن الراشد، ذاك مولى بني العباس وهذا مولى آل المهلب، وذاك من رجال الصادق (ع) وهذا من رجال الجواد (ع). وروى عن أبي الحسن (ع) كثيرا جدا، وروى عنه عنه (ع) جماعة ذكرناهم في طبقات أصحابه منهم: حفيده القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد فروى عنه عنه كثيرا جدا، ومحمد بن زادويه (التهذيب ج ٢ / ٢٩٠)، ومحمدبن أبي عمير (التهذيب ج ٤ / ٣١٣) قائلا: الحسن ابن راشد، له كتاب الراهب والراهية، أخبرنا به ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن أبي القاسم ما جيلويه عن احمد ابن أبي عبدالله عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد. قلت طريقه ضعيف بالقاسم. وروى الصدوق (ره) في المشيخة(٢١٥) عن أبيه (رض) عن سعد بن عبد الله، واحمد بن محمد بن عيسى، وابراهيم بن هاشم جميعا عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد. وايضا عن محمد بن علي ما جيلونه (رض) عن علي بن ابراهيم ابن هاشم عن أبيه عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد. قلت: الطريقان ضعيفان بالقاسم. توثيقه: قد عرفت خلو كلام الشيخ والبرقي عن توثيقه بل ان ذكر الثاني وزارته مشعر بذمه إلا ان تكون بأمر إمام زمانه (ع). وضعفه ابن الغضائري في محكي قوله: الحسن بن راشد مولى

٣١٦

المنصور ابومحمد روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن موسى (ع)، ضعيف في روايته. وقال ايضا: القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد مولى المنصور، روى عن جده ضعيف. قلت: مع تفرده بتضعيفه صريحا، فقد ضعفه في روايته فقط فلا ينافي كونه ثقة في نفسه كما حققناه في مقدمة هذا الشرح ولعله كان لاجل رواية القاسم عنه كثيرا. ومما يشير إلى وثاقته في روايته رواية ابن ابي عمير عنه كثيرا، وانه ممن روى عنه ابن قولويه في كامل الزيارات (١٠ / ١). وقال في الخلاصة(٢١٣) في الحسن بن راشد الطفاوي المتقدم(٢٠) بعد حكاية كلام ابن الغضائري في الحسن بن أسد الطفاوي: والظاهر ان هذا الذي ذكرناه وان الناسخ اسقط الراء من اول اسم أبيه. وقال ابن الغضائري: الحسن بن راشد مولى المنصور ابومحمد روى عن أبي عبدالله وأبي الحسنعليهما‌السلام ضعيف في روايته. وههنا ذكر الراء في الاول انتهى. قلت: ذكرنا هناك ان احتمال التصحيف بلاشاهد وان اتحاد ابن أسد وابن راشد لا دليل عليه، كما ان اتحاد الحسن بن راشد الطفاوي مع الحسن بن راشد مولى المنصور لا شاهد عليه.

الحسن بن سهل بن عبدالله اخو الفضل

ذكره الشيخ في أصحاب الرضا (ع)(٣٧٤) قائلا: الحسن بن سهل اخو الفضل ذي الرياستين ويعرف الحسن بذي القلمين. قلت: وهو مع فضله وأدبه وشعره ومعرفته بالنجوم بل وتشيعه

٣١٧

كما قيل ضعيف جذا لما ورد في معاداته وأخيه مع أبي الحسن الرضا (ع) وتفصيل ذلك في كتابنا في أخبار الرواة.

الحسن بن شاذان الواسطي

روى الكليني في الروضة ٢٠٧ / ٣٤٦ باسناد عنه مكاتبته للرضاعليه‌السلام ، يشكو فيه عن إيذاء العثمانية له فوقع بخطه: ان الله تبارك وتعالى اخذ ميثاق اوليائنا على الصبر في دولة الباطل فاصبر لحكم ربك الحديث. ذكرناه في أصحابه وفي كتابنا في أخبار الرواة

الحسن الشريعي ابومحمد

قد ورد فيه ذموم من الناحية المقدسة لدعواه البابية والسفارة كذبا ولم يكن لها أهلا قد أوردناها في اخبار الرواة مستوفاة وذكرناه في طبقات اصحاب الهادي والعسكريعليهما‌السلام .

الحسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري الكوفي

هكذا ذكره الشيخ في أصحاب الباقر (ع)(١١٣) وزاد: صاحب المقالة، زيدي، إليه تنسب الصالحية منهم. وفي أصحاب الصادقعليه‌السلام (١٦٦) قال: ابوعبدالله الثوري الهمداني، اسند عنه. قلت: ولعله المراد بقوله في أصحاب الكاظم (ع)(٣٤٨):

٣١٨

الحسن بن صالح. فان الطبقة تساعد كونه من أصحابه (ع). وفي الفهرست(٥٠): الحسن بن صالح بن حي له أصل. ثم رواه بالاسناد الاول (ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفار عن أحمد ابن محمد بن عيسى) عن ابن محبوب عنه. قلت: الطريق صحيح على ما تقدم. وروى باسناده عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عنه عن أبي عبدالله (ع) في التهذيبين كما في تحديد الكر بالاشبار في الركي (يب ج ١ / ٤٠٨، وصا ج ١ / ٣٣)، وفي صلاة الحاجة (يب ج ٣ / ٣١٣ والكافي ج ١ / ١٣٤)، وفي الفرار من الزحف (يب ج ٦ / ١٧٤ والكافي ج ١ / ٣٣٦ وج ٢ / ٣٠ فيما يرد منه النكاح)، وباسناده عن ابن فضال عن عمرو بن عثمان عن الحسن بن محبوب عنه عنه (ع) (يب ج ٩ / ١٩٤، وصا ج ٤ / ١٢٠ في الوصية بالثلث)، وباسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن محبوب عن الحسن بن صالح عن أبي عبدالله (ع) في وصية الانسان لعبده (يب ج ٩ / ٢١٦ وصا ج ٤ / ١٣٤)، واما ما في الكافي ج ١ / ٢٩٨ في الرمي عن العليل باسناده عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن الحسن بن صالح عن بعض أصحابه قال: نزل ابوجعفر (ع) الحديث. فغير ظاهر في كونه الحسن بن صالح الثوري. ولم احضر له رواية عن غير ابي عبدالله (ع). وذكره ابن النديم في الفهرست(٢٦٧) من الزيدية وقال: ولد الحسن بن صالح بن حي سنة مائة ومات متخفيا سنة ثمان وستين ومائة، وكان من كبار الشيعة الزيدية وعظمائهم وعلمائهم، وكان فقيها متكلما، وله من الكتب: كتاب التوحيد، كتاب إمامة ولد علي من

٣١٩

فاطمة (ع)، كتاب الجامع في الفقه، كتاب.

وللحسن أخوان احدهما علي بن صالح والاخر صالح بن صالح هؤلاء على مذهب أخيهم الحسن، وكان على متكلما. قلت: وذكره ابن سعد في الطبقات بترجمة وانهما توأمان ولدا في بطن واحد واكن علي تقدمه بساعة ثم وثقه. وكان الحسن بن صالح بن حي مع عيسى بن زيد الشهيد وكان هو وأخوه علي بن صالح قد حجا مع عيسى وكان نازلا عليهما بالكوفة وفي بيت علي مختفيا، وكان الحسن يحرضه على الخروج قائلا: قد اشتمل ديوانك على عشرة الاف رجل، وقد أبي الخروج حتى مات عيسى بن زيد متواريا، ثم مات الحسن بعده بشهرين، ولما دخل صباح الزعفراني علي المهدي العباسي واخبره، بموت عيسى سجد وحمد الله ثم اخبره بموت الحسن فسجد وقال: الحمد لله الذي كفاني أمره فلقد كان اشد الناس علي ولعله لوعاش لاخرج علي غير عيسى. هذا اجمال ما ذكره ابو الفرج في مقاتل الطالبين في ترجمة عيسى بن زيد(٢٦٨). قال ابن سعد في الطبقات ج ٦ / ٢٥ اخبرنا الفضل بن دكين قال.

ورأيته في الجمعة واختفى ليلة الاحد فاختفى سبع سنين حتى مات سنة سبع وستين ومائة مستخفيا بالكوفة، وعليها يومئذ روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب واليا للمهدي.

قال: وكان حسن بن حي متشيعا، وزوج عيسى بن زيد بن علي ابنته واستخفى معه في مكان واحد بالكوفة حتى مات عيسى بن زيد مستخفيا. وكان المهدي قد طلبهما وجد في طلبهما فلم يقدر عليها حتى ماتا. ومات حسن بن حي بعد عيسى بن زيد بستة اشهر.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وتصديقاً لهذا الكلام ترى في العالم ـ اليوم ـ ذرّيّة فاطمة الزهراءعليه‌السلام الذين هم ذرّيّة رسول اللهعليه‌السلام منتشرين في بقاع العالم ، ففي العراق حوالي مليون ، وفي إيران حوالي ثلاث ملايين ، وفي مصر خمس ملايين ، وفي المغرب ، الأقصى خمس ملايين ، وفي الجزائر وتونس وليبيا عدد كثير ، وكذلك في الاُردن وسوريا ولبنان والسودان وبلاد الخليج والسعوديّة ملايين ، وفي اليمن والهند وباكستان والأفغان وجزر أندونيسيا حوالي عشرين مليون ، وقلّ أن تجد في البلاد الإسلاميّة بلدة ليس فيها أحدٌ من نسل السيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ويقدّر مجموعهم بخمسة وثلاثين مليوناً ، ولو اجريت إحصائيّات دقيقة وصحيحة فلعلّ العدد يتجاوز هذا المقدار(١) .

ويؤيّد ما استفادة العلاّمة (ره) وغيره أخبار كثيرة وردت من الفريقين العامّة والخاصّة ، كما روى الحافظ الكنجيُّ الشافعيُّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ الله عزّ وجلّ جعل ذرِّية كلِّ نبيٍّ في صلبه ، وإنَّ الله عزّ وجلّ جعل ذرّيَّتي في صلب علي بن أبي طالب ».

قلت : رواه الطبراني في معجمه الكبير ، في ترجمة الحسن. فإن قيل : لا اتِّصال لذرِّيَّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعليٍّعليه‌السلام إلا من جهة فاطمةعليها‌السلام ، وأولاد البنات لا تكون ذرِّيَّة لقول الشاعر :

بنونا بنو وبناتنا

بنوهنَّ أبناء الرجال الأباعد

قلت : في التنزيل حجَّة واضحة تشهد بصحّة هذه الدعوى ، وهو قوله عزَّ وجلَّ في سورة الأنعام :( وَوَهَبْنَا لَهُ ( أي لإبراهيم )إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ ( أي ذرِّيَّة نوح )دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ( إلى أن قال )وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ) (٢) . فعدَّ عيسىعليه‌السلام من جملة الذرِّيَّة الذين نسبهم إلى نوحعليه‌السلام وهو ابن بنت لا اتّصال له إلا من جهة امِّه مريم. وفي هذا أكدُّ دليل [ على ] أنَّ أولاد فاطمةعليها‌السلام ذرِّيَّة للنبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عقب له إلا من جهتها وقد قال عطاء ومن شايعه من المفسِّرين : الهاء من قوله ( ومن ذرِّيَّته ) راجعة إلى إبراهيم. ويحصل في هذا فائدة

__________________

(١) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد : ص ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥.

٤٠١

اُخرى لطيفة وهو أنَّه عدّ من جملة الذرّيّة الذين نسبهم إلى إبراهيم لوطاً ولم يكن من صلبه ، لأنَّ لوطاً ابن أخي إبراهيم ، والعرب تجعل العمّ أباً كما أخبر عزّ وجلّ عن ولد يعقوب حيث قال : ( نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) ومعلوم أنّ إسماعيل عمّ يعقوب ولكن نزّله منزلة الأب ، فيحصل من هذا جواز انتساب أولاد عليّعليه‌السلام إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الإطلاق ، لأنّه أخوه وهو منه بمنزلة هارون من موسى ، كما نسب الله لوطاً إلى إبراهيم ، ولوط إنّما هو ابن أخيه ، وكذلك هنا ابن حصين عن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : كلّ بني اُنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث طويل : يا فاطمة ، ما بعث الله نبيّاً إلا جعل له ذرِّيَّةً من صلبه ، وجعل ذرّيّتي من صلب عليّ ، ولولا عليٌّ ما كانت لي ذرّيّة(٢) .

قال ابن أبي الحديد في ذيل كلام عليّعليه‌السلام : « املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدَّني ، فإنّني أنفس بهذين ـ يعني الحسن والحسينعليهما‌السلام ـ على الموت لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٣) .

فإن قلت : أيجوز أن يقال للحسن والحسين وولدهما أبناء رسول الله وولد رسول الله وذرّيّة رسول الله ونسل رسول الله ؟

قلت : نعم ، لأنّ الله سماهم أبنائه في قوله تعالى :( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (٤) ، وإنما عنى الحسن والحسين وسمّى الله تعالى عيسى ذرّيَّة إبراهيم في قوله :( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ـ إلى أن قال ـوَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ )

فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى :( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) (٥) ؟

قلت : أسألك عن اُبوَّته لأبراهيم بن مارية ، فكلُّ ما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن والحسينعليهما‌السلام . والجواب الشامل للجميع أنّه عنى زيد بن حارثة ، لأنّ

__________________

(١) كفاية الطالب : ٣٧٩.

(٢) البحار : ٤٣ / ١٠١.

(٣) نهج البلاغة : الخطبة ٢٠٥.

(٤) آل عمران : ٦١.

(٥) الأحزاب : ٤٠.

٤٠٢

العرب كانت تقول : زيد بن محمّد ، على عادتهم في تبنّي العبيد ، فأبطل الله ذلك ونهى عن سنّة الجاهليّة

قيل لمحمّد ابن الحنفيّة : لِم يغرّر بك أبوك في الحرب ولم لا يغرّر بالحسن والحسين ؟ فقال : لأنّهما عيناه ، وأنا يمينه ، وهو يذبُّ عن عينيه بيمينه(١) .

وروى الخطيب عن عبد الله بن عبّاس قال : كنت أنا وأبي العبّاسُ بن عبد المطّلب جالسين عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دخل عليُّ بن أبي طالب ، فسلّم فردّ عليه رسول الله : وبشَّ به وقام إليه واعتنقه وقبّل بين عينيه وأجلسه عن يمينه ، فقال العبّاس : يا رسول الله ، أتحبُّ هذا ؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمَّ رسول الله ، والله لله أشدُّ حباً له منّي ، إنّ الله جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه ، وجعل ذرّيّتي في صلب هذا(٢) .

وجرت مناظرة طويلة بين الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام وبين هارون الرشيد ، وفيه قال له هارون : لم جوَّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون لكم : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو عليّ ؟ وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جدُّكم من قبل اُمّكم ! فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان الله ! ولم لا اُجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك. فقلت : لكنّهعليه‌السلام لا يخطب إليّ ولا اُزوِّجه. فقال : ولم ؟ فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك. فقال : أحسنت يا موسى.

ثم قال : كيف قلتم إنّا ذرّيَّة النبي ، والنبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى ، وأنتم ولد الابنة ولا يكون لها عقب ؟ فقلت : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة ، فقال : أو لا تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد عليّ ، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ؟ كذا اُنهي إليَّ ، ولست أغفيك في كلّ ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، فأنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واوٌ إلا وتأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ :( مَّا فَرَّطْنَا فِي

__________________

(١) شرح النهج : ١١ / ٢٦.

(٢) تاريخ بغداد : ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧.

٤٠٣

الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١) . وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ قال : هات. فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) (٢) ، من أبو عيسى ، يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس لعيسى أب ، فقلت : إنّما الحقناه بذراري الأنبياءعليهم‌السلام من طريق مريمعليها‌السلام ، وكذلك اُلحقنا بذراري النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل اُمّنا فاطمةعليها‌السلام .

أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات. قلت : قول الله عزّ وجلّ :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) ، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا عليَّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وكان تأويل قوله عزّ وجلّ( أَبْنَاءَنَا ) الحسن والحسين( وَنِسَاءَنَا ) فاطمة( وَأَنفُسَنَا ) عليّ بن أبي طالب. إنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم اُحد : « يا محمّد ، إنَّ هذه لهي المواساة من عليّ. قال : لأنّه منّي وأنا منه. فقال : جبرئيل : وأنا منكما يا رسول الله. ثمّ قال : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ عليّ » فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليلهعليه‌السلام إذ يقول :( فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) (٤) ، إنّا معشر بني عمّك نفتخر بقول جبرئيل إنّه منّا. فقال : أحسنت يا موسى ـ الحديث(٥) .

عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : يا أبا الجارود ، ما يقولون في الحسن والحسينعليها‌السلام ؟ قلت : ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم ؟ قلت : بقول الله عزّ وجلّ في عيسى بن مريم :( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ( إلى قوله )وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي

__________________

(١) الأنعام : ٣٨.

(٢) الأنعام : ٨٤.

(٣) آل عمران : ٦١.

(٤) الأنبياء : ٦٠.

(٥) البحار : ٤٨ / ١٢٧.

٤٠٤

المُحْسِنِينَ ) ، وجعل عيسى من ذرّيّة إبراهيم ، قال : فأيّ شيء قالوا لكم ؟ قلت : قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال : فبأيّ شيء احتججتم عليهم ؟ قال : قلت : احتججنا عليهم بقول الله تعالى :( قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ) الآية : قال : فأيّ شيء قالوا لكم ؟ قلت : قالوا قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد ، فيقول : أبنائنا ، وإنّما هما ابنُ واحدٍ. قال : فقال أبو جعفرعليه‌السلام : والله يا أبا الجارود لاُعطينَّكها من كتاب الله تسمّى لصلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يردُّها إلاّ كافر. قال : قلت : جعلت فداك ، وأين ؟ قال : حيث قال الله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ( إلى أن ينتهي إلى قوله )وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) (١) ، فسلهم يا أبا الجارود ، هل حلّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نكاح حليلتهما ؟ فإن قالوا : نعم ، فكذبوا والله وفجروا ، وإن قالوا : لا ، فهما والله ابناه لصلبه ، وما حرمتا عليه إلاّ للصلب(٢) .

وعن عامر الشعبيّ إنّه قال : بعث إليّ الحجّاج ذات ليلة ، فخشيت ، فقمت وتوضّأت وأوصيت ، ثم دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور وسيف مسلول ، فسلّمت عليه ، فردّ السلام فقال : لا تخف ، فقد أمنتك الليلة وغداً إلى الظهر. وأجلسني عنده ، ثمّ أشار فأتي برجل مقيّد بالكبول والأغلال ، فوضعوه بين يديه فقال : إنّ هذا الشيخ يقول : إنّ الحسن والحسين كانا ابني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ليأتينّي بحجّة من القرآن وإلا لأضربنّ عنقه.

فقلت : يجب أن تحلّ قيده فإنّه إذا أحتجّ فإنّه لا محالة يذهب ، وإن لم يحتجّ فإنّ السيف لا يقطع هذا الحديد. فحلّوا قيوده وكبوله ، فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير ، فحزنت بذلك وقلت : كيف يجد حجّة على ذلك من القرآن ؟ فقال له الحجّاج : ائتني بحجّة من القرآن على ما ادّعيت وإلا أضرب عنقك. فقال له : انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك ، فقال : انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك ، فقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال :( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ( إلى

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) البحار: ٤٣ / ٢٣٣.

٤٠٥

قوله )وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ) . ثم سكت. وقال للحجّاج : اقرأ ما بعده ، فقرأ :( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) ، فقال سعيد : كيف يليق ههنا عيسى ؟ قال : إنّه كان من ذرّيّته ، قال : اين كان عيسى من ذرّيّة إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن ابنة فنسب إليه مع بُعده ، فاحسن والحسين أولى أن ينسبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع قربهما منه. فأمر له بعشرة آلاف دينار وأمر بأن يحملوها معه إلى داره ، وأذن له في الرجوع.

قال الشعبيُّ : فلما أصبحت قلت في نفسي : قد وجب عليّ أن آتي هذا الشيخ فأتعلَّم منه معاني القرآن ، لأنّي كنت أظنّ أنّي أعرفها فإذا أنا لا أعرفها ، فأتيته فإذا هو في المسجد وتلك الدنانير بين يديه يفرّقها عشراً عشراً ويتصدّق بها ، ثم قال : هذا كلّه ببركة الحسن والحسينعليهما‌السلام ، لئن كنّا أغممنا واحداً لقد أفرحنا ألفاً وأرضينا الله ورسوله(١) .

٤ ـ الطاهرة

من الأسماء الجميلة والتي تدل على معنى يصبو إليه كل مؤمن هو الطهارة الباطنية والظاهرية ، حيث سميت به فاطمة سلام الله عليها ، وقد دلت عدة روايات مهمة في هذا الباب على مدى طهارتهاعليها‌السلام هذا بالإضافة إلى الشواهد الأخرى التي أيدت هذه المسألة عنهاعليها‌السلام من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بل هي المحور الذي يدور عليه أهل البيتعليهم‌السلام ، وأفضل دليل على طهارتها هو آية التطهير ، فهي سلام الله عليها مطهرة نقية مبرءة من كل الأرجاس الظاهرية والباطنية وإليك بعض الأحاديث والشواهد التي تدل على أنها طاهرة سواء الطهارة الظاهرية أو الباطنية.

فلقد ورد عن أبي جعفر ، عن آبائه : قال : إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله « الطاهرة » لطهارتها من كلّ دنس ، وطهارتها من كلِّ رفث ، وما رأت قطّ يوماً حمرة

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ٢٢٩.

٤٠٦

ولا نفاساً(١) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : إنَّ الله حرَّم النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيَّة ، لأنَّها طاهرة لا تحيض(٢) .

ولقد بيّن العلامة المولى محمد علي الأنصاري وجه الطهارة عن أهل البيت : بما فيهم فاطمة سلام الله عليها حيث قال : ووجه الطهارة في جميع ما ذكر منهم من حيث الحكمة أنّ منشأ النجاسة ونحوها إنّما هو جهة النفسانيّة ، وليس في تلك الأنوار الإسفهبديّة جهة النفسانيّة بالمرّة ولو مثقال ذرّة. وما ورد في طهارة أجسادهم الشريفة إنّما هو محمول على أجزائها الظاهريّة والباطنيّة من كلِّ حيثيّة ، وإلا فظواهر الأجساد طاهرة من كلِّ مسلم أيضاً فلا يكون لهم حينئذ فضل من هذه الجهة(٣) .

أما قضية سد الأبواب بالنسبة للمسجد النبوي الشريف إلاّ لأهل البيتعليهم‌السلام في زمن النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فهي أفضل شاهد على طهارتهم الظاهرية والباطنية.

وقال العلامة الأميني(٤) رحمه‌الله إشارة إلى هذا المسألة : إنَّ سدَّ الأبواب الشارعة في المسجد كان لتطهيره عن الأدناس الظاهريّة والمعنويّة ، فلا يمرُّ به أحد جنباً ، ولا يجنب فيه أحد. وأمّا ترك بابهصلى‌الله‌عليه‌وآله وباب أمير المؤمنينعليه‌السلام فلطهارتهما عن كلِّ رجس ودنس بنصِّ آية التطهير ، حتّى إنَّ الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا إنّ مسجدي حرام على كلّ حائض من النساء وكلّ جنب من الرجال إلاّ على محمد وأهل بيتهعليهم‌السلام علي وفاطمة والحسن والحسين(٥) ( صلوات الله عليهم أجمعين ). وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا لا يحلُّ هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلُّوا(٦)

__________________

(١) البحار : ٤٣ / ١٩ ، ١٦. مصباح الأنوار على ما في العوالم : ٢٢٢ مخطوط.

(٢) المناقب : ٣ / ١١٠. التهذيب : ٧ / ٤٧٥. بشارة المصطفى : ٣٠٦.

(٣) اللمعة البيضاء : ٢٤.

(٤) الغدير : ٣ / ٢١١.

(٥) سنن البيهقي : ٧ / ٦٥.

(٦) سنن البيهقي : ٧ / ٦٥.

٤٠٧

فزبدة المخض من هذه كلّها أنّ إبقاء ذلك الباب والإذن لأهله بما أذن الله لرسوله ممّا خصّ به مبتنٍ على نزول آية التطهير النافية عنهم كلّ نوع من الرجاسة.

وقال العلامة الشيخ السعيد جمال الدين الحسن بن زين الدين الشهيد الثانيرحمه‌الله : وروي الصدوق في كتاب « من لا يحضره الفقيه » عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرسلاً أنّه قال : « إنّ فاطمة ( صلوات الله عليها ) ليست كأحد منكنّ ، إنّها لا ترى دماً في حيض ولا نفاس كالحوريّة » ولا يخفى ما في هذه الروايات من المنافاة لما سبق في حديث قضاء الحائض للصوم دون الصلاة من أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر فاطمةعليها‌السلام بذلك. ووجه الجمع حمل أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهاعليها‌السلام على إرادة تعليم المؤمنات ، وهو نوع من التجوُّز في الخطاب شائع ، ولعلَّ المقتضي له في هذا الموضع رعاية خفاء هذه الكرامة كغيرها ممّا ينافي ظهوره بلاء التكليف(١) .

وفي ختام هذا البحث ينبغي أن تلاحظ ما جاء في غسلها ووصيّتهاعليها‌السلام قبل الوفاة ، وهو أدلّ دليل وأقوى حجّة على أنّها كانت طاهرة ميمونة في حياتها وبعد مماتها ، ولم يحدث الموت فيها رجاسة ولا دناسة ، مع أنك تعلم أنَّه ممّا لا خلاف فيه تنجُّس البدن بعد الموت وبعد خروج النفس عنه ، ولأجل ذلك لابد أن يغسَّل الميّت حتّى يطهَّر بدنه وينظَّف جسمه ، إلا أنَّ سيِّدة النساءعليه‌السلام أوصت أن لا يكشفها أحد ، وأن تدفن بغسلها قبل الوفاة.

روى أحمد في مسنده عن اُمِّ سلمى ( زوجة أبي رافع ) قالت : اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه ، فكنت اُمرِّضها ، فأصبحت يوماً كأمثل من رأيتها في شكواها تلك ، قالت : وخرج عليٌّ لبعض حاجته ، فقالت : يا اُمَّه اسكبي لي غسلاً. فسكبت لها غسلاً ، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغسل ، ثم قالت : يا اُمَّه أعطيني ثيابي الجدد ، فأعطيتها ، فلبستها ، ثم قالت : يا أمّه قدّي لي فراشي وسط البيت ، ففعلت ؛ واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدّها ، ثم قالت : يا امّه إنّي مقبوضة الآن وقد تطهّرت ، فلا يكشفني أحد ، فقبُضت مكانها ، قالت : فجاء عليٌّ فأخبرنه(٢) .

__________________

(١) منتقى الجمان : ١ / ٢٢٤.

(٢) مسند أحمد : ٦ / ٤٦١ ، وكذلك ورّد هذا الخبر في كتب مختلفة للعامّة والخاصّة ، منها «

٤٠٨

وقال في « كشف الغمّة » : واتفاقهما من طرق الشيعة والسنة على نقله مع كون الحكم على خلافة عجيب ، فإنَّ الفقهاء من الطرفين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلا في موضع ليس هذا منه ولعلَّ هذا أمر يخصُّهاعليها‌السلام . نعم إنّهاعليها‌السلام كأبيها في طهراتها كما تقدّم عن الصادقعليه‌السلام إنّه لمّا سئل : هل اغتسل عليٌّ حين غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : النبّي طاهر مطهّر ولكن اغتسل عليٌّعليه‌السلام وجرت به السنة.

٥ ـ الزكية

ومعنى هذا الاسم مماثل ومرادف للمباركة ، والذي يقتضي الحال ان الزكاة هي النمو والزيادة في الشيء على وجه ما بحيث يكون ذا أثر واضح نتيجة تلك الزيادة التي تطرأ عليه ، فالزهراء زكية من جهة أن الله تعالى قد جعل ذرية الرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد ازدادت ونمت عن طريق الرحم الطاهر للزهراء سلام الله عليها فلقد كثر وبانت ذرية الرسول من جهتها سلام الله عليها وهذا يقتضي أن تكون الزهراء هي المنبع الذي عن طريقه كثرة ذرية رسول الله ، فهي الزكية بكثرة بركتها على شيعتها ويمن المراجعة في هذا الموضوع في باب اسمها المباركة فإنه كما هي مباركة فهي زكية بسبب اخلاصها وحبها لله تعالى وتفانيها في ذات الله.

٦ ـ الراضية

من الأمور المهمة والتي تكون ذا أهمية كبيرة في معرفة درجة ايمان الفرد المسلم مسألة الرضا عن الله تعالى ، فمقام الرضا يحتاج إلى معرفة ويقين حتى يصل إليه الإنسان ويكون من الراضين بما قسم الله تعالى حتى يصل في النهاية إلى مرحلة إيمانية

__________________

الاصابة » لابن حجر في ترجمتهاعليها‌السلام ، و « حلية الأولياء » : ٢ / ٤٣ ، و « كشف الغمّة » : ١ / ٥٠٢ ، و « المناقب » لابن شهر آشوب : ٣ / ٣٦٤ ، و « المستدرك » للمحدِّث النوريّ : ١ / ١٠٤ في نوادر الغسل.

٤٠٩

عالية جداً ، وكما ورد في دعاء كميل « وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً » أي أن الإنسان المؤمن يطلب من الله تعالى أن يوصله إلى مقام الرضا منه جل وعلا في كل ما يقسمه له سواء من خير أو غير ذلك ، ومع هذا كله فلقد ورّد في عدة أحاديث مروية عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام أن رأس طاعة الله تعالى الصبر والرضا عن الله تبارك وتعالى.

فلقد جاء في الحديث الشريف عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنه قال :« الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره ، لم يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له » (١) لأنه سبحانه وتعالى كما ورد في بعض الأخبار ـ عند حسن ظن عبده المؤمن به ، إضافة إلى أن الله سبحانه لا يختار لعبده إلا ما فيه خيره ومصلحته ، وان خفيت تلك المصلحة على العبد لمحدوديته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسده.

وجاء في حديث آخر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل (٢) .

فمن خلال هذا الحديث وأحاديث أخرى يظهر مقام الزهراء سلام الله عليها العلي حيث أنها كانت راضية عن الله تعالى بكل ما قدر لها من خير وبلاء ، وهذا ينم عن الحالة الإيمانية عند فاطمة سلام الله عليها ، فبملاحظة اسمها هذا ـ الراضية ـ باعتبار أنه اسم معروفة به عند الله تعالى والله لا يعطي هذا الإسم إلا لمن حاز على مرتبة شريفة وسامية ، فبملاحظة أمور أخرى في حياتها سلام الله عليها يتضح ويظهر انهاعليها‌السلام كانت ذا مرتبة علمية وعرفانية بلغت أوج عظمتها ، وكما ورد على لسان المعصومعليه‌السلام « نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » والحجة لا يكون على الآخرين إلا إذا كان ذو مقام علمي وسامي على الآخرين وإلا لا يكون حجة على غيره.

إذن فاطمة كانت راضية وهذا يظهر من خلال أبسط تأمل لحياتها وما جرى عليها

__________________

(١) اصول الكافي : ٢ / ٦٦.

(٢) اصول الكافي : ٢ / ٦٦.

٤١٠

من الظلم والأذى ، وبما قدّر لها من مرارة الدنيا ومشقاتها ومصائبها وبلاياها.

وبمراجعة بعض الروايات في المقام يظهر ان هناك حالة ترابط بين اسم الصديقة لفاطمة سلام الله عليها وبين اسمها الراضية ، فهناك حالة تلازم كما يظهر من الحديث الذي سوف أنقله إليك بين حالة الرضا بقضاء الله تعالى وبين الصدّيق الذي يكون عند الله بهذا المقام ، فلقد روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : « قال الله عز وجل : عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيراً له ، فليرض بقضائي ، وليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي أكتبه ، أكتبه يا محمد من الصدّيقين عندي »(١) .

وتمام هذا الحديث منطبق على سيرتها الذاتيةعليها‌السلام فهي كانت راضية بقضاء الله تعالى وصابرة على ما جرى عليها من الظلم والهوان ، وكانت شاكرة لله تعالى فالشكر يدل على الرضا ، وبملاحظة أسماء الزهراء في الرواية المتقدمة في أول الفصل نجد أن من أسماءها الصديقة وأن من الأسماء الأخرى لها هو الراضية ، إذن الرضا يؤدي بالعبد إلى درجة الصديقين ، والزهراء من خلال استقراء حياتها وسيرتها الذاتية نجد أنها كانت راضية بكل ما قدر الله لها ، فهي إذن صديقة وهذا من أفضل البراهين على أنها كانت صديقة سلام الله عليها.

أما من خلال الأحاديث والأقوال الواردة في المقام فهي كثيرة والتي من خلالها بينت أن فاطمة سلام الله عليها كانت الراضية ، وكما قلنا أن سيرتها الذاتية طافحة بالأحداث الكثيرة التي أثبت أنها كانت راضية بما قدر الله لها ، فعن علي بن أعبد قال : قال لي عليٌّرضي‌الله‌عنه :ألا أُحدّثك عنّي وعن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت من أحبَّ أهله إليه ؟ قلت : بلى. قال : إنَّها جرَّت بالرحى حتّى أثّر في يدها ، واستقت بالقربة حتّى أثّر في نحرها ، وكنست البيت حتّى اغبرَّت ثيابها ، وأوقدت القدر حتّى دكنت ثيابها ، وأصابها من ذلك ضرٌّ ، فأتي النبيَّ عليه‌السلام خدم ، فقلت : لو أتيت أباك فسألته خادماً. فأتته فوجدت عنده حدّاثاً ، فاستحيت فرجعت ، فأتاها من الغد ، فقال : ما كان حاجتك ؟ فسكتت ، فقالت : أُحدِّثك يا رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، جرّت عندي

__________________

(١) اصول الكافي : ٢ / ٦٨.

٤١١

بالرحى حتّى أثَّر في يدها ، وحملت القربة حتّى أثّر في نحرها وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها ، [ و ] أوقدت القدر حتّى دكنت ثيابها ، فلمّا جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فستخدمك خادماً يقيها حرّ ما هي فيه.

قال : اتّقي الله يا فاطمة ، وأدّي فريضة ربِّك ، واعملي عمل أهلك ، إن أخذت مضجعلك فسبِّحي ثلاثاً وثلاثين ، واحمدي ثلاثاً وثلاثين ، وكبِّري أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة ، فهي خير لك من خادم. فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ؛ ولم يخدمها(١) .

ولقد ذكر المولى محمد علي الأنصاري شارح الخطبة ، في مسألة رضاها سلام الله عليها ومسألة من وجوه اقتضاها حال الرواية حيث قال : وإطلاق الرضيّة لرضاها عن الله ورسوله حين ذهبت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فطلبت منه خادمة وقالت : لا اُطيق على شدائد أشغال البيت ، فعلَّمها النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله تسبيح فاطمة وبشَّر لها بثوابه : فقالت ثلاثاً : رضيت عن الله ورسوله. فرجعت إلى بيتها فقالت : طلبت من أبي خير الدنيا ، فأعطاني خير الآخرة. أو لرضاها عن الله تعالى فيما أعطاها من القرب والمنزلة وطهارة الطينة وغير ذلك من المراتب والعالية في الدنيا والبرزخ والآخرة من حيث الجاه والمنزلة النعمة الشرف والفضيلة. أو لرضاها عنه تعالى في جعل الشفاعة الكبرى بيدها من الإنتقام من قتلة ولدها في الدنيا والآخرة(٢) .

٧ ـ المرضية

وهذا اسم آخر لفاطمة الزهراء سلام الله عليها ، والذي يظهر من خلال التأمل والتدبر في السيرة الذاتية لها أنه هناك احتمالان ، في معنى كونها مرضية ، أحدهما هو كون جميع أعمالها وأفعالها وأقوالها وما صدر منها خلال مسيرة حياتها مرضية عند الله تبارك وتعالى فهي رضي الله عنها ورضت عنه ، فهي راضية مرضية راضية عن

__________________

(١) مسند فاطمةعليها‌السلام للحافظ البوطي : ١١٠.

(٢) اللمعة البيضاء : ٩٢.

٤١٢

الباري عز وجل ومرضية بما وعد الله تبارك وتعالى عباده بالرضوان الأكبر.

والإحتمال الآخر أنها سلام الله عليها كانت مرضية ، من جهة ما أعطاها الله تبارك وتعالى من المقامات النورانية التي بها فضلها على غيرها وكذلك ، ومن خلال ما أعطاها تبارك وتعالى من الذرية الكثيرة حيث جعل منها الأئمة الهاديين ، وكذلك هي مرضية سلام الله عليها من جهة أن لها مقام الشفاعة الكبرى وكما ورد في أحاديث مجيئها يوم القيامة وكيفية شفاعتها لشيعتها ومحبيها ، وهذا ما بحثناه في الفصل الخاص الذي بيناه فيه مقاماتها سلام الله عليها ، وأياً كان تفسير معنى المرضية سواء كان الاحتمال الأولى أو الثاني ، فعن فاطمة سلام الله عليها قد حازت وفازت بهذه المنزلة الرفيعة والدرجة الراقية فهي راضية مرضية أعمالها عند الله عز وجل( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي ) .

٨ ـ المحَدَّثة

ونقف هنا في هذا الصفحات مع اسم آخر لفاطمة سلام الله عليها والذي نستفيده من خلال مراجعة مصادر اللغة إن هذا الإسم ومن دون تحريك حرف الدال نحتمل فيه اما أن تكون الدال المشدّدة مكسورة واما أن تكون الدال المشددة فيه مفتوحة. وعلى الاحتمال الأول يكون معنى هذا الإسم أنها سلام الله عليها كانت تُحدث امها خديجةعليه‌السلام وهذا ما يظهر من خلال مراجعة بعض الروايات ، حيث أنها سلام الله عليها كانت تحدث أمها وهي في بطنها ، وكما ورد عندما سئل رسول الله من زوجته خديجة اثناء دخوله عليها قائلاً لها من تتحدثين قالت : الجنين الذي في بطني يؤنسني ويحدثني.

وعلى الإحتمال الثاني وهو الأصح على ما يظهر من بعض الأحاديث في المقام ( وسوف تأتينا خلال البحث ) يكون معنى المُحدّثة هو أنها سلام الله عليها كانت تحدثها الملائكة وتؤنسها وخصوصا بعد فقد أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهنا سؤال يطرح نفسه في المقام وينقدح في ذهن القارئ وهو هل من الممكن أن

٤١٣

تكون الملائكة تحدث بعض الناس مع أن المعلوم أن الوحي انقطع بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي حالة تكون تحديث الملائكة وامكان وقوعه ولو على غير نحو الوحي هل يقع هذا مع فاطمة سلام الله عليها ؟

وللإجابة على هذا السؤال لابد لنا من مراجعة القرآن الكريم ونستقرأه في هذه المسألة وامكان وقوعها في الأمم السابقة باعتبار أن القرآن الكريم المصدر الأول للمسلمين في عرض الأشياء عليه.

فنجد من خلال عدة آيات قرآنية كثيرة جداً ثبتت هذه الحقيقة وهي أن الملائكة يمكن أن تتحدث مع البشر ، فهذا صريح القرآن يثبت هذه الحقيقة الواضحة البرهان والتي لا يبقى معها شك وإليك بعض هذه الآيات القرآنية التي ثبتت هذه المسألة :

١ ـ قال الله تعالى ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا *فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا ) (١) .

٢ ـ( وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ ) (٢) .

ان الظاهر من خلال التأمل في الآتين المباركتين أن مريم سلام الله عليها تحدثت مع الملائكة ، وهذا من أفضل الأدلة على مسألة تحدث الملائكة مع أُناس ليسوا بأنبياء فإن مريم سلام الله عليها لم تكن بنبي ولم تكن إمام بل هي أُم نبي من أنبياء الله تعالى ، ومع ذلك فالملائكة تحدثت معها.

٣ ـ قوله تعالى :( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ ) (٣) .

٤ ـ وقوله تعالى :( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (٤) . وقوله تعالى :( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) (٥) .( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) (٦) .( وَإِذْ أَوْحَيْتُ

__________________

(١) سورة مريم : آية ١٦ ـ ٢١.

(٢) آل عمران : ٤٣.

(٣) هود آية : ٧١ ـ ٧٣.

(٤) القصص : ٧.

(٥) سورة مريم : آية ١١.

(٦) فصلت : ١٢.

٤١٤

إِلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ) (١) .( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) (٢) .( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا ) (٣) .( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (٤) .( إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ ) (٥) .

اذن يظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أخرى أن الوحي ليس مختص بالأنبياء والرسل فقط بل هو يتعدى إلى أولياء الله تعالى ، نعم الوحي هنا في هذه الآيات المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء بل هو شأن آخر من الوحي.

فالوحي لغة الإعلام الخفي السريع ، واصطلاحاً الطريقة الخاصة التي يتصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لاعلامهم ألوان الهداية والعلم ، وانما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين ولذا عبر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي(٦) .

قال سبحانه( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ) (٧) .

وقال الله تعالى( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (٨) .

وهذه الآية الأخيره حددت معنى الوحي الذي يختص بالأنبياء والمرسلين أما الآيات الاخرى المتقدمة الذكر فلها معاني أُخر للوحي ، والذي نقول به أن فاطمة الزهراء إنما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي الذي بينته الآيات

__________________

(١) المائدة : ١١١.

(٢) الأنفال : ١٢.

(٣) النحل : ٦٨.

(٤) القصص : ٧.

(٥) طه : ٣٨.

(٦) موجز علوم القرآن : ١١٠.

(٧) النساء : ١٦٣.

(٨) الشورى : آية ٥١.

٤١٥

الآنفة الذكر ، فلا محالة أن تكون قد حُدثت من قبل الملائكة كما دل القرآن على إمكان وقوع ذلك كما حدث مع أُم موسى وكيفية إيحاء الله تعالى لها.

وثمة شواهد أخرى تدل على أنها كانت محدثة من قبل الملائكة ، وهذا ما نجده في المأثور الروائي الذي نقل إلينا عبر الرواة والمحدثون.

فعن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :إنّما سمّيت فاطمة محدَّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين (١) . فتحدّثهم ويحدّثونها ، فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين(٢) .

وعن عبد الله بن الحسن المؤدّب ، عن أحمد بن علي الاصفهاني ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن اسماعيل بن بشّار قال : حدّثنا عليُّ بن جعفر الحضرميّ بمصر منذ ثلاثين سنة قال : حدّثنا سليمان قال : محمد بن أبي بكر لمّا قرأ :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) (٣) ولا محدَّث ، قلت : وهل يحدِّث الملائكة إلاّ الأنبياء ؟ قال : إنّ مريم لم تكن نبيّة وكانت محدّثة ، وأُمُّ موسى بن عمران كانت محدَّثة ولم تكن نبيّة ، وساره امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبيّة ، وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت محدَّثة ولم تكن نبيّة(٤) .

وجاء في الكتاب القيم ( الغدير الذي يعتبر من أهم الكتب التي ألفت في حق ولاية أهل البيتعليهم‌السلام ) حول مسألة الأناس المحدثون حيث قال : « أصفقت الاُمّة الإسلامية على أنّ في هذه الاُمّة كما لدى الاُمم السابقة اُناسٌ محدَّثون ـ على صيغة المفعول ـ

__________________

(١) إشارة إلى الآية : ٤٢ من سورة آل عمران.

(٢) البحار : ٤٣ / ٧٨.

(٣) الحج : ٥٢.

(٤) البحار : ٤٣ / ٧٩.

٤١٦

وقد أخبر بذلك النبيُّ الأعظم كما ورد في الصّحاح والمسانيد من طريق الفريقين العامة والخاصّة ، والمحدَّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يُلهَم له ويُلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقايق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه. فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الاُمّة مطبق عليه بين فرق الإسلام ، بيد أنَّ الخلاف في تشخيصه. فالشيعة ترى عليّاً أمير المؤمنين وأولاده الأئمة صلوات الله عليهم من المحدَّثين »(١) .

وقالرحمه‌الله : « إنّ في هذه الاُمّة اُناسٌ محدَّثون كما كان في الاُمم الماضية ، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرون علماء محدَّثون وليسوا بأنبياء. وهذا الوصف ليس من خاصّة منصبهم ولا ينحصر بهم بل كانت الصدّيقة كريمة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله محدّثة ، وسلمان الفارسيّ محدَّثاً ، نعم كلُّ الأئمّة من العترة الطاهرة محدَّثون ، وليس كلّ محدَّث بإمام ، ومعنى المحدَّث هو العالم بالأشياء بإحدى الطرق الثلاث المفصّلة في الأحاديث. هذا ما عند الشيعة ليس إلا »(٢) .

وورد عن العلامة المناوي في ذيل الحديث الذي جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حول مسألة تحديث الملائكة مع الناس ما نصه : « قد كان فيما مضى قبلكم من الاُمم اُناس محدَّثون ». قال القرطبيُّ : الرواية بفتح الدال ، اسم مفعول جمع محدَّث بالفتح أي ملهم ، أو صادق الظنّ ، وهو من اُلقي في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى ، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد ، أو تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ، أو من إذا رأى رأياً أو ظنّ ظنّاً أصاب ، كأنّه حدَّث به واُلقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له. وهذه كرامةٌ يكرم الله بها من شاء من صالح عباده ، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء(٣) .

إذن يظهر من الأحاديث والأقوال المأثورة عن الخاصة والعامة أن مسألة تحديث

__________________

(١) الغدير : ٥ / ٤٢.

(٢) الغدير : ٥ / ٤٩.

(٣) فيض القدير : ٤ / ٥٠٧.

٤١٧

الملائكة لأناس ليسوا بأنبياء متسالمة وما شذ عنها إلا من يدعي الزور والبهتان ضد الشيعة ، فالأُمم الماضية وقع فيها هذا الأمر وهذا ما ظهر لنا من خلال القرآن الكريم حيث أوحى الله إلى الحواريين وإلى الملائكة وإلى النحل وإلى أم موسى

مُصحف فاطمة

وعلى هذا الأساس كان مصحف فاطمة سلام الله عليها ، هذا المصحف الذي أثاروا عليه الأقويل الباطلة التي ليس لها أي حقيقة وأي برهان سوى أنهم اعتبروا إطلاق هذا المصحف على أنه قرآناً غير القرآن الموجودة حالياً وأنه عند الشيعة يخفونه تقية ، وأمثال هذا الدعاوي الباطلة والتي لا تمت إلى الدين بصلةٍ وكل دليلهم الذي اعتمدوا عليه هو أن لفظ المصحف يطلق على القرآن لذلك قالوا بأن مصحف فاطمة قرآن غير هذا القرآن الكريم المتداول الآن.

أما القول الصحيح في هذا المقام فبعد معرفة أن فاطمة سلام الله عليها كانت محدّثة دون أن تكون نبية وحسب ما ورد من الإستدلال على هذه المسألة ، فإن حديث الملائكة لها كان يكتب من قبل الإمام عليعليه‌السلام أو من قبل فاطمة نفسها سلام الله عليها وهذا ما يظهر من الأحاديث الآتية ، أما مضمون هذا المصحف وماهيته وكيف نعطي القول الفصل فيه فهذا ما سيتبين من خلال بيان معنى لفظ المصحف ، وماهية مضمون هذا المصحف وما فيه من العلم والأحاديث والأمور الغيبية.

أما لفظ المصحف في صحاح اللغة :

ورد في كتاب لسان العرب : المُصحف والمصحف الجامع للصُّحف المكتوبة بين الدفتين كأنه أُصحِف والكسر والفتح فيه لغة.

وفي المصباح المنير : والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه والجمع صُحُف بضمتين وصحائف والمصحف بضم الميم أشهر من كسرها.

وفي أقرب الموارد : المصحف اسم مفعول وحقيقتها مجمع الصحف أو ما جمع منها بين دفتي الكتاب المشدود وفيه لغتان أخريات وهما المِصحف والمصَحف جمع

٤١٨

مصاحف.

إذن يظهر من هذه المعاني التي وردت في صحاح اللغة أن المصحف ما جمعت فيه الصحف وليس كما يدعى أنه قرآن غير هذا القرآن الموجود.

وهناك شواهد أخرى تثبت هذه الحقيقة حيث ورد في حديث عن الإمام أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : وأن عندنا لمصحف فاطمةعليها‌السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاها الله وأوحي إليها. قال : قلت : هذا والله العلم(١) .

إن هذا الحديث يعطي دلالة واضحة على أن مصحف فاطمة سلام الله عليها يختلف اختلافاً كبيراً عن ما موجود في القرآن من جهة مضمونه ، وقد علق العلامة السيد محسن العاملي (ره) على هذه المسألة بقوله : « لا يخفى أنه قد تكرر نفي أن يكون فيه شيء من القرآن والظاهر أنه لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد قد نسخ المصاحف الشريفة ، فنفى هذا الإيهام وفي بعض الأحاديث أن فيه وصيتها ، ولعل أحد محتوياته ، ثم إن بعضها دال على أنه من إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخط عليعليه‌السلام »(٢) .

وعلق العلامة الخطيب محمد كاظم القزويني (ره) على هذه الرواية بقوله : « وليس معناه أن القرآن الموجود بين أيدينا ناقص ، وأن مصحف فاطمة مكمل له ، كلا وألف كلا ، وليس معناه أن الله أنزل على فاطمةعليها‌السلام قرآناً وكل من ادعى غير هذا فهو إما جاهل أو معاند مفتر كذاب »(٣) .

أقول : يظهر من أقوال علماء الشيعة الإمامية وعلى ما ورد في أحاديث أهل البيت أن مسألة مصحف فاطمة قد تسالمت عليه الشيعة ، ويؤمنون به ، ويعتبرونه من المواريث التي تركتها فاطمة سلام الله عليها لابناءها الأئمة المعصومين ، ولا يظهر هذا المصحف إلا بظهور الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه باعتباره الوريث الشرعي لجدته الزهراء سلام الله عليها.

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١٥٦.

(٢) أعيان الشيعة : ١ / ٩٧.

(٣) فاطمة من المهد إلى اللحد : ٨٣.

٤١٩

مصحف فاطمة في الأحاديث الشريفة

في حديث عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :« ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا ، ولا نحتاج إلى أحد حتّى إنّ فيه الجلده ونصف الجلده وثلث الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش » (١) .

وفي حديث طويل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :« وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها‌السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث ، مرّات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنّما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها. قال : قلت : هذا والله العالم (٢) ».

وفي حديث آخر :« وخلَّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ، ولكنَّه كلام من كلام الله أنزل عليها ، إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطُّ علي » (٣) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قيل له : إنّ عبد الله بن الحسن يزعم أنّه ليس عنده من العلم إلا ما عند الناس ، فقال :« صدق والله ما عنده من العلم إلا ما عند الناس ، ولكن عندنا والله الجامعة فيها الحلال والحرام ، وعندنا الجفر ، أفيدري عبد الله أمسك بعير أو مسك شاة ؟ وعندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما فيه حرف من القرآن ، ولكنّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّ علي عليه‌السلام ، كيف يصنع عبد الله إذا جاءه الناس من كلّ فنّ يسألونه ، أما ترضون أن تكونوا يوم القيامة آخذين بحجزتنا ، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا ، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّه » ؟(٤) .

وعن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :« تظهر زنادقة سنة ثمانية وعشرين ومائة ، وذلك لأنّي نظرت في مصحف فاطمة. قال : فقلت : وما مصحف فاطمة ؟ فقال : إنَّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على فاطمة من وفاته

__________________

(١) ٣ ـ ٩ ـ راجع بصائر الدرجات : ١٥١ ـ ١٦١.

(٢) بصائر الدرجات : ١٥١ ـ ١٦١.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) نفس المصدر السابق.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534