الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب10%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91232 / تحميل: 7637
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

ويتّضح من هنا أن انحرافها كان من جهة العقيدة ، ولا يبعد أن يكون هذا الانحراف متأثرا بسبب محيطها وكانت في بداية الأمر مؤمنة موحدة ، وبهذا فلن يرد أي إشكال على لوطعليه‌السلام في أنّه لم تزوّج بمثل هذه المرأة؟!

وإذا كان جماعة من المؤمنين الآخرين قد آمنوا بلوط ، فمن المؤكّد أنّهم كانوا قد هاجروا عن تلك الأرض المدنّسة قبل هذا الحادث ، ما عدا لوطا وأهله ، فإنّه كان عليه أن يبقى إلى آخر ساعة هناك ، لاحتمال تأثير تبليغه وإنذاره.

هنا ينقدح هذا السؤال : ترى هل كان «إبراهيم» يحتمل أن عذاب الله سيشمل لوطا ، فأظهر تأثره أمام الملائكة ، غير أنّهم طمأنوه بنجاة لوط؟!

والجواب الواضح على هذا السؤال ، وهو أن إبراهيم كان يعرف الحقيقة ، وإنّما سأل ليطمئن قلبه ، نظير هذا السؤال ما كان من هذا النّبي العظيم في شأن المعاد وإحياء الموتى ، إذ جسد له الله ذلك في إحياء أربعة من الطير «ليطمئن قلبه».

إلّا أنّ المفسّر الكبير العلّامة الطباطبائي يعتقد أنّ المراد من سؤال إبراهيم هو أن وجود «لوط» بين هؤلاء القوم سيكون دليلا على رفع العذاب عنهم ويستعين بالآيات (٧٤) ـ (٧٦) من سورة هود على هذا المقصد ، لأنّ هذه الآيات تبيّن : أنّهعليه‌السلام كان يريد بقوله :( إِنَّ فِيها لُوطاً ) أن يصرف العذاب بأن فيها لوطا وإهلاك أهلها يشمله ، فأجابوه بأنهم لا يخفى عليهم ذلك بل معه غيره ممن لا يشملهم العذاب وهم أهله إلّا امرأته.(١)

لكننا نعتقد أنّ هذا الجواب من الملائكة ـ في صدد نجاة لوط وأهله ـ يدلّ بوضوح أن الكلام في هذه الآيات هو على لوط فحسب ، ولكن آيات سورة هود تتحدث عن موضوع منفصل ، وكما قلنا آنفا فإنّ إبراهيم كان ليطمئن قلبه أكثر

__________________

(١) الميزان ، ج ١٦ ، ص ١٢٤.

٣٨١

«فلاحظوا بدقة».

انتهى كلام الملائكة مع إبراهيم هنا ، وتوجهوا إلى ديار لوطعليه‌السلام وقومه ، يقول القرآن في هذا الشأن :( وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ) .

وكان كلّ استيائه وعدم ارتياحه بسبب أنّه لم يعرفهم فقد جاؤوا إليه بهيئة فتيان ذي وجوه مليحة ، ومجيء أمثال هؤلاء الضيوف في مثل هذا المحيط الملوّث ، ربّما كان يجرّ على لوط الوبال ، وأن يذهب ماء وجهه أمامهم ، لذلك فكر مليّا : ما عسى أن يكون ردّ فعل هؤلاء القوم الضالين الوقحين الذين لا حياء لهم قبال هؤلاء الضيوف؟!

«سيء» مشتقّة من «ساء» ومعناه سوء الحال ، و «الذرع» معناه «القلب» «الخلق» ، فعلى هذا يكون معنى( ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ) أي ضاق قلبه وانزعج.

وقال بعض المفسّرين : إنّ هذه الكلمة في الأصل تعني «الفاصلة بين أطراف البعير أثناء السير» وحيث أنّهم إذا وضعوا على البعير حملا ثقيلا قصّر خطاه وضيّق الفاصلة ، عبروا بجملة «ضاق ذرعا» كناية عن الحادثة الثقيلة «الصعبة» التي لا تطاق!

إلّا أنّ الضيوف حين أدركوا عدم ارتياحه كشفوا عن «هويّتهم» وعرفوا أنفسهم ورفعوا عنه الحزن :( وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) .

ويستفاد بالطبع من الآيات التي في سورة هود أن أولئك القوم الأراذل ، حين عرفوا بوجود الضيوف عند لوطعليه‌السلام أسرعوا إليه ، وكان في نيّتهم أن يعتدوا عليهم ، وحيث أن لوطا كان لا يزال غير عارف بحقيقة الملائكة فقد كان متأثرا جدّا ، وكان تارة ينصحهم واخرى يهدّدهم ومرّة يقول لهم :( أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ) فيحرك ضمائرهم وتارة يقترح عليهم الزواج من بناته ، وأراد أن يمنعهم

٣٨٢

من الوصول إلى أضيافه ، لكن هؤلاء المنحرفين الذين لا حياء لهم لم يقتنعوا بأي شيء ولم يفكروا إلّا بهدفهم المخزي.

ولكن رسل الله عرفوا أنفسهم للوطعليه‌السلام ، وأعموا أبصار هؤلاء القوم الذين أرادوا الهجوم على الملائكة واثلجوا قلب ذلك النّبي العظيمعليه‌السلام .(١)

وما ينبغي الالتفات إليه أن رسل الله قالوا للوط :( لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ ) فما الفرق بين كلمتي «الخوف» و «الحزن»؟

ورد في تفسير الميزان أن الخوف يقع على الحوادث غير المستساغة احتمالا أمّا الحزن فيقع في الموارد القطعية.

وقال بعضهم : الخوف يطلق على الحوادث المستقبلية ، أمّا الحزن فعلى ما مضى! كما يرد هذا الاحتمال وهو أن الخوف في المسائل الخطرة ، أمّا الحزن فهو في المسائل الموجعة ، وإن لم يكن فيها أي خطر!

وهنا ينقدح هذا السؤال ، وهو أنّه طبقا لآيات سورة هود فإنّ لوط وخوفه لم يكن على نفسه ، بل كان يخشى أن يضايقوا «ضيفه»(٢) غير أن جواب الملائكة يتعلق بنجاة لوط وأهله ، وهذان الأمران غير منسجمين.

والجواب على هذا السؤال يستفاد إجمالا من الآية (٨١) من سورة هود ، لأنّ القوم المنحرفين حين مدّوا أيديهم إلى الضيوف قال الملائكة :( يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ) أي مسألتنا سهلة ولن يصل إليك سوء وأذى منهم أيضا ، فعلى هذا كان الملائكة يرون النجاة بالنسبة لهم من المسلّم بها ، وإنّما ركزوا على البشارة للوط وأهله فحسب.

وبعد هذا ، ولكي تتضح خطة عملهم في شأن عاقبة هؤلاء القوم المنحرفين

__________________

(١) ذكرنا تفصيل هذا الحادث في ذيل الآيات ٧٧ ـ ٨١ من سورة هود فلا بأس بمراجعتها.

(٢) «الضيف» يطلق على المفرد والجمع ، وجمعه : ضيوف وأضياف. (المصحح).

٣٨٣

أكثر ، أضافوا :( إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) .

والمراد بالقرية هي «سدوم» وما جاورها من القرى والمدن التي كان يسكنها قوم لوط ، وقد أوصل بعضهم عدد هؤلاء إلى سبعمائة ألف نفر(١) .

والمراد من «الرجز» هنا هو العذاب ، ومعناه الأصلي الاضطراب ، ثمّ عبروا عن كل شيء يوجب الاضطراب بالرجز ، ولذلك استعمل العرب كلمة الرجز في كثير من المعاني كالبلايا الشديدة ، والطاعون أو البرد ، والأصنام ، ووساوس الشيطان ، والعذاب الإلهي إلخ.

وجملة( بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) هي سبب عقابهم الشديد ، لأنّهم لم يطيعوا الله ، والتعبير بالفعل المضارع «يفسقون» دليل على استمرارهم ودوامهم على العمل القبيح!.

وهذا التعبير يبيّن هذه الحقيقة ، وهي لو أن أولئك لم يستمروا على الذنب ، وكانوا يتوبون ويعودون إلى طريق الحق والتقوى ، لم يبتلوا بمثل هذا العذاب وكانت ذنوبهم الماضية مغفورة.

وهنا لم يذكر القرآن كيفية العذاب الأليم ، سوى أنّه قال :( وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .

إلّا أنّ في سورة هود الآية (٨٢) منها ، وكذلك سورة الأعراف الآية ٨٤ منها ، تفصيلا في بيان العذاب ، وهو أنّه أصابت قراهم في البداية زلزلة شديدة فجعلت عاليها سافلها ، ثمّ أمطرت عليها حجارة من السماء بحيث توارت بيوتهم وقراهم وأجسادهم تحتها!.

والتعبير بـ «الآية البينة» أي العلامة الواضحة ، هو إشارة إلى الآثار الباقية من مدينة «سدوم» التي كانت في طريق قوافل أهل الحجاز طبقا «لآيات القرآن»

__________________

(١) روح البيان ، ج ٦ ، ص ٤٦٧.

٣٨٤

وكانت باقية حتى ظهور النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . كما نقرأ في الآية (٧٦) من سورة الحجر( وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) ، وكما نقرأ في سورة الصافات الآيتين (١٣٧) و (١٣٨) :( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .

* * *

٣٨٥

الآيات

( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠) )

التّفسير

تنوع العذاب للظالمين :

بعد بيان قصّة لوط وقومه يقع الكلام عن أقوام آخرين أمثال قوم شعيب وعاد وثمود ، وقارون وفرعون ، وقد أشير في هذه الآيات ـ محل البحث ـ إلى كلّ

٣٨٦

منهم إشارة موجزة «مكثفة» للاستنتاج والعبرة!

في البداية تقول الآية :( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ) (١) .

والتعبير بكلمة «أخاهم» كما قلنا مرارا ، هو إشارة إلى منتهى محبّة هؤلاء الأنبياء إلى أممهم ، وإلى عدم طلبهم السلطة ، وبالطبع فإنّ هؤلاء الأنبياء كانت لهم علاقة قرابة بقومهم أيضا.

و «مدين» مدينة واقعة جنوب غربي الأردن ، وتدعى اليوم بـ «معان» وهي في شرق خليج العقبة ، وكان شعيبعليه‌السلام وقومه يقطنون فيها(٢) .

وشعيب كسائر أنبياء الله العظام ، بدأ بالدعوة الى الاعتقاد بالمبدأ والمعاد ، وهما أساس كل دين وطريقة( فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ ) .

فالإيمان بالمبدأ يكون سببا لإحساس الإنسان بأن الله يراقبه مراقبة دقيقة بشكل دائم ويسجّل أعماله ؛ والإيمان بالمعاد يذكر الإنسان بمحكمة عظيمة يحاسب فيها عن كل شيء وكل عمل مهما كان تافها ومن المسلم أنّ الإعتقاد بهذين الأصلين له أثره البالغ على تربية الإنسان وإصلاحه!.

والمبدأ الثّالث هو بمثابة خطّة عمل جامعة ، تحمل بين طياتها جميع الخطط الاجتماعية ، إذ قال :( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) .

وللفساد مفهوم واسع يشمل كل نقص انحراف ، وتدمير ، وظلم إلخ ويقابله الصلاح والإصلاح ، ومفهومهما يشمل جميع الخطط البنّاءة!.

أمّا كلمة «تعثوا» فهي من مادة «عثى» ومعناه إحداث الفساد أو الإفساد ، غاية ما في الأمر أن هذا التعبير كثيرا ما يستعمل في الموارد التي تكون فيها «مفاسد أخلاقية» ، فعلى هذا يكون ذكر كلمة «مفسدين» بعدها تأكيدا على هذا

__________________

(١) هذه الجملة معطوفة على جملة «ولقد أرسلنا نوحا».

(٢) ورد الكلام على مدين في ذيل الآية (٢٣) من سورة القصص في هذا الجزء بإسهاب.

٣٨٧

المفهوم.

إلّا أنّ تلك الجماعة بدلا من أن تصغي لمواعظه ونصائحه بآذان القلوب ، خالفته ولم تصغ إليه «فكذبوه».

وكان هذا التكذيب سببا في أن تصيبهم زلزلة شديدة( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ) أي مكبوبين على وجوههم ميتين.

و «الجاثم» مشتق من «جثم» على زنة «سهم» ومعناه الجلوس على الركبة والتوقف في مكان ما ولا يبعد أن يكونوا نائمين عند وقوع هذه الزلزلة الشديدة فهذا التعبير إشارة إلى أنّهم عند وقوع هذه الحادثة نهضوا وجثوا على الركب ، إلّا أنّ الحادثة لم تمهلهم حيث انهارت الجدران عليهم ونزلت عليهم الصاعقة التي تزامنت معها فماتوا(١) .

أمّا الآية التي بعده فتتحدث عن «عاد» و «ثمود» قومي (هود وصالح) ، دون أن تذكر ما قاله نبيّاهما لهما ، وما ردّ عليهما قومهما المعاندون ، لأنّهما مذكوران في آيات عديدة من القرآن ، وهما أي قوم هود وقوم صالح معروفان ، فلذلك ، تقول الآية :( وَعاداً وَثَمُودَ ) (٢) .

ثمّ تضيف الآية( وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ ) المتهدمة والتي هي على طريقكم في منطقة الحجر واليمن.

فأنتم في كل سنة تمرون في أسفاركم للتجارة بأرض «الحجر» التي تقع شمال جزيرة العرب ، وبالأحقاف التي تقع قريبا من اليمن وجنوبها ، وترون آثار المساكن المتهدمة وبقاياها من عاد وثمود ، فعلام لا تعتبرون؟!

ثمّ تشير الآية إلى السبب الأصلي لشقائهم وسوء حظّهم ، إذ تقول :( وَزَيَّنَ

__________________

(١) بيان هذه الحادثة المؤلمة فصلناه في تفسير «سورة هود» ذيل الآيات في شرح قصة «شعيب وقومه».

(٢) «وعادا وثمودا» مفعولان لفعل مقدر وهو «أهلكنا» وهو يستفاد من الآية السابقة. وقال بعضهم : فعلهما المحذوف تقديره «اذكر».

٣٨٨

لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) .

وكانت فطرتهم على فطرة الله وتقواه ، ولم يأل الأنبياء جهدا في هدايتهم ، وبذلوا قدرا كافيا من النصح والإرشاد لهم ، لكنّهم حادوا( وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) .

قال بعض المفسّرين : إنّ جملة( وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) تعني أنّهم كانوا ذوي أعين بصيرة ، وعقل كاف.

وقال بعضهم : إنها تعني أنّهم كانوا على الفطرة السليمة.

كما قال آخرون : إنّها تعني هداية الأنبياء لهم.

ولا يمنع اجتماع جميع هذه المعاني في الآية الكريمة ، فهي إشارة إلى أنّهم لم يكونوا جاهلين قاصرين ، بل كانوا يعرفون الحق جيدا من قبل ، وكانت ضمائرهم حية ولديهم العقل الكافي ، وأتمّ الأنبياء عليهم الحجّة البالغة ، ولكن

مع كل ما تقدم من نداء العقل والضمير ، ودعوة الأنبياء ، فقد انحرفوا عن السبيل ووسوس لهم الشيطان ، ويوما بعد يوم يرون أعمالهم القبيحة حسنة ، وبلغوا مرحلة لا سبيل لهم إلى الرجوع منها ، فأحرق قانون الخلق والإيجاد هذه العيدان اليابسة وهي جديرة بذلك! والآية الأخرى تذكر أسماء ثلاثة من الجبابرة الذين كان كل واحد منهم بارزا للقدرة الشيطانية ، فتقول :( وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ ) (١) .

فقارون كان مظهر الثروة المقرونة بالغرور وعبادة «الذات» والأنانية والغفلة.

وفرعون كان مظهر القدرة الاستكبارية المقرونة بالشيطنة.

وأمّا هامان ، فهو مثل لمن يعين الظالمين المستكبرين!.

ثمّ يضيف القرآن( وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ) والدلائل( فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ ) فاعتمد قارون على ثروته وخزائنه وعلمه ، واعتمد فرعون وهامان على جيشهما وعلى القدرة العسكرية ، وعلى قوة إعلامهم وتضليلهم لطبقات

__________________

(١) هذه الكلمات الثلاث مفاعيل للفعل المقدر «أهلكنا» أو كما قال البعض : هي مفاعيل لفعل تقديره «اذكر»!

٣٨٩

الناس المغفّلين الجهلة.

لكن برغم كل ذلك لم يفلحوا( وَما كانُوا سابِقِينَ ) .

فأمر الله الأرض التي هي مهد الاطمئنان والدعة بابتلاع قارون.

وأمر الماء الذي هو مصدر الحياة بابتلاع فرعون وهامان.

وعبأ جنود السماوات والأرض لإهلاكهم جميعا ، بل ما كان مصدر حياتهم أمر الله أن يكون هو نفسه سببا لفنائهم(١) .

كلمة «سابقين» تعني من يتقدم ويكون أمام الآخرين ، فمفهوم قوله تعالى :

( وَما كانُوا سابِقِينَ ) أي إنّهم لم يستطيعوا أن يهربوا من سلطان الله برغم ما كان عندهم من إمكانات ، بل أهلكهم الله في اللحظة التي أراد ، وأرسلهم إلى ديار الفناء والذلة والخزي.

كما يذكر في الآية التي بعدها( فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ ) .

وحيث أنّ القرآن ذكر «الطوائف الأربع» في الآيتين المتقدمتين ، ولم يبيّن عذابهم ، وهم :

١ ـ قوم هود «عاد».

٢ ـ وثمود «قوم صالح».

٣ ـ قارون.

٤ ـ فرعون وهامان.

فإنه يذكر في هذه الآية بحسب الترتيب أنواع عذابهم. فيقول :( فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً ) .

و «الحاصب» معناه الاعصار الذي يحمل حصى كثيرة معه ، و «الحصباء» «الحصى الصغيرة».

__________________

(١) شرح قصّة حياة قارون في الآيات السبع ٧٦ ـ ٨٢ سورة القصص ، وهلاك فرعون وجماعته في تفسير سورة القصص ، كما ورد في سورة الأعراف أيضا.

٣٩٠

والمقصود بـ «منهم» هنا هم «عاد» قوم هود ، وحسب ما جاء في بعض السور كالذاريات والحاقة والقمر ، أصابهم اعصار شديد مهلك خلال ثمانية أيّام وسبع ليال فدمرهم تدميرا.

يقول القرآن :( سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ ) «الحاقة».

( وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ) وقلنا : إن الصيحة السماوية التي هي نتيجة الصاعقة التي تقترن مع الزلزلة في زمان الوقوع ، وهذا هو العذاب الذي عذب الله به ثمود «قوم هود» كما عذب آخرين ويقول القرآن في الآية (٦٧) من سورة هود في شأن ثمود( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ) .

( وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ ) . وهذا هو عقاب قارون الثري المغرور المستكبر من بني إسرائيل ، وقد أشير إليه في الآية (٨١) من سورة القصص.

( وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا ) ونعرف أنّ هذا الكلام إشارة إلى عقاب فرعون وهامان وجنودهما ، وقد ذكرت هذه القصّة في سور متعددة من القرآن الكريم.

وعلى كل حال ، فمع الالتفات لهذا البيان فإن أنواع العذاب الأربعة ذكرت هنا للطوائف الأربع المذكورين في الآيتين المتقدمتين. حيث اشارتا إلى ضلالهم وانحرافهم وذنوبهم دون أن تذكرا عقابهم.

ولكن من البعيد أن تشمل هذه الأنواع الأربعة من العذاب الواردة في هذه الآية أقواما آخرين ، كما يقول بعض المفسّرين. «كالغرق لقوم نوح ، وإمطار الحجارة والحصباء على قوم لوط» لأنّ عقابهم مذكور هناك وفي موارد ذكرهم ولا حاجة للتكرار هنا ، وأمّا عقاب الفئات الأربع فلم يذكر في هذه السلسلة من الآيات ، ولذا بينه الله سبحانه في الآيتين الأخيرتين.

ويبيّن في ختام الآية التأكيد على هذه الحقيقة ، وهي أنّ ما أصابهم هو بسبب أعمالهم ، وهم زرعوا فحصدوا( وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ

٣٩١

يَظْلِمُونَ ) .

أجل ، إنّ عقاب هذه الدنيا والآخرة هو تجسيد أعمالهم ، حيث يغلقون جميع طرق الإصلاح في وجوههم. فالله أكثر عدلا وأسمى من أن يظلم الإنسان أدنى ظلم!.

وهذه الآية ـ كسائر كثير من آيات القرآن ـ تثبت أصل الحرية في الإرادة والإختيار عند الإنسان ، وتقرر أن التصميم في كل مكان يصدر من الإنسان نفسه. وقد خلقه الله حرّا ويريده حرّا فعلى هذا يبطل اعتقاد أتباع مذهب «الجبر» الذين لهم وجود بين المسلمين ـ مع الأسف ـ بهذا المنطق القوي للقرآن الكريم.

* * *

٣٩٢

الآيات

( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) )

التّفسير

دعامة واهية كبيت العنكبوت :

بيّنت الآيات السابقة ما آل إليه المشركون والمفسدون الظلمة والأنانيون من مصير وخيم وعاقبة سوداء وعذاب أليم وبهذه المناسبة ، ففي الآيات التي بين أيدينا ، يبيّن القرآن الكريم مثالا بليغا ومؤثرا يعبدون غير الله ويتخذون من دونه أولياء! وكلما أمعنا النظر في هذا المثال وفكرنا فيه مليّا انقدحت في أذهاننا منه لطائف دقيقة ، يقول تعالى :( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) .

كم هو بديع هذا المثال وطريف ، وكم هو بليغ ودقيق هذا التشبيه!.

٣٩٣

تأمّلوا بدقّة إنّ كل حيوان ـ وكل حشرة ـ له بيت أو وكر وما أشبه ذلك ، لكن ليس في هذه البيوت بيت أوهن من بيت العنكبوت! فكل بيت ـ عادة ـ يحتوي على سقف وباب وجدار ، وهو يحفظ صاحبه من الحوادث ، ويكون مكانا أمينا لإيداع الأطعمة والأشياء الأخرى وحفظها فبعض البيوت لا سقف لها إلّا أنّها على الأقل لها جدار ، كما أنّ هناك بيوتا لا جدار لها إلّا أن لها سقفا.

لكن بيت العنكبوت المنسوج من خيوط دقيقة واهية ، ليس له سقف ولا جدار ولا ساحة ولا باحة ولا باب ، هذا من جانب ومن جانب آخر فإنّ مواد بنائه واهية جدّا وسرعان ما تتلاشى إزاء أية حادثة بسيطة ، فهي لا تقدر على المقاومة.

فلو هبّ نسيم عليل لتمزق هذا النسيج.

ولو سقطت عليه قطرات المطر لتلاشى وتلف.

ولو لامسته شعلة خفيفة لاحرقته.

وحتى لو تراكم عليه الغبار لتركه أشلاء ممزقة معلقة.

فآلهة هؤلاء الجماعة ومعبوداتهم «الكاذبة» كمثل هذا البيت لا تنفع ولا تضر ولا تحلّ مشكلة ، ولا تكون ملجأ لأحد في المحنة والشدّة!.

صحيح إن هذا البيت للعنكبوت ـ مع ما لها من أرجل طويلة ـ هو محل استراحتها ، وشرك لاصطياد الحشرات والحصول على الغذاء إلّا أن هذا البيت ـ بالقياس إلى البيوت الأخرى للحيوانات والحشرات ـ في منتهى الوهن والانهيار!.

فمن يعتمد على غير الله ويتخذ من دونه وليا ، فقد اعتمد على بيت العنكبوت!!.

والذين اختاروا سوى الله ، اعتمدوا على بيوت العناكب ، كعرش فرعون وتاجه ، والأموال المتراكمة عند قارون ، وقصور الملوك وخزائنهم ، جميع هذه

٣٩٤

الأمور المذكورة كمثل بيت العنكبوت!.

فهي لا تدوم ، ولا يمكن الاعتماد عليها ، ولا أساس لها حتى تكون راسخة أمام طوفان الحوادث.

والتاريخ يدل على أنّه لا يمكن الاعتماد على أيّ من هذه الأمور حقّا.

أمّا الذين اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه ، فقد اعتمدوا على سدّ حصين منيع.

والجدير بالذكر ، أنّ بيت العنكبوت ونسيج خيوطه المضروب به المثل ، هو نفسه من عجائب الخلق ، والتدقيق فيه يعرف الإنسان على عظمة الخالق أكثر. ، فخيوط العنكبوت «مصنوعة» ومنسوجة من مائع لزج ، هذا المائع مستقر في حفر دقيقة وصغيرة كرأس الإبرة تحت بطن العنكبوت ، ولهذا المائع خصوصية أو تركيب خاص هو أنّه متى ما لامس الهواء جهد وتصلّب.

والعنكبوت تخرج هذا المائع بواسطة آليات خاصة وتصنع خيوطها منه.

يقال : إن كلّ عنكبوت يمكن لها أن تصنع من هذا المائع القليل جدّا ما مقداره خمسمائة متر من خيطها المفتول!.

وقال بعضهم : إنّ الوهن في هذه الخيوط منشؤه دقتها القصوى ، ولولا هذه الدقة فإنها أقوى من الفولاذ «لو قدر أن تفتل بحجم الخيط الفولاذي».

العجيب أنّ هذه الخيط تنسج أحيانا من أربع جدائل كل جديلة هي أيضا منسوجة أو مصنوعة من ألف جديلة! وكل جديلة تخرج من ثقب صغير جدّا في بدن العنكبوت ، ففكروا الآن في هذه الخيوط التي تتكون منها هذه الجديلة كم هي ناعمة ودقيقة وظريفة؟!

وإضافة إلى العجائب الكامنة في بناء بيت العنكبوت ونسجه ، فإنّ شكل بنائه وهندسته طريف أيضا ، فلو دققنا النظر في بيوت العنكبوت لرأينا منظرا طريفا مثل الشمس وأشعتها مستقرة على قواعد هذا «البناء النسيجي» ، وبالطبع فإن هذا البيت مناسب للعنكبوت وكاف ، ولكنّه في المجموع لا يمكن تصور بيت

٣٩٥

أوهن منه ، وهكذا بالنسبة إلى آلهة الضالين ومعبوديهم ، إذ تركوا عبادة الله والتجأوا إلى الأصنام والأحجار والأوثان!!.

ومع الالتفات إلى أن العناكب ليست نوعا واحدا ، بل ـ كما يدعي بعض العلماء ـ عرف منها حتى الآن عشرون ألف نوع ، وكل نوع له خصوصياته التي تبين عظمة الخالق وقدرته في خلق هذا الموجود الصغير بوضوح وجلاء.

التعبير بـ «الأولياء» جمع ولي مكان التعبير بالأصنام ، ربّما كان إشارة ضمنية إلى هذه اللطيفة ، وهي أنّه ليس الحكم مختصا بالأصنام والآلهة المزعومة ، بل حتى الأئمة والقادة الارضيين مشمولون بهذا الحكم أيضا.

وجملة( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) تتعلق بالأصنام والمعبودين من دون الله ولا ترتبط بوهن بيت العنكبوت لأنّ وهن بيت العنكبوت معلوم عند الجميع ، فعلى هذا يكون مفهوم الجملة كالتالي : لو كانوا يعلمون وهن المعبودين من دون الله وما ركنوا إليه من دونه واختاروه ، لعلموا أنّهم في الوهن والضعف كما هي الحال في بيت العنكبوت من الوهن!.

أمّا الآية التالية ففيها تهديد لهؤلاء المشركين الغفلة الجهلة إذ تقول :( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ! ) ولا يخفى على الله شركهم الظاهر ولا شركهم الخفي( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) على الإطلاق!

وإذا أمهلهم ، فليس بسبب العجز والضعف ، أو عدم العلم ، أو أن قدرته محدودة ، بل كل ذلك من حكمته التي توجب أن يمنحوا الفرصة الكافية لتتم الحجة البالغة لله عليهم ، فيهتدي من هو جدير بالهدى!.

قال بعض المفسّرين : إن هذه الجملة إشارة إلى حجج المشركين وإلى ادّعائهم أنّهم في عبادتهم للأصنام لا يريدون بها الأصنام ذاتها ، بل إنّ الأصنام عندهم مطهر ورمز للنجوم السماوية والأنبياء والملائكة ، فهم ـ كما يزعمون ـ يسجدون لأولئك لا للأصنام وخيرهم وشرهم ونفعهم وضررهم بيدها أيضا.

٣٩٦

فالقرآن يبيّن أن الله يعلم الأشياء التي تدعونها ـ كائنا من كان ، وأي شيء كان ـ فكل أولئك المعبودين إزاء قدرته كمثل بيت العنكبوت ، ولا يملكون لأنفسهم شيئا كي يعطوه لكم. ،

والآية الثّالثة ـ من الآيات محل البحث ـ لعلها تشير إلى ما استشكله أعداء الإسلام على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الأمثلة التي ضربها الله ، وكانوا يقولون : الله الذي خلق السماوات والأرض كيف يضرب الأمثال بالعنكبوت والذباب والحشرات وما شاكلها؟

فيردّ القرآن بقوله :( وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ ) .

إنّ أهميّة المثال وظرافته لا تكمن في كبره وصغره ، بل تظهر أهميته في انطباق المثال على المقصود ، فقد يكون صغر الشيء الممثل به أكبر نقطة في قوته.

قالوا في ضرب الأمثال : ينبغي عند الكلام عن الأشياء الضعيفة والتي فيها وهن أن يمثل لها في ما لو اعتمد عليها ببيت العنكبوت ، فهو أحسن شيء ينتخب لهذا الوهن وعدم الثبات ، فهذا المثال هو الفصاحة بعينها والبلاغة ذاتها ، ولذا قيل : إنّه لا يعلم دقائق أمثلة القرآن ولا يدركها إلّا العلماء!.

وفي آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ يضيف القرآن الكريم :( خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) . ليس في عمل الله باطل أو عبث فإذا التشبيه بالعنكبوت وبيته الخاوي هو أمر محسوب بدقّة. وإذا ما اختار موجودا صغيرا للتمثيل به فهو لبيان الحقّ ، وإلّا فهو خالق أعظم المجرّات والمنظومات الشمسيّة وغيرها.

ومن الطريف ـ هنا ـ أن نهاية هذه الآيات تنتهي بالعلم والإيمان ، ففي مكان يقول القرآن :( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) وفي مكان آخر يقول :( وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ ) وفي الآية التي نحن في صددها يقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) .

٣٩٧

وهي إشارة إلى أن وجه الحق مشرق جلي دائما ولكنّه يثمر في الموارد المستعدة في قلب مطّلع باحث ، وعقل يقظ مذعن للحق وإذا كان هؤلاء الذين عميت قلوبهم لا يرون جمال الحق ، فليس ذلك لخفائه ، بل لعماهم! وضلالهم!.

* * *

٣٩٨

الآية

( اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥) )

التّفسير

إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر :

بعد الفراغ من بيان أقسام مختلفة من قصص الأمم السابقة وأنبيائهم العظام وما عاملهم به قومهم من معاملة سيئة مذمومة ، وبيان نهاية هؤلاء الظالمين الاليمة ، يتوجه الخطاب ـ على سبيل تسلية الخاطر ، وتقوية الروحية ، وإراءة الخط الكلّي أو الخطوط العامة ـ للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويأمره بما ينبغي عليه أن يفعل.

فيبدأ أوّلا بقوله :( اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ ) أي اقرأ هذه الآيات فسوف تجد فيها ما تبتغيه وتطلبه من العلم والحكمة والنصح ، ومعيار معرفة الحق من الباطل ، وسبل تنوير القلب والروح ، ومسير حركة كل طائفة ، أو مجموعة واتجاهها!.

اقرأ وامض على نهجها في حياتك ، اقرأها واستلهم منها اقرأها ونوّر قلبك بتلاوتها.

وبعد بيان هذا الأمر الذي يحمل ـ في الحقيقة ـ طابعا تعليميا ، يأتي الأمر

٣٩٩

الثّاني الذي هو محور أصيل للتربية فيقول تعالى :( وَأَقِمِ الصَّلاةَ )

ثمّ يبيّن فلسفة الصلاة الكبرى فيقول :( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١) .

طبيعة الصلاة ـ حيث أنّها تذكر بأقوى رادع للنفس ، وهو الاعتقاد بالمبدأ والمعاد ـ فإنّها تردع عن الفحشاء والمنكر ، فالإنسان الذي يقف للصلاة ، ويكبّر ، يرى الله أعلى من كل شيء وأسمى من كل شيء ، ويتذكر نعمه فيحمده ويشكره ، ويثني عليه وينعته بأنّه رحمان رحيم ، ويذكر يوم الجزاء «يوم الدين» ويعترف بالعبودية له ، ويطلب منه العون ، ويستهديه الصراط المستقيم ، ويتعوذ به من طريق المغضوب عليهم ، ويلتجئ إليه (مضمون سورة الحمد).

فلا شك أنّ قلب مثل هذا الإنسان وروحه سوف تدبّ فيها حركة نحو الحقّ ، واندفاع نحو الطهارة ، ونهوض نحو التقوى.

يركع لله ويضع جبهته على الأرض ساجدا لحضرته ، ويغرق في عظمته ، وينسى أنانيته وذاتيّاته جميعا.

ويشهد بوحدانيته وبرسالة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويصلي ويسلم على نبيّه ، ويرفع يديه متضرعا بالدعاء ليجعله في زمرة عباده الصالحين.

جميع هذه الأمور تمنح وجوده موجا من المعنوية ، وتكون سدا منيعا بوجه الذنوب.

ويتكرر هذا العمل عدة مرّات «ليل نهار» فحين ينهض صباحا يقف بين يدي ربّه وخالقه ليناجيه

__________________

(١) بيّنا الفرق بين الفحشاء والمنكر في تفسير الآية (٩٠) من سورة النحل في عبارة موجزة ، وقلنا : إنّه يمكن التفريق بينهما بأن الفحشاء هي إشارة للذنوب الكبيرة الخفية ، وأمّا المنكر فهو الذنوب الكبيرة الظاهرة ، أو أن الفحشاء هي الذنوب التي تنتج بغلبة القوى الشهوانية ، والمنكر من أثر القوى الغضبية.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وسيكون بعدكم زمان يكون للعامل لله تعالى فيه أجران(١) .

أقول:

فأين حديث خير القرون إذاً؟

وعن أبي عمران الجوني قال: أهدى أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه هدية فيها سلال فاستفتح عمر سلّة منها فذاقها وقال: ردّوه ردوه لا تراه أو لا تذوقه قريش فتذابح عليه(٢) .

أقول:

هذا مبلغ قريش من التديّن في نظر عمر، تذابح على الحلاوة.

عن خارجة بن زيد؛ قال: كان عمر بن الخطّاب كثيرا ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى شيء من الأسفار، وقلما رجع من سفر إلا أقطع زيد بن ثابت حديقة من نخل(٣) .

أقول:

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما يستخلف إذا خرج لغزو أو غيره، فإذا رجع عادت الأجواء إلى ما كانت عليه قبل سفره، ولا حدائق نغل ولا هم يحزنون.

وعن الشعبي: أنّ عمر بن الخطّاب أخذ من رجل فرسا على سوم يحمل عليه رجلا فعطب الفرس فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلا فقال الرّجل: صاحب بيني وبينك شريحا العراقيّ، فأتيا شريحا فقال: يا أمير المؤمنين أخذته صحيحا سليما على سوم فعليك أن تردّه سليما كما أخذته قال: فأعجبه ما قال، ثمّ بعثه قاضيا، ثم قال: ما وجدت في كتاب الله فالزم السّنّة، فإن لم يك في السّنّة فاجتهد رأي(٤) .

____________________

(١) حلية الأولياء، ج ١ ص ٢٦٤.

(٢) في حلية الأولياء، ج ٢ ص ٣١٤.

(٣) أخبار القضاة، محمد بن خلف بن حيان، ج ١ ص ١٠٨.

(٤) أخبار القضاة، محمد بن خلف بن حيان، ج ٢ ص ١٨٩.

٤٢١

أقول:

وهذا يعني أنّ عمر بن الخطّاب كان يرى أنّه ليس على القاضي أن يرجع إلى من هو أعلم منه فيما أشكل عليه، وهذا مخالف لكتاب الله تعالى( فَسْأَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ ) .

وعن عبد الملك بن عمير عمّن سمع ابن عباس أنّ عمر بن الخطّاب قال: عويمل لنا بالعراق خلط في فيء المسلمين أثمان الخمر وأثمان الخنازير! ألم يعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشّحوم أن يأكلوها فجملوها فباعوها وأكلوها أثمانها(١) .

هذه شهادة من عمر ابن الخطاب أن في عماله من لا يبالي ما الحلال وما الحرام.

قالوا: ولما نقب بيت مال المسلمين قال عمر بن الخطاب لعامله هناك: انقله إلى المسجد فلا يزال المسجد فيه مصلّى(٢) أي ليتولى حراسته ومقيلا للعزّاب ومبيتا للغرباء..

أقول:

قولهم (نقب بيت مال المسلمين) يعني أنّ السطو على البنوك كان موجودا على عهد عمر. وعهد عمر هو عهد الصحابة والتابعين، أو عهد خير القرون! على أن في قوله ومبيتا للغرباء لا يمنع أن يكون الغرباء أيضا من المنقبين.

وعن أبي وائل عن يسار بن نمير قال: قال عمر بن الخطّاب: إنّ الرّجل لياتيني فيسألني فأحلف أن لا أعطيه [!] ثمّ يبدو لي فأعطيه، فاذا أمرتك أن تكفّر عنّي فأطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكين نصف صاع من القمح أو صاع من شعير أو تمر. سنده صحيح(٣) .

ويسار بن نمير هذا مولى عمر بن الخطّاب القرشي، وهو خازن عمر. روى عنه أبو

____________________

(١) السنن الصغرى للبيهقي (نسخة الأعظمي) ج ٥ ص ٣٨٢ رقم ٢١١٤.

(٢) أضواء البيان، ج ٨ ص ٣٢٧.

(٣) سنن سعيد بن منصور، ج ٤ ص ١٥٣٥ رقم ٧٨٥.

٤٢٢

وائل شقيق بن سلمة وأبو عاصم الغطفاني.

قالوا في ترجمة هنيّ: هنيّ مولى عمر بن الخطاب، وكان عامل عمر على الحمى. روى عنمولاه عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وشهد معه صفين [!] وعن أبي بكر الصديق. روى عنه ابنه عمير بن هنيّ وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين وقيل إن الذي يروي عن عمرو بن العاص ويروي عنه أبو جعفر رجل آخر مولى لعمرو بن العاص فالله أعلم له ذكر في صحيح البخاري في حديث زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى.. الحديث(١) .

أقول:

نعم، هذا عامل عمر على الحمى يشهد صفين مع الفئة الباغية! وانظر إلى قوله: (روى عنه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين)، يقصدون الإمام الباقر عليه السلام، وكأنّ الإمام عليه السلام بحاجة إلى أن يروي عن الأجانب! وكيف يستسيغ الإمام المطهّر الرّواية عمّن حضر صفّين مع أعداء عليّ عليه السلام؟ سبحانك هذا بهتان عظيم! وإنّما جاء في طبقات ابن سعد ما يلي: أخبرنا خالد بن مخلد قال حدثني سليمان بن بلال قال حدثني جعفر بن محمد قال: سمعت رجلا من الأنصار يحدّث أبي عن هنيّ مولى عمر بن الخطاب قال: كنت أوّل شيء مع معاوية على عليّ، فكان أصحاب معاوية يقولون: لا والله لا نقتل عمّارا أبدا، إن قتلناه فنحن كما يقولون؛ فلمّا كان يوم صفّين ذهبت أنظر في القتلى فإذا عمّار بن ياسر مقتول، قال هني: فجئت إلى عمرو بن العاص وهو على سريره فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء؟ قلت: انظر أكلّمك. فقام إليّ فقلت: عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تقتله الفئة الباغية. فقلت: هو ذا والله مقتول. فقال: هذا باطل! فقلت: بصر به عيني مقتول. قال: فانطلق فأرنيه؛ فذهبت به فأوقفته عليه فساعة رآه انتقع لونه ثمّ أعرض في شقّ وقال: إنّما قتله الذي خرج به(٢) .

____________________

(١) تهذيب الكمال، ج ٣٠ ص ٣١٩ رقم ٦٦٠٨.

(٢) الطبقات الكبرى ج ٣ ص ٢٥٣.

٤٢٣

وأنت تراه يقول: (سمعت رجلا من الأنصار يحدّث أبي عن عني)، فالمحدّث رجل من الأنصار، والمحدّث هو الإمام الباقر عليه السلام، وموضوع الحديث قتل عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه . وليس هذا ممّا يقال فيه (روى عنه) لأنّهم إنّما يقولون ذلك فيما يخصّ حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن ابن سيرين قال: كان عمر إذا استعمل رجلا كتب في عهده: اسمعوا له وأطيعوا ما عدل فيكم قال: فلما استعمل حذيفة كتب في عهده أن اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم(١) .

أقول:

لماذا هذا التخصيص؟ وكلّهم عدول، وكلّهم كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

قال ابن تيمية: وأما سائر المساجد فبين العلماء نزاع في جواز تغييرها للمصلحة وجعلها غير مسجد، كما فعل عمر بن الخطّاب بمسجد الكوفة لما بدّله وجعل المسجد مكانا آخر وصار الأوّل حوانيت التّمارين وهذا مذهب الإمام أحمد وغيره(٢) .

وقد مثّل ابن تيمية لتولية الفاجر بفعل عمر بن الخطّاب فقال: إلاّ أن يمكن الجمع بين الأمرين فيفعل حينئذ تمام الواجب كما كان عمر بن الخطّاب يستعمل من فيه فجور لرجحان المصحلة في عمله، ثمّ يزيل فجوره بقوّته وعدله(٣) .

ومع أن الله تعالى يقول: ( أَمْ نَجْعَلُ الْمُتّقِينَ كَالْفُجّارِ) ، ويقول: ( إِنّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) ويقول ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ) إلا أنّ عمر بن الخطّاب لا يتردّد في تولية من يعجبه! واعجب لابن تيمية يقول عن عمر: يزيل الفجور!

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٥٤٤ رقم ٣٣٧١٦، وتاريخ مدينة دمشق ج ١٢ ص ٢٨٦.

(٢) مجموع الفتاوى، ابن تيمية ج ٢٧ ص ٥٤.

(٣) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج ٣٥ ص ٣١.

٤٢٤

قالوا: كان عمر بن الخطّاب يأمر الناس عقب الحجّ أن يذهبوا إلى بلادهم لئلاّ يضيقوا على أهل مكة(١) .

أقول:

ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يأمر بذلك، فإن يكن هذا اجتهادا من عمر فإنّ الله تعالى لن يحاسب الناس وفق اجتهادات عمر، لأنه سبحانه وتعالى يقول:( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) . وأما الاستشهاد بقوله تعالى( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (٢) . فيحتاج إلى إثبات أنّ الحاكم هو وليّ الأمر سواء جاءت به السّقيفة أو الدّبّابة أو الانقلاب العسكري، وساعتها يغدو واجبا على المسلمين طاعة (أبو رقيبة) و (السّادات) و (جعفر النّميري) و (معاوية ولد الطايع) وآخرين.

وقال السيوطي (تاريخ الخلفاء، ج ١ ص ١١٦): وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال عمر: هان شيء أصلح به قوما أن أبدلهم أميرا مكان أمير.

قال ابن أبي الحديد: ومحمد بن مسلمة بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حادثة ابن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الحارثي المتوفى ٤٣ بالمدينة، من أنصار عمر بن الخطّاب ومن ملازميه واعتزل الخروج مع الإمام علي عليه السلام فلم يشهد الجمل ولا صفّين، ولاّه عمر على صدقات جهينة، وكان عند عمر معدّاً لكشف الأمور المعضلة في البلاد، وهو كان رسوله في الكشف عن سعد بن أبي وقّاص حين بنا القصر بالكوفة(٣) .

____________________

(١) دقائق التفسير، ابن تيمية، ج ٢ ص ٤٨.

(٢) النساء: ٥٩.

(٣) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ٦ ص ٤٨.

٤٢٥

أقول:

وذكر ابن أبي الحديد أيضا أن سعد بن إبراهيم روى أنّ عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم، وأن محمد بن مسلمة كان معهم، وأنّه هو الذي كسر سيف الزبير(١) . ويفهم من ذلك أنّ محمّد بن مسلمة كان المدير العامّ لجهاز المخابرات في عهد عمر بن الخطاب.

وعن تميم بن سلمة قال: قدم عمر بن الخطّاب من سفر فقبّل يده أبو عبيدة بن الجرّاح ثمّ خلوا يتناجيان حتى بكيا جميعا(٢) .

أقول:

ما هو الحديث الذي أبكى الرجلين، ولماذا يبكيهما دون غيرهما؟!.

عن أبي بكرة بن أبي موسى ان أبا موسى أتى عمر بن الخطّاب بعد العشاء قال فقال له عمر بن الخطّاب ما جاء بك؟ قال: جئت أتحدّث إليك. قال: هذه الساعة؟ قال: إنّه فقه! فجلس عمر فتحدّثا ليلا طويلا حسبته قال ثمّ إنّ أبا موسى قال الصلاة يا أمير المؤمنين قال إنّا في صلاة(٣) .

مع بيت المال

وعن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كان عمر يحلف على أيمان ثلاث يقول: والله ما أحد أحقّ بهذا المال من أحد، وما أنا بأحقّ به من أحد، والله ما من المسلمين أحد إلاّ وله في هذا المال نصيب إلا عبدا مملوكا ولكنّا على منازلنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالرّجل وبلاؤه في الإسلام والرّجل وقدمه في الإسلام والرّجل وغناؤه في الإسلام والرّجل وحاجته، ووالله لئن بقيت لهم ليأتينّ الرّاعي بجبل صنعاء حظّه من هذا المال وهو يرعى مكانه(٤) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ٦ ص ٤٨.

(٢) الجامع في الحديث، ج ١ ص ٢٥٩ رقم ١٧٣.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ج ٢ ص ٧٩ رقم ٦٦٩٣.

(٤) مسند أحمد بن حنبل جص ٤٢ رقم ٢٩٢.

٤٢٦

أقول:

هذا التقسيم مخالف لما كانت عليه سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكأنّ عمر لا يدري ما يقول حين يصرّح أنه والله ما أحد أحقّ بهذا المال من أحد ثم يقول بعد ذلك ولكنّا على منازلنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالرّجل وبلاؤه في الإسلام..؛ وهذه المنازل التي يتحدث عنها تتعلق بالآخرة لا بالدنيا. ولو كانت تتعلق بالدنيا لكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول من يعمل بذلك، ولم يفعل، بل عامل الناس على أساس العدل، وأما الأجر والثواب فمسألة أخرى. ومن جهة ثانية فإن ذيل كلام عمر هذا يفيد أنّ عمر كان ينوي تغيير سياسته المالية إن بقي، لكنّه لم يبق، فلم يغيّر، ولعلّ هذا الكلام هو الذي عجّل بقتله بغضّ النظر عمّا نسبوه إلى أبي لؤلؤة.

وعن الزّهريّ عن يزيد بن هرمز أن نجدة الحروري حين خرج من فتنة بن الزّبير أرسل إلى ابن عبّاس يسأله عن سهم ذي القربى لمن تراه؟ قال: هو لنا لقربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم وقد كان عمر عرض علينا منه شيئا رأيناه دون حقّنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك(١) .

عن زيد بن ثابت قال: كان عمر يستخلفني على المدينة فو الله ما رجع من مغيب قطّ إلاّ قطع لي حديقة من نخل(٢) .

و كان من آثار سيرة عمر مع بيت المال أن تخبّط أقوام في الفقر إلى درجة خطيرة، وتقلب أقوام في الثراء حتى بطروا. فقد ذكروا أنّ الحطيئة هجا الزّبرقان بن بدر فشكاه إلى عمر بن الخطاب، فدعاه عمر ثم أمر بسجنه، فكتب إليه الحطيئة من السّجن أبياتا من الشعر يستعطفه فيها، وأخبر عمر برقّة حاله وقلّة نصرة قومه له فدعاه وجرى بينهما حوار؛ قال عرم للحطيئة: ويحك يا جرول لم تهجو المسلمين؟ قال: لخصال احتوتني،

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل، جص ٣٢٠.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ٢٤٣ تحت رقم ١١٦٧٧.

٤٢٧

إحداهنّ إنّما هي نملة تدب على لساني، وأخرى إنما هي كسب عيالي بعد، وثالثة أنّ الزبرقان ذو يسار في قومي وقد عرف رقة حالي وكثرة عيالي فلم يعطف عليّ وأحوجني إلى المسألة، فلمّا سألته حرمني يا أمير المؤمنين، والسّؤال ثمن لكلّ نوال، وكنت أراه يتمرّغ في مال الله ورسوله وأنا أتشحّط في الفقر والعيلة، وكنت أراه يتجشأ جشاء البعير وأنا أتقفّر فتات خبز الشّعير في رحلي مع عيالي، ويا أمير المؤمنين، من عجز عن القوت كان أعجز منه عن السكوت. فدمعت عينا عمر وقال: كم رأس مالك من العيال؟ فعدّهم عليه، فأمر لهم بطعام وكسوة ونفقة ما يكفيه سنة وقال له إذا احتجت فعد إلينا فلك عندنا مثلها فقال جرول: جزاك الله(١) .

وفي مصنّف ابن أبي شيبة: قال (عمر): يا عتبة، إنّا ننحر كلّ يوم جزورا، فأمّا ودكها وأطايبها فلمن حضر من آفاق المسلمين، وأمّا عنقها فلآل عمر(٢) .

أقول:

كلّ يوم عنق جزور لآل عمر من بيت المال!

____________________

(١) كنز العمال ج ٣ ص ٣٣٩.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٦ ص ٤٦٠.

٤٢٨

الفصل السابع

أحوال عمر مع معاصريه

٤٢٩

٤٣٠

كيف تعامل عمر مع الصحابة والتابعين؟

هذا سؤال يجيب عنه الخليفة بعده عثمان بن عفان الأموي، فقد قال عثمان يوما: لقد وطئكم ابن الخطاب برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم(١) .. وعليه، فإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) فإن عمر بن الخطّاب شديد عليهم عنيف إلى درجة أن عثمان يشهد أنه وطئهم برجله، وهذه كلمة عظيمة، لأنّه لا يحلّ لأحد أن يطأ برجله أقواما انطوت صدورهم على كلمة لا إله إلا الله، ولم يذكر التاريخ أنّ عمر بن الخطّاب وطئ الكفار في ساحات الحرب، ولا بد من مناقشة هذا وإن رغمت أنوف. فالإسلام لم يكن يوما من الأيام دين قريش، وإنما هو دين الله تعالى يريد به إنقاذ البشرية من الضلال والهلاك، والناس فيه على قدر إيمانهم وأعمالهم. والإيمان كلّ الإيمان في طاعة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير قيد أو شرط، والعمل الصالح طرقه وشعبه كثيرة، ومن أعلاها وأعظمها عند الله تعالى الجهاد في سبيل الله. وحتى لا يشكّ أحد في ذلك أخبر الله تعالى عباده أنّه يحبّ الذين يقاتلون في سبيله ويفضّلهم على غيرهم. فمن ذاك قوله تعالى( إِنّ اللّهَ يُحِبّ الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) (٢) ، وقوله تعالى( لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى‏ وَفَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى‏ الْقَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيماً ) (٣) . ومن صفات المؤمنين الذين يحبهم الله تعالى ويحبونه أنهم أذلة على المؤمنين:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ

____________________

(١) تاريخ الطبري، ج ٣ ص ٣٧٧ والكامل في التاريخ، ج ٢ ص ٨ والمنتظم، ج ٢ ص ٨٠ وتاريخ الرسل والملوك، ج ٢ ص ٤٦٩ والبداية والنهاية، ج ٧ ص ١٨٩ ونهاية الأرب في فنون الأدب، ج ٥ ص ٣١١.

(٢) الصف: ٤.

(٣) النساء: ٩٥.

٤٣١

عَلِيمٌ ) (١) . فأين عمر من هذا إذا كان يطأ المؤمنين برجله لأنه حاكمن بينما كان يفرّ من المشركين في الحرب بسرعة الأروى كما يشهد به هو نفسه. إن الذي يطأ المؤمنين برجله ويفرّ من المشركين بكلتا رجليه هو على العكس تماما من قوله تعالى( أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ ) .

عن حمزة بن صهيب عن أبيه عن عمر بن الخطّاب أنه قال لصهيب: إنّك لرجل لو لا خصال ثلاثة قال: وما هنّ؟ قال: اكتنيت وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت رجل من الروم، وفيك سرف في الطّعام. قال: يا أمير المؤمنين، أمّا قولك اكتنيت وليس لك ولد فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّاني أبا يحيى. وأمّا قولك أنتميت إلى العرب وأنت رجل من الروم فإنّي رجل من النّمر بن قاسط استبيت من الموصل بعد أن كنت غلاما قد عرفت أهلي ونسبي، وأما قولك فيك سرف في الطعام فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إنّ خيركم من أطعم الطّعام. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٢) .

أقول:

لا يقصد عمر أنّ صهيبا كثير الأكل، وإنّما يقصد أنّه كثير الإطعام، ولهذا ردّ عليه بالحديث الذي سمعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليست هذه أوّل مرة فإنّ له مثلها مع سعد بن قيس بن عبادة.

وعن الأوزاعيّ أنه بلغه أنّ عمر بن الخطّاب كان له يلقى عكرمة بن أبي جهل إلا شتم أبا جهل، فأتى عكرمة رسول الله عليه السلام فذكر ذلك له فقال رسول الله عليه السلام لا يسبّنّ الهالك يؤذى به الحيّ(٣) .

أقول:

كان في وسع عكرمة أن يسبّ الخطّاب، فإن الخطّاب أيضا مات على الشّرك،

____________________

(١) المائدة: ٥٤.

(٢) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج ٤ ص ٢٧٨.

(٣) الجامع في الحديث ج ٢ ص ٤٨١ تحت رقم ٣٦٥.

٤٣٢

و ( مَنِ اعْتَدَى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى‏ عَلَيْكُمْ) ، ولكن كل إناء بالذي فيه ينضح.

وعن أسامة بن زيد قال: سمعت مكحول الدمشقي يقول: دخل عوف بن مالك الأشجعي على عمر بن الخطّاب وعليه خاتم من ذهب فضرب عمر يده وقال: ارم بهذا! فرمى به. فقال عمر: ما أرانا إلا قد أوجعناك وأهلكنا خاتمك. ثمّ جاء الغد وعليه خاتم من حديد فقال استبدلت حلية أهل النّار، قال فرمى به. ثم جاء الغد وعليه خاتم من ورق فسكت عنه(١) .

أقول: عوف بن مالك فيه كلام.

وعن نافع قال: بلغ عمر بن الخطّاب أن أناسا يأتون الشّجرة التي بويع تحتها قال فأمر بها فقطعت(٢) .

أقول:

هذا يعني أنّه كان هناك خلاف بين عمر وبين كثير من الصّحابة في مسائل ترتبط بالعقيدة.

عن إياس بن دغفل قال: سئل الحسن عن امرأة جعلت عليها أن أخرج زوجها من السجن أن تصلي في كل مسجد تجمع فيه الصلاة بالبصرة ركعتين، فقال الحسن تصلي في مسجد قومها فإنها لا تطيق ذلك، لو أدركها عمر بن الخطّاب لأوجع رأسها(٣) .

أقول:

ما أقواه وأقدره على ضرب النساء، وما أسهل ضرب النساء.

وعن محمّد بن السائب عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطّاب رأى رجلا يقود بامرأته على بعير ترمي الجمرة قال فعلاها بالدرة إنكارا لركوبها(٤) .

____________________

(١) الجامع في الحديث ج ٢ ص ٦٩٠ تحت رقم ٥٩٤.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة: ج ٢ ص ١٥٠ تحت رقم ٧٥٤٥.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٢ ص ١٥٧ تحت رقم ٧٦١٨.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٣ ص ٢٣٢ تحت رقم ١٣٧٤٤..

٤٣٣

أقول:

حتى المحرم في الشهر الحرام في البلد الحرام لا يسلم من درّة عمر.

انظر إلى ذلك الأدب، فهو يضرب المرأة أمام زوجها ويضرب الرجل أمام زوجته فيهتك حرمتهما جميعا وهما في حال أداء شعيرة من شعائر الحجّ!

وعن هلال بن أمية أن عمررضي‌الله‌عنه استعمل عياض بن غنم على الشّام فبلغه أنه اتخذ حماما واتخذ نوابا، فكتب إليه أن يقدم عليه فقدم، فحجبه ثلاثا ثم أذن له ودعا بجبة صوف فقال: البس هذه، وأعطاه كنف الراعي وثلاثمائة شاة وقال: انعق بها! فنعق بها، فلما جاوز هنيهة قال: أقبل. فأقبل يعسى حتى أتاه فقال: اصنع بها كذا وكذا، اذهب. فذهب حتى إذا تباعد ناداه يا عياض أقبل. فلم يزل يردّده حتى عرقه في جبته قال: أوردها علي يوم كذا وكذا؛ فأوردها لذلك اليوم، فخرج عمررضي‌الله‌عنه إليه فقال: انزع عليها؛ فاستقى حتى ملأ الحوض فسقاها، ثم قال: انعق بها، فإذا كان يوم كذا فأوردها فلم يزل يعمل به حت مضى شهران؛ قال: فاندسّ إلى امرأة عمررضي‌الله‌عنه وكان بينه وبينها قرابة فقال: سلي أمير المؤمنين فيم وجد علي فلما دخل عليها قالت: يا أميرالمؤمنين فيم وجدت على عياض؟ قال: يا عدوّة الله وفيم أنت وهذا ومى كنت تدخلين بيني وبين المسلمين؟ إنما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين. قال: فأرسل إليها عياض ما صنعت؟ فقالت: وددت إني لم أعرفك ما زل يوبّخني حتّى تمنيت أنّ الأرض انشقّت فدخلت فيها. قال: فمكث ما شاء الله ثم اندسّ إلى عثمانرضي‌الله‌عنه فقال: سله فيم وجد عليّ، فقال: يا أمير المؤمنين فيم وجدت على عياض؟ فقال: إنّه مرّ إليك عياض. فقال: شيخ من شيوخ قريش. قال: فتركه بعد ذلك شهرين أو ثلاثة ثمّ دعاه فقال: هيه اتّخذت نوّابا واتّخذت حمّاما، أتعود؟ قال: لا. قال: ارجع إلى عملك.

عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال لما قدم جعفر من أرض الحبشة لقي عمر بن الخطّاب أسماء بنت عميس فقال لها: سبقناكم بالهجرة ونحن أفضل منكم! فقالت: لا أرجع حتى آتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله لقيت عمر فزعم

٤٣٤

أنّه أفضل منّا، وأنّهم سبقونا بالهجرة؛ فقال نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل أنت، هاجرتم مرتين. قال إسماعيل فحدثني سعيد بن أبي بردة قال قالت يومئذ لعمر: ما هو كذلك، كنا مطرودين بأرض البغضاء والبعداء وأنتم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعظ جاهلكم ويطعم جائعكم(١) .

أقول: يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأسماء بنت عميس: (بل أنت..) جوابا عن سؤالها الذي تضمن قولها عن عمر (زعم أنه أفضل منا)، فيكون معنى الكلام: (أنت ومن معك من مهاجري الحبشة أفضل من عمر..)، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق عن الهوى، لكنّ ثقافة الكرسي تردّ كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتجعل عمر الذي تعددت فراراته من المعارك أفضل ممن يصلي عليهم عمر في صلاته حين يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)! فأين يكون محل ثقافة الكرسي من الإعراب في الإسلام؟!

وعن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني أن عمر بن الخطّاب قال: يا أهل الكوفة، أنتم رأس العرب وجمجمتها، وسهمي الذي أرمي به إن أتاني شيء من ها هنا و ها هنا، وإنّي بعثت إليكم بعبد الله بن مسعود واخترته لكم وآثرتكم به على نفسي إثرة(٢) .

أقول:

ومع ذلك يقول عنه كنيف ملئ علما، و الكنيف في لغة العرب معلوم.

وفي مصنف ابن أبي شيبة: عمل عمر بن الخطّاب ففتح الفتوح وجاءته الأموال فقال إن: أبا بكر رأى في هذا الأمر رأيا ولي فيه رأي آخر، لا أجعل من قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمن قاتل معه، ففرض للمهاجرين والأنصار ممّن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف وفرض لمن كان له الإسلام كإسلام أهل بدر ولم يشهد بدرا أربعة آلاف أربعة آلاف وفرض لأزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثني عشر ألفا اثني عشرة ألفا إلا صفية وجويرية فرض لهما ستة آلاف ستة آلاف فأبتا أن تقبلا فقال لهما إنما فرضت لهنّ للهجرة فقالتا: إنما فرضت لهنّ لمكانهنّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولنا مثله؛ فعرف ذلك عمر

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٣٨٠ تحت رقم ٣٢١٩٨.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ج ٦ ص ٤٠٨ تحت رقم ٣٢٤٤٥.

٤٣٥

ففرض لهما اثني عشرة ألفا اثني عشرة ألفا، وفرض للعباس اثني عشر ألفا، وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف، وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف فقال: يا أبت لم زدته علي ألفا؟ ما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لأبي، وما كان له ما لم يكن لي؟ فقال ك إنّ أبا أسامة كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبيك وكان أسامة أحبّ إلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك! وفرض لحسن وحسين خمسة آلاف خمسة آلاف وألحقهما بأبيهما لمكانهما من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرض لأبناء المهاجرين والأنصار ألفين ألفين، فمر به عمر بن أبي سلمة فقال: زيدوه ألفا فقال له محمد بن عبد الله بن جحش: ما كان لأبيه ما لم يكن لآبائنا وما كان له ما لم يكن لنا! فقال: إني فرضت له بأبيه أبي سلمة ألفين وزدته بأمه أم سلمة ألفا فإن كانت لك أم مثل أمه زدتك ألفا. وفرض لأهل مكة وللناس ثمانمائة، ثمانمائة، فجاءه طلحة بن عبيد الله بأخيه عثمان ففرض له ثمانمائة فمر به النضر بن أنس فقال عمر: افرضوا له ألفين. فقال طلحة: جئتك بمثله ففرضت له ثمانمائة درهم وفرضت لهذا ألفين، فقال: إن أبا هذا لقيني يوم أحد فقال لي ما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: ما أراه إلا قد قتل! فسلّ سيفه فكسر غمده وقال إن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قتل فإن الله حيّ لا يموت فقاتل حتى قُتل، وهذا يرعى الشّاء في مكان كذا وكذا(١) ...

أقول:

هذا كان يرعى الشاء، وماذا فعل عمر؟! ألم يفرّ ويترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الأعداء عرضة للقتل. ولأن يرعى المرء الشاء أعذر له عند الله من أن يسلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأعداء ويفرّ فرار العبيد. ثمّ هو يقول: لا أجعل من قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمن قاتل معه! فإن كان صادقا في ما يقول، فما باله يؤمّر من قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من قاتل معه، والعطاء دون الإمرة بكثير؟!

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٦ ص ٤٥٣.

٤٣٦

قال ابن تيمية: وكذلك أبو بكر الصديق قال لعمر بن الخطّاب لما قال له يا خليفة رسول الله تألّف الناس فأخذ بلحيته وقال: (يا ابن الخطّاب أجبارا في الجاهلية خوّارا في الإسلام؟ علام أتألّفهم؟ أعلى حديث مفترى أم على شعر مفتعل(١) ؟!

وأخرج ابن سعد عن الواقدي بسنده إلى ثعلبة بن أبي مالك قال: مات الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان فضرب على قبره فسطاط في يوم صائف فتكلم الناس في ذلك فقال عثمان: قد ضرب في عهد عمر على زينب بنت جحش فسطاط فهل رأيتم عائبا عاب ذلك(٢) .

وقال ابن تيمية: وقد قالوا لعمر بن الخطّاب في أهل الشورى أمّر فلانا وفلانا فجعل يذكر في حقّ كل واحد من الستّة وهم أفضل الأمّة أمرا جعله مانعا له من تعيينه(٣) .

أقول:

نعم، لأنه هو نفسه لم يكن فيه أيّ عيب يمنع من تعيينه، بل كان طاهرا مطهّرا معصوما! ثمّ ما هو الأمر المانع في علي عليه السلام؟ زعموا أنّه فيه دعابة، لأن وجهه كان طلقا وفق وصف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمؤمن بقوله (المؤمن بشره في وجهه)، ولم يكن وجهه عبوسا قمطريرا يوهم بالجدّ، حتى إذا جدّ الجدّ كان همّه الفرار!

قال ابن تيمية: وعمر بن الخطّاب أمر برجل فضّله على أبي بكر أن يجلد لذلك(٤) .

أقول:

بناء عليه ينبغي جلد بعض مثقفي عصرنا الذين فضّلوا عمر على أبي بكر وصرحوا بذلك على الفضائيات.

ودخل أبو موسى الأشعري على عمر بن الخطّاب فعرض عليه حساب العراق فأعجبه ذلك قال: أدع كاتبك يقرؤه عليّ. فقال: إنّه لا يدخل المسجد! قال: ولم؟ قال:

____________________

(١) مجموع الفتاوى، ج ٢ ص ٤٢.

(٢) الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، ج ٢ ص ١٠٥.

(٣) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، جزء ٢٨ ص ٢٣١.

(٤) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج ٢٨ ص ٤٧٤.

٤٣٧

لأنّه نصرانيّ. فضربه عمر بالدرّة فلو أصابته لأوجعته(١) .

قال ابن تيمية: كان سعد بن أبى وقاص قد بنى له بالكوفة قصرا وقال أقطع عنى النّاس. فأرسل إليه عمر بن الخطّاب محمّد بن مسلمة وأمره أن يحرّقه، فاشترى من نبطيّ حزمة حطب وشرط عليه حملها إلى قصره فحرّقه(٢) !

وبلغ عمر بن الخطّاب أنّ قوما يقصدون الصّلاة عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان التي بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحتها فأمر بتلك الشجرة فقطعت(٣) .

قال ابن تيمية: وقد ضرب عمر بن الخطّاب أبي بن كعب بالدّرّة لما رأى الناس يمشون خلفه فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا ذلّة للتّابع وفتنة للمتبوع(٤) .

أقول:

إذا كان الله تعالى يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات فإن عمر بن الخطّاب لا يرى حرجا في ضرب العلماء بالدرة على مرأى من الناس، وكل ذلك باسم الإسلام!

وروى أبو سعيد مولى الأنصار قال: كان عمر لا يدع سامرا بعد العشاء يقول: ارجعوا لعلّ الله يرزقكم صلاة أو تهجّدا، فانتهى إلينا وأنا قاعد مع ابن مسعود وأبيّ بن كعب وأبي ذر فقال: ما يقعدكم؟قلنا: أردنا أن نذكر الله، فقعد معهم(٥) .

وعن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري أنّ جيشا من الأنصار كانوا بأرض فارس مع أميرهم، وكان عمر يعقب الجيوش في كلّ عام فشغل عنهم عمر، فلما مرّ الأجل قفل أهل ذلك الثّغر فاشتدّ عليهم وتوعّدهم وهم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا عمر، إنّك غفلت عنّا وتركت فينا الذي أمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إعقاب بعض الغزية

____________________

(١) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج ٢٨ ص ٦٤٣.

(٢) مجموع الفتاوى، ابن تيمية ج ٣٥ ص ٤٠.

(٣) الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ج ٢ ص ٤٤٠.

(٤) منهاج السنة النبوية، ج ٦ ص ٢٥٦.

(٥) الثمر المستطاب، ج ١ ص ٧٦.

٤٣٨

بعضا(١) .

قالوا: عزل عمر خالدا عن إمارة حمص في سنة سبع عشرة، وأقامه للناس، وعقله بعمامته، ونزع قلنسوته عن رأسه وقال: أعلمني، من أين لك هذا المال؟ وذلك أنه أجاز الأشعث ابن قيس بعشرة آلاف درهم، فقال: من الأنفال والسّهمان؟ فقال: لا والله، لا تعمل لي عملا بعد اليوم، وشاطره ماله، وكتب إلى الأمصار بعزله، وقال: إنّ النّاس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه، وأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع(٢) .

أقول:

بخصوص هذه القضية اتّهم بعض أقارب خالد(٣) عمر بن الخطّاب بالحسد.

قال عمر [لأصحاب الشورى]: أفلا أخبركم عن أنفسكم! قال: قل، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا. فقال: أما أنت يا زبير فوعق لقس، مؤمن الرضا، كافر الغضب، يوما إنسان ويوما شيطان، ولعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدّ من شعير! أفرأيت إن أفضت إليك، فليت شعري، من يكون للنّاس يوم تكون شيطانا، ومن يكون يوم تغضب! وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمّة، وأنت على هذه الصّفة. ثم أقبل على طلحة وكان له مبغضا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر فقال له: أقول أم أسكت: قال: قل، فإنّك لا تقول من الخير شيئا، قال: أما إنّي أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد وائيا بالذي حدث لك، ولقد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب. - يقول ابن أبي الحديد - قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ رحمه الله تعالى. الكلمة المذكورة أنّ طلحة لما أنزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما الذي يعنيه حجابهنّ اليوم، وسيموت غدا فننكحهنّ! قال أبو عثمان أيضا: لو قال لعمر قائل: أنت قلت: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) صحيح أبي داود ج ٢ ص ٥٧١ * (صحيح الإسناد).

(٢) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١ ص ١٨٠.

(٣) هو أبو عمرو بن حفص بن المغيرة.

٤٣٩

مات وهو راض عن الستة، فكيف تقول الآن لطلحة أنه مات عليه السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه! ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا، فكيف هذا! قال: ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص فقال: إنما أنت صاحب مقنب من هذه المقانب، تقاتل به، وصاحب قنص وقوس وأسهم، وما زهرة والخلافة وأمور الناس! ثم أقبل على عبد الرّحمن بن عوف، فقال: وأما أنت يا عبد الرّحمن فلو وزن نصف إيمان المسلمين بغيمانك لرجح إيمانك به، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك، وما زهرة وهذا الأمر! ثم أقبل على عليّ عليه السلام، فقال: لله أنت لو لا دعابة فيك! أما والله لئن وليتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح، والمحجّة البيضاء. ثم أقبل على عثمان، فقال: هيها إليك! كأنّي بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك(١) ، فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب، فذبحوك على فراشك ذبحا. والله لئن فعلوا لتفعلنّ ن ولئن فعلت ليفعلنّ، ثم أخذ بناصيته، فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنه كائن. ذكر هذا الخبر كله شيخنا أبو عثمان في كتاب السفيانية وذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر(٢) .

أقول:

قول عمر فإذا كان ذلك فاذكر قولي، فإنّه كائن يدلّ على أن عمر يعلم بما تؤول إليه الأمور لو وليها عثمان، ومع ذلك رشّحه، والأمر - كما يقول - لقريش، وقريش تحبّ عثمان، فالمسألة محسومة؛ فأين النّصيحة للمسلمين وهو يفتح باب فتنة لا زال مفتوحا إلى هذه السّاعة؟!

وعن ناشرة بن سمي اليزني قال: سمعت عمر بن الخطّاب وهو يخطب الناس فقال:

____________________

(١) لحبها إياه وليس لتقوى أو جهاد أو علم أو صدق.. هذه معايير قريش. قريش التي لم تحبب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّت عثمان!

(٢) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١ ص ١٨٥ - ١٨٦.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564