الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب10%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91262 / تحميل: 7645
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

مصنف هذا الكتاب له كتاب « الجمعة وما ورد فيه من الاعمال » ، وكتاب « الكوفة وما فيها من الاثار والفضائل » ، وكتاب « أنساب بني نصر بن قعين وأيامهم وأشعارهم » ، وكتاب « مختصر الانوار » و « مواضع النجوم التي سمتها العرب »(1) .

وقد ذكر في ديباجة الكتاب الحوافز التي دعته الى تأليف فهرسه وقال : « فأني وقفت على ما ذكره السيد الشريف ـ أطال الله بقاه وأدام توفيقه ـ من تعيير قوم من مخالفينا أنه لا سلف لكم ولا مصنف ، وهذا قول من لا علم له بالناس. ولا وقف على أخبارهم ، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم ، ولا لقي أحداً فيعرف منه ولا حجة علينا لمن لا يعلم ولا عرف ، وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته ، لعدم أكثر الكتب وانما ذكرت ذلك عذراً الى من وقع اليه كتاب لم أذكره الى أن قال : على أن لاصحابنارحمهم‌الله في بعض هذا الفن كتباً ليست مستغرقة لجميع ما رسم ، وأرجو أن يأتي في ذلك على ما رسم وحُدَّ ان شاء الله ، وذكرت لكل رجل طريقاً واحداً حتى لا يكثر الطرق فيخرج عن الغرض(2) .

اقول : الرجل نقاد هذا الفن ومن أجلائه وأعيانه ، وحاز قصب السبق في ميدانه ، قال العلاّمة في الخلاصة : « ثقة معتمد عليه ، له كتاب الرجال نقلنا منه في كتابنا هذا وغيره أشياء كثيرة ، وتوفي بمطير آباد في جمادي الاولى سنة خمسين واربعمائة وكان مولده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة(3) .

وقد اعتمد عليه المحقق في كتاب المعتبر. فقد قال في غسالة ماء الحمام : « وابن جمهور ضعيف جداً ذلك النجاشي في كتاب الرجال »(4) .

__________________

1 ـ رجال النجاسي : الرقم 253.

2 ـ رجال النجاشي : 3.

3 ـ رجال العلامة : 20 ـ 21 ، طبعة النجف.

4 ـ المعتبر : 1 / 92.

٦١

وأطراه كل من تعرض له ، فهو أبو عذر هذا الامر وسابق حلبته كما لا يخفى ، ولكتابه هذا امتيازات نشير اليها :

الاول : اختصاصه برجال الشيعة كما ذكر في مقدمته ، ولا يذكر من غير الشيعي إلا إذا كان عامياً روى عنا ، أو صنف لنا فيذكره مع التنبيه عليه ، كالمدائني والطبري وكذا في شيعي غير امامي فيصرح كثيراً وقد يسكت.

الثاني : تعرضه لجرح الرواة وتعديلهم غالباً استقلالاً أو استطراداً ، ورب رجل وثقه في ضمن ترجمة الغير ، وربما أعرض عن التعرض بشيء من الوثاقة والضعف في حق بعض من ترجمهم.

نعم ، ربما يقال : كل من أهمل فيه القول فذلك آية ان الرجل عنده سالم عن كل مغمز ومطعن ، ولكنه غير ثابت ، حيث ان كتابه ليس الا مجرد فهرس لمن صنف من الشيعة أو صنف لهم دون الممدوحين والمذمومين ، وليس يجب على مؤلف حول الرجال ، أن يتعرض للمدح والذم ، فسكوته ليس دليلاً على المدح ولا على كونه شيعياً امامياً ، وان كان الكتاب موضوعاً لبيان الشيعة أو من صنف لهم ، لكن الاخير ( عدم دلالته على كونه شيعياً امامياً ) موضع تأمل ، لتصريحه بأن الكتاب لبيان تآليف الاصحاب ومصنفاتهم ، فما دام لم يصرح بالخلاف يكون الاصل كونه امامياً.

الثالث : تثّبته في مقالاته وتأمله في افاداته ، والمعروف أنه أثبت علماء الرجال وأضبطهم واضبط من الشيخ والعلاّمة ، لان البناء على كثرة التأليف يقتضي قلة التأمل. وهذا الكلام وان كان غير خال عن التأمل لكنه جار على الغالب.

الرابع : سعة معرفته بهذا الفن ، وكثرة اطلاعه بالاشخاص ، وما يتعلق بهم من الاوصاف والانساب وما يجري مجراهما ، ومن تتبع كلامه عند ذكر الاشخاص يقف على نهاية معرفته بأحوال الرجال وشدة احاطته بما يتعلق بهذا

٦٢

المجال من جهة معاصرته ومعاشرته لغير واحد منهم ، كما يشهد استطراقه ذكر امور لا يطلع عليها الا المصاحب ولا يعرفها غير المراقب الواجد(1) .

وقد حصل له هذا الاطلاع الواسع بصحبته كثيراً من العارفين بالرجال كالشيخ أحمد بن الحسين الغضائري ، والشيخ أحمد بن علي بن عباس بن نوح السيرافي(2) ، وأحمد بن محمد « ابن الجندي »(3) ، وابي الفرج محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن ابي قرة الكاتب(4) ، وغيره من نقاد هذا الفن وأجلائه(5) .

الخامس : أنه ألف فهرسه بعد فهرس الشيخ الطوسي بشهادة أنه ترجمه وذكر فيه فهرس الشيخ(6) والسابر في فهرس النجاشي يقف على أنه كان ناظراً لفهرس معاصره ولعل بعض ما جاء فيه ـ مخالفاً لما في فهرس الشيخ ـ كان لغاية التصحيح ، وكان المحقق البروجرديقدس‌سره يعتقد بأن فهرس النجاشي كالذيل لفهرس الشيخ.

وأخيراً نقول : إن المعروف في وفاته هو أنه توفّي عام 450 هـ ، ونص عليه العلاّمة في خلاصته ، لكن القارئ يجد في طيّات الكتاب أنه أرخ فيه وفاة محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري عام 463 هـ(7) . ولازم ذلك أن يكون حيّاً الى هذه السنة ، ومن المحتمل أن تكون الزيادة من النسّاخ أو القرّاء ، وكانت

__________________

1 ـ لاحظ ترجمة سليمان بن خالد ، الرقم 484 ، وترجمة سلامة بن محمد ، الرقم 514 ، في نفس الكتاب تجد مدى اطلاعه على أحوال الرجال.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 109.

3 ـ قال في رجاله بالرقم 206 : أحمد بن محمد بن عمران بن موسى ، ابو الحسن المعروف بـ « ابن الجندي » استاذنارحمه‌الله الحقنا بالشيوخ في زمانه.

4 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1066

5 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 59 ـ 66.

6 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1068.

7 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1070.

٦٣

الزيادة في الحاشية ، ثمَّ أدخلها المتأخرون من النساخ في المتن زاعمين أنه منه كما اتفق ذلك في غير مورد.

ثم إن الشيخ النجاشي قد ترجم عدَّة من الرواة ووثقهم في غير تراجمهم ، كما أنه لم يترجم عدَّة من الرواة مستقلا ، ولكن وثقهم في تراجم غيرهم ، ولاجل اكمال البحث عقدنا العنوانين التاليين لئلاً يفوت القارئ فهرس الموثوقين في تراجم غيرهم :

الأول : من لهم تراجم ولكن وثّقوا في تراجم غيرهم.

1 ـ أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك ( الرقم 313 ).

2 ـ سلمة بن محمد بن عبدالله الخزاعي ، وثَّقه في ترجمة أخيه منصور بن محمد ( الرقم 1099 ).

3 ـ شهاب بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم 50 ).

4 ـ صالح بن خالد المحاملي الكناسي ، وثَّقه في باب الكُنى في ترجمة ابي شعيب المحاملي ( الرقم 1240 ).

5 ـ عمرو بن منهال بن مقلاص القيسي ، وثَّقه في ترجمة ابنه حسن بن عمرو بن منهال ( الرقم 133 ).

6 ـ محمد بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن بن عطية الحناط ( الرقم 93 ).

7 ـ محمد بن همام بن سهيل الاسكافي ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ( الرقم 313 ).

الثاني : من ليس لهم ترجمة ولكن وثَّقوا في تراجم الغير :

٦٤

1 ـ أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابنه الحسن ( الرقم 151 ).

2 ـ اسد بن اعفر المصري ، وثقه في ترجمة ابنه داود ( الرقم 414 ).

3 ـ اسماعيل بن أبي السمال الاسدي ، وثقه في ترجمة أخيه إبراهيم ( الرقم 30 ).

4 ـ اسماعيل بن الفضل بن يعقوب النوفلي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمد بن الفضل ( الرقم 131 ).

5 ـ جعفر بن إبراهيم الطالبي الجعفري ، وثقه في ترجمة ابنه سليمان ( الرقم 483 ).

6 ـ حسن بن ابي سارة الرواسي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم 883 ).

7 ـ حسن بن شجرة بن ميمون الكندي ، وثقه في ترجمة اخيه علي ( الرقم 720 ).

8 ـ حسن بن علوان الكلبي ، وثقه في ترجمة اخيه الحسين ( الرقم 116 ).

9 ـ حسن بن محمد بن خالد الطيالسي ، وثقه في ترجمة اخيه عبد الله ( الرقم 572 ).

10 ـ حفص بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة اخيه بسطام ( الرقم 280 ).

11 ـ حفص بن سالم ، وثقه في ترجمة أخيه عمر ( الرقم 758 ).

12 ـ حيّان بن علي العنزي ، وثقه في ترجمة أخيه مندل ( الرقم 1131 ).

٦٥

13 ـ زكريا بن سابور الزيات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم 280 ).

14 ـ زياد بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم 280 ).

15 ـ زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه رافع ابن سلمة ( الرقم 447 ).

16 ـ زياد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم 348 ).

17 ـ سلمة بن زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابنه رافع ( الرقم 447 ).

18 ـ شجرة بن ميمون بن ابي أراكة الكندي ، وثقه في ترجمة ابنه علي ( الرقم 720 ).

19 ـ صباح بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمار ( الرقم 779 ).

20 ـ عبد الاعلى بن علي أبي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم 245 ) وأخويه عبيدالله ( الرقم 612 ) ومحمد ( الرقم 885 ).

21 ـ عبد الخالق بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 50 ).

22 ـ عبد الرحمن بن أبي عبدالله البصري ، وثقه في ترجمة ابن ابنه اسماعيل بن همام ( الرقم 62 ).

23 ـ عبد الرحيم بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم 50 ).

24 ـ عبدالله بن رباط البجلي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم 955 ).

٦٦

25 ـ عبدالله بن عثمان بن عمرو الفزاري ، وثقه في ترجمة أخيه حمّاد ( الرقم 371 ).

26 ـ عبد الملك بن سعيد الكناني ، وثقه في ترجمة أخيه عبدالله ( الرقم 565 ).

27 ـ عبد الملك بن عتبة النخعي ، وثقه في ترجمة عبد الملك بن عتبة الهاشمي ( الرقم 635 ).

28 ـ علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابنه عبيدالله ( الرقم 612 ).

29 ـ علي بن بشير ، وثقه في ترجمة أخيه محمد ( الرقم 927 ).

30 ـ علي بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن ( الرقم 93 ).

31 ـ عمران بن علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم 245 ) وأخويه عبيد الله ( الرقم 612 ) ومحمد ( الرقم 885 ).

32 ـ عمر بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه عبيدالله بن علي ( الرقم 612 ).

33 ـ عمرو بن مروان اليشكري ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم 780 ).

34 ـ قيس بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم 779 ).

35 ـ أبو خالد ، محمد بن مهاجر بن عبيد الأزدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 46 ).

٦٧

36 ـ محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه الحسن بن أحمد ( الرقم 151 ).

37 ـ محمد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم 348 ).

38 ـ معاذ بن مسلم بن أبي سارة ، وثقه في ترجمة ابن عمّه محمد بن الحسن ( الرقم 883 ).

39 ـ همّام بن عبد الرحمن بن ميمون البصري ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 62 ).

40 ـ يعقوب بن إلياس بن عمرو البجلي ، وثقه في ترجمة اخيه عمرو ( الرقم 772 ).

41 ـ ابو الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن حفيده رافع بن سلمة بن زياد ( الرقم 447 ).

42 ـ ابو شعبة الحلبي ، وثَّقه في ترجمة ابن ابنه عبيدالله بن علي ( الرقم 612 ).

43 ـ ابو عامر بن جناح الأزدي ، وثقه في ترجمة اخيه سعيد ( الرقم 512 ).

3 ـ رجال الشيخ

تأليف الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ( المولود عام 385 هـ ، والمتوفّى عام 460 هـ ) فقد جمع في كتابه « أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام » حسب ترتيب عصورهم.

يقول المحقّق التستري ـ دام ظله ـ : « إن مسلك الشيخ في رجاله يغاير

٦٨

مسلكه في الفهرس ومسلك النجاشي في فهرسه ، حيث إنه أراد في رجاله استقصاء اصحابهم ومن روى عنهم مؤمناً كان او منافقاً ، إمامياً كان او عامياً ، فعدَّ الخلفاء ومعاوية وعمرو بن العاص ونظراءهم من اصحاب النبي ، وعدَّ زياد بن ابيه وابنه عبيدالله بن زياد من اصحاب أمير المؤمنين ، وعدَّ منصوراً الدوانيقي من اصحاب الصادقعليه‌السلام بدون ذكر شيء فيهم ، فالاستناد اليه ما لم يحرز إمامية رجل غير جائز حتى في اصحاب غير النبي وأمير المؤمنين ، فكيف في أصحابهما؟! »(1) .

ومع ذلك فلم يأت بكل الصحابة ، ولا بكل أصحاب الائمة ، ويمكن أن يقال : ان الكتاب حسب ما جاء في مقدمته أُلف لبيان الرواة عن الائمة ، فالظاهر كون الراوي إمامياً ما لم يصرح بالخلاف أو لا أقل شيعياً فتدبر.

وكان سيدنا المحقق البروجردي يقول : « ان كتاب الرجال للشيخ كانت مذكرات له ولم يتوفق لاكماله ، ولاجل ذلك نرى انه يذكر عدة أسماء ولا يذكر في حقهم شيئاً من الوثاقة والضعف ولا الكتاب والرواية ، بل يعدهم من أصحاب الرسول والائمة فقط ».

4 ـ فهرس الشيخ

وهو لهقدس‌سره فقد أتى بأسماء الذين لهم أصل أو تصنيف(2) .

ان الشيخ الطوسي مؤلف الرجال والفهرس أظهر من أن يعرّف ، اذ هو الحبر الذي تقتطف منه أزهار العلوم ، ويقتبس منه أنواع الفضل ، فهو رئيس المذهب والملة ، وشيخ المشايخ الاجلة ، فقد أطراه كل من ذكره ، ووصفه بشيخ الطائفة على الاطلاق ، ورئيسها الذي تلوي اليه الاعناق. صنَّف في

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 19.

2 ـ سيوافيك الفرق بين الاصل والتصنيف في الابحاث الاتية.

٦٩

جميع علوم الاسلام ، فهو مضافاً الى اختيار الكشي ، صنف الفهرس والرجال.

أما الفهرس فهو موضوع لذكر الاصول والمصنفات ، وذكر الطرق اليها غالباً وهو يفيد من جهتين :

الاولى : في بيان الطرق الى نفس هذه الاصول والمصنفات.

الثانية : ان الشيخ نقل في التهذيب روايات من هذه الاصول والمصنفات ، ولم يذكر طريقه إلى تلك الأُصول والمصنفات ، لا في نفس الكتاب ولا في خاتمة الكتاب ، ولكن ذكر طريقه إليها في الفهرس ، بل ربما يكون مفيداً من وجه ثالث وهو أنه ربما يكون طريق الشيخ الى هذه الاصول والمصنفات ضعيفاً في التهذيب ، ولكنه صحيح في الفهرس ، فيصح توصيف الخبر بالصحة لاجل الطريق الموجود في الفهرس ، لكن بشرط أن يعلم أن الحديث مأخوذ من نفس الكتاب. وعلى كل تقدير فالفهرس موضوع لبيان مؤلفي الشيعة على الاطلاق سواء كان امامياً أو غيره.

قال في مقدمته : « فاذا ذكرت كل واحد من المصنفين واصحاب الاصول فلا بد أن اشير الى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعوّل على روايته أو لا؟ وابين اعتقاده وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له؟ لان كثيراً من مصنفي أصحابنا وأصحاب الاصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وان كانت كتبهم معتمدة ، فأذا سهل الله اتمام هذا الكتاب فأنّه يطلع على اكثر ما عمل من التصانيف والاصول ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم »(1) .

ولكنهقدس‌سره لم يف بوعده في كثير من ذوي المذاهب الفاسدة فلم يقل في إبراهيم بن أبي بكير بن أبي السمال شيئاً مع أنه كان واقفياً كما

__________________

1 ـ الفهرس : « الطبعة الاولى » الصفحة 2 و : « الطبعة الثانية » الصفحة 24 ـ 25.

٧٠

صرح به الكشي والنجاشي ، ولم يذكر شيئاً في كثير من الضعفاء حتّى في مثل الحسن بن علي السجاد الذي كان يفضّل أبا الخطّاب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنجاشي مع أنه لم يعد ذلك في أول كتابه ، أكثر ذكراً منه بفساد مذهب الفاسدين وضعف الضعفاء(1) .

5 ـ رجال البرقي

كتاب الرجال للبرقي كرجال الشيخ ، ذكر فيه أسماء أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة الى الحجة صاحب الزمانعليهم‌السلام ولا يوجد فيه أي تعديل وتجريح ، وذكر النجاشي في عداد مصنفات البرقي كتاب الطبقات ، ثم ذكر ثلاثة كتب اخر ثم قال : « كتاب الرجال » ( الرقم 182 ).

والموجود هو الطبقات المعروف برجال البرقي ، المطبوع مع رجال أبي داود في طهران ، واختلفت كلماتهم في أن رجال البرقي هل هو تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن ( المتوفّى عام 274 هـ أو عام 280 هـ ) أو تأليف أبيه ، والقرائن تشهد على خلاف كلتا النظريتين واليك بيانها :

1 ـ انه كثيراً ما يستند في رجاله الى كتاب سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري القمي ( المتوفّى 301 هـ أو 299 هـ ) وسعد بن عبدالله ممن يروي عن أحمد بن محمد بن خالد فهو شيخه ، ولا معنى لاستناد البرقي الى كتاب تلميذه(2) .

2 ـ وقد عنون فيه عبدالله بن جعفر الحميري وصرح بسماعه وهو مؤلف قرب الاسناد وشيخ القميين ، وهو يروي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، فيكون البرقي شيخه ، فكيف يصرح بسماعه منه؟(3) .

__________________

1 ـ لاحظ قاموس الرجال : 1 / 18.

2 ـ رجال البرقي : 23 ، 32 ، 34 ، 35 ، 46 ، 53.

3 ـ رجال البرقي : 60 ، 61.

٧١

3 ـ وقد عنون فيه أحمد بن أبي عبدالله ، وهو نفس أحمد بن محمد بن خالد البرقي المعروف ، ولم يذكر أنه مصنف الكتاب كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه ، كما فعل الشيخ والنجاشي في فهرسيهما والعلاّمة وابن داود في كتابيهما(1) .

4 ـ وقد عنون محمد بن خالد ولم يشر الى أنه أبوه(2) .

وهذه القرائن تشهد أنه ليس تأليف البرقي ولا والده ، وهو إمّا من تأليف ابنه أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الذي يروي عنه الكليني ، أو تأليف نجله ـ أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الّذي يروي عنه الصدوق ، والثاني أقرب لعنوانه سعداً والحميري اللذين يعدان معاصرين للابن وفي طبقة المشيخة للنَّجل(3) .

6 ـ رسالة أبي غالب الزراري

وهي رسالة للشيخ أبي غالب ، أحمد بن محمد الذي ينتهي نسبه الى بكير بن أعين. وهذه الرسالة في نسب آل أعين ، وتراجم المحدثين منهم ، كتبها أبو غالب الى ابن ابنه « محمد بن عبدالله بن أبي غالب » وهي اجازة منه سنة 356 هـ ، ثمَّ جدَّدها في سنة 367هـ ، وتوفي بعد ذلك بسنة ( اي سنة 368هـ ) وكانت ولادته سنة 285 هـ ، ذكر في تلك الرسالة بضعة وعشرين من مشايخه ، منهم : جدّه أبو طاهر الذي مات سنة 300 هـ(4) ، ومنهم : عبدالله بن جعفر الحميري الذي ورد الكوفة سنة 297 هـ(5) .

__________________

1 ـ رجال البرقي : 57 ـ 59.

2 ـ رجال البرقي : 50 ، 54 ، 55.

3 ـ لاحظ قاموس الرجال : 1 / 31.

4 ـ رسالة في آل أعين : 38 ، من النسخة المطبوعة مع شرح العلاّمة الابطحي.

5 ـ رسالة في آل أعين : 38.

٧٢

وفي أواخر الرسالة ذكر فهرس الكتب الموجودة عنده ، التي يرويها هو عن مؤلفيها ، وتبلغ مائة واثنين وعشرين كتابا وجزءاً ، واجاز لابن ابنه المذكور روايتها عنه وقال : « ثبت الكتب التي أجزت لك روايتها على الحال التي قدَّمت ذكرها »(1) .

قال العلاّمة الطهراني : « وفي هذا الكتاب تراجم كثيرة من آل أعين الذين كان منهم في عصر واحد اربعون محدثاً. قال فيه : ولم يبق في وقتي من آل أعين أحدٌ يروي الحديث ، ولا يطلب العلم ، وشححت على أهل هذا البيت الذي لم يخل من محدث أن يضمحل ذكرهم ، ويدرس رسمهم ، ويبطل حديثهم من أولادهم »(2) .

وبالجملة ، هذه الرسالة مع صغر حجمها تعدّ من الاصول الرجالية وهي بعينها مندرجة في « كشكول » المحدث البحراني.

وطبعت أخيراً مع شرح العلاّمة الحجة السيد محمد علي الابطحي ـ شكر الله مساعيه ـ وفيه فوائد مهمة.

7 ـ مشيخة الصدوق

وهي تأليف الشيخ الصَّدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المولود بدعاء الحجة صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ عام 306 هـ ، والمتوفّى عام 381 هـ ، وهو أوسط المحمدين الثلاثة المصنفين للكتب الاربعة ، وهو قد سلك في كتابه هذا مسلكاً غير ما سلكه الشيخ الكليني ، فإن ثقة الاسلام يذكر جميع السند غالباً إلا قليلاً ، اعتماداً على ما ذكره في الاخبار السابقة ، واما الشيخ الصدوق في كتاب « من لا يحضره

__________________

1 ـ رسالة في آل عين : 45.

2 ـ رسالة في آل أعين : 42.

٧٣

الفقيه » فهو بنى من أول الامر على اختصار الاسانيد ، وحذف اوائل الاسناد ، ثم وضع في آخره مشيخة يعرف بها طريقه إلى من روى عنه ، فهي المرجع في اتصال سنده في أخبار هذا الكتاب ، وهذه المشيخة احدى الرسائل الرجالية التي لا تخلو من فوائد ، وقد أدرجها الصدوقرحمه‌الله في آخر كتابه « من لا يحضره الفقيه ».

8 ـ مشيخة الشيخ الطوسي في كتابي : التهذيب والاستبصار

وهي كمشيخة الصدوق ، فقد صدر الشيخ أحاديث الكتابين بأسماء اصحاب الاصول والمصنفات ، وذكر سنده اليهم في مشيخة الكتابين التي جعلها في آخر كل من الكتابين. وسيوافيك البحث حول المشيختين.

توالي التأليف في علم الرجال

وقد توالى التأليف في علم الرجال بعد هذه الاصول الثمانية ، ولكن لا يقاس في الوزن والقيمة بها ، ولاجل ذلك يجب الوقوف عليها واستخراج ما فيها من النصوص في حق الرواة ، وسيوافيك وجه الفرق بين هذه الكتب وما ألف بعدها وقيمة توثيق المتأخرين.

الفرق بين الرجال والفهرس

قد أومأنا إلى ان الصحيح هو تسمية كتاب النجاشي بالفهرس لا بالرجال ، ولإكمال البحث نقول :

الفرق بين كتاب الرجال وفهرس الاصول والمصنفات ، أن الرجال ما كان مبنياً على بيان طبقات اصحابهمعليهم‌السلام (1) كما عليه رجال الشيخ ،

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 33 ، واضاف : ان اصل رجال الكشي كان على الطبقات والظاهر انه يكفي في هذا النوع من التأليف ذكر الاشخاص على ترتيب الطبقات وان لم يكن على طبقات اصحابهمعليهم‌السلام ، والموجود من الكشي هو النمط الاول.

٧٤

حيث شرع بتدوين أسماء اصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم الامام عليعليه‌السلام وهكذا.

وأما الفهارس ; فيكتفي فيها بمجرد ذكر الاصول والمصنفات ومؤلفيها وذكر الطرق اليها ، ولاجل ذلك ترى النجاشي يقول في حق بعضهم ، « ذكره اصحاب الفهرس » ، وفي بعضهم : « ذكره اصحاب الرجال » ، ويؤيد ذلك ما ذكره نفس النجاشي وفي مقدمة الجزء الاول من الكتاب(1) وفي اول الجزء الثاني منه حيث يصفه بقوله : « الجزء الثاني من كتاب فهرس اسماء مصنفي الشيعة وذكر طرف من كناهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم وما قيل في كل رجل منهم من مدح أو ذمّ »(2) .

قال المحقّق التستري : « إن كتب فن الرجال العامّ على انحاء : منها بعنوان الرجال المجرد ومنها بعنوان معرفة الرجال ، ومنها بعنوان تاريخ الرجال ، ومنها بعنوان الفهرس ، ومنها بعنوان الممدوحين والمذمومين ، ومنها بعنوان المشيخة ، ولكل واحد موضوع خاص »(3) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : 3.

2 ـ رجال النجاشي : 211.

3 ـ قاموس الرجال : 1 / 18.

٧٥
٧٦

2 ـ رجال ابن الغضائري

* ترجمة الغضائري.

* ترجمة ابن الغضائري.

* كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء.

* هل الكتاب للغضائري او لابنه؟

* الضعفاء رابع كتبه.

* قيمته عند العلماء.

٧٧
٧٨

من الكتب الرجالية المؤلفة في العصور المتقدمة التي تعد عند البعض من أمهات الكتب الرجالية ، الكتاب الموسوم بـ « رجال الغضائري » تارة و « رجال ابن الغضائري » اخرى ، وليس هو إلا كتابُ « الضعفاء » الذي أدرجه العلاّمة في خلاصته ، والقهبائي في مجمعه. ولرفع السّتر عن وجه الحقيقة يجب الوقوف على امور.

واليك البحث عنها واحداً بعد الاخر :

أ ـ ترجمة الغضائري

الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري من رجال الشيعة وهو معني في كتب الرجال بإكبار.

قال النجاشي : « شيخنارحمه‌الله له كتب » ثم ذكر أسماء تآليفه البالغة الى أربعة عشر كتاباً ولم يسمّ أي كتاب في الرجال ، ثم قال : « اجازنا جميعها وجميع رواياته عن شيوخه وماترحمه‌الله في منتصف شهر صفر سنة احدى عشر وأربعمائة »(1) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 166.

٧٩

وقال الشيخ في رجاله : « الحسين بن عبيدالله الغضائري يكنى أبا عبد الله كثير السماع ، عارف بالرجال وله تصانيف ذكرناها في الفهرس ، سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته. مات سنة احدى عشرة وأربعمائة »(1) . ولكن النسخ الموجودة من الفهرس خالية من ترجمته ولعل ذلك صدر منهرحمه‌الله سهواً ، أو سقط من النسخ المطبوعة ، ولا يخفى أن هذه التعابير دالة على وثاقة الرجل. بل يكفي كونه من مشايخ النجاشي والشيخ ، وقد ثبت في محله ـ وسيوافيك ـ أن مشايخ النجاشي كلهم ثقات.

ب ـ ترجمة ابن الغضائري

هو أحمد بن الحسين بن عبيدالله ذكره الشيخ في مقدمة الفهرس وقال : « اني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب اصحابنا وما صنفوه من التصانيف ورووه من الاصول ، ولم أجد أحداً استوفى ذلك الا ما قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيداللهرحمه‌الله فانه عمل كتابين ، أحدهما ذكر فيه المصنفات والاخر ذكر فيه الاصول ، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو وعمد بعض ورثته الى اهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(2) .

وهذه العبارة تفيد أنه قد تلف الكتابان قبل استنساخهما ، غير أن النجاشي كما سيوافيك ينقل عنه بكثرة والمنقول عنه غير هذين الكتابين كما سيوافيك بيانه.

ويظهر من النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين الصيقل أنه اشترك مع ابن الغضائري في الاخذ عن والده وغيره حيث قال : « له كتب لا يعرف منها الا

__________________

1 ـ رجال الشيخ : 470 ، الرقم 52.

2 ـ ديباجة فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 1 ـ 2 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 23 ـ 24.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أقول: إذا فقوله إنّ النّبيّ غلب عليه الوجع حقّ لا شكّ فيه، وساعتها يغدو قوله تعالى( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى‏ * إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحَى ) عرضة لطعن أعداء الإسلام في القرآن الكريم، لأنّ الذي يهجر ينطق عن الهوى، وأيّ هوى!

وأمّا زعمهم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لعمر: ما لقيك الشّيطان سالكا فجّا إلاّ سلك فجّا غير فجّك فيردّه ما وقع يوم خيبر ويوم أحد ويوم حنين ويوم الأحزاب.

( وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَغَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِي‏ءٌ مِنكُمْ إِنّي أَرَى‏ مَالاَتَرَوْنَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ )(١) . وكذلك فعل عمر بن الخطاب كما شهد به على نفسه، ونكص على عقبيه، ولابد والحال هذه أن يكونا في فجّ واحد.

قالوا: ومناقبه كثيرة، وأوصى إليه أبوبكر بالخلافة فأقام فيها عشر سنين ونصفا واستشهد يوم الأربعاء لأربع أو ثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وهو ابن ثلاث وستّين سنة على الصحيح الذي جزم ابن إسحاق والجمهور، وصحّ ذلك عن معاوية وأنس. وقيل خمس وستّون، وقيل ستّ وستّون، وقيل واحد وستّون، وقيل ستّون وقيل تسع وخمسون، وقيل سبع وخمسون، وقيل ستّ وخمسون، وقيل خمس وخمسون. والذي طعنه أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة فاستجاب الله دعاءه لأنّه كان يدعو (اللهم ارزقني شهادة في سبيلك وموتا في بلد نبيّك) كما رواه البخاريّ في صحيحه.

أقول:

بغضّ النظر عن اختلافهم في سنّه يوم وفاته، فقد عرض الله عليه الشّهادة في مواطنها في بدر وأحد وحنين وخيبر ففضّل الفرار بجلده! ولو كان صادقا في طلبها لفعل فعل حمزة وجعفر! وقد كان بينه وبين أبي بكر كلام فقال له أبوبكر بالحرف الواحد:

____________________

(١) الأنفال: ٤٨.

١٢١

أجبّار في الجاهليّة خوّار في الإسلام).

وعن أبي إسحاق قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول كان ابن عمر في زمانه أفضل من عمر في زمانه(١) .

وعن هشام عن محمّد قال: كان الرّجل يقول للرّجل غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة عزله عن البصرة واستعمله على الكوفة(٢) !

أقول:

هكذا كان يتفكّه النّاس بسيرة عمر مع المغيرة بن شعبة.

عمر في عالم الرؤيا

أخرج ابن عساكر عن ابن عباس أنّ العبّاس قال: سألت الله حولا بعد ما مات عمر أن يرينيه في المنام، فرأيته بعد حول وهو يسلت العرق عن جبينه، فقلت: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ما شأنك؟ فقال: هذا أوان فرغت وإن كاد عرش عمر ليهدّ لو لا أنّي لقيت رؤوفا رحيما(٣) .

أقول:

من يعرف طبيعة العلاقة بين العباس بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب لا تخفى عليه معالم الوضع في هذا الخبر.

وقال عمرو بن العاص لمعاوية: رأيت في منامي أبابكر حزينا فسألته عن شأنه فقال: وكلّ بي هذان لمحاسبتي، وإذا صحف يسيرة. ورأيت عمر كذلك وإذا صحف مثل الحزورة(٤) . ورأيت عثمان كذلك وإذا صحف مثل الخندمة، ورأيتك يا معاوية وصحفك مثل أحد وثبير. فقال له معاوية: أرأيت ثمّ دنانير مصر؟(٥) .

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين، ج ٣ ص ٦٤٤.

(٢) تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج ٦٠ ص ٤١.

(٣) تاريخ الخلفاء، السيوطي، ج ١ ص ١٤٦.

(٤) الحزورة والخندمة وثبير مواضع بمكة المكرمة، كما في تاج العروس.

(٥) معجم ما استعجم، ج ١ ص ٤٤٥.

١٢٢

قال السّيوطي: وأخرج (ابن عساكر) أيضا عن زيد بن أسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رأى عمر في المنام فقال كيف صنعت؟ قال: متى فارقتكم؟ قال: منذ اثنتي عشرة سنة. قال: إنّما أنفلت الآن من الحساب(١) .

وعن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنّه قال: (ما كان شيء أحبّ إليّ أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصرا فقلت لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطّاب، فخرج من القصر عليه ملحفة كأنّه قد اغتسل فقلت كيف صنعت؟ قال: خيرا؛ كاد عرشي يهوي بي لو لا أنّي لقيت ربّا غفورا! فقال: منذ كم فارقتكم؟ فقلت: منذ اثنتي عشرة سنة، فقال: إنّما انفلت الآن من الحساب.

أقول:

مرّ بك هذا الكلام رواية عن العباس، وهو ههنا عن ابن عمر، بلا زيادة ولا نقص، والمقصود به الشّهادة لعمر بن الخطّاب بالنّجاة؛ وقد كان عمر بن الخطّاب نفسه يقول أنّه لا يشهد لأحد بالنّجاة باستثناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر! ثمّ ما هو هذا الحساب الذي يتحدّث عنه؟ هل هو حساب يعفيه من خصومة فاطمة وعليّ عليه السلام؟ وهل يعفيه من خصومة صبيغ بن عسل ونصر بن حجاج وغيرهما؟ ولا أدري ما الذي أقوله بخصوص بارة (فخرج من القصر عليه ملحفة كأنّه قد اغتسل..)!

إنّه لمن السّهل توزيع القصور والجنان في عالم المنامات، لكنّ الواقع لا يخضع لذلك، ولا يقبل به، وإنما يخضع لقوانين وسنن حدّدها القرآن الكريم لئلاّ يكون للنّاس على الله حجّة بعد الرسل( لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (٢) ، والذي يغفل عنه كثير من المدافعين عن جيل الصّحابة هو أنّ الصّحابة لن يكونوا يوم القيامة صحابة ولا خلفاء، وإنّما يكونون ناسا كبقية النّاس تجري عليهم أحكام الإسلام

____________________

(١) تاريخ الخلفاء ج ١ ص ١٤٦.

(٢) إبراهيم: ٥١.

١٢٣

بتفاصيلها؛ وقد مرّ بك الحديث الذي يقول: (لا أراه ينجو منهم إلا مثل همل النّعم)، فما هو هذا العمل الذي يقلّل نسبة النّاجين منهم إلى ذاك المستوى؟

١٢٤

الفصل الثالث

إسلام عمر بن الخطّاب

١٢٥

١٢٦

إسلام عمر

هذه قصّة جديرة بالتأمّل تتعلّق بعمر بن الخطاب قبل الإسلام. قال الماوردي الشافعي: ومن بشائر هتوفهم: ما رواه إبراهيم [..] عن ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطّاب حدّث يوما في مجلس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: خرجنا قبل مظهر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهرين إلى الأبطح بمكة معنا عجل نريد ذبحه ونحن نفر، فلمّا ذبحناه وتصابّ دمه ومات، إذ صاح من جوفه صائح يا زريح، صائح يصيح، بصوت فصيح، نبيّ يظهر الحقّ يفيح، يقول لا إله إلا الله؛ فصاح كذلك ثلاث مرّات ثمّ هدأ صوته وتفرّقنا ورعبنا منه فلم يلبث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ظهر(١) .

أقول:

هذه القصّة تفيد أنّ عمر بن الخطّاب كان يعلم ببعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يبعث، فكان المفروض أن يكون من المنتظرين لبعثته والمسارعين إليها حين تحقّقها. لكن التّاريخ يحدّثنا بعكس ذلك، فقد تأخّر إسلام عمر وأسلم قبله ابنه(٢) وأخته وختنه وناس كثير، فما الذي أبطأ به؟!

وقال ابن عاشور في تفسيره: كان الوليد بن المغيرة وعمر بن الخطّاب كافرين، وكان كلاهما يدفع النّاس من اتّباع الإسلام، ولكنّ الوليد كان يختلق المعاذير والمطاعن في القرآن، وذلك من الكيد؛ وعمر كان يصرف النّاس بالغلظة علنا دون اختلاق(٣) .

أقول: وهذا صريح في أنّه كان يصرف النّاس عن الإسلام بالغلظة وهو يعلم ببعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما سبق بيانه. وفرق كبير بين من يعلم ومن لا يعلم. فكيف يصبح أفضل من الذين لم يصدوا عن سبيل الله لحظة واحدة لمجرّد أنه أسلم. فإنّ الإسلام الذي

____________________

(١) أعلام النبوة، الماوردي الشافعي، ج ١ ص ١٨٦.

(٢) مستدرك، الحاكم، ج ٣ ص ٦٤٧ رقم ٦٣٧٧: وعند عبد الجبّار بن عمر عن ابن شهاب قال: أسلم عبد الله بن عمر قبل أبيه.

(٣) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج ١ ص ٢٤٠٠.

١٢٧

يجبّ ما قبله لا يبخس الناس أشياءهم. فيكون عمر ساوى من عذّبهم في الإسلام لكنهم فضلوه بأنهم لم يتلبسوا بفعل المضلين عن سبيل الله الذين يفتنون الناس في دينهم.

وقال أيضا: كان المشركون يحاولون ارتداد بعض قرابتهم أو من لهم به صلة، كما ورد في خبر سعيد بن زيد وما لقي من عمر بن الخطّاب(١) .

قال محمد بن سعد في خبر إسلام عمر:... قال [عمر] فلعلّكما قد صبوتما؟ قال: فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحقّ في غير دينك؟ قال: فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة فدمي وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر! إن كان الحقّ في غير دينك؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله! فلمّا يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه. قال: وكان عمر يقرأ الكتب! فقالت أخته إنّك رجس ولا يمسّه إلا المطهّرون فقم فاغتسل(٢) .

أقول:

إن صحّ قولهم كان عمر يقرأ الكتب فهذه حجّة أخرى في ذمّته، لأنّه ليس من علم كمن لم يعلم، فإن يكن قد قرأ بعض الكتب فقد قرأ في ما قرأ أخبارا وإخبارا بخصوص بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فهو يختلف عن غيره من المشركين الذين لم يكن لديهم خبر عن ذلك.

قال البغوي: قوله تعالى( يَا أَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) قال سعيد بن جبير: أسلم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وستّ نسوة، ثمّ أسلم عمر بن الخطّاب فتمّ به الأربعون فنزلت هذه الآية(٣) .

قال ابن عاشور: وهذه الجملة تفيد بيان مزيّة المؤمنين الذين تحمّلوا الأذى من

____________________

(١) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج ١ ص ١٣٢٧.

(٢) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج ٣ ص ٢٦٨.

(٣) تفسير البغوي، ج ١، ص ٣٧٤.

١٢٨

المشركين وصبروا عليه ولم يؤاخذوا به من آمن ممّن آذوهم مثل أخت عمر بن الخطّاب قبل إسلامه، ومثل صهره سعيد بن زيد، فقد قال (لقد رايتني وإنّ عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر) فكان في صبر سعيد خير دخل به عمر في الإسلام(١) .

أقول:

فأين الأذى الذي تحمّله عمر في سبيل الإسلام؟ وهل كان من الممتحنين في شعب أبي طالب؟!

قال [ابن عاشور]: والمؤمنات المفتونات منهنّ: حمامة أمّ بلال أمة أميّة بن خلف، وزنيرة، وأمّ عنيس كانت أمة للأسود بن عبد يغوث، والنّهديّة وابنتها كانتا للوليد بن المغيرة، ولطيفة , ولبينة بنت فهيرة كانت لعمر بن الخطّاب قبل أن يسلم، كان عمر يضربها، وسميّة أمّ عمار بن ياسر كانت لعمّ أبي جهل(٢) .

أقول:

ومع ذلك تقضي ثقافة الكرسيّ أن يكون من عذّب المسلمين لأجل الإسلام أفضل عند الله من المسلمين الذين تعذبوا على يديه! بأيّ دليل؟ وبأيّ معيار؟ بدليل واحد هو أنّه تربّع على كرسي الحكم ولم يتربّعوا!

قال ابن الأثير: ومنهم: لبينة جارية بني مؤمل بن حبيب بن عدي بن كعب أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطّاب، وكان عمر يعذّبها حتى تفتن ثمّ يدعها ويقول: إني لم أدعك إلا سآمة! فتقول: كذلك يفعل الله بك إن لم تسلم؛ فاشتراها أبوبكر فأعتقها. ومنهم: زنيرة وكانت لبني عديّ، وكان عمر يعذّبها؛ وقيل كانت لبني مخزوم وكان أبو جهل يعذّبها حتى عميت فقال لها: إنّ اللات والعزّى فعلا بك، فقالت: وما يدري اللاّت والعزّى من يعبدهما، ولكن هذا أمر من السّماء وربّي قادر على ردّ بصري، فأصبحت من الغد وقد ردّ الله بصرها فقالت قريش: هذا من سحر محمّد! فاشتراها أبو

____________________

(١) التحرير والتنوير، ج ١ ص ٣٨٨٣.

(٢) التحرير والتنوير، ج ١ ص ٤٧٨٤.

١٢٩

بكر فأعتقها(١) .

وفي لباب النّقول عن الضّحّاك عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية( أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ) حيث قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهمّ أعزّ دينك بعمر بن الخطّاب أو بأبي جهل بن هشام، فهدى الله عمر وأضلّ أبا جهل ففيهما أنزلت(٢) .

أقول:

أما أبو جهل فقد كانوا يقولون عنه: (مصفّر استه)(٣) ، ولا يمكن أن يكون مثل هذا مصدرا للعزّ، وعلى وجه الخصوص عزّ الإسلام! وأما عمر بن الخطّاب فيبقى الحكم للقارئ بعد إنهاء قراءة هذا الكتاب.

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمّه أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: والله إنّا لنرحل إلى أرض الحبشة فقد ذهب عامر في بعض حاجتنا إذ أقبل عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه حتّى وقف عليّ وهو على شركه، وكنّا نلقى منه البلاء والشّدّة علينا (!) فقال: إنّه الانطلاق يا أمّ عبد الله؟ فقلت: نعم والله، لخرجنّ في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا حتّى يجعل الله لنا مخرجا. فقال: صحبكم الله؛ ورأيت له رقّة لم أكن أراها، ثمّ انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا، قالت: فجاء عامر بن ربيعة من حاجته تلك فقلت: يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر آنفا ورقّته وحزنه علينا! قال: فتطمعين في إسلامه؟ قلت: نعم. قال: لا يسلم الذي رأيت حتّى يسلم جمل الخطّاب! قال يائسا منه، ممّا كان يرى من غلظته وقسوته على الإسلام(٤) .

وعن حصين عن هلال بن يساف قال: أسلم عمر بن الخطّاب بعد أربعين رجلا

____________________

(١) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج ٢ ص ٦٩.

(٢) لباب النقول، السيوطي، ج ١ ص ١٨١.

(٣) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج ٨ ص ٤٤، ومجمع الزوائد، ج ٦ ص ٧١ ومجمع الزوائد، ج ٦ ص ٧، وتفسير الصنعاني، ج ٢ ص ٢٥٣، ومصنف عبد الرزاق، ج ٥ ص ٣٥١ ومسند البزار ج ٢ ص ٢٧٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٨ ص ٢٤١ ج ٣٨ ص ٢٤٩ وج ٣٨ ص ٢٥٤.

(٤) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج ٤ ص ٥٨ و ٥٩.

١٣٠

وإحدى عشرة امرأة(١) .

وقالوا في ترجمة زيد بن الخطّاب: أخو عمر، كان قديم الإسلام، وشهد بدرا، واستشهد باليمامة سنة اثنتي عشرة(٢) .

أقول:

وهذا يعني أنّ زيدا أسلم قبل أخيه عمر. وبناء على ما سبق من كون أخته وابنه أسلما قبله يكون عمر بن الخطّاب هو آخر آل الخطّاب إسلاما! وشهد زيد بن الخطّاب بدرا في قلب الهجوم وشهدها عمر على كرسيّ الاحتياط.

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمّه ليلى قالت: كان عمر بن الخطّاب من أشدّ النّاس علينا في إسلامنا(٣) .

وعن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول قد أسكنهم الغرف قبل أن يطيعوه وأدخلهم النّار قبل أن يعصوه، وقد كان عمر بن الخطّاب يحمل الطّعام إلى الأصنام والله تعالى يحبّه [!] ما ضرّه ذلك عند الله طرفة عين(٤) .

أقول:

( وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ ) ، انظر إلى أي مستوى بلغ بهم سوء الأدب مع الله تعالى، وإلاّ فكيف يقبل عاقل موحّد أن يكون الله تعالى محبّا للمشرك حال شركه؟! أوليس هو الذي قال في الكتاب الكريم( إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ؟! فكيف يصف الله تعالى المشرك أنّه (نجس) ويحبّه حال شركه؟ وهل هناك عاقل يحبّ النّجس؟ وعلى كل حال لم يدّع عمر بن الخطّاب يوما أنّ الل تعالى يحبّه. وقد رووا عن علي عليه السلام أنّ رسول الله قال: (يا فاطمة، إنّ الله عز وجلّ يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) أخرجه أبو سعد في (شرف النّبوة) والإمام عليّ بن موسى الرضا في مسنده وابن المثنّى

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٧ ص ١٢ تحت رقم ٣٣٨٦٦ وتهذيب التهذيب، ج ٧ ص ٣٨٦.

(٢) تقريب التهذيب ج ١: ص ٢٢٣ تحت رقم ٢١٣٤.

(٣) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج ٦ ص ٢٣ والمعجم الكبير، الطبراني، ج ٢٥ ص ٢٩.

(٤) حلية الأولياء، ج ٩ ص ٢٥٧.

١٣١

في معجمه(١) . وعليه تغدو محبّة الله تعالى لعمر حال شركه أو إسلامه صعبة الإثبات، لأنّ فاطمة عليها السلام خرجت من الدّنيا غاضبة عليه. وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا: (من أغضبها فقد أغضبني)(٢) . وقد أغضبها عمر بن الخطاب فتحقّق منه الأذى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالوا: استدلّ به السّهيلى على أنّ من سبّها(٣) كفر وأنّها أفضل من الشّيخين. قال ابن حجر فيه نظر(٤) .

أقول:

كلّ ما من شأنه أن يشكّك في منزلة الشّيخين ففيه نظر عند ابن حجر وأتباع مدرسته، حتّى لو كان قرآنا فإنّه يجب تأويله بما ينسجم مع نظريّة أفضليّة الأربعة على التّرتيب والعشرة المبشّرين بالجنّة. وإلاّ فلماذا لم يخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشّيخين إلى المباهلة يوم وفد نجران؟!

سوء الأدب بمحضر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

لعلّ بعض القرّاء يصدمون إذا اكتشفوا أنّ بعض الصّحابة كانوا يقولون الكلام الفاحش البذيء أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يعتذرون من ذلك إلاّ إذا رأوا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعراضا يخشون أن يسقطهم نهائيّا من أعين النّاس.

قال ابن إسحاق: حتى إذا كان [رسول الله] بعرق الظبية - قال ابن هشام الظبية عن غير ابن إسحاق - لقوا رجلا من الأعراب، فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا، فقال له النّاس سلّم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أوفيكم رسول الله؟ قالوا: نعم. فسلّم عليه ثم قال:

____________________

(١) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، ج ١ ص ٣٩.

(٢) صحيح البخاري ج ٣ ص ١٣٦١ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٣٧٤ والجمع بين الصحيحين ج ٣ ص ٣٧٢ وسنن النسائي الكبرى ج ٥ ص ٩٧ وسنن النسائي الكبرى ج ٥ ص ١٤٨ ومصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٣٨٨ والآحاد والمثاني ج ٥ ص ٣٦١ والمعجم الكبير ج ٢٢ ص ٤٠٤ وخصائص علي ج ١ ص ١٤٧ وفضائل الصحابة للنسائي ج ١ ص ٧٨ وفيض القدير ج ٤ ص ٤٢١.

(٣) أي فاطمة عليها السلام.

(٤) فيض القدير ج ٤ ص ٤٢١.

١٣٢

إن كنت رسول الله فأخبرني عمّا في بطن ناقتي هذه، فقال له سلمة بن سلامة بن وقش: لا تسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقبل عليّ فأنا أجيبك عن ذلك، نزوت عيها ففي بطنها منك سخلة! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مه، أفحشت على الرّجل، ثمّ أعرض عن سلمة(١) ..

أقول: وقد تصرّفوا في نقل القصّة وفق ما تقتضيه عدالة جميع الصّحابة، فحذف كلّ ناقل ما استبشعه، لكن لم يمكنهم حذف الكلام البذيء الذي تفوّه به سلامة بن وقش، لاستلزامه حذف كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعلّ ذلك مما دعاهم إلى عدّ سلمة بن سلامة بن وقش ضمن المنافقين في ما بعد(٢) .

وروى البخاري وغيره (بخصوص صلح الحديبية) قال: قال عروة عند ذلك: (أي محمّد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإنّي والله لا أرى وجوها، وإنّي لأرى أشوابا من النّاس خليقا أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكررضي‌الله‌عنه : امصص ببظر اللاّت أنحن نفرّ عنه وندعه؟! فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لو لا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك)(٣) .

أقول:

وإن تعجب فعجب قول الشّوكاني (وفيه جواز النّطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحقّ به ذلك)! لكنّ ابن الجوزي استبشع العبارة فأبهم ولم يصرّح بأبي بكر بل قال: قال رجل من الصّحابة لبعض الكفّار (امصص ببظر اللاّت)، والبظر ما

____________________

(١) السيرة النبوية، ابن هشام، ج ٣ ص ١٦٠.

(٢) وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٥٣١ - ٥٣٢: (وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن أعرابيا وقف على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر على ناقة له عشراء فقال يا محمد ما في بطن ناقتي هذه؟ فقال له رجل من الأنصار: دع عنك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهلم إليّ حتى أخبرك وقعت أنت عليها وفي بطنها ولد منك فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال إن الله يحب كل حي كريم متكرم ويبغض كل لئيم متفحّش). والقصة أيضا في المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ٤٧٢ ودلائل النبوة ج ٣ ص ١٠٦ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٨٥ وسمط النجوم العوالي ج ٢ ص ٤٧ و تاريخ الإسلام ج ٢ ص ١٠٦.

(٣) صحيح البخاري، ج ٣ ص ٩٧٥، وصحيح ابن حبان، ج ١١ ص ٢٢٠ والنهاية في غريب الأثر ج ١ ص ١٣٨، ونيل الأوطار، ج ٨ ص ١٩٧.

١٣٣

عند القطع(١) . وفي النّهاية في حديث الحديبية (امصص ببظر اللاّت البظر بفتح الباء الهنة التي تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان)(٢) .

فهل يستطيع عاقل تفسير هذه العبارة لأحد أولاده أو أقاربه؟ وهل يستطيع شرح ذلك للتّلاميذ إن كان مدرّسا؟!

لا شكّ بعد هذا أنّ المعاصرين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكونوا يعرفون له حرمته؛ والكلام السّابق ومحلّ التّلفّظ به - بحضرة النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - خير دليل على ذلك.فمن زعم أنّ الأمر كان على خلاف ذلك فليبيّن!

في تفسير البغوي: عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عبّاس عن عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه أنّه قال: لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصلّي عليه فلما قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثبت إليه فقلت: يا رسول الله أتصلّي على ابن أبيّ بن سلول وقد قال يوم كذا وكذا وكذا؟ أعدّد عليه قوله فتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: أخّر عنّي يا عمر؛ فلمّا أكثرت عليه قال: إنّي خيّرت فاخترت، لو أعلم أنّي إن زدت على السّبعين يغفر له لزددت عليها. قال: فصلّى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ انصرف فلم يمكث إلاّ يسيرا حتّى نزلت الآيتان من براءة:( وَلاَ تُصَلّ عَلَى‏ أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَداً وَلاَتَقُمْ عَلَى‏ قَبْرِهِ ) إلى قوله:( وَهُمْ فَاسِقُونَ ) قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ والله ورسوله أعلم(٣) .

أقول:

الحديث وارد في صحيح البخاريّ(٤) ومضمونه أنّه لما أراد النّبيّ الصّلاة على جنازة عبد الله بن أبيّ قال له عمر: أتصلّي عليه وقد قال كذا وكذا؟ أليس قد نهاك الله أن تصلّي على المنافقين؟ ويدلّ مضمون الحديث على أنّ النّهي عن الصّلاة على

____________________

(١) غريب الحديث لابن الجوزي ج ١ ص ٧٧. وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٢٢٠.

(٢) النهاية في غريب الأثر ج ١ ص ١٣٨.

(٣) تفسير البغوي، ج ١ ص ٨١.

(٤) صحيح البخاريّ، ج ٧ ص ٣٦، دار الفكر بيروت ١٤٠١ هـ.

١٣٤

المنافقين الذي ورد في( وَلاَ تُصَلّ عَلَى‏ أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ ) نزل بعد هذه القصّة التي دارت بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين عمر. وقد أثبتوا - من باب الموافقات - في الحديث أنّ الآية( وَلاَ تُصَلّ عَلَى‏ أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَداً ) نزلت بعد هذه الواقعة... فإذا كان ذلك كذلك، فمن أين اطّلع عمر على النهي قبل أن يطّلع عليه من يتنزّل عليه الوحي؟ كيف علم عمر أنّ الله تعالى نهى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية المشتملة على النّهي لم تكن قد نزلت بعد؟! ومن أين أتى عمر بهذا النّهي؟ ومثل هذا النّهي حكم شرعيّ وإنّما تتنزّل الأحكام على صاحب الشّريعة؛ والذين ذهبوا إلى الاستدلال بقوله تعالى( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ... ) (١) يعلمون أنّه لا يليق بمن هو رحمة للعالمين إلاّ أن يكون بالمستوى اللاّئق لذلك، وهو إنّما يتألّف الآخرين بسلوكه تلك الطّريقة مع عبد الله بن أبيّ بن السّلول، عسى أن تلين قلوبهم لما يرون من رحمة من خلال تلك الصّلاة.

وعن أبي عطيّة أنّ رجلا توفّي على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال بعضهم يا رسول الله لا تصلّ عليه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل منكم من أحد رآه على شيء من أعمال الخير؟ فقال رجل: حرس معنا يا رسول الله ليلة كذا وكذا. فصلّى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشى إلى قبره فجعل يحثو عليه التّراب ويقول: إنّ أصحابك يظنّون أنّك من أهل النّار، وأنا أشهد أنّك من أهل الجنّة ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعمررضي‌الله‌عنه : إنّك لا تسأل عن أعمال النّاس، وإنما تسأل عن الغيبة(٢) .

أقول:

هذه واقعة ينبغي التوقف عندها والتّأمل بعين البصيرة واستحضار عظمة الله تعالى حين الحكم، فإنّ من أبغض الأمور إلى الله تعالى الحكم بالهوى، وهو الأمر الذي جلب لبني إسرائيل اللعن على لسان داوود وعيسى بن مريم. لدينا في هذه القصة شهادة

____________________

(١) التوبة: ٨٠.

(٢) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج ٤ ص ١٧١٦.

١٣٥

من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للصّحابي المتوفّى يشهد له فيها بالجنة والنّجاة، ولدينا في نفس الواقعة شهادة عمر عليه بخلاف ذلك؛ وشهادة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستندة إلى ما يريه الله تعالى وإلى ارتباطه الدائم بعالم الغيب. فإلام تستند شهادة عمر؟ وقد أمر النّاس في الإسلام بحسن الظّن، كما أمروا أن يذكروا موتاهم بخير. والاختلاف بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين عمر بن الخطاب في هذه القضية واضح لا يحتاج إلى بيان، ولا يمكن بحال من الأحوال الجمع بين السلوكين، فمن شاء فليقتد برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن شاء فليقتد بعمر؛ وأقول مرة أخرى: الجمع بينهما لا يستقيم في العقول. ثمّ ما أعظمها وأنفعها كلمة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ يقول لعمر: (إنّك لا تسأل عن أعمال النّاس). وانظر إلى ابن عبد البرّ يقول: (فقال بعضهم يا رسول الله لا تصلّ عليه) ثمّ يقولفي ذيل الحديث: (ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمررضي‌الله‌عنه : إنّك لا تسأل عن أعمال النّاس)، ومن حقّ العاقل أن يتساءل لماذا يوجّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامه إلى عمر ويترك (بعضهم) القائل؟! اللّهمّ إلاّ أن يكون (بعضهم) القائل هو عمر نفسه وذلك به أشبه، لأنّ له مثل هذا السّلوك يوم وفاة عبد الله بن أبيّ بن السّلول؛ لكنّه يعزّ على ابن عبد البرّ أن يقرّ بذلك ويعترف بالحقيقة خشية أن يتزعزع في الرّاشدين والعشرة المبشرين، وتتسرب تلك الزعزعة إلى تلامذته وأتباعه.

قال الزّهري في حديثه عن عروة عن (مروان) والمسور، ورواه أبو وائل عن سهل بن حنيف قال عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه : فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: ألست نبيّ الله حقّا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟ قال: بلى؛ قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذن؟ قال: إنّي رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت: أوليس كنت تحدّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنّا نأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر ن أليس هذا نبيّ الله حقّا؟ قال: بلى؛ قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى؛ قلت: أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟ قال: بلى. قلت:

١٣٦

فلم نعطي الدنيّة في ديننا إذا؟ قال: أيّها الرّجل! إنّه رسول الله ليس يعصي ربّه ن وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فو الله إنّه على الحقّ. قلت: أليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قلت لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. قال الزّهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا(١) .

يخيّل للسّامع أنّ الكلام في محلّه، والحال أنه خلاف الواقع. وفي المغرب العربي مثل يقول: يمدد المرء رجليه على قدر فراشه. نعم، إنّما يدّعي الإباء الأبيّ فعلا، أمّا من لا يتحلّى بذلك ثمّ يدّعيه فإنّه كلابس ثوبي زور. كيف سمح عمر بن الخطّاب لنفسه بترديد تلك العبارة أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكأنّه لم يعط الدّنيّة في دينه؟! أوليس هو الذي فرّ مرّة بعد مرّة تاركا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين يدي الأعداء عرضة للقتل؟ أليس هذا من الدّنيّة؟ وهل هناك دنيّة على المسلم أعظم من فراره من المشرك؟ ألم يشهد على نفسه بالفرار يوم أحد؟ ألم يشبه نفسه بالأروى في قوله: (أنزو كأنني أروى)؟ فكيف صار لا يعطي الدنية في دينه؟ إنّ الذي لا يعطي الدّنيّة في دينه لا يسلم نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقتل، ولا يفكّر في نجاة نفسه قبل نجاة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أولى به من نفسه! وما أقبح بالمسلم أن يفرّ من المشرك بعد أن وعده الله تعالى إحدى الحسنين. وما أقبح به ذلك بعد أن عاهد الله تعالى ألا يفرّ من الزّحف( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْؤُولاً ) (٢) .

ورووا أنّ رسول الله (لما كان دوين بدر(٣) أتاه الخبر بمسير قريش فأخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمسيرهم واستشار الناس، فقام أبوبكر فقال فأحسن! ثمّ قام عمر فقال فاحسن ثمّ قال: يا رسول الله، إنّها قريش وعزّها! والله ما ذلّت منذ عزّت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزّها أبدا، ولتقاتلنّك، فاتّهب لذلك أهبته وأعد عدته)(٤) ..

____________________

(١) تفسير البغوي، ج ١ ص ٣١٣.

(٢) الأحزاب: ١٥.

(٣) أي دون بدر بقليل.

(٤) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج ١٤ ص ١١٢.

١٣٧

أقول:

ما هو القول الحسن الذي قاله أبوبكر ولم يحفظه الرّواة؟ وما هو القول الحسن الذي قاله عمر قبل أن يبدأ بتخويف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتثبيط العزائم وتعظيم شأن قريش؟! حقيقة ذلك نجدها في صحيح مسلم ومسند أحمد بن حنبل: عن ثابت عن أنس أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث بلغه إقبال أبي سفيان قال فتكلّم أبوبكر فأعرض عنه! ثم تكلّم عمر فأعرض عنه! فقام سعد بن عبادة فقال: إيّانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحار لأخضناها)(١) . وليس في الرواية (فقام أبوبكر فقال فأحسن! ثمّ قام عمر فقال فأحسن)، وإنّما فيها أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرض عنهما جميعا، عن أبي بكر أوّلا ثم عن عمر بعد ذلك. وانطلاقا من هذه الرواية أقول:

إذا كان كلام أبي بكر حسنا فلماذا أعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! ومتى أعرض بسطاء المتخلّقين عن الحديث الحسن فضلا عن صاحب الخلق العظيم؟! وقد نقلوا كلام عمر لكون الكلمات النّابية كثيرة في حديثه، لكنهم حذفوا كلام أبي بكر خشية أن يختلّ الترتيب المعلوم فتسقط ورقة التّوت!

ويوم بدر كان لعمر موقف مشابه، وكان يريد قتل العبّاس بن عبد المطلب، والعباس لم يحارب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة لا بيد ولا بلسان. فقد استشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النّاس في الأسرى يوم بدر فقال: إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس. فقام عمر فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال للنّاس مثل ذلك فقام أبو بكر الصديقرضي‌الله‌عنه فقال: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء. قال:

____________________

(١) صحيح مسلم، ج ٥ ص ١٧٠، ومسند أحمد، ج ٣ ص ٢١٩ و ٢٢٠ وص ٢٤٣ و ٢٥٧ ومستدرك الحاكم، ج ٣ ص ٢٥٣ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٦٣ والدر المنثور ج ٤ ص ٢٠ ودلائل النبوة ج ٣ ص ١٠٧ وتاريخ الإسلام ج ٢ ص ١٠٦.

١٣٨

فذهب عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان فيه من الغم..(١) .

فالحديث يصرّح أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرض عنه مرّتين ويصرّح أيضا أنّ فعل عمر بن الخطاب تسبّب في ظهور الغمّ على وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا يعني أنه آذاه!

قال ابن تيمية: وكلّ من كان عالما بالصّحابة يعلم أنّ عمررضي‌الله‌عنه كان متأدّبا معظّما بقلبه لأبي بكررضي‌الله‌عنه شاهدا أنّه أعلى منه إيمانا ويقينا، فكيف يكون حال عمر وغيره مع النبيّرضي‌الله‌عنه ، وإذا كان هذا حال أفضل المحدّثين المخاطبين فكيف حال سائرهم(٢) .

أقول:

لابن تيمية الحقّ في أن يقول ما شاء، لكن ليس ل الحقّ أن يفرض على النّاس ما لا دليل على صحّته، ويكفي لبيان سوء أدب من ذكرهم بحضرة الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما جرى يوم الحديبية بين أبي بكر وعروة بن مسعود الثّقفي، وتلك الكلمة القبيحة المستهجنة التي قالها أبوبكر بمحضر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرع له حرمته، إضافة إلى كلمة سلمة بن وقش قبله يوم بدر.

قال ابن القيّم: وذكر ابن الهادي عن محمّد بن إبراهيم التّيمي قال: قال عمر بن الخطّاب: (إياكم والرّأي فإنّ أصحاب الرّأي أعداء السّنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلّتت منهم أن يحفظوها فقالوا في الدّين برأيهم). وقال الشّعبي عن عمرو بن حريث قال: قال عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه : (إيّاكم وأصحاب الرّأي فإنّهم أعداء السّنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرّأي، فضلّوا وأضلّوا)(٣) . وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصّحّة. وروى محمّد بن عبد السّلام الخشني عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: (أيّها النّاس اتّهموا الرّأي في الدّين فلقد

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٢٤٣ ومجمع الزوائد الهيثمي ج ٦ ص ٨٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٤٤٨ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٩٦ وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٢٦. وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٢٦ وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٢٦.

(٢) العقيدة الاصفهانية، ابن تيمية، ج ١ ص ١٥٧.

(٣) سنن الدارقطني ج ٤ ص ١٤٦، وفتح الباري ج ١٣ ص ٢٨٩، وجامع بيان العلم وفضله ج ٢ ص ١٣٥ والاحكام لابن حزم ج ٦ ص ٢١٣ والمدخل إلى السنن الكبرى ج ١ ص ١٩٠.

١٣٩

رأيتني وإنّي لأردّ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برأيي فأجتهد ولا آلو وذلك يوم أبي جندل والكتاب يكتب وقال: أكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا: يكتب باسمك اللهمّ فرضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيت فقال: يا عمر تراني قد رضيت وتأبى(١) ..؟!

يقول عمر بن الخطّاب رضي رسول اللهرضي‌الله‌عنه وأبيت، وكأنّه شريك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رسالته! ويقول القرآن الكريم.( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) . فكأنّ عمر بن الخطاب لا يعلم أنّ من يخالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ضلال مبين. وانظر إلى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تراني رضيت وتأبى وتدبّر!! فإن يكن هذا وقع بعد نزول سورة الحجرات فهو تمرّد من جهة عمر، لقوله تعالى( لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ ) (٣) وإلاّ فهو سوء أدب.. ولا يفوت المتتبع أنّ عمر أوّل من فتح باب الرّأي بشهادة الصحابة. روى البخاري في صحيحه.

عن عمران رضي الله عنه قال تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء(٤) . والحديث موجود أيضا في صحيح مسلم وسنن النسائي وغيرهما.

وعن عبد الله بن سلام قال: لما أراد الله تعالى هدي زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة: ما من علامات النبوة شيء إلاّ وقد عرفتها في وجه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدّة الجهل عليه إلاّ حلما؛ فكنت ألطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه من جهله. قال زيد بن سعنة: فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما من الحجرات ومعه علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه عنه فأتاه رجل على راحلته

____________________

(١) إعلام الموقعين، ابن القيم، ج ١ ص ٥٥.

(٢) الأحزاب: ٣٦.

(٣) الحجرات: ١.

(٤) صحيح البخاري، ج ٢ ص ٥٦٩ رقم ١٤٩٦. وصحيح البخاري ج ٤ ص ١٦٤٢ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٩٠٠ وسنن النسائي الكبرى ج ٦ ص ٣٠٠ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٥٥ ومسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٤٢٩ والمعجم الكبير ج ١٨ ص ١٢٣ وتهذيب الكمال ج ٢٦ ص ٥٨١.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564