الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب3%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91323 / تحميل: 7656
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

يوم عيد فسأل أبا واقد الليثي بأي شيء كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في الصلاة يوم العيد؟ فقال: بقاف واقتربت.

أقول: هذا مع أنّ عمر بن الخطاب صلى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة العيد عشر سنين!!

وعن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه حضر عمر بن الخطّاب يوم الجمعة قرأ على المنبر سورة النّحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد النّاس معه حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السجدة قال يا أيّها النّاس إنّما نمرّ بالسّجدة فمن سجد فقد أصاب وأحسن ومن لم يسجد فلا إثم عليه. قال: ولم يسجد عمر. قال بن جريج: وزادني نافع عن ابن عمر إنه قال لم يفرض السجود علينا إلا أن نشاء(١) .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عاصم بن كليب عن أبيه قال كان عمر يعجبه أن يقرأ سورة آل عمران في الجمعة إذا خطب(٢) .

أقول:

سواء كانت القراءة على المنبر أم في الصلاة فإن سورة آل عمران تستغرق وقتا ليس بالقصير، وهو ما يشقّ على المصلّين، وعمر نفسه هو القائل لا تبغضوا الله إلى عباده..!

قال أبو رافع كان عمر كثيرا ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح فكان إذا بلغ يا نساء النبي رفع بها صوته فقيل له فقال أذكرهن العهد(٣) .

قال ابن عبد البر: وبقول عائشة قال ابن عمر وغيره وهو مذهب زيد بن خالد الجهني أيضا لأنه رآه عمر بن الخطّاب يركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه وضربه بالدرة فقال له زيد يا أمير المؤمنين اضرب فو الله لا أدعها بعد أن رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) مصنف عبد الرزاق، ج ٣ ص ٣٤١ رقم ٥٨٨٩.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ج ١ ص ٤٥٠.

(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٤ ص ٣٨١.

٢٤١

يصليهما فقال له عمر يا زيد لو لا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصّلاة حتى الليل لم أضرب في هما(١) .

أقول:

ولم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضرب أحدا لا في مثل هذه الأمور ولا في غيرها، لعلمه بحرمة المسلم، وقصة كشفه بطنه للصّحابي في الحرب معلومة، وكذلك قصّة الأعرابي الذي بال في المسجد؛ ولو أنّ ذلك الأعرابي بال في المسجد على عهد عمر لنكّل به!

قال ابن حجر العسقلاني: قوله وقرأ عمر الخ وصله بن أبي شيبة من طريق أبي رافع قال: كان عمر يقرأ في الصّبح بمائة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني. والمثاني قيل ما لم يبلغ مائة آية أو بلغها(٢) .

قال ابن تيمية:

وكان عمر بن الخطاب يقرأ في الفجر بسورة يونس ويوسف والنحل فمر بهذه الآية في قراءته فبكى حتى سمع نشيجه من آخر الصفوف(٣) .

وقد ذكروا أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام كان أشبه الناس صلاة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يكن يطول في الصلاة لا أصبح ولا غيرها؛ روى ابن أبي شيبة عن أبي إدريس قال صليت خلف على الصبح فقرأ بـ سبح اسم ربك الأعلى(٤) .

وقال ابن حجر: كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه(٥) .

وقال ابن تيمية: ويروى أنّ عمر بن الخطّاب لم يكن يصلّي على أحد حتى يصلي عليه حذيفة لئلا يكون من المنافقين الذين نهي عن الصّلاة عليهم(٦) .

____________________

(١) الإجابة لما استدركت عائشة، ج ١ ص ٨٤.

(٢) فتح الباري ج ٢ ص ٢٥٦.

(٣) مجموع الفتاوى ج ١٠، ص ١٨٤.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة، ج ١ ص ٣١١ رقم ٣٥٥٨.

(٥) فتح الباري ج ٨ ص ٣٣٨.

(٦) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج ٧، ص ٤٧٠.

٢٤٢

الفصل الرابع

علم عمر بن الخطّاب

٢٤٣

٢٤٤

علم عمر

يفترض في عمر بن الخطاب أن يكون من أشدّ الناس اهتماما بالعلم، لأنه هو نفسه يروي في فضله ما يروي. فعنه أنه قال: إنّ الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبل تهامة فإذا سمع العلم وخاف واسترجع على ذنوبه انصرف إلى منزله وليس عليه ذنب، فلا تفارقوا مجالس العلماء فإنّ الله لم يخلق تربة على وجه الأرض أكرم من مجالس العلماء)(١) . لكنه اعترف هو نفسه أنّه شغله عن العلم الصفق بالأسواق! ومع ذلك فقد قالوا عن عمر بن الخطّاب عبقريّ، وقالوا أعلم الأمّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر، مع أنه هو نفسه يخالفهم في ما يذهبون إليه ويصرّح أنّ كلّ النّاس أفقه منه. قال السّيوطي: وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى بسند جيد عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطّاب المنبر ثمّ قال: أيّها النّاس، ما إكثار كم في صداق النّساء وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وإنّما الصّدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم؛ ثمّ نزل فاعترضه امرأة من قريش فقالت له: يا أمير المؤمنين نهيت النّاس أن يزيدوا النّساء في صدقاتهنّ على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعت ما أنزل الله يقول( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً ) ؟ فقال: اللّهمّ غفرانك(٢) . ويذكر الغرناطي في التّسهيل تتمّة الكلام فيقول: وقد استدلّت به المرأة على جواز المغالاة في المهور حين نهى عمر بن الخطّاب عن ذلك فقال عمررضي‌الله‌عنه امرأة أصابت ورجل أخطأ، كلّ النّاس أفقه منك يا عمر(٣) .

أقول:

هذا رأي عمر في علمه وفقهه، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

____________________

(١) تفسير الرازي، ج ١ ص ٤٧٢.

(٢) الدر المنثور، السيوطي، ج ٢ ص ٤٦٦.

(٣) التسهيل لعلوم التنزيل، ج ١ ص ١٣٥.

٢٤٥

قصة الكلالة

وقد رووا أنّه لما نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسير له وإلى جنبه حذيفة بن اليمان فبلغها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذيفة وبلّغها حذيفة عمر بن الخطّاب وهو يسير خلفه، فلما استخلف عمر سأل عنها حذيفة ورجا أن يكون عنده تفسيرها، فقال له حذيفة: والله إنّك لعاجز إن ظننت أنّ إمارتك تحملني أن أحدّثك ما لم أحدّثك يومئذ فقال عمر: لم أرد هذا رحمك الله(١) . وهذا الكلام من طرف حذيفة يكشف عن تقوى وورع لا يملك عمر إلاّ أن يتراجع أمامهما، فقد قال له حذيفة بالحرف إن ظننت أنّ إمارتك تحملني أن أحدّثك. وترجمته بلغة أصرح: إنّك عندي أميرا أو مأمورا بمنزلة سواء. وأخرج ابن جرير عن عمر قال: لأن أكون أعلم الكلالة أحبّ غلي من أن يكون لي جزية قصور الشّام. وأخرج ابن جرير عن الحسن بن مسروق عن أبيه قال: سألت عمر وهو يخطب النّاس عن ذي قرابة لي ورث كلالة فقال الكلالة، الكلالة، الكلالة، وأخذ بلحيته ثمّ قال: والله لأن أعلمها أحبّ إليّ من أن يكون لي ما على الأرض من شيء، سألت عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصّيف، فأعادها ثلاث مرات(٢) .

أقول:

وهذا يعني أنّ عمر بن الخطاب من الدنيا وهو يجهل الكلالة. فعن ابن سيرين قال: كان عمر بن الخطّاب إذا قرأ( يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلّوا ) قال اللّهمّ من بيّنت له الكلالة فلم تتبين لي(٣) .

____________________

(١) تفسير الطبري ج ٦ ص ٤٢ والدر المنثور ج ٢ ص ٧٥٧.

(٢) الدر المنثور، السيوطي، ج ٢ ص ٧٥٩.

(٣) مصنف عبد الرزاق ج ١٠ ص ٣٠٥ وتفسير الطبري ج ٦ ص ٤٥ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٤ ص ١١٢٧ وفتح القدير ج ١ ص ٥٤٤ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ٢ ص ١٤٢ وكنز العمال ج ١١ ص ٣٦. وفي فتح القدير، ج ١ ص ٨٢٠. وأخرج عبد الرّزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن سيرين قال كان عمر بن الخطّاب إذا قرأ (يبين الله لكم أن تضلوا) قال: اللهم من بينت له الكلالة فلم تبين لي.

٢٤٦

أقول:

يقول الله تعالى( وَلَقَدْ يَسّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُدّكِرٍ ) ، فالقرآن بلسان عربيّ مبين، ولا بيان أوضح من بيان الله تعالى، ولهذا لم يذكروا أنّ أشخاصا آخرين عجزوا عن فهم الكلالة؛ الوحيد الذي لم يفهمها ولم تتبيّن له هو عمر بن الخطّاب، وهو القرشيّ الفصيح، فما هو السرّ في ذلك؟! هذا الرّجل الذي يستشفّ الوحي قبل نزوله وينزل القرآن موافقا له إذا به يحجب عن السّماء ويعجز عن فهم أبسط قضيّة في المواريث.

قال الشنقيطي: وعمر لم يكن عنده علم بقضاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دية الجنين حتى أخبره المذكوران قبل، ولم يكن عنده علم من أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجزية من مجوس هجر حتى أخبره عبد الرحمان بن عوف، ولا من الاستئذان ثلاثا حتى أخبره أبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري(١) .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن قبيصة بن جابر قال: حججنا زمن عمر فرأينا ظبيا فقال أحدنا لصاحبه أتراني أبلغه فرمى بحجر فما أخطأ حشاه فقتله، فأتينا عمر بن الخطّاب فسألناه عن ذلك وإذا إلى جنبه رجل يعني عبد الرحمن بن عوف فالتفت إليه فكلّمه، ثمّ أقبل على صاحبنا فقال: أعمدا قتله أم خطأ؟ قال الرجل: لقد تعمّدت رميه وما أردت قتله. قال عمر: ما أراك إلاّ قد أشركت بين العمد والخطأ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدّق بلحمها وأسق إهابها يعني ادفعه إلى مسكين يجعله سقاء؛ فقمنا من عنده فقلت لصاحبي: أيّها الرجل، أعظم شعائر الله، والله ما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتّى شاور صاحبه، اعمد إلى ناقتك فانحرها فلعلّ ذلك؛ قال قبيصة وما أذكر الآية في سورة المائدة يحكم به ذوا عدل منكم، قال فبلغ عمر مقالتي فلم يفجأنا إلاّ ومعه الدرّة فعلا صاحبي ضرباً بها وهو يقول أقتلت الصّيد في الحرم وسفّهت الفتيا؟ ثم أقبل علي يضربني فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أحلّ

____________________

(١) أضواء البيان، الشنقيطي، ج ١ ص ١٢٥.

٢٤٧

لك منّي شيئا مما حرّم الله عليك. قال: يا قبيصة إنّي أراك شابّاً حديث السنّ فصيح اللّسان فسيح الصدر، وإنه قد يكون في الرجل تسعة أخلاق صالحة وخلق سيء فيغلب خلقه السيّء أخلاقه الصّالحة فإياك وعثرات الشّباب(١) .

أقول: إن يكن عمر صادقا في قوله (يغلب خلقه السيّء أخلاقه الصّالحة) فإنّه هو أوّل الضّحايا في ذلك، وقد شهد عليه من شهد من الصّحابة بسوء الخلق والغلظة والفظاظة.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن أنّ عمر بن الخطّاب لم يكن يرى بأسا بلحم الصّيد للمحرم إذا صيد لغيره وكرهه علي بن أبي طالب(٢) .

أقول: والنّاس أحرار في اختيار أحد القولين لكن عليهم ألاّ ينسوا أن أحد الرّجلين هو باب مدينة العلم والحقّ معه يدور معه حيث دار، وأنّ الثّاني مات ولم يعرف الكلالة!).

قال السّيوطي: وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشّيخ عن أبي الصّلت الثّقفي أنّ عمر بن الخطّاب قرأ هذه الآية( وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً ) بنصب الرّاء وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله حرجا بالخفض فقال عمر: ابغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيا ولكن مدلجيا؛ فأتوه به فقال له عمر: يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال: الحرجة فينا الشّجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشيّة ولا شيء. فقال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير(٣) .

قال الشّوكانيّ: وقد اختلف أهل العلم في ذلك إذا كان معلوم القدر يمكن الوقوف على حقيقته، وكلامهم مدوّن في كتب الفروع، والظّاهر من قوله (والسنّ بالسنّ) أنّه لا

____________________

(١) عمدة القاري ج ١٠ ص ١٦٢ وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٠٠ والمحلى ج ٧ ص ٢١٤ وتفسير الطبري ج ٧ ص ٤٨ والدر المنثور، ج ٣ ص ١٩١..

(٢) الدر المنثور، ج ٣ ص ٢٠٠ وتفسير الطبري، ج ٧ ص ٧١ وكنز العمال، ج ٥ ص ١٠١.

(٣) الدرّ المنثور، السيوطي، ج ٣ ص ٣٥٦.

٢٤٨

فرق بين الثّنايا والأنياب والأضراس والرّباعيّات وأنّه يؤخذ بعضها ببعض ولا فضل لبعض على بعض وإليه ذهب أكثر أهل العلم كما قال ابن المنذر وخالف في ذلك عمر بن الخطّاب ومن تبعه(١) .

قالوا: وكتب عمر بن الخطّاب إلى أبي عبيدة: أمّا بعد فإنّه بلغني أنّ نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمّامات مع نساء أهل الشّرك، فانه من قبلك عن ذلك، فإنّه لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلاّ أهل ملّتها(٢) .

وعن ابن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه خرج إلى الشّام فلمّا جاء سرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشّام فأخبره عبد الرّحمن بن عوف أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه)، فرجع عمر من سرغ(٣) .

أقول: وهو حديث آخر من الأحاديث التي غابت عن عمر أو غاب عنها عمر.

وعن معدان بن أبي طلحة قال: خطب عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه فقال: إنّي لا أدع بعدي شيئا أهمّ عندي من الكلالة، ما راجعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي في الكلالة حتّى طعن بأصبعه في صدري وقال: (يا عمر، ألا تكفيك آية الصّيف التي في آخر سورة النساء؟) وإني إن أعش أقض فيها بقضيّة يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن(٤) !

أقول:

في قوله (إنّي لا أدع بعدي شيئا أهمّ عندي من الكلالة) ما يدعو إلى العجب، فإنّ مسألة الكلالة قضية جزئية لم يقل أحد أنّها بلغت ذلك المستوى من الأهمّيّة! ولا

____________________

(١) فتح القدير، ج ٢ ص ٦٨.

(٢) سنن البيهقي الكبرى، ج ٧ ص ٩٥ وتفسير ابن كثير، ج ٣ ص ٢٨٥ وروح المعاني، ج ١٨ ص ١٤٣ وفتح القدير، ج ٤ ص ٢٦ وكنز العمال، ج ١٦ ص ٢٥٣ وحسن الأسوة، ج ١ ص ١٥٥ والدر المنثور ج ٦ ص ١٨٣.

(٣) تفسير البغوي، ج ١ ص ٢٩٢.

(٤) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٩٦ وج ٣ ص ١٢٣٦ ومسند الطياليسي ج ١ ص ١١ ومسند أبي يعلى ج ١ ص ١٦٥ ومسند البزار ج ١ ص ٤٤٤ والطبقات الكبرى ج ٣ ص ٣٣٦ وتفسير البغوي، ج ١ ص ١٧٨ ومختصر تاريخ دمشق ج ١ ص ٢٥٥٠ والتمهيد ج ٥ ص ١٩٤.

٢٤٩

خلاف بين المسلمين أنّ مسألة الخلافة أهمّ منها ومن غيرها، وهو نفسه يعلم ذلك.

ومن الأحاديث التي غابت عن عمر حديث عن أبي مصعب عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب ذكر المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرّحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب(١) .

قال البغوي: روي أنّ عمر بن الخطّاب قال لكعب الأحبار: خوّفنا! قال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبيّا لأتت عليك ساعات وأنت لا تهمّك إلاّ نفسك، وإنّ لجهنّم زفرة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل منتخب إلاّ وقع جاثيا على ركبتيه حتّى إبراهيم خليل الرحمن يقول: يا رب لا أسألك إلاّ نفسي وإن تصديق ذلك: الذي أنزل الله عليكم( يَوْمَ تَأْتِي كُلّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نّفْسِهَا ) (٢) .

أقول:

هذا الذي تحار له العقول، رجل صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة والمدينة وسمع الوحي فورا إثر نزوله، يسأل رجلا لم ير رسول الله طرفة عين، ولا زال ينهل من توراة شهد عليها القرآن الكريم بالتّحريف! وقد كان في وسع عمر بن الخطّاب أن يقول لكعب الأحبار: فأين أنت عن قوله تعالى( إِنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنّا الْحُسْنَى‏ أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ هذَا يَوْمُكُمُ الّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ.. ) (٣) . لا يحزنهم الفزع الأكبر يا كعب، دع عنك التّوراة المحرّفة إن كنت أسلمت يا كعب.

____________________

(١) الموطأ، ج ١ ص ٢٧٨ ومسند الشافعي، ج ١ ص ٢٠٩ وتفسير البغوي ج ١ ص ٣٣ ومسند عبد الرحمن بن عوف، ج ١ ص ٨٠ ونصب الراية، ج ٣ ص ١٧٤ وإرواء الغليل، ج ٥ ص ٨٨ والتمهيد، ج ٢ ص ١١٤ والاستذكار، ج ٣ ص ٢٤١ وتنوير الحوالك، ج ١ ص ٢٠٨ ومختصر المزني، ج ١ ص ٤٤٦ والروضة الندية، ج ٢ ص ٣٤٥ وسبل السلام، ج ١ ص ٢٠٢ وأحكام أهل الذّمة، ج ١، ص ٨١.

(٢) تفسير البغوي، ج ١ ص ٤٨.

(٣) الأنبياء: ١٠١ - ١٠٢، ١٠٣.

٢٥٠

وأخرج الطّبراني وأبو نعيم في الحلية عن مغيث الأوزاعيّ أنّ عمر بن الخطّاب قال لكعب الأحبار: كيف تجد نعتي في التّوراة؟ قال: خليفة قرن من حديد أمير شديد لا يخاف في الله لومة لائم، ثمّ يكون من بعدك خليفة تقتله أمّة ظالمين له، ثمّ يقع البلاء بعده(١) .

أقول:

المقصود من هذا الحوار هو تصوير خلافة السّقيفة أنّها شرعيّة، وأنّ أبطالها مذكورون في التّوراة! وإلاّ فكيف خفي هذا عن كل اليهود الذين قرأوا التوراة واكتشفه كعب؟

وعن قتادة أن عمر بن الخطّاب قال لكعب: ألا تتحوّل إلى المدينة فيها مهاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبره فقال كعب: إنّي وجدت في كتاب الله المنزل يا أمير المؤمنين أن الشام كنز الله من أرضه وبها كنزه من عباده(٢) .

أقول:

فيه دعوة كعب إلى زيارة قبر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو قول مفحم لأتباع ابن تيمية. وانظر إلى جواب كعب الأحبار ليس فيه ذرّة احترام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إضافة إلى مخالفته للقرآن الكريم، فإنّ القرآن الكريم يقول عن الكعبة( إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ ) (٣) فمكّة قبل بيت المقدس، وليست المدينة دون مكّة فضلا وبركة، بما لها من دور في إيواء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن معه، وترسيخ الإسلام والدّفاع عنه، كما أنّه قد نزل فيها قرآن كثير. ثمّ لاحظ إصرار كعب على الاستشهاد بكتاب الله المنزل! وسائل نفسك عن أيّ كتاب يتحدّث؟ إن كان يتحدّث عن القرآن فإنّ القرآن لا يصف الشّام بمثل حديث كعب، وقد ثبت أنّ حبيب الله ورسوله سبّ وشتم ولعن

____________________

(١) الخصائص الكبرى، ج ١ ص ٥٤ وتاريخ الخلفاء، ج ١ ص ١٢١.

(٢) مصنف عبد الرزاق ج ١١ ص ٢٥١ تفسير الطبري ج ٩ ص ٤٤ وتفسير البغوي ج ١ ص ٣٥ وج ١ ص ٣٢٩ والدر المنثور ج ٣ ص ٥٢٧ وكنز العمال ج ١٤ ص ١٤٥ وتاريخ دمشق ج ١ ص ١٢١ وص ١٢٢ وص ١٢٣.

(٣) آل عمران: ٩٦.

٢٥١

على منابر الشّام ما يقرب من قرن من الزّمان. أمّا إن كان يتحدّث عن التّوراة - وهو على زعمهم قد أسلم - فإنّه ينبغي عليه نسيانها لأنّ القرآن شهد عليها بالتّحريف، ولو كان موسى بن عمران حيّا لما وسعه إلاّ أن يتّبع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

وعن أبي سعيد الخدري قال: سلّم عبد الله بن قيس(١) على عمر بن الخطّاب ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال: إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إذا سلّم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع. قال عمر: لتأتينّ على ما تقول ببيّنة وإلاّ لأفعلنّ بك كذا وكذا غير أنّه قد أوعده قال: فجاء أبو موسى الأشعري ممتقعا لونه وأنا في حلقة جالس فقلنا: ما شأنك؟ فقال: سلّمت على عمر فأخبرنا خبره فهل سمع أحد منكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا: نعم، كلّنا قد سمعه قال فأرسلوا معه رجلا منهم حتّى أتى عمر فأخبره بذلك. ورواه بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري وفيه: قال أبو موسى الأشعري: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع(٢) .

أقول:

ما هي الأمور الخطيرة التي تترتّب على هذا الحديث حتى يتصرّف عمر بذلك الشكل؟

قال ابن القيم: والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة ونيف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة عمر بن الخطّاب، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أمّ المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن عمر؛ قال أبو محمد بن حزم ويمكن ان يجمع من فتوى كلّ واحد منهم سفر ضخم. قال: وقد جمع أبوبكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتيا عبد الله بن عبّاسرضي‌الله‌عنه في عشرين كتابا، وأبوبكر محمّد

____________________

(١) عبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعري.

(٢) سنن البيهقي الكبرى، ج ٧ ص ٩٧ وتفسير البغوي، ج ١ ص ٢٩.

٢٥٢

المذكور أحد أئمّة الإسلام في العلم والحديث(١) .

أقول:

ينبغي لمن أراد أن يتصدّى للفتوى أن يعرض نفسه على قول الله عزّ وجلّ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ الْسّمْعَ وَالْبَصَرَ كُلّ أُوْلئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) . وليس عمر بن الخطّاب من أهل الفتوى لأنّه غاب عنه قرآن كثير و حديث كثير، ويكفي لتأكيد ذلك أنّه مات لا يعرف الكلالة، وكان له يرى التّيمّم لمن لم يجد الماء، وقضايا كثيرة من هذا القبيل.

وقال الشّعبي: من سرّه أن يأخذ بالوثيقة في القضاء فليأخذ بقول عمر. وقال مجاهد: إذا اختلف النّاس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به. وقال بن المسيّب: ما أعلم أحدا بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم من عمر بن الخطّاب. وقال أيضا: كان عبد الله يقول لو سلك النّاس واديا وشعبا وسلك عمر واديا وشعبا لسلكت وادي عمر وشعبه. وقال بعض التّابعين: دفعت إلى عمر فإذا الفقهاء عنده مثل الصّبيان قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه. وقال محمد بن جرير: لم يكن أحد له أصحاب معروفون حرّروا فتياه ومذاهبه في الفقه غير ابن مسعود، وكان يترك مذهبه وقوله لقول عمر. وكان لا يكاد يخالفه في شيء من مذاهبه ويرجع من قوله إلى قوله. وقال الشّعبي كان عبد الله لا يقنت. وقال: ولو قنت عمر لقنت عبد الله(٢) .

أقول:

لا داعي إلى التعليق على كلّ الأقوال السّابقة، وإنّما تعليقي على بعضها، أحدها قول عبد الله الذي لو سلك النّاس واديا وشعبا وسلك عمر واديا وشعبا لسلكت وادي عمر وشعبه، فإنّ عمر سلك يوم أحد ويوم خيبر ويوم الأحزاب ويوم حنين واديا مربعا اسمه وادي الجبناء. والثّاني كلام التّابعي المجهول، فإنّ قوله: دفعت إلى عمر فإذا

____________________

(١) إعلام الموقعين، ابن قيم الجوزية، ج ١ ص ١٢.

(٢) إعلام الموقعين، ابن القيم، ج ١ ص ٢٠.

٢٥٣

الفقهاء عنده مثل الصّبيان قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه (يكذّبه الواقع، وقد كان عمر نفسه يقول: (كلّ الناس أفقه من عمر) ولو كان التّابعي المجهول صادقا لقال: (قد استعلى عليهم بدرّته)، فإن درّة عمر نسخت وخصّصت وقيّدت إلى ما شاء الله. والثّالث قول مجاهد (إذا اختلف النّاس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به فإنّ عمر بن الخطّاب خالف رسول الله في مسائل كثيرة ولا يحلّ لمسلم أن يخالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمّدا؛ فمجاهد بقوله هذا يدعو النّاس إلى مخالفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال ابن القيم: ومن هذا لمّا كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب حكما حكم به فقال: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر، فقال: لا تقل هكذا ولكن قل: هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب(١) .

أقول:

وهذا يعني بكل وضوح أنّ عمر يشهد على نفسه أنّ حكمه ليس بإلهام من الله رغم تملّق الكاتب، وهذه القصّة كافية لنسف دعوى التّحديث والتّكليم.

وقال ابن قيّم الجوزيّة في نفس المعنى: قال ابن وهب حدّثنا يونس بن يزيد عن بن شهاب أن عمر بن الخطّاب قال وهو على المنبر: (يا أيّها النّاس إنّ الرّأي إنّما كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصيبا أنّ الله كان يريه، وإنّما هو منّا الظّنّ والتّكلّف)(٢) . فهو يشهد أنّ رأيه ليس إراءة من الله، بل يشهد أنّ رأيه ظنّ وتكلّف.

ولطالما تناقض عمر في الأحكام الشّرعيّة وغيرها؛ فعن وهب بن منبه عن الحكم بن مسعود الثّقفيّ قال: (قضى عمربن الخطّاب في امرأة توفيت وتركت زوجها وأمّها وأخويها لأبيها وأمّها وأخويها لأمّها فأشرك عمر بين الإخوة للأم والأب والإخوة للأمّ في الثّلث فقال له: رجل إنّك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا، قال عمر: تلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا اليوم(٣) !

____________________

(١) إعلام الموقعين، ابن القيم، ج ١ ص ٣٩.

(٢) إعلام الموقعين ابن القيم، ج ١ ص ٥٤.

(٣) سنن البيهقي الكبرى ج ٦ ص ٢٥٥ ومصنف عبد الرزاق ج ١٠ ص ٢٤٩ وكنز العمال ج ١١ ص ١٢ و

٢٥٤

أقول: كلّ عام هو في شأن.

وعن عطاء أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه قال: آية من كتاب الله تعالى ما وجدت أحدا يشفيني عنها، قوله تعالى( أَيَحبّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ ) الخ، فقال ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين إنّي أجد في نفسي منها فقال له عمر: فلم تحقر نفسك! فقال: يا أمير المؤمنين هذا مثل ضربه الله تعالى فقال أيحب أحدكم أن يكون عمره يعمل بعمل أهل الخير وأهل السّعادة حتى إذا كبر سنّه وقرب أجله ورقّ عظمه وكان أحوج ما يكون إلى أن يختم عمله بخير عمل بعمل أهل الشّقاء فأفسد عمله فأحرقه قال: فوقعت على قلب عمر وأعجبته(١) .

عمر يسأل كعبا:

وسأل عمر كعبا فقال: أخبرني عن هذا البيت! فقال: (إنّ هذا البيت أنزله الله تعالى من السّماء ياقوته مجوّفة مع آدم عليه السّلام فقال: يا آدم، إنّ هذا بيتي فطف حوله وصلّ حوله كما رأيت ملائكتي تطوف حول عرشي وتصلّي ونزلت معه الملائكة فرفعوا قواعده من حجارة فوضع البيت على القواعد، فلمّا أغرق الله قوم نوح رفعه الله وبقيت قواعده(٢) .

أقول: لماذا يسأل كعبا الذي تأخّر إسلامه، ويترك من عاشوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ بعثته إلى وفاته؟ وما قيمة جواب كعب بعد أن أخبر القرآن الكريم بتحريف التّوراة والإنجيل؟!

مسائل عمر

قال الرّازيّ في تفسيره: روى الواحدي عن أبي الصّلت الثقفيّ قال: قرأ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه هذه الآية ثمّ قال: ائتوني برجل من كنانة جعلوه راعيا، فأتوا به فقال له

____________________

إعلام الموقعين ج ١ ص ١١١.

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٤٩. وروح المعاني ج ٣ ص ٣٨.

(٢) التفسير الكبير، فخر الدين الرازي ج ٤ ص ٤٧.

٢٥٥

عمر: يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال: الحرجة فينا الشّجرة تحدق بها الأشجار فلا يصل إليها راعية ولا وحشيّة. فقال عمر: كذلك قلب الكافر لا يصل إليه شيء من الخير(١) !

أقول:

قال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله...

من حقّ المسلم أن يتساءل: لماذا يعاقب عمر صبيغا على سؤاله حول الذّاريات ولا يعاقب نفسه هو على سؤاله عن الحرجة؟ اللّهمّ إلاّ أن تكون باؤه تجرّ وباء غيره لا تجرّ!

وفي التّسهيل في تفسير قوله تعالى( يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ ) : قال ابن عبّاس: الجبت هو حييّ بن أخطب والطّاغوت كعب بن الأشرف، وقال عمر بن الخطّاب: الجبت السّحر والطّاغوت الشّيطان. وقيل الجبت الكاهن والطّاغوت السّاحر، وبالجملة هما كلّ ما عبد وأطيع من دون الله)(٢) .

ورووا عن عمر بن الخطّاب أنه قال: (أنا فئة لكل مسلم)(٣) . قال الغرناطي: (وهذا إباحة لذلك والفرار من الذّنوب الكبائر)(٤) .

أقول: لكنّ عمر لام المسلمين المتحيزين في أكثر من موطن.

قالوا: (وقد كان عمر بن الخطّاب أشكل عليه معنى التخوّف في الآية حتّى قال له رجل من هذيل التخوّف التنقّص في لغتنا)(٥) .

وذكر ابن الجوزي أنّ سعيد بن المسيب قال: سأل عمر بن الخطّاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف نورث الكلالة؟ فقال: أوليس قد بين الله تعالى ذلك؟ ثمّ قرأ( إِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً ) فأنزل الله عزّ وجلّ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ ) .

أقول: ومات عمر بن الخطّاب ولم يعرف الكلالة، وهو المحدّث الذي يحدّثه الحقّ جلّ وعلا مباشرة.

____________________

(١) التفسير الكبير، ج ١٣ ص ١٥٠.

(٢) التسهيل لعلوم التنزيل، ج ١ ص ١٤٥.

(٣) تلخيص الحبير، ج ٤ ص ١١٤ وخلاصة البدر المنير، ج ٢ ص ٣٥٢ والتسهيل لعلوم التنزيل ج ٢ ص ٦٣.

(٤) التسهيل لعلوم التنزيل، ج ٢ ص ٦٣.

(٥) التسهيل لعلوم التنزيل، ج ٢ ص ١٥٤.

٢٥٦

وعن عبيد الله بن عبد الله أنّ عمر بن الخطّاب سأل أبا واقد اللّيثيّ ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في العيد قال: بقاف واقتربت. رواه مسلم وأهل السّنن الأربعة من حديث مالك به. وفي رواية لمسلم عن فليح عن ضمرة عن عبيد الله عن أبي واقد قال سألني عمررضي‌الله‌عنه فذكره(١) .

أقول: ألم يصلّ عمر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة العيد أعواما عديدة، وهو الذي لم يفارق المدينة، وليس أبو واقد أقدم صحبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه!

قال ابن عاشور: وأمّا الجهة الثالثة من جهات الإعجاز وهي ما أودعه من المعاني الحكميّة والإشارات العلميّة فاعلموا أنّ العرب لم يكن لهم علم سوى الشّعر وما تضمّنه من الأخبار؛ قال عمر بن الخطّاب: كان الشّعر علم القوم، ولم يكن لهم علم أصحّ منه(٢) .

أقول: قصّة الحطيئة والزّبرقان بن بدر وتحكيم حسّان بن ثابت وقوله (نعم، وسلح عليه) تكشف مدى جهل عمر بن الخطّاب بالشّعر.

وقد عدّ الصحابة معنى الكلالة هنا من مشكل القرآن حتى قال عمر بن الخطّاب: ثلاث لأن يكون رسول الله بينهم أحبّ إليّ من الدّنيا: الكلالة والرّبا والخلافة. وقال أبوبكر: أقول فيه برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان، والله منه بريء. الكلالة ما خلا الولد والوالد(٣) .

وكان أمر الكلالة عند عمر بن الخطّاب مشكلا فقال: ما راجعت رسول الله في شيء مراجعتي إياه في الكلالة ولوددت أنّ رسول الله لم يمت حتى يبيّنها. وقال على المنبر: ثلاث لو بيّنها رسول الله كان أحبّ إليّ من الدّنيا، الجدّ والكلالة

____________________

(١) تفسير ابن كثير، ج ٤ ص ٢٢١. وسنن ابن ماجه ج ١ ص ٤٠٨ وسنن النسائي المجبتبى) ج ٣ ص ١٨٣ ومصنف ابن أبي شيبة ج ٧ ص ٣١٩ ومصنف عبد الرزاق ج ٣ ص ٢٩٨ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٣٧٥ ومسند أحمد بن حنبل ج ٥ ص ٢١٧ وشرح السيوطي لسنن النسائي ج ٣ ص ١٨٤ وتنقيح تحقيق أحاديث التعليق ج ٢ ص ٩٥ ومختصر اختلاف العلماء ج ١ ص ٣٧٤.

(٢) التحرير والتنوير، ج ١ ص ٧٠.

(٣) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج ١ ص ٩٠٧.

٢٥٧

والخلافة وأبواب من الربا. وروي عنهرضي‌الله‌عنه أنّه كتب فيها كتابا فمكث يستخير الله فيه ويقول: اللهمّ إن علمت فيه خيرا فأمضه! فلمّا طعن دعا بالكتاب فمحي فلم يدر أحد ما كان فيه. وروى الأعمش عن إبراهيم وسائر شيوخه قال ذكروا أنّ عمررضي‌الله‌عنه قال: لأن أكون أعلم الكلالة أحبّ إلي من جزية قصور الشّام. وقال طارق بن شهاب: أخذ عمر بن الخطّاب كتفا وجمع أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال: لأقضينّ في الكلالة قضاء تحدّث به النّساء في خدورها، وفخرجت عليهم حيّة من البيت فتفرّقوا، فقال عمر: لو أراد الله أن يتمّ هذا الأمر لأتمّه(١) .

واختلف السّلف في الكلالة فروى جرير [..] عن سعيد بن المسيّب أنّ عمر بن الخطّاب سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف يورث الكلالة؟ قال: أوليس قد بين الله تعالى ذلك؟ ثم قرأ (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة) إلى آخر الآية، فأنزل الله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) إلى آخرها؛ قال: فكأنّ عمر لم يفهم فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول الله طيب نفس فسليه عنها. فرأت منه طيب نفس فسألته عنها فقال: أبوك كتب لك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها أبدا! قال: فكان عمر يقول ما أراني أعلمها أبدا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال(٢) .

أقول: هو ذاك، لم يعلمها عمر، وخرج من الدّنيا ولم يعلمها. والرّواية السّابقة تخالف رواية القول ما قلت.

قالوا: ولم يعلم عمر بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى في دية الجنين بغرة عبد أو وليدة حتى أخبره المذكوران قبل، ولم يعلم عمررضي‌الله‌عنه بأنّ المرأة ترث من دية زوجها حتّى أخبره الضحّاك بن سفيان أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضّبابيّ من دية زوجها، ولم يعلم أيضا بأخذ الجزية من المجوسيّ حتّى أخبره عبد الرّحمن بن عوف بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، ولم يعلم بحكم الاستئذان ثلاثا

____________________

(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج ٢ ص ١٤١. وقصة محو الكتاب مذكورة في مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٢٦٨ والمبسوط للسرخسي ج ٢٩ ص ١٥٢ والذخيرة ج ١٣ ص ٣٥.

(٢) أحكام القرآن، الجصاص، ج ٣ ص ١٨.

٢٥٨

حتى أخبره أبوموسى الأشعريّ وأبو سعيد الخدريّرضي‌الله‌عنه . ولم يعلم عثمانرضي‌الله‌عنه بوجوب السّكنى للمتوفّى عنها حتّى أخبرته قريعة بنت مالك أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألزمها بالسّكنى في المحلّ الذي مات عنها زوجها فيه حتى تنقضي عدّتها، وأمثال هذا أكثر من أن تحصر(١) .

أقول:

هذه مسائل غابت عن عمر، وفي قول الشنقيطيّ وأمثال هذا أكثر من أن تحصر اعتراف بكثرة أخطاء عمر.

قالوا: وقال عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه : أبيّ أعلمنا بالمنسوخ(٢) ..

أقول:

هذا عمر يعترف بأنّ أبيّا أعلم منه بالمنسوخ، علما أنّ من فاته العلم بالمنسوخ فقد فاته علم كثير.

قصة عمر بن الخطّاب مع العشّار:

روى هشام بن محمّد الكلبي عن أبيه أنّ عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه خرج في الجاهليّة تاجرا إلى الشّام، فمرّ بزنباع بن روح - وكان عشّارا - فأساء إليه في اجتيازه وأخذ مكسه فقال عمر بعد انفصاله:

متى ألف زنباع بن روح ببلدة

إلى النّصف منها يقرع السنّ بالنّدم

ويعلم أنّي من لؤي بن غالب

مطاعين في الهيجا مضاريب في التّهم

فبلغ ذلك زنباعا فجهّز جيشا لغزو مكّة فقيل له: إنّها حرم الله ما أرادها أحد بسوء إلاّ هلك كأصحاب الفيل، فكفّ زنباع فقال:

تمنى أخو فهر لقاي و دونه

قراطبة مثل اللّيوث الحواظر

فو الله لو لا الله لا شيء غيره

وكعبته راقت إليكم معاشري

____________________

(١) أضواء البيان، ج ٧ ص ٣٤٣.

(٢) نواسخ القرآن، ج ١ ص ١٩.

٢٥٩

لأقتل منكم كلّ كهل معمّم

وأسبي نساء بين جمع الأباعر

فبلغ ذلك عمررضي‌الله‌عنه فأجابه وقال:

ألم تر أنّ الله أهلك من بغى

علينا قديما في قديم المعاشر

إلى قوله:

فدونك زرنا تلق مثل الذي لقوا

جميعهم من دراعين وحاسر(١) .

أقول:

شاعريّة عمر غير ثابتة، خلافا لما في القصة السابقة، فقد روى ابن سعد عن ابن أبي عوف وعبد العزيز بن يعقوب الماجشون قالا: قال عمر بن الخطّاب لمتمّم بن نويرة يرحم الله زيد بن الخطّاب، لو كنت أقدر أن أقول الشّعر لبكيته كما بكيت أخاك(٢) . وهذا يعني أنه لم يكن يقدر أن يقول الشعر، ومن كان شاعرا لا يقول: لو كنت أقدر أن أقول الشعر. وقيل لابن أبي عوف: ما كان عمر يقول الشّعر؟ فقال: لا، ولا بيتا واحدا(٣) .

ولا بيتا واحدا معناه أنّه لا يقول الشعر أصلالا قليلا ولا كثيرا.

ثمّ إذا كان عمر بن الخطّاب شاعرا فكيف غاب عنه هجاء الحطيئة الزّبرقان بن بدر؟

عن الشعبي أنّ الزّبرقان بن بدر أتي عمر بن الخطاب وكان سيد قومه فقال يا أمير المؤمنين إن جرولا هجاني - يعني الحطيئة - فقال عمر بم هجاك فقال بقوله دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.

فقال عمر: ما أسمع هجاء إنما هي معاتبة فقال الزبرقان يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده ما هجي أحد بمثل ما هجيت به فخذ لي ممن هجاني. فقال عمر: علي بابن الفريعة يعني حسان بن ثابت؛ فلما أتي به قال له: يا حسان إن الزبرقان يزعم أن جرولا هجاه

____________________

(١) أعلام النبوة، ج ١ ص ٢٤٠.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ٢٥٢ تحت رقم ١١٧٣٥.

(٣) نفس المصدر السابق.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564