الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب3%

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 564

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب
  • البداية
  • السابق
  • 564 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91085 / تحميل: 7607
الحجم الحجم الحجم
الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب

مؤلف:
الناشر: انتشارات دارالتفسير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

بالحقّ في ما اختلفوا فيه). قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة(١) .

أقول:

عمر يشهد على نفسه بحبّ الإمارة يومها، ويوم خيبر أيضا يقول: ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ، فما أكثر التّناقض في كلام عمر مع شهادته على نفسه بحبّ الإمارة، وقد رووا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (إنّا والله لا نولّي هذا الأمر من يحبّه أو من يحرص عليه) وعليه يكون عمر في نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير أهل لأن يؤمّر على النّاس لأنّه يحبّ الإمارة ويحرص عليها، وقد بلغ به حبّه إيّاها وحرصه عليها أن هدّد بتحريق البيت على المطهّرين بنصّ الكتاب العزيز!.

وعن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: ضبّ أحبّ إليّ من دجاجة(٢) .

أقول: لا تعليق!

وعن يزيد بن هارون قال حدثنا داود عن أبي نضرة قال: قال عمر إن الله لينفع بالضّبّ فإنّه لطعام عامّة الرّعاء، ولو كان عندي لطعمت منه(٣) .

وقال مسدد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن عبد الرحمن قال: سألت محمد بن سيرين عن دخول الحمام فقال: كان عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه يكرهه(٤) .

وعن عبد الله بن محمد بن قنفد عن ابن أخي ابن هشام عن عمّه قال: كان عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه يأمر برواية قصيدة لبيد بن ربيعة التي يقول فيها: إن تقوى ربنا خير نفل * وبإذن الله ريثى والعجل(٥) ..

أقول: يحذف حيّ على خير العمل ويأمر برواية الشّعر!

____________________

(١) مختصر ابن كثير، ج ١ ص ٢٢٣.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ج ٥ ص ١٢٥ تحت رقم ٢٤٣٥٦.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة، ج ٥ ص ١٢٤ تحت رقم ٢٤٣٥٤.

(٤) المطالب العالية ج ٢ ص ٤٦٤ تحت رقم ١٧٥.

(٥) حلية الأولياء ج ٣ ص ٣٦٩.

٦١

وعن أبي إسحاق الشيباني عن خناس بن سحيم قال: أقبلت مع زياد بن جرير من الكناسة فقلت في كلامي: لا والأمانة فجعل زياد يبكي ويبكي حتّى ظننت أنّي أتيت أمرا عظيما فقلت له: أكان يكره ما قلت؟ قال: نعم، كان عمر بن الخطّاب أمير المؤمنينرضي‌الله‌عنه ينهى عن الحلف بالأمانة أشدّ النهي(١) .

قال عمر بن الخطّاب: الحجّ أشهر معلومات قال: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، فمن فرض فيهن الحجّ قال عمر بن الخطّاب: لا عمرة في أشهر الحجّ، فكلّم في ذلك فقال: إنّي أحبّ أن يزار البيت، إذا جعلت العمرة في أشهر الحجّ لم يفد الرّجل إذا حجّ البيت أبدا(٢) .

أقول: وما شأن النّاس؟ إذا كان عمر يحبّ أن يزار البيت أو لا يزار فهذه مشكلته هو، فلماذا يمنع النّاس من العمرة في أشهر الحجّ؟! لماذا يمنع النّاس من شيء أحلّه الله موافقة لمزاجه هو؟!

كان شديدا على النساء

كان عمر بن الخطّاب شديدا على النّساء، ولهذا لقي الرّد السّلبي أكثر من مرة. ذكروا أنه خطب أم كلثوم ابنة أبي بكر الصديق إلى عائشة فقالت أمّ كلثوم: (لا حاجة لي فيه، إنه خشن العيش شديد على النساء)(٣) .

يحب الضرب بالدرّة

روى الهيثمي من طريق جابر وابن عباس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال قبل وفاته بأقلّ من شهر: (معاشر المسلمين أناشدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتصّ منّي قبل القصاص في القيامة؛ فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة فتخطّى المسلمين حتّى وقف بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: فداك أبي وأمّي لو لا أنّك

____________________

(١) حلية الأولياء، ج ٤ ص ١٩٦.

(٢) شرح العمدة، ج ٢ ص ٣٨٢.

(٣) الكامل في التاريخ، ج ٢ ص ٤٥٠.

٦٢

نشدتنا بالله مرة بعد أخرى ما كنت بالذي أتقدم على شيء من هذا. كنت معك في غزاة فلما فتح الله عزوجل علينا ونصر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان في الانصراف حاذت ناقتي ناقتك فنزلت عن الناقة ودنوت منك لأقبل فخذك فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، ولا أدري أكان عمدا منك أم أردت ضرب النّاقة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعيذك بجلال الله أن يتعمّدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالضّرب؛ يا بلال، انطلق إلى بيت فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق ح فخرج بلال من المسجد ويده على أمّ رأسه وهو ينادي: هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطي القصاص من نفسه، فقرع الباب على فاطمة فقال: يا بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناوليني القضيب الممشوق. فقالت له فاطمة: يا بلال، وما يصنع أبي بالقضيب وليس هذا يوم حج ولا يوم غزاة؟ فقال: يا فاطمة، ما أغفلك عمّا فيه أبوك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يودّع النّاس ويفارق الدّنيا ويعطي القصاص من نفسه، فقالت فاطمة عليها السلام: ومن ذا الذي تطيب نفسه أن يقتصّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فرجع بلال إلى المسجد ودفع القضيب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القضيب إلى عكاشه؛ فلمّا نظر أبوبكر وعمررضي‌الله‌عنه إلى ذلك قاما وقالا: يا عكاشة هذا نحن بين يديك فاقتصّ منا ولا تقتصّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : امض يا أبا بكر، وأنت يا عمر فامض، فقد عرف الله مكانكما ومقامكما. فقام علي بن أبي طالب فقال: يا عكاشة، أنا في الحياة بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا تطيب نفسي أن تضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا ظهري وبطني فاقتصّ منّي بيدك واجلدني مائة ولا تقتصّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ، اقعد فقد عرف الله لك مقامك ونيّتك. وقام الحسن والحسين فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنّا سبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقصاص منّا كالقصاص من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال لهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقعدا يا قرة عيني لا نسي الله لكما هذا المقام. ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عكاشة، اضرب إن كنت ضاربا. قال: يا رسول الله ضربتني وأنا حاسر عن بطني. فكشف عن بطنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاح المسلمون بالبكاء وقالوا: أترى عكاشة ضارب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فلمّا نظر عكاشة إلى بطن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنّه القباطي لم يملك أن أكبّ عليه فقبّل بطنه وهو يقول: فداك أبي وأمّي ومن تطيب نفسه أن

٦٣

يقتصّ منك؟ فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إمّا أن تضرب وإمّا أن تعفو. قال: قد عفوت عنك يا رسول الله رجاء أن يعفو الله عنّي في يوم القيامة. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سرّه أن ينظر إلى رفيقي في الجنّة فلينظر إلى هذا الشّيخ. فقام المسلمون فجعلوا يقبّلون ما بين عيني عكاشة ويقولون: طوباك! طوباك! نلت درجات العلا ومرافقة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

أقول: هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرى في ضربة بقضيب لأحد أفراد جيشه في غزوة من غزواته القصاص، ويطلب من المضروب أن يقتصّ منه في الدّنيا قبل الآخرة كي يلقى الله تعالى وليس في ذمته حقّ لإنسان. وقد كان عمر بن الخطّاب حاضرا كما تشير إليه القصّة، بل إنّه اقترح على المضروب أن يقتصّ منه بدل أن يقتصّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومثل هذا الموقف لا ينسى، فهل فهم عمر بن الخطاب الدّرس؟ أو بعبارة أخرى إذا كانت هذه هي الحال مع قضيب مشوق فكيف يكون الموقف مع الدّرّة؟! وهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب شخصا واحدا بالقضيب غير متعمّد، ورأى في ذلك قصاصا، فما هو عدد المسلمين الذين ضربهم عمر بالدّرّة على رؤوسهم وأمام أقاربهم ولم يعتذر إلى أحد منهم؟ وإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم لم يستجز ضرب رجل واحد ضربة واحدة فمن أين جاز لعمر أن يضرب المسلمين عشر سنين بدرّته التي لا تفارقه، لا يفرّق في ذلك بين الرجال والنّساء؟!

قال ابن تيمية: كان عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه يؤدب بالدّرّة فإذا جاءت الحدود دعا بالسّوط(٢) .

وإليك بعض ما حفل به ملفّ درّة عمر:

قال الرازي: وأما الأثر فما روي أنّ عمر أمر أنساً أن يكاتب سيرين أبا محمد بن سيرين فأبى فرفع عليه الدرة وضربه وقال فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، وحلف عليه ليكاتبنه؛ ولو لم يكن ذلك واجباً لكان ضربه بالدّرّة ظلما، وما أنكر على عمر أحد من

____________________

(١) مجمع الزوائد، الهيثمي ج ٩ ص ٢٧ - ٢٨.

(٢) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج ٢٨ ص ٣٤٨.

٦٤

الصّحابة فجرى ذلك مجرى الإجماع. وقال أكثر الفقهاء إنّه أمر استحباب وهو ظاهر قول ابن عباس والحسن والشعبي، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري واحتجوا عليه بقوله عليه الصلاة والسلام (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه) وأنّه لا فرق أن يطلب الكتابة أو يطلب بيعه ممّن يعتقه في الكفّارة، فكما لا يجب ذلك فكذا الكتابة وهذه طرقة المعارضات أجمع(١) .

أقول: وأنت ترى أنّه جعل من سكوت الصّحابة حجّة شرعيّة وكأنّ الأحكام تدور مدار مزاج الصّحابة، والحال أنّ النّاس مسلّطون على أموالهم وأملاكهم، يتصرّفون فيها بما يرون، ولا يحلّ لعمر ولا لغيره أن يجبرهم على تصرّف معيّن، اللّهمّ إلاّ أن يتعلّق ذلك بأمر مهمّ في حياة المسلمين فيتصرّف ساعتها بالعنوان الثّانويّ. وانظر إلى قوله (ولو لم يكن ذلك واجبا لكان ضربه بالدّرّة ظلما) وكأنّه ليس بظلم! بل هو ظلم مضاعف لأنّه صدر من رجل يتخذّ من منصبه منطلقا لإذلال النّاس وإجبارهم على فعل ما لا يحبون فعله. لكنّ محدّثي الأمّة ومفسّريها ابتلوا بما ابتلي به اليهود من قبل من مؤاخذة الضّعفاء دون الأقوياء، فالتّدخّل في الأمور الشخصيّة ممقوت، وإكراه النّاس على فعل ما لا يحبون فعله ممقوت، لكن حينما يصدر الممقوت من شخص يشغل منصب الخلافة يصبح قبوله محلّ إجماع، في لمح البصر أو هو أقرب!

وفي مصنف عبد الرزاق في قصّة من ذهب يستفتي عمر: (... فأتيت عمر بن الخطّاب أسأله فوجدت معه لمّا جئته رجلا أبيض رقيق الوجه وإذا هو عبد الرحمن بن عوف، قال: فسألت عمر، فالتفت إلى عبد الرحمن فقال: ترى شاة تكفيه؟ قال: نعم؛ فأمرني أن اذبح شاة، فقمنا من عنده فقال صاحب لي: إن أمير المؤمنين لم يحسن أن يفتيك حتى سأل الرجل. فسمع عمر كلامه فعلاه عمر بالدّرّة ضربا ثمّ أقبل عليّ عمر ليضربني فقلت: يا أمير المؤمنين لم أقل شيئا، إنّما هو قاله..)(٢) .

____________________

(١) التفسير الكبير، الرازي، ج ٢٣ ص ١٨٩. والقصة أيضا في تفسير السمرقندي ج ٢ ص ٥١١ وتفسير السمعاني ج ٣ ص ٥٢٧ وتفسير القرطبي ج ١٢ ص ٢٤٥ وأحكام القرآن للجصاص ج ٥ ص ١٨٠.

(٢) مصنف عبد الرزاق ج ٤ ص ٤٠٦.

٦٥

قال قبيصة: (وما أذكر الآية في سورة المائدة يحكم به ذوا عدل منكم قال فبلغ عمر مقالتي فلم يفجأنا إلا ومعه الدّرة فعلا صاحبي ضربا بها وهو يقول أقتلت الصيد في الحرم وسفهت الفتيا؟ ثمّ أقبل عليّ يضربني فقلت: يا أمير المؤمنين لا أحلّ لك منّي شيئاً مما حرّم الله عليك)(١) ..

وعن أبي وائل أنّ ابن مسعود رأى رجلا قد أسبل إزاره فقال له: ارفع فقال له الرجل: وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك! فقال عبد الله: إني لست مثلك، إنّ لساقي حموشة وأنا أؤمّ النّاس. فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فاقبل على الرّجل ضربا بالدّرّة وقال: أتردّ على ابن مسعود! أتردّ على ابن مسعود!(٢) !

قال ابن تيمية: (صحّ أن عمر بن الخطّاب كان يضرب أيدي النّاس ليضعوا أيديهم في الطّعام في رجب ويقول (لا تشبّهوه برمضان)(٣) .

أقول: وهذا مخالف لقوله تعالى( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ ) .

وروي عن عمر أنه رأى شابّا يمشي رويدا فقال: ما بالك أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين؛ فعلاه بالدّرة وأمره أن يمشي بقوّة(٤) .

أقول: هل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتدخّل في الحياة الشخصيّة بهذا الشكل؟ وما يضرّ الناس أن يمشي المرء كما شاء طالما لم يتعدّ حدود الله تعالى ولم يشكّل خطرا أو ضررا على حياة المسلمين؟! وهل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلو أحدا بالدّرّة على مرأى من النّاس؟ أليس في ذلك انتهاك لحرمة المسلم؟ من زعم أنّ هذه السّيرة تنسجم مع سنّة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورحمة الإسلام فقد ضلّ ضلالا مبينا.

وعن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال رأى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان كاشفا عن بطنه فرأى جلده نقية فرفع عليه الدرّة وقال: أجلدة كافر؟ فقيل له إنّ أرض

____________________

(١) الدر المنثور، السيوطي، ج ٣ ص ١٩١.

(٢) شرح العمدة، ج ٤ ص ٣٦٦.

(٣) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج ٢٥ ص ٢٩١.

(٤) تفسير ابن كثير، ج ٣ ص ٤٣٣ ومختصر ابن كثير، ج ٢ ص ٨٤٤، واستشهد به الألبانيّ في مناقشة حديث (سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن) انظر السّلسلة الضعيفة ج ١ ص ١٣٢.

٦٦

الشّام أرض طيبة العيش فكست(١) .

وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن الضريس عن إبراهيم النخعيرضي‌الله‌عنه قال: كان بالكوفة رجل يطلب كتب دانيال وذلك الضّرب فجاء فيه كتاب من عمر بن الخطاب أن يرفع إليه فقال الرجل: ما أدري فيما رفعت! فلما قدم على عمر علاه بالدرّة ثم جعل يقرأ عليه( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) (حتى بلغ) (الغافلين) قال فعرفت ما يريد فقلت: يا أمير المؤمنين، دعني فو الله ما أدع عندي شيئا من تلك الكتب إلا حرقته، قال ثمّ تركه(٢) .

وعن وبرة، قال: رأى عمر تميماً الداري يصلي بعد العصر، فضربه بدرته على رأسه. فقال له تميم: يا عمر تضربني على صلاة صليتها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! قال: يا تميم، ليس كل الناس يعلم ما تعلم(٣) .

قالوا: أتى عمر سائل فقال اعطوه ثم نظر فإذا تحت ابطه مخلاة مملوأة خبزا فقال لست بسائل بل تاجر، ثم علاه بالدرة ضربا(٤) .

قدم سعيد بن عامر بن حذيم على عمر بن الخطاب فلمّا أتاه علاه بالدرة فقال سعيد: سبق سيلك مطرك، إن تعاقب نصبر وإن تعف نشكر وإن تستعتب نعتب. فقال ما على المسلم إلا هذا قال: ما لك تبطئ بالخراج؟ قال: أمرتنا أن لا نزيد الفلاّحين على أربع الدنانير فلسنا نزيدهم على ذلك ولكنّا نؤخرّهم إلى غلاّتهم. فقال عمر: لا عزلتك على ما حييت(٥) .

قالوا: إنّ عمير بن سعد كان يعجب عمر بن الخطّاب فكان من عجبه به يسميه نسيج وحده وبعثه مرّة على جيش من قبل الشّام فقدم مرة وافدا فقال: يا أمير المؤمنين إنّ بيننا وبين عدوّنا مدينة يقال لها غرب السوس يطلعون عدونا على عوراتنا ويفعلون و

____________________

(١) الجامع ج ١١ ص ٨٦ تحت رقم ١٩٩٩٥.

(٢) الدر المنثور ج ٤ ص ٤٩٧.

(٣) سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج ٢ ص ٤٤٨.

(٤) التيسير بشرح الجامع الصغير ج ٢ ص ٤٢١ (حم م ه عن أبي هريرة).

(٥) تاريخ مدينة دمشق ج ٢١ ص ١٦٤.

٦٧

يفعلون فقال عمر: إذا أتيتهم فخيّرهم بين أن ينقلوا من مدينتهم إلى كذا وكذا وتعطيهم مكان كلّ شاة شاتين ومكان كل بقرة بقرتين ومكان كل شيء شيئين فإن فعلوا فأعطهم ذلك وإن أبوا فانبذ إليهم ثم أجّلهم سنة فقال: يا أمير المؤمنين اكتب لي عهدك بذلك فكتب له عهده فأرسل إليهم فعرض عليهم ما أمره به أمير المؤمنين فأبوا فأجّلهم سنة ثم نابذهم فقيل لعمر إنّ عميرا قد خرب غرب السوس وفعل وفعل فتغيّظ عليه عمر؛ ثمّ إنّه قدم بعد ذلك وافدا ومعه رهط من أصحابه فلمّا قدم عليه علاه بالدّرّة قائلا: خربت غرب السوس وهو ساكت لا يقول له شيئا. ثمّ قال لأصحابه مبرنسين مبرنسين ضعوا برانسكم؛ فقال عمر ضعوا برانسكم ثكلتكم أمّهاتكم، إنّكم والله ما أنتم بهم، فوضعوا برانسهم؛ فقال عمير: معمّمين، معمّمين ضعوا عمائمكم، فقال عمير ضعوا عمائمكم فإنا والله ما نحن بهم فقال مكممين، مكممين ضعوا أكمامكم. فقال عمير: ضعوا أكمامكم ثكلتكم أمّهاتكم فإنّا والله ما نحن بهم، قال فوضعوا أكمامهم فإذا عليهم حمام؛ فقال عمر: أما والله الذي لا إله إلا هو لو وجدتكم محلّقين لرفعت بكم الخشب! ثمّ إنّ عمر دخل على أهله فاستأذن عليه عمير فدخل فقال: يا أمير المؤمنين أقرأ إليّ عهدك في غرب السوس. فقال عمر: رحمك الله فهلا قلت لي وأنا أضربك! فقال: كرهت أن أوبّخك يا أمير المؤمنين. فقال عمر: غفر الله لك ولكن غيرك لو كان(١) .

قال ابن سعد في ترجمة سليم بن عبد العزيز بن عبيد السلمي: أبو شجرة أمّه الخنساء الشّاعرة، أسلم مع أمّه ثمّ ارتدّ في زمن أبي بكر، وقاتل المسلمين. قال المبرد في الكامل: كان من فتّاك العرب، واشتهر عنه في زمن الردّة قوله في قصيدة:

ألا أيّها المدلى بكثرة قومه

وحظّك منهم أن تذلّ وتقهرا

سل النّاس عنّا كلّ يوم كريهة

إذا ما التقينا دار عين وحسّرا

ويقول فيها:

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج ٤٦ ص ٤٨٨، وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٥٦٠.

٦٨

فروّيت رمحي من كتيبة خالد

وإنّي لأرجو بعدها أن أعمّرا

ثمّ أسلم وقدم على عمر فقال له: أنا أبو شجرة السلمي فأعطني فقال: ألست القائل فروّيت رمحي، ثمّ علاه بالدرّة فسبقه عدوا وركب راحلته فنجا وهو يقول

قد ضنّ عنّا أبو حفص بنائله

وكلّ مختبط يوما له ورق

ما زال يضربني حت جذيت له

وحال من دون بعض الرّعيّة الشّفق(١) .

قال السّرخسي:.. وإنّ عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه لمّا رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا بعد إحرامه علاه بالدرّة فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين فإنّما هو بمشق؛ فقال: نعم، ولكن من ينظر إليك من بعد لا يعرف ذلك، فيرجع إلى قبيلته ويقول: رأيت على طلحة في إحرامه ثوبا مصبوغا فيعيّرك الناس بذلك(٢) .

وحكى محمد رحمه الله أن إجماع الصحابةرضي‌الله‌عنه على ما هو عليه مذهبنا فكان عمررضي‌الله‌عنه لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا إلاّ علاه بالدرّة(٣) .

حدثنا خلف بن هشام نا حماد بن زيد عن عبد الله بن المختار عن هشام بن عروة أن كلابا بن أمية غزا في خلافة عمررضي‌الله‌عنه فأنشأ أبوه يقول

إذا بكت الحمامة ساق حر

علي بيضاتها دعوا كلابا

تركت أباك مرعشة يداه

وأمّك ما تسيغ لها شرابا

فبلغ ذلك عمررضي‌الله‌عنه فكتب فجيء به، فلمّا أن دخل عليه علاه بالدرّة ضربا وقال: أجهاد أفضل من أبويك! أجهاد أفضل من أبويك(٤) !

ولم تكن درّة عمر تهدّد أبشار الناس فقط، بل كان لها سلطان غيبي وولاية تكوينية تحقّق ما لم تحقّقه عصا موسى بن عمران عليه السلام. قال الرّازي في تفسيره: وقعت الزّلزلة في المدينة فضرب عمر الدّرة على الأرض وقال: اسكني بإذن الله، فسكنت وما حدثت

____________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، ج ٣ ص ١٦٨ رقم ٣٤٤٣.

(٢) المبسوط السرخسي ج ٤ ص ٨.

(٣) الغرة المنيفة، ج ١ ص ١٥٤ وإيثار الإنصاف ج ١ ص ١٦٨.

(٤) مكارم الأخلاق ج ١ ص ٨٢ رقم ٢٤٢.

٦٩

الزلزلة بالمدينة بعد ذلك(١) .

أقول: ومع ذلك يبقى المتتبع متحيّرا، فإنّ عمر بن الخطّاب الذي يوقف الزّلزلة بضربة واحدة بدرّته لا يستطيع أن يثبت أمام المشركين لحظة واحدة، إذ لم ينقل لنا التّاريخ إلاّ فراره المتكرّر!

وعن حميد بن هلال قال دخل عبيد الله بن عمر على أخيه عبد الله فقرب له ثريدا عليه لحم فقال عبيد الله: ما أنا بآكله حتى تجعلوا فيه سمنا! فقال عبد الله أما علمت أنّ أباك قد نهى عن ذلك؟ فقال القوم: أطعم أخاك. قال: فصنع فيه سمنا، فبينا هم على ذلك دخل عمر فأهوى بيده فأكل لقمة، ثمّ رفع رأسه فنظر في وجوه القوم، ثمّ رفع الدرّة فضرب عبيد الله، ثمّ أراد أن يضرب الجارية فقالت: ما ذنبي؟ أنا مأمورة؛ فخرج ولم يقل لعبد الله شيئا(٢) .

____________________

(١) التفسير الكبير، الفخر الرازي، ج ٢١ ص ٧٥.

(٢) الجامع، ج ١١ ص ٨٧ تحت رقم ١٩٩٩٨.

٧٠

الفصل الثاني

روايات في فضائل عمر

٧١

٧٢

روايات في فضائل عمر

من المحدّثين من يرى قتل من يقدح في عمر.

عن سعيد بن عبد الرّحمن بن أبزى قال: (قلت لأبي: يا أبه، أرأيت لو أنّك رايت رجلا يسبّ أبابكر ما كنت فاعلا؟ قال: كنت أضرب عنقه! قال: قلت فعمر؟ قال: كنت أضرب عنقه! قال: قلت فعثمان؟ قال: أمر قد اختلف فيه). وعن ابن عيينة عن خلف بن حوشب عن ابن أبزي نحوه(١) .

أقول:

وأنت ترى كيف توقّف السّائل عند عثمان، ولم يتعدّه إلى عليّ عليه السلام مخافة أن يتورّط ويصدر حكما قاسيا في حقّ كثير من الصّحابة والتّابعين الذين كانوا يسبّون عليا عليه السلام ويشتمونه ويلعنونه. ويكفيك هذا لمعرفة مدى النّزاهة والأمانة لدى من تولّوا الإشراف على التّراث! ومجرّد التّوقّف عند عثمان يعني أنّ عليّا عليه السلام مستباح العرض، فإذا سبّه شخص فإنّه يكون قد ارتكب أمرا مختلفا فيه، والمختلف فيه لا يصحّ الاحتجاج به! وهكذا غدا من يسبّ عمر بن الخطّاب يستحقّ القتل في الإسلام مع أنّ عمر قضى أكثر من ثلاثين سنة يعبد الأصنام، بينما يرفع الحرج والملام عمّن يسب عليا عليه السلام مع أنّه لم يسجد لصنم طرفة عين! فاين قيمة التّوحيد إذاً؟! على أنّ أبابكر نفسه لا يقبل أن يقتل رجل سبّه. قال السّبكي: وفي حديث أبي برزة (كنت يوما عند أبي بكر فغضب على رجل - وحكى القاضي إسماعيل وغيره في هذا الحديث أنه سبّ أبابكر، ورواه النسائي أتيت أبابكر وقد أغلظ لرجل - فردّ عليه فقلت: يا خليفة رسول الله دعني أضرب عنقه. قال: اجلس فليس ذلك لأحد إلاّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

ورووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: أتاني جبريل آنفا فقلت له: يا جبريل حدّثني بفضائل عمر بن الخطّاب في السّماء! فقال: يا محمّد، لو حدّثتك بفضائل عمر في

____________________

(١) مسند إسحاق بن راهويه، ج ٣ ص ٧٢٩ تحت رقم ١٣٣٤.

(٢) فتاوى السبكي، ج ٢ ص ٥٨٢.

٧٣

السّماء ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما ما نفذت فضائل عمر، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر(١) .

أقول:

على فرض أنّ حياة عمر كلّها كانت حسنات، لحظة لحظة، فإنّه يكفي لبيانها مدّة مساوية لعمره، فكيف غدا ما لبث نوح في قومه غير كاف لبيانها؟! والحال أنّ عمر بن الخطّاب قضى معظم عمره ينحني للأصنام، وقد قال الله تعالى( إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ، فهل كان عمر أيّام كان من المشركين أيضا على فضيلة؟ أم أنّه يستثنى من القاعدة كما تقتضيه ثقافة الكرسيّ، فيقال: كلّ المشركين نجس باستثناء عمر بن الخطّاب؟! ولأنّ قوله تعالى( إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) يعني أنّ كلّ مشرك نجس حال شركه، والقائل هو الله جلّ شأنه، فلا مزايدة! وعليه يكون عمر بن الخطّاب أيّام كان على الشّرك نجسا، وهذا لا يقبل الجدل؛ وبما أنّ شركه دام أكثر من ثلاثين سنة، فإنّه لا يعقل أن يكون له في ذلك فضل. وأمّا بعد إسلامه، فإنّ هناك مواطن ينبغي التوقف عندها، وفيها تساؤلات مشروعة. هل يمكن أن يعدّ من فضائل عمر أنّه فرّ يوم أحد؟ هل يمكن أن يعدّ من فضائله أنّ فرّ يوم حنين؟ هل يمكن أن يعدّ من فضائل أنّه فرّ يوم خيبر يجبّن أصحابه ويجبّنوه(٢) ؟ هل يمكن أن يعدّ من فضائل عمر أنّه جبن يوم الأحزاب ترتعد فرائصه لزئير عمرو بن عبد ودّ؟ وأنّه كان سريعا إلى المساءة كثير الجبه والشّتم والسّبّ(٣) ، وهذا عين سوء الخلق؟ وأنّه همّ بتحريق بيت فطمة عليها السلام؟ وأمور أخرى نتعرّض لها فيما يأتي من الكتاب إن شاء الله تعالى. وقد كفى الله المؤمنين القتال بأحمد بن حنبل، فقد قال ابنه عبد الله: (قال ابي: هذا حديث باطل موضوع اضرب عنه)(٤) . وفي الفوائد: (حديث أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لجبريل حدثني بفضائل

____________________

(١) الفواكه الدواني للنفراوي المالكي، ج ١ ص ١٠٣، دار الفكر، بيروت ١٤١٥ هـ.

(٢) معنى يجبّنونه أي ينسبون إليه الجبن فيقولون له يا جبان أو جبنت..، والجبن نقيض الشّجاعة.

(٣) ذكره ابن أبي الحديد كما يأتي لاحقا.

(٤) علل الحديث، ج ٢ ص ٣٨٥.

٧٤

عمر في السّماء فقال: يا محمد، لو حدّثتك بفضائل عمر في السّماء ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ما نفدت فضائل عمر وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر. رواه الحسن بن عرفة عن عمّار مرفوعا. قال أحمد بن حنبل: إنّه موضوع. قال في اللآلئ: إنّه أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة قلت: أخرجه أبو نعيم فكان ماذا؟ فليس بمثل هذا يتعقب قول من قال إنه موضوع)(١) . وفي اللآليء. قال أحمد بن حنبل موضوع ولا أعرف إسماعيل وقال الأزدي هو ضعيف وقال ابن حبان يروي المناكير التي لا يشك أنها موضوعة)(٢) وفي العلل المتناهية (قال أبو الفتح الأزدي إسماعيل ضعيف. قال أبو حاتم: الوليد مجهول؛ وقال ابن حبّان: كان يروي المناكير التي لا يشكّ أنها موضوعة)(٣) .

وعن شفي الأصبحي قال: سمعت عبد الله بن عمرورضي‌الله‌عنه يقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: (سيكون بعدي اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصّدّيق لا يلبث بعدي إلاّ قليلا، وصاحب رحى دائرة العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا؛ قيل: من هو يا رسول الله؟ فقال: عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه (٤) .

أقول:

إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يستشهد الرّجلان بهذا يوم السّقيفة؟ وكيف خفي هذا الكلام على عليّ وفاطمة عليهما السّلام؟

قال السّيوطي: (وأخرج التّرمذي والحاكم وصحّحه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطّاب. وأخرجه الطبرانيّ عن أبي سيد الخدريّ وعصمة بن مالك. وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر)(٥) .

____________________

(١) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ج ١ ص ٣٣٧.

(٢) اللآليء المصنوعة، ج ١ ص ٢٧٧.

(٣) العلل المتناهية ج ١ ص ١٩٥.

(٤) الآحاد والمثاني، ج ١ ص ٩٦ تحت رقم ٦٧.

(٥) سنن الترمذي ج ٥ ص ٦١٩ والمستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ٩٢ تاريخ الخلفاء، والمعجم الكبير

٧٥

أقول:

إن صحّ هذا فإنّه يجوز على الأنبياء عبادة الأصنام عشرات السّنين، لأنّ عمر عبد الأصنام عشرات السّنين، وهو مع ذلك يستحق النّبوّة. لكنّ عبادة الأصنام من النّجس بدليل قوله تعالى( إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ، فيكون المرشّح للنّبوّة سبق له أن كان نجسا! وقد يوجد في نفس الوقت من لا يعبد الأصنام بل يوحّد الله تعالى ويجتنب الأصنام، وهو غير مرشح للنّبوّة، فيكون غير المرشّح للنّبوّة طاهرا والمرشّح للنّبوّة نجسا، وهذا ما لا يرتضيه الفلاّح في الصّعيد، ولا الملاّح في البحرين؛ فيا خيبة الرّاوي ويا خيبة من يصدّقه! ثم كيف يصنعون بما رووا في الصّحاح وغيرها من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه السلام: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي)(١) . ففي ظل هذا الحديث من يكون نبيا بعده لو كان باب النبوة مفتوحا؟!

ونسب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: (لما أسلم عمر بن الخطّاب أتاني جبريل فقال: قد استبشر أهل السّماء بإسلام عمر)(٢) ، قال المناويّ: وذلك لأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: اللّهمّ أعزّ الإسلام بأبي جهل أو بعمر، فأصبح عمر فأسلم، فأتى جبريل فذكره. وفي علل التّرمذيّ عن الحبر رأى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر ثوبا أبيض فقال: البس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا. في فضائل الصّحابة (عن ابن عبّاس) قال الحاكم: صحيح. وردّه الذّهبيّ في التّلخيص بأن عبد الله بن خراش أحد رجاله ضعّفه الدّار قطنيّ وقال في الميزان: قال أبو زرعة: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، وقال البخاريّ:

____________________

ج ١٧ ص ٣١٠.

(١) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٦٠٢ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٧٠ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ١٥ والمستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٤٣ وسنن النسائي الكبرى ج ٥ ص ٤٤ وسنن النسائي الكبرى ج ٥ ص ١٢٥ وسنن البيهقي الكبرى ج ٩ ص ٤٠ والمعجم الأوسط ج ٨ ص ٤٠ والمعجم الكبير ج ١١ ص ٧٥ والمعجم الكبير ج ٢٣ ص ٣٧٧ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ٩٩ ومسند أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٣٣٨ ومسند أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٣٦٩ ومسند أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٤٣٨ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٠٩.

(٢) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوى ج ٥ ص ٣٨١ الحديث رقم ٧٣٧٧.

٧٦

منكر الحديث، ثمّ ساقر ومن مناكيره هذا الخبر)(١) .

وحديث (لو لم أبعث فيكم لبعث عمر). قال السّيوطيّ: (في إسناده وضّاع)(٢) .

أقول:

وكفى الله المؤمنين القتال.

وعن ابن عبّاس قال: وضع عمر بن الخطّاب على سريره فتكنّفه النّاس يدعون ويصلّون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني إلاّ رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفتّ فإذا هو عليّ بن أبي طالب فترحّم على عمر وقال: ما خلّفت أحدا أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظنّ ليجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أنّي كنت أكثر أن أسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذهبت أنا وأبوبكر وعمر، ودخلت أنا وابو بكر وعمر ن وخرجت أنا وأبوبكر وعمر فإن كنت لأظنّ ليجعلك الله معهما(٣) .

أقول:

ينسبون مثل هذه الرّوايات إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والصّحاح تشهد بخلافها، وكيف يقول علي عليه السلام مثل هذا وخطبته الشّقسقيّة تهتف بما ينسفه! ولكن من خلت قلوبهم من النزاهة والأمانة لا يبالون ما يأتون، فتراهم يتحوّلون فجأة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وينسبون إليه ما يحاولون أن يشوّشوا به على شيعته، وغاب عنهم أنّ أتباعه عليه السلام لا يأخذون معالم دينهم هم إلا من رسول الله وعترته المصطفين الذين أخبر

____________________

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوى، ج ٥ ص ٣٨١ الحديث رقم ٧٣٧٧.

(٢) في كنز العمال ج ١١ ص ٢٦٦: الحديث رقم ٣٢٧٦٢ - لو كان بعدي نبي لكنته - قاله لعمر [الخطيب في رواة مالك وابن عساكر - عن ابن عمر وقال منكر]. الحديث رقم ٣٢٧٦٣ - لو لم أبعث فيكم لبعث عمر [عد وقال غريب كر - عن عقبة بن عامر عد كر - عن بلال بن رباح وقال عد غير محفوظ وأوردهما ابن الجوزي في الموضوعات]. وفي المغني عن حمل الأسفار، ج ٢ ص ٨٣٣: ٣٠٦١ حديث لو لم أبعث لبعثت يا عمر ١٥٧٣ أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة وهو منكر والمعروف من حديث عقبة بن عارم لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب. رواه الترمذي وحسنه وأخرجه ابن عدي بلفظ لولم أبعث فيكم لبعث عمر فيكم، رواه من طريقين في أحدهما عبد الله بن واقد الحراني وهو متروك وفي الآخر رشدين بن سعد وقال قلب رشدين متنه ورواه أيضاً من حديث بلال وفيه زكريا بن يحي وهو كذاب.

(٣) مسند ابن المبارك، عبد الله بن المبارك، ص ١٥٧.

٧٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّهم أعلم الأمّة، وأنّ من تمسّك بهم لا يضلّ أبدا. ولم يرد من طريق عليّ عليه السلام في كتب شيعته ما يضفى رائحة الشرعية على جماعة السقيفة، بل إنّه ظلّ يشكو إلى الله تعالى ظلم قريش إياه، وخرج من الدّنيا ولم يتراجع عن موقفه قيد أنملة. فهذا الحديث (وأمثاله) ردّ على أصحابه.

وعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني جبريل عليه السلام فقال: أقرئ عمر السلام وقل له إنّ: رضاه حكم وإنّ غضبه عز)(١) . وهو في المعجم الأوسط أيضا، وقال الطّبراني بخصوصه هناك: (لم يرو هذا الحديث عن زيد العمي إلاّ جرير بن حازم تفرّد به خالد بن يزيد العمي)(٢) .

أقول:

لقد رضي أن يفرّ من الزّحف أكثر من مرّة، فهل يصبح الفرار حكما؟ ولقد كان هائجا حين الهجوم على بيت فاطمة، فهل هذا عزّ، وقد أخبر الله تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه جلّ وعلا يغضب لغضب فاطمة عليها السلام ويرضى لرضاها(٣) . وأعمل الفكر جيّدا وتأمّل وتمعّن كي ترى كيف سلب الحديث من فاطمة عليها السلام وأضفي على عمر بن الخطّاب!

وأخرج أبن سعد عن بسطام بن مسلم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي بكر وعمر لا يتأمّر عليكما أحد بعدي(٤) .

أقول:

إن كان هذا صحيحا فلم أمّر عليهما أسامة بن زيد في آخر عمره الشّريف؟

أيعقل هذا؟ أيعقل أن يقول لهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام النّاس هذا الكلام ثمّ يؤمّر عليهما أسامة بن زيد، كما هو في القصّة المشهورة؛ روى البخاري عن [..] مسدد حدثنا يحيى

____________________

(١) المعجم الكبير، الطبراني، ج ٢١ ص ٤٨.

(٢) المعجم الأوسط، الطبراني، ج ٦ ص ٢٤٢.

(٣) تهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٦٨ وتهذيب الكمال، ج ٣٥ ص ٢٥٠ والإصابة في تمييز الصحابة، ج ٨ ص ٥٦.

(٤) الطبقات الكبرى، ج ٣ ص ٢١١ ومصنف ابن أبي شيبة، ج ٦ ص ٣٥١.

٧٨

بن سعيد حدثنا سفيان بن سعيد حدثنا عبد الله بن دينار عن بن عمررضي‌الله‌عنه قال أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسامة على قوم فطعنوا في إمارته فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله لقد كان خليقا للإمارة وإن كان من أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده(١) . ثم أعمل الفكر في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٠ إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله) يتبين لك أنّهم كانوا لا يرون حرجا في الطّعن في أقوال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفعاله بعد نزول قوله تعالى( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) !

وعن عروة عن عائشة قالت: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالسا فسمعنا لغطا وصوت الصبيان، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها فقال: يا عائشة تعالي فانظري. فجئت فوضعت ذقني على منكب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: أما شبعت فجعلت أقول لا، لأنظر منزلتي عنده إذ طلع عمر فارفضّ الناس عنها فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فرّوا من عمر. قال: فرجعت.

أقول:

لكنّ شياطين قريش لم يفرّوا منه يوم أحد ويوم حنين، وعمرو بن عبد ودّ لم يفرّ منه يوم الأحزاب، وشياطين اليهود لم يفرّوا منه يوم خيبر، وتلك أمّها المعارك في تاريخ الإسلام. وانظر إلى قلّة ورع الرّاوي يزعم أنّ رسول الله يشارك الشّياطين في التفرّج على الباطل، ولا تبالي الشّياطين بوجوده الشّريف وإنّما تهتمّ لحضور عمر، وكأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقلّ شأنا من رجل كان انحنى للأصنام عشرات السنين! وانظر إليهم يزعمون أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يشجّع إحدى أزواجه على التفرّج على الرقص

____________________

(١) صحيح البخاري، ج ٤ ص ١٥٥١ رقم ٤٠٠٤، والحديث أيضا في صحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٨٤.

٧٩

والغناء، ولو قيل لهم إن عمر بن الخطاب جلس يتفرج على الغناء والرّقص مع إحدى أزواجه لقالوا( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) ، فما أجرأهم على الله تعالى.

قال السيوطي: وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشّيخ عن زيد بن أسلم في قوله( أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ ) قال: أنزلت في عمر بن الخطّاب وابي جهل بن هشام كانا ميتين في ضلالتهما فأحيى الله عمر بالإسلام وأعزّه وأقرّ ابا جهل في ضلالته وموته، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا فقال: اللّهم أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطّاب(١) .

أقول:

أين هذا العزّ في حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!. وأين كان عمر بن الخطّاب حين كان عمرو بن عبد ودّ يزمجر ويتحدّى؟!

قال ابن عاشور: وفي الحديث: قد يكون في الأمم محدّثون فإن يكن في أمّتي أحد فعمر بن الخطّاب(٢) .

قال الآلوسيّ: أخرج ابن جرير عن محمّد بن إسحاق أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال عند نزول هذه الآية: لو أنزل من السماء عذاب لما نجا منه غير عمر بن الخطّاب وسعد بن معاذ لقوله كان الإثخان في القتل أحبّ إلي. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عمر لكن لم يذكر فيه سعد بن معاذ(٣) .

أقول:

لكن القرآن يقول( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ولم يقل وما كان الله ليعذّبهم وعمر فيهم، فدلّ هذا على وضع الرّواية. ثمّ عن أيّ إثخان يتكلّمون؟ ومتى أثخن عمر في القتل؟ هل في وسعهم أن يأتوا بمحارب واحد قتله عمر بن الخطاب في

____________________

(١) الدر المنثور، ج ٣ ص ٣٥٢.

(٢) التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج ١ ص ١٩٤٠.

(٣) روح المعاني، الآلوسي، ج ١٠ ص ٣٥.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564