الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب6%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91193 / تحميل: 7629
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطّاب أنه مرّ من مقام إبراهيم فقال: يا رسول الله أليس نقوم مقام خليل ربّنا؟ قال: بلى قال: أفلا نتخذه مصلّى فلم نلبث إلا يسيرا حتى نزلت: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)(١) .

قال: (وما كان لنبي..) الآية روى أحمد وغيره عن أنس قال استشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأسرى يوم بدر فقال: إن الله قد أمكنكم منهم فقال عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه فقال أبوبكر: نري أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فأنزل الله (لو لا كتاب من الله سبق) الآية.

ههنا إعراض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عمر، والذين يجعلون هذا من الموافقات لا يفقهون كلام الله تعالى، فإنّه سبحانه عزّ وجلّ يقول (وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم) ولم يقل وما كان الله ليعذّبهم وعمر فيهم!.

أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا سوار بن عبد الله العنبري حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن بن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وقال بن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر بن الخطّاب إلا نزل القرآن على نحو مما قال عمر(٢) .

قلت: نعم؛ ابن عمر يروي في فضائل أبيه عمر، ويجرّ النّار إلى قرصه، وعندنا في المغرب العربي مثل يقول: لا يمدح العروس إلا أمّها أو فمها!).

ورووا أنّ عمر بن الخطّاب شتمه أعرابيّ من المشركين فشتمه عمر وهمّ بقتله فكاد أن يثير فتنة فنزلت هذه الآية (قل للذين آمنوا يغفروا...)(٣) .

أقول: حتّى حين يشتم عمر ينزل قرآن يؤيّده.

____________________

(١) لباب النقول، في أسباب النزول، السيوطي، ج ١ ص ١٧.

(٢) صحيح ابن حبان، ج ١٥ ص ٣١٨ تحت رقم ٦٨٩٥.

(٣) تفسير مقاتل بن سليمان، ج ٢ ص ٢٦١ وتفسير السمعاني ج ٣ ص ٢٤٩ وتفسير البغوي ج ٣ ص ١١٩ وتفسير النسفي ج ٤ ص ١٣٠ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج ٣ ص ٤٦٤ وتفسير العز بن عبد السلام، ج ٢ ص ٢٢١ وتفسير القرطبي ن ج ١٠ ص ٢٧٦ وتفسير القرطبي ج ١٦ ص ١٥٦ وتفسير البيضاوي، ج ٥ ص ١٧٠ والتحرير والتنوير، ج ١ ص ٢٤٧٠.

٢٨١

وقال مجاهد: (وقد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن)(١) .

قال مقاتل والزجاج: (كان عمر عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أنزلت عليه هذه الآية فقال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (هكذا أنزلت عليّ)؛ فكأنه أجرى على لسانه هذه الآية قبل قراءة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

وعن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت: (كان عمر بن الخطّاب يقول لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجب نساءك، قالت فلم يفعل، قالت وكان أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرجن ليلا إلى ليل قبل المناصع؛ فخرجت سودة بنت زمعة وكانت امرأة طويلة فرآها عمر وهو في المسجد فقال: قد عرفتك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب قالت فانزل الله عزوجل الحجاب(٣) .

أقول: وكأن نزول القرآن الكريم قضية إلحاح وإصرار!

قال ابن حجر: وقد كان عمر يعدّ نزول آية الحجاب من موافقاته(٤) .

وقال ابن تيمية: (وليس في أولياء هذه الأمّة من يأخذ عن الله سبحانه شيئا بلا واسطة نبيّ أفضل من عمر، ومع هذا فكلّ ما يرد عليه بدون واسطة النبيّ عليه أن يعتبره بما جاء به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن وافقه قبله وإن خالفه ردّه، كما كان عمر بن الخطّاب يفعل فإنّه كان إذا وقع له شيء وجاءت السنّة بخلافه ترك ما عنده لما جاءت به السنّة حت كانت المرأة إذا نازعته فيما قاله بآية من كتاب الله ترك ما رآه لما دلّ عليه النّص، وهذا هو الواجب عليه وعلى كل من آمن بالله ورسوله؛ فإنّ ما جاء به الرّسول معصوم أن يستقرّ فيه خطأ قد فرض الله على خلقه تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر. وأمّا ما يرد على قلوب الأولياء فليس معصوما وليس عليهم تصديقه بل وليس لهم العمل بشيء منه إذا خالف الكتاب والسنة(٥) .

____________________

(١) الدر المنثور، السيوطي، ج ١ ص ٢٩٠.

(٢) تفسير السمرقندي، ج ٢ ص ٤٧٦..

(٣) مسند أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٢٧١ تحت رقم ٢٦٣٧٤.

(٤) فتح الباري ج ١ ص ٢٤٩.

(٥) الصفدية، ابن تيمية، ج ١ ص ٢٥٣.

٢٨٢

مواقف متناقضة

كثرت تناقضات عمر بن الخطاب في الفتوى وغيرها حتى قال الإمام علي عليه السلام في حقه: فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس أن من يكون خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون أشبه الناس به هديا، وهو ما لم يوفق إليه عمر، فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتناقض، لا في أقواله ولا في أفعاله، وكان عمر بن الخطّاب على خلاف ذلك تماما. بل يمكن أن يقال إن النّسبة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين عمر بن الخطّاب هي النّسبة بين المتوازيين لا يلتقيان أبدا؛ وهذه نماذج من تلك التّناقضات التي وقع فيها الخليفة ولم يراجع عنها حتى خرج من الدنيا.

عن إسماعيل عن قيس قال رأيت عمر بن الخطّاب وهو يجلس والنّاس معه وبيده جريدة وهو يقول: (أيّها النّاس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه يقول إنّي لم آلكم نصحا. قال ومعه مولى لأبي بكر يقال له شديد معه الصّحيفة التي فيها استخلاف عمر)(٢)

هذا في ما يخصّ كتاب أبي بكر، لكن موقفه من كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على خلاف ذلك تماما، علما أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوحى إليه وأبوبكر لا يوحى إليه.

قال القرطبيّ وفي البخاريّ عن عبد الله بن عبّاس قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فينزل على ابن أخيه الحر بن قيس بت حصن وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبابا الحديث وقد مضى في آخر الأعراف وفي صحيح مسلم أن نافع بن عبد الحرث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملته على أهل الوادي؟ فقال:

____________________

(١) نهج البلاغة، ج ١ ص ٣٠ - ٣١.

(٢) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦١٨.

٢٨٣

ابن أبزى فقال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا قال: فاستخلفت عليهم مولى! قال: إنه قارئ لكتاب الله وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين(١) .

أقول: تناقض عمر ههنا في كونه كان ينوي أن يستخلف سالم مولى أبي حذيفة - وهو مولى - على كلّ المسبلمين، وهو هنا يتعجّب من استخلاف مولى على أهل مكّة خاصة!

وروى البغويّ عن الزّهريّ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ أبا هريرة قال: لما توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب فقال عمر بن الخطّاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلاّ الله عصم منّي ماله ونفسه إلا بحقّه وحسابه على الله)؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلنّ من فرق بين الصّلاة والزّكاة فإنّ الزّكاة حقّ المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فو الله ما هو إلاّ أن قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنّه الحق(٢) .

أقول هذا اعتقاد عمر: إذا شرح صدر أبي بكر لشيء فهو الحقّ، أمّا حينما ينشرح صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو يهجر والعياذ بالله تعالى.

وعن النّعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقي الحاجّ وقال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام، وقال الآخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتما فزجرهم عمر بن الخطّاب وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهويوم الجمعة ولكن إذا صلّيت دخلت فاستفتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما اختلفتم فيه ففعل فأنزل الله عزوجل: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) إلى قوله: (والله لا يهدي القوم

____________________

(١) تفسير القرطبي، ج ١٧ ص ٢٥١.

(٢) تفسير البغوي، ج ١ ص ١٦.

٢٨٤

الظالمين).(١)

أقول: عمر بن الخطاب ينهى النّاس عن رفع الصّوت عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنه لا يلتزم بذلك، ولا يبالي أن يرفع الصّوت عند رسول الله نفسه في آخر حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

وعن الزّهري أنّ عمر بن الخطّاب قال: إن وليت شيئا من أمر النّاس فلا تبال لومة لائم(٢) .

أقول: لكنّ عمر تعلّل في دفع الخلافة عن عليّ عليه السلام بقوله: (والله لو وليها لانتقضت عليه من أقطار الأرض)! وكان أولى به ألا تأخذه في الله لومة لائم.

قال الآلوسي: وأخرج ابن المنذر عن عمر بن الخطّاب أنه قال: لو وجدت فيه (أي الحرم) قاتل الخطّاب ما مسسته حتى يخرج منه(٣) .

هذا كلام فيه نطر فإن المسلمين يرون عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة ولم يرع حرمة فاطمة عليها السلام يوم السّقيفة، وبيتها أعظم حرمة من الكعبة، لأنّه كان يؤوي أربعة مطهّرين بنصّ الكتاب العزيز، وعمر بن الخطّاب نفسه يصلّي عليهم يوميّا في كلّ صلواته حين يقول (اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد).

وأخرج عبد بنحميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطّاب أنه سئل عن الذين ينامون في المسجد فقال: هم العاكفون(٤) .

هذا رأي عمر في من ينام في المسجد، ومن يطالع كتب الفقه الإسلامي يجد فيها كلاما مخالفا لما يذهب إليه عمر.

وقد ردّ عمر كثيرا مما حكم به أبوبكر كما هو معلوم في شأن السّبي وغيره، بل ذهب إلى الطعن في نفس خلافة أبي بكر فقال عنها (فلتة).

____________________

(١) تفسير البغوي، ج ١ ص ٢٢.

(٢) التاريخ الكبير، البخاري، ج ٤ ص ١٩ وتاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج ٢٢ ص ٣١٧. والدر المنثور، السيوطي، ج ٣ ص ١٠٤.

(٣) روح المعاني، الآلوسي، ج ٤ ص ٦.

(٤) فتح القدير، الشوكاني، ج ١ ص ٢٢١.

٢٨٥

قال عمر بعد أن طعن: (إن أقام هؤلاء النفر الستة أكثر من ثلاثة أيام لم ينصبوا لهم رجلا منهم ويسمعوا له ويطيعوا فاضربوا أعناقهم. وإن اختلفوا وأجمع منهم ثلاثة ولم يجمع معهم الباقون، فاضربوا أعناق الثّلاثة الذين ليس فيهم عبد الرّحمن بن عوف. وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان فاضربوا أعناق الاثنين)!!

ذلك ما قاله بعدما شهد للستة المعنيين بالإيمان، وأشعر في كلامه أنّهم أفضل من الباقين، وهو ما اعتمدت عليه مدرسة الخلفاء في ترتيب الأفضليّة. وذكر عمر فيما ذكر أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي وهو عنهم راض! فهل يحلّ قتل من توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنه راض؟ ومن أين جاء عمر بالأجل (ثلاثة أيام)؟ ولو فرضنا أنّهم لم يصلوا إلى نتيجة في ثلاثة أيّام، ولو فرضنا أن النّزاع بينهم طال أكثر من ثلاثة أيّام، أكان أبو طلحة يضرب رؤوسهم؟ وهل كان يحلّ له ذلك؟ ولو فرضنا أنّه ضرب أعناقهم، ما يكون حكمهم عند الله تعالى وفي المقتولين خمسة من أهل بدر ومن المبشّرين بالجنّة؟!

أقول: في رأيي أنّ تلك كانت مسرحيّة لتمرير المؤامرة بسلام، فإنّ عبد الرّحمن بن عوف كان أمين سرّ عمر، وكان كثير الخلوات به، وكان متزوّجا من ثلاث نسوة من بني أميّة. وحينما أغمي على أبي بكر أثناء كتابة الوصيّة (وأذكّر أنّه لم يسمح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتابته الوصيّة) كتب عثمان بن عفان من تلقاء نفسه (إنّي استخلفت عليكم عمر...) فهل كان عثمان يقرأ في قلب أبي بكر؟

رأي عمر في من يستحق الولاية

ولعمر بن الخطّاب أيضا كلام في هذا المعنى رواه ابن عساكر عن عثمان بن مقسم قال: قال المغيرة بن شعبة لعمر أدلّك على القويّ الأمين؟ قال بلى! قال: عبد الله بن عمر. قال: ما أردت بقولك هذا؟ والله لأن يموت فاكفّنه بيديّ أحبّ إليّ من أن أولّيه وأنا أعلم أنّ في النّاس من هو خير منه(١) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج ٣١ ص ١٧٨.

٢٨٦

عمر يعلم بخاتمة عثمان

قال ابن أبي الحديد: ثم أقبل (عمر) على عثمان، فقال: هيها إليك! كأنّي بك قد قلّد تك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك، فحملت بني أميّة وبنى أبى معيط على رقاب النّاس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب، فذبحوك على فراشك ذبحا. والله لئن فعلوا لتفعلنّ، ولئن فعلت ليفعلنّ، ثمّ أخذ بناصيته، فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنّه كائن. ذكر هذا الخبر كلّه شيخنا أبو عثمان في كتاب السّفيانية وذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر، وذكر ابو عثمان في هذا الكتاب عقب رواية هذا الخبر قال: وروى معمر بن سليمان التّيميّ عن أبيه عن سعيد بن المسيّب عن ابن عبّاس، قال: سمعت عمر ابن الخطّاب يقول لأهل الشورى: إنّكم إن تعاونتم وتوازرتم وتناصحتم أكلتموها وأولادكم، وإن تحاسدتم وتقاعدتم وتدابرتم وتباغضتم، غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان، وكان معاوية حينئذ أمير الشام(١) !

أقول: انظر إلى قوله: (كأنّي بك قد قلّدتك قريش هذا الأمر) يتبيّن لك أنّ قريشا لم تكن تنظر إلى الخلافة أنّها مسألة شرعيّة ومنصب إلهيّ، وإنّما كانت تراها قضيّة قرشيّة بحتة، ولقريش ان تولّي من تشاء، وأنت تعلم أنّ قريشا قد حاربت الإسلام بكل ما أوتيت، ولم تدخل فيه إلاّ مكرهة بعد فتح مكّة، فمن أين صارت الخلافة قضيّة قرشيّة؟!! وأمّا عبارة الأئمّة من قريش التي يرفعونها ورقة فيتو كلّما جرى حديث عن الخلافة فهي محرّفة تعارضها أحاديث متواترة منها حديث الغدير وحديث الثّقلين. والأئمّة من عترة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة لا ينازعهم إلا هالك، ولو كان عمر بن الخطّاب يعتقد فعلا أنّ الأئمّة من قريش لما قال أمام النّاس (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته)! لكنها السّياسة، والسّذّج من المسلمين يعزون الكلام السّابق وما جرى مجراه إلى فراسة عمر وينسون دوره في حياكته!.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١ ص ١٨٦.

٢٨٧

اعتراف عمر بحق علي عليه السلام في الخلافة

عن ابن عباس: قال كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلة وعمر على بغل وأنا على فرس فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي طالب فقال: أما والله يا بني عبد المطّلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر، فقلت في نفسي لا أقالني الله إن أقلته فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين وأنت وصاحبك وثبتما وافترعتما الأمر منّا دون النّاس! فقال إليكم يا بني عبد المطلب أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطّاب! فتأخّرت وتقدّم هنيهة فقال: سر لا سرت، وقال: أعد عليّ كلامك، فقلت: إنّما ذكرت شيئا فرددت عليك جوابه ولو سكتّ سكتنا؛ فقال: إنّا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة ولكن استصغرناه وخشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها! قال: فأردت أن أقول كان رسول الله يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ن أفتستصغره أنت وصاحبك؟ فقال: لا جرم فكيف ترى، والله ما نقطع أمرا دونه ولا نعمل شيئا حت نستأذنه(١) .

وعن محمّد بن كعب عن ابن عمر قال: قال عمر لأصحاب الشورى: لله درهم لو ولّوها الأصيلع كيف يحملهم على الحقّ وإن حمل علي عنقه بالسّيف قال: فقلت تعلم ذلك منه ولا تولّيه؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني(٢) ...

مواقف محرجة

قال الحسن بن عليّ يوما لعمر بن الخطّاب: (انزل عن منبر أبي)، فقال عمر: (هذا منبر أبيك)(٣) .

وقد ثبت أنّ عمر بن الخطّاب كان يكبّر في قبّته فيكبّر أهل السّوق بتكبيره حتى ترتج منى تكبيرا(٤) .

____________________

(١) محاضرات الأدباء، الراغب الأصفهاني، ج ٢ ص ٤٩٥ و ٤٩٦.

(٢) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج ٣ ص ١٠١ تحت رقم ٤٥٢٦.

(٣) ترجمة عليّ من تاريخ دمشق لابن عساكر، ج ٤ ص ٣٢١.

(٤) مختصر ابن كثير، ج ١ ص ١٤٣.

٢٨٨

أقول: يرفع صوته بالتّكبير وينهى غيره عن ذلك.

قال ابن كثير في ذكر قصة وفد نصارى نجران: فأتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك ونتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا فإنّكم عندنا رضا. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ائتوني العشيّة أبعث معكم القويّ الأمين فكان عمر بن الخطّاب يقول: ما أحببت الإمارة قطّ حبّي إيّاها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها! فرحت إلى الظّهر مهجرا فلمّا صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظّهر سلّم ثمّ نظر عن يمينه وشماله فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح فدعاه فقال: (أخرج معهم فاقض بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه) قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة)(١) .

أقول: هذا عمر بن الخطّاب يشهد على نفسه بحبّ الإمارة يومها، ويوم خيبر أيضا يقول: (ما أحببت الإمارة إلا يومئذ) فما أكثر التّناقض في كلام عمر مع شهادته على نفسه بحبّ الإمارة، وقد رووا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (إنّا والله لا نولّي هذا الأمر من يحبّه أو من يحرص عليه) فعمر في نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستحقّ أن يكون على النّاس، لأنّه يحبّ الإمارة ويحرص عليها، وقد بلغ به حرصه عليها أن أراد تحريق البيت على المطهّرين بنص الكتاب العزيز!..

قال ابن عاشور: أمّا قول عمر بن الخطّاب لا ندع كتاب الله وسنّة نبيّنا لقول امرأة أحفظت أم نسيت. فهو دحض لرواية فاطمة ابنة قيس... فلا تكون معارضة لآية حتى يصار إلى الجمع بالتّخصيص والتّرخيص(٢) .

ههنا يقول عمر: كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا، لكنّه يوم الرزيّة قال: حسبنا كتاب الله، وهذا معناه أنّ الاعتقاد بالكتاب والسنّة تابع للمصلحة عند عمر؛ فحينما تكون السنّة منطوية على خلاف ما يهوى عمر يهتف قائلا: حسبنا كتاب الله! ولا يبقى للسنّة مكان.

____________________

(١) مختصر ابن كثير، ج ١ ص ٢٢٣.

(٢) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج ١ ص ٤٤٥٤.

٢٨٩

وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطّاب قال إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله(١) .

تارة حسبنا كتاب الله، وتارة حسبنا السّنن!

قال الجصّاص: وروى معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن الحكم بن مسعود الثّقفيّ قال: شهدت عمر بن الخطّاب أشرك الإخوة من الأب والأمّ مع الإخوة من الأمّ في الثّلث فقال له رجل: قضيت عام أوّل بخلاف هذا. قال كيف قضيت؟ قال جعلته للأخوة من الأمّ ولم تعط الإخوة من الأب والأمّ شيئا! قال: (تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا)(٢) .

أقول: على أيّ أساس كان القضاء الأوّل وعلى أيّ أساس كان القضاء الثّاني؟ أم أنّ الأمر فوضى؟ وكيف اختلف القضاء والموضوع واحد؟!

قال النّحّاس: ومما يحتج به لهذا القول ما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطّاب يقول لعجوز نصرانيّة: (أسلمي أيّتها العجوز تسلمي، إنّ الله بعث محمّدا بالحقّ). قالت العجوز: أنا عجوز كبيرة وأموت إلى قريب. فقال عمر: اللهمّ اشهد! ثمّ قال: لا إكراه في الدّين(٣) .

أقول: إذا كان (لا إكراه في الدين)، فلماذا هدّد عمر فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحريق بيتها عليها وعلى أولادها وزوجها؟ أفلا كانت عنده فاطمة عليها السّلام بمنزلة هذه العجوز النّصرانيّة فيعاملهما جميعا في ضوء (لا إكراه في الدّين)؟!).

____________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ١٥٣ والإتقان في علوم القرآن ج ٢ ص ٩ وسنن الدارمي ج ١ ص ٦٢ وكنز العمال ج ١ ص ١٩٤ وكنز العمال ج ١ ص ١٩٦ والانتصار لأصحاب الحديث ج ١ ص ٦ وتاريخ بغداد ج ١٤ ص ٢٨٦ وقواعد التّحديث ج ١ ص ٥٠ ومفتاح الجنّة ج ١ ص ٥٩ والموافقات ج ٤ ص ١٧ والفقيه والمتفقه ج ١ ص ٥٦٠ واعتقاد أهل السنة ج ١ ص ١٢٣ وذم الكلام وأهله ج ٢ ص ٣٢ وجامع بيان العلم وفضله ج ٢ ص ١٢٣.

(٢) أحكام القرآن للجصاص، ج ٣ ص ٢٤.

(٣) الناسخ والمنسوخ للنحاس، ج ١ ص ٢٥٩.

٢٩٠

وروى ابن عساكر أنّ المغيرة بن شعبة لعمر أدلّك على القويّ الأمين؟ قال: بلى! قال: عبد الله بن عمر؛ قال: ما أردت بقولك هذا؟ والله لأن يموت فأكفنه بيديّ أحبّ إليّ من أن أوليّه وأنا أعلم أنّ في النّاس من هو خير منه(١) .

فعلى فرض ضعف الحديث الذي رواه الحاكم وغيره، فإنّ لقول عمر عند من يأتمّ به شأن وأيّ شان! وهو عند العامّة (أهل السّنّة والجماعة) قطعا أفضل من معاوية بحيث لا وجه للمقايسة، وابنه عبد الله بن عمر أيضا أفضل من يزيد بن معاوية بحيث لا سبيل إلى المقايسة، ومع ذلك لم يرض عمر أن يولّي ابنه مع وجود من هو خير منه؛ لكنّه عيّن أعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأمصار وهو ما سمح لهم بنشر ثقافة معادية لأهل البيت عليهم السلام، وقد تجلّت آثار ذلك فيما بعد في حرب الجمل وحرب صفّين، وبشكل خاص في فاجعة كربلاء.

لماذا ولّى الطّلقاء على المسلمين في جميع الأمصار، والطّلقاء - قطعا - دون المهاجرين والأنصار؟! وهو القائل على ما نقله ابن تيمية في مجموع فتاواه) من ولي من أمر المسلمين شيئا فولّى رجلا لمودّة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين)(٢) . وسيأتي لاحقا أنه هو نفسه ولّى قدامة بن مظعون لقرابته لا غير، وندم على ذلك وقال بصريح العبارة) لم يبارك لي فيه).

وقال المغيرة بن شعبة أخبرنا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن رسالة ربّنا من قتل منّا صار إلى الجنّة. قال عمر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟! قال بلى(٣) .

أقول: ويوم أحد أيضا كان قتلانا في الجنّة وقتلى المشركين في النّار فما بال عمر يفضل الفرار بنفسه وترك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيدي الأعداء على الثّبات في وجه الأعداء؟! وهل هناك دنية أكبر من الفرار من الزّحف بعد تجاوز الأربعين من العمر؟!

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر - ج ٣١ ص ١٧٨.

(٢) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج ٢٨، ص ٢٤٧.

(٣) صحيح البخاريّ، ج ٣ ص ١٠٣٧. باب الجنة تحت بارقة السيوف.

٢٩١

قال ابن عبد البرّ في ترجمة أبي بكرة: (وكان من فضلاء الصّحابة، وهو الذي شهد على لمغيرة بن شعبة فبتّ الشّهادة، وجلده عمر حدّ القذف إذ لم تتمّ الشّهادة ثمّ قال له عمر: تب تقبل شهادتك. فقال له: إنّما تستتيبني لتقبل شهادتي؟ قال: أجل. قال: لا جرم، إنّي لا أشهد بين اثنين أبدا ما بقيت في الدّنيا)(١) .

أقول: إذا كان عمر يعتقد أنّ أبا بكرة لم يكذب على المغيرة بن شعبة في شهادته عليه بالزّنّا فكيف يطلب منه أن يكذب نفسه؟ وفي أيّ دين يطلب من الصّادق أن يكذب نفسه؟! وقد تصوّر عمر أنّ أبا بكرة سيحرص على العدالة الشّكلية التي لا علاقة لها بالتّقوى والورع، تصوّر عمر أنّ أبا بكرة سيتخلّى عن عدالته الحقيقيّة مقابل عدالة تمضيها الدّولة، فطلب منه أن يكذب نفسه، وكان جواب أبي بكرة قاسيا حيث أعلمه أنّ الشّهادة ليست مهمّة عنده، وأنه لا يهمّه أن تكذّبه السّلطة الحاكمة طالما هو صادق عند الله تعالى. وقد أصرّ أبو بكرة على موقفه هذا إلى درجة أن سجّله في وصيّته وهو يودّع الدنيا، فشهد أن المغيرة زنى بجارية بني فلان، وأن عمر فرح حين درأ الحدّ عنه. ولو كان أبو بكرة شاكّا في أمر المغيرة لما كتبه في وصيّته، فقد ذكروا أنّه كان مثل النصل من العبادة(٢) ، ولا يعقل أن يتعمّد عابد بذاك المستوى ختم عمره بقذف رجل بريء. وأمّا فيما يخصّ الشّهادة التي لم تتمّ، فينبغي أن يقال أنّ عمر بن الخطّاب منع من إتمامها حين لقّن الشاهد الرّابع من طرف خفيّ، وقد ظهر ذلك الشّاهد فيما بعد على حقيقته مجرما سفّاحا لا أثر للرّحمة في قلبه. وقد دفع ثمن تفسيق مسلم لحماية فاجر فشهد على أمّه سميّة بالزّنا وعلى أبيه بالدّياثة(٣) .

قال الزّبير: حدّثني محمّد بن سلام قال: أرسل عمر بن الخطّاب إلى الشّفّاء بنت عبد الله العدويّة أن أغدي عليّ. قالت: فغدوت عليه فوجدت عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص ببابه فدخلنا فتحدّثنا ساعة فدعا بنمط فأعطاها إيّاه ودعا بنمط دونه فأعطانيه قالت: فقلت تربت يداك يا عمر أنا قبلها إسلاما وأنا بنت عمّك دونها وأرسلت إليّ

____________________

(١) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج ١ ص ٥١٤.

(٢) قال ابن عبد البر: أبي أبو بكرة أن يتوب، وكان مثل النصل من العبادة حتى مات. الاستيعاب ج ١ ص ٥١٤.

(٣) الشّاهد الرّابع هو زياد بن سعيد الرّومي الذي استلحقه معاوية بن أبي سفيان بأبيه، لكنّ المسلمين أبوا أن يدخلوا مع معاوية في إثمه وقالوا: (زياد بن أبيه).

٢٩٢

وجاءتك من قبل نفسها! فقال: ما كنت رفعت ذلك إلاّ لك، فلما اجتمعتما ذكرت أنّها أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك(١) .

أقول: هل كانت عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة عليه السلام، ومع ذلك فقد بالغ في أذاها حتّى خرجت من الدّنيا ساخطة عليه؟!).

قال ابن حبّان: ثمّ اعتمر عمر وساق معه عشر بدنات ونحرها في منحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه من الصّحابة عبادة بن الصّامت، وأبو ذرّ، وأبو أيّوب، وشدّاد بن أوس، وكان نافع بن عبد الحارث عامله على مكّة فتلقّاه نافع فقال عمر: من خلّف على أهل الوادي فقال: ابن رجل من الموالي. قال عمر: أمولى أيضا؟ قال: يا أمير المؤمنين إنّه قارئ للقرآن عالم بالفرائض. فقال عمر: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إن الله عز وجل يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين(٢) .

أقول: لماذا يتعجّب عمر من تولية نافع رجلا من الموالي على أهل الوادي وهو نفسه قال: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا لاستخلفته؟ كيف يتعجّب من تولية مولى على محلّة ولا يتعجّب من تولية مولى على المسلمين كافّة؟!

وذكر ابن حبّان أيضا أنّ عمر بن الخطّاب قال: إنما أتخوّف أحد رجلين إمّا رجل يرى أنّه أحقّ بالملك من صاحبه فيقاتله أو رجل يتأوّل القرآن. في كتاب الله الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم. ألا فلا تهلكوا عن آية الرجم فقد رجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا معه، ولو لا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي فقد قرأناها بكتاب الله(٣) .

ألم يقل عمر (إذا وليت شيئا من أمر النّاس فلا تبال لومة لائم)(٤) ، فما باله يبالي بلوم

____________________

(١) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج ١ ص ٦٠٦.

(٢) الثقات، ابن حبان، ج ٢ ص ٢٣٥.

(٣) الثقات، ابن حبان، ج ٢ ص ٢٣٩.

(٤) التاريخ الكبير، البخاريّ، ج ٤ ص ١٩.

٢٩٣

اللاّئمين ويخشى أقوالهم أن يقولوا زاد في كتاب الله.

قال ابن حبّان: أرسل عمر إلى عائشة يستأذنها في أن يدفع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبى بكر فأذنت له، فقال عمر: أنا أخشى أن يكون ذلك لمكان السّلطان منّى! فإذا متّ فاغسلوني، فكفّنوني، ثمّ قفوا بي على بيت عائشة وقولوا: أيلج عمر؟ فان قالت نعم فأدخلوني، وإن أبت فادفنوني بالبقيع(١) .

أقول: يستأذن عند بيت عائشة إحدى أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يستأذن عند بيت فاطمة سيدة نساء العالمين وبنت خير الخلق أجمعين، وقد أمر في القرآن الكريم بمودة آل رسول الله لا بمودة آل أبي قحافة، والله سائله عن هذا التصرّف المتناقض، ولا يؤذن لأحد من أرباب التّبرير أن يدافع عنه يومها. والنقطة الأخرى هي أنّهم رووا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يورث، وبموجب ذلك حرموا فاطمة عليها السلام ميراثها، وإذا كان الأمر كذلك فمن أين حصلت عائشة على البيت؟! إن كان بالميراث فإن فاطمة أولى؛ وإن كان بالنحلة فلم أخذوا من فاطمة عليها السلام ماكان تحت يدها في حياة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! وعلى فرض أن عائشة ورثت فإنها لا ترث إلا التسع من الثّمن، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي عن تسع نساء، والمرأة لا ترث إلا الثّمن مع وجود الولد كما هو مفصّل بدقّة في سورة النساء الشّريفة. وتبقى المسألة محلّ تدبّر.

قال ابن حزم: وقد جاء ما قلناه عن عمررضي‌الله‌عنه نصّا دون تأويل كما أنبأ عبد الله بن ربيع (...) عن بكير بن عبد الله بن الأشجّ أنّ عمر بن الخطّاب قال: (سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسّنن فإنّ أصحاب السّنة أعلم بكتاب الله عز وجل)(٢) .

إذا فلماذا قال يوم الرّزيّة حسبنا كتاب الله وها هو ذا يرجع إلى السّنن؟ وهل السّنن إلاّ قول وفعل وتقرير النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! ماذا يقول المدافعون عن عمر في هذا وأمثاله؟).

____________________

(١) الثقات، ابن حبان، ج ٢ ص ٢٤٠ وقريب منه في تاريخ الإسلام للذهبي، ج ١ ص ٤١٤.

(٢) الإحكام، لابن حزم، ج ٢ ص ٢٥٧.

٢٩٤

في حديث ابن عمر عند بن أبي شيبة أنّ أبابكر مرّ بعمر وهو يقول: (ما مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين وكانوا اظهروا الاستبشار ورفعوا رؤوسهم فقال: أيّها الرّجل إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مات ألم تسمع الله تعالى يقول إنك ميّت وإنّهم ميّتون، وقال تعالى: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد(١) .

إذا، لماذا يقول حسبنا كتاب الله؟! ما معنى حسبنا كتاب الله في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ولماذا عسكر بالجرف ولم يبتعد عن المدينة حين كان في جيش أسامة؟! وأين كانت الملائكة التي تحدّثه عادة وتصوّب قوله وفعله مقابل قول وفعل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!).

عن يعلى بن أميةرضي‌الله‌عنه قال طفت مع عمررضي‌الله‌عنه فلما كنت عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجر أخذت بيده ليستلم فقال ما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قال فهل رأيته يستلمه قلت لا قال ما بعد عنك فان لك في رسول الله أسوة حسنة(٢) .

أقول: من يسمع هذا الكلام يتصوّر أنّ عمر بن الخطّاب كان مقتديا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ أقواله وأفعاله، متأسيا به في هديه، والحال غير ذلك، فإنّه كان يخالفه في حياته، وتوسّع في مخالفته بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتفاصيل ذلك موزّعة في كتب الفرقين.

وعن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أن سليمان بن يسار أخبره أن التّوأمة بنت أميّة بن خلف طلّقت البتّة فجعلها عمر بن الخطّاب واحدة. قال وأخبرنا معمر وبن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر أن عمر بن الخطّاب سئل عن رجل طلّق امرأته البتّة فقال الواحدة تبتّ، راجع امرأتك فهي واحدة.

____________________

(١) فتح الباري، ابن حجر العسقلانيّ، ج ٨ ص ١٤٦.

(٢) سنن البيهقي الكبرى ج ٥ ص ٧٧ ومصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ٤٥ ومسند أبي يعلى ج ١ ص ١٦٣ ومسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ٣٧ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٤٠ وكنز العمال ج ٥ ص ٦٨ والمعرفة والتاريخ ج ٢ ص ١٢١ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٤٠ وإعلام الموقعين ج ٢ ص ٢٩٣ والدر المنثور، ج ٦ ص ٥٨٤ و أحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٩٧ والأحاديث المختارة ج ١ ص ٤١٨ وج ١ ص ٤١٩.

٢٩٥

مرة يجعل الواحدة ثلاثا ومرة يجعل الثلاث واحدة!

قال أبو بكر: (من كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت، ومن كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات وقال: إنك ميت وإنهم ميتون فقال عمر: أفي كتاب الله هذا يا أبابكر قال: نعم قال عمر: هذا أبوبكر صاحب رسول الله في الغار وثاني اثنين فبايعوه فحينئذ بايعوه(١) !

وعن الحكم بن عتيبة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عمر بن الخطّاب على الصدقة فأتى العباس يسأله صدقة ماله قال قد عجلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدقة سنتين فرافعه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدق عمّي قد تعجلنا منه صدقة سنتين(٢) .

في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يثق في العباس!. قال أخبرنا الفضل بن دكين قال حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم قال بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر على السعاية فأتى العباس يطلب منه صدقة ماله فأغلظ له فأتى عليا فاستعان به على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تربت يداك أما علمت أن عمّ الرجل صنو أبيه إن العباس، سلفنا زكاة العام عاما أول.

أقول:

هذا ما جرى بين عمر والعباس بن عبد المطلب، يوما يكذّبه ويوما يستسقي به!

قال نافع بن الحارث بخصوص قصة المغيرة: رأيته على بطن المرأة يحتفز عليها، ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة. ثم شهد شبل بن معبد على شهادته، ثم أبو بكرة، ثم أقبل زياد رابعا. فلما نظر إليه عمر قال: أما إني أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يده ولا يخزى بشهادته. وكان المغيرة قدم من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال زياد: رايت منظرا قبيحا وسمعت نفسا عاليا. وما أدرى أخالطها أم لا؟ ويقال لم يشهد بشيء. فأمر عمر بالثّلاثة فجلدوا(٣) .

____________________

(١) تاريخ الإسلام، الذهبي، ج ١ ص ١٥٥.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٢ ص ٣٧٧ تحت رقم ١٠٠٩٨ وإرواء الغليل [ج ٣ - ص ٣٤٨] و الطبقات الكبرى [ج ٤ - ص ٢٦].

(٣) فتوح البلدان، البلاذري ج ٢ ص ٤٢٣.

٢٩٦

يقول عمر: أرجو ألاّ يرجم رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يده ولا يخزى بشهادته، فلماذا أخزى رجلا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسمه أبو بكرة وجلده وسلبه عدالته وأبطل شهادته؟! ماذا يقول المنصفون في مثل هذا المقام من الكيل بمكيالين؟.

وعن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان عن عمه أنه سمع عمر بن الخطّاب يقول قيّدوا العلم بالكتاب(١) .

أقول:

وهذا عجيب منه وهو الذي منع من تدوين السنّة فبقي المسلمون إلى زمن متأخّر ليس لهم كتاب في حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

وعن إسماعيل بن خالد عن قيس أنّ عمر بن الخطّاب فرض لأهل بدر لقريبهم ومولاهم في خمسة آلاف خمسة آلاف وقال لأفضّلنّهم على من سواهم.

أقول:

ليته فضّل أهل بدر فيما هو أهمّ من ذلك، وأقصد به المناصب الحسّاسة التي تتعلق بمستقبل دولة الإسلام يومها؛ لكن الذي حصل هو العكس تماما، فقد عيّن عمر على البدريّين طلقاء لا همّ لهم إلا مصالحهم الشخصية والعائلية والقبليّة، وقد بدت نتائج ذلك وآثاره فيما بعد في حرب الجمل وحرب صفّين والانقسام الذي حصل بين المسلمين والذي لم يلتئم إلى يومنا هذا!

قالوا: فأرسل عمر إلى أبي ذر وإلى سلمان فقال لأبي ذر أنت سمعت هذا الحديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال نعم والله وبعد الوادي واد آخر من نار قال وسأل سلمان فكره أن يخبر بشيء فقال عمر: من يأخذها بما فيها؟ فقال: أبو ذر من سلت الله أنفه وعينيه وأصدع خدّه إلى الأرض(٣) .

____________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة، ج ٥ ص ٣١٣ تحت رقم ٢٦٤٢٧.

(٢) المعروف أن كتاب موطأ مالك هو أقدم كتاب في الحديث النبوي.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٤٢٠ تحت رقم ٣٢٥٤٦.

٢٩٧

أقول: بعد هذا يجتهد في صرف الأمر عن عليّ عليه السلام حتّى وهو على فراش الموت. ويقول: لا أتحمّلها حيّا وميتا، وهو قد تحمّلها تمام التّحمّل لأنه حسم قضيتها بطريقته، فحدّد المهلة وعدد المرشّحين والحكم الفصل فيها، وهل هناك تحمّل أكبر من هذا؟!

وعن موسى بن علي بن رباح عن أبيه أن عمر بن الخطّاب خطب الناس في الجابية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال من أحبّ أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب، ومن أحبّ أ يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أحب أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أحبّ أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله جعلني خازنا وقاسما.

أقول:

لا يدرى أين تصنف هذه المغالطات وما شابهها، فإنّ عمر يقول (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن)، وطالما استخرج له علي عليه السلام الحلول بعد أن يئس غيره! فالرجل عن عمد يلبّس على نفسه وعلى المسلمين وهو يعرف باب مدينة العلم كما يعرف أبناءه.

فوثب عمر بن العاص فقال يا أمير المؤمنين أرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته إنّك لمقصّه منه؟ قال: أي والذي نفس عمر بيده لأقصنه منه، أنا لا أقصه منه وقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقص من نفسه؟ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم من حقوقهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتيعوهم(١) !

أقول:

يقول هذا وهو صاحب الدرة يضرب النساء والرجال على حد سواء!.

وروى عبد الرزاق عن الثوري عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال: قال عمر بن

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٦ ص ٤٦١.

٢٩٨

الخطّاب: (ما في شيء من أمر الجاهلية غير شيئين غير أني لست أبالي أي المسلمين أنكحت وأيّهن نكحت)(١) . وروى أيضا عن ابن جريج قال (أخبرني إبراهيم بن أبي بكر أن عمر بن الخطّاب كان يشدد في الأكفاء)(٢) . والجمع بين القولين كما ترى! فهو يشدّد من جهة، ولا يبالي من جهة.

قالوا: قال عمر: (ألا وإنّه بلغني أنّ فلانا قال لو قد مات عمر بايعت فلانا! فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنّه لا بيعة له ولا للذي بايعه)(٣) .

أقول:

فهل كانت بيعته لأبي بكر عن مشورة من المسلمين؟!

قال ابن حبان: انقلب عبد الرحمن بن عوف إلى منزله بمنى في آخر حجّة حجّها عمر بن الخطّاب فقال: إن فلانا يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا قال عمر إني قائم العشيّة في النّاس وأحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم.

أقول:

أليس ذلك ما فعله عمر وأبو عبيدة؟ بايعا أبوبكر من دون مشورة من المسلمين؟!

وفي صحيح ابن حبان: قال أبو حاتم: (قول عمر إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ولكن الله وقى شرها يريد أن بيعة أبي بكر كان ابتداؤها من غير ملأ والشيء الذي يكون عن غير ملأ يقال له الفلتة وقد يتوقع فيما لا يجتمع عليه الملأ الشرّ)(٤) .

وعن معمر عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: قال عمر لا تبغضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما فيطول عليهم ما هم فيه ويكون أحدكم قاصا ويطول عليهم ما هم فيه(٥) .

يقول هذا وهو الذي يصلّي بهم الصبح فيقرآ سورة يوسف وسورة الكهف!!

____________________

(١) مصنف عبد الرزاق ج ٦ ص ١٥٢ تحت رقم ١٠٣٢١.

(٢) مصنف عبد الرزاق ج ٦ ص ١٥٢ تحت رقم ١٠٣٢٢.

(٣) صحيح ابن حبان، ج ٢ ص ١٤٨.

(٤) صحيح ابن حبان، ج ٢ ص ١٥٧.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ج ٥ ص ٣٢١ تحت رقم ٢٦٥١٧.

٢٩٩

روايات عمر

قال السيوطي: (روى له عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثا روى عنه عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبوذر وعمرو بن عنبسة وابنه عبد الله وابن عباس وابن الزبير وأنس وأبو هريرة وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري والبراء بن عازب وأبو سعيد الخدري وخلائق آخرون من الصحابة وغيرهم)(١) .

وعن ابن علية عن رجاء بن أبي سلمة قال بلغني أنّ معاوية كان يقول عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر فإنّه كان قد أخاف النّاس في الحديث عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

لا تعليق!

وعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطّاب قال: حدثت أن موسى أو عيسى قال يا ربّ ما علامة رضاك عن خلقك؟ قال أن أنزل عليهم الغيث إبان زرعهم، وأحبسه إبان حصادهم، وأجعل أمورهم إلى حلمائهم وفيئهم في أيدي سمحائهم. قال: يا ربّ فما علامة السّخط؟ قال: أن أنزل عليهم الغيث إبّان حصادهم وأحبسه إبّان زرعهم واجعل أمورهم إلى سفهائهم وفيئهم في أيدي بخلائهم(٣) . والله تعالى أعلم.

يقول عمر بن الخطّاب: (حدّثت) بالمبنيّ للمجهول، ولا يبعد أن يكون المحدّث كعب الأحبار! وقد امتنع القطر حتى أجدبت الأرض في خلافة عمر، وعام الرّمادة هو عام الرّمادة، فإن يكن ما حدّثه عمر صحيحا فقد كان الله ساخطا على أهل المدينة في خلافته، وهو من أهل المدينة! وإذا كان الأمر كذلك فإنّه لا يخفى مقتضى عبارة (واجعل أمورهم إلى سفهائهم)، وقد كانت الأمور عام الرمادة وقبله وبعده بيد عمر!

____________________

(١) تاريخ الخلفاء ج ١ ص ١٠٩.

(٢) تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٧.

(٣) الدر المنثور ج ٣ ص ٣٥٩.

٣٠٠

وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنّه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطّاب على المنبر قال (سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكلّ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)(1) .

وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنّ عمر بن الخطّاب خطب بالجابية فقال قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيامي فيكم فقال استوصوا بأصحابي خيرا ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى إن الرجل ليسبق بالشهادة قبل أن يسألها فمن أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ولا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ومن سرته حسنة وساءته سيئة فهو مؤمن(2) .

يقوم رسول الله في أصحابه ويقول لأصحابه (استوصوا بأصحابي خيرا).

هكذا يقول الحديث، وهذا يورد إشكالا كبيرا على علماء الرجال في تعريفهم للصحابي!

عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة قال جاء أعرابي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسأله كيف صيامك فأعرض عنه وكان إذا سئل عن شيء يكرهه عرف ذلك في وجهه فسكت حتى ذهب غضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال له عمر كيف تقول يا رسول الله في صيام الدهر قال لا صام ولا أفطر أو قال ما صام وما أفطر قال فما تقول في صيام يومين وفطر يوم قال ومن يطيق ذلك قال فصيام يوم وفطر يومين قال وددت أن أطيق ذلك قال فصيام يوم وفطر يوم قال ذلك صيام داود. قال: فما تقول في صيام ثلاثة أيام من كل شهر؟ قال: ذلك صيام الدّهر قال: فصيام يوم الاثنين؟ قال: ذلك يوم ولدت فيه ويوم أنزل عليّ فيه قال فصيام عاشوراء؟ قال: كفّارة سنة. قال فصيام يوم عرفة؟ قال: كفّارة سنة وما قبلها(3) .

____________________

(1) صحيح البخاريّ، ج 1 ص 3.

(2) مسند ابن المبارك، ص 148.

(3) مصنف عبد الرزاق، ج 4 ص 295، تحت رقم 7865.

٣٠١

وفي كتاب الجهاد عن معمر عن الزهري أنّ عمر بن الخطّاب خرج على مجلس في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يتذاكرون سريّة هلكت في سبيل الله فيقول بعضهم هم عمّال الله هلكوا في سبيله فقد وجب أو وقع أجرهم على الله، ويقول قائل الله أعلم بهم لهم ما احتسبوا؛ فلمّا رآهم عمر قال لهم ما كنتم تتحدّثون قالوا كنّا نتحدث في هذه السريّة فيقول قائل كذا ويقول قائل كذا فقال عمر: والله إن من النّاس ناسا يقاتلون ابتغاء الدنيا وإن من الناس ناسا يقاتلون رياء وسمعة وإن من النّاس ناسا يقاتلون إن دهمهم القتال ولا يستطيعون إلاّ إياه وإن من النّاس ناسا يقاتلون ابتغاء وجه الله أولئك الشّهداء وكلّ امرئ منهم يبعث على الذي يموت عليه، وإنّها والله ما تدري نفس ما هو مفعول بها ليس هذا الرّجل الذي قد تبيّن لنا أنّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر(1) .

أقول: أخطأ عمر ههنا، لأنّه غفل أو تغافل عن أمر لم يكن ينبغي له أن يغفل عنه، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهد بمحضره لعليّ وفاطمة والحسن والحسين بالجنّة، وشهد لجعفر بن أبي طالب أنه يطير مع الملائكة في الجنّة. هؤلاء قطعا في الجنّة لا يشكّ في ذلك إلا مكذّب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ومع ذلك لا يستثنيهم عمر بن الخطّاب ويقول بكل بساطة (ليس هذا الرّجل الذي قد تبيّن لنا أنّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر)(2) . فإن كان لا يعتقد بنجاتهم فقد كذّب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! وإن كان تجاهلهم فقد أساء الأدب مع الله تعالى في حقّ من يصلّي عليهم يوميا في كل صلواته فرضا ونفلا!

قال الرّازيّ: عن عمر بن الخطّاب (إن الرّجل ليخرج من منزله وعليه من الذّنوب مثل جبل تهامة، فإذا سمع العلم وخاف واسترجع على ذنوبه انصرف إلى منزله وليس عليه ذنب، فلا تفارقوا مجالس العلماء فإن الله لم يخلق تربة على وجه الأرض أكرم من مجالس العلماء(3) .

____________________

(1) الجهاد، عبد الله بن المبارك، ص 65.

(2) ليس هنا للاستثناء بمعن سوى، فكأنه قال سوى هذا الرجل أو غير هذا الرجل، وللنحاة في الاستثناء بليس ولا يكون كلام يطلب في كتب النحو.

(3) التفسير الكبير، الرازي ن ج 2 ص 177.

٣٠٢

أقول: لكن عمر شهد على نفسه أنه ألهاه الصفق في الأسواق عن العلم.

قال الرازي: وقال ابن عبّاس إني لأرجو كما لا ينفع مع الشّرك عمل كذلك لا يضرّ مع التوحيد ذنب. ذكر ذلك عند عمر بن الخطّاب فسكت عمر(1) .

وعن محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطّاب يقول على المنبر سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فهذا أيضا عموم لكل عمل ولا يجوز أن يخص به بعض الأعمال دون بعض بالدعوى(2) .

وعن عمر بن الخطّاب قال: (كنت جالسا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا قالوا: يا رسول الله الملائكة. قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها. قالوا: يا رسول الله الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالاته والنبوّة. قال: هم كذلك ويحقّ لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها. قالوا: يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء. قال: هم كذلك ويحقّ لهم وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشّهادة مع الأنبياء بل غيرهم؛ قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: أقوام في أصلاب الرّجال يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ويصدّقونني ولم يروني يجدون الورق المعلّق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا(3) .

أقول: إن صحّ الحديث فإنّه ينسف حديث القرن الأوّل ودعوى أنّ إيمان الصّحابة ليس فوقه ولا مثله إيمان، لأنّ الحديث المذكور أعلاه يقول: فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا، وبالإيمان يتفاضل النّاس عند الله تعالى.

قال ابن الجوزيّ: قوله تعالى (إذ تستغيثون ربكم) سبب نزولها ما روى عمر بن الخطّاب: لمّا كان يوم بدر نظر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف ونظر إلى المشركين وهم ألف وزيادة فاستقبل القبلة ثم مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره ثم قال:

____________________

(1) التفسير الكبير، الرازي، ج 10 ص 101.

(2) المحلى، ابن حزم، ج 1 ص 73.

(3) الدر المنثور ج 1 ص 65، أخرجه البزار وأبو يعلى والمرهبي في فضل العلم والحاكم وصححه.

٣٠٣

اللهمّ أنجز ما وعدتني، اللهمّ أنجز ما وعدتني، اللهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا، فما زال يستغيث ربّه ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبوبكر الصديق فأخذ رداءه فرداه به ثمّ التزمه من ورائه وقال: يا نبيّ الله كفاك مناشدتك ربّك فإنّه سينجز لك ما وعدك! وأنزل الله تعالى هذه الآية.

أقول: إذا كان أبوبكر بهذه الدّرجة من الثّقة بالله والطمأنينة بحيث يطمئن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما باله لم يطمئن نفسه في الغار على فرض كونه صاحبه في الغار؟.

وفي الصّحيح أنّ عمر بن الخطّاب قال له يهودي آية في كتابكم تقرءونها لو علينا نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا اليوم عيدا فقال له عمر أي آية هي فقال اليوم أكملت لكم دينكم فقال له عمر قد علمنا ذلك اليوم نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو واقف بعرفة يوم الجمعة(1) .

أقول: هذه الرواية معارضة بروايات نزول الآية يوم الغدير.

وعن عمر بن الخطّاب أيضا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال من دخل السّوق فقال لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف الف سيئة ورفع له ألف ألف درجة(2) .

أقول: إذا علم أن عمر كان يلهيه الصفق بالأسواق على حضور مجالس رسول الله تبيّن سبب اهتمامه بهذه الرواية وما تعد به من الأجر الكبير. فهنيئا للتّجار والمتسوّقين.

قال ابن كثير: وعن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إني ممسك بحجزكم هلمّ عن النّار هلمّ عن النار وتغلبونني، تتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب فأوشك أن أرسل حجزكم وأنا فرطكم على الحوض فتردون علي معا وأشتاتا أعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريب من الإبل في إبله

____________________

(1) صحيح البخاري ج 6 ص 2653، وصحيح مسلم ج 4 ص 2313.

(2) تفسير الثعالبي، ج 3 ص 132. قال الثعالبي رواه الترمذي وابن ماجة وهذا لفظ الترمذي وزاد في رواية أخرى وبنى له بيتا في الجنة ورواه الحاكم في المستدرك من عدة طرق.

٣٠٤

فيذهب بكم ذات اليمين وذات الشمال فأناشد فيكم رب العالمين أي ربّ قومي أي رب أمتي، فيقال: يا محمد إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم كانوا بعدك يمشون القهقرى على أعقابهم(1) .

وعن عمر بن الخطّاب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينفضح عليهم فيكفه الله عز وجل(2) .

أقول: تكلّموا في هذا الحديث من جهة الإسناد، ويكفي لردّه أنّه تعارضه أحاديث أن الله تعالى آمن هذه الأمة من الخسف والغرق و...، فإذا كان الله تعالى قد آمن الأمّة من الغرق فما معنى أن يستأذن البحر كلّ ليلة؟!

وأخرج الطبراني وغيره بسنده جيد عن عمر بن الخطّاب أن رسول الله قال لعائشة إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء(3) .

أقول: إن تكن البدع المستحسنة أيضا منها يضق الخناق على الخليفة، فإنّ بدعه المستحسنة عديدة، وقد شهد على نفسه بذلك حين قال: (نعمت البدعة)(4) .

قال الجصّاص: وروى يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبّاس سمعت عمر بن الخطّاب يقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول وهو بوادي العقيق أتاني الليلة آت من ربّي فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك وقل حجّة وعمرة. وروي عمرة في حجة(5) .

وفيه رد على منكري التبرّك.

وأخرج الحاكم وصحّحه عن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتّى تقوم السّاعة)(6) .

____________________

(1) مختصر ابن كثير، ج 2 ص 780. قال ابن كثير: أخرجه الحافظ الموصلي وقال علي بن المديني: هذا حديث حسن الإسناد.

(2) مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 43 وتفسير ابن كثير ج 4 ص 241 ومختصر ابن كثير، ج 3 ص 425 وكنز العمال ج 16 ص 4 والعلل المتناهية ج 1 ص 52.

(3) الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 2 ص 509.

(4) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج 1 ص 201 وتفسير ابن كثير ج 1 ص 162، وتفسير القرطبي ج 2 ص 87 وروح المعاني ج 27 ص 193 وتفسير البحر المحيط ج 1 ص 534 والجمع بين الصحيحين، ج 1 ص 131

(5) أحكام القرآن، الجصاص، ج 1 ص 357.

(6) الدر المنثور، ج 1 ص 767.

٣٠٥

الحديث يقول (طائفة من أمتي) ولا يقول كلّ أمّتي، وعلامة كون الأمّة على الحقّ كونها تحت راية علي بن أبي طالب عليه السلام، لأنّه مع الحق والحقّ معه يدور معه حيث دار، ويوم السّقيفة لم يكن عليّ عليه السلام مع جماعة السّقيفة، ولم تكن جماعة السقيفة تحت راية عليّ، بل كانت في مواجهته، وبما أنّ القرآن الكريم يقول بصراحة (فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال)، فقد كانت جماعة السّقيفة تحت راية الضّلال، وقد أجرى الله تعالى على لسان عمر اعترافا بذلك حين قال (إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة)، فشهد عليها أنّها فلتة ن وأنّ صاحب مثلها يستحقّ القتل فمن عاد لمثلها فاقتلوه، وإذا كان صاحب مثلها يستحقّ القتل فإنّ صاحبها أيضا يستحقّ القتل، لأنّ حكم الأمثال واحد، ولا تبديل لكلمات الله.

قال السيوطي: وأخرج الحاكم وصحّحه عن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقّ حتّى تقوم السّاعة(1) .

الحديث يقول طائفة من أمّتي ولا يقول كل أمّتي، وعلامة كون الأمّة على الحقّ كونها تحت راية عليّ بن أبي طالب عليه السلام، لأنّه مع الحقّ والحقّ معه يدور معه حيث دار، ويوم السّقيفة لم يكن عليّ عليه السلام مع جماعة السقيفة، ولم تكن جماعة السقيفة تحت راية عليّ، بل كانت في مواجهته، وبما أنّ القرآن الكريم يقول بصراحة (فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال)، فقد كانت جماعة السّقيفة تحت راية الضّلال، وقد أجرى الله تعالى على لسان عمر اعترافا بذلك حين قال (إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة)، فشهد عليها أنّها فلتة، وأنّ صاحب مثلها يستحقّ القتل (فمن عاد لمثلها فاقتلوه)، وإذا كان صاحب مثلها يستحقّ القتل فإنّ صاحبها أيضا يستحقّ القتل، لأنّ حكم الأمثال واحد، ولا تبديل لكلمات الله.

وعن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطّاب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال (إنّ الميت ليعذّب في قبره بالنياحة) رواه البخاريّ في الصحيح عن عبدان عن أبيه عن

____________________

(1) الدر المنثور، السيوطي، ج 1 ص 767.

٣٠٦

شعبة(1) . (روايات عمر).

وعن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال توفيت ابنة لعثمانرضي‌الله‌عنه بمكة وجئنا لنشهدها وحضرها بن عمر وبن عباس رضي الله عنهم وإني لجالس بينهما أو قال جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر (لعمر بن عثمان ألا تنهى عن البكاء فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إنّ الميت ليعذّب ببكاء أهله عليه، فقال ابن عبّاس (قد كان عمر (يقول بعض ذلك ثم حدث قال صدرت مع عمر (من مكّة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظلّ سمرة فقال اذهب فانظر من هؤلاء الرّكب قال فنظرت فإذا صهيب فأخبرته فقال: ادعه لي فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق أميرالمؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه، وا صاحباه! فقال عمر: (يا صهيب أتبكي عليّ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الميت يعذّب ببعض بكاء أهله عليه؟ قال ابن عباس: (فلما مات عمر (ذكرت ذلك لعائشة) فقالت: رحم الله عمر والله ما حدّث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه) ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت حسبكم القرآن (ولا تزر وازرة أخرى). قال ابن عباس (عند ذلك والله هو أضحك وأبكى قال بن أبي مليكة والله ما قال ابن عمر شيئا)(2) .

أقول: ما قال ابن عمر شيئا معناه أنّه يسلّم بما ذكره ابن عباس، وما ذكره ابن عباس يبطل ما قاله ابن عمر؛ وحسبك قول عائشة (والله ما حدّث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه) فإنّها تقسم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل ما نقله ابن عمر وأبوه. وقد ثبت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى لوفاة ولده إبراهيم وعمّه أبي طالب وزوجته خديجة وشهادة عمه حمزة وشهادة جعفر بن أبي طالب.

قال الرازي: روى ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله

____________________

(1) إثبات عذاب القبر، ج 1 ص 91.

(2) صحيح البخاري ج 1 ص 432.

٣٠٧

فعائشة طعنت في صحّة هذا الخبر واحتجّت على صحة ذلك الطّعن بقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) فإنّ تعذيب الميت بسبب بكاء أهله أخذ للإنسان بجرم غيره وذلك خلاف هذه الآية(1) .

وعن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، ويتوضّأ وضوءه للصّلاة(2) .

وفي فتح القدير ايضا: أخرج البخاريّ في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمر بن الخطّاب في قوله (ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا) قال: هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أميّة، فأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حين(3) .

أقول: فلماذا كان يولّيهم على الأمصار على رؤوس المهاجرين والأنصار ما دام يعلم أنهم كذلك؟

وعن نافع عن عبد الله بن عمر قال رأى عمر بن الخطّاب حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة وللوفد؟ قال: إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة. ثمّ جاءت حلل فأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر منها حلّة وقال: أكسوتنيها وقلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال: إني لم أكسكها لتلبسها، فكسا عمر أخا له بمكّة مشركا(4) .

عن علقمة بن وقّاص عن عمر بن الخطّاب وفي حديث الحرث أنه سمع عمر يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه(5) .

____________________

(1) التفسير الكبير، الرازي، ج 20 ص 137.

(2) المعجم الكبير ج 1 ص 71 تحت رقم 80.

(3) فتح القدير، الشوكانيّ، ج 3 ص 110 - 111.

(4) صحيح البخاريّ، ج 3 ص 140.

(5) سنن النسائي، ج 6 ص 158 و 159.

٣٠٨

أقول: فما هو الظّنّ إذا بمن ناوروا وتمرّدوا على أوامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتخلّفوا عن جيش أسامة واحتلّوا المدينة احتلالا، ثمّ هجموا على أشرف بيت وهدّدوا بتحريقه إذا هو لم يدخل فيما دخل فيه الناس؟! صار آل رسول الله من الناس، وصارت قريش ملوك الناس! وتلك الأمثال نضربها للناس.

وعن يحيى بن هانئ عن نعيم بن دجاجة قال سمعت عمر بن الخطّاب يقول لا هجرة بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

وعن قيس ابن مسلم عن طارق بن شهاب قال جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطّاب فقال يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا قال أي آية قال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فقال عمر إني لأعلم المكان الذي نزلت فيه واليوم الذي نزلت فيه نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عرفات في يوم جمعة(2) .

وعن شعبة قال حدثنا خليفة قال سمعت عبد الله بن الزبير قال لا تلبسوا نساءكم الحرير فاني سمعت عمر بن الخطّاب يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة(3) .

وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوم خيبر لأدفعنّ اليوم اللواء إلى رجل يحب الله ورسوله يفتح الله عليه قال عمر فما أحببت الإمارة إلا يومئذ فتطاولت لها فقال لعلي قم فدفع اللواء إليه ثم قال له اذهب ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فمشى هنيهة ثم قام ولم يلتفت للعزمة فقال على ما أقاتل الناس...(4) .

فيها اعتراف عمر بحب الإمارة، واعترافه بأن علياعليه‌السلام دقيق في تطبيق طاعة

____________________

(1) سنن النسائي، ج 7 ص 146.

(2) سنن النسائي، ج 8 ص 114.

(3) سنن النسائي، ج 8 ص 200.

(4) صحيح ابن حبان، ج 15 ص 379 تحت رقم 6934.

٣٠٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أنه لم يلتفت بعد أن قال له اذهب ولا تلتفت.

وعن عمر بن الخطّاب أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة خرجه الترمذي(1) .

مخالفات عمر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

بدأ عمر بن الخطّاب إسلامه بمخالفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال السيوطي: وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر: (قال كان أول إسلام عمر أن عمر قال ضرب أختي المخاض ليلا فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل الحجر وعليه تبان، وصلى لله ما شاء الله ثمّ انصرف، فسمعت شيئا لم أسمع مثله فخرج فاتبعته فقال: من هذا؟ فقلت: عمر! فقال: يا عمر ما تدعني لا ليلا ولا نهارا؟ فخشيت أن يدعو علي فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله! فقال: يا عمر أسرّه. قلت: لا والذي بعثك بالحقّ لأعلننه كما أعلنت الشّرك(2) .

ولم يترك عمر مخالفته للنّبيّ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا القوشجيّ الحنفيّ يذكر في شرح التّجريد في مبحث الإمامة ما نصّه أنّ عمر قال وهو على المنبر أيها النّاس ثلاث كنّ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهنّ وأحرّمهن وأعاقب عليهنّ: متعة النّساء. ومتعة الحجّ. وحيّ على خير العمل. ثمّ راح القوشجيّ يبرّر فعل عمر ويلتمس له العذر إذ يعتبره مجتهدا فقال: إنّ ذلك ليس ممّا يوجب قدحا فيه فإنّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع.

يقول القوشجي مخالفة المجتهد لمثله! وإذاً، فرسول الله وعمر مثلان!!

____________________

(1) الكلم الطيب، ج 1 ص 99.

(2) تاريخ مدينة دمشق ج 44 ص 29 وتاريخ الإسلام ج 1 ص 173 تاريخ الخلفاء ج 1 ص 110..

٣١٠

ويقول القوشجيّ في المسائل الاجتهادية، فهل يكون الأذان ومتعة الحجّ ومتعة النّساء الواردتان في القرآن الكريم من المسائل الاجتهاديّة؟!

وروى البخاريّ في صحيحه عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس قال: لما اشتدّ بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه قال ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده قال عمر إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط قال قوموا عنى ولا ينبغي عندي التنازع فخرج ابن عبّاس يقول إنّ الرّزيئة كلّ الرّزيئة(1) ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كتابه الكتاب(2) .

وفي رواية بكى ابن عبّاس حتى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه فقال: أتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ التّنازع فقالوا: هجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !(3) .

قال الآلوسيّ: روي أن عيينة والأقرع جاءا يطلبان أرضا من أبي بكر فكتب بذلك خطا فمزقه عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه وقال: هذا شيء يعطيكموه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأليفا لكم فأمّا اليوم فقد أعزّ الله تعالى الإسلام وأغنى عنكم، فإن ثبتّم على الإسلام وإلاّ فبيننا وبينكم السّيف فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا: أنت الخليفة أم عمر؟ بذلت لنا الخطّ ومزّقه عمر! فقال: (هو إن شاء! ووافقه ولم ينكر عليه أحد من الصّحابةرضي‌الله‌عنه مع احتمال أنّ فيه مفسدة كارتداد بعض منهم وإثارة ثائرة(4) .

أقول: في هذه القصّة لم يخالف عمر أبابكر فقط بل خالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخالف الله تعالى، وسهم المؤلّفة قلوبهم ثابت في القرآن الكريم ولم ينزل قرآن ينسخه. وأما قوله (ولم ينكر عليه أحد من الصّحابة) فإنّه لا معنى لا لأن الأمور الشرعية لم تبن يوما من الأيام على إنكار الصحابة وعدم إنكارهم، والمتأمّل في قول الله تعالى

____________________

(1) الرزية: المصيبة الكبيرة.

(2) صحيح البخاريّ ج 1 ص 36، 37: كتاب العلم - باب كتابة العلم.

(3) صحيح البخاريّ ج 5 ص 137. ورواه مسلم أيضا في كتاب الوصية، باب ترك الوصية.

(4) روح المعاني، ج 10 ص 122.

٣١١

(لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم) يستشفّ أمورا كثيرة، ويكفي أنّ الصحابة لم يستنكروا الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام والتهديد بتحريقه، وهذا مما يصدق عليه قول الله تعالى (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم).

روى عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني بن أبي الحسين أن ابن شهاب أخبره أنّ عثمان كان يصدق الخيل وأنّ السّائب بن يزيد أخبره أنّه كان يأتي عمر بن الخطّاب بصدقة الخيل قال أبن أبي حسين: وقال ابن شهاب (لم أعلم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سن صدقة الخيل)(1) .

ورووا أنّ عمر بن الخطاب خرج ليلة ومعه عبد الرحمن بن عوف وذلك في رمضان والنّاس أوزاع متفرقون يصلّي الرجل لنفسه، ويصلّي الرّجل فيصلّي بصلاته النّفر، فقال عمر بن الخطّاب: إنّي لأظنّ أن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد كان أفضل؛ فعزم أن يجمعهم على قارئ واحد فأمر أبيّ بن كعب فأمّهم، فخرج ليلة والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال نعم البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل وكانوا يقومون في أول الليل(2) .

وعن محمد بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن نوفل قال: سمعت الضحاك بن قيس عام حجّ معاوية يسأل سعدا عن متعة الحجّ فقال كان عمر ينهى عنها؛ فقال سعد: بل من هو خير من عمر قد فعلها، رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (3) .

أقول: وهذا يعني أن موقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموقف عمر بن الخطاب من متعة الحج متباينان تماما، ولا يمكن أن يكون عمر والحال هذه مقتديا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستنّا بهديه.

وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: كان عمر يقول: لا يصلّى الجنب

____________________

(1) مصنف عبد الرزاق، ج 4 ص 35 تحت رقم 6888.

(2) صحيح ابن خزيمة ج 2 ص 155 ومصنف ابن أبي شيبة ج 2 ص 165 ومصنف عبد الرزاق ج 4 ص 259 وأخبار المدينة ج 1 ص 379 والصيام للفريابي) ج 1 ص 125 وص 128.

(3) مسند البزار ج 4 ص 65 تحت رقم 1232.

٣١٢

حتّى يجد الماء، فقال له عمار: ألم تعلم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثني أنا وأنت فأجنبت فتمعّكت بالصّعيد فأتينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرناه فقال: (إنما كان يكفيك وضرب بيديه الأرض ضربة فمسح وجهه وكفيه) فقال عمر لعمّار: اتّق الله! فقال: أما والله لئن شئت لا أذكره ما عشت(1) .

قال الطيبي (بخصوص قصة عمر وأبي هريرة): ليس فعل عمر ومراجعته النّبيّ اعتراضا عليه وردّا لأمره، إذ ليس ما بعث به أبا هريرة إلاّ لتطييب قلوب الأمّة وبشراهم فرأى عمر إن كتمه هذا أصلح لئلا يتكلوا(2) ! والحاصل أنه عليه الصلاة والسلام لكونه رحمة للعالمين ورحيما بالمؤمنين ومظهرا للجمال على وجه الكمال وطبيبا لأمّته على كل حال لما بلغه خوفهم وفزعهم واضطرابهم أراد معالجتهم بإشارة البشارة لإزالة الخوف والنذارة فإن المعالجة بالأضداد ولما كان عمر مظهرا للجلال وعلم أنّ الغالب على الخلق التّكاسل والاتّكال فرأى أنّ الأصلح لأكثر الخلق المعجون المركّب بل غلبة الخوف بالنسبة إليهم أنسب فوافقه وهذه مرتبة علية ومزية جلية لعمر. وأمّا قول ابن حجر وكان وجه استباحة عمر لذلك أنّه لأبي هريرة بمنزلة الشيخ والمعلم وللشّيخ والمعلّم أن يؤدب المتعلم بمثل ذلك إذا رأى منه خلاف الأدب وهو هنا المبادرة إلى إشاعة هذا الخبر قبل تفهّم المراد من النّبي مع إشكاله وما يترتّب عليه من اتّكال النّاس وإعراضهم عن الأعمال وكان حقّه إذا أمر بتبليغه أن يتفهّم المراد به ليورده في موارده دون غيرها، فاقتضى اجتهاد عمر أنّ إخلاله بذلك مقتض لتأديبه فأدّبه بذلك(3) .

أقول: ليس لعمر بن الخطاب ولاية على أبي هريرة في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا في هذه القضية ولا في غيرها، ويبدو أنّ الآلوسي وابن حجر يريان عمر بن الخطاب شريكا

____________________

(1) مسند الشاشي، ج 2 ص 429 تحت رقم 1035.

(2) انظر إلى هذا المفسّر الفقيه يزعم أن عمر أعلم بالأصلح! وأشدّ حرصا على الدين وعلى مصلحة المسلمين كيلا يتّكلوا، والقرآن الكريم يقول (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ولم يقل إنّ عمر حريص عليكم.

(3) مرقاة المفاتيح، ج 1 ص 193.

٣١٣

لرسول الله، بل أكثر من شريك، لأن الشريك يستشير شريكه قبل الحسم في قضية ما، وعمر ههنا لم يستشر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يتصرف مع أبي هريرة بتلك الطريقة المشينة؛ والذين يدافعون عادة عن أبي هريرة يتخلّون عن الدفاع عنه ههنا، كي لا يلزم من ذلك الطعن في سلوك عمر!

قال التوربشتي (في مسألة بيع أمّهات الأولاد): يحتمل أن النسخ لم يبلغ العموم في عهد الرسالة، ويحتمل أن بيعهم في زمان النبي كان قبل النسخ، وهذا أولى التّأويلين؛ وأما بيعهم في خلافة أبي بكر فلعلّ ذلك كان في فرد قضيّة فلم يعلم به أبوبكررضي‌الله‌عنه ولا من كان عنده علم بذلك، فحسب جابر أنّ النّاس كانوا على تجويزه فحدث ما تقرر عنده في أوّل الأمر، فلمّا اشتهر نسخه في زمان عمر عاد إلى قول الجماعة يدل عليه قوله فلما كان عمر نهانا عنه فانتهينا. وقوله هذا من أقوى الدّلائل على بطلان بيع أمّهات الأولاد، وذلك أنّ الصّحابة لو لم يعلموا أنّ الحقّ مع عمر لم يتابعوه عليه، ولم يسكتوا عنه أيضا! ولو علموا أنّه يقول ذلك عن رأي واجتهاد لجوّزوا خلافه لا سيما الفقهاء منهم وإن وافقه بعضهم خالفه آخرون(1) .

أقول: انظر إلى هذه الفقيه العمري الذي ثبتت عنده مخالفة عمر بن الخطّاب للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فراح يتمحل في التّأويل وكأنّ عمر أولى بالطّاعة من صاحب الشريعةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون لله. ثم أعجب ولا ينقضي العجب من قوله (وذلك أن الصحابة لو لم يعلموا أنّ الحقّ مع عمر لم يتابعوه عليه ولم يسكتوا عنه أيضا)، وهو يعلم أنّ الصّحابة خالفوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية(2) وكان زعيم المعارضة يومها عمر بن الخطاب نفسه، وقد اعترف أنّه شكّ يومها حين قال: (ما زلت أصوم وأصلي وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتّى

____________________

(1) مرقاة المفاتيح، ج 6 ص 516.

(2) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد. صحيح البخاري ج 2 ص 978 وصحيح ابن حبان ج 11 ص 225 وسنن البيهقي الكبرى ج 9 ص 220 ومصنف ابن أبي شيبة ج 7 ص 389 ومصنف عبد الرزاق ج 5 ص 340 والمعجم الكبير ج 20 ص 14 ومسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 330 و).

٣١٤

رجوت أن يكون خيرا)(1) .

قال الألباني: حديث جابر بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد أبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا رواه أبو داود(2) .

وقال: حديث جابر: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد أبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا رواه أبو داود) 1312 صحيح. أخرجه أبو داود (3954) وكذا ابن حبان (1216) والحاكم (128 - 19) والبيهقي (34710) من طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عنه. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذّهبيّ، وهو كما قالا(3) .

أخطاء في سجل عمر

هل يجوز ذكر أخطاء عمر؟

هذا موقف الذهبيّ من أبي بكر بن أبي دارم الكوفي محدّث توفي في القرن الرابع يقول فيه: مات أبوبكر (بن أبي دارم) في المحرّم سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة وقيل سنة إحدى وخمسين. قال الحاكم: (هو رافضيّ غير ثقة). وقال محمّد بن حمّاد الحافظ: (كان مستقيم الأمر عامّة دهره، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب؛ حضرته ورجل يقرأ عليه أنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت محسنا، وفي خبر آخر قوله تعالى (وجاء فرعون) عمر (ومن قبله) أبو بكر (والمؤتفكات) عائشة وحفصة فوافقته وتركت حديثه. قلت(4) شيخ ضالّ معثر(5) .

إذا، لم يعد للرجل حرمة لأنه سمح لنفسه أن ينظر إلى عمر بن الخطاب بغير العين التي ينظر بها غيره، وإن كانت قصّة الهجوم على بيت فاطمةعليه‌السلام من طرف عمر بن

____________________

(1) تفسير ابن كثير ج 4 ص 197.

(2) مختصر إرواء الغليل، ج 1 ص 351.

(3) إرواء الغليل، الألباني: ج 6 ص 189 تحت رقم 1777.

(4) القائل هو الذّهبي. والمعثر كثير العثرات.

(5) سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 15 ص 578.

٣١٥

الخطاب وجماعته وتهديد من في البيت بالتّحريق ثابتة منذ القرون الأولى، لكنّ ثقافة الكرسي تقول: (إنّ الحاكم المتربّع على كرسي الحكم دائما على صواب حتّى حين يخالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وهذه الثقافة لا تزال سائدة في عالمنا العربيّ، وهي التي تمجّد الحاكم حين يقصف شعبه جوّا وبرّا، أو يقتل الحجّاج في الشّهر الحرام في البلد الحرام.

قال ابن تيمية: وكان عمر بن الخطّاب يشاور الصّحابة فتارة يرجع إليهم، وتارة يرجعون إليه، وربما قال القول فتردّ عليه امرأة من المسلمين قوله وتبيّن له الحقّ فيرجع إليها ويدع قوله كما قدر الصّداق، وربما يرى رأيا فيذكر له حديث عن النّبيّ فيعمل به ويدع رأيه! وكان يأخذ بعض السّنّة عمّن هو دونه في قضايا متعدّدة، وكان يقول القول فيقال له أصبت فيقول والله ما يدري عمر أصاب الحقّ أم أخطأه(1) .

أقول: ولا يصحّ أن يكون العمريّون أشدّ عمريّة من عمر نفسه.

قال الرّازيّ: ولو كذّبنا معاوية لكذّبنا أصحاب صفّين كالمغيرة وغيره على أنّ معاوية لو كان كذّابا لما ولاّه عمر وعثمان على النّاس(2) !.

هذا قول الرازي، وهو نفسه يذكر أنّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط ولاّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الصّدقات ونزل فيه قرآن يصفه بـ الفاسق. وقبلها اختار موسى قومه سبعين رجلا وكان منهم ما كان! أوليس معاوية الطّليق الذي ولاه عمر على المسلمين هو من أحدث في جسم الأمة شرخا لا يزال إلى اليوم يفعل من داخل الأمة ما لا يقوى على فعله الأعداء من الخارج؟ ألم يولّ عمر نسيبة قدامة بن مظعون فشرب الخمر؟

بلى! ولكنّ تقديس الحاكم قضية لا تقبل الجدل، ولهذا فإنه لا مجال لاحتمال الخطإ في سلوك لخليفة عمر.

قال السيوطي: وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي الأسود الدؤلي أن عمر بن

____________________

(1) مجموع الفتاوى، ج 2 ص 226.

(2) المحصول، الرازيّ، ج 4 ص 320.

٣١٦

الخطّاب رفعت إليه امرأة ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها، فبلغ ذلك عليّا فقال: ليس عليها رجم، قال الله تعالى( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) وستة أشهر فذلك ثلاثون شهرا(1) .

وعدّ الشّنقيطيّ بعض أخطاء عمر فقال: ولم يعلم عمر بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى في دية الجنين بغرّة عبد أو وليدة حتى أخبره المذكوران قبل، ولم يعلم عمر بأنّ المرأة ترث من دية زوجها حتّى أخبره الضّحّاك بن سفيان أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب إليه أن يورّث امرأة أشيم الضّبابيّ من دية زوجها، ولم يعلم أيضا بأخذ الجزية من المجوسيّ حتّى أخبره عبد الرّحمن بن عوف بأنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر. ولم يعلم بحكم الاستئذان ثلاثا حتى أخبره أبو موسى الأشعريّ وأبو سعيد الخدريّ، ولم يعلم عثمان بوجوب السكنى للمتوفّى عنها حتّى أخبرته قريعة بنت مالك أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألزمها بالسّكنى في المحلّ الذي مات عنها زوجها فيه حتى تنقضي عدّتها، وأمثال هذا أكثر من أن تحصر(2) .

هذه مسائل غابت عن عمر، وفي قول الشنقيطيّ (وأمثال هذا أكثر من أن تحصر) اعتراف بكثرة أخطاء عمر.

قال الشنقيطي: روى الأثرم بإسناده عن ظبيان بن عمارة قال شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة نفر أنّه زان، فبلغ ذلك عمر فكبّر عليه وقال شاط ثلاثة أرباع المغيرة بن شعبة؛ وجاء زياد فقال: ما عندك؟ فلم يثبت، فأمر بجلدهم فجلدوا وقال شهود زور! فقال ابو بكرة: أليس ترضى إن أتاك رجل عندك يشهد رجمه؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده؛ فقال أبو بكرة: وأنا أشهد أنّه زان! فاراد أن يعيد عليه الحدّ فقال عليّ: يا أمير المؤمنين إنّك إن أعدت عليه الحدّ اوجبت عليه الرّجم. وفي حديث آخر فلا يعاد فيه فرية جلد مرّتين قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: قول عليّ إن جلدته فارجم صاحبك؟

____________________

(1) الدر المنثور ج 1 ص 688.

(2) أضواء البيان، الشنقيطي، ج 7 ص 343.

٣١٧

قال: كأنه جعل شهادته شهادة رجلين. قال أبو عبد الله: وكنت أنا أفسّره على هذا حتى رأيته في هذا الحديث فأعجبني ثم قال: يقول إذا جلدته ثانية فكأنّك جعلته شاهدا آخر.(1)

وعن أبي العباس ثعلب قال لما أن قال أبو بكرة أشهد أنه لزان قال عمر اجلده! قال له عليّ: إذا فارجم صاحبك، لانك قد اعتددت بشهادته فصارت شهادتين وإنما هي شهادة واحد أعادها(2) .

قال ابن طيفور: وذكر ابن الأعرابي أنّ عمر بن الخطّاب قال أيها الناس ما هذه الصّدقات (جمع صداق وهو مهر الزّوجة) التي قد مددتم إليها أيديكم لا يبلغني أن أحدا جاوز بصداقه صداق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ قال فقامت امرأة برزة فقالت: ما جعل الله لك ذلك يابن الخطّاب، وقد قال الله عز وجل( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) (3) فقال عمر: ألا تعجبون أمير أخطأ وامرأة أصابت ناضل أميركم فنضل.

أقول: لم يسمّ الراوي المرأة التي اعترضت على عمر مع أنه ليس في وسع كلّ امرأة فعل ذلك، وانظر إليها تخاطبه فتقول: (يا ابن الخطاب) ولا تقول: (يا أمير المؤمنين)!

مسائل انفرد بها عمر

قال السّيوطيّ: أخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن عمر بن الخطّاب قال: لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فلينظروا كل من كان له جدة ولم يحجّ فيضربوا عليهم الجزية. ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين(4) .

وقال اليعقوبيّ: وتوفّي عمرو ليلة الفطر سنة 43 فأقرّ معاوية ابنه عبد الله بن عمرو، ثمّ استصفى مال عمرو، فكان أوّل من استصفى مال عاملٍ. ولم يكن يموت لمعاوية عامل

____________________

(1) أضواء البيان، ج 5 ص 444 وفي سنن البيهقي الكبرى، ج 8 ص 234 مثله.

(2) بلاغات النساء، ابن طيفور، ص 132.

(3) تمام الآية: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا [النساء: 20]

(4) الدر المنثور ج 2 ص 275.

٣١٨

إلاّ شاطر ورثته ماله، فكان يكلّم في ذلك فيقول: هذه سنّها عمر بن الخطّاب(1) .

ولما توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام عمر بن الخطّاب فقال إنّ رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي! وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - والله - ما مات، ولكن ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثمّ رجع إليهم بعد وأرجلهم زعموا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات فخرج أبوبكر فقال: على رسلك يا عمر، أنصت، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس، إنّه من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ثمّ تلا هذه الآية( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ .. ) الآية فو الله لكأنّ النّاس لم يعلموا أنّ هذه الآية نزلت حتى تلاها أبوبكر يومئذ وأخذ النّاس عن أبي بكر، فإنّما هي في أفواههم؛ قال عمر: فو الله ما هو إلاّ أن سمعت أبابكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مات(2) .

أقول:

لم يمت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نظر عمر، مع أن القرآن الكريم يصرّح بذلك أكثر من مرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُم مَيّتُونَ * ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) ،( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مّتّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ) ،( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ.. ) ، هذا مع أنّ الاعتقاد بحتميّة الموت لا يحتاج إلى الالتزام بدين، فإنّ الدّهري والمادّي الشيوعي والملحد والزّنديق، كلّ هؤلاء يعتقدون بحتمية الموت مع أنهم ليسوا على دين!

وأخرج البيهقيّ عن ابن عائذ قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جنازة رجل فلما وضع

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 221 دار صادر بيروت.

(2) تاريخ الطبري ج 2 ص 233 وتفسير أبي السعود ج 2 ص 93 وروح المعاني ج 4 ص 74 وتفسير الثعلبي ج 3 ص 178 ومناهل العرفان في علوم القرآن ج 1 ص 194 ومختصر السيرة ج 1 ص 250 والكامل في التاريخ ج 2 ص 187 والسيرة الحلبية ج 3 ص 475 والدر المنثور ج 2 ص 337.

٣١٩

قال عمر بن الخطّاب لا تصلّ عليه يا رسول الله فإنّه رجل فاجر (!) فالتفت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الناس قال هل رآه أحد منكم على الإسلام فقال رجل نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله فصلى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحثا عليه التراب وقال: (أصحابك يظنون أنك من أهل النار وأنا أشهد أنك من أهل الجنة وقال يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة(1) .

وهذا صحابي آخر يتعرض لسلوك مماثل من طرف عمر بن الخطاب في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال ابن الجوزي في ترجمة الحكم بن كيسان مولى لبني مخزوم: (وكان في عير قريش التي أصابها عبد الله بن جحش بنخلة فاسره المقداد وأراد عبد الله بن جحش ضرب عنقه فقال له المقداد دعه حتى نقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدموا به جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام وأطال دعاءه فقال عمر علام تكلم هذا يا رسول الله والله لا يسلم هذا آخر الأبد دعني أضرب عنقه ويقدم إلى أمه الهاوية فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى عمر وأسلم الحكم وجاهد وقتل ببئر معونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راض عنقه(2) .

أقول: لا يزال أناس من المدافعين عن الصّحابة - كلّ الصحابة - يتنازلون عن متبنّياتهم ويتراجعون عمّا ألزموا به أنفسهم كلّما تعلّق الأمر بعمر بن الخطاب؛ فهذان صحابيان يقضى نحبه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويشهد له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنّة، لكنّ عمر بن الخطّاب يأبى إلاّ أن يشهد عليه بالفجور، ومصير من يموت على الفجور معلوم( إِنّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) ، والثاني قتل ببئر معونة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه راض، والمقتولون ببئر معونة شهداء كما هو مقرّر في محلّه، ومع ذلك حرص عمر على ضرب عنقه وزعم أنّه.

____________________

(1) الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج 7 ص 277 وحلية الأولياء، أبو نعيم، ج 1 ص 55 وشعب الإيمان، البيهقي، ج 4 ص 43 والدر المنثور، السيوطي، ج 2 ص 421 ومرقاة المفاتيح، ج 7 ص 388 ومشكاة المصابيح، الخطيب التبريزي، ج 2 ص 1134.

(2) المنتظم، ابن الجوزي، ج 3 ص 209.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564