الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب10%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91280 / تحميل: 7650
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطّاب أنه مرّ من مقام إبراهيم فقال: يا رسول الله أليس نقوم مقام خليل ربّنا؟ قال: بلى قال: أفلا نتخذه مصلّى فلم نلبث إلا يسيرا حتى نزلت: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)(١) .

قال: (وما كان لنبي..) الآية روى أحمد وغيره عن أنس قال استشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأسرى يوم بدر فقال: إن الله قد أمكنكم منهم فقال عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه فقال أبوبكر: نري أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فأنزل الله (لو لا كتاب من الله سبق) الآية.

ههنا إعراض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عمر، والذين يجعلون هذا من الموافقات لا يفقهون كلام الله تعالى، فإنّه سبحانه عزّ وجلّ يقول (وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم) ولم يقل وما كان الله ليعذّبهم وعمر فيهم!.

أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا سوار بن عبد الله العنبري حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن بن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وقال بن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر بن الخطّاب إلا نزل القرآن على نحو مما قال عمر(٢) .

قلت: نعم؛ ابن عمر يروي في فضائل أبيه عمر، ويجرّ النّار إلى قرصه، وعندنا في المغرب العربي مثل يقول: لا يمدح العروس إلا أمّها أو فمها!).

ورووا أنّ عمر بن الخطّاب شتمه أعرابيّ من المشركين فشتمه عمر وهمّ بقتله فكاد أن يثير فتنة فنزلت هذه الآية (قل للذين آمنوا يغفروا...)(٣) .

أقول: حتّى حين يشتم عمر ينزل قرآن يؤيّده.

____________________

(١) لباب النقول، في أسباب النزول، السيوطي، ج ١ ص ١٧.

(٢) صحيح ابن حبان، ج ١٥ ص ٣١٨ تحت رقم ٦٨٩٥.

(٣) تفسير مقاتل بن سليمان، ج ٢ ص ٢٦١ وتفسير السمعاني ج ٣ ص ٢٤٩ وتفسير البغوي ج ٣ ص ١١٩ وتفسير النسفي ج ٤ ص ١٣٠ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج ٣ ص ٤٦٤ وتفسير العز بن عبد السلام، ج ٢ ص ٢٢١ وتفسير القرطبي ن ج ١٠ ص ٢٧٦ وتفسير القرطبي ج ١٦ ص ١٥٦ وتفسير البيضاوي، ج ٥ ص ١٧٠ والتحرير والتنوير، ج ١ ص ٢٤٧٠.

٢٨١

وقال مجاهد: (وقد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن)(١) .

قال مقاتل والزجاج: (كان عمر عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أنزلت عليه هذه الآية فقال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (هكذا أنزلت عليّ)؛ فكأنه أجرى على لسانه هذه الآية قبل قراءة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

وعن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت: (كان عمر بن الخطّاب يقول لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجب نساءك، قالت فلم يفعل، قالت وكان أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرجن ليلا إلى ليل قبل المناصع؛ فخرجت سودة بنت زمعة وكانت امرأة طويلة فرآها عمر وهو في المسجد فقال: قد عرفتك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب قالت فانزل الله عزوجل الحجاب(٣) .

أقول: وكأن نزول القرآن الكريم قضية إلحاح وإصرار!

قال ابن حجر: وقد كان عمر يعدّ نزول آية الحجاب من موافقاته(٤) .

وقال ابن تيمية: (وليس في أولياء هذه الأمّة من يأخذ عن الله سبحانه شيئا بلا واسطة نبيّ أفضل من عمر، ومع هذا فكلّ ما يرد عليه بدون واسطة النبيّ عليه أن يعتبره بما جاء به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن وافقه قبله وإن خالفه ردّه، كما كان عمر بن الخطّاب يفعل فإنّه كان إذا وقع له شيء وجاءت السنّة بخلافه ترك ما عنده لما جاءت به السنّة حت كانت المرأة إذا نازعته فيما قاله بآية من كتاب الله ترك ما رآه لما دلّ عليه النّص، وهذا هو الواجب عليه وعلى كل من آمن بالله ورسوله؛ فإنّ ما جاء به الرّسول معصوم أن يستقرّ فيه خطأ قد فرض الله على خلقه تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر. وأمّا ما يرد على قلوب الأولياء فليس معصوما وليس عليهم تصديقه بل وليس لهم العمل بشيء منه إذا خالف الكتاب والسنة(٥) .

____________________

(١) الدر المنثور، السيوطي، ج ١ ص ٢٩٠.

(٢) تفسير السمرقندي، ج ٢ ص ٤٧٦..

(٣) مسند أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٢٧١ تحت رقم ٢٦٣٧٤.

(٤) فتح الباري ج ١ ص ٢٤٩.

(٥) الصفدية، ابن تيمية، ج ١ ص ٢٥٣.

٢٨٢

مواقف متناقضة

كثرت تناقضات عمر بن الخطاب في الفتوى وغيرها حتى قال الإمام علي عليه السلام في حقه: فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس أن من يكون خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون أشبه الناس به هديا، وهو ما لم يوفق إليه عمر، فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتناقض، لا في أقواله ولا في أفعاله، وكان عمر بن الخطّاب على خلاف ذلك تماما. بل يمكن أن يقال إن النّسبة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين عمر بن الخطّاب هي النّسبة بين المتوازيين لا يلتقيان أبدا؛ وهذه نماذج من تلك التّناقضات التي وقع فيها الخليفة ولم يراجع عنها حتى خرج من الدنيا.

عن إسماعيل عن قيس قال رأيت عمر بن الخطّاب وهو يجلس والنّاس معه وبيده جريدة وهو يقول: (أيّها النّاس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه يقول إنّي لم آلكم نصحا. قال ومعه مولى لأبي بكر يقال له شديد معه الصّحيفة التي فيها استخلاف عمر)(٢)

هذا في ما يخصّ كتاب أبي بكر، لكن موقفه من كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على خلاف ذلك تماما، علما أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوحى إليه وأبوبكر لا يوحى إليه.

قال القرطبيّ وفي البخاريّ عن عبد الله بن عبّاس قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فينزل على ابن أخيه الحر بن قيس بت حصن وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبابا الحديث وقد مضى في آخر الأعراف وفي صحيح مسلم أن نافع بن عبد الحرث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملته على أهل الوادي؟ فقال:

____________________

(١) نهج البلاغة، ج ١ ص ٣٠ - ٣١.

(٢) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦١٨.

٢٨٣

ابن أبزى فقال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا قال: فاستخلفت عليهم مولى! قال: إنه قارئ لكتاب الله وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين(١) .

أقول: تناقض عمر ههنا في كونه كان ينوي أن يستخلف سالم مولى أبي حذيفة - وهو مولى - على كلّ المسبلمين، وهو هنا يتعجّب من استخلاف مولى على أهل مكّة خاصة!

وروى البغويّ عن الزّهريّ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ أبا هريرة قال: لما توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب فقال عمر بن الخطّاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلاّ الله عصم منّي ماله ونفسه إلا بحقّه وحسابه على الله)؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلنّ من فرق بين الصّلاة والزّكاة فإنّ الزّكاة حقّ المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فو الله ما هو إلاّ أن قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنّه الحق(٢) .

أقول هذا اعتقاد عمر: إذا شرح صدر أبي بكر لشيء فهو الحقّ، أمّا حينما ينشرح صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو يهجر والعياذ بالله تعالى.

وعن النّعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقي الحاجّ وقال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام، وقال الآخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتما فزجرهم عمر بن الخطّاب وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهويوم الجمعة ولكن إذا صلّيت دخلت فاستفتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما اختلفتم فيه ففعل فأنزل الله عزوجل: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) إلى قوله: (والله لا يهدي القوم

____________________

(١) تفسير القرطبي، ج ١٧ ص ٢٥١.

(٢) تفسير البغوي، ج ١ ص ١٦.

٢٨٤

الظالمين).(١)

أقول: عمر بن الخطاب ينهى النّاس عن رفع الصّوت عند منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنه لا يلتزم بذلك، ولا يبالي أن يرفع الصّوت عند رسول الله نفسه في آخر حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

وعن الزّهري أنّ عمر بن الخطّاب قال: إن وليت شيئا من أمر النّاس فلا تبال لومة لائم(٢) .

أقول: لكنّ عمر تعلّل في دفع الخلافة عن عليّ عليه السلام بقوله: (والله لو وليها لانتقضت عليه من أقطار الأرض)! وكان أولى به ألا تأخذه في الله لومة لائم.

قال الآلوسي: وأخرج ابن المنذر عن عمر بن الخطّاب أنه قال: لو وجدت فيه (أي الحرم) قاتل الخطّاب ما مسسته حتى يخرج منه(٣) .

هذا كلام فيه نطر فإن المسلمين يرون عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة ولم يرع حرمة فاطمة عليها السلام يوم السّقيفة، وبيتها أعظم حرمة من الكعبة، لأنّه كان يؤوي أربعة مطهّرين بنصّ الكتاب العزيز، وعمر بن الخطّاب نفسه يصلّي عليهم يوميّا في كلّ صلواته حين يقول (اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد).

وأخرج عبد بنحميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطّاب أنه سئل عن الذين ينامون في المسجد فقال: هم العاكفون(٤) .

هذا رأي عمر في من ينام في المسجد، ومن يطالع كتب الفقه الإسلامي يجد فيها كلاما مخالفا لما يذهب إليه عمر.

وقد ردّ عمر كثيرا مما حكم به أبوبكر كما هو معلوم في شأن السّبي وغيره، بل ذهب إلى الطعن في نفس خلافة أبي بكر فقال عنها (فلتة).

____________________

(١) تفسير البغوي، ج ١ ص ٢٢.

(٢) التاريخ الكبير، البخاري، ج ٤ ص ١٩ وتاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج ٢٢ ص ٣١٧. والدر المنثور، السيوطي، ج ٣ ص ١٠٤.

(٣) روح المعاني، الآلوسي، ج ٤ ص ٦.

(٤) فتح القدير، الشوكاني، ج ١ ص ٢٢١.

٢٨٥

قال عمر بعد أن طعن: (إن أقام هؤلاء النفر الستة أكثر من ثلاثة أيام لم ينصبوا لهم رجلا منهم ويسمعوا له ويطيعوا فاضربوا أعناقهم. وإن اختلفوا وأجمع منهم ثلاثة ولم يجمع معهم الباقون، فاضربوا أعناق الثّلاثة الذين ليس فيهم عبد الرّحمن بن عوف. وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان فاضربوا أعناق الاثنين)!!

ذلك ما قاله بعدما شهد للستة المعنيين بالإيمان، وأشعر في كلامه أنّهم أفضل من الباقين، وهو ما اعتمدت عليه مدرسة الخلفاء في ترتيب الأفضليّة. وذكر عمر فيما ذكر أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي وهو عنهم راض! فهل يحلّ قتل من توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنه راض؟ ومن أين جاء عمر بالأجل (ثلاثة أيام)؟ ولو فرضنا أنّهم لم يصلوا إلى نتيجة في ثلاثة أيّام، ولو فرضنا أن النّزاع بينهم طال أكثر من ثلاثة أيّام، أكان أبو طلحة يضرب رؤوسهم؟ وهل كان يحلّ له ذلك؟ ولو فرضنا أنّه ضرب أعناقهم، ما يكون حكمهم عند الله تعالى وفي المقتولين خمسة من أهل بدر ومن المبشّرين بالجنّة؟!

أقول: في رأيي أنّ تلك كانت مسرحيّة لتمرير المؤامرة بسلام، فإنّ عبد الرّحمن بن عوف كان أمين سرّ عمر، وكان كثير الخلوات به، وكان متزوّجا من ثلاث نسوة من بني أميّة. وحينما أغمي على أبي بكر أثناء كتابة الوصيّة (وأذكّر أنّه لم يسمح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتابته الوصيّة) كتب عثمان بن عفان من تلقاء نفسه (إنّي استخلفت عليكم عمر...) فهل كان عثمان يقرأ في قلب أبي بكر؟

رأي عمر في من يستحق الولاية

ولعمر بن الخطّاب أيضا كلام في هذا المعنى رواه ابن عساكر عن عثمان بن مقسم قال: قال المغيرة بن شعبة لعمر أدلّك على القويّ الأمين؟ قال بلى! قال: عبد الله بن عمر. قال: ما أردت بقولك هذا؟ والله لأن يموت فاكفّنه بيديّ أحبّ إليّ من أن أولّيه وأنا أعلم أنّ في النّاس من هو خير منه(١) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج ٣١ ص ١٧٨.

٢٨٦

عمر يعلم بخاتمة عثمان

قال ابن أبي الحديد: ثم أقبل (عمر) على عثمان، فقال: هيها إليك! كأنّي بك قد قلّد تك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك، فحملت بني أميّة وبنى أبى معيط على رقاب النّاس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب، فذبحوك على فراشك ذبحا. والله لئن فعلوا لتفعلنّ، ولئن فعلت ليفعلنّ، ثمّ أخذ بناصيته، فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنّه كائن. ذكر هذا الخبر كلّه شيخنا أبو عثمان في كتاب السّفيانية وذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر، وذكر ابو عثمان في هذا الكتاب عقب رواية هذا الخبر قال: وروى معمر بن سليمان التّيميّ عن أبيه عن سعيد بن المسيّب عن ابن عبّاس، قال: سمعت عمر ابن الخطّاب يقول لأهل الشورى: إنّكم إن تعاونتم وتوازرتم وتناصحتم أكلتموها وأولادكم، وإن تحاسدتم وتقاعدتم وتدابرتم وتباغضتم، غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان، وكان معاوية حينئذ أمير الشام(١) !

أقول: انظر إلى قوله: (كأنّي بك قد قلّدتك قريش هذا الأمر) يتبيّن لك أنّ قريشا لم تكن تنظر إلى الخلافة أنّها مسألة شرعيّة ومنصب إلهيّ، وإنّما كانت تراها قضيّة قرشيّة بحتة، ولقريش ان تولّي من تشاء، وأنت تعلم أنّ قريشا قد حاربت الإسلام بكل ما أوتيت، ولم تدخل فيه إلاّ مكرهة بعد فتح مكّة، فمن أين صارت الخلافة قضيّة قرشيّة؟!! وأمّا عبارة الأئمّة من قريش التي يرفعونها ورقة فيتو كلّما جرى حديث عن الخلافة فهي محرّفة تعارضها أحاديث متواترة منها حديث الغدير وحديث الثّقلين. والأئمّة من عترة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة لا ينازعهم إلا هالك، ولو كان عمر بن الخطّاب يعتقد فعلا أنّ الأئمّة من قريش لما قال أمام النّاس (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته)! لكنها السّياسة، والسّذّج من المسلمين يعزون الكلام السّابق وما جرى مجراه إلى فراسة عمر وينسون دوره في حياكته!.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١ ص ١٨٦.

٢٨٧

اعتراف عمر بحق علي عليه السلام في الخلافة

عن ابن عباس: قال كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلة وعمر على بغل وأنا على فرس فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي طالب فقال: أما والله يا بني عبد المطّلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر، فقلت في نفسي لا أقالني الله إن أقلته فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين وأنت وصاحبك وثبتما وافترعتما الأمر منّا دون النّاس! فقال إليكم يا بني عبد المطلب أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطّاب! فتأخّرت وتقدّم هنيهة فقال: سر لا سرت، وقال: أعد عليّ كلامك، فقلت: إنّما ذكرت شيئا فرددت عليك جوابه ولو سكتّ سكتنا؛ فقال: إنّا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة ولكن استصغرناه وخشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها! قال: فأردت أن أقول كان رسول الله يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ن أفتستصغره أنت وصاحبك؟ فقال: لا جرم فكيف ترى، والله ما نقطع أمرا دونه ولا نعمل شيئا حت نستأذنه(١) .

وعن محمّد بن كعب عن ابن عمر قال: قال عمر لأصحاب الشورى: لله درهم لو ولّوها الأصيلع كيف يحملهم على الحقّ وإن حمل علي عنقه بالسّيف قال: فقلت تعلم ذلك منه ولا تولّيه؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني(٢) ...

مواقف محرجة

قال الحسن بن عليّ يوما لعمر بن الخطّاب: (انزل عن منبر أبي)، فقال عمر: (هذا منبر أبيك)(٣) .

وقد ثبت أنّ عمر بن الخطّاب كان يكبّر في قبّته فيكبّر أهل السّوق بتكبيره حتى ترتج منى تكبيرا(٤) .

____________________

(١) محاضرات الأدباء، الراغب الأصفهاني، ج ٢ ص ٤٩٥ و ٤٩٦.

(٢) المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج ٣ ص ١٠١ تحت رقم ٤٥٢٦.

(٣) ترجمة عليّ من تاريخ دمشق لابن عساكر، ج ٤ ص ٣٢١.

(٤) مختصر ابن كثير، ج ١ ص ١٤٣.

٢٨٨

أقول: يرفع صوته بالتّكبير وينهى غيره عن ذلك.

قال ابن كثير في ذكر قصة وفد نصارى نجران: فأتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك ونتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا فإنّكم عندنا رضا. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ائتوني العشيّة أبعث معكم القويّ الأمين فكان عمر بن الخطّاب يقول: ما أحببت الإمارة قطّ حبّي إيّاها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها! فرحت إلى الظّهر مهجرا فلمّا صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظّهر سلّم ثمّ نظر عن يمينه وشماله فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح فدعاه فقال: (أخرج معهم فاقض بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه) قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة)(١) .

أقول: هذا عمر بن الخطّاب يشهد على نفسه بحبّ الإمارة يومها، ويوم خيبر أيضا يقول: (ما أحببت الإمارة إلا يومئذ) فما أكثر التّناقض في كلام عمر مع شهادته على نفسه بحبّ الإمارة، وقد رووا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (إنّا والله لا نولّي هذا الأمر من يحبّه أو من يحرص عليه) فعمر في نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستحقّ أن يكون على النّاس، لأنّه يحبّ الإمارة ويحرص عليها، وقد بلغ به حرصه عليها أن أراد تحريق البيت على المطهّرين بنص الكتاب العزيز!..

قال ابن عاشور: أمّا قول عمر بن الخطّاب لا ندع كتاب الله وسنّة نبيّنا لقول امرأة أحفظت أم نسيت. فهو دحض لرواية فاطمة ابنة قيس... فلا تكون معارضة لآية حتى يصار إلى الجمع بالتّخصيص والتّرخيص(٢) .

ههنا يقول عمر: كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا، لكنّه يوم الرزيّة قال: حسبنا كتاب الله، وهذا معناه أنّ الاعتقاد بالكتاب والسنّة تابع للمصلحة عند عمر؛ فحينما تكون السنّة منطوية على خلاف ما يهوى عمر يهتف قائلا: حسبنا كتاب الله! ولا يبقى للسنّة مكان.

____________________

(١) مختصر ابن كثير، ج ١ ص ٢٢٣.

(٢) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج ١ ص ٤٤٥٤.

٢٨٩

وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطّاب قال إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله(١) .

تارة حسبنا كتاب الله، وتارة حسبنا السّنن!

قال الجصّاص: وروى معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن الحكم بن مسعود الثّقفيّ قال: شهدت عمر بن الخطّاب أشرك الإخوة من الأب والأمّ مع الإخوة من الأمّ في الثّلث فقال له رجل: قضيت عام أوّل بخلاف هذا. قال كيف قضيت؟ قال جعلته للأخوة من الأمّ ولم تعط الإخوة من الأب والأمّ شيئا! قال: (تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا)(٢) .

أقول: على أيّ أساس كان القضاء الأوّل وعلى أيّ أساس كان القضاء الثّاني؟ أم أنّ الأمر فوضى؟ وكيف اختلف القضاء والموضوع واحد؟!

قال النّحّاس: ومما يحتج به لهذا القول ما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطّاب يقول لعجوز نصرانيّة: (أسلمي أيّتها العجوز تسلمي، إنّ الله بعث محمّدا بالحقّ). قالت العجوز: أنا عجوز كبيرة وأموت إلى قريب. فقال عمر: اللهمّ اشهد! ثمّ قال: لا إكراه في الدّين(٣) .

أقول: إذا كان (لا إكراه في الدين)، فلماذا هدّد عمر فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحريق بيتها عليها وعلى أولادها وزوجها؟ أفلا كانت عنده فاطمة عليها السّلام بمنزلة هذه العجوز النّصرانيّة فيعاملهما جميعا في ضوء (لا إكراه في الدّين)؟!).

____________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ١٥٣ والإتقان في علوم القرآن ج ٢ ص ٩ وسنن الدارمي ج ١ ص ٦٢ وكنز العمال ج ١ ص ١٩٤ وكنز العمال ج ١ ص ١٩٦ والانتصار لأصحاب الحديث ج ١ ص ٦ وتاريخ بغداد ج ١٤ ص ٢٨٦ وقواعد التّحديث ج ١ ص ٥٠ ومفتاح الجنّة ج ١ ص ٥٩ والموافقات ج ٤ ص ١٧ والفقيه والمتفقه ج ١ ص ٥٦٠ واعتقاد أهل السنة ج ١ ص ١٢٣ وذم الكلام وأهله ج ٢ ص ٣٢ وجامع بيان العلم وفضله ج ٢ ص ١٢٣.

(٢) أحكام القرآن للجصاص، ج ٣ ص ٢٤.

(٣) الناسخ والمنسوخ للنحاس، ج ١ ص ٢٥٩.

٢٩٠

وروى ابن عساكر أنّ المغيرة بن شعبة لعمر أدلّك على القويّ الأمين؟ قال: بلى! قال: عبد الله بن عمر؛ قال: ما أردت بقولك هذا؟ والله لأن يموت فأكفنه بيديّ أحبّ إليّ من أن أوليّه وأنا أعلم أنّ في النّاس من هو خير منه(١) .

فعلى فرض ضعف الحديث الذي رواه الحاكم وغيره، فإنّ لقول عمر عند من يأتمّ به شأن وأيّ شان! وهو عند العامّة (أهل السّنّة والجماعة) قطعا أفضل من معاوية بحيث لا وجه للمقايسة، وابنه عبد الله بن عمر أيضا أفضل من يزيد بن معاوية بحيث لا سبيل إلى المقايسة، ومع ذلك لم يرض عمر أن يولّي ابنه مع وجود من هو خير منه؛ لكنّه عيّن أعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأمصار وهو ما سمح لهم بنشر ثقافة معادية لأهل البيت عليهم السلام، وقد تجلّت آثار ذلك فيما بعد في حرب الجمل وحرب صفّين، وبشكل خاص في فاجعة كربلاء.

لماذا ولّى الطّلقاء على المسلمين في جميع الأمصار، والطّلقاء - قطعا - دون المهاجرين والأنصار؟! وهو القائل على ما نقله ابن تيمية في مجموع فتاواه) من ولي من أمر المسلمين شيئا فولّى رجلا لمودّة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين)(٢) . وسيأتي لاحقا أنه هو نفسه ولّى قدامة بن مظعون لقرابته لا غير، وندم على ذلك وقال بصريح العبارة) لم يبارك لي فيه).

وقال المغيرة بن شعبة أخبرنا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن رسالة ربّنا من قتل منّا صار إلى الجنّة. قال عمر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟! قال بلى(٣) .

أقول: ويوم أحد أيضا كان قتلانا في الجنّة وقتلى المشركين في النّار فما بال عمر يفضل الفرار بنفسه وترك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيدي الأعداء على الثّبات في وجه الأعداء؟! وهل هناك دنية أكبر من الفرار من الزّحف بعد تجاوز الأربعين من العمر؟!

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر - ج ٣١ ص ١٧٨.

(٢) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج ٢٨، ص ٢٤٧.

(٣) صحيح البخاريّ، ج ٣ ص ١٠٣٧. باب الجنة تحت بارقة السيوف.

٢٩١

قال ابن عبد البرّ في ترجمة أبي بكرة: (وكان من فضلاء الصّحابة، وهو الذي شهد على لمغيرة بن شعبة فبتّ الشّهادة، وجلده عمر حدّ القذف إذ لم تتمّ الشّهادة ثمّ قال له عمر: تب تقبل شهادتك. فقال له: إنّما تستتيبني لتقبل شهادتي؟ قال: أجل. قال: لا جرم، إنّي لا أشهد بين اثنين أبدا ما بقيت في الدّنيا)(١) .

أقول: إذا كان عمر يعتقد أنّ أبا بكرة لم يكذب على المغيرة بن شعبة في شهادته عليه بالزّنّا فكيف يطلب منه أن يكذب نفسه؟ وفي أيّ دين يطلب من الصّادق أن يكذب نفسه؟! وقد تصوّر عمر أنّ أبا بكرة سيحرص على العدالة الشّكلية التي لا علاقة لها بالتّقوى والورع، تصوّر عمر أنّ أبا بكرة سيتخلّى عن عدالته الحقيقيّة مقابل عدالة تمضيها الدّولة، فطلب منه أن يكذب نفسه، وكان جواب أبي بكرة قاسيا حيث أعلمه أنّ الشّهادة ليست مهمّة عنده، وأنه لا يهمّه أن تكذّبه السّلطة الحاكمة طالما هو صادق عند الله تعالى. وقد أصرّ أبو بكرة على موقفه هذا إلى درجة أن سجّله في وصيّته وهو يودّع الدنيا، فشهد أن المغيرة زنى بجارية بني فلان، وأن عمر فرح حين درأ الحدّ عنه. ولو كان أبو بكرة شاكّا في أمر المغيرة لما كتبه في وصيّته، فقد ذكروا أنّه كان مثل النصل من العبادة(٢) ، ولا يعقل أن يتعمّد عابد بذاك المستوى ختم عمره بقذف رجل بريء. وأمّا فيما يخصّ الشّهادة التي لم تتمّ، فينبغي أن يقال أنّ عمر بن الخطّاب منع من إتمامها حين لقّن الشاهد الرّابع من طرف خفيّ، وقد ظهر ذلك الشّاهد فيما بعد على حقيقته مجرما سفّاحا لا أثر للرّحمة في قلبه. وقد دفع ثمن تفسيق مسلم لحماية فاجر فشهد على أمّه سميّة بالزّنا وعلى أبيه بالدّياثة(٣) .

قال الزّبير: حدّثني محمّد بن سلام قال: أرسل عمر بن الخطّاب إلى الشّفّاء بنت عبد الله العدويّة أن أغدي عليّ. قالت: فغدوت عليه فوجدت عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص ببابه فدخلنا فتحدّثنا ساعة فدعا بنمط فأعطاها إيّاه ودعا بنمط دونه فأعطانيه قالت: فقلت تربت يداك يا عمر أنا قبلها إسلاما وأنا بنت عمّك دونها وأرسلت إليّ

____________________

(١) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج ١ ص ٥١٤.

(٢) قال ابن عبد البر: أبي أبو بكرة أن يتوب، وكان مثل النصل من العبادة حتى مات. الاستيعاب ج ١ ص ٥١٤.

(٣) الشّاهد الرّابع هو زياد بن سعيد الرّومي الذي استلحقه معاوية بن أبي سفيان بأبيه، لكنّ المسلمين أبوا أن يدخلوا مع معاوية في إثمه وقالوا: (زياد بن أبيه).

٢٩٢

وجاءتك من قبل نفسها! فقال: ما كنت رفعت ذلك إلاّ لك، فلما اجتمعتما ذكرت أنّها أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك(١) .

أقول: هل كانت عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة عليه السلام، ومع ذلك فقد بالغ في أذاها حتّى خرجت من الدّنيا ساخطة عليه؟!).

قال ابن حبّان: ثمّ اعتمر عمر وساق معه عشر بدنات ونحرها في منحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه من الصّحابة عبادة بن الصّامت، وأبو ذرّ، وأبو أيّوب، وشدّاد بن أوس، وكان نافع بن عبد الحارث عامله على مكّة فتلقّاه نافع فقال عمر: من خلّف على أهل الوادي فقال: ابن رجل من الموالي. قال عمر: أمولى أيضا؟ قال: يا أمير المؤمنين إنّه قارئ للقرآن عالم بالفرائض. فقال عمر: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إن الله عز وجل يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين(٢) .

أقول: لماذا يتعجّب عمر من تولية نافع رجلا من الموالي على أهل الوادي وهو نفسه قال: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا لاستخلفته؟ كيف يتعجّب من تولية مولى على محلّة ولا يتعجّب من تولية مولى على المسلمين كافّة؟!

وذكر ابن حبّان أيضا أنّ عمر بن الخطّاب قال: إنما أتخوّف أحد رجلين إمّا رجل يرى أنّه أحقّ بالملك من صاحبه فيقاتله أو رجل يتأوّل القرآن. في كتاب الله الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم. ألا فلا تهلكوا عن آية الرجم فقد رجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا معه، ولو لا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي فقد قرأناها بكتاب الله(٣) .

ألم يقل عمر (إذا وليت شيئا من أمر النّاس فلا تبال لومة لائم)(٤) ، فما باله يبالي بلوم

____________________

(١) الاستيعاب، ابن عبد البر، ج ١ ص ٦٠٦.

(٢) الثقات، ابن حبان، ج ٢ ص ٢٣٥.

(٣) الثقات، ابن حبان، ج ٢ ص ٢٣٩.

(٤) التاريخ الكبير، البخاريّ، ج ٤ ص ١٩.

٢٩٣

اللاّئمين ويخشى أقوالهم أن يقولوا زاد في كتاب الله.

قال ابن حبّان: أرسل عمر إلى عائشة يستأذنها في أن يدفع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبى بكر فأذنت له، فقال عمر: أنا أخشى أن يكون ذلك لمكان السّلطان منّى! فإذا متّ فاغسلوني، فكفّنوني، ثمّ قفوا بي على بيت عائشة وقولوا: أيلج عمر؟ فان قالت نعم فأدخلوني، وإن أبت فادفنوني بالبقيع(١) .

أقول: يستأذن عند بيت عائشة إحدى أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يستأذن عند بيت فاطمة سيدة نساء العالمين وبنت خير الخلق أجمعين، وقد أمر في القرآن الكريم بمودة آل رسول الله لا بمودة آل أبي قحافة، والله سائله عن هذا التصرّف المتناقض، ولا يؤذن لأحد من أرباب التّبرير أن يدافع عنه يومها. والنقطة الأخرى هي أنّهم رووا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يورث، وبموجب ذلك حرموا فاطمة عليها السلام ميراثها، وإذا كان الأمر كذلك فمن أين حصلت عائشة على البيت؟! إن كان بالميراث فإن فاطمة أولى؛ وإن كان بالنحلة فلم أخذوا من فاطمة عليها السلام ماكان تحت يدها في حياة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! وعلى فرض أن عائشة ورثت فإنها لا ترث إلا التسع من الثّمن، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي عن تسع نساء، والمرأة لا ترث إلا الثّمن مع وجود الولد كما هو مفصّل بدقّة في سورة النساء الشّريفة. وتبقى المسألة محلّ تدبّر.

قال ابن حزم: وقد جاء ما قلناه عن عمررضي‌الله‌عنه نصّا دون تأويل كما أنبأ عبد الله بن ربيع (...) عن بكير بن عبد الله بن الأشجّ أنّ عمر بن الخطّاب قال: (سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسّنن فإنّ أصحاب السّنة أعلم بكتاب الله عز وجل)(٢) .

إذا فلماذا قال يوم الرّزيّة حسبنا كتاب الله وها هو ذا يرجع إلى السّنن؟ وهل السّنن إلاّ قول وفعل وتقرير النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! ماذا يقول المدافعون عن عمر في هذا وأمثاله؟).

____________________

(١) الثقات، ابن حبان، ج ٢ ص ٢٤٠ وقريب منه في تاريخ الإسلام للذهبي، ج ١ ص ٤١٤.

(٢) الإحكام، لابن حزم، ج ٢ ص ٢٥٧.

٢٩٤

في حديث ابن عمر عند بن أبي شيبة أنّ أبابكر مرّ بعمر وهو يقول: (ما مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين وكانوا اظهروا الاستبشار ورفعوا رؤوسهم فقال: أيّها الرّجل إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مات ألم تسمع الله تعالى يقول إنك ميّت وإنّهم ميّتون، وقال تعالى: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد(١) .

إذا، لماذا يقول حسبنا كتاب الله؟! ما معنى حسبنا كتاب الله في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ولماذا عسكر بالجرف ولم يبتعد عن المدينة حين كان في جيش أسامة؟! وأين كانت الملائكة التي تحدّثه عادة وتصوّب قوله وفعله مقابل قول وفعل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!).

عن يعلى بن أميةرضي‌الله‌عنه قال طفت مع عمررضي‌الله‌عنه فلما كنت عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجر أخذت بيده ليستلم فقال ما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قال فهل رأيته يستلمه قلت لا قال ما بعد عنك فان لك في رسول الله أسوة حسنة(٢) .

أقول: من يسمع هذا الكلام يتصوّر أنّ عمر بن الخطّاب كان مقتديا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ أقواله وأفعاله، متأسيا به في هديه، والحال غير ذلك، فإنّه كان يخالفه في حياته، وتوسّع في مخالفته بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتفاصيل ذلك موزّعة في كتب الفرقين.

وعن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أن سليمان بن يسار أخبره أن التّوأمة بنت أميّة بن خلف طلّقت البتّة فجعلها عمر بن الخطّاب واحدة. قال وأخبرنا معمر وبن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر أن عمر بن الخطّاب سئل عن رجل طلّق امرأته البتّة فقال الواحدة تبتّ، راجع امرأتك فهي واحدة.

____________________

(١) فتح الباري، ابن حجر العسقلانيّ، ج ٨ ص ١٤٦.

(٢) سنن البيهقي الكبرى ج ٥ ص ٧٧ ومصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ٤٥ ومسند أبي يعلى ج ١ ص ١٦٣ ومسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ٣٧ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٤٠ وكنز العمال ج ٥ ص ٦٨ والمعرفة والتاريخ ج ٢ ص ١٢١ ومجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٤٠ وإعلام الموقعين ج ٢ ص ٢٩٣ والدر المنثور، ج ٦ ص ٥٨٤ و أحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٩٧ والأحاديث المختارة ج ١ ص ٤١٨ وج ١ ص ٤١٩.

٢٩٥

مرة يجعل الواحدة ثلاثا ومرة يجعل الثلاث واحدة!

قال أبو بكر: (من كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت، ومن كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات وقال: إنك ميت وإنهم ميتون فقال عمر: أفي كتاب الله هذا يا أبابكر قال: نعم قال عمر: هذا أبوبكر صاحب رسول الله في الغار وثاني اثنين فبايعوه فحينئذ بايعوه(١) !

وعن الحكم بن عتيبة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عمر بن الخطّاب على الصدقة فأتى العباس يسأله صدقة ماله قال قد عجلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدقة سنتين فرافعه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدق عمّي قد تعجلنا منه صدقة سنتين(٢) .

في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يثق في العباس!. قال أخبرنا الفضل بن دكين قال حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم قال بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر على السعاية فأتى العباس يطلب منه صدقة ماله فأغلظ له فأتى عليا فاستعان به على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تربت يداك أما علمت أن عمّ الرجل صنو أبيه إن العباس، سلفنا زكاة العام عاما أول.

أقول:

هذا ما جرى بين عمر والعباس بن عبد المطلب، يوما يكذّبه ويوما يستسقي به!

قال نافع بن الحارث بخصوص قصة المغيرة: رأيته على بطن المرأة يحتفز عليها، ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة. ثم شهد شبل بن معبد على شهادته، ثم أبو بكرة، ثم أقبل زياد رابعا. فلما نظر إليه عمر قال: أما إني أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يده ولا يخزى بشهادته. وكان المغيرة قدم من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال زياد: رايت منظرا قبيحا وسمعت نفسا عاليا. وما أدرى أخالطها أم لا؟ ويقال لم يشهد بشيء. فأمر عمر بالثّلاثة فجلدوا(٣) .

____________________

(١) تاريخ الإسلام، الذهبي، ج ١ ص ١٥٥.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٢ ص ٣٧٧ تحت رقم ١٠٠٩٨ وإرواء الغليل [ج ٣ - ص ٣٤٨] و الطبقات الكبرى [ج ٤ - ص ٢٦].

(٣) فتوح البلدان، البلاذري ج ٢ ص ٤٢٣.

٢٩٦

يقول عمر: أرجو ألاّ يرجم رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يده ولا يخزى بشهادته، فلماذا أخزى رجلا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسمه أبو بكرة وجلده وسلبه عدالته وأبطل شهادته؟! ماذا يقول المنصفون في مثل هذا المقام من الكيل بمكيالين؟.

وعن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان عن عمه أنه سمع عمر بن الخطّاب يقول قيّدوا العلم بالكتاب(١) .

أقول:

وهذا عجيب منه وهو الذي منع من تدوين السنّة فبقي المسلمون إلى زمن متأخّر ليس لهم كتاب في حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

وعن إسماعيل بن خالد عن قيس أنّ عمر بن الخطّاب فرض لأهل بدر لقريبهم ومولاهم في خمسة آلاف خمسة آلاف وقال لأفضّلنّهم على من سواهم.

أقول:

ليته فضّل أهل بدر فيما هو أهمّ من ذلك، وأقصد به المناصب الحسّاسة التي تتعلق بمستقبل دولة الإسلام يومها؛ لكن الذي حصل هو العكس تماما، فقد عيّن عمر على البدريّين طلقاء لا همّ لهم إلا مصالحهم الشخصية والعائلية والقبليّة، وقد بدت نتائج ذلك وآثاره فيما بعد في حرب الجمل وحرب صفّين والانقسام الذي حصل بين المسلمين والذي لم يلتئم إلى يومنا هذا!

قالوا: فأرسل عمر إلى أبي ذر وإلى سلمان فقال لأبي ذر أنت سمعت هذا الحديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال نعم والله وبعد الوادي واد آخر من نار قال وسأل سلمان فكره أن يخبر بشيء فقال عمر: من يأخذها بما فيها؟ فقال: أبو ذر من سلت الله أنفه وعينيه وأصدع خدّه إلى الأرض(٣) .

____________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة، ج ٥ ص ٣١٣ تحت رقم ٢٦٤٢٧.

(٢) المعروف أن كتاب موطأ مالك هو أقدم كتاب في الحديث النبوي.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٤٢٠ تحت رقم ٣٢٥٤٦.

٢٩٧

أقول: بعد هذا يجتهد في صرف الأمر عن عليّ عليه السلام حتّى وهو على فراش الموت. ويقول: لا أتحمّلها حيّا وميتا، وهو قد تحمّلها تمام التّحمّل لأنه حسم قضيتها بطريقته، فحدّد المهلة وعدد المرشّحين والحكم الفصل فيها، وهل هناك تحمّل أكبر من هذا؟!

وعن موسى بن علي بن رباح عن أبيه أن عمر بن الخطّاب خطب الناس في الجابية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال من أحبّ أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب، ومن أحبّ أ يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أحب أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أحبّ أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله جعلني خازنا وقاسما.

أقول:

لا يدرى أين تصنف هذه المغالطات وما شابهها، فإنّ عمر يقول (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن)، وطالما استخرج له علي عليه السلام الحلول بعد أن يئس غيره! فالرجل عن عمد يلبّس على نفسه وعلى المسلمين وهو يعرف باب مدينة العلم كما يعرف أبناءه.

فوثب عمر بن العاص فقال يا أمير المؤمنين أرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته إنّك لمقصّه منه؟ قال: أي والذي نفس عمر بيده لأقصنه منه، أنا لا أقصه منه وقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقص من نفسه؟ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم من حقوقهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتيعوهم(١) !

أقول:

يقول هذا وهو صاحب الدرة يضرب النساء والرجال على حد سواء!.

وروى عبد الرزاق عن الثوري عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال: قال عمر بن

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٦ ص ٤٦١.

٢٩٨

الخطّاب: (ما في شيء من أمر الجاهلية غير شيئين غير أني لست أبالي أي المسلمين أنكحت وأيّهن نكحت)(١) . وروى أيضا عن ابن جريج قال (أخبرني إبراهيم بن أبي بكر أن عمر بن الخطّاب كان يشدد في الأكفاء)(٢) . والجمع بين القولين كما ترى! فهو يشدّد من جهة، ولا يبالي من جهة.

قالوا: قال عمر: (ألا وإنّه بلغني أنّ فلانا قال لو قد مات عمر بايعت فلانا! فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنّه لا بيعة له ولا للذي بايعه)(٣) .

أقول:

فهل كانت بيعته لأبي بكر عن مشورة من المسلمين؟!

قال ابن حبان: انقلب عبد الرحمن بن عوف إلى منزله بمنى في آخر حجّة حجّها عمر بن الخطّاب فقال: إن فلانا يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا قال عمر إني قائم العشيّة في النّاس وأحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم.

أقول:

أليس ذلك ما فعله عمر وأبو عبيدة؟ بايعا أبوبكر من دون مشورة من المسلمين؟!

وفي صحيح ابن حبان: قال أبو حاتم: (قول عمر إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ولكن الله وقى شرها يريد أن بيعة أبي بكر كان ابتداؤها من غير ملأ والشيء الذي يكون عن غير ملأ يقال له الفلتة وقد يتوقع فيما لا يجتمع عليه الملأ الشرّ)(٤) .

وعن معمر عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: قال عمر لا تبغضوا الله إلى عباده يكون أحدكم إماما فيطول عليهم ما هم فيه ويكون أحدكم قاصا ويطول عليهم ما هم فيه(٥) .

يقول هذا وهو الذي يصلّي بهم الصبح فيقرآ سورة يوسف وسورة الكهف!!

____________________

(١) مصنف عبد الرزاق ج ٦ ص ١٥٢ تحت رقم ١٠٣٢١.

(٢) مصنف عبد الرزاق ج ٦ ص ١٥٢ تحت رقم ١٠٣٢٢.

(٣) صحيح ابن حبان، ج ٢ ص ١٤٨.

(٤) صحيح ابن حبان، ج ٢ ص ١٥٧.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ج ٥ ص ٣٢١ تحت رقم ٢٦٥١٧.

٢٩٩

روايات عمر

قال السيوطي: (روى له عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثا روى عنه عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبوذر وعمرو بن عنبسة وابنه عبد الله وابن عباس وابن الزبير وأنس وأبو هريرة وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري والبراء بن عازب وأبو سعيد الخدري وخلائق آخرون من الصحابة وغيرهم)(١) .

وعن ابن علية عن رجاء بن أبي سلمة قال بلغني أنّ معاوية كان يقول عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر فإنّه كان قد أخاف النّاس في الحديث عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

لا تعليق!

وعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطّاب قال: حدثت أن موسى أو عيسى قال يا ربّ ما علامة رضاك عن خلقك؟ قال أن أنزل عليهم الغيث إبان زرعهم، وأحبسه إبان حصادهم، وأجعل أمورهم إلى حلمائهم وفيئهم في أيدي سمحائهم. قال: يا ربّ فما علامة السّخط؟ قال: أن أنزل عليهم الغيث إبّان حصادهم وأحبسه إبّان زرعهم واجعل أمورهم إلى سفهائهم وفيئهم في أيدي بخلائهم(٣) . والله تعالى أعلم.

يقول عمر بن الخطّاب: (حدّثت) بالمبنيّ للمجهول، ولا يبعد أن يكون المحدّث كعب الأحبار! وقد امتنع القطر حتى أجدبت الأرض في خلافة عمر، وعام الرّمادة هو عام الرّمادة، فإن يكن ما حدّثه عمر صحيحا فقد كان الله ساخطا على أهل المدينة في خلافته، وهو من أهل المدينة! وإذا كان الأمر كذلك فإنّه لا يخفى مقتضى عبارة (واجعل أمورهم إلى سفهائهم)، وقد كانت الأمور عام الرمادة وقبله وبعده بيد عمر!

____________________

(١) تاريخ الخلفاء ج ١ ص ١٠٩.

(٢) تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٧.

(٣) الدر المنثور ج ٣ ص ٣٥٩.

٣٠٠

ينقص عن يوم وليلة ، وأن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوماً على الاتصال ليمكن جعله استحاضة ، والقوي الذي يليه حيض آخر ، فلو رأت يوماً وليلة دماً قوياً وأربعة عشر ضعيفا ، ثم عاد القوي فقد فُقد الشرط الثالث(1) .

وبم نعتبر القوة والضعف؟ وجهان : اللون ، فالأسود قوي بالنسبة إلى الأحمر ، والأحمر قوي بالنسبة إلى الاشقر ، والرائحة والثخانة ، فذو الرائحة الكريهة قوي والثخين قوي ، ولو حصل في دم خصلة وفي آخر اثنتان فهو أقوى ، ولو كان في واحد خصلة وفي آخر أخرى فالمتقدم أقوى(2) .

وشرط في قول له رابعاً ، وهو أن لا يزيد القوي والضعيف على ثلاثين يوماً ، فإن زاد سقط حكم التمييز ، لأنّ الثلاثين لا تخلو عن حيض وطهر في الغالب(3) .

يب ـ لو رأت بعد الأسود حمرة ، ثم صفرة ، فإن انقطع على العشرة فالجميع حيض ، وإن تجاوز فالصفرة استحاضة ، ثم الاولان إن زادا على العشرة فالحمرة استحاضة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : إلحاقها بالسواد ، فتكون فاقدة التمييز(4) ، وإن لم يتجاوزا ففي إلحاق الحمرة بالسواد أو الصفرة احتمال ، أقربه الثاني احتياطاًً للعبادة وللقوة والاولوية ، وأقوى الوجهين للشافعي الأول(5) لأنّهما قويان بالنسبة إلى ما بعدهما.

يج ـ قد بيّنا أن الاعتبار عندنا باللون لا بالتقدم ، فلو رأت خمسة حمرة وخمسة سواداً ثم استمرت الحمرة ، فالأسود حيض والطرفان استحاضة ، وهو

__________________

1 ـ المجموع 2 : 404 ، فتح العزيز 2 : 451 ، مغني المحتاج 1 : 113 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 391.

2 ـ المجموع 2 : 403 ـ 404.

3 ـ المجموع 2 : 404.

4 ـ المجموع 2 : 406 ـ 407.

5 ـ المجموع 2 : 407.

٣٠١

أظهر وجوه الشافعي ، والثاني : الجمع بين الحمرة والسواد ، فالعشرة حيض للقوة بالأولوية ، والثالث : سقوط التمييز(1) .

البحث الثاني : في المعتادة

و هي قسمان :

الأول : الذاكرة لعادتها عدداً ووقتاً. فإذا تجاوزت العادة ، فإن لم يتجاوز الأكثر فالجميع حيض ، سواء تقدمت العادة أو توسطت أو تأخرت إجماعاً ، وإن تجاوز العشرة ولاتمييز لها رجعت إلى عادتها عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأبوحنيفة وأحمد(2) ـ لقولهعليه‌السلام :(دعي الصلاة قدر الايام التي كنت تحيضهن ثم اغتسلي وصلي)(3) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة تنظر أيامها أولا ، فلا تصلّي فيها »(4) وقال الباقرعليه‌السلام : « المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين »(5) .

وقال مالك : تستظهر بعد أيامها بثلاثة إن لم يتجاوز خمسة عشر ، ثم هي بعد ذلك مستحاضة(6) ، وهو يناسب ما ذكرناه إلّا في زيادة يوم الاستظهار وفي عدد الاكثر.

__________________

1 ـ المجموع 2 : 407.

2 ـ المجموع 2 : 415 ـ 416 ، المغني 1 : 362 ، فتح العزيز 2 : 471 ، المبسوط للسرخسي 3 : 178.

3 ـ صحيح مسلم 1 : 264 / 334 ، سنن ابن ماجة 1 : 204 / 623 ، سنن النسائي 1 : 182 ، سنن أبي داود 1 : 72 / 279 ، سنن البيهقي 1 : 330 و 331 ، سنن الدارقطني 1 : 212 / 35 و 38.

4 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.

5 ـ التهذيب 1 : 171 / 488 ، الاستبصار 1 : 149 / 512.

6 ـ المدونة الكبرى 1 : 50 ، بداية المجتهد 1 : 51 ، المنتقى للباجي 1 : 124 ، بُلغة السالك 1 : 80.

٣٠٢

وإن كانت مميزة ، فإن اتفق زمانا التمييز والعادة فلا بحث ، وإن اختلف ، إمّا بالزمان ، كما لو كانت عادتها ( الخمسة الاُولى ، فرأت في شهر الاستحاضة صفة الحيض في )(1) الخمسة الثانية ، أو بالعدد ، كما لو رأت الستة الاُولى بصفة دم الحيض أو أربعة ، فللشيخ قولان : الرجوع إلى العادة(2) ـ وهو الاشهر ـ وبه قال أبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد ، وبعض الشافعية(3) ، لما تقدم في الأحاديث.

وقال مالك : الاعتبار وبالتمييز(4) ، وهو القول الثاني للشيخ(5) ، وظاهر مذهب الشافعي(6) ، لقولهعليه‌السلام لفاطمة بنت أبي حبيش : ( ان دم الحيض أسود يعرف ، فإذا أقبلت فاتركي الصلاة )(7) وهو محمول على المبتدأة ، ولأن العادة أقوى فإنها لا تبطل دلالتها ، والتمييز لو زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته.

__________________

1 ـ بين القوسين ساقط من نسخة ( م ).

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 48.

3 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 178 ، المجموع 2 : 431 ، فتح العزيز 2 : 476 ، المغني 1 : 366 ، الشرح الكبير 1 : 367 ، بداية المجتهد 1 : 55 ، مغني المحتاج 1 : 115 ، السراج الوهاج : 32.

4 ـ بداية المجتهد 1 : 54 ، فتح العزيز 2 : 478.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 49.

6 ـ المجموع 2 : 431 ، فتح العزيز 2 : 476 ، مغني المحتاج 1 : 115 ، المغني 1 : 366 ، الشرح الكبير 1 : 367 ، بداية المجتهد 1 : 55.

7 ـ سنن النسائي 1 : 123 و 185 ، سنن أبي داود 1 : 82 / 304 ، سنن البيهقي 1 : 325 ، سنن الدارقطني 1 : 207 / 3 ـ 6 ، المستدرك للحاكم 1 : 174.

٣٠٣

فروع :

أ ـ لو رأت العادة وقبلها وبعدها أو أحدهما ، فإن لم يتجاوز فالجميع حيض ، وإلّا العادة.

ب ـ العادة قد تتقدم وقد تتأخر ، فالضابط العدد مع النقاء.

ج‍ ـ العادة قد تتفق بأن يتساوى عددها في كلّ شهر ، وقد تختلف إمّا على نهج واحد كثلاثة في الأول ، وأربعة في الثاني ، وخمسة في الثالث ، وثلاثة في الرابع ، وأربعة في الخامس ، وخمسة في السادس ، وهكذا.

فاذا استحيضت في شهر ، فإن عرفت نوبته عملت عليه ، ثم على الذي بعده على العادة ، وان نسيت نوبته ، فإن جهلت بالكلية تحيضت بالاقل ، ثم تعمل إلى الاقصى ما تعمله المستحاضة وتغتسل في كلّ وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه ، ثم تعمل باقي الشهر ما تعمله المستحاضة ، وإن عرفت أنّه أكثر حيضناها بأقل المحتمل كالاربعة ، ثم تعمل ما تقدم أولا على نهج واحد ، كأن تحيض من شهر ثلاثة ، ومن الثاني خمسة ، ومن الثالث أربعة ، وأشباه ذلك ، فإن أمكن ضبطه ويعتاد على وجه لا يختلف فكالأول ، وإن كان غير مضبوط جلست الأقل من كلّ شهر.

د ـ قد بيّنا أن العادة قد تحصل بالتمييز ، فلو رأت المبتدأة خمسة أسود في أول الشهر والباقي أحمر أو أصفر ، ثم في أول الثاني كذلك ، ثم استحيضت في الثالث ردت إلى الخمسة ، سواء رأت الخمسة بصفة دم الحيض أو لا ، وللشافعي وجه آخر : عدم النظر إلى التمييز السابق بعد بطلانه(1) .

__________________

1 ـ اُنظر المجموع 2 : 431.

٣٠٤

هـ ـ لو قصرت العادة عن العشرة فرأت العشرة صفرة أو كدرة ثم انقطع فالجميع حيض عندنا ـ وهو أظهر وجوه الشافعية ، وبه قال مالك ، وربيعة ، وسفيان ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، ومحمد ، وأحمد ، وإسحاق(1) ـ لقوله تعالى :( ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى ) (2) والصفرة والكدرة أذى ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطُهر طهر »(3) .

وله آخر ـ وبه قال أحمد في رواية ـ أنّه ليس لهما حكم الحيض لأنّهما ليسا على لون الدماء ، وإنّما الصفرة شيء كالصديد يعلوه صفرة ، والكدرة شيء كدر(4) ، ولمّا روي عن اُم عطية ـ وكانت قد بايعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قالت : كنا لا نعد الصفرة والكدرة حيضاً(5) والأول أصح نقلاً.

وله ثالث : إنّ سبق دم قوي من سواد أو حمرة فهما بعده حيض ، وإلّا فلا ، لأنّ الدم يظهر قويا ثم يرق ويضعف(6) .

وله رابع : إنّ تقدمه وتأخره دم قوي فالوسط حيض وإلّا فلا(7) .

وله قولان في المتقدم والمتأخر ، أحدهما : قدر يوم وليلة ، والثاني :

__________________

1 ـ المجموع 2 : 392 و 395 ، فتح العزيز 2 : 486 ، الوجيز 1 : 27 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، المغني 1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، المبسوط للسرخسي 3 : 150 ، شرح العناية 1 : 144 ، الهداية للمرغيناني 1 : 30 ، المحلى 2 : 168 ـ 169.

2 ـ البقرة : 222.

3 ـ أورده نصاً في المبسوط 1 : 44 ، وفي الكافي 3 : 78 / 1 و 3 ، والتهذيب 1 : 396 / 1230 بمعناه.

4 ـ المجموع 2 : 389 و 392 ، فتح العزيز 2 : 487 ، الوجيز 1 : 27.

5 ـ صحيح البخاري 1 : 89 ، سنن أبي داود 1 : 83 / 307 ، المستدرك للحاكم 1 : 174 ، سنن الدارمي 1 : 214.

6 ـ المجموع 2 : 392 ، الوجيز 1 : 27 ، فتح العزيز 2 : 488.

7 ـ المجموع 2 : 393 ، فتح العزيز 2 : 488.

٣٠٥

لحظة واحدة(1) .

و قال أبو يوسف : الصفرة حيض ، والكدرة ليست حيضاً إلّا أن يتقدمها دم(2) ، وقال أبو ثور : إنّ تقدمها دم أسود فهما حيض ، واختاره ابن المنذر(3) ، وقال داود : ذلك ليس بحيض(4) .

أما المبتدأة فلو رأت صفرة أو كدرة في أيام ردها إلى عادة أهلها فالوجه أنّه حيض ، وهو أحد قولي الشافعي ، والآخر : إنّ فيه الاقوال الاربعة(5) .

ا لقسم الثاني : الناسية وأقسامها ثلاثة :

الأول : نسيت العدد والوقت معاً ، وتسمى المتحيرة ، فللشيخ قولان :

أحدهما : أنها تترك الصلاة والصوم في كلّ شهر سبعة أيام ، وتفعل في الباقي ما تفعله المستحاضة وتغتسل ، ولا قضاء عليها في صلاة ولا صوم ، واستدل بإجماع الفرقة(6) .

والثاني : قال في المبسوط : تفعل ما تفعله المستحاضة ثلاثة أيام من أول الشهر ، وتغتسل فيما بعد لكلّ صلاة يحتمل الانقطاع عندها إلى آخر الشهر ، وتصوم الشهر كله ، ولا تُطلَّق هذه(7) .

____________

1 ـ المجموع 2 : 393 ، فتح العزيز 2 : 489.

2 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 18 ، الهداية للمرغيناني 1 : 30 ، شرح العناية 1 : 144 ، المجموع 2 : 395 ـ 396 ، عمدة القارئ 3 : 298 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، المحلى 2 : 169 ، حلية العلماء 1 : 220.

3 ـ المجموع 2 : 396 ، المغني 1 : 383 ، المحلى 2 : 169 ، حلية العلماء 1 : 220.

4 ـ حلية العلماء 1 : 221.

5 ـ المجموع 2 : 393 ـ 394.

6 ـ الخلاف 1 : 242 مسألة 211.

7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51.

٣٠٦

وقال بعض علمائنا : تجلس عشرة أيام ـ وهو أكثر الحيض ـ لأنّه زمان يمكن أن يكون حيضاً(1) .

وللشافعي قولان ، أصحهما : أنّه لا حيض لها في زمان بعينه ، اذ جميع زمانها مشكوك فيه ، فتغتسل لكلّ صلاة وتصوم ، ولا يأتيها زوجها ما دامت مستحاضة(2) ـ وهو القول الثاني للشيخ ـ لأنّه ما من زمان إلّا ويحتمل الحيض والطهر ، وليس هنا أصل يرد إليه ، ولا يمكن إثبات أحكام الحيض بالشك ، فأمرناها بالاحتياط.

الثاني : أنها تُردّ إلى يوم وليلة كالمبتدأة التي لا عادة لها ، وهو رواية عن أحمد(3) .

وله قول ثالث : أنها تُردّ إلى ستة أو سبعة ، وبه قال أحمد كالمبتدأة(4) ، وهو الاشهر عندنا لقولهعليه‌السلام لحمنة : ( تحيضي في علم الله ستة أو سبعة أيام ثم اغتسلي )(5) الحديث.

فروع :

أ ـ إذا قلنا بالقول الأول للشيخ ، فالوجه أنها تتخير في الستة أو السبعة أيهما شاء‌ت بالاجتهاد جعلتها الحيض لعدم التنصيص ، فلولا

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 55.

2 ـ المجموع 2 : 433 ، الوجيز 1 : 28 ، فتح العزيز 2 : 491 ـ 492 و 494 ـ 495 ، مغني المحتاج 1 : 116.

3 ـ المجموع 2 : 434 ، الوجيز 1 : 27 ، فتح العزيز 2 : 491 ، المغني 1 : 370 ، مغني المحتاج 1 : 116.

4 ـ المجموع 2 : 434 ، فتح العزيز 2 : 393 ، مغني المحتاج 1 : 116 ، المغني 1 : 370 ، الشرح الكبير 1 : 375.

5 ـ سنن ابي داود 1 : 76 / 287 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، سنن الترمذي 1 : 222 ـ 223 / 128 ، مسند أحمد 6 : 381 ـ 382 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 ـ 173 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48.

٣٠٧

التخيير لوجب البيان.

ويحتمل أن يكون أول الشهر حيضاً ، لأنّ الحيض جبلة والاستحاضة عارضة.

ب ـ كما أنها تجتهد في الزمان فكذا تجتهد في العدد بين ستة وسبعة لقوله : ( ستاً أو سبعاً )(1) ويحتمل التخيير ، وعلى قول بعض علمائنا تتعين السبعة(2) ، ولها أن تتحيض في الشهر الأول بثلاثة ، وفي الثانية بعشرة كالمبتدأة.

ج‍ ـ الناسية إنّ كانت جاهلة بشهرها ، رددناها إلى الشهر الهلالي ، فحيضناها في كلّ شهر حيضة ، لحديث حمنة(3) ، ولأنّه الغالب.

وإن كانت عالمة بشهرها حيضناها في كلّ شهر من شهورها حيضة ، لأنّها عادتها فترد إليها كما ترد المعتادة إلى عادتها في عدد الايام وزمانها.

د ـ لو جلست أياماً ثم ذكرت أن عادتها غيرها رجعت إلى عادتها وقضت ما تركت أيام جلوسها ، فلو كانت عادتها ثلاثة من آخر الشهر فجلست السبعة السابقة ، ثم ذكرت قضت ما تركت من الصلاة والصيام في السبعة ، وقضت ما صامت من الفرض في الثلاثة.

هـ ـ الناسية إنّ كانت ذات تمييز عملت عليه ، لتعذر العمل بالعادة ، وهو أظهر قولي الشافعي ، وفي الآخر : لا حكم للتمييز ، لأنّ العادة مقدمة(4) .

__________________

1 ـ سنن أبي داود 1 : 76 / 287 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، سنن الترمذي 1 : 223 / 128 ، مسند أحمد 6 : 382 ، المستدرك للحاكم 1 : 173 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48.

2 ـ هو المحقق في المعتبر : 55.

3 ـ سنن أبي داود 1 : 76 / 287 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، سنن الترمذي 1 : 222 / 128 ، مسند أحمد 6 : 381 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48.

4 ـ المجموع 2 : 433 و 434 ، فتح العزيز 2 : 490.

٣٠٨

و ـ قال القفال : إذا كانت مجنونة فأفاقت فابتداء حيضها من وقت الافاقة لتوجه التكليف حينئذ(1) .

مسألة 97 : المتحيرة إن قلنا بالقول الثاني للشيخ(2) ، فطريق معرفة حكمها أن تنظر في أوقاتها ، فإن كانت تذكر شيئاً من أمر حيضها وطُهرها فكل زمان لا يحتمل أن يكون حيضاً فهو طُهر بيقين ، وكل زمان لا يحتمل أن يكون طُهراً فهو حيض بيقين ، وكل زمان يحتملهما ولم يحتمل الانقطاع تعمل ما تعمله المستحاضة ، وكل زمان يحتملهما ويحتمل الانقطاع أضافت إلى فعل المستحاضة الغُسل عند كلّ صلاة لاحتماله.

ينبغي اعتماد الاحتياط في اُمور ثمانية :

أ ـ الاستمتاع ، فيحرم على الزوج وطؤها قُبلا طول الشهر ، وفي وجه للشافعي : جواز الوطء خوفاً من الوقوع في الفساد(3) .

ب ـ الطلاق ، قال الشيخ : لا يصح طلاق هذه(4) ، ولو قيل : إنّ الطلاق يحصل بإيقاعه في أول يوم ، وأول الحادي عشر أمكن ، وعدتها تنقضي بثلاثة أشهر.

ج‍ ـ تُؤدي كلّ صلاة بغسل ووضوء ، ولا تقضي الصلاة المؤداة في أوقاتها ـ وهو أحد وجهي الشافعي(5) ـ لأنّها إنّ كانت طاهراً صحّ الاداء ، وإلّا سقط القضاء ، ولأن فيه حرجاً عظيماً. ويحتمل الوجوب لاحتمال انقطاع الحيض في خلال الصلاة ، أو في آخر الوقت ، وربما ينقطع قبل غروب

__________________

1 ـ المجموع 2 : 436 ، فتح العزيز 2 : 493.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51.

3 ـ المجموع 2 : 437 ، الوجيز 1 : 28 ، فتح العزيز 2 : 494 ، مغني المحتاج 1 : 116.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51. المجموع 2 : 442 ، فتح العزيز 2 : 495 ، الوجيز 1 : 28.

٣٠٩

الشمس فيلزمها الظهر والعصر ، وقبل نصف الليل فيلزمها المغرب والعشاء فتغتسل في أول وقت الصبح وتصليها ، ثم تغتسل بعد طلوع الشمس وتعيدها ، لاحتمال أنّه انقطع بعدما صلّت المرة الاُولى ، ولزمها الصبح فتخرج عن العهدة بالثانية ، لأنّها إنّ كانت طاهرة في الاُولى وإلّا فإن انقطع في الوقت صحت الثانية وأجزأت ، فإن لم ينقطع فلا شيء عليها.

ولا يُشترط المبادرة إلى المرة الثانية بل متى اغتسلت وصلّت الصبح قبل انقضاء أكثر الحيض من أول وقت الصبح خرجت عن العهدة ، لأنّ الدم لو انقطع في الوقت لم يعد إلّا بعد انقضاء الأكثر ، وتُصلّي العصر والعشاء مرتين كذلك.

ولا تكتفي بأن تُعيد الظهر المرة الثانية في أول وقت العصر ، ولا أن تُعيد المغرب في أول وقت العشاء ، بل تُعيد الظهر في الوقت الذي يجوز إعادة العصر فيه وهو ما بعد الغروب ، والمغرب في الوقت الذي يجوز إعادة العشاء فيه وهو ما بعد نصف الليل لجواز انقطاعه في آخر وقت العصر بقدر ما يلزم به الظهر ، وكذا المغرب ، ثم إنّ أعادت الظهر والعصر بعد الغروب قبل أن تُؤدي المغرب كفاها للظهر والعصر غسل واحد ، ثم تغتسل للمغرب والعشاء ، لأنّه إنّ انقطع الدم قبل الغروب فقد اغتسلت ، والانقطاع لا يتكرر ، وإن لم ينقطع قبل الغروب فليس عليها ظهر ولا عصر ، وإنّما اغتسلت للمغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر ، أو العصر ، أو عقيبهما ، وإن أخرتهما عن المغرب كفاها غسل المغرب لهما ، لعدم تكرر الانقطاع ، وتتوضأ لما لا تغتسل لها من هذه الصلوات ، كالمستحاضة ، وهو الثاني للشافعي(1) .

__________________

1 ـ المجموع 2 : 443 ، فتح العزيز 2 : 496 ، مغني المحتاج 1 : 117.

٣١٠

د ـ إذا وجب عليها قضاء فائتة قضتها ثلاث مرات ، كلّ مرّة بغسل ووضوء ، وأقل زمان يتصور فيه سقوط الفرض بيقين عشرة أيام ولحظتان ، فيقدر كأنها تغتسل وتُصلّي في زمان يبقى بينه وبين طلوع الشمس غسل وصلاة ، ثم يحتسب من وقت طلوع الشمس عشرة أيام ، فتغتسل وتقضي الصلاة في العشرة أي وقت شاء‌ت.

ثم إذا كملت العشرة اغتسلت وقضت الثالثة ، لأنّها إنّ كانت طاهراً في جميع المدة فالأول صحيح وما بعده زيادة ، وإن قدر ابتداء حيضها كان في صلاتها الاُولى فقد تمت لها عشرة أيام قبل الفعل الأخير ، فصح غسلها وصلاتها في الانتهاء ، وإن قدر أنها كانت في ابتداء الاُولى في آخر حيض فانقطع في أثنائها وفي الثالثة عاودها الحيض صحت الثانية.

هـ ـ إذا كان عليها طواف كان طريق أدائه كطريق قضاء الفائتة ، وتُصلّي بعد كلّ طواف ركعتين ، وليس عليها لاجل الركعتين غسل ، لأنّه مع الطواف كالعصر مع الظهر ، ويجب الوضوء ـ خلافاً للشافعي(1) ـ لتعدد الوضوء بتعدد الصلاة ، وكذا عنده إلّا هنا ، لأنّ الركعتين من توابع الطواف ، فجعلهما تبعا في الطهارة.

و ـ إذا كان عليها قضاء صوم يوم صامت يوماً متى شاء‌ت وتفطر الثاني ، ثم تصوم آخر قبل العاشر ، ثم الثاني عشر ، لأنّها إمّا طاهر في الأول فصح القضاء فيه أو غير طاهر ، فإما أن تكون فيه حائضاً في جميعه فينقطع حيضها قبل الثاني عشر ، فيُجزئها الثاني عشر ، أو ما قبل العاشر ، أو في بعضه ، فإن كان في أوّله وانقطع في أثنائه كانت طاهراً في العشرة فصح الثاني ، وإن كانت حائضاً في آخره وابتدأ به فغايته إلى الحادي عشر ، وتكون طاهراً في الثاني عشر.

__________________

1 ـ المجموع 2 : 476.

٣١١

ولو كان عليها قضاء يومين فصاعداً ضعفت ما عليها وتزيد عليه يومين وتصوم نصف المجموع متى شاء‌ت ، والنصف الآخر من أول الحادي عشر ، فلو كان عليها يومان تضعّف وتزيد يومين يكون المجموع ستة ، تصوم منها ثلاثة متى شاء‌ت ، وثلاثة من الحادي عشر من صومها الاول.

فإن كانت الثلاثة الاُولى في الطُهر فذاك ، وإن كانت في الحيض فغايته الانتهاء إلى الحادي عشر بتقدير أن يكون الابتداء في اليوم الأول ، فيقع اليومان الآخران في الطُهر ، وإن كان بعضها في الحيض دون بعض فإن وقع الأول في الطُهر صحّ مع الثالث عشر ، وإن وقع اليومان الاولان في الطُهر أجزأ ، وإن وقع اليوم الأخير في الطُهر أجزأ مع الحادي عشر.

ولو صامت ما عليها ولاء بلا زيادة ، وأعادته من الثاني عشر ، وصامت بينهما يومين متواليين أو غير متواليين ، متصلين بأحد النصفين أو غير متصلين أجزأ.

ز ـ يجب عليها صوم جميع شهر رمضان لاحتمال دوام الطُهر ، ثم تقضي عشرين يوماً عندنا لاحتمال أن تكون العشرة الاُولى حيضاً ، والثانية طُهراً ، والثالثة حيضا.

ولو علمت اتحاد الحيض ، قال علماؤنا : تقضي صوم عشرة احتياطاً ، والوجه قضاء أحد عشر لاحتمال ابتداء الحيض من نصف يوم وانقطاعه في نصف الحادي عشر.

ومن جعل أكثر الحيض خمسة عشر يوماً ـ كالشافعي(1) ـ أوجب قضاء ستة عشر يوماً فتصوم شهراً آخر بالايام ، فيحصل لها أربعة عشر يوماً ويبقى

__________________

1 ـ الاُم 1 : 67 ، المجموع 2 : 481 ، فتح العزيز 2 : 499 ، الوجيز 1 : 28 ، مغني المحتاج 1 : 117.

٣١٢

عليها يومان ، فتصوم ستة أيام في مدة ثمانية عشر ، فيحصل لها صوم رمضان بأن تصوم ستة وستين يوماً في مدة ثمانية وسبعين يوماً.

قالت الشافعية : لو وجب عليها صوم شهرين متتابعين صامت مائة وأربعين يوماً ، لأنّها تصوم أربعة أشهر بالايام تحصل لها من كلّ شهر أربعة عشر يوماً وتبقى عليها أربعة أيام ، فتصوم عشرين يوماً ، فيحصل لها أربعة أيام فقد خرجت عن الفرض بيقين(1) .

ح ـ منعها عن المساجد وقراء‌ة العزائم ، والغُسل عند كلّ صلاة.

القسم الثاني : ناسية الوقت دون العدد

فإن كان العدد نصف الزمان الذي وقع الشك فيه أو قصر عنه لم يكن لها حيض بيقين ، مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام من كلّ شهر ولا تعرف عينها ، قال الشيخ : تعمل في جميع الوقت ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل بعد انتهاء العدد في كلّ وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه ، فتغتسل هذه آخر الخامس ، ثم عند كلّ صلاة إلى آخر الشهر ، إلّا أن تعلم أن الانقطاع في وقت بعينه فتكرر غسل الانقطاع عنده(2) ـ وبه قال الشافعي(3) ـ أخذاً بالاحتياط وتقضي صوم العدد ، ويحتمل أن تتخير في تخصيص الحيض ، كالمتحيرة ، فتجعله حيضاً ، والباقي طهراً.

وللحنابلة وجهان ، أحدهما : التحري بالاجتهاد ، والثاني : جعله في أول الشهر(4) .

____________

1 ـ المجموع 2 : 468.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51.

3 ـ المجموع 2 : 481 و 483.

4 ـ المغني 1 : 374 ، الشرح الكبير 1 : 373.

٣١٣

وإن زاد العدد على نصف الزمان ، مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول ، فالزائد وضعفه حيض بيقين ، وهو الخامس والسادس لدخولهما فيه على كلّ تقدير ، ثم إمّا أن تتخير في الاربعة الاُولى أو الثانية أو تجتهد وتجعل المتقدمة حيضاً ، أو تحتاط فتعمل ما تعمله المستحاضة فيهما.

ولو كان الحيض سبعة منها فالرابع والسابع وما بينهما حيض بيقين ، ولو كان خمسة وعلمت طهر الأول ، فالزيادة بنصف يوم ، فالسادس حيض بيقين ، ولو علمت طُهر العاشر ، فالخامس حيض بيقين.

وقد فرع الشيخ هنا فروعاً كثيرة(1) تدخل تحت هذا الضابط :

أ ـ لو قالت : كنت أحيض إحدى العشرات وجهلت التعيين ، فليس لها حيض بيقين ، لنقص العدد عن نصف الزمان ، فتعمل ما تعمله المستحاضة جميع الشهر ، وتغتسل آخر كلّ عشرة لاحتمال الانقطاع.

فإن قالت : كنت أحيض عشرة في كلّ شهر وجهلت التعيين فكالأول ، إلّا أنها بعد العشرة الاُولى تغتسل عند كلّ صلاة إلى آخر الشهر لاحتمال الانقطاع ، وفي الاُولى تغتسل في آخر كلّ عشر.

ب ـ لو قالت : حيضي عشرة ، وكنت العشر الأوسط طاهراً بيقين وقع الشك في الأول والآخر ، ولا حيض بيقين لمساواة نصف الزمان العدد ، فتعمل فيهما ما تعمله المستحاضة وتغتسل في آخر كلّ منهما لاحتمال الانقطاع. أما لو قالت : كنت العشر الأول طاهراً ، فإن الشك يقع في الأوسط والاخير ، فتعمل فيهما ما تعمله المستحاضة ، ثم تغتسل آخر العشر الأول ، وعند كلّ صلاة إلى آخر الشهر لاحتمال الانقطاع ، وكذا لو علمت الطُهر في العشر الأخير.

____________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51 ـ 57.

٣١٤

ج ـ لو قالت : كان حيضي خمسة أيام وكنت يوم الثاني طاهراً فلها يومان ، الأول والثاني طُهر بيقين ، والسادس والسابع حيض بيقين.

وإن قالت : كنت في الثالث طاهراً فالثلاثة الاُولى طُهر بيقين ، والسادس والسابع والثامن حيض بيقين. ولو قالت : كنت يوم الخامس طاهراً فالحيض الخمسة الثانية.

د ـ لو قالت : كان حيضي عشرة من كلّ شهر وكنت يوم السادس طاهراً فالستة الاُولى طُهر بيقين ، ومن السابع إلى آخر السادس عشر طهرُ مشكوك فيه لا يمكن الانقطاع فيه ، تتوضأ فيه لكلّ صلاة ، وبعد السادس عشر إلى آخر الشهر طهرُ مشكوك فيه تغتسل لكلّ صلاة لاحتمال الانقطاع.

فإن قالت : كنت يوم الحادي عشر طاهراً فهو الطُهر بيقين ، والعشر الاُولى مشكوك فيها تغتسل في آخرها لاحتمال الانقطاع ، ومن الثاني عشر إلى آخر الحادي والعشرين مشكوك فيه تتوضأ لكلّ صلاة ، ثم تغتسل عند انقضائه إلى آخر الشهر لاحتمال الانقطاع.

هـ ـ لو قالت : كان لي في كلّ شهر حيضتان بينهما طهرُ صحيح ولا أعلم موضعهما ولا عددهما ، فليس لها حيض ولا طُهر بيقين عندنا.

أما [ عند ](1) الشافعي(2) ومن وافقه في أقل الحيض وأكثره وأقل الطُهر ، فإن أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوماً من أوّله ويوما من آخره ، وما بينهما طهر.

وأكثر ما يحتمل أن يكون حيضها يوماً من أوّله ، وأربعة عشر من آخره بينهما خمسة عشر يوماً ، أو بالعكس ، ويُحتمل ما بين ذلك ، فتتوضأ لليوم الأول لأنّه طهرُ مشكوك فيه ، وتغتسل في آخره ، وتغتسل لكلّ صلاة إلى انقضاء الرابع عشر ، وأما الخامس عشر والسادس عشر فطُهر بيقين ، ثم

__________________

1 ـ زيادة يقتضيها السياق.

2 ـ المجموع 2 : 488.

٣١٥

تغتسل في انقضاء السابع عشر إلى آخر الشهر ، لإمكان انقطاع الدم في كلّ وقت.

و ـ لو قالت : حيضي خمسة في كلّ شهر وكنت في الخمسة الأخيرة طاهراً ولي طهرُ صحيح غيرها ، احتمل أن يكون حيضها الخمسة الاُولى ، والباقي يكون طُهراً ، وكذا الخمسة الثانية والثالثة عندنا.

وقال الشافعي : لا يحتمل الثالثة لأنّه لا يمكن قبلها طهر كامل ولا بعدها سوى الخمسة الأخيرة ، ويحتمل الرابعة أو الخامسة(1) .

فالخمسة الاُولى طهرُ مشكوك فيه ، تتوضأ لكلّ صلاة ، وتغتسل عند انقضائها إلى آخر العاشر لأنّه طهرُ مشكوك فيه.

وكذا من الحادي عشر إلى الخامس عشر ـ وعنده أنّه طُهر بيقين(2) ـ ومن السادس عشر إلى آخر العشرين طهرُ مشكوك فيه ، تتوضأ لكلّ صلاة ، وتغتسل عند انقضائه إلى آخر الخامس والعشرين.

ز ـ لو قالت : حيضي عشرة أيام وكنت اليوم العاشر حائضاً فقد تجاوز العدد نصف الزمان بنصف يوم ، لوقوع الشك في تسعة عشر ، فتعمل من أول الشهر ما تعمله المستحاضة ، ثم تغتسل آخر العاشر لاحتمال أنّه آخره وتفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر التاسع عشر ، وتغتسل عند كلّ صلاة لاحتمال الانقطاع عندها والباقي طهر بيقين.

فإن قالت : الحيض يوم الثاني عشر ، فالاولان طُهر بيقين ، وكذا من الثاني والعشرين إلى آخره ، والباقي مشكوك فيه ، لكن لا تغتسل للأنّقطاع إلّا في آخر الثاني عشر ، وعند كلّ صلاة منه إلى آخر الحادي والعشرين ،

__________________

1 ـ المجموع 2 : 486.

2 ـ المجموع 2 : 486.

٣١٦

فلها يومان من أول الشهر طُهر بيقين ، وكذا تسعة من آخره ، والشك وقع من أول الثالث إلى آخر الحادي والعشرين ، فقد قصر نصف الزمان عن العدد بنصف يوم فالثاني عشر حيض بيقين.

وغلط قلم الشيخ هنا فجعل لها مع اليومين ثمانية أيام من آخره طُهراً(1) ، والحق أنّه تسعة.

ح ـ ولو قالت : حيضي خمسة من الشهر لا أعرفها إلّا أني إن كنتُ يوم السادس طاهراً كنت السادس والعشرين حائضاً ، وإن كنت في السادس حائضاً كنت في السادس والعشرين طاهراً.

وتحقيقه أنها تحيض أحد هذين ، فالأول طُهر بيقين ، وكذا من الحادي عشر إلى آخر الحادي والعشرين ، والباقي مشكوك فيه ، وتغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس إلى آخر العاشر ، وكذا آخر السادس والعشرين إلى آخر الشهر ، وتفعل في جميع الايام ما تفعله المستحاضة.

فروع ، في الامتزاج :

أ ـ إذا قالت : حيضي عشرة في كلّ شهر ، وكنت أمزج إحدى العشرات بالاُخرى بيوم ، فالأول والثلاثون طُهر بيقين ، والشك وقع بينهما ، فلا حيض لها بيقين ، تعمل ما تعمله المستحاضة جميع الشهر ، وتغتسل آخر الحادي عشر ، وآخر التاسع عشر ، والحادي والعشرين ، والتاسع والعشرين لاحتمال الانقطاع.

قال الشيخ : ويسقط قضاء صوم الأول والثلاثين ، لأنّهما طُهر بيقين ، وتقضي ما عداهما لأنّها صامت مع الشك في الطهارة ، فوجب القضاء.

ثم قال : ولو قلنا : إنّه لا يجب إلّا قضاء عشرة أيام كان صحيحاً ، لأنّه

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 56.

٣١٧

من المعلوم أن الحيض لا يزيد عليها ، وصوم المستحاضة صحيح ، ولا حاجة إلى تجديد النيّة عند كلّ ليلة ، وهذا هو المعول عليه دون الأول ، والأول مذهب الشافعي(1) .

والحكم صحيح ، لكن لا مدخل للتحديد هنا ، والشافعي وافقنا على قضاء أكثر الحيض وهو خمسة عشر في أحد القولين ، وفي الآخر : ستة عشر(2) .

ب ـ لو قالت : كان حيضي عشرة وأمزج العشرة بالاُخرى بيومين ، فيومان من أول الشهر ويومان من آخره طُهر بيقين ، والشك في الباقي تعمل في الجميع ما تعمله المستحاضة ، ولا حيض بيقين لقصور العدد عن نصف الزمان ، وتغتسل آخر الثاني عشر ، والثامن عشر ، والثاني والعشرين ، والثامن والعشرين لاحتمال الانقطاع.

ولو كان المزج بخمسة فلا حيض بيقين ، لمساواة العدد نصف الزمان ، فخمسة من أول الشهر وخمسة من آخره طُهر بيقين ، لكن غسل الانقطاع في آخر الخامس عشر والخامس والعشرين خاصة.

وفرع الشيخ المزج بستة إلى المزج بالتسعة عقيب تفريعه المزج بيوم إلى المزج بستة(3) وهما واحد.

ج ـ لو قالت : حيضي عشرة وأمزج النصف بالنصف بيوم فيومان حيض بيقين واثنا عشر طُهر بيقين ، لزيادة العدد على نصف الزمان بيوم ، هما الخامس عشر والسادس عشر ، ومن السابع إلى الرابع عشر مشكوك فيه ، وكذا من السادس عشر إلى آخر الرابع والعشرين تعمل ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس عشر والرابع والعشرين.

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 60.

2 ـ فتح العزيز 2 : 496.

3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 59 ـ 63.

٣١٨

د ـ لو قالت : حيضي تسعة ونصف ، وكنت أمزج أحد النصفين بالآخر بيوم ، والكسر من أوّله ، واليوم الكامل في النصف الثاني ، فستة ونصف من أول الشهر طُهر بيقين ، وتمام السابع إلى آخر السادس عشر حيض بيقين ، ولو كان الكسر من الثاني فبالعكس ، من أول الشهر إلى آخر الرابع عشر طُهر بيقين ، ومن الخامس عشر إلى النصف الأول من الرابع والعشرين حيض بيقين.

ولو قالت : أمزج العشر بالعشر بيوم والكسر من الأول ، فالأول ونصف الثاني طُهر بيقين ، ثم إلى آخر الحادي عشر مشكوك فيه ، فتغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع ، ونصف الثاني عشر طُهر بيقين ، ومن النصف الثاني إلى آخر الحادي والعشرين مشكوك فيه ، تغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع.

ولو كان الكسر في العشر الثاني فإلى آخر التاسع طُهر بيقين ، ثم يحتمل ابتداء الحيض من أول العاشر ، فآخره النصف الأول من التاسع عشر ، ومن أول التاسع عشر ، فآخره النصف الأول من التاسع والعشرين ، ولا يحتمل أن يكون المزج بين العشرين بيوم والكسر فيهما ، لأنّ العشرين لا تختلط بيوم.

ا لقسم الثالث : ناسية العدد دون الوقت.

فإن ذكرت أول الحيض أكملته ثلاثة بيقين ثم تغتسل في آخر الثالث لاحتمال الانقطاع وتعمل إلى العاشر ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل في كلّ وقت يحتمل الانقطاع.

وإن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة ، واغتسلت عنده لاحتمال الانقطاع ، وتعمل فيما بعده عمل المستحاضة لأنّها طاهرة فيه قطعاً وما قبله ثلاثة أيام حيض بيقين ، وما زاد إلى تمام العشرة طهرُ مشكوك فيه ، تعمل ما تعمله المستحاضة ، وتقضي صوم عشرة أيام احتياطاً.

٣١٩

وإن لم تذكر الأول والآخر فذلك الوقت الذي عرفت حيضها فيه إن لم يزد على أقل الحيض فحيضها معلوم ، كما لو قالت : أعلم أني كنت ثاني الشهر حائضاً ورابعه طاهراً.

وإن زاد من غير تداخل كما لو قالت : كنت حائضاً يوم الخامس وطاهرا يوم العاشر ، فالزمان مشكوك فيه تعمل ما تعمله المستحاضة.

وإن تداخل كما لو قالت : كنت حائضاً يوم الثالث وطاهراً يوم السادس فالمتداخل حيض بيقين ، وهو الثالث ، وما عداه مشكوك فيه ، فيحتمل جعل الثالث آخر الحيض تغليبا للسبق ، وأوله إنّ أدى اجتهادها إليه ، وعملنا بالاجتهاد والتخيير ، وأوسطه ، فيكون العشرة حيضاً.

و لو قالت : إنّ حيضي كان في النصف الأول من الشهر ولا أعرف قدره ولا وقته ، فالنصف الثاني طُهر بيقين ، ومن أول الشهر ثلاثة أيام يحتمل الحيض والطهر ولا يحتمل الانقطاع ، فتعمل ما تعمله المستحاضة ، وبعد ذلك إلى تمام النصف يحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، فتعمل عمل المستحاضة ، وتغتسل لكلّ صلاة.

مسألة 98 : قد بيّنا أن أقل الحيض ثلاثة أيام ، واختلف علماؤنا في اشتراط التوالي ، فالأكثر عليه(1) ، وقال آخرون : بعدمه(2) ، فإذا رأت ثلاثة أيام متوالية فهو حيض قطعاً ، فإذا انقطع وعاد قبل العاشر وانقطع فالدمان وما بينهما حيض ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال أبو حنيفة(3) ـ لأنّ أقل الطُهر عشرة

____________

1 ـ منهم : السيد المرتضى كما في المعتبر : 53 ، وابنا بابويه في الفقيه 1 : 50 ، والهداية : 21 ، والشيخ الطوسي في الجمل : 163 ، والمبسوط 1 : 42 ، وابن حمزة في الوسيلة : 56 ، وابن إدريس في السرائر : 28.

2 ـ قال به الشيخ الطوسي في النهاية : 26 ، وابن البراج في المهذب 1 : 34.

3 ـ شرح فتح القدير 1 : 153 و 154 ، شرح العناية 1 : 153 ، اللباب 1 : 44 ، أحكام القرآن للجصاص 1 : 345.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564