الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب10%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91354 / تحميل: 7661
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الفصل الثالث

القرآن والغزو الثقافي

٨١

٨٢

امتزاج الحق بالباطل

في ضوء المطالب التي جرى بيانها في الفصلين المتقدمَين، وفي حدود تحقيق غاية الكتاب فقد تمّ تقديم إيضاحات موجزة عن مكانة القرآن وأهميته، ودور هذا الكتاب الإلهي، من منظار نهج البلاغة في هداية البشر نحو السعادة الكمال، والآن يتبادر هذا السؤال وهو : هل يكفي الالتزام بالأمور الآنفة الذكر لغرض الاستفادة من القرآن الكريم، والتمسك بالثقل الأكبر الذي يُعد تراثاً عظيماً للنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ربّما يقال لو جرى الالتزام بكافة الأمور التي تلعب دوراً في الفهم الصحيح والاستنباط الصائب من القرآن، فمن المحتم أن تُفهم أحكام القرآن ومعارفه كما هي، وتتبلور ثقافة المجتمع على أساس توجيهات القرآن الكريم ويتحصّن الناس من الخطر في ظل الحكومة الدينية وتحت ظلال القرآن؛ لأنّ التمسك بالقرآن هو ذاته الفهم الصحيح لمعارفه والعمل على أساس التعاليم القرآنية.

بالرغم من أنّ الجواب المذكور يُعتبر إلى حدّ ما صحيحاً في حدود الهدايات الفردية للقرآن، لكن تحقّق هذا الأمر إنّما يكون حينما يُنظر إلى الدور المفترض للقرآن على مستوى عامٍ، ويُدرك موقعه في مواجهة الأفكار الضالة والمتطاولين على الثقافة الدينية.

يبدو أنّ تحكيم ثقافة القرآن وقيادة المجتمع على أساس المعتقدات والقيم الدينية لن يكون مهمةً سهلةً، بدون معرفة الأفكار الضالة لأعداء القرآن، ومواجهتهم من خلال تسليط الأضواء، وفضح مؤامراتهم أمام الملأ، وهذا أمر غالباً ما يكون محط غفلة.

٨٣

بناءً على هذا ينبغي إلى جانب العمل على فهم القرآن والعمل بتوجيهاته، أن لا يُغفل عن أعداء القرآن بأي نحو كان، فلا يتحقق التمسك بالقرآن وتحكيم هذا الكتاب السماوي إلاّ بمعرفة الأفكار الضالة المعادية للقرآن ومواجهتها.

إنّ الحق والباطل متلاصقان في مقام العمل مثل تلاصقهما في مقام المعرفة، أي أنّكم إذا ما عرفتم الحق فستعرفون الباطل أيضاً، ومعرفة الباطل تعينكم لكي تعرفوا الحق أيضاً، وفي مقام العمل يتعذر تحكيم القرآن في المجتمع بدون معرفة الأعداء والأفكار المنحرفة، والتصدي لمؤامراتهم ومكائدهم الشيطانية في إضعاف الثقافة الدينية للناس.

إنّنا وفي هذا المجال نورد في البداية كلاماً لعليعليه‌السلام في نهج البلاغة، ومن ثَمّ نقوم ببيان أساليب أعداء القرآن في تضليل الرأي العام للمجتمع لنعرّف - من خلال توضيح شبهات الملحدين - الرأي العام للناس لاسيما طبقة الشباب والمثقّفين في المجتمع بالمؤامرات الشيطانية التي يحيكها الأعداء.

إنّ معرفة الأعداء والمناهضين للقرآن والثقافة الدينية من الأهمية والحساسية بحيث يقول عليعليه‌السلام : ( وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ، وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ، وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ، فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ )(١) ، فاعلموا أنّكم لا تعرفون طريق الهداية ولا تسلكونه إلاّ أن تعرفوا الذين تخلوا عن الهداية الإلهية، ولا تتمسكون بعهد الله وهو القرآن الكريم إلاّ أن تعرفوا الذين نكثوا ذلك العهد، ولا تكونون ممّن تمسكوا بحبل الله المتين والأتباع الحقيقيين للقرآن إلاّ أن تعرفوا الذين حادوا عن القرآن واعرضوا عن هذا الكتاب الإلهي، ثمّ يقولعليه‌السلام : خذوا تفسير القرآن ومعارفه عن أهل القرآن - أهل البيت - لأنّهم هم الذين يحيون العلوم والمعارف الإلهية ويميتون الجهل.

إنّ هذا الكلام الجلي لعليعليه‌السلام المرتكز على ضرورة تمييز العدو ومعروفة الأفكار

____________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٤٧.

٨٤

الضالة وضرورة فضح المنحرفين، يضاعف واجب علماء الدين والقائمين على نشر العلوم والمعارف الإلهية؛ لأن إزالة الأفكار المنحرفة، وشبهات الملحدين، عن أذهان الناس، لاسيما الشباب الذين لا يتمتعون بالبنية العلمية الكافية من حيث العلوم والمعارف الدينية، من المهام الأساسية للتبليغ، وتحكيم الثقافة القرآنية والدينية وبدون ذلك لا يمكن توقّع تحقيق النتيجة المنشودة والمفترضة، ولغرض توضيح هذا الأمر نتابع البحث في ثلاثة أقسام هي : الشبهات، والأساليب، ودوافع الأعداء من إثارة الشبهات.

بالرغم من أنّ القرآن أعظم نعمة مَنَّ بها الله سبحانه وتعالى بها على عباده، ورغم أنّه تكفّل المحافظة عليه من تطاول الشياطين وذوي الأطباع الشيطانية من الناس، لكن هذه ليست نهاية القصة، فالشيطان - هذا العدو المتربص ببني آدم - يوحي بالشبهات في كل عصر وبما يتناسب مع الظروف والروح السائدة، على مَن لهم القدرة من حيث الموقع الاجتماعي بالتأثير على أفكار الناس، وفي إطار أهوائهم النفسية؛ ليجرّ عامة الناس من خلالهم خلفه، ويحرفهم عن القرآن والدين، وبما أنّ القرآن أعظم وسيلة لنجاة الناس وهدايتهم وسعادتهم، فإنّ كل ما يتمناه الشيطان ويهدف له هو فصل الناس عن القرآن والدين، ومن أحابيل الشيطان في هذا الاتجاه هو تشجيع وساوس الذين بمقدورهم خلخلة إيمان واعتقاد الناس عن طريق إثارة الشبهات حول الدين والقرآن.

لقد كان عمل الشيطان والشياطنة في مقارعة القرآن الكريم قائماً منذ بداية نزول القرآن، وقد بدأت هذه الأعمال منذ الحث على ملء الآذان بالقطن، والمنع عن الاستماع لآيات الله، وتوجيه الاتهام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والافتراء عليه وهي مستمرة الآن بصور أخرى، وسوف تستمر لاحقاً أيضاً، وفي هذا المجال نغض الطرف عن إيراد تفاصيل طريقة المواجهة مع القرآن على مر التاريخ، ولغرض تجنّب الإطناب في الحديث نحاول من خلال ذكر بعض الشبهات التي تُثار الآن في وسط المجتمع؛ لإضعاف الثقافة الدينية

٨٥

للناس، لاسيما الشباب منهم وعقائدهم؛ كي نعمل على تنوير عقول القرّاء ومنهم الشباب، كي يتسنّى لهم ومن خلال الاطلاع على هذه المؤامرات الشيطانية التصدي للغزو الثقافي الذي يشنه الأعداء.

عندما يئس الشياطين في مواجهتهم للقرآن من القضاء عليه وإفنائه قرّروا حرمان الناس من التعرف على مضمونه، فكان أعداء القرآن وعلى مدى عدة قرون يروّجون في أوساط المسلمين، لاسيما الشيعة من أنّنا ينبغي أن لا نتوقع الكثير من القرآن؛ لأنّ القرآن متعذر الفهم بالنسبة إلينا، ونحن لسنا على اطلاع بباطن القرآن، وعليه لا يمكن الاستناد إلى ظاهر القرآن.

إنّ هؤلاء وبإيحائهم بفكرة عدم قدرتنا على فهم القرآن كانوا يحاولون حرمان الناس من الانتهال من القرآن، وبالنتيجة يُخرجون القرآن من صلب حياة المسلمين، وفي هذه الأثناء بالرغم من أنّ الاحترام الظاهري للقرآن في صيغة القراءة والتقبيل وتقديسه واحترامه كان شائعاً بين المسلمين، لكن هدف الأعداء ومناهضي القرآن هو حرمان الناس من مضمون القرآن والعمل بتعاليم هذا الكتاب السماوي.

واليوم يقوم أدعياء التنوّر الفكري - الذين يفتقرون للكثير من العلوم والمعارف الإسلامية - بإثارة أكثر الشبهات إضلالاً، والمؤامرات الشيطانية التي حيكت في الغرب قبل عدة قرون حول الكتب المحرّفة لسائر الباديان، وذلك تحت عنوان الأفكار الحديثة في وسط المحافل الثقافية والعلمية للمجتمع، والتأثير على الشريحة الطلابية المتعطشة للعلم والمعرفة، التي لا معرفة لها بأسس الأفكار الباطلة والأوهام الشيطانية لهؤلاء، متوهمين أنّهم يقومون بإضعاف المرتكزات العقائدية لهذه الطبقة، غافلين عن أنّ الشعب المسلم لاسيما الشباب من الطلبة والعلماء المسلمين الواعين، سيدركون بطلان أفكارهم الخاوية الشوهاء والبعيدة عن المنطق والعقل.إنّ عقائد وأفكار وعلوم الشعب المسلم وعلماء الدين تقوم على العقل والمنطق، ونابعة من علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة

٨٦

المعصومينعليهم‌السلام ، وتنبثق من ينبوع الوحي، وحيثما واجه مسلمٌ أفكاراً منحرفة في المجالات الفكرية والعقائدية فإنّه ينبري لطرح ذلك أمام العلماء والمختصين بالعلوم والمعارف الدينية؛ ليحصل على الجواب الصحيح والمنطقي.

شبهة عدم بلوغ حقيقة الدين

لقد أثيرت شبهة عدم إمكانية بلوغ حقيقة الدين بدوافع شيطانية للغاية، ولها من الآثار المدمرة التي لا مجال الآن للتطرّق إليها جميعاً، ونكتفي هنا بتوضيح أصل الشبهة وكشف بعض زواياها الخافية ولوازمها، ونترك الحكم إليكم.

بما أنّ بحثنا يختص بالقرآن الكريم فإنّنا نتناول هذه الشبهة بالبحث فيما يخص القرآن.

فهذه الشبهة تُثار بصور شتى ومستويات مختلفة فيما يتعلق بفهم القرآن الكريم، فتارة يقال إنّ بعض آيات القرآن الكريم لها تفسيرات مختلفة، ولا يتفق المفسّرون في آرائهم في تفسيرها وتفصيلها، ونحن مهما قمنا بالتحقيق لغرض أن نحصل على رأي صائب يكون كاشفاً عن الكلام الواقعي للقرآن، فإنّنا في النهاية سنقبل بتفسير ورأي أحد المفسّرين، ومن الطبيعي أنّ سائر المفسّرين لا يرون فيه رأي القرآن، وعليه فإنّه ليس يسيراً بلوغ الكلام الحقيقي للقرآن.

من الطبيعي أنّ مثيري هذه الشبهة يحاولون من خلال الإيحاء بالفكرة المذكورة إثارة الشكوك لدى الذين لا يتمتعون بقوة فكرية، واقتدار علمي متين، وقدرة على التحليل والإجابة، والمطالعة الكافية في المعارف الدينية، إنّ هؤلاء واستناداً لتصوراتهم الخاطئة، يعتقدون أنّ القواعد الفكرية والعقائدية للمسلمين تقوم على أساس التقليد الأعمى، وهي تتحطّم من خلال نسج هذه الأوهام، ولأنّهم يعرفون جيداً عندما يسود الفكر والعقل والمنطق فإنّ القرآن ومعارف هذا الكتاب الإلهي وحدها التي تحظى بتصديق العقل السليم، والمنطق الصحيح، ويتقبلها كل إنسان توّاق للحق صادقاً من كل

٨٧

قلبه، فقد حاولوا إثارة الشبهة المذكورة بشكل أكثر عمقاً؛ ليكونوا - حسب زعمهم - قد وجّهوا ضربةً أقوى إلى الفكر الديني، غافلين عن أنّ الواعين من علماء المسلمين وبتحليلهم لأفكار هؤلاء سيدركون الآثار واللوازم الباطلة لهذا النمط من الفكر، الذي لا مآل له سوى الانحدار في ورطة التشكيك.

على أية حال، يظهر من إثارة الشبهة المذكورة بالنحو الذي جرى بيانه، أنّ مثيري الشبهة يعتقدون أنّ القرآن ذو حقائق ثابتة، ولكن بما أنّ المفسّرين لا يتفقون بآرائهم في تفسير القرآن فإنّ أيدينا تقصر عن بلوغ الكلام الواقعي للقرآن، وعليه فليس ممكناً الاستفادة من القرآن ويجب أن نلقيه جانباً.

ولكن عندما يواجهون الآيات الصريحة والواضحة في القرآن، ويعجزون عن إيجاد تشويه في ظاهرها ومعناها الجلي، ويرون أنفسهم عاجزين أمام العقل والمنطق ومحكمات القرآن، فإنّهم يتمادون أكثر فيثيرون الشبهة بنحو آخر، ولغرض بلوغ غايتهم المتمثلة بتجريد القرآن والعقائد والقيم الدينية من شأنها، فإنّهم يبادرون إلى تغيير موقفهم بشكل كامل عن كلامهم السابق المتمثل بعدم إمكانية فهم القرآن والعلوم الدينية، فيقفون في النقطة المعاكسة تماماً، ففي موقفهم السابق كانوا يقبلون بالمعنى الذاتي والواقعي لكلام القرآن والمعارف الدينية، ويرونها بعيدةً عن متناول الإنسان، أمّا في موقفهم الجديد فهم يعتبرون القرآن والتعاليم الدينية خاليةً من الواقعية، معتبرين المعارف والتعاليم الدينية استنباطات ذهنية للناس عن الآيات ويقولون : ليس القرآن وحده بل كافة الكتب السماوية نزلت بنحوٍ يمكن معه تفسيرها بصور مختلفة، وتكون جميع تلك التفاسير المختلفة والاستنباطات المتباينة صحيحة وصائبة، فإذا ما طُرح سؤال فحتى لو كانت تلك التفاسير والاستنباطات تختلف فيما بينها إلى حدّ التناقض، فهم سيقولون إنّ الاختلاف في الاستنباطات لا يؤدي إلى حدوث مشكلة حتى لو كان بمستوى التضاد والتناقض؛ لأنّ الدين والقرآن بالأساس لم يبيّن الحقيقة، بل هو

٨٨

ألفاظ وقوالب فارغة ألقيت على النبي باسم الوحي الإلهي، وكل مَن يرجع إليها يتداعى أمر ما في ذهنه !! وما يتداعى هو فهم الإنسان نفسه، وبما أنّ البشر يمتلكون عقولاً متباينة ففي النتيجة تكون الأفهام متباينةً أيضاً، فالدين هو تلك الأفهام المتباينة للناس عن ألفاظ القرآن وآياته والتعاليم الدينية، وحيث إنّ القرآن والتعاليم لا تكشف عن أية حقيقة فإنّ الأفهام المتباينة عنها ليست قابلةً للتصديق والتكذيب، فالأفهام جميعها محقة ومحكومة بالصحة والصدق؛ لأنّ القرآن لا يكشف عن حقائق ثابتة يتطابق معها أحد الأفهام والتفسيرات.

لقد تمادى ناسجو الأوهام لنظرية الصُرط المستقيمة أو القراءات المتعددة للدين أيضاً أكثر من هذا؛ ولغرض أن يوجّهوا ضربةً إلى أصل الدين وأساسه - أي الوحي - فإنّهم يقولون : ليس الإنسان وحده لا يدرك حقيقةً ثابتةً عن القرآن والوحي الإلهي وإنّ كل إنسان يقدّم ويفسّر أفكاره تحت عنوان الوحي، بل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً وبسبب ما يتميز به من صفة بشرية قد طرح فهمه وإدراكه واستنباطه للناس على أنّه وحي.

وعليه؛ فإنّ فهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدوره فهم شخصي، يتناسب مع عقليته وظروفه الخاصة الزمانية والمكانية، طرحها بصيغة ألفاظ وآيات، وبناءً على هذا لا يمكن اعتبار القرآن كلام الله ووحيه، بل ينبغي القول أنّ القرآن الكلام النبي.

لابدّ أنّكم ستسألون : ما الذي يجب صنعه مع آيات من قبيل :

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ‏* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) أو :( تَنزِيلٌ مِن رَبّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (٢) ؟ يقول أنصار هذه النظرية في الإجابة : هذه المضامين استنباط وفهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً وتكشف عن أحاسيسه.

من البديهي أنّ مثل هذه النظرية لا مصير لها سوى الوقوع في ورطة التشكيك ،

____________________

(١) النجم : ٣ و٤.

(٢) الحاقة : ٤٣ - ٤٦.

٨٩

وإنكار الحقيقة وتجاهل العقل والمنطق والتلاعب بالألفاظ، فسيقول الموحون بهذه الفكرة في مواجهة أجلى المعاني وأوضح المفاهيم : إنّ هذا إحساسكم وفهمكم ولا ينم عن أية حقيقة سوى أفكاركم، وعليه فإنّه جيد ومحترم بالنسبة إليكم، لكنّه لا وزن ولا شأن له بالنسبة للآخرين !

على أية حال يبدو أنّ إشاعة مثل هذه الرؤية إزاء الدين والقرآن تُعد من أكثر الأساليب والمصائد الشيطانية تطوراً، التي حيكت لحد الآن؛ لإغواء وخداع بني آدم.

التلقين والتكرار سلاح مهم لدى الشياطين

إنّ أحد أساليب الشياطين لإغواء البشر هو إصرارهم وتأكيدهم على الوسوسة لبني آدم، والتسلل إلى أفكارهم وعقولهم؛ ولهذا السبب يذكّرهم القرآن بصفة الوسواس الخناس، ويرشد الناس للاستعاذة بالله من شر شياطين الإنس والجن؛ لأنّ الشياطين تعمل بوسوستها ودس الأوهام في قلب الإنسان، لأن تُخضع قلب الإنسان لسيطرتها، وتسيّر أفكاره في منعطفات السقوط والضلال.

إنّ الشياطين وذوي الأطباع الشيطانية من الناس يعلمون بأنّ عليهم الثرثرة والكتابة والتكرار من أجل؛ دس الأوهام الشيطانية في عقول عباد الله، ليجعلوا العقول تأنس أوهامهم الباطلة، ليتسللوا بالتدريج في أذهان الناس وعقولهم، وهم بأنفسهم يقولون : ينبغي التكلّم والكتابة والتكرار إلى الحد الذي يصاب الناس معه بالشك والتردّد.

إنّهم واستلهاماً من إبليس يعملون بالدرجة الأُولى على إغواء وتضليل الطبقة المثقفة والطلابية؛ لأنه - وحسب تصورهم - يستطيعون بيسر إضلال عامة الناس بخداعهم لهذه الطبقة، غافلين عن أنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل مشاعل زاهرةً لهداية المسلمين لاسيما الشيعة، وبلطف من الله واستلهاماً من علوم ومعارف هؤلاء سيطلع

٩٠

المسلمون على الأحابيل الشيطانية للأعداء؛ ويغدون أشدّ نباتاً وصلابةً يوماً بعد يوم في اتّباعهم للقرآن.

الاستناد إلى المتشابهات، أسلوب آخر في مواجهة القرآن

لقد تقدمت الإشارة إلى أنّ أحد شؤون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومين (عليهم السلام) هو، تفسير وبيان الوحي الإلهي، فيما أنّ القرآن ذو محكمات ومتشابهات، وكما تقدمت الإشارة آنفاً أنّ له ظاهراً وباطناً، فليس متيسراً الوصول إلى عمق معارفه إلاّ للنبي والأئمة المعصومين والعارفين بالعلوم الإلهية وتفسيرها وبيانها، لا يقوى عليه سوى المتعلّمين في مدرسة أهل البيت.

بناءً على هذا وطبقاً لحكم العقل ومنهج العقلاء القائم على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم، فلا سبيل لفهم القرآن ومعارف الدين، سوى الرجوع إلى مَن جاء بهذا الكتاب الإلهي والأئمة المعصومينعليهم‌السلام والدارسين في مدرستهم، لكن ليس الأمر أنّ جميع الناس يقتفون المنهج العقلائي، أو أنّهم يرون أنفسهم ملتزمين بالعقل والمنطق والمبادئ المنطقية في الفهم والتفهيم والتفهّم، فهنالك أناس يعملون فقط من أجل إضلال الناس، ولا هدف لهم سوى إثارة الشبهة والفتنة في المجتمع، وقد عني القرآن بهذا الأمر أيضاً :( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُو الأَلْبَابِ ) (١) لقد قسّمت هذه الآية القرآن الكريم إلى قسمين : محكمات ومتشابهات، ووصفت المحكمات ب- ( أُمُّ الْكِتَابِ ) فبعض القرآن آيات محكمات تمثّل الأم والأصل للقسم الثاني أي المتشابهات.

____________________

(١) آل عمران : ٧.

٩١

إنّ محكمات القرآن عبارة عن الآيات الواضحة معانيها، ومعارفها لا تقبل الشك، وهذه الآيات تمثّل أصول وأُمّهات معارف القرآن، فمعيار وملاك صحة وعدم صحة المعارف الدينية هي المحكمات وأُمّهات القرآن، وفي المقابل هنالك آيات ليس ممكناً فهمها دون الاستعانة بالمحكمات، وليس للجميع إدراك عمق معانيها، ويعبّر عن هذه الطائفة من آيات القرآن بالمتشابهات.

لقد نهى القرآن الناس عن اتّباع المتشابهات بدون الاستعانة بالمحكمات وبتفسير وبيان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، فالقرآن الكريم يعتبر اتّباع المتشابهات دليلاً على انحراف القلب، ويصرّح بأنّ الذين يجعلون متشابهات القرآن ملاكاً لفكرهم وفهمهم وعقائدهم، إنّما يسعون وراء الفتنة وتأويل القرآن وتحريفه، وبتصريح القرآن لا يعلم تأويل وتفسير الآيات المتشابهة إلاّ الله والراسخون في العلم والأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، والراسخون في العلم هم الذين تقبّلوا العبودية لله بكل كيانهم قائلين : آمنا بالقرآن محكماته ومتشابهاته كلّ من عند ربنا.

الحكمة من وجود المتشابهات في القرآن

هنا ربّما يتبادر هذا السؤال وهو، لماذا لم ينزل القرآن بنحو تكون جميع آياته بيّنةً ومحكمةً بعيدة عن أي إبهام وإجمال؛ لتكون يسيرة الفهم والفائدة للجميع على حد سواء ؟

للإجابة على هذا السؤال نورد في البداية مقدمةً موجزة : إنّ عقلنا نحن العاديين من الناس تابع للعوامل الطبيعية، فعندما يولد الناس العاديون يتعرفون على الحسيات في البداية عن طريق الحواس، وفي البداية يتبلور فهمهم وإدراكهم في حدود المحسوسات والماديات، لكن القوى الفكرية للإنسان تنمو تدريجياً، وتحصل شيئاً فشيئاً على القدرة على التجريد، وبالنتيجة تحصل لديه القابلية على إدراك الأمور ما فوق المادية، فكلما

٩٢

تمتع عقل الإنسان بالمزيد من النمو وقوة التجريد، وخرج عن أجواء المادة والماديات، فهو يدرك أفضل بنفس هذا المستوى حقائق ما وراء الطبيعة، وبما أنّ جميع الناس ليسوا سواء من حيث النمو العقلي، فهم لا يكونون سواء أيضاً في إدراك الأمور غير المحسوسة، فليسوا قلّةً الناس الذين تمضي عشرات السنين من أعمارهم، لكن فهمهم وإدراكهم يبقى بمستوى فهم وإدراك الأطفال في السابعة أو الثامنة من العمر، وربّما يمضي عمرهم وهم ما يزالون يتصورون لله والمجردات زماناً ومكاناً؛ لأنّ فهمهم وقابليتهم وقدرتهم على التعقّل، وقابليتهم العقلية بقيت في حدود الماديات، في حين أنّ أساس الدين هو الإيمان بالغيب، أي الإيمان بالحقائق المجردة وغير المادية، يقول القرآن:( ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتّقِينَ * الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) (١) .

بناءً على هذا؛ إنّ أساس الإيمان هو أن يؤمن الإنسان بحقائق غير محسوسة ويعتقد بها، ولكن ما هي حقيقة وكنه تلك الحقائق ؟ إنّه أمر ليس ممكناً إدراكه إلاّ بالإلهامات الإلهية التي تنزل على قلوب الأنبياء والأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، ونحن البسطاء من الناس لا سبيل أمامنا لإدراك نفحة من أمور ما وراء الطبيعة وحقيقتها إلاّ بترصين قوانا العقلية والعبور التدريجي من المحسوسات إلى المجردات وأمور ما وراء الطبيعة.

من ناحية أخرى أنّ الألفاظ التي تُستخدم في دائرة المجردات غالباً ما وضعت من أجل المعاني المحسوسة :( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (٢) أو :( هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (٣) فمفردات فوق، على، عالي وعلو إنّما تعني جميعها العلو في مقابل الأسفل والداني، من البديهي أنّ الإنسان لا يدرك في البداية من هذه المفردات معنىً أوسع من المعنى الحسي، فالإنسان مثلاً يضع رأسه ملاكاً للعلو، وكل ما يقع بمستوى الرأس ويرتفع نحو السماء يعتبره عالياً، ويجعل من قدمه ملاكاً للداني وكل ما هو أدنى منه يعتبره

____________________

(١) البقرة : ٢ و ٣.

(٢) الشورى : ١١.

(٣) الشورى : ٤.

٩٣

دانياً، ولهذا السبب يقول إنّ السماء عالية والأرض، واطئة وبدخوله إلى الحياة الاجتماعية يخرج تدريجياً عن هذه المعاني الحسية فيدرك المعنى غير الحسي والانتزاعي لها، أي عندما يقال إنّ فلاناً مقامه عالياً أو ارتفع، لا يدرك الإنسان من هذه المفردة ذلك المعنى الحسي لِما هو أعلى من الرأس، ولا يتداعى لديه من الهبوط ذلك المعنى الحسي للكلمة.

من الطبيعي أنّ المعنى المراد في مثل هذه الاستخدامات قد جُرّد من اللوازم المادية والمحسوسة، فعندما يقال إنّ الذي يخلق الكون بأجمعه بإرادة واحدة منه له مقام عالٍ جداً، فإنّ العلوّ الذي يُنسب إلى الباري تعالى أكثر مدى إلى ما لا نهاية من ذلك العلو الذي يُنسب إلى رئيس إزاء مَن هم تحت يديه، والفارق بينهما كالمسافة بين الصفر وبين ما لا نهاية، وكالمسافة بين الحقيقة والمجاز؛ لأنّ كل علو وشأن اعتباري إنّما هو عارية وزائل ما خلا العلو الحقيقي الذي هو جديرٌ بالله خالق الكون وله وحده فهو الذي :( إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) .

وعلى هذا الأساس حين يقول القرآن :( هو العليُّ العظيمُ ) (٢) فليس المراد هو العلو المادي والمحسوس لله، ولا المراد من عظمته العِظم والكبر المادي والمحسوس، وأمّا ما هي حقيقة علو وعظمة الله ؟ فهي مسألة لا تبلغها عقول البشر، وطبعاً في الكثير من الحالات لا يوجد لفظ آخر غير الألفاظ التي تُستخدم للمعاني الحسيّة، ولا مناص من استخدام تلك الألفاظ للتعبير عن المعاني المجرّدة كقوله مثلاً :( هو العليُّ العظيم ) ، فالعلو هو اللفظ الذي يُستخدم للإشارة إلى علو السقف بالنسبة إلى الأرضية، والعظيم هو اللفظ الذي يُستخدم للإشارة إلى جبل دماوند، ولكن حينما تُستخدم هذه الألفاظ بشأن الله فهي تُجرّد من معانيها الحسيّة، ومن الطبيعي أنّ الأمر ليس بذلك النحو بحيث يودّي تجريدها إلى التوصّل إلى حقيقتها.

____________________

(١) يس : ٨٢.

(٢) البقرة : ٢٥٥.

٩٤

يقال إنّ الألفاظ والمعاني التي يحصل التوصّل إلى حقيقتها عن الطريق المذكور، تتّصف بنوع من التشابه الباعث على الإبهام والمغالطة، فمَن لم يتمكّن حتى الآن من تجريد المعاني المذكورة من الشوائب والمتعلّقات الحسية، عندما يوصف الله ب- ( العليّ ) يتوهّم أنّ الله فوق السموات، في حين أنّ الله ليس بجسمٍ حتى يُتصوّر له مكان :( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) (١) لكنّه لا يفهم أكثر من ذلك، ومن الطبيعي أنّه غير مكلّف بأكثر ممّا يفهم؛ لأنّه لا طاقة له على ما هو أكثر من ذلك.

وأمّا مَن تجاوز هذه المرحلة، وغدت لديه مقدرة أكثر على الفهم، وأضحى يدرك المعاني الاعتبارية، عندما يقال( إنّ اللهَ عليٌ عظيمٌ ) يظنّ أنّ علو الله يشبه علو ورفعة مرتبة الرئيس بالنسبة إلى مَن هم تحت إمرته، ولكن أين هذا المعنى من علو الله ؟!

إنّ مَن أمضى عمره في اكتساب العلم والحكمة وإدراك المعاني المجرّدة يفهم من العلو معنىً أبعد من المعاني المذكورة، ويقول إنّ لله علواً وجودياً على ما سواه.

إنّ لكل المخلوقات وجوداً، ولله وجوداً أيضاً، ولكن لا يمكن مقارنة وجود الله تبارك وتعالى مع الموجودات الأخرى من حيث علو المرتبة الوجودية، ولكن ما هي حقيقة هذا العلو ورفعة المرتبة الوجودية ؟ إنّه أمر يستطيع كل شخص الاقتراب منه على قدر فهمه، وإن كان إدراك كنهه لا يتيسّر لأحد.

والآن في ضوء التوضيح المذكور، نقول : إنّ الله عندما يريد أن يتحدث لنا نحن بني الإنسان، عن أمور تفوق فهمنا العادي، فهو يستخدم ألفاظاً يمكننا عند التأمّل فيها إدراكها على قدر فهمنا، وإن كانت هذه المعاني تفوق فهمنا، ففي مثل هذه الحالات لابدّ من استخدام ألفاظ متشابهة.

على هذا الأساس فإنّ الآيات التي تتحدث عمّا وراء الطبيعة وتفوق فهم الناس العاديين، لابدّ أن تنطوي لا إرادياً على مرتبة من التشابه، ولابدّ من الاستعانة بالمحكمات للاقتراب من حقيقتها، مثلاً عندما يقول القرآن :( هو العليُّ العظيمُ ) (٢) ولا

____________________

(١) البقرة : ١١٥.

(٢) الشورى : ٤.

٩٥

ندرك حقيقة وكنه علو المرتبة الوجودية وحقيقة عظمة الله، لابدّ عند ذاك من تفسيرها عبر الاستعانة بمحكمات القرآن مثل قوله تعالى :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (١) ؛ لكي لا نقع في سوء الفهم وخطأ التفسير.تقول الآية الأُولى إنّ الله عليُّ عظيم، فيما تصرّح الآية الثانية أنّ الله لا مثيل له ولا نظير، أي مهما تصورتم من العلو والعظمة لله تعالى فإنّكم لم تدركوا علوّه وعظمته؛ لأنّ الله فوق كل ذلك.

وهكذا الحال بالنسبة إلى صفات الله أيضاً، فحينما يقال إنّ الله عالم، الله قادر، فمن البديهي أنّ حقيقة علم الله تعالى تفوق وتختلف عن ذلك المعنى، الذي يتبلور في الذهن عن الإنسان من خلال إدراكه للصور الذهنية، وأمّا حقيقة علم أو قدرة الله، وبشكل عام حقيقة أوصاف الله، فهو موضوع ليس ممكناً فهمه إلاّ لله الذي تعتبر ذاته عين العلم وعين الحياة والقدرة.

لقد استخدم الله تعالى - من أجل إرشاد الناس إلى ذاته والى صفاته الإلهية - ذات الألفاظ التي يدرك الناس منها ابتداءً تلك المعاني الحسية؛ لكي ينتفع الناس من تلك المعارف السامية ولو قليلاً.

بناءً على هذا، فإنّ وجود الآيات المتشابهة في القرآن من الحكم الإلهية، التي لولاها لانغلق كلياً أمام الإنسان سبيل إدراك المعاني والمعارف المجرّدة وغير المحسوسة، بيد أنّ استخدام المتشابهات وتفسيرها وتبيينها - كما أشرنا سابقاً - يجب أن يأتي من خلال الاستعانة بالمحكمات، لكن الأمر ليس بالشكل الذي ينتهجه كل مَن يبتغي فهم القرآن ومعارفه، المسار المنطقي والعقلاني والطبيعي المشار إليه آنفاً لغرض فهم المعارف الإلهية، ففي الآية موضوع البحث يشير تعالى إلى وجود آيات متشابهات ومحكمات في القرآن، ويقول وأمّا الذين( فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ ) (٢) المصابون بداء روحي وقلبي وانحراف فكري، أو بعبارة أخرى( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) (٣) يجعلون الآيات

____________________

(١) الشورى : ٧.

(٢) آل عمران : ٧.

(٣) البقرة : ١٠.

٩٦

المتشابهات ملاكاً لفكرهم وعملهم، ويحملون الآيات المتشابهات من القرآن الكريم على معاني حسيّة بدون الالتفات إلى الآيات المحكمات، ويوفّرون بذلك دواعي ضلالهم وضلال غيرهم.

مزج الحق والباطل، سلاح آخر بيد المنحرفين

من الطبيعي أنّ مَن يريدون مجابهة الدين والقرآن والمعارف والقيم الدينية في أوساط المجتمع الإسلامي، لا يتّبعون أبداً أسلوب المجابهة المباشرة لتحقيق أغراضهم؛ لأنّهم يعلمون جيداً بأنّهم في مثل هذه الحالة سيواجهون معارضةً عامّة من قِبل أبناء الشعب المسلم، وسيفشلون في الخطوة الأُولى، إنّهم يستخدمون الأساليب النفسية الأساسية والمناسبة من أجل تحقيق أهدافهم الشيطانية.

إنّ أحد أساليبهم مزج الحق والباطل، فهم يمزجون الحق والباطل، وينشرون مزيجاً من كلام الحق والباطل ببيان جميل؛ لكي يتلقّى المخاطبون - الذين لا يملكون أحياناً الوعي والخُبرة اللازمة للتمييز بين كلام الحق من الباطل - كلامهم بالقبول، لكي يلقون بالنتيجة في ذهن السامع الغافل الكلام الباطل المزيّن بثوب الحق، والمخفي تحت نقاب من البيان الأدبي الجميل.

قال الإمام عليعليه‌السلام : ( فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى )(١) .

من الطبيعي أنّ المنحرفين ومَن يعبّر عنهم القرآن بأنّ قلوبهم ونفوسهم في ضيق وغير مستعدّين للخضوع لله، يجعلون الآيات المتشابهة والروايات المشكوك في

____________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ٥٠.

٩٧

سندها أو المتشابهة الدلالة، على رأس عملهم ونشاطهم الإعلامي المضاد للإسلام، ويتهرّبون من الاستماع إلى الكلام الحق والمعارف الإلهية، المنقولة بأسناد معتبرة عن لسان أهل البيت والأئمة المعصومينعليهم‌السلام .

إنّ هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم أحياناً مسلمين، إنّما يصطفّون عن علمٍ أو عن جهل إلى جانب المعاندين للإسلام؛ وذلك لأنّهم يهدفون أيضاً إلى أن ينسبوا إلى الإسلام زوراً نقاط ضعف زائفةً، ويحاولون من خلال تضخيمها تقليل رغبة الناس الذين لديهم نزوع إلى الحق ممّن لم يعتنقوا الإسلام بعد، والكلام في هذا الكتاب غير موجّه إلى الملحدين والأعداء من غير المسلمين، وإنّما هو موجّه إلى مَن يعتبرون أنفسهم مسلمين.

ومن الممكن طبعاً أن يختلق هؤلاء تبريرات لأنفسهم؛ من أجل عدم الإصغاء إلى صوت الحق، والتمرّد على الانقياد للعقل والمنطق، من قبيل ما أشرنا إليه في مجال القراءات وأنواع الفهم المختلف للدين، ويصرّون على موقفهم دون الالتفات إلى النتائج التي تتمخّض عن كلامهم، وسنترك في هذا الفصل الحكم للقرّاء الكرام حول تلك التبريرات ومآل الفكرة الآنفة الذكر.ولكنّنا ندعوهم - انطلاقاً من الحرص على مصلحتهم وما فيه خيرهم - إلى إعادة النظر في معتقداتهم وأفكارهم وإيمانهم، مثلما يدعو القرآن المؤمنين إلى حثّ بعضهم على التفكير والتعقّل والصلاح والهداية، وتذكير بعضهم الآخر بالحق.

القراءات المختلفة، حربة لمجابهة القرآن

سطّرنا في الفصول السابقة من هذا الكتاب نبذةً موجزة عن عظمة وخصائص أكبر النعم التي تفضل بها الله على عباده، أَلا وهو القرآن الكريم، ومرّ علينا أيضاً أنّ الله تبارك وتعالى قد أنزل القرآن الكريم بواسطة أشرف الملائكة وهو جبرئيل الأمين ،

٩٨

على أعز خلقه، وهو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لكي يكون بين يدي الإنسان، ولكي يضمن الإنسان سعادته الدنيوية والأخروية، من خلال التعرّف والالتزام بتعاليم وإرشادات هذا الكتاب السماوي في حياته الفردية والاجتماعية.

لقد ركّزت بعض كلمات الإمام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة على ضرورة التمسّك بالقرآن الكريم؛ لاجتناب الفتنة والضلال، ومعالجة المآسي والمشاكل الفردية والاجتماعية، وقيل أيضاً إنّ تفسير وبيان القرآن بما يعنيه من بيان أحكام القرآن الكريم، وشرح تفاصيل المسائل والواجبات الدينية من صلاحية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومينعليهم‌السلام فقط، وجرى أيضاً توضيح هذا المعنى وهو أنّ تفسير القرآن خارج إطار الأحكام والواجبات الدينية، وشرح معارفه للآخرين يدخل فقط ضمن صلاحية المتخصصين وعلماء الدين والعارفين بعلوم القرآن وأهل البيت، وقلنا إنّ العلماء الذين أمضوا أعمارهم في فهم معارف الدين وعلوم أهل البيت، هم وحدهم القادرون على التمييز بين متشابهات ومحكمات القرآن، ويمكنهم من خلال الاستعانة بالمحكمات وروايات أهل البيتعليهم‌السلام ، تفسير متشابهات القرآن وبيان معارفه للناس؛ لكي يتسنّى لهؤلاء الناس اتخاذ ذلك قاعدةً لحركتهم الفكرية، وجعله مثالاً عملياً لتكاملهم الفردي والاجتماعي، وتلبية الدعوة الإلهية :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّهِ‏ِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (١) وتوفير الأرضية لفلاحهم.

وفي المقابل أشرنا إلى أنّه كان هناك منذ القدم مَن يحاولون إبعاد الناس عن القرآن بالهواجس والوساوس الشيطانية، ولكي يحقّق هؤلاء الأشخاص أهدافهم فهم يحاولون وبأساليب تخيّلية الإيحاء بأنّ القرآن متعذّر فهمه، وبالنتيجة ينبغي أن لا نرجو من القرآن أن يوجّهنا ويرشدنا في الحياة، وقلنا إنّ هذه الشبهة الشيطانية كانت مثارةً على مدى التاريخ بصور شتّى، وقد بلغت اليوم ذروتها بشكلها المتكامل، وغدت

____________________

(١) الأنفال : ٢٤.

٩٩

تُطرح بأنماط جديدة، حتى بات معارضو القرآن والثقافة الدينية اليوم يطرحون خيالاتهم أحياناً على شكل نظرية، مفادها أنّ ( لغة الدين لغة خاصّة)؛ لكي يخدعوا بهذه الطريقة من ليس لديهم وعياً كافياً بالعلوم والمعارف الدينية، وعندما يُسألون عن مرادهم من القول بأنّ ( لغة الدين لغة خاصة )، يقولون عند الإجابة عن هذا السؤال بأنّ التعاليم الدينية والقرآن عبارة عن ألفاظ وقوالب، يشكّل محتواها أفهام وذهنيات الناس أنفسهم، ومن الطبيعي أنّ هؤلاء الأشخاص ينتقون عادةً عبارات أدبية، وينشدون الأشعار الحماسية، ويطرحون من خلال ذلك نظريتهم بنحو لا يفهم المرء هدفهم ومقصودهم بسهولة، لأنّه سيدرك حينذاك خواء كلامهم.

يبدو أنّ التفكير المذكور الذي يُطرح تارةً تحت عنوان ( الصُرط المستقيمة )، ويُطرح تارةً أخرى تحت عنوان ( الأفهام، والقراءات، والتفاسير المختلفة للدين )، وقد يُطرح ثالثةً في قالب نظريات ( لغة الدين ) أو ( الدين الأقلّي والأكثري )، لا يستهدف إلاّ مجابهة المعتقدات الدينية والفكر التوحيدي، ولا يخفى على المطّلعين، بأنّ المتديّنين وخاصّة المفكرين المسلمين النابهين أوعى من أن لا يدركوا بُعد كلام هؤلاء عن العقل والمنطق، أو أن يجهلوا الأهداف الخفية لمَن يروّجون لهذه الشبهات الواهية.

دافع وهدف المعارضين للثقافة الدينية من وجهة نظر القرآن

وفي ضوء ما سبق عرضه من الموضوعات يتبادر إلى الأذهان هذا السؤال وهو، ما الهدف الذي يسعى إليه المعارضون، من وراء اتّباع هذه الأساليب الشيطانية في مجابهة القرآن والثقافة الدينية للشعب ؟ ولغرض الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أوّلاً تسليط الضوء على رأي القرآن، ثمّ نأتي بعد ذلك على شرح كلام الإمام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة حول هذا الموضوع.

يُفهم من القرآن بأنّه منذ أَوائل نزوله انبرى الشيطان وسخّر كل طاقاته محاولاً

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أقوال عمر).

نعم! الطّاعة لمن ولاّه الله أمور المسلمين لا من ولّته السّقيفة، وبين الأمرين فرق كبير! ولوجاز ما يروّجون له لكان يزيد بن معاوية أيضا ممّن ولاه الله أمور المسلمين. ومن أعجب ما في هذه المسألة أنّهم من جهة يقولون إن الله تعالى ترك الأمر شورى للمسلمين، ولم يعين شخصا بذاته لا يوم الغدير ولا قبله ولا بعده، وفي نفس الوقت يقولون (من ولاّه الله أمور المسلمين)!

قالوا: وكان عمر بن الخطّاب إذا اجتهد في اليمين قال: والذي تقوم السماء والأرض بأمره أي هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها(١) . (من أخبار عمر).

وقال عمر بن الخطّاب للعبّاس: والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم، لأنّ إسلامك كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إسلام الخطاب(٢) . (من أقوال عمر).

أقول: فاطمة أحب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عمّه العبّاس، ومع ذلك فقد هدّد عمر بتحريق البيت عليها!.

وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلا قال لعمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين قحط المطر وقنط النّاس فقال عمر: (مطرتم، ثم قرأ:( أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ) (٤) . (تناقضات عمر - أليس هو الذي يعزو كثرة احتلامه إلى كثرة أكل الدسم؟!).

____________________

(١) مختصر ابن كثير، ج ٣ ص ٦٤.

(٢) مختصر ابن كثير، ج ٣ ص ٣٢١.

(٣) مختصر ابن كثير، ج ٣ ص ٣٢٢.

(٤) مختصر ابن كثير [ج ٣ - ص ٣٦٦].

٣٤١

وعن عمر بن الخطّاب: (أنه قال: ما عاقبت أحدا عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تبارك وتعالى وفيه(١) . (من أقوال عمر - لقد أطاع الله تعالى في تهديد فاطمة وأولادها بالتحريق بالنار!).

قال عمر بن الخطاب حين قيل له ألا تستخلف: لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته ولو كان معاذ حياً لاستخلفته ولو كان سالم حياً لاستخلفته فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول أبو عبيدة أمين هذه الأمّة ومعاذ أمّة قانت لله ليس بينه وبين الله يوم الكشاف القيامة إلا المرسلون وسالم شديد الحب لله لو كان لا يخاف الله لم يعصه(٢) . (من أقوال عمر).

أقول: ليت عمر بن الخطاب بيّن للمسلمين أمانة أبي عبيدة في أي يوم وفي أية واقعة؟! وأما سالم مولى أبي حذيفة فإنه كان حاضرا يوم خيبر، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومها (لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.. (ولم يكن ذلك الحبيب غير علي عليه السلام، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي عليه السلام كلاما كثيرا، كما نزل في فضائله أيضا قرآن كثير، ولكن ذلك كلّه لا يعني للخليفة عمر شيئا لأن الأمر كان محسوما، ولم تكن تلك المقالة إلا لذرّ الرماد في العيون، وإلا فأين إنجازات من سمّاهم؟! ولماذا لم يظهر لهم أثر يوم خيبر ولا يوم الخندق ولا غير ذلك من الأيّام التي يتميّز فيها الصّادق بصدقه والأمين بأمانته. ولعلّ الخليفة عمر بن الخطّاب إنّما كان يورد تلك الأسماء وتلك المقالات لينزل من مقام علي عليه السلام في نفوس الأجيال القادمة، لأنّ حسد معاصريه له عليه السلام كان أوضح من نار على علم.

وروي عن عمر بن الخطّاب قوله: لا تظنّنّ بكلمة خرجت من في أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا(٣) . (من أقوال عمر).

____________________

(١) مختصر ابن كثير [ج ٣ - ص ٣٨٤].

(٢) الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٤٥٩ والكشاف ج ٢ ص ٥٩٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٨ ص ٤٠٤ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٢٥٠ ومختصر ابن كثير، ج ٣ ص ٤٩٣.

(٣) الكشاف، الزمخشري، ج ١ ص ٢٣٤.

٣٤٢

أقول: لماذا لم يحمل سؤال صبيغ بن عسل التميمي على محمل الخير؟

قال الزمخشري: وروى عن عمر بن الخطّاب أنه قال: والله لو أمرنا ربنا لفعلنا والحمد لله الذي لم يفعل بنا ذلك(١) . (من أقوال عمر).

أقول: لقد أمره الله بمثل ذلك: ألاّ يولّي دبره من الزّحف وألا يرغب بنفسه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع ذلك ولّى دبره من الزحف وفرّط في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ تركه بين الأعداء.

قال الزمخشري: وروي أن عمر بن الخطّاب كان إذا جاءه ولي اليتيمة نظر فإن كانت جميلة غنيّة قال: زوّجها غيرك والتمس لها من هو خير منك وإن كانت دميمة ولا مال لها قال: تزوّجها فأنت أحقّ بها(٢) . (من أقوال عمر).!

أقول: لم لم يقل ذلك لعبد الرحمن بن عوف والمغيرة بن شعبة، وقد فعل كل واحد منهما خلاف ما تشتهي نفس عمر؟!).

وفي صحيح ابن حبان أنّ عمر بن الخطّاب قال كنا معشر المهاجرين قوما نغلب نساءنا فإذا الأنصار قوم تغلبهم نساؤهم فأخذ نساؤنا يتأدّبن بأدب نساء الأنصار..(٣) . (أقول لعمر)

أقول: مهاجرون يغلبون نساءهم لكنّهم ساعة الجدّ لا يفكّرون إلاّ في الفرار، بينما الأنصار تغلبهم نساؤهم - على حدّ قول عمر - لكنّهم ساعة الجدّ قلّما يفرّون. وما أسهل أن يغلب المرء زوجته، وليس من شأن أهل المروءة مغالبة النساء.

وعن عبيد بن رفاعة الأنصاري قال تذاكر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه العزل فاختلفوا فيه فقال عمر رضي الله عنه: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الخيار فكيف بالنّاس بعدكم إذ تناجى رجلان فقال عمر: ما هذه المناجاة؟ قال: إنّ اليهود تزعم أنّها الموءودة الصغرى. فقال عليّ رضي الله عنه: إنّها لا تكون موءودة

____________________

(١) الكشاف، الزمخشري، ج ١ ص ٢٦٢.

(٢) الكشاف، الزمخشري، ج ١ ص ٢٨٥.

(٣) صحيح ابن حبان ج ٩ ص ٤٩٤.

٣٤٣

حتى تمرّ بالتّارات السّبع،( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِن طِينٍ.. ) إلى آخر الآية، فعجب عمررضي‌الله‌عنه من قوله وقال: جزاك الله خيرا(١) . وفي شرح الزرقاني قال عمر لعلي: صدقت أطال الله بقاك، فقيل إنّه أوّل من قالها في الإسلام(٢) . وفي الاستذكار فقال له عمر صدقت أطال الله بقاءك، وهذه أيضا رواية زيد بن أبي الورقاء عن ابن لهيعة. وقيل إنّ أوّل من قال في الإسلام أطال الله بقاءك عمر لعلي - رضي الله عنهما - في هذا الخبر، وروى المقرئ عن ابن لهيعة مثله بإسناده وقال في آخره عمر جزاك الله خيرا(٣) . (أوائل عمر).

وروى الحاكم من طريق ابن شهاب قال: خرج عمر بن الخطّاب إلى الشّام ومعه أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! أأنت تفعل هذا؟! تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟! ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك! فقال عمر: أوه! لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! إنّا كنا أذلّ قوم فأعزّنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله. قال الألباني: (صحيح) وفي رواية له: يا أمير المؤمنين! تلقاك الجنود وبطارقة الشّام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نبتغي العز بغيره(٤) .

أقول: كيف أعزّ الله تعالى العرب بالإسلام؟ ألم يكن ذلك بمحمد وآل بيته عليهم السلام؟ الم يستشهد أبو عبيدة بن الحارث في بدر وحمزة في أحد وجعفر في مؤتة؟ ألم يقض نبي الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمره الشريف مجاهدا حتى أتاه اليقين؟ فكيف كان جزاء عمر وحزبه لرسول الله وأهل بيته عليهم السلام؟! أليس هو الذي حمل النّار وهمّ بتحريق بيت كان

____________________

(١) شرح مشكل الآثار ج ٥ ص ١٧٤ والتحرير والتنوير، ج ١ ص ٢٨٢.

(٢) شرح الزرقاني ج ٣ ص ٢٩٥.

(٣) الاستذكار، ج ٦ ص ٢٢٧.

(٤) السلسلة الصحيحة، ناصر الدين الألباني، ج ١ ص ١١٧.

٣٤٤

جبريل يستأذن لدخوله؟!

ورووا عن عمر بن الخطّاب أنه قال أشكو إلى الله ضعف الأمين وخيانة القويّ(١) .

يريد أسأله أن يؤيّدني بقويّ امين أستعين به. وفيه شهادة منه على قلّة الأمناء في حاشيته وعمّاله. (من أقوال عمر).

ومُدح رجل عند عمر بن الخطّاب بالخير فقال عمر: هل أريتموه الأبيض والأصفر؟ يعني الدّراهم والدّنانير(٢) .

وروى الحسن عن الأحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطّاب يقول: لأنا أعلم بخفض العيش، ولو شئت لجعلت أكبادا وصلائق وصنابا وكراكر وأسنمة، ولكني رأيت الله نعى على قوم فقال:( أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ) . وإنما أراد عمر بذلك الخشية من أن يشغله ذلك عن واجبه من تدبير أمور الأمّة فيقع في التّفريط ويؤاخذ عليه(٣) . (من أقوال عمر).

وفي تفسير الصنعاني عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطّاب قال ليس المسكين بالذي لا مال له ولكن المسكين الأخلق الكسب(٤) . (من أقوال عمر).

عبد الرزاق قال أنا ابن عيينة عن رجل عن الحسن في قوله لم يسرفوا ولم يقتروا أن عمر بن الخطّاب قال كفى سرفا ألاّ يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله (من أقوال عمر - قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق(٥) .

أقول: إذا كان ماله حلالا وكانت نيته التقوّي على العبادة فما المانع، على أنّ ما عناه لا يكاد يوجد، فمن هذا الذي لا ينفكّ يتشهّى؟!

وسمع عمر بن الخطّاب رجلا يقول اللهمّ اغفر لي خطاياي فقال: استغفر الله للعمد،

____________________

(١) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج ١ ص ٣١٣٢.

(٢) التحرير والتنوير، ج ١ ص ٣٦٤٧.

(٣) التحرير والتنوير، ج ١ ص ٤٠١١.

(٤) تفسير الصنعاني، ج ٢ ص ٢٨٠.

(٥) تفسير الصنعاني، ج ٣ ص ٧١.

٣٤٥

فأما الخطأ تجوّز عنه(١) .

القتل الخطأ مثلا في نظر عمر لا يحتاج إلى استغفار، وموسى بن عمران قضى على الذي هو من عدوّه دون تعمّد القتل، ومع ذلك استغفر؟! ولقد رووا أن رسول الله كان يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة، وهو المعصوم.

عن هشام بن عروة في قوله تعالى أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا أن عمر بن الخطّاب قال لو شئت أن أذهب طيباتي في حياتي الدنيا لأمرت بجدي سمين فطبخ باللبن(٢) .

طيباتكم لدى عمر بن الخطاب تنحصر في كبش مطبوخ باللبن!.

وعن زيد بن وهبقال: إني لجالس مع عمر بن الخطّاب إذ جاء ابن مسعود فكان الجلوس يوارونه من قصره فضحك عمر حين رآه فجعل عمر يكلّمه ويهلل وجهه ويضاحكه وهو قائم عليه ثم ولى فأتبعه عمر بصره حتى توارى فقال: كنيف ملئ علما(٣) . انظر: سير أعلام النبلاء، ج ١ ص ٤٩١ وطبقات ابن سعد، ج ١ ص ١١٠ والحلية، ج ١ ص ١٢٩.

وقال السيوطي في الإتقان: أخرج ابو عبيد في فضائله عن عمر بن الخطّاب قال تعلّموا اللّحن والفرائض والسّنن كما تعلّمون القرآن(٤) .

أقول: وكيف يتعلّمونها وقد نهى هو نفسه عن روايتها، وضرب بعض الرواة، وجلد بعضا، ونكّل ببعض؟!

قال ابن القاسم وأخبرني مالك أنّ عمر بن الخطّاب نهى عن رطانة الأعاجم وقال: إنها خب أي خبث وغش(٥) .

____________________

(١) تفسير الصنعاني، ج ٣ ص ١١١.

(٢) تفسير الصنعاني، ج ٣ ص ٢١٧.

(٣) مفردات القرآن، ج ١ ص ١٧٥.

(٤) الإتقان، ج ١ ص ٥٢٨.

(٥) مناهل العرفان، ج ٢ - ص ١١٦.

٣٤٦

أقول:

هذا كلام لا يمت إلى الإسلام بصلة، فإن الله تعالى قد جعل اختلاف الألسنة من آياته في الأرض. وأئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يتحدثون الفارسية مع أبناء فارس وهم مطهّرون بنص الكتاب العزيز، ويصلى عليهم في كل فريضة ونافلة!؛ وإنّما شرفت العربيّة بالقرآن الكريم، وشرف العرب برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتاب الله الكريم، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.

وقال عمر بن الخطّاب: من خاف الله لم يشف غيظه ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون(١) . (من أقوال عمر).

قال السيوطي: وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شعبة قال كنا في غزاة فتقدّم رجل فقاتل حتّى قتل فقالوا ألقى بيده إلى التّهلكة فكتب فيه إلى عمر فكتب عمر ليس كما قالوا، هو من الذين قال الله فيهم (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله)(٢) .

وقال عمر بن الخطّاب ما رأيت مثل من يجلس أيما بعد هذه الآية وأنكحوا الأيامى منكم التسموا الغنى في الباه(٣) . (من أقوال عمر - وإنّما أوردت هذا القول لعر تعجبا من ابن تيمية الذي بقي أعزب حتى خرج من الدنيا.

ومن أقوال عمر بن الخطّاب: (تفقهوا قبل أن تسودوا). قال السيوطي: معناه اجتهدوا في كمال أهليتكم وأنتم أتباع قبل أن تصيروا سادة فإنكم إذا صرتم ساد متبوعين امتنعتم من التعلم لارتفاع منزلتكم وكثرة شغلكم(٤) . (من أقوال عمر).

وقد حكى أحمد بن محمد بن الحجاج أن أحمد بن صالح سئل عن السّكران فقال أنا آخذ فيه بما رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار عن يعلى بن منية عن أبيه قال سألت

____________________

(١) أحكام القرآن للجصاص، ج ٢ ص ٣٢٥.

(٢) الدر المنثور، ج ١ ص ٥٧٦.

(٣) أحكام القرآن للجصاص، ج ٥ - ص ١٧٩.

(٤) التبيان في آداب حملة القرآن، ج ١ - ص ١٣.

٣٤٧

عمر بن الخطّاب عن حدّ السّكران فقال هو الذي إذا استقرأته سورة لم يقرأها وإذا خلطت ثوبه مع ثياب لم يخرجه(١) .

وعن الشعبي عن ابن عمر قال سمعت عمر بن الخطّاب يخطب على منبر المدينة قال أيها الناس ألا إنّه نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب والتّمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل(٢) .

قال النّحاس: وقد يجوز أن يتمنّى الموت من له عمل صالح متخلّصا به من الكبائر، فهذا عمر بن الخطّاب لما استقامت أموره وفتح الله على يديه الفتوح وأسلم ببركته من لا يحصى عدده تمنّى الموت فقال اللهمّ كبرت سنّي ورقّ عظمي وانتشرت رعيّتي فاقبضني إليك غير مفرّط ولا مضيّع(٣) . (من أقوال عمر).

يقول النّحّاس: (له عمل صالح متخلصا به من الكبائر). أقول: هيهات! تلك أمانيهم! وتحسبونه هيّنا وهو عند الله عظيم! إذا لم يكن ذلك التّعامل مع فاطمة من الكبائر فليس هناك كبيرة يحاسب عليها إنسان! ومن زعم أنّه يفهم الإسلام أفضل مما تفهمه فاطمة عليها السلام فليراجع نفسه وليتثبت إن كان فعلا على دين أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب أنّ عمر بن الخطّاب قال أيّها الناس قد سننت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتكم على الواضحة أن لا تضلوا بالناس يمينا وشمالا وآية الرجم لا تضلوا عنها فإن رسول الله قد رجم ورجمنا وأنها قد أنزلت وقرأناها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة ولو لا أن يقال زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي(٤) .

عمر بن الخطّاب يتحدث عن نفسه ويخبر أنّه هو الذي سن السنن وفرض الفرائض، فماذا فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا؟.

____________________

(١) الناسخ والمنسوخ للنحاس، ج ١ - ص ١٥٢.

(٢) الناسخ والمنسوخ للحاس، ج ١ - ص ١٦٣.

(٣) الناسخ والمنسوخ للنحاس، ج ١ - ص ٥٣٣.

(٤) نواسخ القرآن، ج ١ - ص ٣٥.

٣٤٨

وروى مالك في الموطأ عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: (أيّها النّاس، قد سنت لكم السّنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتكم على السّنّة الواضحة ليلها كنهارها إلا أن تضلّوا بالنّاس يمينا وشمالا(١) .

أقول:

عمر يتحدث عن نفسه فيدّعي أنه هو الذي سنّ السّنّن وفرض الفرائض، فماذا فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذاً؟ ثم هو يقول: ليلها كنهارها؟!

عن ابن عباس قال: دخلت على عمر بن الخطّاب حين طعن فقلت أبشر بالجنة يا أمير المؤمنين أسلمت حين كفر الناس وجاهدت مع رسول الله حين خذله الناس وقبض رسول الله وهو عنك راض ولم يختلف في خلافتك اثنان وقتلت شهيدا فقال أعد علي فأعدت عليه فقال والله الذي لا اله غيره لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع!(٢)

أقول: فأين قوله أكفيكهما يا رسول الله؟ وأين حديث البشارة بالجنّة؟ وحديث أفضل الأمّة بعد اثنين؟! لقد كان عمر بن الخطّاب أعلم بنفسه من العمريّين حين جاءت سكرة الموت بالحقّ..

وعن مكحول قال: قال عمر بن الخطّاب احضروا موتاكم وذكروهم فإنهم يرون ما لا ترون ولقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله(٣) .

وعن الأعمش عن أبي الضحى قال حدثني من سمع عمر يقول إذا رأى المغيرة بن شعبة ويحك يا مغيرة والله ما رأيتك قط إلا خشيت أن تنزل علي حجارة من السماء(٤) .

نعم، كان عمر يقول هذا القول كلّما رأى المغيرة بن شعبة لأنه هو الذي درأ عنه

____________________

(١) أضواء البيان ج ٥ ص ٣٦٩، وموطأ مالك ج ٢ ص ٨٢٤ وفتح الباري ج ١٢ ص ١٤٣ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٣ ص ٩٢ والتمهيد لابن عبد البر ج ٢٣ ص ٩٢ والاستذكار ج ٧ ص ٤٨٧ والاعتصام ج ١ ص ٧٧ والاعتصام ج ٢ ص ١٥٥ وجامع بيان العلم وفضله ج ٢ ص ١٨٧ و

(٢) إثبات عذاب القبر، ج ١ ص ١٣١.

(٣) كتاب المحتضرين، ابن أبي الدنيا ج ١ ص ٢٢.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٢٠١ تحت رقم ٣٠٦٦٦.

٣٤٩

الحد، وهو أعلم الناس بفسقه، فإنه هو الذي قال له (أنت رجل فاسق)(١) !

وقال المغيرة (لعمر): يا أمير المؤمنين إنك والله ما تدري ما قدر أجلك فلو حددت لناس حدّاً أو علمت لهم علما يبهتون إليه قال فاستوى عمر جالسا ثم قال: هيه! اجتمعتم فقلتم من ترون أمير المؤمنين مستخلفا؟ فقال قائل (عليا) وقال قائل (عبد الله بن عمر فإن فيه خلفا) قال فلا يأمنوا يسأل عنها رجلان من آل عمر؟ فقلت: أنا لا أعلم لك ذلك. قال: قلت فاستخلف. قال: من؟ قلت: عثمان! قال: أخشى عقده وأثرته. قال قلت: عبد الرحمن بن عوف قال مؤمن ضعيف. قال قلت: فالزبير؟ قال: ضرس. قال قلت: طلحة بن عبيد الله قال رضاؤه رضاء مؤمن وغضبه غضب كافر! أما إنّي لو ولّيتها إيّاه لجعل خاتمه في يد امرأته! قال قلت: فعليّ؟ قال: أما إنّه أحراهم إن كان أن يقيمهم على سنّة نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كنّا نعيب عليه مزاحة كانت فيه(٢) .

أقول:

عمر يعترف بأفضليّة عليّ عليه السلام على بقية السّتّة، وإن كان ذلك من تحصيل الحاصل، لكنه يزعم أنّ في عليّ عليه السلام دعابة، فهل منعت الدّعابة عليّا عليه السلام من مواجهة عمرو بن عبد ودّ؟! وهل نفع عمر بن الخطاب جدّه وعبوسه يومها؟!

وعن نافع أنّ عمر قال لرجل من ثقيف قال غير أيّوب وهو المغيرة بن شعبة قال فقال له عمر ما فعل غلامك المولد؟ قال فذلك حين دعاه عمر فسأله عنه فقال: خيرا يا أمير المؤمنين، وقد أنكحته. قال: فلعلّك تخالفه إلى امرأته إذا غاب؟! فقال: لا يا أمير المؤمنين. فقال: لو أخبرتني أنّك تفعل لجعلتك نكالا قال وبلغني أن عليا أشار إليه أن لا يعترف(٣) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٥.

(٢) مصنف عبد الرزاق، ج ٥ ص ٤٤٧.

(٣) مصنف عبد الرزاق، ج ٧ ص ٢١٧ تحت رقم ١٢٨٥٩.

٣٥٠

أقول:

هذه القصة تحمل في طياتها ما يمكن أن يمثل منطلقا لبحث موضوعي في مسألة أبي لؤلؤة.

وعن سفيان بن عيينة حدثني الصعب بن حكيم بن شريك بن نملة عن أبيه عن جده قال ضفت عمر بن الخطابليلة فأطعمني كسورا من رأس بعير بارد وأطعمنا زيتا وقال هذا الزيت المبارك الذي قال الله عزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وعن(٢) عن عبد الكريم بن رشيد أنّ عمر بن الخطّاب قال: (يا أصحاب رسول الله، تناصحوا فإنّكم إن لا تفعلوا غلبكم عليها يعني الخلافة مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان (!).

قال ابن حجر: ويقال إنّ عمر قال لأهل الشّورى لا تختلفوا فإنّكم إن اختلفتم جاءكم معاوية من الشّام وعبد الله بن أبي ربيعة من اليمن فلا يريان لكم فضلا لسابقتكم؛ وإنّ هذا الأمر لا يصلح للطّلقاء ولا لأبناء الطّلقاء فهذا يقتضي أن يكون عبد الله من مسلمة الفتح (اهـ)(٣) . (من أقوال عمر).

عمر بن الخطّاب أيضا كلام في هذا المعنى رواه ابن عساكر (..) عن عثمان بن مقسم قال: قال المغيرة بن شعبة لعمر: أدلّك على القويّ الأمين؟ قال: بلى قال: عبد الله بن عمر! قال: ما أردت بقولك هذا؟ والله لأن يموت فأكفنه بيديّ أحبّ إليّ من أن أوليّه وأنا أعلم أنّ في النّاس من هو خير منه(٤) .

لكن ابن حجر يقول في فتح الباري: والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد انه كان لا يراعي الأفضل في الدّين فقط، بل يضمّ إليه مزيد المعرفة بالسّياسة مع اجتناب ما يخالف الشّرع منها، فلأجل هذا استخلف معاوية

____________________

(١) المعجم الكبير، ج ١ ص ٧٤ تحت رقم ٨٩.

(٢) كتاب الفتن ص ١٢٨ تحت رقم ٣٠٦.

(٣) الإصابة، ابن حجر العسقلاني، ج ٤ ص ٧٩.

(٤) فتح الباري - ابن حجر، ج ١٣ - ص ١٩٨.

٣٥١

والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم(١) .

قلت: رووا أن من ولي من أمور المسلمين شيئا فأمّر عليهم رجلا وهو يرى أنّ فيهم من هو خير منه فقد خانهم. وعليه يكون عمر قد خان المسلمين في توليته الطّلقاء وأبناء الطّلقاء على المهاجرين والأنصار.

قالوا: وكان عمر يسمي معاوية (كسرى العرب).(٢)

قال رسول الله عن معاوية صعلوك، وقال عنه عمر كسرى العرب، ولا يمكن الجمع بين القولين، والمرء حرّ في اختيار ما يبدو له أصحّ القولين.

وقد سأل عمر أبابكر: أفي كتاب الله هذا؟ وأقول: لعل عمر تشابه عليه ما في القرآن وما في التوراة، والعجيب أن أبابكر قرأ أكثر من آية. ويلاحظ وجود المغيرة دائما إلى جنب أحد الرجلين أو كليهما، وهذا معناه أن المغيرة من أساطين حزب السقيفة.

قال عمر: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا بكسر أوله أي ما يملؤها ذهبا حتى يطلع ويسيل لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه أي الله أو عذابه وإنما قال ذلك لغلبة الخوف الذي وقع له في ذلك الوقت من خشية التقصير فيما يجب من حقوق الله أو من الفتنة بمدحهم كذا في فتح الباري وقال الطّيبيّ كأنّه رجح جانب الخوف على الرّجاء لما أشعر من فتن تقع بعده في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجزع جزعا عليهم وترحما لهم ومن استغناء الله تعالى عن العالمين كما قال عيسى عليه السلام( إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ ) (٣)

____________________

(١) فتح الباري - ابن حجر، ج ١٣ - ص ١٩٨.

(٢) الإصابة في تمييز الصحابة، ج ٦ ص ١٥٣، والاستيعاب، ج ٣ ص ١٤١٧ والبداية والنهاية، ج ٨ ص ١٢٥ وتاريخ الإسلام، ج ٤ ص ٣١١ وسير أعلام النبلاء، ج ٣ ص ١٣٤، وتاريخ الخلفاء، ج ١ ص ١٩٥ وشرح الزرقاني ج ٢ ص ٣١٨ وتاريخ مدينة دمشق، ج ٥٩ ص ١١٤ وجص ١١٥ والفواكه الدواني، ج ١ ص ١٠٥ ونزهة الألباب في الألقاب، ج ٢ ص ١٢٢ وثمار القلوب في المضاف والمنسوب، ج ١ ص ١٦١ وتهذيب الأسماء، ج ٢ ص ٤٠٧ والأمالي في لغة العرب، ج ٢ ص ١٢٢.

(٣) المائدة ١١٨.

٣٥٢

وكان جانب الخوف عليه غالبا فاستمر على ذلك هضما لنفسه وانكسارا ولذلك نسب ما حصل له من الفضيلة إلى منة الله تعالى وإفضاله. وفي الاستيعاب أنّ عمر حين احتضر قال ورأسه في حجر ابنه عبد الله ظلوم لنفسي غير أني مسلم أصلي صلاتي كلها وأصوم.

أقول: تلك أقوال عمر عند الوفاة وهذه تمحّلات المتأوّلين.

وذكر تمام الخبر في الشورى وتقديمه لصهيب في الصلاة وقوله في علي عليه السلام: إن ولّوها الأجلح سلك بهم الطّريق الأجلح المستقيم يعني عليّا. وقوله في عثمان وغيره. فقال له ابن عمر: ما يمنعك أن تقدّم عليا قال: أكره أن أحملها حيا و ميتا(١) .

قلت: إذا كان فعلا يكره أن يتحمّلها حيّا وميتا فلماذا فصّلها على مزاجه وجعل عدد المرشّحين ستة لا أكثر، وأدار إدارتها كما لو كان حيّا بحيث يكون القرار النّهائي بيد عبد الرحمن بن عوف المتزوّج من أربع أمويات؟! أليس قد تحمّلها تمام التحمّل وهو مع ذلك يزعم أنّه لا يتحمّلها؛ هيهات هيهات أن تنفع المغالطات يوم تبلى السرائر. ولو كان عمر يريد للمسلمين الخير لما عدل عن اليقين إلى الظّنّ، ألم يقل أبوبكر ولّيتهم خيرهم في نفسي وقبلها عمر؟! لماذا يقبل نفس المبدأ حينما كان أول منتفع منه ويرفضه حينما يتعلّق بغيره؟ ألا يدخل بذلك في قوله تعالى( وَإِن يَكُن لَهُمُ الْحَقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ) .

قالوا: وكان (زياد) أحد الشهود على المغيرة بن شعبة مع أخويه أبي بكرة ونافع وشبل من معبد فلم يقطع بالشّهادة فحدّهم عمر ولم يحدّه وعزله فقال: يا أمير المؤمنين أخبر النّاس أنّك لم تعزلني لخزية. ما عزلتك لخزية ولكن كرهت أن أحمل على النّاس فضل عقلك(٢) .

____________________

(١) الاستيعاب، ج ١ ص ٣٥٧.

(٢) أسد الغابة، ج ١ ص ٣٨٩.

٣٥٣

يريد عمر بقوله هذا أن يوهم النّاس أنّ زيادا كان أعقل أهل زمانه، ولا شكّ أن زيادا كان من الدّهاة لا الأذكياء، فإن الذكاء يعبر به عن القدرات الفكرية المستعملة في الخير وما ينفع، وأما الدهاء فإنه من الشيطنة. وإنما قال عمر ذاك الكلام لزياد لأنّه كان أسرع إلى فهم عبارة عمر من السّيل إلى منتهاه، وبفضله نجا المغيرة بن شعبة في هذه الدنيا؛ وزياد هذا هو الذي شهد على أمّه بالزّنا وعلى أبيه بالدّياثة!

وقال عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر أيضا أن عمر بن الخطّاب قال له في قصّة ذكرها: (يا قبيصة، إنّي أراك شابّا فصيح اللّسان فسيح الصّدر وإنّ الرجل قد يكون فيه عشر خصال، تسع منها حسنة وواحدة سيئة فتفسد الواحدة التّسع؛ فإيّاك وعثرات اللّسان). وفي رواية (وعثرات الشباب)(١) . (من أقوال عمر).

وأخرج البخاريّ في تاريخه من طريق الزهري أنّ عمر بن الخطّاب قال: إذا وليت شيئا من أمر النّاس فلا تبال لومة لائم(٢) .

قال أبو عبيدة معمر بن المثّنى: قال رجل في مجلس يونس: قال عمر بن الخطّاب ذات يوم: لئن بقيت لأمنعنّ فروج العربيّات إلاّ من الأكفاء. فقال يونس: رحم الله عمر لو أدرك تلاعب زياد وبنيه لساءه ذلك(٣) .

قلت: لقد تقدم لخطبة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الذي كان ينحني للصنم طيلة ثلاثين سنة، وتكررت منه كبيرة الفرار من الزحف، وكان يضرب بغلظته المثل حتى قيل لا يسلم حتّى يسلم حمار الخطاب، فهل كان يرى نفسه كفؤا لفاطمة عليها السلام. ثم هو نفسه يقول: ما أبالي أي الناس نكحت وأيّهم أنكحت!

وعن عمر قال: ما بلت قائما منذ أسلمت.

أقول: والسياق يدلّ على أنّ عمر يستقبح البول قائما.

____________________

(١) تهذيب الكمال، ج ٢٣ - ص ٤٧٤.

(٢) التاريخ الكبير، البخاريّ، ج ٤ ص ١٩.

(٣) مختصر تاريخ دمشق، ج ١ ص ١٢١١.

٣٥٤

وعن أحمد بن بشير عن عوانة قال: ذكر عمر شيئا فقال المغيرة: الرأي فيه كذا وكذا. فقال: وما أنت والرأي؟! إذا جاء الرّأي غلبك عليه عمرو ومعاوية(١) .

وقال أبو سليمان في حديث عمر أن المغيرة بن شعبة ذكر له عثمان للخلافة فقال أخشى حفده وأثرته(٢) .

أقول: هذا رأي عمر في عثمان ومع ذلك رشحه للخلافة.

عن سماك قال سمعت بن عباس قال دخلت على عمر حين طعن فجعلت أثني عليه فقال بأي شيء تثني علي بالإمرة أو بغيرها قال قلت بكل قال ليتني أخرج منها كفافا لا أجر ولا وزر. وعن مسعر عن سماك الحنفي قال سمعت بن عباس يقول قلت لعمر مصر الله بك الأمصار وفتح بك الفتوح وفعل بك وفعل فقال لوددت أني أنجو منه لا أجر ولا وزر. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال لما حضرت عمر بن الخطّاب الوفاة قال بالإمارة تغبطونني فو الله لوددت أني أنجو كفافا لا علي ولا لي(٣) .

وعن ابن عباس قال: أنا أول من أتى عمر بن الخطّاب حين طعن فقال احفظ مني ثلاثا فإني أخاف أن لا يدركني الناس. أما أنا فلم أقض في الكلالة قضاء ولم أستخلف على الناس خليفة، وكل مملوك لي عتيق. قال فقال له الناس: استخلف. فقال: أي ذلك ما أفعل فقد فعله من هو خير مني؛ إن أترك للناس أمرهم فقد تركه نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبوبكر، فقلت: أبشر بالجنة صاحبت رسول الله فو الله الذي لا إله إلا هو لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر! وأما قولك في إمرة المؤمنين فو الله لوددت أن ذلك كفاف لا لي ولا علي وأما ما ذكرت من صحبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذاك(٤) .

____________________

(١) تاريخ دمشق، ج ٦٠ ص ٤٩.

(٢) غريب الحديث، الخطابي، ج ٢ ص ١١١.

(٣) الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج ٣ ص ٣٥١.

(٤) الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج ٣ ص ٣٥٣.

٣٥٥

أقول:

لو كان حديث العشرة المبشرين بالجنة صحيحا لكان عمر بكلامه هذا مكذبا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن أبي هلال عن ابن بريدة أن الذي قتل زيد بن الخطّاب سلمة بن صبيح أخو أبي مريم وكان خالد أوفد عشرة إلى أبي بكر فيهم أبو مريم فحسن إسلامه بعد ذلك ويقال إن عمر قال له أقتلت زيدا لا أحبك حتى تحب الأرض الدم. قال: أو يمنعني ذاك حقي عندك؟ قال لا. قال: فلا ضير إذا(١) .

قالوا: كان الترجمان يوم الهرمزان المغيرة بن شعبة إلى أن جاء المترجم وكان المغيرة يفقه شيئا من الفارسية فقال عمر للمغيرة: قل له من أي أرض أنت فقال المغيرة: أز كدام أرضي فقال: مهرجاني فقال: تكلم بحجتك قال: كلام حي أو ميت قال بل كلام حي: قال قد آمنتني قال: خدعتني إن للمخدوع في الحرب حكمه لا والله لا أؤمنك حتى تسلم فأيقن أنه القتل أو الإسلام فأسلم ففرض له على ألفين وأنزله المدينة وقال للمغيرة ما أراك بها حاذقا ما أحسنها منكم أحد إلا خبّ وما خبّ إلا دقّ، إيّاكم وإيّاها فإنّها تنقض الإعراب(٢) .

وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عمر بن الخطّاب أخذ تبنة من الأرض فقال: (ليتني كنت هذه التبنة ليتني لم أخلق ليت أمي لم تلدني ليتني لم أك شيئا ليتني كنت نسيا منسيا(٣) .

عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال كان عمر بن الخطّاب يدنى ابن عباس فقال له عبد الرحمن بن عوف إن لنا أبناء مثله فقال إنه من حيث تعلم فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية إذا جاء نصر الله والفتح فقال أجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعلمه إياه قال ما اعلم منها إلا ما تعلم(٤) .

____________________

(١) أخبار القضاة ن ج ١ ص ٢٧١.

(٢) تاريخ الطبري، ج ٢ ص ٥٠٢.

(٣) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج ٣ ص ٣٦٠.

(٤) صحيح البخاري، ج ٤ ص ١٨٣ - ١٨٤.

٣٥٦

عن الحسن بن الخليل أن عمر بن الخطّاب قال لو يعلم أحدكم في قوله لأخيه جزاك الله خيرا لاستكثر منها(١) .

وعن عبد الرحمن الحجري المصري أن عمر بن الخطّاب كان يقول يصفي لك ود أخيك ثلاث أن تبدأه بالسلام وأن تدعوه بأحب أسمائه إليه وأن توسع له في المجلس وكفى بالمرء عيا أن يجد على الناس فيما يأتي وأن يبدوا لهم فيهم ما يخفى عليه من نفسه وأن يؤذيه في المجلس بما لا يعنيه(٢) .

وعن عمر بن عبد الرحمن بن عطية أبي دلاف عن عمر بن الخطّاب أنه قال: لا تنظروا إلى صوم امرئ ولا إلى صلاته ولكن انظروا إلى من إذا حدث صدق وإذا أؤتمن أدى وإذا أشفى ورع(٣) .

وعن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب قال سمعت عمر بن الخطّاب يقول النساء ثلاثة امرأة هينة لينة عفيفة مسلمة ودود ولود تعين أهلها على الدهر ولا تعين الدهر على أهلها وقل ما تجدها. والثانية امرأة عفيفة مسلمة إنما هي وعاء للولد ليس عندها غير ذلك. والثالثة غل قمل يجعلها الله في عنق من يشاء ولا ينزعها غيره. والرجال ثلاثة: رجل عفيف مسلم عاقل يأتمر في الأمور إذا أقبلت ويسهب فإذا وقعت يخرج منها برأيه. ورجل عفيف مسلم ليس له رأي فإذا وقع الأمر أتى ذا الرأي والمشورة فشاوره واستأمره ثم نزل عند أمره. ورجل جائر حائر لا يأتمر رشدا ولا يطيع مرشدا(٢) .

وعن محمد بن سيرين قال: قال عمر بن الخطّاب ما بقي من أخلاق الجاهلية شيء ألا إني لست أبالي أي المسلمين نكحت وأيهم أنكحت(٤) .

عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطّاب أو قال أبي: لقد أوتي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم زوجه ابنته فولدت

____________________

(١) الجامع في الحديث، ج ١ ص ٢٦٠ تحت رقم ١٧٤.

(٢) الجامع في الحديث، ج ١ ص ٣٢٤ تحت رقم ٢٢٢.

(٣) الجامع في الحديث، ج ٢ ص ٦٢٣ تحت رقم ٥٢٦.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة ج ٣ ص ٥٥٩ تحت رقم ١٧١٤٧.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٤ ص ٢٦ تحت رقم ١٧٤٣٥.

٣٥٧

له وسدّ الأبواب إلا بابه وأعطاه الحربة يوم خيبر(١) .

وعن حصين المزني قال: قال عمر بن الخطّاب إنما مثل العرب مثل جمل أنف اتبع قائده فلينظر قائده حيث يقود فأما أنا فورب الكعبة لأحملنّهم على الطريق(٢) .

عمر يزكّي نفسه والقرآن الكريم يقول: ( لاَ تُزَكّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتّقَى)(٣) .

عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر قال رأيت عمر بن الخطّاب أخذ تبنة من الأرض فقال ليتني هذه التبنة ليتني لم أك شيئا ليت أمي لم تلدني ليتني كنت نسيا منسيا(٤) .

رأي عمر في علي عليه السلام

قال عمر بن الخطاب بعد أن عين أصحاب الشورى: إن ولّوها الأجلح سلك بهم الطّريق الأجلح المستقيم يعني عليّا. وقوله في عثمان وغيره. فقال له ابن عمر: ما يمنعك أن تقدّم عليا قال: أكره أن أحملها حيا وميتا(٥) .

وعن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن القارئ عن أبيه أن عمر بن الخطّاب ورجلا من الأنصار كانا جالسين فجاء عبد الرحمن بن عبد القارئ فجلس إليهما فقال عمر: إنّا لا نحب أن يجالسنا من يرفع حديثنا! فقال له عبد الرحمن: لست أجالس أولئك يا أمير المؤمنين. فقال عمر: بلى، فجالس هؤلاء وهؤلاء ولا ترفع حديثنا. ثم قال عمر للأنصاري: من ترى النّاس يقولون يكون الخليفة بعدي؟ قال فعدّد رجالا من المهاجرين ولم يسمّ عليا! فقال عمر: فما لهم من أبي الحسن، فو الله إنّه لأحراهم إن كان عليهم أن يقيهم على طريقة من الحق(٦) ..

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٦ ص ٣٦٩ تحت رقم ٣٢٠٩٩.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٦ ص ٤١٠ تحت رقم ٣٢٤٧٣.

(٣) النجم: ٣٢.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٧ ص ٩٨ تحت رقم ٣٤٤٨٠.

(٥) الاستيعاب، ج ١ ص ٣٥٧.

(٦) مصنف عبد الرزاق، ج ٥ ص ٤٤٦ تحت رقم ٨٧٦١.

٣٥٨

وعن البراء بن عازب وزيد بن أرقم أنّ رسول الله لمّا نزل بغدير خمّ أخذ بيد عليّ فقال ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى قال ألستم تعلمون أني أولى بكلّ مؤمن من نفسه قالوا بلى قال اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر بعد ذلك فقالك له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(١) . رواه أحمد.

قالوا: قال عمر بن الخطّاب (ردوا الجهالات إلى السنة)(٢) .

وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر أقرؤنا أبيّ وأقضانا علي وإنا لندع من قول أبي.. (أقول هذا القول من عمر وإن كان فيه اعتراف بأعلمية علي عليه السلام فإنه يوهم أن أبيا أقرأ من علي عليه السلام، والحال أن أبيّا فاته كثير من القرآن المكي وأسباب نزوله. وكيف يكون علي عليه السلام أقضاهم إذا لم يكن أعلمهم بالنّاسخ والمنسوخ والمطلق والمقيّد والعامّ والخاصّ؟!).

قال عمر: (حصير في البيت خير من امرأة لا تلد)(٣) .

(أقول: ولم يستثن عمر ابنته حفصة بنت عمر ولا ابنة حليفه عائشة بنت أبي بكر) ولا ندري ما كان ردّ كل واحدة منهما عندما سمعتا هذا عن عمر.

حدثنا علي بن محمد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا ثنا وكيع ثنا سفيان ثنا عمرو بن مرة

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٣٧٢ وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ج ١ ص ٦٧ وكنز العمال ج ١٣ ص ٥٨ ومشكاة المصابيح ج ٣ ص ١٧٢٣ ومرقاة المفاتيح ج ١١ ص ٢٥٨ وقول عمر لعلي مذكور في تحفة الأحوذي ج ١٠ ص ١٤٨ وتحفة الأحوذي ج ١٠ ص ١٤٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٢٣٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٢٣٨ وسير أعلام النبلاء ج ١٩ ص ٣٢٨ والنهاية في غريب الأثر ج ٥ ص ٢٢٧ والنهاية في غريب الأثر ج ٥ ص ٢٢٧.

(٢) أضواء البيان، ج ١ ص ١٧٢ والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج ١ ص ٣١٨ وتفسير القرطبي ج ٣ ص ١٩٥ وسنن البيهقي الكبرى ج ٧ ص ٤٤٢ وسنن سعيد بن منصور ١) ج ١ ص ٣٥٥ والسنن الصغرى للبيهقي نسخة الأعظمي) ج ٦ ص ٤٧٧ والتمهيد لابن عبد البر ج ٩ ص ٩١ والكافي في فقه ابن حنبل ج ٣ ص ٣١٨ والكافي في فقه ابن حنبل ج ٤ ص ٤٥١ والمغني ج ٨ ص ١٠٢ وكتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج ٣١ ص ٣٩ ومنار السبيل ج ٢ ص ٢٥٣ وشرح الزركشي ج ٣ ص ٣٧٣ والمهذب ج ٢ ص ١٥١.

والمبسوط للسرخسي ج ١٦ ص ٨٤ والاستذكار ج ٥ ص ٤٧٦ وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ج ١ ص ٨١ وجامع بيان العلم وفضله ج ٢ ص ١٨٧.

(٣) سنن النسائي الكبرى ج ٦ ص ٢٨٩ تحت رقم ١٠٩٩٥.

٣٥٩

عن مرة بن شراحيل قال: قال عمر بن الخطّاب ثلاث لأن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهن أحب إلي من الدنيا وما فيها الكلالة والربا والخلافة(١) .

(وهذا القول ينطبق على ابن تيمية تمام الانطباق).

أقول: فمن الذي منعه أن يسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وعن إبراهيم بن ميسرة قال قال لي طاوس لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور(٢) .

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر لا تكرهوا فتياتكم على الرجل الدّميم فإنهن يحببن من ذلك ما تحبون(٤) .

(للتذكير فإنّ عمر كان آدم أحول أعسر أروح.).

حدثنا أبوبكر قال حدثنا وكيع عن مطيع بن عبد الله قال سمعت الشعبي يحدث عن بن عمر قال: قال عمر لعن اله فلانا فإنه أول من أذن في بيع الخمر فإن التجارة لا تصلح فيما لا يحل أكله وشربه(٣) .

أقول من هو فلان؟! ولماذا لم يصرّحوا باسمه؟!).

وعن إسماعيل عن قيس قال: قال عمر لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام(٢) .

عن أبي عثمان قال: قال عمر إن في المعاريض ما يكف أو يعف الرجل عن الكذب(٣) .

(أقوال نسبت إلى عمر).

____________________

(١) سنن ابن ماجه ج ٢ ص ٩١١ تحت رقم ٢٧٢٧.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ج ٣ ص ٤٥٣ تحت رقم ١٥٩١٠.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ج ٣ ص ٥٥٠ تحت رقم ١٧٠٥٤.

(٢)مصنف ابن أبي شيبة ج ٤ ص ١٩٦ تحت رقم ١٩٢٦٢.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٤ ص ٤١٢ تحت رقم ٢١٦٢٠.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ج ٥ ص ٢١٦ تحت رقم ٢٥٣٧٦.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ج ٥ ص ٢٨٢ تحت رقم ٢٦٠٩٥.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة ج ٥ ص ٢٩٩ تحت رقم ٢٦٢٨٠.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564