الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب10%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90992 / تحميل: 7605
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وعليه نزل الكتاب المهيمن على الكتب كلّها، وله شرعت أفضل وأوسع شريعة، ونصبت أشرف قبلة؛ إلاّ أنّنا مع ذلك نراوح في أتعس وضعيّة، حيث يحلم كثير من أبنائنا باسترجاع ماض بعيد، إثمه أكبر من نفعه، ويتّهمون كلّ صوت يشخّص الدّاء ويرشد إلى أنجع الدّواء. يرسمون حول ذلك الماضي أسوارا من الجمود والتطرّف تجعل الحديث عنه مساسا بالمقدّسات، ويطفّفون الكيل فيكتالون بمكيالين، ويحكمون في شريعة واحدة للأمثال بحكمين مختلفين. فهذا قاتل عمر بن الخطّاب مجوسيّ مع أنّ عمر نفسه شهد للعجم المقيمين بالمدينة أنّهم صلّوا صلاتهم وتكلّموا لسانهم! وذاك ابن ملجم قاتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام مجتهد متأوّل مأجور.

والخارج عن أبي بكر مرتدّ حلال الدّم، بينما الخارج عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام مجتهد مأجور مبشّر بالجنّة! ومن انتقد سلوك صحابيّ ما بموضوعيّة وإنصاف فهو زنديق، وأما من سبّ وشتم ولعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فهو ثقة صدوق لا نزاع فيه! تلك ثمار ثقافة الكرسيّ؛ وبالمناسبة إنّه لمن المؤسف حقّا أن يتجاهل المسلمون جيلا بعد جيل أقوال وأفعال ومواقف فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكونها لا تسير في ظلّ ثقافة الكرسيّ، وهم في نفس الوقت يصلّون عليها يوميّا في كلّ صلواتهم فرضا ونفلا!

أضع بين يدي القارئ أخبارا وأحاديث تتعلّق بسيرة عمر بن الخطّاب، وأحاول تحليلها والتّعليق عليها بما يبدو لي منسجما مع المقاييس والمعايير التي دعا إليها القرآن الكريم، وعلى رأسها قول الله تعالى( إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، وقوله تعالى( وَأَن لّيْسَ لِلْاِنسَانِ إِلّا مَا سَعَى ) . وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أنيب.

تنبيه:

ابن أبي الحديد يشترط على نفسه أن ينقل من كتب السنة لا من كتب الشيعة.

قال ابن أبي الحديد: (الفصل الأوّل: فيما ورد من الأخبار والسّير المنقولة من

٢١

أفواه أهل الحديث وكتبهم، لا من كتب الشّيعة ورجالهم. لأنّا مشترطون على أنفسنا ألاّ نحفل بذلك، وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ في السقيفة وفدك وما وقع من الاختلاف والاضطراب عقب وفاةالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدّث كثير الأدب، ثقة ورع، أثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته)(١) .

وإنّما نبّهت إلى هذا لأنّ في المحدّثين والمؤرّخين من ينسب ابن أبي الحديد إلى التّشيّع، وذلك يؤدّي إلى نقض ما يورده مما يشكل به على مخالفي أهل البيت عليهم السّلام. قال إدوارد فنيك في معرض ذكر ابن أبي الحديد: أما ابن أبي الحديد فهو عبد الحميد بن هبة الله المدائني الشيعي المعتزليّ الكاتب المحسن الشّاعر المجيد؛ له كتاب الفلك الدائر على المثل السائر، قيل إنّه صنّفه في ثلاثة عشر يوما، وله أيضا ديوان شعر وغيرهما كثير(٢) .

أقول: ولا يلام إدورد فنيك على هذا الخطا إذ كان شائعا بين المحدّثين والرّجاليّين والمؤرّخين؛ وفي اعتقادي أنّه خطأ متعمّد يرمي إلى سلب الحجّيّة عن كلّ ما يستدلّ به ابن أبي الحديد عند مناقشة الأحاديث والوقائع، وإلاّ فإنّه هو نفسه يردّ على علماء الشّيعة في أكثر من موطن في شرح نهج البلاغة، ويتتبّع عبارات الشّريف المرتضى واحدة واحدة قصد تفنيد مضمونها. وهذا الخلط المتعمّد منهم إنّما يقدح في نزاهتهم وأمانتهم، ويلب عنهم صفة الموضوعيّة. فالاختلاف بين الشّيعة والمعتزلة واضح في كلّ شيء، في العقائد والفقه والأصول وغيرها. وترى المعتزلة في الفقه يقلّدون أصحاب المذاهب، وليس شأن الشّيعة الإمامية كذلك. وللمعتزلة رأيهم في قضيّة الإمامة وهو مخالف لما عليه الشّيعة الإماميّة.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة: ج ١٦ ص ٢١٠ باب ذكر ما ورد من السير والأخبار في أمر فدك. دار أحياء الكتب العربية ط، ١٩٦٢ م.

(٢) اكتفاء القنوع، ج ١ ص ٣٤٤، اكتفاء القنوع بما هو مطبوع، إدوارد فنديك، صححه السيد محمد علي البيلاوي، دار صادر، بيروت، ١٨٩٦ م.

٢٢

وقد تردّدت عبارة (شيعي معتزلي) في كتاب المغني في الضّعفاء (ج ١ ص ٥٤ وج ٢ ص ٤٦٢) و كتاب ميزان الاعتدال في نقد الرّجال (ج ١ ص ٢٨٠ وج ١ ص ٣٦٩ وج ٥ ص ٢١٧ وج ٦ ص ٥٠٢) وكتاب لسان الميزان (ج ٥ ص ٧٢ وج ٤ ص ٢٨٠ وج ١ ص ٢٦٢ وج ٦ ص ٨٢) وكتاب تاريخ الإسلام للذهبيّ (ج ٢٧ ص ٣٩٨) وكتاب إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون (ج ٣ ص ١٨١).

٢٣

٢٤

الفصل الأول

نسب عمر بن الخطّاب

٢٥

٢٦

نسب عمر

عمر بن الخطّاب عدويّ من قبيلة عديّ، وهي قبيلة شهد عليها أبو سفيان صخر بن حرب أنّها وقبيلة تيم أذلّ حيّ قريش(١) !، وقد اختلفوا في سنّه حين وفاته، وهو ما ينتج الاختلاف في سنة مولده، وسيأتي ذلك مفصّلا في فصل (وفاة عمر).

قال ابن قتيبة: كان الخطّاب بن نفيل من رجال قريش، وأمّه امرأة من فهم، وكانت تحتنفيل فتزوّجها عمرو بن نفيل بعد أبيه (!) فولدت له زيدا، فأمّه أمّ الخطاب، وزيد هذا هوأبو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة الذين بشّرهم رسول الله بالجنّة. فولد الخطّاب زيد بن الخطّاب وعمر بن الخطّاب(٢) .

إذاً فقد تزوج عمّ عمر بن الخطّاب زوجة أبيه بعد هلاكه، وهو أمر تشمئزّ منه النّفوس بمقتضى الفطرة؛ ويشهد لذلك الوجدان في كلّ الثّقافات والملل دون الرّجوع إلى دين ما. فلا معنى لقول من يقول (كان ذلك في الجاهلية).

قال ابن قتيبة: (وأمّا عمر بن الخطّاب فيكنى أبا حفص وأمّه حنتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومي)(٣) . وبنو مخزوم هم الذين نزل فيهم قرآن بشهادة عمر نفسه. قال السّيوطي: (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه أنه قال لعمررضي‌الله‌عنه : يا أمير المؤمنين، هذه الآية( الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً ) قال: هم الأفجران من قريش، أخوالي وأعمامك؛ فأمّا أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر، وأمّا أعمامك فأملى الله لهم إلى حين(٤) .

والمقصود بالأخوال أبو جهل والوليد بن المغيرة وغيرهما من صناديد بني مخزوم.

وقد شهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بني مخزوم أنّهم يبغضونه ويبغضون أهل بيته. روى

____________________

(١) قال ابن عبد ربه في العقد الفريد ج ٣ ص ٢٧١: فلما قدم [أبو سفيان] المدينة جعل يطوف في أزقتها ويقول:

بني هاشم لا تطمع الناس فيكم

ولا سيما تيم بن مرة أو عدي

فما الأمر إلا فيكم وإليكم

وليس لها إلا أبو حسن علي

فقال عمر لأبي بكر: إنّ هذا قد قدم، وهو فاعل شرّا، وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستألفه على الإسلام، فدع له ما بيده من الصدقة. ففعل، فرضي أبو سفيان.

(٢) المعارف، ابن قتيبة، ج ١ ص ١٧٩.

(٣) المعارف، ابن قتيبة، ج ١ ص ١٨٠.

(٤) تفسير الطبري، ج ١٣ ص ٢١٩، وتفسير ابن كثير، ج ٢ ص ٥٤٠ وتفسير البحر المحيط، ج ٥ ص ٤١٣. والدر المنثور، السيوطي، ج ٥ ص ٤١.

٢٧

الحاكم حديثا يكشف حقيقة بني أميّة وبني مخزوم فقال: أخبرني محمّد بن المؤمل [..] عن أبي نضرة قال: قال أبو سعيد الخدريّرضي‌الله‌عنه قال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أهلبيتي سيلقون من بعدي من أمّتي قتلا وتشريدا، وإنّ أشدّ قومنا لنا بغضنا بنو أميّة وبنو المغيرة وبنو مخزوم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) . ونفس الحديث في فتن نعيم(٢) . وفي هذا تصريح من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ بني أميّة وبني مخزوم يبغضونه، فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال (وإنّ أشدّ قومنا لنا بغضا) ولم يقل (وإنّ أشدّ قومنا بغضا لأهل بيتي) كيما يتأوّل متأوّل. ومعلوم أنّ بغض النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج صاحبه من دائرة الإيمان.

وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخت أبي جهل(٣) . فتحصّل ممّا سبق أنّه ليس في نسب عمر ما يفتخر به لا من جهة الأب ولا من جهة الأمّ!

قال ابن أبي الحديد: قدم عمرو بن العاص على عمر وكان واليا لمصر، فقال له: في كم سرت؟ قال: في عشرين، قال عمر: لقد سرت سير عاشق. فقال عمرو: إنّي والله ما تأبّطتني الإماء ولا حملتني في غبرات المآلي، فقال عمر: والله ما هذا بجواب الكلام الذي سألتك عنه! وإنّ الدّجاجة لتفحص في الرّماد فتضع لغير الفحل، وإنّما تنسب البيضة إلى طرقها. فقام عمرو مربد الوجه. قلت: المآلي: خرق سود يحملها النوائح ويسرن بها بأيديهنّ عند اللّطم، وأراد خرق الحيض هاهنا وشبّهها بتلك، وأنكر عمر فخره بالأمّهات وقال: إنّ الفخر للأب الذي إليه النّسب. وسألت النّقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر فقال: إنّ عمرا فخر على عمر لأنّ أمّ الخطّاب زنجيّة، وترعف بباطحلى، تسمّى سهاك، فقلت له: وأمّ عمرو النّابغة أمة من سبايا العرب، فقال: أمة عربيّة من عنزة سبيت في بعض الغارات فليس يلحقها من النّقص عندهم ما يلحق الإماء

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ج ٤، ص ٥٣٤ والفتن لنعيم بن حماد ج ١، ص ١٣١.

(٢) ولعلّ الصواب بنو المغيرة من بني مخزوم، فإنّ الحديث وارد بهذا اللفظ في رواية أخرى لنعيم بن حماد في كتاب الفتن، ص ١٣١ تحت رقم ٣١٩.

(٣) مشاهير علماء الأمصار ن ج ١ ص ٥.

٢٨

الزنجيات. فقلت له: أكان عمرو يقدم على عمر بمثل ما قلت؟ قال: قد يكون بلغه عنه قول قدح في نفسه فلم يحتمله له ونفث بما في صدره منه، وإن لم يكن جوابا مطابقا للسؤال(١) .

إذاً، فأمّ الخطّاب جدّة عمر بن الخطّاب زنجية، وقد عرض عمرو بن العاص به في قوله (ما تأبّطتني الإماء).

وقد كانت تبدر من عمر عبارات تشير إلى طفولته وعلاقته بأبيه، وهي علاقة تركت في نفس عمر مرارة بقي يتجرّع غصّتها حتّى في شيخوخته! وفي القصّة التّالية عبرة للمتدبّرين.

قال ابن كثير في المختصر: وعن أبي هريرة قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو غضبان محمرّ وجهه حتّى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال: أين أبي؟ قال: في النّار. فقام آخر فقال: من أبي؟ فقال: أبوك حذافة. فقام عمر بن الخطّاب فقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّا وبالقرآن إماما؛ إنّا يا رسول الله حديثو عهد بجاهليّة وشرك، والله أعلم من آباؤنا. قال: فسكن غضبه ونزلت هذه الآية:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) الآية؛ إسناده جيد. وقد ذكر هذه القصّة مرسلة غير واحد من السّلف منهم السديّ(٢) . فعمر بن الخطّاب في القصّة يعترف صريحا أنّه لا يدري من هو أبوه! وهو لم يقل (إنّ النّاس حديثو عهد بالجاهليّة ولا يعرفون من هم آباؤهم) وإنّما قال: (إنّا حديثو عهد بالجاهلية ولا ندري من هم آباؤنا)، فاستعمل ضمير المتكلّم وبذلك أدخل نفسه في المعنيّين.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١٢ ص ٣٩.

(٢) مختصر ابن كثير، ج ١ ص ٣٨٥ وانظر القصة في تفسير السمعاني ج ٢ ص ٧١ وتفسير الثعلبي، ج ٤ ص ١١٣، والدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٦ وتفسير أبي السعود ج ٣ ص ٨٥ وتفير ابن كثير، ج ٢ ص ١٠٦ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٦٩ وتفسير الطبري ج ٧ ص ٨٢ وزاد المسير ج ٢ ص ٤٣٣ وأحكام القرآن للجصاص، ج ٤ ص ١٥٠ وتفسير الثعلبي، ج ٤ ص ١١٣ وفتح الباري، ج ٨ ص ٢٨١ ومعتصر المختصر ج ٢ ص ١٥٥ وجامع العلوم والحكم ج ١ ص ٩٠ وتذكرة الأريب في تفسير الغريب، ج ١ ص ١٥٠.

٢٩

صفة عمر

قالوا في وصف عمر بن الخطّاب: كان طويلا آدم، أصلع، أعسر أيسر، يعني يعمل بيديه، وكان لطوله كأنه راكب، وقيل: كان أبيض أبهق يعني شديد البياض تعلوه حمزة طوالا أصلع أشيب، وكان يصفر لحيته ويرجّل رأسه، وكان مولده قبل الفجار بأربع سنين؛ وكان عمره خمسا وخمسين سنة، وقيل: ابن ستّين سنة، وقيل: ابن ثلاث وستّين سنة وأشهر. وهو الصّحيح، وقيل: ابن إحدى وستين(١) .

وفي تاريخ دمشق: كان رجلا طوالا أصلع آدم أعسر أيسر، ومات حين شارف الستّين، وقد اختلفوا في سنّه(٢) .

قال الواقديّ: لا يعرف عندنا أنّ عمر كان آدم إلاّ أن يكون رآه عام الرّمادة فإنّه كان تغيّر لونه حين أكل الزيت(٣) .

أقول: ولم لا يكون آدم ما دامت جدّته زنجيّة؟!

وأخرج ابن عساكر عن أبي رجاء العطاردي قال: كان عمر رجلا طويلا جسيما، أصلع شديد الصّلع، أبيض شديد الحمرة، في عارضيه خفّة، سبلته كبيرة وفي أطرافها صهبة(٤) .

وفي الآحاد والمثاني: حدّثنا ابن مصفى حدّثنا سويد بن عبد العزيز عن حميد عن أنس قال: كان عمررضي‌الله‌عنه يخضب بالحنّاء(٥) .

وقال الزمخشري: كان عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه أضبط يعمل بكلتا يديه، وكان يخرج الضّاد من جانبي لسانه وهي أحد الأحرف الشّجريّة أخت الجيم والشين(٦) .

____________________

(١) الكامل في التاريخ، ابن الأثير،ج ٣ ص ٥٣.

(٢) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج ٤٤ ص ٤٧٨.

(٣) تاريخ الخلفاء ج ١ ص ١٣٠.

(٤) تاريخ الخلفاء ج ١ ص ١٣١.

(٥) الآحاد والمثاني ج ١ ص ٩٩ تحت رقم ٧٥.

(٦) الكشاف، الزمخشري ن ج ١ ص ١٣٤٥.

٣٠

أقول:

ماذا كان عمر يعمل بكلتا يديه؟ هل كان يصنع الدّروع أو يصقل السّيوف؟ هل كان حدّادا أو نجّارا أو ملاّحا؟! إنّما كان دلاّلا يجمع بين من يريد أن يبيع جملا ومن يريد أن يشتري جملا، وهذا عمل لا حاجة فيه لليدين! بل في تسميته عملا تجوّز.

وقال ابن حبيب البغدادي في تسمية الحول(١) من قريش: عمر بن الخطّاب، الفاروقرضي‌الله‌عنه ، وأبو لهب بن عبد المطّلب، وأبو جهل بن هشام، وزياد بن أبيه، وهشام بن عبد الملك بن مروان، وأبان بن عثمان بن عفان..(٢) . وقال نفس الشيء في المحبّر(٣) .

وإلى ذلك أشار المأمون فيما ذكره المزي في تهذيب الكمال قال:

قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي حدثنا أبو العيناء [..] واللّفظ لأبي العيناء قال: كنّا مع المأمون في طريق الشّام فأمر فنودي بتحليل المتعة، فقال لنا يحيى بن أكثم: بكّرا غدا إليه، فإن رأيتما للقول وجها فقولا، وإلاّ فأمسكا إلى أن أدخل. قال: فدخلنا إليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ: (متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما) ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوبكر؟! فأومأت إلى محمد بن منصور أن أمسك! رجل يقول في عمر بن الخطّاب ما يقول نكلمه نحن؟ فأمسكنا(٤) !

أقول: ولم يكن المأمون ليستعمل عبارة الأحول في غير ملحّها وهو خليفة فيعاب عليه ذلك.

وعن عاصم عن زرّ قال: خرجتمع أهل المدينة في يوم عيد فرأيت عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه يمشي حافيا، شيخا أصلع، آدم أعسر أيسر طوالا، مشرفا على النّاس كأنّه على دابّة، ببرد قطريّ، يقول: عباد الله هاجروا، ولا تهجروا وليتّق أحدكم الأرنب

____________________

(١) الحول جمع أحول وهو من مالت إحدى عينيه، وهذا يعني أن عمر بن الخطّاب كان أحول.

(٢) المنمق، محمد بن حبيب البغدادي، ص ٤٠٥.

(٣) كتاب المحبر، محمد بن حبيب البغدادي ٢٤٥.

(٤) تهذيب الكمال، المزي، ج ٣١ ص ٢١٣ و ٢١٤.

٣١

يخذفها بالحصى أو يرميها بالحجر فياكلها، ولكن ليذكّ لكم الأسل، الرّماح والنّبل(١) .

وقال ابن أبي الحديد: كان [عمر] إذا غضب على واحد منهم لا يسكن غضبه حتى يعضّ على يديه عضّا شديدا فيدميها.

أقول: هذا فعل من لا يملك نفسه عند الغضب.

عن شعبة عن سماك أحسب عن رجل من قومه يقال له هلال بن عبد الله قال كان عمر يسرع يعني في مشيته، وكان رجلا آدم كأنه من رجال بني سدوس وكان في رجليه روح. و [..] عن نافع بن جبير بن مطعم قال صلع عمر فاشتد صلعه. وعن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أسلم قال: رايت عمر إذا غضب أخذ بهذا واشار إلى سبلته فقال بها إلى فمه ونفخ فيه. و [..] عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن عمر بن الخطّاب أتاه رجل من أهل البادية فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام ثم تحمى علينا؟ فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه(٢) .

وفي مصنّف عبد الرّزاق عن زياد بن حدير الأسدي قال: ما رأيت رجلا أدأب للسّواك من عمر بن الخطّاب وهو صائم، ولكن بعود قد ذوي يعني يابس(٣) .

وعن مالك عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كان عمررضي‌الله‌عنه إذا غضب فتل شاربه(٤) .

أقول:

ليس من السنّة إطالة الشّارب؛ ففي صحيح البخاري عن ابن عمررضي‌الله‌عنه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من الفطرة قصّ الشارب(٥) . وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال أنس وقتلنا في قصّ الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك

____________________

(١) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج ٣ ص ٨١.

(٢) الطبقات الكبرى، ج ٣ ص ٣٢٦.

(٣) مصنف عبد الرزاق ج ٤ ص ٢٠١ تحت رقم ٧٤٨٥.

(٤) الآحاد والمثاني ج ١ ص ١٠٠ تحت رقم ٧٨.

(٥) صحيح البخاري ج ٥ ص ٢٢٠٨ رقم ٥٥٤٩.

٣٢

أكثر من أربعين ليلة. وعن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية.

وعن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى. وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جزّوا الشّوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس(١) . وفي سنن النسائي الكبرى عن زيد بن أرقم قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول من لم يأخذ من شاربه فليس منا(٢) . وعن عبد الله بن عمر قال: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المجوس فقال: إنّهم يوفّرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم. [قال] وكان ابن عمر يستعرض سبلته فجزها كما تجز الشاة أو يجز البعير(٣) . عن أبي هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الفطرة خمس الاختتان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط(٤) .

أقول: ثمّ أنت ترى معظم الروايات تجنّبت ذكر الحول؛ حتى الجاحظ الذي ألّف كتابا في الحولان والعميان والعرجان والبرصان من الأشراف والأعيان لم يذكر ذلك علما أنّه كان معاصرا لمحمد بن حبيب البغدادي(٥) . ولو لا ما ذكره ابن حبيب البغدادي وما جرى على لسان المأمون لما وصل إلينا شيء من ذلك.

____________________

(١) صحيح مسلم، ج ١ ص ٢٢٢.

(٢) سنن النسائي الكبرى، ج ٥ ص ٤٠٦ تحت رقم ٩٢٩٣.

(٣) سنن البيهقي الكبرى ج ١ ص ١٥١.

(٤) سنن النسائي الكبرى ج ١ ص ٦٥. وحديث قص الشارب في المستدرك على الصحيحين ج ٢ ص ٢٩٣ والمسند المستخرج على صحيح مسلم ج ١ ص ٣١٥ ج ١ ص ٣١٦ ج ١ ص ٣١٨ وصحيح ابن حبان ج ١٢ ص ٢٩١ وصحيح ابن خزيمة ج ١ ص ٤٧ والجمع بين الصحيحين ج ٢ ص ٢٠٠ ج ٢ ص ٦٥٣ والجمع بين الصحيحين ج ٤ ص ٢٠٤ وسنن أبي داود ج ١ ص ١٤ وسنن ابن ماجه ج ١ ص ٩٤ ومسند أبي عوانة ج ١ ص ١٦٣ ومصنف ابن أبي شيبة ج ١ ص ١٧٨ ومصنف عبد الرزاق ج ١ ص ١٢٦ ومسند أبي يعلى ج ٧ ص ١٩٨ ومسند إسحاق بن راهويه ج ٢ ص ٧٩ ومسند أحمد بن حنبل ج ٢ ص ٢٢٩ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ١٦٨.

(٥) قال ابن خلكان: وكانت وفاة الجاحظ في المحرم سنة خمس وخمسين ومائتين بالبصرة. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ج ٣ ص ٤٧٤. وأما ابن حبيب البغدادي فتوفي سنة ٢٤٥ هـ.

٣٣

تلكم كانت صفةعمر، ولا يصعب على رسّام ماهر أن يتتبّع العبارات ويترجمها على لوحته ليقدّم للنّاس صورة عمر بن الخطّاب؛ والذي لا شكّ فيه أن الصّلع والحول والرّوح والشارب الطّويل إذا اجتمعت لم تشر إلى الوسامة لا من قريب ولا من بعيد.

تربية عمر

لم يحظ عمر بن الخطّاب بطفولة هادئة، بل كانت طفولته كابوسا ظلّ يطارده حتّى الشيخوخة، فقد كان الخطاب يعامله بغلظة ويذهب معه إلى أبعد حدود العنف؛ وقد اعترف هو بنفسه بذلك أمام جمع كبير من النّاس. قال ابن المسيب: وحجّ عمر، فلمّا كان بضجنان قال: لا إله إلا الله العظيم العليّ المعطي ما شاء من شاء(١) ؛ كنت أرعى إبل الخطّاب في هذا الوادي في مدرعة صوف، وكان فظّا يتعبني إذا عملت ويضربني إذا قصّرت، وقد أمسيت وليس بيني وبين الله أحد(٢) .

ومع أنّ عمر يصف أباه بالفظاظة إلاّ أنّه لا يتورّع أن يقسم به وهو يعلم أنّه مات على الشّرك. فعن نافع عن ابن عمر أنّه أدرك عمر بن الخطّاب في ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله وإلا فليصمت(٣) .

وقد أثبت التجارب والنظريات العلمية الحديثة أنّ للطّفولة دورا مهمّا في تكوين شخصيّة الإنسان، وأنّ الطفولة التّعيسة تترك آثارا عميقة في نفوس أصحابها، وقد تدفعهم إلى العنف حتى مع أقرب المقرّبين؛ وذلك ما يدفع الباحث إلى محاولة الإطلال على طفولة عمر بن الخطّاب رغم قلّة النّصوص وحدّة مقصّ الرّقابة الذي

____________________

(١) هذه مغالطة من عمر، فإن الذي أعطاه الخلافة هو أبو بكر بن أبي قحافة، وهو ينسب ذلك إلى الله تعالى.

(٢) الكامل في التاريخ، ج ٢ ص ٤٥٦ وتاريخ الطبري، ج ٢ ص ٥٧٥ وحجّة الله البالغة ج ١ ص ٦١٥ والاكتفاء ج ٤ ص ٣٩٩.

(٣) صحيح البخاريّ ج ٥ ص ٢٢٦٥ وصحيح البخاريّ وصحيح البخاريّ ج ٥ ص ٢٢٦٥ وج ٦ ص ٢٤٤٩ وج ٦ ص ٢٤٥٠ وج ٦ ص ٢٦٩٣، وصحيح مسلم ج ٣ ص ١٢٦٦ وصحيح مسلم ج ٣ ص ١٢٦٧.

٣٤

فرضته ثقافة الكرسيّ.

قال عمرو بن العاص لمحمّد بن مسلمة حين بعثه إليه عمر ليأخذ شطر ماله: لعن الله زمانا صرت فيه عاملا لعمر، والله لقد رأيت عمر وأباه على كلّ واحد منهما عباءة قطوانيّة لا تجاوز مأبض ركبتيه، وعلى عنقه حزمة حطب، والعاص بن وائل في مزرّرات الديباج(١) . وهذا يشير إلى مستوى الفقر الذي كان يكابده. فبالإضافة إلى العنف الذي يلاقيه من أبيه، كان هناك فقر مدقع بقي في ذاكرة عمرو بن العاص لشدّة ما كان عليه. وليس الفقر في ذاته عيبا، لكن إذا انضمّ إليه العنف والجهل كانت آثاره وخيمة. أضف إلى ذلك ظاهرة عامّة لم يستثن منها عمر، تتمثّل في عبادة الأصنام؛ وعليه تكون طفولة عمر بن الخطّاب عنفا وفقرا وعبادة أصنام، وهو مزيج لا يثبت له كهل في الأربعين، فكيف بصبيّ يعيش تحت سقف الخطّاب!

ومن حقّ الباحث أن يتساءل عن سبب العنف الذي كان الخطّاب يعامل به ابنه عمر، فقد كان للخطّاب ولد آخر اسمه زيد لم يؤثر عنه من التّشكّي ما أثر عن عمر، وقد بقي عمر يتجرّع الذكريات المريرة وهو في شيخوخته. ولعلّ الخطّاب تفرّس في ابنه عمر ما لم يبلغنا، ولعلّه كان يكره من عمر أمورا لم تصلنا، المهمّ أنّه ليس طبيعيّا أن يعامل رجل ولده بتلك الطّريقة ويخصّه بذلك دون سائر إخوته. ولعلّ ذلك أيضا ممّا يفسّر لنا تعامل عمر مع أبنائه، فقد كان خشنا معهم خشونة تأباها الفطرة ويأباها الذّوق السليم. روى عبد الرزاق في مصنفه عن عكرمة بن خالد قال: دخل ابن لعمر بن الخطّاب عليه، وقد ترجّل ولبس ثيابا حسانا، فضربه عمر بالدّرّة حتى أبكاه فقالت له حفصة: لم يكن فاحشا لم ضربته؟ فقال: رايته قد أعجبته نفسه فأحببت أن أصغّرها إليه(٢) . فهل يعقل أن يضرب ولد صغير من طرف أبيه لأنّه أعجبته نفسه؟ لم لا يكون أمر آخر يستشفّ من وراء سلوك عمر وله علاقة بطفولة عمر؟ فهذا الولد على خلاف

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١ ص ١٧٥.

(٢) مصنف عبد الرزاق، ج ١٠ ص ٤١٦ تحت رقم ١٩٥٤٨.

٣٥

عمر تماما، فهو ابن الخليفة وعمر كان أبوه رجلا مغمورا لا في العير ولا في النّفير؛ وهو يلبس الثّياب الحسان، ويرجّل شعره، ويسمع الأذان وليس هناك أصنام تعبد، وأمامه مستقبل في ظلّ الإسلام، وعمر كان عليه عباءة قطوانية لا تجاوز مأبض ركبتيه، وعلى عنقه حزمة حطب. ألا يكون عمر بن الخطّاب قد حسد الولد على هذه النّعمة التي لم يحظ بها هو يوما واحداً؟! لقد كان حريّا بعمر أن يفرح لرؤية ولده في نعمة العافية، وكان حريّا به أن يحمد الله الذي وقى ولده شؤم الشّرك والجاهليّة والفقر، لكنّه تصرّف عكس ذلك تماماً، وحاسبه كما لو كان بالغا مكلّفا قد أتى جرما! ومثل هذا التّصرّف صدر من عمر مع ابن الزّبير؛ قال ابن تيمية: ولذلك لمّا رأى عمر بن الخطّاب على ابن الزّبير ثوبا من حرير مزّقه عليه فقال الزّبير: أفزعت الصّبيّ! فقال: لا تكسوهم الحرير(١) . وكان الزبير يدلّل ولده عبد الله.

ولعمر قصّة مماثلة مع كهل شريف في قومه؛ فعن الحسن قال: كان عمر قاعدا ومعه الدّرّة والنّاس حوله إذ أقبل الجارود فقال رجل: هذا سيّد ربيعة! فسمعه عمر ومن حوله وسمعه الجارود، فلما دنا منه خفقه بالدّرة، فقال: مالي ولك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ما لي ولك! أما لقد سمعتها! قال: سمعتها فمه؟ قال: خشيت أن يخالط قلبك منها شيء فأحببت أن أطأطئ منك(٢) .

أقول: حينما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوموا إلى سيّدكم لم يستطع عمر أن يفعل شيئا بما أنّ الأمر يتعلّق بالزّعيم في قومه سعد بن معاذ، الذي استشهد فيما بعد، وحتى لو لم يكن سعد بن معاذ زعيما في قومه فإنّه ليس في وسع عمر أن يمعن في العنف بحضرة النّبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاكتفى بقوله (سيدنا الله) وغفل عن أنّ في قوله هذا ردّا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي ما ينطق عن الهوى؛ وقد أضفى القرآن صفة السّيادة على المؤمن وغير

____________________

(١) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج ٢٨ ص ١١٤.

(٢) كنز العمال، ج ٣ ص ٣٢٥ تحت رقم ٨٨٣٠.

٣٦

المؤمن، فقال عن يحي بن زكريا عليهما السلام (سيّدا وحصوا) وقال عن عزيز مصر (وألفيا سيّدها لدى الباب)، فكلام عمر بن الخطاب في هذا المقام مردود عليه. لكنّه لا يتحمّل أن يرى رجلا من الأنصار يشهد له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه أنّه سيّد، فقال ما قال من باب الحسد لا أكثر. أما ههنا فإن عمر بن الخطاب هو الحاكم، وسمع قول أحدهم للجارود (هذا سيّد ربيعة)، ولا ذنب للجارود في ذلك القول، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ومع ذلك خفقه بالدرّة ولم يتعرّض للقائل!

وكما كان عمر قاسيا مع ولده الصغير كان قاسيا مع أولاده الكبار أيضا، فهذا ابنه عبد الرحمن الذي يقال له أبو شحمة شرب الخمر في مصر، وأقام عليه عمرو بن العاص الحدّ، لكنّ عمر أبى إلاّ أن يضيف إليه حدّا ثانيا لأنّه شوّه صورة آل الخطاب. ومع أنّ عبد الرحمن كان مريضا، ومع أنّه لا ينبغي إقامة حدّ الخمر على المريض حتى يبرأ خشية التّلف، إلاّ أنّ عمر أقام عليه الحدّ وكانت وفاته بعد ذلك بقليل، فكانوا يرون أنه مات بسبب ذلك.

قال ابن عبد البرّ: والحديث بذلك عند الزهريّ عن سالم عن أبيه رواه معمر وابن جريج عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: شرب عبد الرحمن بن عمر بمصر خمرا قال كذا قال معمر - وقال ابن جريج شرابا مسكرا - في فتية منهم أبو سروعة عقبة بن الحارث فحدّهم عمرو بن العاص؛ وبلغ ذلك عمر فكتب إلى عمرو أن أبعث إلي بابني عبد الرحمن على قتب. فلمّا قدم عليه جلده عمر بيده الحدّ. قال ابن عمر: فزعم النّاس أنّه مات من ضرب عمر ولم يمت من ضربه. قال أبو عمر: جاء عن الشعبي عن يحيى بن أبي كثير وهو شيء منقطع أنّ عمر ضرب ابنه حدّا فأتاه وهو يموت فقال: يا أبت قتلتني! فقال له: إذا لاقيت ربك فأخبره أنّ عمر يقيم الحدود! وليس في هذا الخبر ما يقطع به على موته لو صحّ وحديث ابن عمر أصح(١) .

____________________

(١) الاستذكار، ابن عبد البر، ج ٨ ص ٦.

٣٧

أقول:

يقول ابن عمر (فزعم النّاس أنّه مات من ضرب عمر)، والنّاس في عهد ابن عمر إمّا صحابة وإمّا تابعون، ويبدو أنّ هذا القول منهم كان شائعاً، وأنّ القائلين به كانوا كثيرين، والدّليل على صحّة ما يذهبون إليه قول عبد الرحمن بن عمر (يا أبت قتلتني)، وهو ما يعني: (يا ابت إنّي مريض، وإقامة الحدّ على المريض قد تقتله؛ فلو تركتني حتى أتعافى). وجواب عمر له (إذا لاقيت ربّك فأخبره أنّ عمر يقيم الحدود!) ومعناه: (إذا متّ من أثر هذا الحدّ ولاقيت ربّك فأخبره أنّ عمر بن الخطاب يقيم الحدود، فلا لوم عليه إذا مات رجل من أثر الحدّ). فعبد الله بن عمر لا يقبل هذا، لأنّه يعزّ عليه أن يكون عمر قتل ابنه بتلك الطريقة المحرجة لآل الخطاب جميعا.

وقال ابن كثير: وفي هذه السّنة (سنة ١٤) ضرب عمر بن الخطّاب ابنه عبيد الله في الشّراب هو وجماعة معه(١) . وقال ابن الأثير: وفيها أعني سنة أربع عشرة ضرب عمر ابنه عبيد الله وأصحابه في شراب شربوه(٢) .

أقول: وعبيدالله غير عبد الرحمن، وقد عاش عبيد الله وأدرك صفين وبها قتل، ومات عبد الرحمن بن عمر في حياة أبيه كما مرّ بك. وهذا يفيد أنّه كان لآل الخطاب ولع بالخمر بعد تحريمها، كما يفيد أنّه لم يبارك لعمر في أولاده.

آل عمر

فاقد الشّيء لا يعطيه، وعمر بن الخطّاب فاقد للمقوّمات الأساسيّة للتّربية الصّحيحة، وعلى رأسها الرّحمة. وإذا لم يكن المربّي رحيما فإنّه يحرم من يتربّى على يديه من أفضل شيء يتحلّى به آدميّ. ولأنّ الرّحمة ليس لها بديل، ولأنّها أهمّ ما يعدّ الإنسان للتّمسك بالقيم ورفض الأنانيّة والأثرة، ولأنّها العمدة في تقريب النّاس إلى الخير

____________________

(١) البداية والنهاية، ابن كثير، ج ٧ ص ٤٨.

(٢) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج ٢ ص ٣٣٦.

٣٨

وإبعادهم عن الشرّ، فإنّ الإسلام لم يفتأ يدعو إليها ويحثّ عليها ويرغّب فيها؛ ويكفي لذلك أن الله تعالى يفتتح سور كتابه الكريم ببسملة تتضمّن الرحمة مكرّرة، فهو الرحمن الرحيم. ومع أنّه العزيز الجبّار، المنتقم، المقتدر المتكبّر، شديد العقاب، ذو الطّول، إلاّ أنّه يخاطب عباده بـ (الرّحمن الرّحيم). ويصعب علينا أن نصف أمثال عمر بن الخطّاب بالرّحمة وهو الذي يذكر عنه أنه وأد ابنته، أي دفنها حية تتنفّس!! حتّى البهائم ترحم صغارها، حتّى الوحوش ترحم صغرها وتدافع عنها حتى الموت، لكنّ الآدميّ الذي خلا قلبه من الرّحمة لا يستنكف أن يدفن صغيرته حيّة ويهيل عليها التراب من دون جرم أتته. ويصعب علينا أن ندّعي أن عمر بن الخطّاب اكتسب الرّحمة بعد إسلامه، ولو حاولنا أن ندّعي له ذلك لهجمت علينا صور كثيرة ومشاهد عديدة من مشاهد العنف أحدها مشهده وهو يجمع الحطب ويهدّد بتحريق بيت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي البيت حسن وحسين وزينب وأم كلثوم! لم يغيّر الإسلام من عمر بن الخطّاب إلاّ المظهر، أمّا باطنه فبقي هو هو؛ هو الذي دفن ابنته حيّة، وهو الذي أراد أن يحرّق بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناءها وهم أحياء.هذا الرّجل بهذه القسوة هو والد كلّ من عبد الله بن عمر وعبيد الله بن عمر وعبد الرحمن بن عمر وعاصم بن عمر وحفصة بنت عمر.. ويجمع هؤلاء جميعا بغض آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال زيني دحلان في السيرة الحلبية: وأما فضل التّسمية بهذا الاسم أعني محمدا فقد جاء في أحاديث كثيرة وأخبار شهيرة أي منها أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قال الله تعالى وعزتي وجلالي لا أعذب أحدا تسمّى باسمك في النّار أي باسمك المشهور وهي محمد أو أحمد. ومنها: ما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه أحمد ومحمّد، وفي رواية فيها اسمي إلاّ قدّس الله ذلك المنزل كلّ يوم مرّتين. ومنها: يوقف عبدان اسم أحدهما أحمد والآخر محمد بين يدي الله تعالى فيؤمر بهما إلى الجنة فيقولان ربّنا بم استأهلنا الجنة لوم نعمل عملا تجازينا به الجنّة؟ فيقول الله تعالى: ادخلا الجنّة فإنّي آليت على نفسي أن لا يدخل النّار من اسمه أحمد أو محمّد. لكن قال بعضهم: ولم يصحّ في

٣٩

فضل التّسمية بمحمّد حديث، وكلّ ما ورد فيه فهو موضوع! قال بعض الحفّاظ: وأصحّها أي أقربها للصحّة من ولد له مولود فسمّاه محمّدا حبّا لي وتبرّكا باسمي كان هو ومولوده في الجنة(١) .

أقول: ولم يثبت أنّ عمر بن الخطاب سمّى أحد أبنائه أحمد أو محمّدا.

عبد الله بن عمر:

كان هذا الرّجل ممن يصطاد الدّنيا بالدّين، فكان يتعبّد حتى تنهكه العبادة، لكنّه في نفس الوقت لا يأنف أن يركن إلى الذين ظلموا ويعتبر حكمهم شرعيّا مسئولا عنه أمام الله تعالى، وموقفه من أهل المدينة في واقعة الحرّة معلوم، وهو موقف لا ينمّ إلاّ عن خنوع واستكانة ورضا بالباطل. وله مع ذلك أخبار تكشف عن حقيقته ومدى فهمه للإسلام. وقد كان يحدث نفسه بالخلافة أيام الفتنة وهو الذي لم يحسن طلاق امرأته، وبقي يحلم بذلك إلى أن قطع أمله معاوية ببيعة يزيد وواجهه بما لا يصبر عنه أبيّ شريف. وهو أيضا صاحب الرّوايات العجيبة في تفضيل أبيه على المطهّرين بنصّ كتاب الله الكريم، وحاشا لذي العرش أن يفضّل من عبد الصّنم عشرات السنين على من تربّى في حجر النّبي الأمين ولم يشرك بالله طرفة عين. ولا يرتاب كاتب هذه السّطور في أنّ عبد الله بن عمر من النّواصب الذين يبغضون علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنّه لم يكن يعدّه من الخلفاء، مع أنّه كان لا يتردّد في شرعيّة حكم يزيد بن معاوية، وهذا ما لا يقول به إلاّ من انتكست فطرته وعميت بصيرته وأضلّه الله على علم.

عن نافع قال: دخل ابن عمررضي‌الله‌عنه الكعبة فسمعته وهو ساجد يقول: (قد تعلم ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدّنيا إلاّ خوفك(٢) .

أقول: يرد عليه قول أبيه عمر في حقّه، وهو أعلم به من غيره، (إنّه لا يصلح للخلافة) وقد عاب عليه أنّه لم يحسن طلاق امرأته. ولقد كانت له مواقف خزي مع بني أميّة

____________________

(١) السيرة الحلبية، ج ١ ص ١٣٥.

(٢) حلية الأولياء، ج ١ ص ٢٩٢.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فجوابه : أنّ المراد ما نهى الشارع عنه يراد به الأقلّ ثواباً ، لا أنّ كل ما هو أقلّ ثواباً مكروه.

فإنْ قلت : أيّ نهي فيما نحن فيه عن إمامة العبد لغير أهله؟.

قلت : يستفاد من ظاهر الخبر ، إلاّ أنّ الحال ما عرفت في أوّل الكلام ، فلا ينبغي الغفلة عنه. وما عساه يقال : إنّ الأهل لا ينحصر في الموالي. يمكن دفعه بتقدير عدم القائل ، فليتأمّل.

قوله :

باب الصلاة خلف الصبي قبل أنْ يبلغ الحلم.

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن غياث ابن كلوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام : « أنّ علياًعليه‌السلام كان يقول : لا بأس أنْ يؤذّن الغلام قبل أنْ يحتلم ، ولا يؤمّ حتى يحتلم ، فإنْ أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه ».

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، ( عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن يحيى )(١) ، عن طلحة بن زيد(٢) ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي : قال : « لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم ، وأنْ يؤمّ ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على من كان كاملاً للعقل وإنْ لم يبلغ الحلم ، والخبر الأوّل على من لم يحصل فيه شرائط التكليف قبل بلوغ الحُلُم ، ليتلاءم الخبران.

__________________

(١) في « رض » و « م » : عن أحمد بن محمّد بن يحيى.

(٢) في « فض » : طلحة بن يزيد.

٨١

السند :‌

في الخبرين كرّرنا القول في أحوال رجاله(١) . والحاصل أنّهما ضعيفان ؛ لأنّ غياث بن كلوب في الأوّل مهمل في الرجال(٢) . والثاني فيه طلحة بن زيد ، وفي الرجال أنّه عاميّ(٣) ، وقيل بتري(٤) . ومحمّد بن يحيى الراوي فيه اشتراك(٥) .

فإنْ قلت : قد ذكر الشيخ في الفهرست أنّ كتاب طلحة معتمد(٦) ، والظاهر من الشيخ هنا النقل من كتابه ؛ لأنّ الشيخ لا يعمل بالخبر المجرد عن القرائن ، فما المانع من قبول الخبر؟

قلت : قد قدّمنا كلاماً في مثل هذا. والحاصل أنّ نقل الشيخ هنا لم يعلم من كتاب طلحة ، واعتماد الشيخ على القرائن لا ريب فيه ، إلاّ أنّ في مساواة مثل هذا للتوثيق منه في الرجال محل كلام ، فليتأمّل.

المتن :

في الأوّل : ظاهر في نفي البأس عن أذان الغلام قبل أنْ يحتلم ، والنهي عن إمامته حتى يحتلم ، لكن النهي يتناول ائتمام مثله به والبالغ ، والظاهر من قوله : « فإنْ أمّ » إلى آخره. يتناول مثله وغيره ، ودلالة الفساد‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٢٧٩ ، ج ٢ ص ٣٥٢ ، ج ٤ ص ٣٣٧.

(٢) انظر رجال النجاشي : ٣٠٥ / ٨٣٢ ، الفهرست : ١٢٣ / ٥٥٠.

(٣) انظر رجال النجاشي : ٢٠٧ / ٥٥٠ ، الفهرست : ٨٦ / ٣٦٢.

(٤) كما في رجال الطوسي : ١٢٦ / ٣.

(٥) انظر هداية المحدثين : ٢٥٨.

(٦) الفهرست : ٨٦ / ٣٦٢.

٨٢

على بلوغ من خلفه محل تأمّل. وما عساه يقال إنّ التعبير بقوله : « جازت صلاته » دون « صحّت » يدلّ على أنّ عبادته لا توصف بالصحّة ، وحينئذٍ يدلّ ذكر الفساد على البالغ ؛ محل تأمّل أيضاً.

والحاصل أنّ منع كون عبادة الصبي شرعية محل بحث ، كما أنّ عدم اتصافها بالصحّة والفساد كذلك.

فإنْ قلت : قد صرّح البعض بأنّ الصحّة والبطلان من خطاب الوضع ، فلا يدلّ على ما ذكرت من إرادة البالغ.

قلت : الذي صرّح بما ذكرت جدّيقدس‌سره في الروضة ، وأظنّ أنّه غير تام ، وقد أوضحت الحال في حواشي الروضة.

وحاصل الأمر أنّه ذكر في الروضة في كتاب الصوم عند قول الشهيدرحمه‌الله : وفي الصحّة التمييز. ويعلم منه أنّ صوم المميز صحيح ، فيكون شرعياً ، وبه صرّح في الدروس ، ويمكن الفرق بأنّ الصحّة من أحكام الوضع فلا يقتضي الشرعية ، انتهى(١) .

وقد يقال : إنْ أراد بكون الصحّة من أحكام الوضع أنّ الشارع لم يحكم بها ، وإنّما الحاكم بها العقل ، كما ذكره ابن الحاجب. ففيه : أنّ هذا لا يقتضي كون الصحة ليست من الأحكام الشرعية ؛ إذ لا مانع من كونها من الأحكام الشرعية بواسطة العقل ، على معنى أنّ العقل حاكم بأنّ ما وافق أمر الشارع فهو صحيح.

وإنْ أراد أنّ الصحّة لا تتوقف على توقيف الشارع عليها ، بمعنى أنّه لا يحتاج إلى تنصيصه على الصحّة ، فلزوم كون الصحّة تقتضي أنّ الحكم‌

__________________

(١) الروضة البهية ٢ : ١٠١.

٨٣

وضعي لا شرعي ؛ غير واضح ، كيف وقد صرّح هو وغيره بأنّ الحكم الوضعي من أقسام الحكم الشرعي. نعم هو قسيم الاقتضاء ، غاية الأمر أنّه يمكن أنْ يقال : إنّ موافقة الأمر متوقفة على تناول الأمر من الشارع له ، وقد صرّح بعض الأصحاب بأنّ عبادة الصبي تمرينية(١) ، لعدم تناول الأمر له بناءً على أنّ التكليف مشروط بالبلوغ.

وقد يقال : إنّ التكليف بالواجبات أو المحرّمات مسلّم التوقف على البلوغ ، أمّا غيرها فهو أوّل البحث ، وحديث رفع القلم(٢) يؤيد انتفاء الأمر بالواجبات ، والنهي عن المحرّمات.

ويمكن الجواب : بأنّ تناول الأوامر والمناهي على وجه الاستحباب والكراهة يشكل إثباته بالنسبة إلى المميز ، وفيه ما فيه ، لكن المنقول عن أكثر الأصحاب المنع من إمامة المميز ؛ لعدم كون عبادته شرعية ، فلا يكون داخلاً في الإمام المكلّف بالجماعة ، مضافاً إلى أنّه إذا عَلم عدم عقابه فلا يؤمن من الإخلال بشرط ، وللرواية الاولى(٣) . وقد سبق في رواية السكوني على ما في التهذيب ما يدلّ على ذلك أيضاً(٤) ، وبعض الأصحاب ذهب إلى أنّ عبادته شرعية(٥) ، فيدخل تحت تكليفه ، وتجويز الإخلال بالشرط يدفعه الظن الموجب للاعتماد كالبالغ.

وفي الكافي روى عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « لا بأس بالغلام‌

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٧٠ ، المختلف ٢ : ٤٨١ و ٣ : ٣٥٢ الروضة ، البهية ٢ : ١٠٢.

(٢) انظر الخصال : ٩٣ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٢٤٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٢.

(٥) كما في الشرائع ١ : ١٨٨ ، الدروس ١ : ٢٦٨ ، مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٢٤٦.

٨٤

الذي لم يبلغ الحلم أنْ يؤمّ القوم وأنْ يؤذّن »(١) والخبر الثاني من الباب يؤيد ذلك ، وحملُ الشيخ المذكور هنا يريد به حصول البلوغ بغير الحلم ، فيحمل ما دلّ على الجواز على ذلك ، وما دلّ على المنع يحمل على غير ذلك ، وهو مَن لم يبلغ أصلاً.

ولا يخفى أنّ الحمل على الكراهة في حيّز المنع ؛ لأنّ التصريح بفساد صلاة من خلفه يأبى الكراهة ، وكذلك الخبر السابق مع زيادة التهذيب(٢) ، ولو حمل الفساد على استحباب الإعادة ازداد البعد ، فما ذكره بعض الأصحاب من إمكان الجمع بالكراهة(٣) ؛ محل تأمّل ، كحمله بعض أخبار المنع على عدم شروط الإمامة أو بعضها.

هذا على تقدير الاعتماد على الأخبار ، أو الاعتماد على التوجيه المنقول ، وتصير الأخبار مؤيدة ، وإلاّ أمكن أنْ يقال : ما ذكره شيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب من أنّ الرواية مطابقة لمقتضى الأصل من وجوب القراءة على المصلّي إذا لم يعلم المسقط ، ولم يعلم مع الائتمام بغير البالغ.

وما عساه يقال : إنّ عموم أخبار الجماعة تتناول الصبي المميز ؛ محل بحث ، وفي المعتبر بعد نقل تأويل الشيخ قال : وليس هذا التأويل بجيّد ؛ لتوارد الروايتين على صفةٍ واحدة ، مع تنافي الحكم ، لكنّ الأولى العمل برواية إسحاق ؛ لعدالته ، وضعف طلحة ، ولأنّ ذلك أظهر في الفتوى بين الأصحاب ، وهو نوع من رجحان(٤) ، انتهى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٦ الصلاة ب ٥٦ ح ٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢١. أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٣.

(٢) راجع ص : ٧٣ ، ٧٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٢٤٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٣٦.

٨٥

وقد يقال : إنّ ما ذكره من مورد الروايتين يمكن توجيهه وإنْ أمكن المناقشة بعدم المانع من حمل الاحتلام في الأُولى على البلوغ ، وفي الثانية على حصول المني ، إلاّ أنّ البعد غير خفي.

أمّا ما قاله من عدالة إسحاق ، ففيه : أنّ الضعف غير منحصر في إسحاق ، بل غياث بن كلوب غير موثّق ولا ممدوح ، إلاّ أنّ يقال : بأنّه مجهول الحال فلا يحكم بضعفه ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة في المختلف نقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف أنّه جوّز كون المراهق المميِّز العاقل إماماً في الفرائض ، وحكى عن غير الشيخ أيضاً في الجملة ، ثم احتجّ العلاّمة لما ذهب إليه من المنع بأنّه ليس من أهل التكليف ، ولا يقع منه الفعل على وجه الطاعة ، لأنّها موافقة الأمر ، والصبي ليس مأموراً إجماعاً ، وبأنّ العدالة شرط إجماعاً ، وهي غير متحققة في الصبي ، لأنّها هيئة قائمة بالنفس تبعث على ملازمة الطاعات والانتهاء عن المحرّمات ، وكلّ ذلك فرع التكليف ، وذكر غير ذلك ممّا قدّمناه.

ثمّ نقل احتجاج الشيخ بإجماع الفرقة ، وأنّهم لا يختلفون في أنّ مَن هذه صفته تلزمه الصلاة ، وأيضاً قولهعليه‌السلام : « مُرُوهُم بالصلاة لسبع » يدلّ على أنّ صلاتهم شرعية ، ولأنّه جاز أنْ يكون مؤذّناً فجاز أنْ يكون إماماً ، ولِما رواه طلحة وذكر الرواية الثانية.

ثمّ أجاب العلاّمة بمنع الإجماع على تكليف غير البالغ ، بل لو قيل بالضد كان أولى ، وأمر الولي بأمرهم ليس أمراً لهم ، ومشروعية صلاتهم إنْ عنى بها أنّها مطلوبة للتمرين فهو مسلّم ، أمّا لاستحقاق الثواب فلا ، والرواية ضعيفة ، ومتأوّلة بالغلام الذي بلغ بالسنين ولم يحتلم(١) ، انتهى.

__________________

(١) المختلف ٢ : ٤٨٠.

٨٦

ولقائل أنْ يقول : إنّ احتجاجه محل تأمّل ، أمّا أولاً : فما ذكره من أنّ الصبي ليس مأموراً إجماعاً ، فيه : أنّ الأمر بالأمر بالشي‌ء الخلاف واقع فيه ، فقد قيل : إنّه أمر بذلك الشي‌ء(١) ، وقيل : لا(٢) ، واستدلال الشيخ بقولهعليه‌السلام : « مُرُوهُم » يدلّ على اختياره ذلك ، فأين الإجماع؟ إلاّ أنْ يقال : إنّ الخلاف بين الأُصوليين ، أمّا الأصحاب فلا ، وفيه : أنّ الخلاف في أنّ عبادة الصبي شرعية أو تمرينية موجود ، والبناء على المسألة الأُصولية مذكور.

وأمّا ثانياً : فلأنّ العدالة إنْ كانت إجماعية حتى في الصبي ( فلا بُدّ أنْ يراد بها فيه معنىً غير المعنى في البالغ ، وإنْ أُريد بها في غير الصبي )(٣) فلا يتمّ الدليل ، كما هو ظاهر. وقوله : إنّ ملازمة الطاعات ( والانتهاء عن المحرّمات فرع التكليف ، يدفعه أنّه لا مانع من إرادة الطاعات )(٤) والانتهاء عن المحرّمات بالنسبة إلى المكلّف بها.

وأمّا جوابه عن احتجاج الشيخ ففيه مع ما ذكرناه ـ : أنّ نفي استحقاق الثواب محل بحث ؛ إذ ليس بإجماعي ، ومعه لا مانع من الاستحقاق ، فليتأمّل.

اللغة‌ :

قال في القاموس : الحُلْم بالضم والاحتلام الجماع في النوم ، والاسم الحُلُم كعُنُق(٥) .

__________________

(١) المستصفى من علم الأصول ٢ : ١٣ ، المدارك ٦ : ٤٢.

(٢) الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٢ : ٤٠٢.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٥) القاموس المحيط ٤ : ١٠٠.

٨٧

قوله :

باب أنّ المتيمم لا يصلّي بالمتوضّئين.

أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبّاد بن صهيب قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « لا يصلّي المتيمم بقومٍ متوضّئين ».

محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن بنان بن محمّد ، عن أبيه ، عن ابن المغيرة ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام قال : « لا يؤمّ صاحب التيمم المتوضّئين ، ولا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء ».

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن أبي جميلة ، عن أبي أُسامة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في الرجل يجنب وليس معه ماء وهو إمام القوم ، قال : « نعم ، يتيمم ويؤمّهم ».

سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ابن أيّوب ، عن عبد الله بن بكير قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلٍ أجنب ثم تيمم فأمّنا ونحن على طهور ، فقال : « لا بأس به ».

عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن حمزة بن حمران(١) وجميل بن دراج قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إمام قوم أصابته جنابة في سفر (٢) وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ، أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم؟ قال : « لا ، ولكن‌

__________________

(١) في الكافي ٣ : ٦٦ / ٣ والفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ والتهذيب ٣ : ١٦٧ / ٣٦٥ والوسائل ٨ : ٣٢٧ أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ١ : عن محمّد بن حمران.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٢٥ / ١٦٣٨ : السفر.

٨٨

يتيمم الجنب ويصلّي بهم ، فإنّ الله جعل التراب طهوراً ».

عنه ، عن أبي جعفر ، ( عن أبيه )(١) ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت : رجل أمّ قوماً وهو جنب وقد تيمم وهم على طهور ، فقال : « لا بأس ».

فالوجه في هذه الأخبار والجمع بينها وبين الخبر الأوّل أنْ نحمل الخبر الأوّل على الفضل ، وهذه على الجواز ، لئلاّ تتناقض الأخبار.

السند :‌

في الأوّل : ليس في رجاله ارتياب بعد ما قدّمناه مكرّراً(٢) ، إلاّ في عبّاد بن صُهيب ، فإنّ النجاشي قال : عبّاد بن صُهيب أبو بكر التميمي الكُليبي اليربوعي ، بصري ثقة ، روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وذكر أنّ الراوي عنه كتابه هارون بن مسلم(٣) . والشيخ في الفهرست ذكره مهملاً ، والراوي عنه كتابه الحسن بن محبوب(٤) ، والعلاّمة في الخلاصة قال : عبّاد بن صُهيب بتري قاله الكشّي ، ثم نقل عبارة النجاشي(٥) . وحكى جدّيقدس‌سره في فوائد الخلاصة عن الإيضاح الجزم بأنّه ثقة(٦) ، انتهى.

والذي في الكشي على سبيل الجزم أنّه عاميّ(٧) ، ونقل في موضع‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) راجع ج ٢ ص ١٣١ ١٣٣.

(٣) رجال النجاشي : ٢٩٣ / ٧٩١.

(٤) الفهرست : ١٢٠ / ٥٣١.

(٥) الخلاصة : ٢٤٣ / ٢.

(٦) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ١١٥ ، الإيضاح : ٢٣٢ / ٤٤٤.

(٧) رجال الكشي ٢ : ٦٩٠ / ٧٣٧.

٨٩

آخر عن نصر أنّ عبّاداً بتري(١) ، ونصر صرّح العلاّمة بأنّه غالٍ(٢) ، وكذلك الكشّي(٣) ، فالظاهر أنّ لفظ بتري سهو قلم.

ثم إنّ ترجيح النجاشي في توثيقه قد قدّمنا القول فيه(٤) . وقولهم : إنّ الجارح مقدّم على المعدّل على الإطلاق(٥) ؛ محل تأمّل. كما أنّ قولهم بإمكان الجمع بين قول الجارح والمعدّل في مثل هذا(٦) ، فيكون عاميّاً ثقة ؛ محل بحث ؛ لِما يعلم من النجاشي أنّه لا يترك ذكر فساد المذهب في كتابه.

والثاني : فيه بنان بن محمّد ، وهو أخو أحمد بن محمّد بن عيسى على ما في الكشّي نقلاً عن نصر بن الصباح(٧) ، وعلى كل حال لا يزيد على الإهمال ، وأبوه محمّد بن عيسى تقدّم أنّه غير معلوم التوثيق(٨) ، وأمّا المدح فله وجه. وابن المغيرة تقدّم(٩) ، ويأتي بيانه في الجملة. والسكوني تكرّر القول فيه(١٠) .

والثالث : فيه أبو جميلة وهو المفضّل بن صالح ، وقد ذكره الشيخ في الفهرست مهملاً(١١) ، والعلاّمة قال : إنّه ضعيف(١٢) . ومحمّد بن‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٩٠.

(٢) خلاصة العلاّمة : ٢٦٢ / ٢.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦١٣ / ٥٨٤.

(٤) راجع ج ١ ص ١٠٨ ١١١ ، ج ٦ ص ٣٦٩.

(٥) قاله الشهيد الثاني في الدراية : ٧٣.

(٦) انظر حاوي الأقوال ٣ : ٢١٩ / ١١٦٨.

(٧) رجال الكشي : ٢ : ٧٩٩ / ٩٨٩.

(٨) يأتي ص ٩٠.

(٩) راجع ج ١ ص ٥٩ ، ج ٣ ص ١٧ ، ١٧٨ ، ج ٤ ص ١٠٧ ، ٣٩٢.

(١٠) راجع ج ١ ص ١٨٨ ، ج ٢ ص ١٠٩ ، ٣٩٧ ، ج ٣ ص ١٤٠ ، ٤٢٠ ، ج ٤ ص ٩٦.

(١١) الفهرست : ١٧٠ / ٧٤٣.

(١٢) انظر خلاصة العلاّمة : ٢٥٨ / ٢.

٩٠

عبد الحميد كرّرنا القول فيه في الكتاب من أنّ كلام النجاشي فيه(١) محتمل لتوثيقه احتمالاً لا يبعد ظهوره ، أو لأبيه على بُعد. وكذلك مضى القول(٢) في أبي أُسامة زيد الشحّام.

والرابع : فيه عبد الله بن بكير ، وقد مضى فيه القول(٣) ، والحاصل أنّ الشيخ قال : إنّه فطحي ثقة(٤) ، والنجاشي لم يذكر الأمرين(٥) ، وفي الكشّي : إنّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه(٦) . فليتأمّل.

والخامس : واضح الرجال ، ولا يضرّ حمزة بن حمران بالحال ، حيث لا يزيد وصفه عن الإهمال.

والسادس : فيه محمّد بن عيسى الأشعري المعبر عنه بأبيه ، وقد مضى(٧) عدم ثبوت توثيقه ، بل المدح فيه له وجه. وعبد الله بن المغيرة مضى أنّه ثقة ثقة في النجاشي(٨) ، والكشّي قال : إنّه ممن أجمع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه(٩) ، والرواية في الكشّي بأنّه كان واقفياً ثم رجع ، تقدّم القول فيها(١٠) . وعبد الله بن بكير مضى عن قريب وبعيد.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٣٩ / ٩٠٦.

(٢) راجع ج ١ : ٢٩٣.

(٣) راجع ج ١ : ١٢٥ ، ٣٨٩ وج ٣ : ١٨.

(٤) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢.

(٥) رجال النجاشي : ٢٢٢ / ٥٨١.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٧) راجع ج ١ : ٣٥٥ ، ٣٧١ وج ٢ : ٢٥٥ وج ٣ : ١٧ ، ١٩٦ وج ٥ : ٦٩.

(٨) في ج ١ : ١٣٩ ، وهو في رجال النجاشي : ٢١٥ / ٥٦١.

(٩) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠.

(١٠) في ج ١ : ١٣٩ ، وهو في رجال الكشي ٢ : ٨٥٧.

٩١

المتن :

في الأوّل : واضح ، وبتقدير العمل فالحمل على الكراهة ممكن لو لا ما في خبر جميل من النهي الدال على مرجوحية صلاة المتوضّئ ، وقد يمكن تكلّف التوجيه ، وسيأتي نوع احتمال.

وأمّا الثاني : فالكلام فيه كالأوّل ، إلاّ أنّ فيه احتمال رجحان المنع من حيث النهي عن إمامة صاحب الفالج الأصحّاء ، والحال ما سمعت ، ولولاه أمكن بعض المقال.

والثالث : ربما دلّ بظاهره على جواز التيمم في أوّل الوقت ، إلاّ أنْ يقال بتأخير صلاة المأمومين تبعاً له ويكون من قبيل العذر ، وفيه ما فيه.

والرابع : كالثالث.

والخامس : عرفت القول فيه ، وربما كان السفر يفيد الرخصة في التأخير.

فإنْ قلت : ظاهر الخبر أنّ الماء مع الجنب ولا يكفيه للغسل ، ولعلّ السؤال عن وضوء أحدهم بمائه ويصلّي بهم ، فالنهي حينئذٍ عن هذا ، فلا يدلّ على النهي عن إمامة المتوضّئ.

قلت : لا دلالة في الرواية على الوضوء بمائه كما لا يخفى ، والصدوق رواها عن جميل ، وفيها : ومعهم ماء يتوضّؤن(١) به(٢) وهو صريح في نفي ما ذكر.

والسادس : واضح الدلالة.

__________________

(١) في « م » و « رض » : ومعها يتوضئون.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٠ / ١١٢٤.

٩٢

ثمّ إنّ حمل الشيخ يتضح المراد فيه بما قدّمناه سابقاً ، ويظهر منه إرادة الكراهة من العنوان ، وفي المنتهى : أنّه لا يعرف خلافاً في الكراهة ، إلاّ ما حكي عن محمّد بن الحسن الشيباني من المنع ، هكذا نقله شيخناقدس‌سره (١) وفي المختلف حكى عن السيّد المرتضىرضي‌الله‌عنه أنّه قال : لا تجوز الصلاة خلف الفسّاق ، ولا يؤمّ بالناس الأغلف ، وولد الزنا إلى أنْ قال ـ : ولا المتيمم المتوضّئين(٢) . والظاهر من هذا المنع ، فليتأمّل.

وفي مدارك شيخناقدس‌سره بعد رواية عبّاد بن صُهيب ورواية السكوني ، قال : وفي الروايتين ضعف من حيث السند ، ولو لا تخيّل الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بجواز الإمامة على هذا الوجه من غير كراهة ، للأصل ، وما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن جميل بن درّاج(٣) وذكر الرواية. ولا يخفى عليك الحال في ضعف رواية عبّاد والإجماع ، وقد حكى بعض محققي المتأخّرينرحمه‌الله عن الشيخ(٤) أنّه نقل عن بعض الأصحاب تحريم صلاة المتيمم بالمتوضّئين(٥) ، ولا يبعد أنْ يكون هو السيّد المرتضى ، فقول العلاّمة في المنتهى(٦) من أعجب الأُمور ، وقد نقله هذا الفاضل عنه.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما تضمنه خبر جميل من إمام القوم وغيره أيضاً ربما يستفاد منه أنّ الإمام الراتب لقوم يرجّح على غيره ، ويكون النهي‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٧١ ، وهو في المنتهي ١ : ٣٧٣.

(٢) المختلف ٢ : ٤٨٣.

(٣) المدارك ٤ : ٣٧٢.

(٤) في المصدر : الشارح.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٢٦٨.

(٦) المنتهى ١ : ٣٧٣.

٩٣

عن صلاة المتوضّئ لأجل ما ذكر ، إلاّ أنّ الموجود في عبارات من رأينا كلامه في ترجيح الراتب بمعنى آخر(١) .

وما تضمنه الخبر من التعليل فيه دلالة على جواز التيمم مع سعة الوقت ، مضافاً إلى ما تقدم ، فليتأمّل.

قوله :

باب المسافر يصلّي خلف المقيم‌

أحمد بن محمّد ، عن ( الحسن بن الحسين )(٢) اللؤلؤي ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن أبي المغراء حميد بن المثنى ، عن عمران ، عن محمّد بن علي ، أنّه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين؟ قال : « فليصلّ صلاته ثمّ يسلّم ويجعل الأخيرتين سبحة ».

الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المسافر يصلّي خلف المقيم؟ قال : « يصلّي ركعتين ويمضي حيث شاء ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « لا يصلّي المسافر مع المقيم ، فإنْ صلّى فلينصرف‌

__________________

(١) انظر المدارك ٤ : ٣٥٦.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٢٥ / ١٦٤٠ : الحسين بن الحسن ، وفي « م » : الحسين ، وفي « رض » : الحسين بن الحسين ، والصحيح ما أثبتناه من « فض » انظر رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٣ ، ورجال الطوسي : ٤٦٩ / ٤٥.

٩٤

في الركعتين ».

سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن داود بن الحصين ، عن أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « لا يؤمّ الحضري المسافر ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلي بشي‌ء من ذلك فأمّ قوماً حاضرين ، فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّى المسافر خلف قوم حُضور فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، وإنْ صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر ، والأخيرتين العصر ».

فالوجه في هذين الخبرين ضرب من الكراهة دون الحظر حسب ما فصّلعليه‌السلام من أحكامه.

السند :‌

في الأوّل : فيه الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، وقد قدّمنا القول فيه مفصّلاً(١) ، والحاصل أنّ النجاشي قال : إنّه ثقة في ترجمته(٢) . وفي ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى قال : كان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما يرويه عن جماعة ، منهم ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي : ثمّ قال ، قال أبو العباس بن نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه ، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه ، إلاّ في محمّد بن عيسى بن عُبيد ، فلا أدري ما رابه ، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة(٣) .

__________________

(١) راجع ج ٢ ص ٢٦٢.

(٢) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٣.

(٣) رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩.

٩٥

وقد قدّمنا(١) ما في هذا الكلام تفصيلاً ، والإجمال لبعد العهد أنّ صريح كلام ابن الوليد فيما ينفرد به الحسن بن الحسين ، وغير خفي أنّ المتقدمين لا يعملون بالخبر المجرّد عن القرائن كما يظهر منهم ، وما قد يظنّ من خلافه قد أجبنا عنه فيما سبق(٢) ، وحينئذٍ فتخصيص(٣) ما ينفرد به الحسن لا وجه له ظاهراً ، بل كلّ من انفرد بالرواية لا يعمل بروايته.

ولعلّ الوجه احتياج مثل هذه الرواية إلى زيادة القرائن ، لكن قول أبي العباس : وقد أصاب شيخنا ، إلى آخره. يشكل بأنّه فهم منه إرادة الضعف في المذكورين ، كما ينبئ عنه قوله في محمّد بن عيسى : إنّه كان على ظاهر العدالة والثقة ، ولا يبعد أنْ يكون غرضه أنّ الاحتياج إلى زيادة القرائن غير واضح ، بل هو كغيره من العدول ، فيتمّ الكلام في الجملة.

وبهذا يندفع ما عساه يقال على النجاشي من أنّ توثيقه للحسن بن الحسين في ترجمته ، ثم نقله الاستثناء وكلام أبي العباس ، يقتضي التوقف فيه ، وحاصل الاندفاع واضح ممّا قرّرناه.

ومن هنا يندفع ما قاله الشيخ في رجال من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام : إنّ الحسن بن الحسين اللؤلؤي يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيى ، ضعّفه ابن بابويه(٤) . فإنّ التضعيف إنّما هو من الاستثناء ، والاستثناء لا يفيد ذلك.

فإنْ قلت : لا مانع من إرادة الشيخ بالتضعيف عدم قبول ما ينفرد به ؛

__________________

(١) راجع ج ١ ص ١٢٤ ، ج ٢ ص ٢٦٢.

(٢) راجع ج ١ ص ١٣ ١٦.

(٣) ليست في « رض » و « م ».

(٤) رجال الطوسي : ٤٦٩ / ٤٥.

٩٦

لأنّ الظاهر من الشيخ العمل بالخبر المحتفّ بالقرائن(١) ، والضعيف عند المتأخّرين بمعنى عدم كونه ثقةً أو ممدوحاً(٢) ، لا يضرّ بحال الشيخ ، فجاز أنْ يكون ثقةً عند المتأخرين من جهة ، وضعيفاً عند المتقدمين من جهة ، وقول أبي العباس قابل للتأويل المتقدّم ، بحيث لا يفيد التضعيف عند المتأخرين.

قلت : لما ذكرت وجه ، وبسببه قد يندفع بعض التعارض الواقع بين توثيق النجاشي وتضعيف الشيخ ، إلاّ أنّ هذا يحتاج إلى مزيد فكر في الفرق بين الأمرين.

وبهذا يندفع قول العلاّمة في الخلاصة في ترجمة الحسن بن الحسين : إنّ النجاشي قال إنّه ثقة ، وابن بابويه ضعّفه(٣) . فإنّ ما ذكرناه يقتضي عدم المنافاة ، وعلى ما يقتضيه كلام بعض الأصحاب من تقديم الجارح في مثل هذا(٤) يكون الجارح مقدّماً ، والحال أنّه لا يبعد الجزم بتوثيقه وإنْ قلنا بتقديم الجارح ، فينبغي تأمّل هذا ، فإنّي لم أر تحريره في كلام متأخّري الأصحاب.

ومن هنا يعلم أنّ قول جدّيقدس‌سره في شرح البداية : إنّ من ألفاظ الجرح قولهم : فلان ضعيف(٥) ؛ محلّ تأمّل ؛ لأنّ الضعف في كلام المتقدمين محتمل لأنْ يريدوا به الضعف مقابل الثقة ، ولأنْ يريدوا به عدم قبول روايته منفرداً.

__________________

(١) انظر الاستبصار ١ : ٣ ، عدة الأُصول : ٣٣٧.

(٢) انظر الدراية : ٢٤.

(٣) الخلاصة : ٤٠ / ١١.

(٤) الدراية : ٧٣.

(٥) الدراية : ٧٢.

٩٧

وفي نظري القاصر أنّ رواية محمّد بن عيسى عن يونس من قبيل الثاني ، فلا مانع من قبول رواية محمّد بن عيسى ؛ لأنّ ضعفه من جهة ، وثقته من جهة كما تقدّم في أوّل الكتاب(١) .

وأمّا بقية الرجال فقد تكرر القول فيهم. وعمران في الظن أنّه الحلبي ، ومحمّد بن علي أخوه ، وهما ثقتان ، إلاّ أنّ غيرهما في حيّز الإمكان.

والثاني : واضح الحال ، وحمّاد بن عثمان بتقدير الاشتراك(٢) هو الثقة بقرينة رواية ابن أبي عمير عنه كما في الفهرست(٣) ، والاحتمال البعيد لا يقدح.

والثالث : ليس فيه من يتوقف فيه ، إلاّ الراوي عن الإمامعليه‌السلام .

والرابع : فيه داود بن الحصين ، والنجاشي وثّقه(٤) ، والشيخ قال : إنّه واقفي في رجال الكاظمعليه‌السلام (٥) ، وكذلك ينقل عن ابن عُقدة(٦) ، واحتمل شيخناقدس‌سره أنّ يكون الأصل ابن عقدة(٧) ، وحاله لا يخفى ، والحق ما أسلفناه في أمثال هذا(٨) ، فتأمّل.

__________________

(١) في ص ٥٤.

(٢) هداية المحدثين : ١٩٦.

(٣) الفهرست : ٦٠ / ٢٣٠.

(٤) رجال النجاشي : ١٥٩ / ٤٢١.

(٥) رجال الطوسي : ٣٤٩ / ٥.

(٦) حكاه عنه في منهج المقال : ١٣٤.

(٧) المدارك ٤ : ٣٦٥.

(٨) راجع ص ٨٩.

٩٨

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على جواز صلاة المسافر مع المقيم ، أمّا قوله : « ويجعل الأخيرتين سبحة » فلا يخلو من إجمال ؛ إذ يحتمل أنْ يراد بالسبحة فعل الفرض نافلة على سبيل الإعادة ، وهذا يتمّ إذا جوّزنا إعادة من صلّى جماعةً مأموماً ، ولو قلنا بالمنع احتمل أنْ يراد الإعادة لغير ما صلاّهُ جماعةً ، لكن هذا موقوف على ثبوت إعادة ما صلاّهُ الإنسان فرادى سابقاً على فعل الجماعة ، وفي الظنّ أنّه لا مانع منه ، نظراً إلى إطلاقهم استحباب إعادة المنفرد ، وخصوص هذا الفرع لم أجده في كلام الأصحاب ، وربما ينظر في تناول الأخبار له ، والتسديد ممكن ، ويحتمل وجه آخر لعلّه بالترك أولى.

والثاني : واضح الدلالة.

[والثالث (١) ] : يتعيّن فيه حمل النهي على الكراهة.

[والرابع (٢) ] : يدلّ على الكراهة في الجملة ، وهو صريح في الحكمين ، والشيخ كما ترى جعله دالاًّ على الكراهة ، واللاّزم منه القول بالكراهة في الأمرين ، والعنوان خاص. وما تضمّنه من تقديم أحد القوم ليتمّ الصلاة لا أعلم القول بتعيّنه الآن.

ثم دلالته على صلاة العصر مع من يصلّي الظهر ظاهرة ، إلاّ أنْ يخصّ بمورده إذا ثبت المنافي. وقد روى الشيخ في باب الزيادات من الصلاة في باب السفر ، عن أحمد بن محمّد ، عن العباس بن معروف ، عن صفوان بن‌

__________________

(١) في « فض » و « م » : والرابع ، وفي « رض » : والثالث والرابع ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في « النسخ » : والخامس ، والصحيح ما أثبتناه.

٩٩

يحيى ، عن عبد الله بن مسكان ومحمّد بن النعمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم ، فإنْ كانت الاولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأوّلتين ، ( وإنْ كانت العصر فليجعل الأوّلتين نافلة والأخيرتين فريضة »(١) .

وهذا الخبر كما ترى يدلّ على أنّ المسافر إذا دخل مع الحاضرين في العصر ، يجعل الأوّلتين )(٢) نافلة والأخيرتين فريضة ، فالفريضة له إمّا أنْ تكون الظهر أو العصر ، فإنْ كانت الظهر دلّ الخبر على جواز(٣) فعل الظهر مع العصر في الأخيرتين ، وفعل الأوّلتين نافلة ، وغير خفيّ الإجمال في النافلة ، والاحتمال السابق يجري هنا. وإنْ كانت العصر أمكن جعل الأوّلتين للظهر نافلة ، ويحتمل على بُعد أنْ يراد بجعل الأولتين نافلة عدم الاقتداء فيهما ، كما لا يجوز في النافلة ، وعلى هذا يحتمل أنْ يراد في الخبر الأوّل من المبحوث عنه كذلك ، وهذا غير ما أشرنا إليه.

ويحتمل في الخبر المنقول عن التهذيب نوع من التوجيه ، لكن المقصود هنا من نقله مع ما أشرنا إليه أنّ عدم تعرض الشيخ له غير واضح الوجه ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المنقول في المقام من أقوال العلماء عن سلاّر كراهة ائتمام الحاضر خلف المسافر ، ثمّ قال : الإمام والمأموم خمسة أقسام ، حاضر بحاضر ، ومسافر بمسافر إلى أنْ قال ـ : ومسافر يأتمّ بحاضر ، وهو يسلّم في اثنتين ولا يتبع الإمام ، إلاّ في صلاة المغرب ، وأمّا‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢٦ / ٥٧٣ ، الوسائل ٨ : ٣٢٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٤.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) ليست في « رض » و « م ».

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564