الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة11%

الأسرار الفاطميّة مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 1420
الصفحات: 534

الأسرار الفاطميّة
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 136305 / تحميل: 8184
الحجم الحجم الحجم
الأسرار الفاطميّة

الأسرار الفاطميّة

مؤلف:
ISBN: ١٤٢٠
العربية

١

٢

٣

٤

الإهداء

إلى مصباح الهدى وسفينة النجاة

إلى الموعود بشهادته قبل ولادته

إلى الذي بكاه رسول الله حين ولادته

إلى الذي قضى ضمآن بجنب الفرات

إلى الذي بكت عليه ملائكة السماء

إلى خضيب الشيبة بالدماء

إلى ساكن طفوف كربلاء

إلى من تطلب بدمه سيدة النساء بعرصات يوم القيامة

« لابدّ ان ترِدَّ القيامةَ فاطمٌ

وقميصها بدم الحسين ملطخ »

إلى خامس اصحاب حديث الكساء

إليك يا سيدي يا أبا عبد الله الحسين بن علي٧ ...

أرفع لك هذا المجهود القليل راجياً من الله القبول

والغفران لي ولوالدي ولمن ينتفع بهذا الكتاب

يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى بقلب سليم

محمد فاضل المسعودي

٥

٦

تقريض

تزيينا لكتابنا وتبيينا لعام الطبع طلبنا من الخطيب سماحة الشيخ محمد سعيد المنصوري « حفظه الله ورعاه » ان يتفضل علينا بتوشيح لكتابنا الأسرار الفاطمية وتأريخ يعرف به زمان طبعه فاستجاب لنا سماحته بهذه المقطوعة الشعرية المشتملة على معاني لطيفة وخفيفة على الطبع والذوق امد الله في عمره الشريف ووفقنا الله واياه وصالح المؤمنين لخدمة الائمة الأطهار لا سيما فاطمة الزهراءعليها‌السلام أنالنا الله شفاعتها يوم القيامة وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

( محمدٌ ) بالاسرارِ جاء ولم يجئ

الينا بأسرارٍ سِواهُ مؤلفُ

على أنّها بالفاطميةِ عُرّفَت

وكلُّ الذي يُعزى لفاطمة يُعرفُ

وهذا كتابٌ في سليلةِ ( احمد )

ومِن ذُكرُها الذكرَ الجَمِيل المُشرِّفُ

بهِ قَد جَلى بالبحثِ عَن كلّ غامضٍ

وعرّف عمّا فيهِ حارَ المعرِّفُ

ابانَ وفي « مُستودَع السر » ما به

تُقرطُ اذانُ الورى وتُشنَّفُ

فأبوابُهُ باباً فبَاباً وبحثُهُ

لأبينُ مِن فجرٍ ضحَوُكٍ وألطَفُ

كتابٌ بِهِ ما لَيسَ يحوِيه غيرُهُ

وكلٌّ على قدرٍ من الدوح يَقطفُ

وفكرتُهُ فيما نرى من بَيانِه

يميلُ اليها العبقَرِي المُثقَفُ

وفاطمةٌ مهما نقوُل بشأنها

فتلكَ من الأقوال اسمى واشرفُ

فطوبى لمن مالوا اليها بودِّهِم

وويلٌ لمن قالوا وفي القوَلِ اسرفُوا

فظلوا طرِيقا كان فيه نجَاتهم

اظلّهم عنه الهَوى والتَعجرُفُ

فيا نِعمَ ما دبجّتَ يا نَجلَ « فاضِلٍ »

بِمَن قد اتى فِيها من « الله » مصحفُ

غدا سوف يأتيكَ الجزاءُ مضاعَفاً

فأرّخهُ « ان نعم التُقى والتعففُ »

٥١ + ١٦٠ + ٥٤١ + ٦٦٧

= ١٤١٩ هجرية

٧
٨

تقديم العلاّمة آية الله

سماحة السيّد عادل العلوي

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرّة البهيّة

في الأسرار الفاطميّة

الحمد لله فاطر السماوات والأرضين ، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمّد الأمين ، سيد الأنبياء والمرسلين ، حبيب الله وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم. فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »(٢) .

الحديث عن الزهراءعليها‌السلام إنّما هو حديث عمّا سوى الله سبحانه ، فهي الكون

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) فرائد السمطين ٢ : ٦٨.

٩

الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، والله المحسن وهو الجميل ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال ، ولو كان الحسن والجمال شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال الله وحسنه ، وإنّها الحوراء الإنسيّة ، فهي خير أهل الأرض عنصراً ، فإنّها نور الله جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ، وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي في رياضها محبوراً ، ثمّ أودعه الله في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ، حتى إذا عرج النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من تفّاحها ورطبها ، فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمةعليها‌السلام فتحوّلت نوراً في صلبه ، ثمّ هبط إلى الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة.

ففاطمةعليها‌السلام من صلب خاتم النّبيّين وأشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ، فكانوا من صلب آدم٧ . فهي خير أهل الأرض عنصراً ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً ، وأكرم منزلاً.

فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين ، خلقت حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن أُمّها ، وقال جبرئيل عنها أنّها النسلة الطاهرة الميمونة ، وسجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ، أُمّ أبيها ، أُمّ الأئمة النجباء ، فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى. ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك ليلة القدر.

والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ، وكان ميّتاً يمشي بين الأحياء. وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ حيّزاً كبيراً في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقدّسة التي هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ الأوفر على

١٠

مستوى الاُصول والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل الصالح ، كما جاء في الحديث الشريف : « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة »(١) .

فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقاً ، بل جاء عن الإمام الصادق٧ : « لا يقبل الله عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له »(٢) .

فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى قال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام لكميل ابن زياد :

« يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة »(٣) .

ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها ، دركاً صحيحاً وفهماً كاملاً ، بدراسات حقّه ميدانيّة وتحقيقيّة ، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة ، والحجج العمليّة الواضحة.

فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح ، وقيمة الإنسان بمعرفته.

يقول الإمام الباقر لولده الصادقعليه‌السلام « يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ».

فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومينعليهم‌السلام ، والدراية تفقّه الحديث وفهمه :

« وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ». و « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه ». و« قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته ».

فالواحب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدراية.

فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء على ما هي عليها بحسب الطاقة البشريّة ،

__________________

(١) البحار ٣ : ١٤.

(٢) الكافي ١ : ٤٤.

(٣) ميزان الحكمة : الحديث رقم ٧٤٢١.

١١

وأولى شيء بالمعرفة ، وإنّه مقدّم على كلّ المعارف والعلوم هو معرفة اُصول الدين بالبرهان واليقين ، وبدءاً بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة.

ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر. ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.

فمن يعرفها ؟! وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى اُمر بفضلها ومحبّتها(١) .

ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراءعليها‌السلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها ، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ورسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والجنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّهعليهما‌السلام .

ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ورعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى.

لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى.

كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهداً آية التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.

والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في نفس المعصومعليه‌السلام ، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من

__________________

(١) البحار ٤٢ : ١٠٥ ، عن تفسير الفرات.

١٢

الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً في دهره لا يصدر منه الشين مطلقاً.

وفاطمة الزهراءعليها‌السلام إنّها المعصومة بعصمة الله سبحانه ، كما عصم أولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد رسول الله لن يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة.

مفطومة من زلل الأهواءِ

معصومةٌ من وصمة الخطاءِ

فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراءعليها‌السلام ، ولمّا كان الأذان والأقامة للصلوات اليوميّة إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا مانع ، بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد الله ، كما يؤمن برسول الله ونبوّته ، ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة الله ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن معتقده في المعصومين الأربعة عشرعليهم‌السلام . فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ، فنقول فيها ما نقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة.

فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله )(١) مرّتان أو مرة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله ) ، فتدبّر.

وممّا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء

__________________

(١) لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي دام ظلّه في ( حكمة عصمتيّة في كلمة فاطميّة : ١٤ ) قائلاً : كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نصّ كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتهاعليها‌السلام بالآيات والروايات ، والحقّ معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانتعليها‌السلام جوهرة قدسيّة في تعيّنٍ إنسيّ ، فهي إنسيّة حوراء ، وعصمة الله الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنّها قوّة نوريّة ملكوتيّة تعصم صاحبها عن كلّ ما يشينه من رجس الذنوب والأدناس والسهو النسيان ونحوها من الرذائل النفسانيّة وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة وليّ الله وكلمة الله التامّة فاطمةعليها‌السلام ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً :( أشهد أنّ فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى ) ، ونحوها.

١٣

والأوصياءعليهم‌السلام أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما ورد مستفيضاً عند الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ الله سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه :( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) .

ولكن يغضب لغضب فاطمةعليها‌السلام .

ثمّ لا تجد معصوماً تروّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير معصوم قوّاماً على المعصومة ، ومن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ، كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصومعليها‌السلام .

وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمةعليهم‌السلام .

وربّما قدّم المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ الأنفس فداها.

« فداها أبوها ».

وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب ، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان كالبيان.

وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ رشحات من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف أسرارها ؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالأسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة فاطمةعليها‌السلام حقيقة ليلة القدر ، حقيقة

١٤

الكون وما فيه.

والله سبحانه خلق عالم الملك ـ وهو عالم الناسوت ـ على وزان عالم الملكوت ـ وهو عالم الأرواح ـ ، والملكوت على وزان الجبروت ـ وهو عالم العقول ـ ، حتّى يستدلّ بالملك على الملكوت ، وبالملكوت على الجبروت.

ثمّ بين العالم العلوي والعالم السفلي قوساً نزوليّاً وصعوديّاً ، وقد عبّر عن القوس النزول في نزول فيض الله ورحمته على الكون بالليل والليالي ، كما عُبّر عن القوس الصعودي باليوم والأيام.

وعصمة الله فاطمة الزهراءعليها‌السلام كما عبّر عنها بليلة القدر ، كذلك هي يوم الله. والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، ففي ليلة القدر نزل القرآن ، ونزل أحد عشر قرآناً ناطقاً في فاطمة الزهراء فهي الكوثر ، وهي الليلة المباركة ، وليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ، أي ألف مؤمن ، فإنّها اُمّ الأئمة الأبرار واُمّ المؤمنين الأخيار ، والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمدعليهم‌السلام وأسرارهم ، وروح القدس فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر قائم آل محمدعليه‌السلام (١) .

وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان ، وإنّه أوسع القلوب ، فروح الأمين في ليلة مباركة يتنزّل بالقرآن فينشرح صدره ، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع ، ومثله يحمل القرآن العظيم دفعةً واحدةً في ليلةٍ واحدة ، ثمّ طيلة ثلاث وعشرين عاماً ينزل تدريجاً.

فليلة القدر الذي يحمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه ولطائفه هي فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى ، وإنّ فاطمةعليها‌السلام لتعرف كلّ هذه المعاني فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، فهي القلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب الجامع.

فهي درّة التوحيد وحقيقة القرآن المجيد ، بل وحقيقة النبوّة والإمامة ، وما يجمع بينهما وبين التوحيد ، أي حقيقة الولاية.

__________________

(١) إذا أردت تفصيل ذلك فراجع ( حكمة عصمتية في كلمة فاطميّة ).

١٥

فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بما هي هي ، وبما تحمل في ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة إلاّ مصوّرها وبارؤها وأبوها وبعلهاعليهما‌السلام ، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إجلالاً ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى يودّعها ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلاً.

وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة ، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة والأسرار العلويّة.

فمن هي ؟

هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير والوحوش.

هي التي لا يذكر الله الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة من مناقبها إجلالاً وتكريماً وتعظيماً لها.

هي الكوثر التي خصّها الله بالخلق النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل محمّدعليهم‌السلام ، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين و الأئمة المعصومينعليهم‌السلام .

هي التي اشتقّ اسمها من اسم الله فكان فاطراً وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما لا يمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت ضربة عليّعليه‌السلام يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو أفضل ، فمن يقدر أن يعدّ عبادتهم ؟ وفاطمة كفو لعليّعليهما‌السلام ، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان لعليّ ما لرسول الله إلاّ النبوّة.

والمرأة إذا لم تكن نبيّة ، فإنّ لها أن تصل إلى مقام الولاية العظمى ، فتكون أفضل من الأنبياء كفاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فهي حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، فهي نور المُهج وحجّة الحجج

وهي بضعة المصطفى وبهجة قلبه ، من سرّها فقد سرّ رسول الله ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، ومن آذى الله ورسوله ، فعليه لعنة الله أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ لتعرف على

١٦

من غضبت فاطمة ؟ وماتت وكانت واجدة عليهم ؟

أصفاها الله وطهّرها تطهيراً ، فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة ، وتمرّ على الصراط ، ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين.

هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار.

فالويل كلّ الويل لمن ظلمها وظلم بعلها وذرّيتها وشيعتها ، الويل كلّ الويل لمن غصب حقّها وكسر ضلعها وأسقط جنينها ولطم خدّها وأنكر فضلها ومناقبها ومثالب أعدائها.

ثمّ لو تلونا وقرأنا زيارة الجامعة الكبيرة(١) الواردة بسند صحيح عن الإمام الهاديعليه‌السلام ، والتي تعدّ في مضامينها من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدنا أنّها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، لنعرف الإمام المعصومعليه‌السلام بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهارعليهم‌السلام ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه ما جاء في فقرات الزيارة ومفرداتها.

إلاّ أنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في شأنها أنّها موضع سرّ الله وخزانة علمه وعيبته ، فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على الخلق ، وفاطمة الزهراءعليها‌السلام هي حجّة الله على حجج الله ، كما ورد عن الإمام العسكريعليه‌السلام :

« نحن حجج الله على الخلائق ، واُمّنا فاطمة حجّة الله علينا ».

ولهذا يقول صاحب الزمان عجّل الله فرجه الشريف :

« ولي اُسوةٌ باُمّي فاطمة ».

فالأئمة اُسوة الخلق وقادتهم ، وفاطمة اُسوة الأئمةعليهم‌السلام .

إنّهاعليها‌السلام تساوي أبيها في خلقه النوري ، وقال في حقّها : « فاطمة روحي التي بين جنبيّ ».

وربما الجنبان إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي تحمل روح النبيّ بعلمه

__________________

(١) وردت في مفاتيح الجنان ، في قسم الزيارات ، فراجع.

١٧

وعمله ، وكلّ كمالاته العلميّة والعمليّة إلاّ النبوّة ، فهي الأحمد الثاني ، وهي روحه التي بين جنبيه.

ويحتمل أن يكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية العامّة ، فقد ورد في الخبر النبويّ الشريف :

« ظاهري النبوّة ، وباطني الولاية ».

مطلقاً التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم العلوية والسفلية ، السماوية والأرضية ، كما ورد :

« ظاهري النبوّة ، وباطني غيبٌ لا يدرك ».

وأنفسنا في آية المباهلة تجلّت وظهرت وكان مصداقها الخارجي أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام فالزهراءعليها‌السلام يعني رسول الله وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة والولاية ، وهي مجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلويّ ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيته :( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ) .

بأنّه كالمشكاة ، وورد في تفسيرها وتأويلها أنّ المشكاة فاطمة ، وفي هذا المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنينعليهما‌السلام ، ثمّ نور على نور وإمام بعد إمام ، يهدي الله لنوره من يشاء.

فالنبوّة والإمامة في وجودها النوري ، وهذا من معاني ( السرّ المستودع فيها )(١) ، فهي تحمل أسرار النبوّة والإمامة ، كما تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل أسرار الأئمة الأطهار وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة ، ولولا مثل هذا المعلول المقدّس لما خلق الله النبيّ والوصيّ كما ورد في الحديث الشريف المعراجي :

« يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما ».

__________________

(١) كما من معانيه سيّدنا محسن الشهيد بقرينة ( وبنيها ) ، كما جاء في الدعاء : ( اللهمّ إنّي أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ) ، فكان المراد من البنين الحسن والحسين لولادتهما وظهورهما في الدعاء ، والسرّ المستودع سيّدنا المحسن الشهيدعليه‌السلام الذي سقط بين الباب والجدار. وليت الكاتب الجليل أشار إلى هذا المعنى في فصل بيان أسرار الدعاء.

١٨

ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات التي غرق فيها كلّ شيء والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها ، كما تحمل أسرار الممكنات في جواهرها وأعراضها ، وبنورها الزاهر ازدهرت السماوات والأرض ، فالله الفاطر فطر الخلائق بفاطمة الزهراء وبنورها الأزهر

ولمثل هذه الخصائق القدسيّة كان النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : فداها أبوها.

مشكاة نور الله جلّ جلاله

زيتونة عمّ الورى بركاتها

هي قطب دائرة الوجود ونقطة

لمّا تنزّلت أكثر كثراتها

هي أحمد الثاني وأحمد عصرها

هي عنصر التوحيد في عرصاتها

ـــــ

فاطمةً خير نساء البشر

ومن لها وجه كوجه القمرِ

فضّلك الله على كلّ الورى

بفضل من خصّ بآيّ الزمرِ

زوّجك الله فتىً فاضلاً

أعني عليّاً خير من في الحضرِ

ـــــ

وأخيراً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال « فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي ، وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوى »(١) .

هذا وقد غمرتني الفرحة والبهجة عندما لمست أناملي الداثرة ما خطّه يراع فضيلة مروّج الأحكام حجّة الإسلام الكاتب المعتمد المؤلف السند الخطيب الكامل الشيخ محمّد فاضل المسعودي دام موفّقاً.

وقد أبدع سماحته في سفره هذا القيّم ( الأسرار الفاطميّة ) ، وملأ فراغاً في المكتبة الإسلامية العربية ، من معرفة نورانية حول السيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، بقلم سلس وبيان جميل ، وتصوير رائع ، وقد حاول أن يؤدّي ما هو الحقّ في كلّ فصل من فصوله ، فللّه درّه وعليه أجره وكثّر الله من أمثاله.

__________________

(١) فرائد السمطين ٢: ٦٦.

١٩

كان سماحته يحضر عندي كفاية الاُصول وأبحاثنا الفقهيّة ـ خارج الفقه ( الاجتهاد والتقليد ) ـ ولا يزال بحمد الله يحضر حضور تفهّم واستيعاب في جمع من طلبة العلوم الإسلامية في حوزة قم العلمية من جاليات مختلفة.

وقد سألت الله في سنين من حياتي في ليالي القدر أن يوفّق جميع أهل العلم ، لا سيّما أولئك الذين حضروا عندي دروسهم الحوزوية ، أن يوفّقهم لخدمة الدين والمذهب في كلّ المجالات العلمية والعملية ، بأقلامهم وألسنتهم ، بالتأليف والتصنيف والتدريس والتبليغ والخطابة والإمامة في المحاريب ، وغير ذلك من المسؤوليات الدينية والاجتماعية الملقاة على عاتق علماء الدين ورجال العلم ، أعزّهم الله في الدارين.

وأرى اليوم مرّةً اُخرى قد أثمرت الجهود ، ولم تذهب الأتعاب ضياعاً ، بل بين حين وحين تؤتي الشجرة الطيّبة اُكُلها ، بل الحوزة المباركة هي البركة والخير المستمرّ والمستقرّ ، وإنّها الكوثر العذب والمنهل الصافي والينبوع المتدفّق

والشيخ الكاتب قد أجاد في هذا الكتاب الرائع بتعريف جملة من أسرار سيّدة النساء فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وما أروع ما كتب وما أجمل ما اختار ، لا سيّما وهذه الهجمات المدسوسة بين حين وحين تتغلغل في صفوفنا ، من قبل الاستعمار والاستكبار العالمي ، ضدّ مقامات أهل البيتعليهم‌السلام ، وفاطمة الزهراءعليها‌السلام ، والعجب أنّها تصدر تارةً من أبناء المذهب ، وممّن ينتسب إلى الذرّية الطاهرة !! ليفرّق بيننا ويمزّقنا كي يسود علينا وينهب خيرات بلادنا ومآرب اُخرى.

ألا أنّهم أرادوا أن يطفئوا نور الله ، والله متمّ نوره ولو كره المشركون والكافرون ، وإنّه يؤيّد دينه برجال تطفح من أقلامهم الإسلامية عبقات الولاء والإخلاص ، ويتدفّق منها المودّة الخالصة في قربى الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أسأل الله سبحانه أن يسدّد خطاهم ، ويبارك لهم في حياتهم العلمية والعملية ، ويوفّقهم لما فيه من الخير من طلب العلم النافع والعمل الصالح وخدمة الدين ونشر معارف الإسلام وحقائق المذهب الناصعة.

عهدي إليهم أن لا أنساهم من الدعاء وأملي بهم أن لا ينسوني من صالح دعواتهم الطيّبة.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

(17)

واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي

واستكثار الشرّ وإن قلّ من قولي وفعلي

  استقلال الخير: عدّة قليلاً، واعتبار ما صدر من الإنسان من الخيرات شيئاً يسيراً، وإن كان في الواقع كثيراً، سواء الخير من أقواله أم أفعاله.

  واستكثار الشرّ: عدّة كثيراً، وإن كان في الواقع قليلاً نادراً، سواء في قول الشرّ أم عمله.

وهذه من الخصال المحمودة التي هي حيلةٌ وزينة.

ليس فقط لا يحدّث الإنسان الناس بخيراته وأعماله الخيّرة، بل يعدّها عنه نفسه نزراً يسيراً.

وفي مقابله إن صدر منه شيرٌ قليل، ليس فحسب لا يتهاون به، بل يعدّه عند نفسه كثيراً.

وهذا الاستقلال والاستكثار مفيدان غاية الفائدة في تهذيب النفس، وتزكية الروح، وذلك:

  أمّا استقلال الخير من نفسه، ففائدته عدم استيلاء العُجب عليه.

٢٢١

والعجب هو: استعظام العمل الصالح واستكثاره، والإدلال به، وأن يرى الإنسان نفسه خارجاً عن حدّ التقصير.

وهو يوجب سقوط العمل عن القبول، وهو مذموم، كما تلاحظ ذمّه في الأحاديث الشريفة، ومنها: ـ

1 ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ بينما موسى عليه السلام جالساً، إذ أقبل إبليس وعليه برنس ذو ألوان، فلمّا دنى من موسى عليه السلام خلع البرنس، وقام إلى موسى فسلّم عليه.

فقال له موسى: مَن أنت؟

فقال: أنا إبليس.

فقال له: أنت، فلا قرّب الله دارك.

قال: إنّي جئت لاُسلّم عليك كلمكانك من الله.

فقال له موسى عليه السلام: فما هذا البُرنس؟

قال: به أختطفُ قلوب بني آدم.

فقال موسى: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذتَ عليه؟

قال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه (1).

2 ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال:

قال داود النبيّ عليه السلام: لأعبدنَّ الله عبادة، ولأقرأنَّ قراءةً لم أفعل مثلها قطّ، فدخل في محرابه، ففعل.

فلمّا فرغ من صلاته، إذا هو بضفدع في المحراب، فقال لداود: ـ أعجبَكَ اليوم ما فعلت من عبادتك وقراءتك؟

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 237 / ح 8.

٢٢٢

فقال: نعم.

فقال: لا يعجبنّك، فإنّي اُسبّح لله في كلّ ليلةٍ ألف تسبيحة، يتشعّب لي مع كلّ تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة، وأنّي لأكون في قعر الماء فيصوّت الطير في الهواء، فأحسبه جائعاً، فأطفوا له على الماء ليأكلني وما لي من ذنب (1) .

3 ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: ـ

تصعد الحفَظَة بعملِ العبد يزهر كالكوكب الدرّيّ في السماء، له دويٌّ بالتسبيح، والصوم، والحجّ، فيمرّ به إلى ملك السماء الرابعة فيقول له: قِف، فاضرب بهذا العمل وجة صاحِبه وبطنَه، أنا مَلَك العُجب، إنّه كان يعجبُ بنفسه، وأنّه عمل وأدخل نفسه العُجب، أمرني ربّي أن لا أدع عملَه يتجاوزني إلى غيري، فاضرب به وجه صاحبه (2) .

فاستقلال الإنسان الخير من نفسه يفيد الإنسان التحذّر عن هذا العجب المفسد لذلك العمل الخيّر.

  وأمّا استكثار الشرّ من نفسه، ففائدته عدم التهاون بالمعصية.

والتهاون بالمعصية هو جعلها هيّنةً، وعدم الاهتمام بها، وهو يوجب الجرأة على عصيان الله العظيم، عصيان جبّار السماء والأرض، وهو مذموم ممقوت كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة منها: ـ

1 ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام قال: ـ

إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بأرضٍ قرعاء ـ أي لا نبات ولا شجر فيها ـ فقال لأصحابه: ائتوا بحطب.

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 71 / ص 230 / ح 7.

(2) مستدرك الوسائل / ج 1 / ص 141 / ح 17، ولاحظ قضيّة ابن الماوردي في كون العجب مقروناً بالجهل، في سفينة البحار / ج 6 / ص 156.

٢٢٣

فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرضٍ قرعاء، ما بها من حطب.

قال: فليأت كلّ إنسن بما قدر عليه.

فجاؤوا به، حتّى رَمَوا بين يديه بعضه على بعض.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هكذا تجتمع الذنوب.

ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب... (1).

2 ـ حديث أمير المؤمنين عليه السلام: ـ

(أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه) (2) .

3 ـ حديث وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله لأبي ذرّ الغفاري رضوان الله عليه: ـ

يا أبا ذرّ.. إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة، يخاف أن يقع عليه، وإنّ الكافر ليرى ذنبه كأنّه ذباباٌ مرَّ على أنفه.

يا أبا ذرّ، إنّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً جعل ذنوبه بين عينيه ممثّلة، والإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبدٍ شرّاً أنساه ذنوبه.

يا أبا ذرّ، إنّ نفس المؤمن ارتكاضاً ـ أي اضطراباً ـ من ال خطيئة من العصفور حين يقذف في شَرَكه (3) .

فإذا استكثر الإنسان الشرّ من نفسه، لم يتهاون به، بل اشتدّ اجتنابه عنه.

فاللّازم علنيا في مكارم أخلاقنا أن نستقلّ الخير من أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وإن كثرت.

وأن نستكثر الشرّ من أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وإن قلّت.

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 218 / ح 3.

(2) غرر الحكم ودرر الكلم / ج 1 / ص 192 / ح 318.

(3) بحار الأنوار / ج 77 / ص 79.

٢٢٤

وفي حديث الإمام الكاظم عليه السلام: ـ

(لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلّوا قليل الذنوب، فإنّ قليل الذنوب يجتمع حتّى يكون كثيراً) (1) .

فالمفروض علينا أن نهذّب أنفسنا ونروّضها على هاتين الخصلتين، فنفكّر في خيرات وعبادات ومواعظ أولياء الله تعالى، فتصغر في أعيننا خيرنا وعبادتنا وأقوالنا.

ونفكّر في نزاهة أولياء الله من الشرور والذنوب في قولٍ أو فعلٍ منهم، فتكثر في أعيينا شرورنا ومعاصينا.

وأهل البيت عليهم السلام لم يكن لهم شرٌّ في الحياة في آنٍ من الآنات، وكانت حياتهم مليئة بالخيرات والطيّبات من أقوالهم وأفعالهم، وبالرغم من ذلك كانوا يستقلّون خير أنفهسم، كما مرّ عليك في حديث الأعرابي الذي وفدَ على الإمام الحسين عليه السلام حين أغناه بأربعة آلاف دينار، ومع ذلك كان يعتذر إليه بقلّة النفقة منه (2) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 73 / ص 346.

(2) بحار الأنوار / ج 44 / ص 190.

٢٢٥

٢٢٦

(18)

وأكمِلْ ذلكَ لي بدوام الطاعة

الطاعة هي: موافقة الأمر، وامتثاله والانقياد له.

كامتثال أوامر الله تعالى ونواهيه، فإنّه طاعةٌ لله تعالى.

ودوام الطاعة: استمرارها، مضافاً إلى إيجادها وتحقّقها.

والسعادة العظمى في الدُّنيا والآخرة هي إطاعة الله تعالى، وإطاعة من أمرنا الله تعالى بإطاعتهم.

وهم الرسول الأعظم وأهل بيته الكرام عليهم السلام فو قوله عزّ اسمه: ـ

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (1) .

وقد تظافرت الأحاديث من الفريقين في تفسير اُولي الأمر بأهل البيت الطيّبين، الأئمّة المعصومين عليهم السلام (2) .

وهذه الإطاعة فوز الدُّنيا والآخرة، وسعادة الدارين الاُولى والاُخرى.

__________________

(1) سورة النساء: الآية 59.

(2) لاحظ تفسير البرهان / ج / ص /. وإحقاق الحقّ / ج 3 / ص 424.

٢٢٧

قال تعالى: ( يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) (1) .

وقال عزّ اسمه: ـ ( وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا ) (2) .

وذكرت الأحاديث الشريفة فضلها وفضيلتها في جملة منها مثل: ـ

1 ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(... إنّ طاعة الله نجاحُ كلّ خيرٍ يُبتغى، ونجاةٌ من كلّ شرٍّ يُتّقى، وإنّ الله العظيم يعصم من أطاعه، ولا يعتصم منه من عصاه) (3) .

2 ـ حديث الإمام الرضا عليه السلام في قوله تعالى: ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) (4) قال عليه السلام: ـ (لقد كان ابنه، ولكن لمّا عصى الله عزّوجلّ نفاه الله عن أبيه.

كذا من كان منّا لم يطع الله فليس منّا.

وأنت إذا أطعت الله فأنت منّا أهل البيت) (5) .

فإطاعة الله تعالى هو الإكسير الأعظم، والفوز الأتمّ، بخير الدارين، وسعادة النشأتين والاستمرار عليها.

وإطاعة الإنسان لربّه، وللرسول صلى الله عليه وآله، ولأهل البيت عليهم السلام، عجيبة في النتيجة، من حيث إنّها توجب أن يكون الإنسان من أولياء الله المقرّبين، ومن مظاهر قدرة ربّ العالمين، حتّى أنّها توجب نيل الكرامات وإطاعة المخلوقات للإنسان كما تلاحظه في مثل: ـ

1 ـ الصاحبي الجليل سلمان المحمّدي رضوان الله تعالى عليه، وقضاياه التي

__________________

(1) سورة الأحزاب: الآية 71.

(2) سورة النساء: الآية 69.

(3) بحار الأنوار / ج 77 / ص 69.

(4) سورة هود: الآية 46.

(5) بحار الأنوار / ج 43 / ص 230.

٢٢٨

تلاحظها في مثل حديث القدر المغلي (1) ، وحديث طينته (2) .

2 ـ جابر الجُعفي رضوان الله تعالى عليه، وقضاياه التي تجدها في مثل طيّ الأرض له، وسفره إلى أرض السواد (3) .

وهذه الفقرة من الدّعاء الشريف يُطلب فيها من الله تعالى تكميل تلك المكارم الأخلاقيّة المتقدّمة: بسط العدل، وكظم الغيظ.. إلخ، بدوام طاعة الله تعالى، وعدم عصيانه.

فإنّ ترك الطاعة وارتكاب المعصية، نقضٌ لتلك المكارم الأخلاقيّة، بل موجبٌ لارتكاب الاُمور المذمومة، والأفعال المحرّمة.

فيُطلب دوام الطاعة في الأوامر والنواهي الإلهيّة، وفي الصفات المرغوبة الأخلاقيّة.

وهذا يحتاج إلى الطلب من الله تعالى؛ لأنّ البقاء على العمل أصعب من نفس إتيان العمل، ومستلزمٌ للصبر وتحمّل المشقّة.

  والمثل الأعلى في دوام الطاعة، وعدم الخروج عنها طرفة عين هم أهل البيت عليهم السلام الذين لم يعصوا ولا يعصون الله تعالى فيما أمرهم، ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

لم يخالفوا الله تعالى في صفيرةٍ ولا كبيرة، في شدّةٍ ولا رخاء، حتّى أنّهم لم يفعلوا ما كان الأولى تركه، ولم يتركوا ما كان الأولى فعله.

فاتّصفوا بالعصمة الكبرى والطهارة العظمى، كما تدلّ عليه أدلّة الكتاب والسنّة مثل: آية التطهير، وأحاديث العصمة المرويّة من طرق الفريقين (4).

__________________

(1) رجال الكشّي / ص 19.

(2) الاختصاص / ص 221.

(3) رجال الكشّي / ص 172.

(4) لاحظ تحقيقه ومصادره في كتاب العقائد الحقّة / ص 349 / مبحث العصمة.

٢٢٩

فيلزم علينا الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام، وتكميلاً للصفات الحسنة التي هي حلية الصالحين وزينة المتّقين، وترويض النفس على الصبر عليها، وعدم إبداء السخط منها، لكي يحصل لنا الكمال بتلك الصفات، والأجر بالصبر عليها، وعدم الندامة من تركها.

فإنّ تركها يوجب الندم، وإظهار السخط منها يوجب الخجل، كما في قضيّة ذلك العالم المحقّق الذي أبدى السخط، ولم يصبر عند تأخير حاجته، فحصلت له الندامة.

فقد حكى بعض السادة الأجلّاء الثقات عن أحد العلماء المحقّقين الذي كان يؤلّف كتاباً في الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام الذي هو من أهمّ الوظائف الشرعيّة على علماء الدِّين، وأصحاب القلم من المحقّقين.

فاحتاج هذا العالم في مصادر كتابه إلى كتاب كان نادر الوجود، وكلّما بحث عنه في النجف الأشرف لم يعثر عليه، وكان يعلم أنّه موجود في النجف، لكن لم يعرف أنّه عندَ مَن.

فتوسّل بالإمام أمير الؤمنين عليه السلام أن يهيّئ له ذلك الكتاب، حتّى يستعيره ويستفيد منه وينقل عنه.

ودام التوسّل بالإمام عليه السلام ستّة أشهر متواصلة، لكن لم تحصل له النتيجة.

وبعد هذه المدّة الكثيرة، وبينما هو أمام الضريح المقدّس، وملتصقٌ به، ويتوسّل بالإمام ويطلب منه الكتاب ويقول:

(أنت مولاي، وتعلم بإذن الله تعالى أين يوجد الكتاب، وأنا محتاج إليه، فارشدني إلى موضعه).

بينما هو يقول هذا، إذ سمع من الطرف الآخر من الضريح لمقدّس، شخصاّ

٢٣٠

آخر يطلب من الإمام عليه السلام حاجته، ويبدو من لسانه أنّه شخصٌ قرويّ، ويقول بلهجةٍ حادّة للإمام عليه السلام: ـ

(لو لم تعطني حاجتي لا أزورك بعد هذا أبداً).

ومرّت سبعة أيّام على هذه القضيّة، وبينا أنا أيضاً مقابل للضريح الشريف أطلب حاجتي، إذ سمعت ذلك القروي يقول للأمير عليه السلام بلهجته الخاصّة: ـ

(أروح لك فدوه يا علي، أعطيتني حاجتي، كفو، كفو، كفو).

قال ذلك العالم: لمّا رأيت أنا ذلك هاجت نفسي، وخرجتُ عن الطبيعة، ونفذ صبري، وصرتُ أقول للإمام عليه السلام بخشونة شديدة.

(شنو حاجة هذا المعيدي غير الدُّنيا، تعطيه سريعاً، ولا تعطيني حاجتي وهي للدفاع عنكم وكتابة فضائلكم).

وخرجت من الحرم الشريف شبه الزعلان، وبحالة الغضب ـ وهذا هو محلّ الصبر على الطاعة وعلى تلك المكارم الأخلاقيّة، وامتحان من يدوم له لين العريكة ومن لا يدوم ـ.

ولمّا وصلت إلى داري ندمتُ كثيراً على أنّه لماذا تجاسرت بخدمة الإمام عليه السلام وهو خلاف الأدب.

وخصوصاً وبيما أنا كذلك، إذ طرق باب الدار جارٌ لنا، فذهب ولدي وفتح الباب، ودخل عَليَّ جارنا، فرحّبت به، وجلس عندي، ودار الكلام عندنا فقال الجار: نحن في حالة انتقال إلى دارٍ جديد، وقد نظّفنا دارنا الفعلي لنحوّله إلى المشتري، وفي أثناء تنظيف رفوف الدار عثرتُ في الرفّ الأعلى على كتابٍ أنا لا أستفيد منه لأنّي لا أعرف القراءة والكتابة..

فقلتُ لابني: ـ إذهب بهذا الكتاب، واجعله في المسجد.

فقال ابني: ـ لا يا أبه، لا تجعله في المسجد، بل أعطه لجارنا العالم ـ حتّى

٢٣١

يستفيد منه، وهو هذا الكتاب، جئت به إليك هديّة لك.

قال ذلك العالم: فأخذتُ منه الكتاب، فإذا هو نفس الكتاب الذي طلبته من أمير المؤمنين عليه السلام، طلبتُ منه أن يرشدني إليه لأستعيره، لكن ذلك الكريم صلوات الله عليه أهداه لي، وملّكه بدل الاستعارة.

فذهبت واعتذرت من أمير المؤمنين عليه السلام على سوء أدبي، وعدم صبري، وتشكّرت منه على لطفه وإحسانه.

وعليه فالمطلوب تكميل مكارم الأخلاق بدوام الطاعة واستمرارها، وعدم النقض بالمعاصي والمحرّمات، أما بما يخالف الأخلاقيّات.

فيُستدام على الطاعات بصبر، ويستمرّ على المكارم والأخلاقيّات بتحمّل، فيحصل بذلك الكمال الكامل، والفضل الشامل.

٢٣٢

(19)

ولزوم الجماعة

اللّزوم هو: الملازمة، وعدم المفارقة.

والجماعة هي: جماعة الناس..

والمراد بها جماعة المؤمنين المتّفقين على المذهب الحقّ، لا كلّ جماعةٍ وإن كانت باطلة.

و «أل» فيها عهديّة، والمعهود في الدّعاء جماعة أهل الحقّ..

نظير «أل» العهديّة في القرآن الكريم في قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (1) حيث إنّ المعهود فيها نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.

وقوله عليه السالم: (ولزوم الجماعة) معطوف على قوله: (بدوام الطاعة) أي واكمل لي ذلك بلزوم الجماعة.

فتكمل المكارم الأخلاقيّة المتقدّمة بدوام طاعة الله تعالى والاستمرار عليها، وملازمة جماعة أهل الحقّ وعدم مفارقتهم.

بل عدم مفارقتهم ولو لحظةً واحدة حتّى يدصق التلازم وعدم الافتراق، كما

__________________

(1) سورة الأحزاب: الآية 6.

٢٣٣

تلاحظه في الملازمة بين طلوع الشمس ووجود النهار، فإنّهما لا يفترقان أبداً.

حيث إنّ المفارقة عن الحقّ لا يعني إلّا الدخول في الباطل، فإنّه ليس بعد الحقّ إلّا الضلال.

ويدلّ على كون المراد بالجماعة جماعة أهل الحقّ، الحديث الصادقي الشريف:

(سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله: ما جماعة اُمّتك؟

فقال: ـ جماعةُ اُمّتي أهل الحقّ، وإن قلّوا).

وفي حديثٍ آخر: (فقال: من كان على الحقّ، وإن كانوا عشرة) (1) .

فمفاد الدعاء الشريف طلب ملازمة جماعة أهل الحقّ التي هي الفضائل المكمّلة لمكارم الأخلاق، ومعالي الصفات.

فهي التي تكون حلية الصالحين، وزينة المتّقين، وإلّا فملازمة أهل الباطل رذيلة ومعيبة، وليست حلية وزيزنة.

والجدير بالبيان هو معرفة أنّه:

مَن هم جماعة أهل الحقّ الذين يلزم متابعتهم وملازمتهم؟

الجواب: هم الذين بيّنهم الرسول الأعظم، ونصّ عليهم صاحب هذا الدِّين، النبيّ الأمين صلى الله عليه وآله، فقال في الأحاديث المتظافرة المتّفق عليها بين الفريقين: ـ

(عليٌّ مع الحقّ والحقّ معه، يدور حيثما دار) (2) .

(أهل بيتي مع الحقّ، والحقّ معهم، لا يفارقهم ولا يفارقوه) (3) .

فمحور الحقّ هم عليٌّ وأهل البيت عليهم السلام، فإذا أردنا أن نعرف أنّه هل هذا الشخص على الحقّ أو على الباطل؟

__________________

(1) رياض السالكين / ص 224.

(2) غاية المرام / ص 539.

(3) إحقاق الحقّ / ج 9 / ص 479.

٢٣٤

يكون المحك هو عليّ عليه السلام.. فإن كان الشخص مع عليّ عليه السلام فهو على حقّ، وإلّا فهو على باطل.

فأمير المؤمنين عليه السلام (هو فارق بين الحقّ والباطل) كما نصّ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله (1) .

ولذلك عبّر عنه الرسول في واقعة الخندق بالإيمان كلّه، ومنحه أعظم وسام بقوله صلوات الله عليه وآله: ـ (برز الإيمان كلّه).

فكلّه حقّ لأنّ كلّه إيمان، فمن كان معه كان مع الحقّ ومن أهل الإيمان، ومن لم يكن معه فهو على باطل وعلى غير إيمان.

فيتّضح جيّداً أنّ المراد بالجماعة في الدعاء الشريف هم جماعة عليّ وأهل البيت عليهم السلام فهم جماعة أهل الحقّ الذي تكون ملازمتهم فضيلة وحلية.

وقد عقد العلّامة المجلسي أعلى الله مقامه باباً في البحار في لزوم الجماعة بأحاديث شريفة منها: ـ

حديث علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

قيل: يا رسول الله وما جماعة المسلمين؟

قال: جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا (2) .

وفائدة ملازمة أهل البيت عليهم السلام هي سعادة الدُّنيا والآخرة.

ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(إلزموا عليّ بن أبي طالب، فاز من لزمه) (3) .

__________________

(1) إحقاق الحقّ / ج 4 / ص 26.

(2) بحار الأنوار / ج 29 / ص 68 / ب 3 / ح 1.

(3) إحقاق الحقّ / ج 4 / ص 26، و ص 149.

٢٣٥

وفي حديث الإمام الرضا عليه السلام: ـ

(مَن لزمنا لزمناه، ومن فارقَنا فارقناه) (1) .

وفي حديث الزيارة الجامعة المباركة: ـ

(فاز مَن تمسّك بكم، وأمِنَ مَن لجأ إليكم، وسَلِم مَن صدّقكم، وهُدي من اعتصم بكم) (2) .

فنسأل الله تعالى أن يرزقنا ملازمتهم، ويديم لنا موالاتهم، ويمنّ علينا بالجنّة معهم كما في بشارة رسول الله صلى الله عليه وآله: ـ

(من أحبَّ أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي، فليتولّ عليّاً بعدي، فإنّه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ردى) (3) .

__________________

(1) وسائل الشيعة / ج 18 / ص / ب / ح.

(2) عيون الأخبار / ج 2 / ص 277.

(3) أمالي الشيخ الطوسي / ج 2 / ص 107.

٢٣٦

(20)

ورفضِ أهلِ البِدَع ومستعملي الرأي المخترَع

الرفض هو الترك، والردّ، وعدم القبول.

والبدَع: جمع بدعة، وهي اسمٌ من الابتداع بمعنى الإحداث والإختراع.

قال في المجمع: ـ (البدعة: بالكسر فالسكون: الحدثُ في الدِّين وما ليس له أصلٌ في كتابٍ ولا سنّة.

وإنّما سمّيت بدعة لأنّ قائلها ابتدعها من نفسه) (1) .

وقال في المرآة: ـ (البدعة في عرف الشرع ما حدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله، ولم يَرد فيه نصٌّ على الخصوص، ولا كيون داخلاً في بعض المعلومات، أو ورد فيه نهيٌ عنه خصوصاً أو عموماً) (2) .

ويؤيّده الحديث الشريف: ـ السُنّة ما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله، والبدعة ما اُحدث من بعده) (3) .

__________________

(1) مجمع البحرين / ص 370.

(2) مرآة الأنوار / ص 78.

(3) بحار الأنوار / ج 2 / ص 266.

٢٣٧

وعُرّفت في الاصطلاح الفقهي بأنّها هي: ـ

(إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين، نظير إدخال التكتّف في الصلاة.

ومثله إخراج ما ثبت في الدٍّين من الدِّين، نظير إسقاط حيَّ على خير العمل من الأذان).

وقد حدثت هذه البِدَع المذمومة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بواسطة الغاصبين والظالمين والمنحرفين.

وقد ذكر السيّد الجليل شرف الدِّين أعلى الله مقامه في كتابه الخاصّ بذلك (النصّ والاجتهاد) 71 مورداً من بدع الغاصبين، منها: ـ

1 ـ غصب نحلة الزهراء عليها السلام، وبدعتهم أنّ الرسول لم يورّث، وهذه بدعة الأوّل والثاني.

2 ـ قتل مانعي الزكاة بما جناه خالد بن الوليد في مالك بن نويرة، وهذه بدعة الأوّل.

3 ـ تحريم متعة الحجّ، ومتعة النساء، وهذه كانت من قِبَل الثاني.

4 ـ إسقاط طواف النساء من الحجّ.

5 ـ إسقاط (حيّ على خير العمل) من الأذان.

6 ـ إدخال الصلاة خيرٌ من النوم في أذان الصبح.

7 ـ تشريع الطلاق ثلاثاً مؤبّداً في مجلسٍ واحد.

8 ـ تشريع صلاة التراويح.

9 ـ حكم الثاني بسقوط الصلاة عند فقدان الماء.

10 ـ تقديم الثالث رأيه على نصوص الكتاب والسنّة، كإتمامه الصلاة في السفر، وإعطاءه الخمس لغير بني هاشم، بل للطريد مروان بن الحكم (1) .

__________________

(1) لاحظ للاستقصاء كتاب الغدير / ج 6 / فصل نوادر الأثر، خصوصاً الصفحات: ـ 83، 108، 187، 282، 294.

٢٣٨

هذه هي البدع المبتدعة التي يأتي بيان فسادها وذمّها في الأحاديث الشريفة.

وفي هذا الدعاء الشريف يُطلب من الله تعالى التكميل برفض أهل البدع، وتركهم، وعدم القبول منهم.

أي واكمل لي ذلك برفض أهل البدع.

  قوله عليه السلام: ـ (ومستعملي الرأي المخترع) عطفٌ على أهل البدَع، أي واكمل لي ذلك برفض مستعملي الرأي المخترع.

ومستعملي الرأي المخترع هم الذين اخترعوا رأياً من عند أنفسهم، وبناقص عقولهم، ثمّ عملوا به وأفتوا على طبقه، كاختراع القياس في الدِّين.

والرأي المخترع قسمٌ من البدعة، لأنّه إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين، خصّص بالذمّ، وأكّد بالردع.

ومذموميّة البدعة واختراع الرأي ممّا تظافرت به الأدلّة المعتبرة، والأحاديث الشريفة.

فتكون صفةً مذمومة منافية للتقوى والصلاح، فيلزم تركها، والابتعاد عنها في سبيل تحصيل التقوى، وتزيين الصالحين.

وممّا ورد في ذمّ البدعة والرأي المخترّع: ـ

1 / حديث الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام قالا: ـ

(كلّ بدعة ضلال، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار) (1).

2 / حديث الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

(لا تصحبوا أهل البدع، ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المرء على دين خليله) (2) .

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 1 / ص 45.

(2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 278.

٢٣٩

3 / حديث أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: ـ

(من مشى إلى صاحب بدعةٍ فوقّره، فقد مشى في هدم الإسلام) (1) .

4 / حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: ـ

(من أحدث في الإسلام، أو آوى مُحدِثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) (2) .

5 / حديث الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

(إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس، فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلّا بُعداً، وإنّ دين الله لا يُصاب بالعقول) (3) .

وعليه فالبدعة وإحداث الرأي المخترَع من الضلال والباطل، وقد ارتكب أشنعه أهل الخلاف كما ذكر شيٌ منها في الفصل الثالث من كتابنا: شيعة أهل البيت عليهم السلام.

فقد حكى الزمخشري عن يوسف بن أسباط أنّه قال: ردّ أبو حنيفة على النبيّ أربعمائة حديث...

قيل: مثل ماذا؟

قال: مثل هذا: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «للفرس سهمان».

وقال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن (4) .

وأشعر رسول الله صلى الله عليه وآله البُدن.

__________________

(1) عقاب الأعمال / ص 307.

(2) مستدرك الوسائل / ج 12 / ص 322.

(3) اُصول الكافي / ج 1 / ص 56 / ح 7. وفي الحديث 20 (أوّل من قاس إبليس).

(4) يردّه أنّ سهمي الفرس من غنائم الحرب يكون لنفس الفارس، لعنائه، وتكلّفه مؤونة فرسه، ومأكله واصطبله، لا لنفس الفرس حتّى يكون سهماً للبهيمة كما توهّم.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534