الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب10%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91164 / تحميل: 7625
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

من لحم وعظم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة، أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان. وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى آخر ليس ذلك المعنى بجسم أصلاً كما يقال البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلاً.

فعلى العامي وغير العامي أن يتحقق قطعاً ويقيناً أن الرسولعليه‌السلام لم يرد بذلك جسماً هو عضو مركب من لحم ودم وعظم وأن ذلك في حق الله تعالى محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضاء فهو عابد صنم! فإن كل جسم فهو مخلوق وعبادة المخلوق كفر وعبادة الصنم كان كفراً لأنه مخلوق وكان مخلوقاً لأنه جسم، فمن عبد جسماً فهو كافر بإجماع الأئمة، السلف منهم والخلف، سواء كان ذلك الجسم كثيفاً كالجبال الصم الصلاب أو لطيفاً كالهواء والماء، وسواء كان مظلماً كالأرض أو مشرقاً كالشمس والقمر والكواكب، أو مشفاً لا لون له كالهواء، أو عظيماً كالعرش والكرسي والسماء، أو صغيراً كالذرة والهباء، أو جماداً كالحجارة، أو حيواناً كالإنسان.

فالجسم صنم، فبأن يقدر حسنه وجماله أو عظمه أو صغره أو صلابته وبقاؤه لا يخرج عن كونه صنماً.

ومن نفى الجسمية عنه وعن يده وإصبعه، فقد نفى العضوية واللحم والعصب وقدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوث ليعتقد بعده أنه عبارة عن معنى من المعاني ليس بجسم ولا عرض في جسم يليق ذلك المعنى بالله تعالى، فإن كان لا يدري ذلك المعنى ولا يفهم كنه حقيقته فليس عليه في ذلك تكليف أصلاً، فمعرفة تأويله ومعناه ليس بواجب عليه، بل واجب عليه أن لا يخوض فيه. انتهى. وبذلك وافق الغزالي ورشيد رضا مذهبنا ومذهب المتأولين، وخالف المفوضة وأهل الظاهر!

٦١

وكل علماء السنّة حتى المجسّمة يصيرون متأوّلة عند الحاجة

كل المجسمة من الأشاعرة والحنابلة والوهابيين الذين حرموا التأويل، وأنكروا وجود المجاز في القرآن، وأوجبوا حمل ألفاظه وألفاظ أحاديث الصفات على معانيها الظاهرة الحقيقية، بل حتى أولئك الذين حكموا بأن المتأولة أهل ضلالة وبدعة وكفر وحذروا منهم.. كلهم يصيرون متأولة من الدرجة الأولى عندما يقعون في مأزق الآيات والأحاديث التي تخالف مذهبهم وتنفي إمكان الرؤية بالعين والتشبيه والتجسيم كقوله تعالى:لا تدركه الأبصار ...ليس كمثله شيء ...لا يحيطون به علماً ...لن تراني .. إلخ.

وهكذا نجد أن إخواننا الذين نبزونا بألفاظ (متاولة، متوالي، بني متوال) يقومون هم بتأويل جميع الآيات والأحاديث المخالفة لمذهبهم جهاراً نهاراً، وجوباً قربة إلى الله تعالى، من أجل الدفاع عن أحاديث الرؤية بالعين وظاهر الآيات المتشابهة فيها!

وهكذا يسقط منهجهم العلمي بتحريمهم التأويل في بعض الآيات والأحاديث وتحليله في بعضها! وكان الأولى بهم أن لا يلقوا أنفسهم في هذا المأزق ويتأولوا الآيات التي يوهم ظاهرها الرؤية من أول الأمر من أجل الجمع المنطقي بينها وبين الآيات النافية للرؤية.

وإذا سألتهم: لماذا أوجبتم الأخذ بظاهر هذه المجموعة من الآيات والأحاديث وحرمتم تأويلها، وأوجبتم تأويل تلك المجموعة وحرمتم الأخذ بظاهرها! فليس عندهم جواب، إلا أنهم أرادوا المحافظة على ظواهر آيات الرؤية بالعين وأحاديث الآحاد، مهما كلفهم ذلك من تناقض في المنهج العلمي، فالمهم عندهم أن لا تنخدش روايات الرؤية بالعين عن كعب الأحبار ومن قلده من الخلفاء!

٦٢

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٤٨

ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في الفتح ١٣ - ٤٣٢: فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها. انتهى.

وقد تبنى ابن تيمية والوهابيون هذا الحل (الشرعي) فحكموا بوجوب تصديق هذه الروايات وتحريم تأويلها حتى لو أدت إلى التجسيم، ثم هجموا على روايات التنزيه ونفي التجسيم بمعول التأويل!

- وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٥٦ - ١٥٩

وقد نقل الحافظ ابن جرير في تفسيره ٢٧ - ٧ تأويل لفظة (أيد) الواردة في قوله تعالى:وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ، بالقوة أيضاً عن جماعة من أئمة السلف منهم: مجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان... ومما يجدر التنبيه عليه هنا ولا يجوز إغفاله أن هؤلاء القوم الذين يحاربون التأويل ويزعمون أنه ضلال وبدعة وتحريف للقرآن والسنة هم أنفسهم يؤولون ما لا يوافق آراءهم من نصوص الكتاب والسنة في مسائل الصفات! فنراهم يؤولون مثل قوله تعالى: وهو معكم وقوله تعالى: ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، وقوله تعالى: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، وقوله تعالى: إنني معكما أسمع وأرى، وقوله تعالى:وهو معكم ، إلى غير ذلك من نصوص واضحة!

فإذا كان هذا قرآن وذاك قرآن فما الذي أوجب اعتقاد ظاهر هذا دون ظاهر ذاك وكله قرآن! ولماذا جوزوا تأويل ظاهر هذا دون ذلك!

... روى الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول: احتجوا عليّ يوم المناظرة فقالوا: تجيء يوم القيامة سورة البقرة... الحديث قال فقلت لهم: إنما هو الثواب. اهـ. فتأمل في هذا التأويل الصريح... نقل الحافظ

٦٣

البيهقي في الأسماء والصفات ص ٤٧٠ عن البخاري أنه قال: معنى الضحك: الرحمة اهـ. وقال الحافظ البيهقي ص ٢٩٨: روى الفربري عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: معنى الضحك فيه - أي الحديث - الرحمة اه- فتأمل. وقد نقل هذا التأويل أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٦ - ٤٠.

- وقال التلمساني في نفح الطيب ج ٨ ص ٣٤

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزله. وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفه فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي على جواز رؤية الله تعالى قال قوله تعالى:لا تدركه الأبصار فنظر بعض المعتزله إلى بعض وقالوا: جن القاضي! وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا على مذهبهم وهو ساكت ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولك الحائط لا يبصر قالوا: لا... قال فلا يصح إذا نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا: نعم، قال فكذلك قوله تعالى:لا تدركه الأبصار ، لو لا جواز إدراك الأبصار له لم يصح نفيه عنه! انتهى.

وهكذا نرى أن الذين حرموا التأويل وكفروا المسلمين بسببه، أفرطوا في ارتكابه ووصلوا به إلى حد السفسطة، فأولوا النفي الصريح بالإثبات، ولم يبق عليهم إلا أن يؤلوا(لا إله إلا الله) بوجود عدة آلهة مع الله سبحانه وتعالى عما يصفون. وسوف ترى مزيداً من فنونهم في تأويل آيات نفي الرؤية والتنزيه، عند استعراض تفسيرها، إن شاء الله تعالى.

- ونختم بما قاله الشيخ محمد رضا جعفري في بحث الكلام عند الإمامية ص ١٥١ من مجلة تراثنا عدد ٣٠

قال أبو الفرج ابن الجوزي: «واعلم أن عموم المحدثين حملوا ظاهر ما تعلق من صفات الباري سبحانه على مقتضى الحس فشبهوا، لأنهم لم يخالطوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى الحكم..» (١)

وقال أيضاً: «واعلم أن الناس في أخبار الصفات على ثلاث مراتب: إحداها،

٦٤

إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل، إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالى(وجاء ربّك) (٢) أي: جاء أمره، وهذا مذهب السلف.

والمرتبة الثانية، التأويل، وهو مقام خطر.

والمرتبة الثالثة، القول فيها بمقتضى الحس، وقد عمَّ جهلة الناقلين(٣)، إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات التي يعرف بها ما يجوز على الله تعالى وما يستحيل، فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه، فإذا عدموا تصرفوا في النقل بمقتضى الحس» (٤).

وقال تقي الدين ابن تيمية، راداً على من قال: إن أكثر الحنابلة مجسمة ومشبهة:

«المشبهة والمجسمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم، فهؤلاء أصناف الأكراد، كلهم شافعية، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر، وأهل جيلان فيهم شافعية وحنبلية، وأما الحنبلية المحضة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم، والكرامية كلهم حنفية»(٥).  ولست أقر ابن تيمية على دفاعه عن أهل مذهبه ولكني أسكت عنه....

٤ - نماذج مختارة: وكنموذج لما أشار إليه ابن الجوزي في كلامه عن المحدثين أختار ثلاثة لم يكونوا من الحنابلة الصرحاء، وأقدم لكل منهم بعض الترجمة كي لا يتهمني متهم بأني عثرت على مغمورين خاملين لم يكونوا ذوي شأن عند المحدثين:

١ - إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم، أبو يعقوب الحنظلي المروزي، ابن راهويه النيسابوري (١٦١/٧٧٨ ت ٢٣٨/٨٥٣.

قال الخطيب: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق، والورع والزهد، ورحل إلى العراق، والحجاز، واليمن، والشام... وورد بغداد وجالس حفاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلى خراسان فاستوطن نيسابور إلى أن توفي بها، وانتشر علمه عند الخراسانيين. وهكذا قال المزي والسبكي. وهو شيخ البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وبقية بن الوليد، ويحيى بن آدم - وهما من شيوخه - وأحمد بن حنبل، وإسحاق

٦٥

الكوسج، ومحمد بن رافع، ويحيى بن معين - هؤلاء من أقرانه - وجماعة.

قال نعيم بن حماد: إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه.

وقال النسائي: أحد الأئمة، ثقة مأمون. وقال أحمد بن حنبل: إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به. وقال أبو حاتم: إمام من أئمة المسلمين. وقال ابن حبان: وكان إسحاق من سادات زمانه فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونظراً، ممن صنف الكتب، وفرع السنن، وذب عنها، وقمع من خالفها، وقبره مشهور يزار. وقال أبو عبد الله الحاكم: إمام عصره في الحفظ والفتوى. وقال أبو نعيم الأصبهاني: كان إسحاق قرين أحمد [ بن حنبل ] وكان للآثار مثيراً، ولأهل الزيغ مبيراً.

وقال الذهبي: الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، قد كان مع حفظه إماماً في التفسير، رأساً في الفقه، من أئمة الإجتهاد(٦).

أبو عيسى الترمذي - بعد أن أخرج الروايات التي تقول: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه... الحديث - قال: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟

هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف. وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه: اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ها هنا القوة.

وقال إسحاق بن إبراهيم(٧): إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه. وأما

٦٦

إذا قال - كما قال الله تعالى -: يد، وسمع، وبصر، ولا يقول: كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً، وهو كما قال الله تعالى:(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (٨).

٢ - أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (٢٢٣/٨٣٨ - ٣١١/٩٢٤) قالوا عنه: إنه كان إمام نيسابور في عصره، فقيهاً، مجتهداً، بحراً من بحور العلم، اتفق أهل عصره على تقدمه في العلم، ولقبه الصفدي، واليافعي، والذهبي، والسبكي، وابن الجزري، والسيوطي، وابن عبدالحي بإمام الأئمة. وقال الدار قطني: كان إماماً معدوم النظير. وقال ابن كثير: هو من المجتهدين في دين الإسلام. وذكروا له الكرامات. وقال السمعاني: وجماعة [ من المحدثين ] ينسبون إليه، يقال لكل واحد منهم خزيمي [ فهو إمام مدرسة حدثية ]. وهذا بعض ما قيل فيه(٩):

أثبت ابن خزيمة الوجه لله سبحانه، وقال: (ليس معناه أن يشبه وجهه وجه الآدميين، وإلا لكان كل قائل إن لبني آدم وجهاً، وللخنازير، والقردة، والكلاب... - إلى آخر ما عدد من الحيوانات - وجوهاً، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب...)(١٠).

وذكر مثل هذا في العين، واليد، والكف، واليمين، وقال: إن عيني الله لا تشبهان أي عين لغيره، وأضاف: نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى وما في السماوات العلى وما بينهما ونزيد شرحاً وبياناً ونقول: عين الله عز وجل قديمة لم تزل باقية، ولا يزال محكوم لها بالبقاء منفي عنها الهلاك والفناء، وعيون بني آدم محدثة، كانت عدماً غير مكونة فكونها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته...»(١١).

وقال: إن لله يدين ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين محدثة فأي تشبيه!...(١٢) ونفى التأويل عن كل هذا، خاصة تأويل اليد بالنعمة أو القوة(١٣).

وذكر «أن كلام ربنا عز وجل لا يشبه كلام المخلوقين، لأن كلام الله كلام متواصل

٦٧

لا سكت بينه ولا سمت، لا ككلام الآدميين الذي يكون بين كلامه سكت وسمت لانقطاع النفس، أو التذاكر، أو العي...»(١٤).

٣ - عثمان بن سعيد، أبو سعيد الدارمي، التميمي، السجستاني (ح ١٩٩/٨١٥ - ٢٨٠/٨٩٤) الإمام العلامة الحافظ، الناقد الحجة، وكان جذعاً وقذئ في أعين المبتدعة، قائماً بالسنة، ثقة، حجة، ثبتاً. وقيل فيه: كان إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته. ذكره الشافعية في طبقاتهم، وعده الحنابلة من أصحاب ابن حنبل(١٥).

قال الدارمي بأن لله مكاناً حده، وهو العرش(١٦) و(هو بائن من خلقه فوق عرشه بفرجة بينه في هواء الآخرة، حيث لا خلق معه هناك غيره، ولا فوقه سماء)(١٧) وقال (قد أيّنّا له مكاناً واحداً، أعلى مكان، وأطهر مكان، وأشرف مكان: عرشه العظيم فوق السماء السابعة العليا، حيث ليس معه هناك إنس ولا جان، ولا بجنبه حش، ولا مرحاض، ولا شيطان. وزعمت أنت(١٨) والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان، وكل حش ومرحاض، وبجنب كل إنسان وجان! أفأنتم تشبهونه إذ قلتم بالحلول في الأماكن أم نحن؟!)(١٩)

وقال (ولو لم يكن لله يدان بهما خلق آدم ومسه مسيساً كما ادعيت، لم يجز أن يقال (لله): بيدك الخير...)(٢٠) وأحال في ذلك كل معنى أو تأويل من نعمة أو قوة إلا اليدين(٢١) (بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس)، (وأن لله إصبعين، من غير تأويل بمعنى آخر)(٢٢) (والقدمان قدمان من غير تأويل)(٢٣) (غير أنا نقول، كما قال الله(ويبقى وجه ربّك) (٢٤) إنه عنى به الوجه الذي هو الوجه عند المؤمنين، لا الأعمال الصالحة، ولا القبلة...)(٢٥) وإن نفي التشبيه إنما هو بأن يكون لله كل هذا، ولكن لا يشبه شيء منه شيئاً مما في المخلوقين)(٢٦).

وقال الجعفري في هوامشه:

(١) تلبيس إبليس: ط ادارة الطباعة المنيرية، القاهرة: ١٣٦٨/١١٦.

(٢) الفجر ٨٩: ٢٢.

(٣) ويقصد بهم المحدثين.

٦٨

(٤) دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، المكتبة التوفيقية، القاهرة: ١٩٧٦/٧٣ - ٧٤.

(٥) المناظرة في العقيدة الواسطية، مجموعة الرسائل الكبرى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط ٢:١٣٩٢/١٩٧٢، ١/٤١٨.

(٦) التاريخ الكبير ١ - ٣٧٩ - ٣٨٠ = ١٢٠٩، التاريخ الصغير ٢/٣٦٨، الجرح والتعديل ١ - ١ (٢) ٢٠٩ - ٢١٠= ٧١٤، ابن حبان، الثقات ٨/١١٥ - ١١٦، طبقات الحنابلة ١/١٠٩ = ١٢٢، المنهج الأحمد ١/١٠٨ - ١٠٩ = ٤٣،تاريخ بغداد ٦/٣٤٥ - ٣٣٥ = ٣٣٨١، حلية الأولياء ٩/٢٣٤ - ٢٣٨ ابن خلكان ١/١٩٩ - ٢٠١، الأنساب ٦/٥٦ -٥٧، السبكي، طبقات الشافعية ٢/٨٣ - ٩٣، ميزان الإعتدال ١/١٨٢ - ١٨٣ = ٧٣٣، سير أعلام النبلاء ١١/٣٥٨ -٣٨٢، تذكرة الحفّاظ ٢/٤٣٣ - ٤٣٥، العبر ١/٤٢٦، الوافي بالوفيات ٨/٣٨٦ - ٣٨٨ = ٣٨٢٥، طبقات الحفاظ /١٨٨ - ١٨٩ = ٤١٩، ابن كثير ١٠/٣١٧، تهذيب التهذيب ١/٢١٦ - ٢١٩ = ٤٠٨ ، تهذيب الكمال ٢/٣٧٣ - ٣٨٨ -٣٣٢، طبقات المفسرين ١/١٠٢ - ١٠٣، شذرات الذهب ٢/٨٩.

(٧) هو إسحاق بن راهويه - عارضة الأحوذي: ٣/٣٣٢.

(٨) الجامع الصحيح، الزكاة (ما جاء في فضل الصدقة) ٣/٥٠ - ٥١ أي ٦٦٢.

(٩) الذهبي سير أعلام النبلاء: ١٤/٣٦٥ - ٣٨٢، تذكرة الحفاظ: ٢/٧٢٠ - ٧٣١، العبر: ٢/١٤٩، السمعاني، الأنساب: ٥/١٢٤، ابن الأثير، اللباب: ١/٤٤٢، ابن الجوزي، المنتظم: ٦/١٨٤ - ١٨٦، ابن كثير، البداية والنهاية،١١/١٤٩، السبكي، طبقات الشافعية: ٣/١٠٩ - ١١٩، الصفدي، الوافي بالوفيات: ٢/١٩٦، اليافعي، مرآة الجنان:٢/٢٦٤، ابن عبد الحي، شذرات الذهب: ٢/٢٦٢ - ٢٦٣، السيوطي، طبقات الحفاظ: ٣١٠ - ٣١١، ابن الجزري،طبقات القراء: ٢/٩٧ - ٩٨.

(١٠) التوحيد واثبات صفات الرب، راجعه وعلق عليه محمد خليل هراس، المدرس بكلية أصول الدين (بالأزهر)، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة: ١٣٨٧/١٩٦٨، /٢٣.

(١١) المصدر / ٥٠ -٥٢.

(١٢) المصدر / ٨٢ - ٨٥.

(١٣) المصدر / ٨٥ - ٨٧.

(١٤) المصدر / ١٤٥.

(١٥) سير أعلام النبلاء: ١٣/٣١٩ - ٣٢٦، تذكرة الحفاظ: ٢/٦٢١ - ٦٢٢، العبر: ٢/٦٤، مرآة الجنان:

٦٩

٢/١٩٣، ابن كثير ١١/٦٩، طبقات الشافعية: ٢/٣٠٢ - ٣٠٦، طبقات الحفاظ: ٢٧٤، طبقات الحنابلة: ١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/١٧٦.

(١٦) الرد على بشر المريسي، عقائد السلف، نشر: دكتور علي سامي النشار، عمار جمعي الطالبي، منشأة المعارف الإسكندرية، مصر: ١٩٧١/٣٨٢.

(١٧) المصدر / ٤٣٩.

(١٨) يخاطب به بشر المريسي، الذي يرد عليه الدارمي، وهو بشر بن غياب المريسي، البغدادي، الحنفي (ح ١٣٨/٧٥٥ - ٢١٨ / ٨٣٣) من أعلام الحنيفة، وممن نادى بخلق القرآن ودافع عنه، وعن كثير من آراء المعتزلة.

(١٩) المصدر/ ٤٥٤

(٢٠) المصدر/ ٣٨٧

(٢١) (بما لهما من المعنى، وهو العضو الخاص المحسوس) المصدر / ٣٩٨.

(٢٢) المصدر / ٤٢٠.

(٢٣) المصدر / ٤٢٣ - ٤٢٤، ٤٢٧ - ٤٢٨.

(٢٤) الرحمن ٥٥/٢٧.

(٢٥) المصدر / ٥١٦.

(٢٦) المصدر / ٤٣٢ - ٤٣٣، ٥٠٨.. انتهى.

٧٠

الفصل الثالث

بازار الأحاديث في الرؤية والتشبيه والتجسيم

قالوا إن الله تعالى على صورة بشر!

- صحيح مسلم ج ٨ ص ٣٢

- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته..

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٢ ص ٢٩٩

أبو هريرة: خلق الله عز وجل آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ستون ذراعاً فلم تزل تنقص بعده حتى الآن. انتهى. ونحوه في ج ٥ ص ١٦٥ ونحوه في مصابيحه ج ٣ ص ٢٦٦

- مختصر تاريخ دمشق ج ٣ جزء ٥ ص ١٢٥

عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: خلق الله آدم على صورته طوله سبعون ذراعاً... الى آخره. وقد تقدم تكذيب الإمام مالك لهذا الحديث وغيره من أحاديث رؤية الله تعالى بالعين، من سير أعلام النبلاء ج ٨ ص ١٠٣

٧١

- وروى ابن حجر في لسان الميزان ج ٣ ص ٢٩٩ صيغة معقولة لهذا الحديث قال:... العلاء بن مسلمة، حدثنا عبد الله بن سيف، ثنا إسماعيل بن رافع، عن المقبري، عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه مرفوعاً: لا يضربن أحدكم وجه خادمه ولا يقول لعن الله من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورة وجهه. انتهى. فهل يقبلها اخواننا ويخلصون أنفسهم من ورطة التجسيم.

- لجنة الإفتاء الوهابية ج ٤ ص ٣٦٨ فتوى رقم ٢٣٣١

س ١: عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خلق الله آدم على صورته ستون ذراعاً، فهل هذا الحديث صحيح؟

ج: نص الحديث: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً ثم قال: إذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع فما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق تنقص بعده إلى الآن. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. وهو حديث صحيح ولا غرابة في متنه فإن له معنيان:

الأول: أن الله لم يخلف آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتى بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً على صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً.

والثاني: أن الضمير في قوله (على صورته) يعود على الله بدليل ما جاء في رواية أخرى صحيحة: على صورة الرحمن وهو ظاهر السياق ولا يلزم على ذلك التشبيه، فإن الله سمى نفسه بأسماء سمى بها خلقه، ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه، ولم يلزم من ذلك التشبيه وكذا الصورة، ولا يلزم من إتيانها لله تشبيهه بخلقه لأن الاشتراك في الإسم وفي المعنى الكلي لا يلزم منه التشبيه فيما يخص كلا منهما، لقوله تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

٧٢

وقالوا له سمع وبصر كسمع الإنسان وبصره

- سنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٩

... مولى أبي هريرة قال سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية:إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها .. إلى قوله تعالى سميعاً بصيراً، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع إصبعيه، قال ابن يونس قال المقرىء: يعني أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً، قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية. انتهى. ورواه في ج ٢ ص ٢٣٣، وكأن قصد أبي داود أن الجهمية أفرطوا في التنزيه، فيجب أن نرد عليهم بالتجسيم!

وقالوا له عينان مثل الإنسان وهما سالمتان

- صحيح البخاري ج ٢ جزء ٤ ص ١٤١

قال عبد الله (يعني ابن عمر) ذكر النبي (ص) يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال: إن الله ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور العين. انتهى. وقد فسرها الوهابيون وأسلافهم، بأن الله تعالى له عينان سالمتان! ورواه البغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٤٩٧، ٥٠٧ عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص) ثم ذكر الدجال: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور. عن عباده ابن الصامت عن رسول الله (ص): إن المسيح الدجال رجلٌ قصير أفجح جعد أعور، وإن ربكم ليس بأعور.

وقالوا له أيدي وأعين ورجلان

- قال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٣٣

مسألة: وإن لله عز وجل عزاً وعزة وجلالاً وإكراماً، ويداً ويدين وأيدياً (كذا) ووجهاً وعيناً وأعيناً، وكبرياء، وكل ذلك حق لا يرجع منه ولا من علمه تعالى وقدره وقوته إلا إلى الله تعالى لا إلى شيء غير الله عز وجل أصلاً، نقر من ذلك مما في القرآن

٧٣

وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحل أن يزاد في ذلك ما لم يأت به نص من قرآن أو سنة صحيحة.

قال عز وجل:ذو الجلال والإكرام وقال تعالى:يد الله فوق أيديهم ، لما خلقت بيدي، ومما عملت أيدينا أنعاماً، إنما نطعمكم لوجه الله، ولتصنع على عيني، إنك بأعيننا. ولا يحل أن يقال عينين لأنه لم يأت بذلك نص، ولا أن يقال سمع وبصر ولا حياة، لأنه لم يأت بذلك نص لكنه تعالى سميع بصير حي قيوم. انتهى.

ولعل ابن حزم لم يطلع على نص العينين وحديث السمع والبصر وغيرها، وإلا لقال بها!

وقالوا قد يكون له أُذن وقد يكون بلا أُذن

- فتاوى الألباني ص ٣٤٤

- سؤال السائل: صفة الأذن لله، موقف أهل السنة والجماعة منها؟

جواب: لا يثبتون ولا ينفون بالرأي، أما ما أثبته النص فهم يثبتونه بدون تكييف السلفيون مستريحون من هذه الكيفية يعني استراحوا من التشبيه عملاً بالتنزيه... وأن العين: صفة من صفاته تليق بعظمته وجلاله.

وقالوا له جنب وحقو

- تفسير الطبري ج ٢٦ ص ٣٦

- عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) أنه قال خلق الله الخلق فلما فرغ منهم تعلقت الرحم بحقو الرحمن فقال مه! فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة... ورواه البغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٣٥٠

- وقال الشاطبي في الإعتصام ج ٢ ص ٣٠٣

قول من زعم: أن لله سبحانه وتعالى جنباً مستدلاً بقوله: أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت من جنب الله.

٧٤

وقالوا إنّه يمشي وقد يركض ويهرول

- فتاوى الألباني ص ٥٠٦

سؤال: حول الهرولة، وهل أنكم تثبتون صفة الهرولة لله تعالى؟

جواب: الهرولة كالمجيء والنزول صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها.

- فتاوى ابن باز ج ٥ ص ٣٧٤

... ومن ذلك الحديث القدسي وهو قول الله سبحانه: من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة... أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة... انتهى.

وقالوا إنّه تعالى يرى بالعين في الدنيا

- الفرق بين الفرق للنوبختي ص ٢٩٤

وأجمع أهل السنة على أن الله تعالى يكون مرئياً للمؤمنين في الآخرة، وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة، من طريق الخبر..

- مسند أحمد ج ٤ ص ٦٦

... عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه فقلنا: يا رسول الله إنا نراك طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه، فقال: وما يمنعي وأتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة، قال يا محمد، قلت لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا أدري أي رب! قال ذلك مرتين أو ثلاثاً، قال فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي حتى تجلى لي ما في السموات وما في الأرض، ثم تلا هذه

٧٥

الآية:وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . انتهى. ورواه في ج ٥ ص ٣٧٨، وستأتي بقية رواياته في تفسير قوله تعالى(ما كذب الفؤاد ما رأى) .

وقالوا إنه يلبس قباء وجبة ويركب على جمل

- لسان الميزان ج ٢ ص ٢٣٨

ومما في الصفات له (حدثنا) أبو حفص بن سلمون ثنا عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن محمد بن يوسف الإصبهاني ثنا شعيب بن بيان الصفار ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنسرضي‌الله‌عنه مرفوعاً: إذا كان يوم الجمعة ينزل الله بين الأذان والإقامة عليه رداء مكتوب عليه إنني أنا الله لا إله إلا أنا، يقف في قبلة كل مؤمن مقبلاً عليه، فإذا سلم الإمام صعد إلى السماء. وروى عن ابن سلمون بإسناد له: رأيت ربي بعرفات على جمل أحمر عليه إزار! انتهى. ورواه في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥١٢

وقالوا إنّه فتى أمرد جعد الشعر

- ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

... عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: فلما تجلى ربه للجبل، قال: أخرج طرف خنصره وضرب على إبهامه فساخ الجبل، فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس ويقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد وصححه الترمذي. إبراهيم بن أبي سويد وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبد الحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة.

٧٦

... قال المرودي: قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جداً.

وقالوا إنّه يضحك في الدنيا والآخرة

- صحيح البخاري ج ٢ جزء ٣ ص ٢١٠

عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد.

- صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٢٦

... فباتا طاويين، فلما أصبح غد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله:وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

- سنن النسائي ج ٦ ص ٣٨

... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة أخرى: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه ثم يدخلان الجنة. تفسير ذلك أخبرنا محمد بن سلمة... عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد. انتهى. ورواه ابن ماجة في ج ١ ص ٦٨

- وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٣٩٢

عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط فينكب مرة ويمشي مرة وتسفعه النار مرة، فإذا جاوز

٧٧

الصراط التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين، قال فترفع له شجرة فينظر إليها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول: أي عبدي فلعلي إن أدنيتك منها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهد الله أن لا يسأله غيرها والرب عز وجل يعلم أنه سيسأله لأنه يرى ما لا صبر له يعني عليه، فيدنيه منها ثم ترفع له شجرة وهي أحسن منها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها فيدنيه منها، فترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن منها فيقول: رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه الشجرة لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها لأنه يرى ما لا صبر له عليها فيدنيه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول: يا رب الجنة الجنة، فيقول: عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب أدخلني الجنة.

قال فيقول عز وجل: ما يصريني منك أي عبدي أيرضيك أن أعطيك من الجنة الدنيا ومثلها معها؟

قال فيقول: أتهزؤ بي وأنت رب العزة!

قال فضحك عبد الله حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا تسألوني لم ضحكت؟

قالوا له لم ضحكت؟

قال: لضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسألوني لم ضحكت؟

قالوا: لم ضحكت يا رسول الله؟

قال: لضحك الرب حين قال أتهزأ بي وأنت رب العزة!! انتهى. ورواه في ج ١ ص٤١١ وج ٢ ص ٣١٨ وص ٤٦٤ وص ٥١١ وروى نحوه في ج ٢ ص ٢٧٦ وص ٢٩٤

٧٨

وص٥٣٤ وج ٣ ص ٨٠ وابن ماجة في سننه ج ١ ص ٦٤ والديلمي في فردوس الأخبار ج ٣ ص ٩ ح ٣٧٠٣ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٤٣٣ وص ٥٤٤ وج ٣ ص ٥٤٦ والبيهقي في شعب الإيمان ج ١ ص ٢٤٩ وفي دلائل النبوة ج ٦ ص ١٤٣ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٦١٥ والشوكاني في نيل الأوطار ج ٣ ص ٥٧ وغيرهم.. وغيرهم..

وسيأتي عدد آخر من روايات ضحك الله المزعوم على هذا الرجل في روايات رؤيته بالعين في الآخرة.

- وقال ابن تيمية في الإيمان ص ٤٢٤

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة يقول كل من الرسل إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله... وكذلك ضحكه إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وضحكه إلى الذي يدخل الجنة آخر الناس ويقول: أتسخر بي وأنت رب العالمين! وكل هذا في الصحيح.

وقالوا إنه يضحك لمن يستلقي على دابّته

- وروى أحمد في ج ١ ص ٣٣٠ رواية غريبة نسب فيها تصرفاً غير معقول للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونسب فيها إلى الله تعالى أنه يضحك لمن يذكره على دابته ثم يستلقي! قال الإمام أحمد:

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، وحمد الله ثلاثاً، وسبح الله ثلاثاً، وهلل الله واحدة ثم استلقى عليه فضحك، ثم أقبل عليَّ فقال: ما من إمريء يركب دابته فيصنع كما صنعت إلا أقبل الله تبارك وتعالى فضحك إليه كما ضحكت إليك!

وقالوا مادام الله يضحك فأملنا فيه كبير

- روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ١١ وص ١٢ وص ١٣ رواية تعطي الناس الأمل بالله

٧٩

تعالى لأنه يضحك! قال:... عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال قلت: يا رسول الله أو يضحك الرب عز وجل! قال نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً!

- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج ٣ ص ١٠

أبوذر الغفاري: ضحك الله ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره ولن نعدم من رب يضحك خيراً. وستأتي روايته عن النويري وغيره.

وقالوا إنّه يضحك.. ويظل يضحك

- قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج ٣ ص ٥٦٦ - ٥٦٧

- قوله (ص): فيضل يضحك، هو من صفات أفعاله سبحانه وتعالى التي لا يشبهه فيها شيء من مخلوقاته كصفات ذاته.. وكذلك: فأصبح ربك يطوف في الأرض، هو من صفات فعله كقوله تعالى:وجاء ربّك والملك ، وينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، ويدنو عشية عرفة فيباهي بأهل الموقف الملائكة. والكلام في الجميع صراط واحد مستقيم إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تحريف ولا تعطيل.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٧ جزء ١٤ ص ٢٩٢

عن لقيط بن عامر العقيلي قال... أتينا رسول الله (ص) حين انصرف من صلاة الغداة فقام خطيباً فقال أيها الناس... يشرف عليكم أزلين فيظل يضحك، قد علم أن غوثكم قريب. قال لقيط له: لن نعدم من رب يضحك خيراً.. انتهى. وروى نحوه المنذري في الترغيب والترهيب ج ١ ص ٤٣٤ وص ٤٣٦ وج ٤ ص ٥٠٣

وقالوا إنّه ضحك لطلحة وسعد

- أُسد الغابة ج ٣ ص ٨٣

روي أنه (طلحة بن البراء) توفي ليلاً فقال أدفنوني.. ولا تدعوا رسول الله (ص)

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

هذه القصّة تكشف عن العنف عند العرب في تعاملهم مع النّساء حتى بعد الإسلام، والمؤسف بالغ الأسف أنّ هذه الظاهرة لا تزال سارية المفعول في أيّامنا(١) ، تنشر الرّعب في البيوت وتفرّق بين المرء وزوجه، وتشوّه صورة الأب لدى ولده، وتسمّم الأجواء بين العوائل المتصاهرة، حتى في بيوت تتمتّع فيها الزوجة بمستوى ثقافي رفيع , وتشغل منصبا لا يقلّ رتبة عن مناصب الشخصيّات المرموقة من الرجال. ذكرت جريدة الأطلسي النّاطقة بالفرنسيّة في عدد السّبت ١١/١١/٢٠٠٦ قصّة الوزيرة الموريتانيّة أميانة صو محمد دينا التي أشبعها زوجها ضربا إثر خلاف عائلي. وقالت المصادر التي سربّت الخبر للصّحيفة: (إن السيّدة تعرّضت لضرب شديد، وإنّ جيرانها أنقذوها من هلاك محقق)، بينما أوضحت وكالة أنباء الأخبار الموريتانيّة المستقلّة أنّ مصدرا مقرّبا من مدير تحرير الصحيفة أكّد لها (أنّ المدير تعرّض لضغوط كبيرة لتقديم اعتذار عن نشر القصّة التي تمثّل حرجا للحكومة الانتقالية)(٢) .

ولعلّ كثيرا من الذين يضربون نساءهم إنّما ينفّسون على أنفسهم من شدّة ما يلقون في حياتهم المهنيّة أو علاقاتهم الاجتماعيّة خارج البيت؛ وإلاّ فإنّ أولى النّاس باستدرار رحمة الرّجل وشفقته وحنانه زوجته وأولاده، فإنّهم لا يتوقّعون منه مجرّد الإعالة

____________________

(١) الترخيص بالضرب الخفيف أساء فهمه أقوام فانتقلوا من الترخيص إلى التحريض، ومارسوا ذلك في دول الغرب باسم الإسلام فقدموا دليلا ملموسا لمن يتهم المسلمين بالعنف. جاء في جريدة الشرق الأوسط ليوم الثلاثاء ٢٤ ذو الحجة ١٤٢٦ هـ ٢٤ يناير ٢٠٠٦ العدد ٩٩١٩ ما يلي: طالب أحد القياديين الحزبيين في هولندا بضرورة الملاحقة القضائية لكل شخص يحرض الرجال على ضرب النساء، وطالب بتعديل القوانين حتى تسمح بتحقيق ذلك. جاء ذلك على لسان ما كسيم فيرهاخن، رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الديمقطراطي المسيحي، اكبر الأحزاب الهولندية والذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي برئاسة بيتر بالكينيند. وأضاف المسئول الحزبي في تصريحات لصحيفة (تراو) الهولندية على موقعها بالإنترنت، أنه يرد بذلك على الدعوات، التي تضمنتها تصريحات وخطب عدد من الأئمة المسلمين في المساجد والتي تضمنت إعطاء الحق للرجل بضرب زوجته إذا أخطأت. وقال (إن القوانين الحالية تقف عائقا إمام النيابة العامة لملاحقة هؤلاء الأشخاص، ومن أجل إزالة تلك العوائق لابد من إجراء تعديل في القانون الحالي، الذي ينصّ على حرية العقيدة وحرية التعبير، وهي أمور يستغلها البعض في التحريض على أشياء ويقف القانون عاجزا على محاكمة هؤلاء الأشخاص.

(٢) باعتبار أن المجتمع الموريتاني أيضا مجتمع قبليّ، فإنّه لا يبعد أن تكون قبيلة الزّوج الضّارب أكثر ما لا وأعزّ نفرا من قبيلة الزوجة المضروبة، ولهذا تمّ دفن القضيّة بهدوء. والعرف يقضي أنّ الوزراء يتمتّعون بحصانة دبلوماسية، وأنّ التعدّي على أحدهم بالضّرب مما يعاقب عليه القانون.

٣٨١

الماديّة من تغذية وكسوة وعلاج،وإنّما يهفون إلى مزيد من العناية العاطفيّة والرّعاية المعنويّة، وذلك هو ما يقوّي العلاقات بين أفراد الأسرة، ويعطي الطّفولة الطّعم الذي ينشده كلّ طفل.

والذي لا يقبل كثرة الجدال، باعتباره أمرا وجدانيا، هو أنّ صورة الأمّ في نفوس وقلوب أطفالها تتكسّر إذا ضربها شخص ما أمامهم، فكيف إذا كان الضّارب هو الأب نفسه، الذي يفترض فيه حمايتها ورعاية حرمتها وطلب راحتها. هذه النّقطة التي لا يلتفت إليها كثير من الآباء هي وراء عنف الشّوارع والملاعب، كما أنّ أثرها واضح في تقهقر وانحطاط مستويات التّلاميذ في المدراس!

قصّة ضرب النساء بطلها عمر بن الخطاب، فهو الذي ذهب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بالسّلوك الجديد للنّساء، وحصل بذلك على رخصة لضرب النّساء بما يضمن عودة حقوق الرّجال، وهو إنجاز حضاري كبير يسجّل لعمر، لأنّه استطاع أن يعيد النّساء إلى وضعهنّ الذي كنّ عليه في الجاهليّة، ولهذا نراه فيما بعد حين أصبح على سدة الحكم يقول: (لا يسأل الرجل فيم يضرب زوجته) أو بعبارة قرآنية (لا يسأل عما يفعل)؛ وقد جاء ردّ فعل الرجال سريعا وبشكل جماعيّ، وهو ما يطرح علامة استفهام بخصوص العلاقات في بيوت الصّحابة، والموقف من الضرب، لأنّ سلوكا جماعيا بهذا الانسجام لا يحدث غالبا بهذه السّرعة، إذ بمجرّد أن صدر التّرخيص بالضرب كثرت ضحايا العنف من النّساء، ولا يعقل كون النّساء قد أسأن المعاملة مباشرة بعد التّرخيص، لأنّ ذلك ليس في مصلحتهنّ، لكن يبدو أنّ هناك من كان ينتظر هذا التّرخيص لإعادة الجاهلية في معاملة النساء.

تصرّح بعض الرّوايات أنّ النساء اللاتي طفن بآل محمد يومها كنّ سبعين امرأة، وهذا عدد كاف للفت انتباه كل من يراهنّ مجتمعات أمام بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بيت فاطمة وعلي عليهما السلام، لأنّ الرواية تقول: (لقد طاف بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن)، وهو مشهد محزن تنفلق له الأكباد، ولا شكّ أنّ الضّرب كان قد

٣٨٢

بلغ الحدّ الذي يدفع إلى التّشكّي، وإلاّ فإنّ المرأة تحرص عادة على إخفاء الضّرب الخفيف، ولا تعتبره شيئا يستحقّ أن يطلّع عليه الأجانب عن العائلة، لأنّ في إظهار ذلك حطّا من شأنها قبل كل شيء، وإظهارا لسوء العلاقة بينها وبين زوجها، فإنّ الرّجل الذي يحبّ امرأته لا يضربها؛ فالمرأة تحرص على أن تبدو الأمور طبيعية لا عنف فيها، لكن إذا بلغت الأمور الحدّ الذي لا يطاق، فإنّها تشكو ما تلقى ولو بحثا عن المواساة لتخفيف الألم، وقد يكون ذلك نقطة التّحول للتفكير الجدّي في طلب الطلاق.

نقطة أخرى ينبغي الإشارة إليها، وهي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بخصوص الذين ضربوا النساء (ليس أولئك بخياركم)، فنفى عنهم أن يكونوا خيار الأمّة؛ ولأنّ عمر بن الخطاب منهم فإنّه بمقتضى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكون من خيار الصّحابة فضلا عن أن يكون خيرهم بعد أبي بكر كما يروّج له منذ قرون طويلة. قال الطيبي في شرح العبارة: (ليس أولئك أي الرجال الذي يضربون نساءهم ضربا مبرحا أي مطلقا بخياركم، بل خياركم من لا يضربهنّ ويتحمّل عنهنّ أو يؤدّبهن ولا يضربهن ضربا شديدا يؤدي إلى شكايتهن)(١) . ومع ذلك، ومع نفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكون من يضرب النساء من خيار المؤمنين إلاّ أنّ ثقافة الكرسي تأبى أن تدخل عمر بن الخطاب في إطار من يشملهم خطاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد بقي عمر بعد هذه الواقعة يضرب النساء وكأنّ الكلام لا يعنيه. ووجد أقوام في فعله ما ينهض لفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستدلّوا بعنفه على جواز الضرب!

ولأن الضرب يشوّه قطعا العلاقة بين الزوجين على كل مستوياتها فقد أشار النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ذلك بتعبير دقيق لا يرتاب فيه أهل المروءة أيّا كان الدين الذي ينتمون إليه؛ قال السيوطي: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاريّ ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن زمعة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثمّ يجامعها في آخر اليوم؟ وأخرج عبد الرزاق عن عائشة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال أما

____________________

(١) عون المعبود، ج ٦ ص ١٣٠.

٣٨٣

يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد، يضربها أول النهار ثم يضاجعها آخره(١) ؟!

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما يستحيي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أوّل النّهار ثمّ يضاجعها آخره، أما يستحيي(٢) ؟!

وعن هشام بن عروة عن أبيه عن الزّبير قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا عسى أحدكم أن يضرب امرأته ضرب الأمة، ألا خيركم خيركم لأهله(٣) .

أقول:

وليس خير النّاس لأهله من يضربهم. والضّرب يورث التّباغض والكراهية بين الضارب والمضروب، ويكفي أنّ عمر بن الخطّاب نفسه يتألّم في شيخوخته لمجرّد تذكّر الضّرب الذي كان يتلقّاه من أبيه في الصغر، ويقول عنه (كان فظا غليظا)!

وعن الأشعث بن قيس قال: تضيّفت عمر، فلمّا كان في بعض الليل قام إلى امرأته يضربها فحجزت بينهما فلمّا رجع إلى فراشه وأخذ مضجعه قال: يا أشعث احفظ عنّي شيئا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول (لا يسأل الرّجل فيما يضرب امرأته).

وفي الطبقات الكبرى عن أبي سفيان عن أيوب قال جاءت امرأة إلى رسول الله قد ضربها زوجها ضربا شديدا فقام رسول الله فأنكر ذلك وقال: (يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد ثم يظل يعانقها ولا يستحيي)(٤) .

أقول:

قد أنكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب المرأة في هذه القصة، ولو كان الحديث المنسوب إليه من طريق عمر صحيحا لقال لها (هذا شأن بينك وبين زوجك، ولا يسأل الرّجل فيما يضرب امرأته) لكنه لم يفعل، بل أنكرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفعال النبي وتقريراته ونواهيه

____________________

(١) الدر المنثور، ج ٢ ص ٥٢٣.

(٢) مصنف عبد الرزاق، ج ٩ ص ٤٤٢ تحت رقم ١٧٩٤٣.

(٣) مسند البزار ج ٣ ص ١٩٧.

(٤) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد ج ٨ ص ٢٠٥.

٣٨٤

واستنكاراته تكشف عن الموقف الشرعي، وعليه ينبغي على المسلم أن يستنكر ضرب النساء. وكيف ينهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ضرب النّساء ويقول (استوصوا بالنساء خيرا) ثمّ يعطي الرّجال رخصة موسّعة لضربهنّ ويمنع من مجرّد محاولة معرفة السبب الذي أدّى إلى الضرب؟

قال ابن تيمية: (.. فإن الله قد أباح للرجل في كتابه أن يضرب امرأته إذا نشزت فامتنعت من الحقّ الواجب عليها حتى تؤدّيه(١) .

وعن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال خيركم خيركم لنسائهم. رواه البزار وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وقد وثق وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات(٢) .

عن عبدالرحمن بن عبد الله المكي عن الأشعث بن قيس قال: تضيّفت عمر بن الخطّاب فقام في بعض الليل فتناول امرأته فضربها ثم ناداني يا أشعث قلت لبيك قال أحفظ عني ثلاثا حفظتهن عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تسأل الرجل فيم يضرب امرأته ولا تسأله عمن يعتمد من إخوانه ولا يعتمدهم ولا تنم إلا على وتر هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

أقول:

وأنت ترى أنه هتك سترها أمام أجنبي..

والقصة في سنن ابن ماجه كما يلي: عن عبد الرحمن المسلمي عن الأشعث بن قيس قال ضفت عمر ليلة فلما كان في جوف الليل قام إلى امرأته يضربها فحجزت بينهما فلما أوى إلى فراشه قال لي يا أشعث احفظ عني شيئا سمعته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يسأل الرجل فيم يضرب امرأته ولا تنم إلا على وتر ونسيت الثالثة(٤) .

____________________

(١) دقائق التفسير، ج ٢ ص ٤٠.

(٢) مجمع الزوائد ج ٤ ص ٣٠٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين، ج ٤ ص ١٩٤.

(٤) سنن ابن ماجه ج ١ ص ٦٣٩ تحت رقم ١٩٨٦. ومسند عبد بن حميد ج ١ ص ٤٣ تحت رقم ٣٧.

٣٨٥

أقول:

قام إلى امرأته يضربها في جوف الليل مع حضور شخص أجنبي في البيت. وقد اضطرّ الضيف إلى التّدخّل ليحجز بينهما. ولعلّ السّبب الذي ضربها لأجله لم يكن وجيها، لهذا فقد حسم المسألة بقوله ما قال.

وعن الأوزاعي عن الزهري قال مضت السّنة في الرّجل يضرب امرأته فيجرحها أن لا تقصّ منه ويعقل لها(١) .

أقول:

أية سنة هذه التي يتّحدثون عنها؟!

قال أحمد في الرجل يضرب امرأته لا ينبغي لأحد أن يسأله ولا أبوها لم ضربتها والأصل في هذا ما روى الأشعث عن عمر أنه قال يا أشعث احفظ عني شيئا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تسألن رجلا فيما ضرب امرأته رواه أبو داود ولأنه قد يضربها لأجل الفراش فإن أخبر بذلك استحيي وإن أخبر بغيره كذب(٢) .

قال الشافعي: وفي قوله لن يضرب خياركم دلالة على أن ضربهنّ مباح لا فرض أن يضربن ونختار له من ذلك ما اختار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنحب للرّجل أن لا يضرب امرأته في انبساط لسانها عليه وما أشبه ذلك(٣) .

قال ابن كثير: واشترى (أبوبكر) جارية بني مؤمل حي من بني عدي كان عمر يضربها على الإسلام(٤) .

قال (عمر): بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجّها! فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك فلما

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٥ ص ٤١١ رقم ٢٧٤٨٩.

(٢) المغني، ج ٧ ص ٢٤٣.

(٣) كتاب الأمّ، الشّافعي، ج ٥ ص ١٩٤.

(٤) البداية والنهاية، ابن كثير، ج ٣ ص ٥٨.

٣٨٦

رأى عمر ما بأخته من الدّم ندم على ما صنع(١) .

أقول:

وأنت ترى أنه يضرب أخته أمام زوجها، ويضرب الرّجل أمام زوجته، وفي هذا من انتهاك حرمتهما ما فيه.

وعن ابن شهاب قال: حدّثني سعيد بن المسيّب قال: لمّا توفّي أبوبكر رحمه الله أقامت عليه عائشة النّوح فأقبل عمر بن الخطّاب حتى قام ببابها فنهاهنّ عن البكاء على أبي بكر فأبين أن ينتهين؛ فقال عمر لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج إلى ابنة أبى قحافة أخت أبي بكر! فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: إني أحرّج عليك بيتي! فقام عمر لهشام: ادخل فقد أذنت لك! فدخل هشام فأخرج أمّ فروة أخت أبي بكر إلى عمر فعلاها بالدّرّة فضربها ضربات فتفرّق النّوح حين سمعوا ذلك(٢) .

أقول:

يبدو أنّ الخليفة مولع بالهجوم على أهل الحداد وعلى النّساء منهم خصوصا هذا مع أنّهم فقدوا أعزّاءهم وتيقّنوا أنّهم لن يروهم قبل يوم القيامة إلاّ في عالم الرّؤيا؛ فكما هجم على بيت فاطمة عليها السلام هجم على بيت عائشة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي هي في نفس الوقت بمنزلة أمّه باعتبارها أمّ المؤمنين وزوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابنة صديقه وحليفه الأوّل فلم يرع لا هذه ولا تلك ولا الأخرى وهجم على بيت عائشة الذي هو أحد بيوت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا إشكال. وقد قالت لهشام بن الوليد بعبارة صريحة إني أحرّج عليك بيتي. فإذا كان القرءان الكريم قد نهى عن دخول بيوت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون إذن منه فكيف بالهجوم عليه؟ ثمّ هو يقول للرّجل: ادخل فقد أذنت لك! فمتى أعطاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكالة كي يأذن بذلك. وهل ينسخ كلام عمر كلام الله تعالى الذي لا معقب لحكمه؟ وتبقى المسألة محلّ تأمّل.

____________________

(١) البداية والنهاية، ابن كثير، ج ٣ ص ٨٠.

(٢) تاريخ الطبري، ج ٢ ص ٦١٤. والقصّة أيضا في شرح نهج البلاغة، ج ١ ص ١٨١.

٣٨٧

قال [ابن الجوزي]: أحدها أنّ عمر بن الخطّاب رأى جارية متبرّجة فضربها وكفّ ما رأى من زينتها فذهبت إلى أهلها تشكو، فخرجوا إليه فآذوه فنزلت هذه الآية رواه عطاء عن ابن عبّاس(١) .

قصّة أم كلثوم

في البداية لابدّ من التّذكير بالأساليب التي اتّبعها أعداء أهل البيت عليهم السلام للحطّ من شأنهم، وتقديمهم بصورة من لا تهمّهم المعالي ولا تحرّكهم الهمم، وهذا واضح في تكفير أبي طالب ونسبة والدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشّرك بالله تعالى، وقصة الغرانيق، وأمور كثيرة لا تخفى على الباحث النّزيه. والإسلام يدعونا إلى التّدبّر والتّأمّل والتّفكّر كي نكون على بصيرة من أمرنا ونتجنّب التقليد الأعمى الذي كان يتمسّك به المشركون(٢) . فهل يقرّ لنا التّدبّر قبول كلّ ما وجدناه في كتب تمجّد الحاكم وإن كان فاسقا وتستهجن المعارض وإن كان ابن نبيّ؟!

من القصص التي روتها الصّحاح دون حياء من الله تعالى ولا رعاية لحرمة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصّة خطبة علي بن أبي طالب عليه السلام ابنة أبي جهل! ولم يأتوا باسمها ولا بصفاتها لأنّ الذين اختلقوا القصّة كان يهمّهم الطّعن في علي بن أبي طالب عليه السلام فكان كل اهتمامهم منصبّا على الخطبة وصاحب الخطبة، وأمّا التّفاصيل الخاصّة بالمخطوبة فلم يكن لها محلّ من الإعراب.

لماذ يخطب علي بن أبي طالب عليه السلام ابنة أبي جهل المزعومة بالذات؟ ومع ذلك رواها البخاري وغيره من طريق أعداء علي عليه السلام الذين حاربوه وسبّوه وشتموه ولعنوه! هذا مبلغ الإنصاف عند المحدّثين الذين يتلون قوله تعالى( وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى ) . ولقد أشار القرآن الكريم إلى علي عليه السلام

____________________

(١) زاد المسير، ابن الجوزي ج ٦ ص ٤٢١.

(٢) إشارة إلى قول المشركين ( حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) المائدة ١٠٤، وقولهم ( بَلْ نَتّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) لقمان ٢١، وقولهم ( إِنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى‏ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَى‏ آثَارِهِم مُهْتَدُونَ) الزخرف ٢٣.

٣٨٨

بـ نفس رسول الله في آية المباهلة من سورة المائدة، فهو إذاً نفس رسول الله، فيه كل ما في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستثناء النبوة لكونها مختومة لا أنّ عليا عليه السلام لا يكون أهلا لها، كما أنّه يأتي بعده مباشرة في الترتيب باعتباره لم يشرك بالله طرفة عين، وقد سمّى القرآن الكريم المشركين نجسا في قوله تعالى( إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ، فمن أشرك ساعة فقد كان نجسا ساعة، ومن أشرك أربعين سنة فقد كان نجسا أربعين سنة، والله تعالى أجلّ شأنا من أن يساوي بين من طهّرهم بنفسه ومن تنجس بأنجاس الجاهلية، فكيف بالتفضيل؟!

نعم، يروون أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام المطهّر بنص الكتاب العزيز، والذي هو من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسى، والذي يحبّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لم يكتف بسيدة نساء العالمين جمالا وشرفا وعلما وفهما وعبادة... وذهب يخطب بنت أبي جهل! من هو الرجل الذي تكون في بيته امرأة مثل فاطمة عليها السلام ثمّ يذهب يخطب مثل بنت أبي جهل عدوّ الله؟! ولأيّ شيء يخطبها؟ ولماذا هي دون غيرها؟ ولماذا لم تذكر بنت أبي جهل في شريفات نساء قريش؟

هؤلاء الذين رووا هذا الإفك همالذين يروون أيضا أنّ أم كلثوم بنت علي عليه السلام تزوجت عمر بن الخطاب! وهي تعلم أنّ أمهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ماتت ساخط عليه غاضبة عليه، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يا فاطمة إنّ الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك)(١) . أضف إلى

____________________

(١) كنز العمال، ج ١٢ ص ٥١ رقم ٣٤٢٣٧. الديلمي عن علي بلفظ (إن الله عزوجل ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها) وباللفظ المذكور أعلاه رقم ٣٤٢٣٨ ع طب ك وتعقب. أخرجه الحاكم في المستدرك، ج ٣ ص ١٥٤، وقال الذهبي: فيه حسين بن زيد منكر الحديث لا يحلّ أن يحتجّ به، وأبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن علي. اهـ. وأقول: مذهب الذهبي في الجرح معلوم، وكل ما فيه فضيلة لأهل البيت عليهم السلام لا ينالها غيرهم فهو باطل. وكيف لا يكون الذّهبيّ كذلك وهو القائل في حديث (أتاني جبريل بسفرجلة من الجنّة فأكلتها ليلة أسريبي فعلقت خديجة بفاطمة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة): هو كذب جليّ من وضع مسلم بن عيسى الصّفّار لأنّ فاطمة ولدت قبل النبوة فضلا عن الإسراء. وهو [الذهبي] بهذا الكلام يرمي غلى غاية خبيثة لا يمكن أن ينطوي عليها قلب يحبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو يريد أن يقول: إنّ فاطمة وإن كان أبوها سيّد الأنبياء فإنّ أمّها لم تكن مسلمة حيث لم يكن في مكة من قريش مسلم قبل البعثة كما هو مذهب الذهبي وأشباهه، فتكون فاطمة حال انعقاد نطفتها من رسول الله وامرأة غير مسلمة!! بينما يصرّ الذهبي على أنّ عائشة بنت أبي بكر ولدت بعد البعثة أي من أبوين مسلمين! هذا مبلغ حبّ

٣٨٩

ذلك أنّ عمر بن الخطّاب خطب أمّها فاطمة وردّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الذي قال للمسلمين (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)! وفي تقاليد العرب يستهجنون أن يخطب الرجل المرأة ثم يخطب ابنتها بعد ذلك، ويعتبرونه ساقط الهمة ح بل في تقاليدهم أن الرجل إذا خطب إلى أهل بيت وردّوه لم يعد إلى ذلك البيت أبداً. كلّ ما في المسألة أنّ الحاقدين على علي عليه السلام قرّروا أن يستبيحوا منه كلّ شيء، دماء أولاده وأعراض بناته، وكرامته الشخصية! وإلى يومنا هذا لا يزال بغض علي ساري المفعول تحت إشراف حاخامات وأموال نفطية، وإلاّ فإن أم كلثوم بنت علي عليه السلام أجلّ في نفسها من أن تعقّ أمّها فتتزوّج أبغض الناس إليها.

ولأنّ هذا الكتاب لم يوضع لمناقشة هذه القضية، ولأن الفضلاء قد كتبوا في الموضوع وأشبعوه بحثا دفاعا منهم عن كرائم بيت النبوة، فإنني لا أملك إلا أن أتوقف عند هذا الحدّ.

الهجوم على بيت فاطمة

كثر الحديث في أيّامنا حول التّشكيك في الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام، مع أنّ أبابكر بن أبي قحافة اعترف شخصيّا أنّه كشف بيت فاطمة، وقال ذلك في آخر حياته كالنّادم على فعلته، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز. قال أبوبكر بن أبي قحافة: (فأما الثلاث اللاتي وددت أنّي لم أفعلهنّ فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وأن أغلق علي الحرب ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر.. الخ الحديث)(١) . لكن المشكّكين أشدّ بكريّة من أبي

____________________

الذهبي لرسول الله وآله. وكأنّ في ولادة فاطمة عليها السلام بعد البعثة خطرا على الإسلام! كنزل العمال، ج ١٢ ص ٥١.

(١) مجمع الزوائد، ج ٥ ص ٢٠٣ والمعجم الكبير، الطبراني، ج ١ ص ٦٢ وكنز العمال، ج ٥ ص ٢٥٢ ولسان الميزان، ج ٤ ص ١٨٩، وميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج ٥ ص ١٣٥، وتاريخ مدينة دمشق، ج ٣٠ ص ٤١٨ وج ٣٠ ص ٤١٨، وج ٣٠ ص ٤٢٠، وج ٣٠ ص ٤٢١، وج ٣٠ ص ٤٢٢ ومنهاج السنة النبوية، ج ٨ ص ٢٩٠ وتاريخ الطبري، ج ٢ ص ٣٥٣، وتاريخ اليعقوبي، ج ٢ ص ١٣٧، وسمط النجوم العوالي، ج ٢ ص ٤٦٥ وتاريخ الإسلام، ج ٣ ص ١١٨.

٣٩٠

بكر نفسه، لذلك تراهم يوردون الإشكال بعد الإشكال، ويزعمون أنّ في ذلك قدحا في علي بن أبي طالب عليه السلام وحطّا من شأنه! لأنّه شجاع، ولا ينبغي أن يحدث مثل ذلك أمامه ولا يستعمل شجاعته! يفسّرون الشّجاعة بالتّهوّر، بعيدا عن الحكمة، وهم يعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أشجع وأشرف من علي عليه السلام كان يمرّ على المؤمنين يعذّبون في مكّة فلا يملك إلا أن يقول (صبرا آل ياسر فإنّ موعدكم الجنّة).

قال المفكر الإسلامي حسن بن فرحان المالكي في كتابه قراءة في كتب العقائد: (.. ولكن حزب عليّ كان أقل عند بيعة عمر منه عند بيعة أبي بكر الصديق نظرا لتفرقهم الأوّل عن عليّ بسبب مداهمة بيت فاطمة في أوّل عهد أبي بكر وإكراه بعض الصّحابة الذين كانوا مع عليّ على بيعة أبي بكر، فكانت لهذه الخصومة والمداهمة (وهي ثابتة بأسانيد صحيحة) ذكرى مؤلمة لا يحبون تكرارها)(١) . وقال بهامش الصفحة نفسها: (كنت أظن المداهمة مكذوبة لا تصح حتى وجدتلها أسانيد قوية منها ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، لكن ليس كما يبالغ غلاة الشيعة وليس كما ينفي غلاة الحنابلة). وقال ابن تيمية: ونحن نعلم يقينا أن أبابكر لم يقدم على عليّ والزبير بشيء من الأذى بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أوّلا وآخرا. وغاية ما يقال إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء. وأما إقدامه عليهم أنفسهم بأذى فهذا ما وقع فيه قط باتفاق أهل العلم والدين وإنما ينقل مثل هذا جهال الكذابين ويصدقه حمقى العالمين الذين يقولون إنّ الصحابة هدموا بيت فاطمة وضربوا بطنها حتى أسقطت(٢) . أقول: وهذا يعني أنّ المداهمة وقعت فعلا، ولا مجال إلى إنكارها، لكن ابن تيمية تعلّل بمسألة المال! وكأنّ فاطمة عليها السلام تخفي في بيتها مال المسلمين! فابن تيمية وإن كان لا يصرّح بما يعتلج في صدره إلاّ أنه يتّهم فاطمة عليها

____________________

(١) قراءة في كتب العقائد، حسن بن فرحان المالكي، ص ٥٢.

(٢) منهاج السنة النبوية، ج ٨ ص ٢٩١.

٣٩١

السلام بالسّرقة أو الغلول أو شيئا من ذاك القبيل. ومتى دخل بيت فاطمة شيء من مال المسلمين. وعلى فرض أن يكون فيه شيء من مال المسلمين فإنّه لا يكون بدون إذن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهنا ينبغي على ابن تيمية أن يوجّه الإشكال إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتّهمه بما اتّهم به فاطمة عليها السلام، لأنّ فاطمة لم تخرج من بيتها ولم تجلب شيئا. وقد كان في وسع أبي بكر وحزبه أن ينظروا - إن كان هناك مال أو لم يكن - بالطّرق المعهودة عرفا وعقلا بأن يرسلوا امرأة أو شيخا من شيوخ قريش، لا أن يداهموا. بل المداهمة كانت بقصد الإرهاب. وكاتب هذه السطور يعتقد فيما بينه وبين الله تعالى أنّ الإرهاب في حياة المسلمين سنّ في ذلك اليوم، وأنّه لا يزال يمارس إلى هذا اليوم.

المهم هو أنّ الذي تزعّم المداهمة - أو الهجوم أو الكبس أو سمّه ما شئت - هو عمر بن الخطاب، الذي كان هائجا يومها وزعم أنه أولى برسول الله من فاطمةوعلي عليهما السلام.

٣٩٢

الفصل السادس

عمر الحاكم

٣٩٣

٣٩٤

كيف استخلف عمر؟

قبل الدخول في بيان كيفية استخلاف عمر، يجدر التذكير بكيفية وصول أبي بكر إلى الخلافة، لأنّ خلافة عمر فرع خلافة أبي بكر، مع سابقة ليس عليها دليل، لا من القرآن ولا من السنة الشريفة، وإذا بطل الأصل بطل الفرع؛ وقد كفانا عمر بن الخطاب نفسه مؤونة البحث في صحّة خلافة أبي بكر حين حكم عليها هو نفسه أنّها كانت (فلتة وقى الله المؤمنين شرّها)، والمقطع الأوّل من عبارته صحيح، أمّا المقطع الثّاني فغير مسلّم، لأن شرّ بيعة السقيفة لا يزال إلى اليوم يفعل فعله.

قالوا:... فلما سمع القوم صوتها(١) وبكاءها انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقى عمر ومعه قوم(٢) ، فأخرجوا عليّا، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك [!]، فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر: أمّا عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت)(٣) . وهنا ينبغي للمتأمّل أن يتوقّف. هذان صحابيّان من أصحاب رسول الله يكذب أحدهما الآخر، وهما من الخلفاء الرّاشدين، ومن المبشرين بالحنة؛ وقد لقّنونا منذ الصغر أنّ الراشدين فوق كلّ اعتبار، فلماذا يكذّب الراشدون بعضهم بعضا، ولماذا يهدّد بعضهم بعضا بالقتل؟!

هكذا مهّد عمر بن الخطاب لدولته. تماما كما قال علي بن أبي طالب عليه السلام: (احلب يا عمر حلبا لك شطره، اشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غدا). يقول حزب السّقيفة لعلي بن أبي طالب عليه السلام إمّا أن تبايع وإمّا (والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك)! أليس هذا إرهابا؟ وإذا لم يكن هذا إرهابا فما هو الإرهاب؟ أين هم من قول الله تعالى( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ ) ؟ وهل هناك إكراه اكبر من أن يخيّر

____________________

(١) أي صوت فاطمة عليها السلام.

(٢) عمر والقوم الذين معه ليس لهم قلوب تنصدع أو أكباد تنفطر. وهذا التصرف يكشف أنهم كانوا مستعدين لذلك اليوم.

(٣) الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري، ج ١ ص ٢٠.

٣٩٥

بيعة لا يؤمن بها وبين القتل؟ هذا عبد الله بن عمر بن الخطاب يمتنع من مبايعة علي بن أبي طالب عليه السلام الذي بايعه المسلمون في بيته المهاجرون منهم والأنصار، ولا يرى في ذلك أدنى حرج! بل يزعم أنّه أحسن التعامل مع الفتنة!! لكن بمقتضى سيرة عمر بن الخطّاب، فإنّ عبد الله بن عمر يستحقّ القتل، لأنّه رفض أن يدخل في ما دخلت فيه الأمّة! وأيّة أمّة؟! أمّة عبدت الصّنم أكثر من أربعين سنة وهي مع ذلك تدّعي أنها أعلم بدين الله تعالى من نبيّه وأهل بيت نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! وخرج أبو بكر بن أبي قحافة من الدنيا، وبتعه عمر، وبقيت بيعة السّقيفة مختلفا فيها، يؤمن بها أصحاب ثقافة الكرسيّ ويرفضها أهل الضمائر الحيّة. أي أنّها بقيت غير شرعيّة،ولو كانت شرعيّة لما جاز لفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تتبرّأ منها ومن أهلها، حتى أنّها لم ترهم أهلا ليحضروا الصّلاة عليها! ومن خطّأ فاطمة عليها السلام فقد خطّأ الله تعالى ورسوله وجبريل والملائكة وصالح المؤمنين.

إذاً فالقضية قضية (اشدد لي اليوم اردد إليك غدا)، ولا أثر فيها لما يذكره المؤرّخون من أمثال ابن خلدون والمتكلّمون من أمثال الإيجي والتفتازاني الماوردي وغيرهم من المنظّرين المصوّبين. ولا يستطيع أحد من هؤلاء أن يوجد انسجاما بين سيرة رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين سيرة قريش يوم السّقيفة.

عن عائشة قالت: كتب أبي في وصيته سطرين: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما وصّى به أبوبكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا، حين يؤمن الكافر وينتهي الفاجر ويصدق الكاذب. إنّي استخلفت عليكم عمر بن الخطّاب، فإن يعدل فذاك ظنّي به ورجائي فيه، وإن يجر ويبدّل فلا أعلم الغيب( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

وعنها أيضا قالت: كان عثمان يكتب وصية أبي بكر قالت فأغمي عليه، فعجل وكتب عمر بن الخطّاب، فلمّا أفاق قال له أبوبكر: من كتبت؟ قال: عمر بن الخطّاب.

____________________

(١) مختصر ابن كثير، ج ٢ ص ٨٧٩.

٣٩٦

قال كتبت الذي أردت أن آمرك به، ولو كتبت نفسك كنت لها أهلا(١) .

أقول: الرّوايتان عن عائشة، والموضوع واحد، لكنّ طريقة كتابة الوصيّة تختلف، فمرّة كتب أبوبكر، ومرّة كتب عثمان.

ولا يبعد أن يكون قلب عثمان قد التهب حسرة عند قول أبي بكر: (ولو كتبت نفسك كنت لها أهلا)، لكن هل يوافق على ذلك عمر؟!

عمال عمر

كان لعمر بن الخطاب طريقته في تعيين الولاة، وهي طريقة لم تكن تختلف كثيرا عن طريقة أبي بكر بن أبي قحافة التي ترى أولويّة تثبيت سلطان قريش. ولا يحمي سلطان قريش إلاّ أبناء قريش نفسها، لكن أيّ قريش؟ لأنّ هناك تكتّلا يحمل هذا الاسم ومن أولوياته تهميش بني هاشم والتّضييق عليهم، ومنع تدوين الحديث النّبوي وتفسير القرآن الكريم. أما بنو هاشم فهم على عكس ذلك تماما، همّهم إحياء سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعدل في توزيع المال والحقوق، وإنزال الناس منازلهم. وإذا كان لأبي بكر حاشيته التي يأتي في مقدمتها خالد بن الوليد ومن معه، فإنّ لعمر أيضا حاشيته، وله أيضا جهاز أمن سرّي لا يكاد يفوته شيء، ينقل إليه أخبار الليل وأخبار النّهار من المشرق والمغرب حتى ليكاد يقع في خلد المتتبع أنّ عمر بن الخطاب لم يكن يثق في أحد، لا من البدريّين ولا من غيرهم! وقد كانت له في ذلك أيضا تناقضات صارخة بعضها يدعو إلى التعجّب. من ذلك أنهم رووا أنّ عمر بن الخطاب قال من استعمل فاجرا وهو يعلم أنّه فاجر فهو مثله)(٢) . وقال أيضا: (لا يستعمل الفاجر إلا الفاجر)(٣) . وعن ابن عمر: ٠ لا يولّي الخائن إلا الخائن)(٤) . وفي نفس الوقت شهد

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٦ ص ٣٦١.

(٢) كنز العمال ج ٥ ص ٣٠٣ وأخبار القضاة ج ٣ ص ٢٠٩.

(٣) أخبار القضاة، ج ١ ص ٦٩.

(٤) أخبار القضاة، ج ١ ص ٦٩.

٣٩٧

على المغيرة بن شعبة أنّه فاسق ثمّ ولاّه في نفس المجلس! قال اليعقوبي: ثمّ إن أهل الكوفة شكوا سعدا وقالوا لا يحسن يصلي، فعزله عمر عنهم، فدعا عليهم سعد ألا يرضيهم الله عزوجل عن أمير ولا يرضي أميرا منهم. وولّى عمر مكان سعد بن أبي وقاص عمار بن ياسر ثمّ قدم عليه أهل الكوفة فقال: كيف خلفتم عمار بن ياسر أميركم؟ قالوا: مسلم ضعيف. فعزله ووجّه جبير بن مطعم فمكر به المغيرة وحمل عنه خبرا إلى عمر وقال له: ولّني يا أمير المؤمنين. قال: أنت رجل فاسق! قال: وما عليك مني، كفايتي ورجولتي لك، وفسقي على نفسي! فولاّه الكوفة. فسألهم عن المغيرة فقالوا: (أنت أعلم به وبفسقه). فقال: ما لقيت منكم يا أهل الكوفة، إن وليتكم مسلما تقيّا قلتم هو ضعيف، وإن ولّيتكم مجرما قلتم هو فاسق. فيقال: إنّه ردّ سعد بن أبي وقّاص(١) .

وقد قيل له: إنك استعملت يزيد بن أبي سفيان وسعيد بن العاص، وفلانا، وفلانا من المؤلفة قلوبهم من الطلقاء وأبناء الطلقاء، وتركت أن تستعمل عليّاً والعباس والزبير وطلحة؟!! فقال: (أما عليّ فأنبه من ذلك، وأمّا هؤلاء النّفر من قريش، فإني أخاف أن ينتشروا في البلاد فيكثروا فيها الفساد). وعلّق ابن أبي الحديد على كلامه هذا بقوله: فمن يخاف من تأميرهم لئلاّ يطمعوا في الملك، ويدّعيه كل واحد منهم لنفسه، كيف لم يخف من جعلهم ستّة متساويين في الشّورى، مرشّحين للخلافة! وهل شيء أقرب إلى الفساد من هذا..؟ وفي هذا المعنى ما نقله ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد قال: قال معاوية لابن أبي الحصين: ما الذي شتت أمر المسلمين وجماعتهم وفرق ملأهم وخالف بينهم؟ فقال: قتل عثمان. قال: ما صنعت شيئا. قال: فسير عليّ إليك. قال: ما صنعت شيئا. قال: ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين. فقال: فانا أخبرك أنّه لم يشتّت بين المسلمين ولا فرّق أهواءهم إلاّ الشّورى التي جعلها عمر في ستة، فلم يكن من الستّة رجل إلاّ رجاها لنفسه ورجاها لقومه، وتطلّعت إلى ذلك أنفسهم. ولو أنّ عمر

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي، ج ٢ ص ١٥٥.

٣٩٨

استخلف كما استخلف أبوبكر ما كان في ذلك الاختلاف(١) .

ورووا عن عمر أنه قال: من استعمل فاجرا وهو يعلم أنّه فاجر فهو مثله(٢) .

كان عامل عمر بن الخطّاب في السّنة التي قتل فيها وهي سنة ثلاث وعشرين على مكّة نافع بن عبد الحارث الخزاعيّ، وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثّقفي، وعلى صنعاء يعلى بن منية حليف بني نوفل بن عبد مناف وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة، وعلى البصرة أبو موسى الأشعريّ، وعلى مصر عمرو بن العاص، وعلى حمص عمير بن سعد، وعلى دمشق معاوية بن أبي سفيان، وعلى البحرين وما والاهما عثمان بن أبي العاص الثّقفي، وفي هذه السّنة أعني سة ثلاث وعشرين توفّي فيما زعم الواقديّ قتادة بن النّعمان الظّفري وصلّى عليه عمر بن الخطّاب، وفيها غزا معاوية الصّائفة حتى بلغ عمورية ومعه من أصحاب رسول الله عبادة عسقلان على صلح. وقيل كان على قضاء الكوفة في السّنة التي توفّي فيها عمر بن الخطّاب شريح وعلى البصرة كعب بن سور، وأما مصعب بن عبد الله فإنّه ذكر أن مالك بن أنس روى عن ابن شهاب أنّ أبابكر وعمر ما لم يكن لهما قاض.

أقول:

وأنت ترى أنّه ليس فيهم هاشميّ واحد مع أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني هاشم، كما أنّه ليس فيهم بدري واحد! لكن فيهم ابن آكلة الأكباد، وابن رأس الأحزاب، وفيه ابن من نزل في حقّه قوله تعالى( إِنّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) ، ومن هجا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسبعين بيتا من الشّعر فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم إني لا أقول الشعر فالعنه بكل بيت لعنة(٣) ! وفيهم من كان عليّ عليه السلام يقنت بلعنه في الصّلوات. وبالجملة، فيهم أعداء علي بن أبي طالب عليه السلام

____________________

(١) العقد الفريد، ابن عبد ربه، ج ٣ ص ٧٥.

(٢) كنز العمال، ج ٥ ص ٣٠٣ رقم ١٤٣٠٦.

(٣) وهو عمرو بن العاص.

٣٩٩

الذين حاربوه فيما بعد، وسبّوه وشتموه ولعنوه، ولا زالوا إلى هذه اللحظة يتمتّعون بحصانة لا تقبل النقاش.

عن مجالد عن الشعبي قال: بعث عمر بن الخطّاب أول ما بعث إلى الكوفة أبا عبيد الثقفي أبا المختار فقتل فبعث سعد بن أبي وقاص فمكث خمس سنين ثم نزعه ثم بعث عمار بن ياسر فمكث سنة ثم نزعه وبعث المغيرة بن شعبة فمكث سنة ثم قتل عمر فلما ولي عثمان بعث سعدا إلى الكوفة فمكث سنة(١) .

قال ابن قتيبة: وقال ابن الكلبي كان أميّة بن عبد شمس خرج إلى الشّام فأقام بها عشر سنين فوقع على أمة للخم يهوديّة من أهل صفوريّة يقال لها ترنا وكان لها زوج من أهل صفورية يهوديّ فولدت له ذكوان فادعاه أميّة واستلحقه وكناه أبا عمرو، ثمّ قدم به مكة، فلذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعقبة يوم أمر بقتله: إنّما أنت يهوديّ من أهل صفورية. و (الوليد بن عقبة) ولاّه عمر على صدقات بني تغلب وولاّه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقّاص فصلّى بأهلها وهو سكران وقال أزيدكم؟ فشهدوا عليه بشرب الخمر عند عثمان فعزله وحدّه(٢) .

أقول: ولاّه عمر بن الخطّاب بعد أن شهد عليه القرآن الكريم أنه فاسق(٣) ، فانظر مدى احترام عمر بن الخطاب للقرآن الكريم.

قال السيوطي: وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير والنحاس في ناسخه وابن المنذر والبيهقي في سننه من طرق عن عمر بن الخطّاب قال إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن احتجت أخذت منه بالمعروف فإذا أيسرت قضيت(٤) .

____________________

(١) المعجم الكبير، الطبراني، ج ٢٠ ص ٣٦٧: رقم ٨٥٧.

(٢) المعارف، ابن قتيبة، ج ١ ص ٣١٩.

(٣) أجمع المفسرون على أن قول الله تعالى( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا ) نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

(٤) الدر المنثور، السيوطي، ج ٢ ص ٤٣٦.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564