ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة15%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74633 / تحميل: 5877
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وأقول :

إن أراد بملاحظة الغاية كونها داعية للفعل ، فهو مذهبنا(١) ، ولا يقوله الأشاعرة.

وإن أراد بها مجرّد إدراك الغاية من دون أن تكون باعثة على الفعل ، فهو مذهب الأشاعرة(٢) ، ويلزمه العبث وسائر المحالات ، ويجوز بمقتضاه أن يعذّب الله سبحانه أعظم المطيعين ، ويثيب أعظم العاصين ؛ لأنّه لا غاية له تبعثه إلى الفعل ، بل يفعل مجّانا بلا غرض ، بل يجوز أن لا تكون أفعاله متقنة ، وإن اتّفق إتقانها في ما وقع ، وأمّا في ما لم يقع بعد ـ كالثواب والعقاب ـ فمن الجائز أن لا يكون متقنا ؛ لفرض عدم الغرض له تعالى ، ولأنّه لا يقبح منه شيء ، ولا يجب عليه شيء!

فما زعمه من عدم تحرير الفريقين لمحلّ النزاع حقيق بالسخرية! أتراه يخفى على جماهير العلماء ويظهر لهذا الخصم وحده؟! وهل يخفى على أحد أنّ النزاع في الغرض والعلّة الغائيّة ، وأنّ الإمامية والمعتزلة لم يروا بالقول بالغرض بأسا ونقصا ، بخلاف الأشاعرة؟! وهذا الخصم ما زال ينسب لقومه القول بالغاية ، فإن أراد بها الغاية الباعثة على الفعل ، فهي خلاف مذهبهم بالضرورة.

__________________

(١) تجريد الاعتقاد : ١٩٨ ، كشف المراد : ٣٣١ ، تلخيص المحصّل : ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ، المواقف : ٣٣١ ـ ٣٣٢ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢ ـ ٢٠٦.

٦١

وإن أراد بها الأمر المترتّب اتّفاقا ، كقوله تعالى :( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) (١) ، غاية الأمر : أنّ الله تعالى عالم بهذا الأمر المترتّب ، فهو حقيقة مذهبهم ، وعليه ترد الإشكالات ، ولا ينفع معه التسويلات والتنصّلات.

وأمّا ما ذكره من قولهم بالحكمة والمصلحة ، فهو وإن قالوا به ظاهرا ، لكن لا بنحو اللزوم كقولهم بالإتقان ؛ لأنّ اللزوم لا يجتمع مع نفي الغرض ونفي الحسن والقبح العقليّين ونفي وجوب شيء عليه تعالى.

وأمّا قوله : « ولولاه لم يكن للفاعل المختار أن يفعل ذلك الفعل »

فإن أراد به أنّه لا يفعله لكونه عبثا ، فهو صحيح ، والله سبحانه أحقّ به.

وإن أراد أنّه لا يفعله لعدم قدرته عليه كما زعمه سابقا ، فهو باطل ـ كما عرفت ـ ، ومنه يعلم ما في قوله : « فهذا الفاعل بالاختيار يحتاج في صدور الفعل عنه ».

وقد بيّنّا أنّ هذا الاحتياج لإخراج الفعل عن العبث لا لنقص في القدرة ، فيكون كمالا للفعل ، ودليلا على كمال ذات الفاعل ، لا كاحتياج الذات إلى صفاتها الزائدة الموجب لنقص الذات في نفسها(٢) ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) سورة القصص ٢٨ : ٨.

(٢) انظر ج ٢ / ١٦٩ وما بعدها من هذا الكتاب.

٦٢

إنّه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

المطلب الخامس

في أنّه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي

هذا هو مذهب الإمامية ، قالوا : إنّ الله تعالى أراد الطاعات سواء وقعت أم لا ، ولا يريد المعاصي سواء وقعت أم لا ، [ وكره المعاصي سواء وقعت أم لا ] ، ولم يكره الطاعات سواء وقعت أم لا(٢) .

وخالفت الأشاعرة مقتضى العقل والنقل في ذلك ، فذهبوا إلى أنّ الله تعالى يريد كلّ ما يقع في الوجود ، سواء كان طاعة أم لا ، وسواء أمر به أم نهى عنه(٣) [ وكره كلّ ما لم يقع ، سواء كان طاعة أو لا ، وسواء أمر به أو نهى عنه ] ، فجعلوا كلّ المعاصي الواقعة في الوجود من الشرك والظلم والجور والعدوان وأنواع الشرور مرادة لله تعالى ، وأنّه تعالى راض بها!

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٤.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ ـ ٥٨ ، شرح جمل العلم والعمل : ٨٧ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٧٩ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩.

(٣) الإبانة في أصول الديانة : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ، الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ١٠٢ ، الملل والنحل ١ / ٨٣ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ، المواقف : ٣٢٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

٦٣

وبعضهم قال : إنّه محبّ لها ، وكلّ الطاعات التي لم تصدر عن الكفّار مكروهة لله تعالى غير مريد لها ، وإنّه تعالى أمر بما لا يريد ونهى عمّا لا يكره ، وإنّ الكافر فعل في كفره ما هو مراد لله تعالى وترك ما كره الله تعالى من الإيمان والطاعة منه(١) .

وهذا القول يلزم منه محالات ، منها : نسبة القبيح إلى الله تعالى ؛ لأنّ إرادة القبيح قبيحة ، وقد بيّنّا أنّه تعالى منزّه عن فعل القبائح كلّها(٢) .

* * *

__________________

(١) انظر : الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٥ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ وقال : « منهم ـ أي الأشاعرة ـ من جوّز أن يقال : الله مريد للكفر والفسق والمعصية » وذكر في ص ١٧٤ أنّ خالق الشيء بلا إكراه مريد له بالضرورة ، وفيه أيضا : أنّ عدم إيمان الكافر مراد لله فلاحظ!

(٢) راجع كلام العلّامة الحلّي1 في ج ٢ / ٣٣٤ المبحث الحادي عشر من هذا الكتاب.

٦٤

وقال الفضل (١) :

قد سبق أنّ مذهب الأشاعرة : إنّ الله تعالى مريد لجميع الكائنات غير مريد لما لا يكون ، فكلّ كائن مراد وما ليس بكائن ليس بمراد ، واتّفقوا على جواز إسناد الكلّ إليه تعالى جملة ، واختلفوا في التفصيل كما هو مذكور في موضعه(٢) .

ومذهب المعتزلة ومن تابعهم من الإمامية : إنّه تعالى مريد لجميع أفعاله ، أمّا أفعال العباد فهو مريد للمأمور به منها كاره للمعاصي والكفر(٣) .

ودليل الأشاعرة : إنّه خالق للأشياء كلّها ، وخالق الشيء بلا إكراه مريد له بالضرورة(٤) .

وأمّا ما استدلّ به هذا الرجل في عدم جواز إرادة الله تعالى للشرك والمعاصي ، فهو من استدلالات المعتزلة.

والجواب : إنّ الشرك مراد لله تعالى ، بمعنى : إنّه أمر قدّره الله تعالى في الأزل للكافر ، لا أنّه رضي به وأمر المشرك به ، وهذا من باب التباس

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٤٨.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ، المواقف : ٣٢٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ و ١٧٤.

(٣) تقدّم في الصفحة ٦٣ ه‍ ٢ ، وراجع المصارد التالية التي تذكر آراء المعتزلة : شرح الأصول الخمسة : ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ، الملل والنحل ١ / ٣٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

(٤) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ، المواقف : ٣٢٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٤.

٦٥

الرضا بالإرادة.

وأمّا كون الطاعات التي لم تصدر من الكافر مكروهة لله تعالى

فإن أراد بالكراهة عدم تعلّق الإرادة به ، فصحيح ؛ لأنّه لو أراد لوجد

وإن أراد عدم الرضا به ، فهو باطل ؛ لأنّه لم يحصل في الوجود حتّى يتعلّق به الرضا أو عدمه.

وأمّا أنّه تعالى أمر بما لا يريد ونهى عمّا لا يكره ، فإنّه تعالى أمر الكفّار بالإسلام ولم يرد إسلامهم ، بمعنى عدم تقدير إسلامهم ، وهذا لا يعدّ من السفه ، ولا محذور فيه ، وإنّما يكون سفها لو كان الغرض من الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به ، ولكن هذا الانحصار ممنوع ؛ لأنّه ربّما كان لإتمام الحجّة عليهم فلا يعدّ سفها.

وأمّا ما ذكره من لزوم نسبة القبيح إلى الله تعالى ؛ لأنّ إرادة القبيح قبيحة

فجوابه : إنّ الإرادة بمعنى التقدير ، وتقدير خلق القبيح في نظام العالم ليس بقبيح من الفاعل المختار ، إذ لا قبيح بالنسبة إليه.

على أنّ هذا مبنيّ على القبح العقلي وهو غير مسلّم عندنا ، ومع هذا فإنّه مشترك الإلزام ؛ لأنّ خلق الخنزير الذي هو القبيح يكون قبيحا ، والله تعالى خلقه بالاتّفاق منّا ومنكم.

* * *

٦٦

وأقول :

لا يخفى أنّ الأمور الممكنة إنّما يفعلها القادر المختار أو يتركها بإرادة منه ؛ لأنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه إلّا بمرجّح ، وهو الإرادة ، فيكون العدم على طبع الوجود مقدورا ومستندا إلى الإرادة.

ولذا أسند الله تعالى العدم المسبوق بالوجود إلى إرادته حيث يقول :

( وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ) (١) الآية ، فإنّ إهلاك القرية عبارة عن إماتة أهلها بسبب العذاب ، والموت عدم الحياة.

ولا ريب أنّ الإرادة تتوقّف على أمور :

منها : تصوّر المراد

ومنها : الرضا به ، سواء كان وجودا أو عدما ، وسواء كان حكما أم غيره ، فإنّ من يريد شيئا لا بدّ أن يرضى به بالضرورة.

ومنها : الرضا بمتعلّق المراد على وجه التعيّن له أو الترجيح له أو التساوي كما في متعلّق التكاليف ، فإنّ الحاكم إذا كلّف بنحو الوجوب لا بدّ أن يرضى بوجود الواجب على وجه التعيّن له بحيث يكون كارها لنقيضه ، ومثله الحرمة بالنسبة إلى الرضا بالترك والكراهة لنقيضه.

وإذا كلّف بنحو الندب ، لزم أن يرضى بالوجود على وجه الرجحان ، ومثله الكراهة بالنسبة إلى الرضا بالترك.

وإذا حكم على وجه الإباحة ، لزم أن يرضى بالوجود والعدم بنحو

__________________

(١) سورة الإسراء ١٧ : ١٦.

٦٧

التساوي.

نعم ، إذا كان التكليف امتحانيا لم تتوقّف إرادته إلّا على الرضا بأصل التكليف ، لا بمتعلّقه.

فإذا عرفت هذا فنقول : لمّا كانت أفعال العباد عند الإمامية غير مخلوقة لله تعالى ، لم تكن له إلّا إرادة تشريعية ، أي إرادة للأحكام ، فلم يكن له تعالى رضا بما يريده العباد ويفعلونه من المعاصي ، ولا كراهة لما يتركونه من الطاعات.

بخلافه على مختار الأشاعرة من أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، فإنّه يلزم أن يكون الله سبحانه مريدا للمعاصي الواقعة راضيا بها ، ولعدم الطاعات المتروكة كارها لها ؛ لأنّ فعله للمعاصي يتوقّف على إرادتها المتوقّفة على الرضا بها ، وتركه للطاعات يتوقّف على إرادة الترك المتوقّفة على الرضا به وكراهته الفعل ، كما سبق(١) .

ويلزم أن يكون الله تعالى آمرا بما يريد عدمه ويكرهه ولا يرضى به ، وهو الذي لم يخلقه من الطاعات ، وناهيا عمّا أراده ورضي به ، وهو الذي خلقه من المعاصي ، بل يلزم اجتماع الضدّين : الرضا والكراهة في ما أمر به وتركه ؛ لأنّ أمره دليل الرضا وتركه دليل الكراهة.

وكذا يجتمعان في ما نهى عنه وفعله ؛ لأنّ نهيه مستلزم للكراهة ، وفعله مستلزم للرضا.

وهذا الذي قلناه لا يبتني على أنّ تكون الإرادة بمعنى الرضا كما تخيّله الخصم ، بل هو مبنيّ على توقّف الإرادة على الرضا ـ كما بيّنّاه ـ ،

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر1 في مبحث « استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة » في ج ٢ / ٣٧٣ من هذا الكتاب.

٦٨

فلا معنى لقوله : « الشرك مراد لله تعالى ، بمعنى أنّه أمر قدّره الله في الأزل ، لا أنّه رضي به وأمر المشرك به ، وهذا من باب التباس الرضا بالإرادة ».

على أنّ تفسير الإرادة بالتقدير ، خطأ ؛ لأنّ الإرادة صفة ذاتية والتقدير فعل ، ولو سلّم فقد عرفت أنّ التقدير موقوف على الإرادة(١) ، وهي موقوفة على الرضا.

ومن الفضول قوله في ما سمعت : « وأمر المشرك به »

فإنّ المصنّف لم يدّع أنّه يلزم مذهبهم أمر المشرك به حتّى ينفيه ، ولا هو متوهّم من كلام المصنّف.

وأمّا إنكاره لعدم الرضا بترك الطاعات ، بحجّة أنّها لم تحصل في الوجود حتّى يتعلّق بها الرضا أو عدمه ، فخطأ ؛ لأنّ الرضا وعدمه إنّما يتعلّقان بالشيء من حيث هو ، لا بما هو موجود ، كيف؟! وهما سابقان على الإرادة السابقة على الوجود.

وأمّا إنكاره للسفه في الأمر بالإسلام الذي لم يقدّره ، فمكابرة ظاهرة.

وقوله : « إنّما يكون سفها لو كان الغرض من الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به »

باطل ؛ لأنّ إتمام الحجّة إنّما يكون على القادر المتمكّن ، لا على العاجز ، فيكون امتحانه سفها آخر ، تعالى الله عنه علوّا كبيرا ، وسيأتي قريبا زيادة إشكال عليه فانتظر.

وأمّا قوله : « وتقدير خلق القبيح في نظام العالم ليس بقبيح »

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر1 في مبحث « استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة » في ج ٢ / ٣٧٣ من هذا الكتاب.

٦٩

فمكابرة أخرى كما مرّ(١) ، إذ لا وجه لعدم قبح القبيح منه سبحانه ، وهو أولى من يتنزّه عن فعل القبيح.

وأمّا ما زعمه من الاشتراك في الإلزام ، فقد عرفت جوابه(٢) .

* * *

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر1 في مبحث « إنّه تعالى لا يفعل القبيح » ، الصفحة ٩ من هذا الجزء.

(٢) راجع الصفحة ٢٥ من هذا الجزء.

٧٠

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : كون العاصي مطيعا بعصيانه ، حيث أوجد مراد الله تعالى وفعل وفق مراده.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٥.

٧١

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّ المطيع من أطاع الأمر ، والأمر غير الإرادة ، فالمريد هو المقدّر للأشياء ومرجّح وجوداتها ، فإذا وقع الخلق على وفق إرادته فلا يقال : إنّ الخلق أطاعوه.

نعم ، إذا أمرهم بشيء فأطاعوه يكونون مطيعين.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٥٢.

٧٢

وأقول :

غير خفيّ أنّ الطاعة منوطة بموافقة الإرادة ، والعصيان بمخالفتها ، لا بموافقة لفظ الأمر ومخالفته

ولذا لو علمت إرادة المولى لشيء ولم يأمر به لمانع وجب إتيانه

ولو علم عدم إرادته مع أمره صورة لم يجب فعله

وإنّما قالوا : الطاعة موافقة الأمر ؛ لأنّه دليل الإرادة ولا تعرف بدونه غالبا ، وحينئذ فيلزم ما ذكره المصنّف من كون العاصي مطيعا بعصيانه لموافقته للإرادة التكوينية ، بل هو موافق للأمر التكويني فيكون مطيعا ألبتّة.

قال عزّ من قائل :( فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) (١)

وقال تعالى :( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٢) .

* * *

__________________

(١) سورة فصّلت ٤١ : ١١.

(٢) سورة يس ٣٦ : ٨٢.

٧٣

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : كونه تعالى يأمر بما يكره ؛ لأنّه أمر الكافر بالإيمان وكرهه منه حيث لم يوجد وينهى عمّا يريد ، لأنّه نهاه عن الكفر وأراده منه.

وكلّ من فعل هذا من أشخاص البشر ينسبه كلّ عاقل إلى السفه والحمق ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

فكيف يجوز للعاقل أن ينسب إلى ربّه تعالى ما يتبرّأ هو منه ويتنزّه عنه؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٥.

٧٤

وقال الفضل(١) :

قد سبق المنع من أنّ الأمر بخلاف ما يريده يعدّ سفها(٢) ، وإنّما يكون كذلك لو كان الغرض من الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به ، وليس كذلك ؛ لأنّ الممتحن لعبده هل يطيعه أم لا؟ قد يأمره ولا يريد منه الفعل.

أمّا أنّ الصادر منه أمر حقيقة ؛ فلأنّه إذا أتى العبد بالفعل يقال : امتثل أمر سيّده.

وأمّا أنّه لا يريد الفعل منه ؛ فلأنّه يحصل مقصوده وهو الامتحان ، أطاع أو عصى ، فلا سفه بالأمر بما لا يريده الآمر.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٥٢.

(٢) راجع ردّ الفضل في مبحث « استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة » في ج ٢ / ٣٧٢ ، وانظر الصفحتين ٦٥ ـ ٦٦ من هذا الجزء.

٧٥

وأقول :

لا يخفى أنّ السفه يحصل بطلب الفعل والأمر به حقيقة مع كراهته في الواقع ، وبالنهي عنه حقيقة مع إرادته واقعا ، كما هو الحاصل في الشرعيّات ، ضرورة مطلوبية مثل الإيمان وعدم الكفر حقيقة.

ولا محلّ لاحتمال أن يكون الطلب لمثل ذلك صوريا لغرض الامتحان أو غيره ، على أنّ الامتحان للعاجز سفه آخر.

ثمّ إنّ كلامه دالّ على ثبوت الغرض لله تعالى ، وهو باطل على قولهم : « إنّ أفعاله تعالى لا تعللّ بالأغراض »(١) !

* * *

__________________

(١) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٦ ، المواقف : ٣٣١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢.

٧٦

قال المصنّف ـ طيّب الله رمسه ـ(١) :

ومنها : مخالفة النصوص القرآنية الشاهدة بأنّه تعالى يكره المعاصي ويريد الطاعات ، كقوله تعالى :( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (٢)

( كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ) (٣)

( فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) (٤)

( وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) (٥)

إلى غير ذلك من الآيات

فترى لأيّ غرض يخالفون هؤلاء القرآن العزيز وما دلّ العقل عليه؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٥.

(٢) سورة غافر ٤٠ : ٣١.

(٣) سورة الإسراء ١٧ : ٣٨.

(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٧.

(٥) سورة البقرة ٢ : ٢٠٥.

٧٧

وقال الفضل(١) :

قد يستعمل لفظ الإرادة ويراد به الرضا والاستحسان ، ويقابله الكراهة بمعنى السخط وعدم الرضا ، فقوله تعالى :( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (٢) ، أريد من الإرادة الرضا ، فسلب الرضا بالظلم عن ذاته المقدّسة ، وهذا عين المذهب.

وأمّا الإرادة بمعنى التقدير والترجيح ، أو مبدأ الترجيح ، فلا تقابلها الكراهة ، وهو معنى آخر.

وسائر النصوص محمولة على الإرادة بمعنى الرضا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٥٤.

(٢) سورة غافر ٤٠ : ٣١.

٧٨

وأقول :

لمّا كان من مذهبه : أنّ الله سبحانه هو الخالق للظلم الواقع في الكون ، المريد له(١) ، وكان ذلك خلافا صريحا للآية الأولى ، التجأ إلى حمل الإرادة فيها على الرضا ، وهو لو سلّم لا ينفعه ؛ لتوقّف الإرادة على الرضا ؛ لأنّه من مقدّماتها ، فإذا نفت الآية رضاه تعالى بالظلم ـ كما زعم ـ استلزم نفي إرادته له ، وهو خلاف مذهبه.

وليت شعري إذا لم يرض سبحانه بالظلم والكفر وكان السيّئ عنده مكروها ولا يحبّ الفساد ، فكيف أرادها وخلقها وهو العالم المختار؟!

وإذا كان يرضى الشكر ، فما المانع له عن إرادته وخلقه وهو المتصرّف فيه كما زعموا؟!

وأمّا قوله : « وسائر النصوص محمولة على الإرادة بمعنى الرضا »

فكلام صادر من غير تروّ ، إذ ليس في بقيّة الآيات التي ذكرها المصنّفرحمه‌الله ما يشتمل على لفظ الإرادة ، ولا يعوزه الجواب إذا كان مبنيا على المغالطة.

* * *

__________________

(١) راجع الصفحة ٦٣ من هذا الجزء.

٧٩

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

ومنها : مخالفة المحسوس وهو : استناد أفعال العباد إلى تحقّق الداعي وانتفاء الصوارف ؛ لأنّ الطاعات حسنة والمعاصي قبيحة.

وإنّ الحسن جهة دعاء والقبح جهة صرف ، فيثبت لله تعالى في الطاعة دعوى الداعي إليها وانتفاء الصارف عنها.

وفي القبيح ثبوت الصارف وانتفاء الداعي ؛ لأنّه ليس داعي الحاجة لاستغنائه تعالى ، ولا داعي الحكمة لمنافاتها إيّاها ، ولا داعي الجهل لإحاطة علمه به.

فحينئذ يتحقّق ثبوت الداعي إلى الطاعات ، وثبوت الصارف في المعاصي ، فثبت إرادته للأوّل وكراهته للثاني.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٦.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

علي الحسن بن عثمان الفسوي بالبصرة ، قال : حدّثنا يعقوب بن سفيان الفسوي ، قال : حدّثنا ابن قعنب ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر [ في قوله تعالى ] :( اتقوا الله ) قال : ( أمر الله أصحاب محمّد بأجمعهم أنّ يخافوا الله ، ثمّ قال لهم :( وكونوا مع الصادقين ) . يعني محمّداً وأهل بيته )(١) .

الدرّ المنثور :

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله :( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال : ( مع علي بن أبي طالب ).

وأخرج ابن عساكر ، عن أبى جعفر في قوله :( وكونوا مع الصادقين ) قال : مع علي بن أبي طالب )(٢) .

تذكرة الخواص :

( وقال علماء السير : معناه كونوا مع علي عليه السلام وأهل بيته. قال ابن عباس : وعلي عليه السلام سيّد الصادقين )(٣) .

دليل لا يدل :

قال الفخر الرازي في قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) : ( واعلم أنّه تعالى لما حكم بقبول توبة هؤلاء الثلاثة ، ذكر ما يكون كالزاجر عن فعل ما مضى ، وهو التخلّف عن رسول الله في الجهاد ، فقال :( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) . في مخالفة أمر الرسول( وكونوا مع الصادقين )

__________________

١ ـ شواهد التنزيل ١ : ٣٤١ ـ ٣٤٥.

٢ ـ الدر المنثور ، لجلال الدين السيوطي ج ٣ ص ٢٩٠ ، كفاية الطالب للكنجي ص ١١١ ط الغري. والصواعق المحرقة ص ١٥٠.

٣ ـ تذكرة الخواص ١ : ١٨٢.

١٢١

يعني : مع الرسول وأصحابه في الغزوات ، ولا تكونوا متخلّفين عنها وجالسين مع المنافقين في البيوت ، وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : إنّه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين ، ومتى وجب الكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين في كلّ وقت ، وذلك يمنع من إطباق الكلّ على الباطل ، ومتى امتنع إطباق الكلّ على الباطل ، وجب إذا أطبقوا على شيء أنّ يكونوا محقيّن. فهذا يدل على أنّ إجماع الأمّة حجّة )(١) .

الجواب :

لقد اعترف الرازي بدلالة الآية على وجود الصادقين في كلّ وقت ، وبدلالة الآية على العصمة إلّا أنّه قال بحجّية الأمّة ، أي : عصمة الأمّة.

ونحن نتّفق معه على أنّه لابدّ من وجود صادقين في كلّ وقت ، ولكن نختلف معه في أنّه ليس كلّ الأمّة ، بل من جعلهم الله قرناء القرآن ، وسفينة النجاة ، وذلك للسنّة الرافعة للخلاف والمعيّنة للقول بأنّ الإمام المعصوم هو علي والأئمة من العترة. وأمّا قول الرازي : فلا دليل عليه ، فهو اجتهاد في مقابل النصّ الصريح.

__________________

١ ـ التفسير الكبير ١٦ : ٢٢٠.

١٢٢
١٢٣

الدليل السابع : ( علي خير البرية ) بالنصّ القرآني

قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة ) (١) .

نظم درر السمطين :

وعن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : ( لما نزلت هذه الآية :( إنّ الذين امنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) قال : لعلي هو أنت وشيعتك ، تأتي يوم القيامة أنت وشيعتك راضين مرضيين ، ويأتي عدوّك غضابا مقحمين )(٢) .

جامع البيان :

حدّثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن محمّد بن علي( أولئك هم خير البرية ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أنت يا علي وشيعتك )(٣) .

شواهد التنزيل :

( ومما يدّل على صدق هذا المعنى ما رواه أبو نعيم ـ كما في الفصل : (٢١) من خصائص الوحي المبين ( ص ١٣١ ) والحديث ٧٧ من كتاب النور المشتعل ( ص ٢٧٧ ) قال : وفيما أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن المروزي ، قال : حدّثني

__________________

١ ـ البيّنة : ٧.

٢ ـ نظم درر السمطين ، ص ٩٢.

٣ ـ جامع البيان لابن جرير الطبري ج ٣٠ ، ص ٣٣٥.

١٢٤

عبد الحكيم بن ميسرة ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث قال : قال لي علي عليه السلام : نحن أهل بيت لا نقاس ( بالناس ).

فقام رجل فأتى عبد الله بن عباس ( فذكر له ما سمعه من علي عليه السلام ) فقال ابن عباس : صدق علي أو ليس كان النبي صلّى الله عليه وآله لا يقاس بالناس؟ ثمّ قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في علي :( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) ).

الدرّ المنثور :

أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة قال : ( أتعجبون من منزلة الملائكة من الله؟ والذى نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند الله يوم القيامة أعظم من منزلة ملك ، واقرؤا ان شئتم( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) .

وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله من أكرم الخلق على الله؟

قال : يا عائشة أما تقرئين( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) .

وأخرج ابن عساكر ، عن جابر بن عبد الله قال : ( كنّا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقبل علي فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والذى نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) فكان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أقبل علي قالوا : جاء خير البرية ).

وأخرج ابن عدى وابن عساكر ، عن أبى سعيد مرفوعاً ( علي خير البرية ).

١٢٥

وأخرج ابن عدي ، عن ابن عباس قال : ( لما نزلت( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلى : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ).

وأخرج ابن مردويه ، عن علي قال : قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألم تسمع قول الله( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب تدعون غراً محجّلين )(١) .

المناقب للخوارزمي :

عن جابر قال : ( كنّا عند النبي صلّى الله عليه وآله فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال رسول الله : قد أتاكم أخي ، ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثمّ قال : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ، ثمّ قال : إنّه أوّلكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد الله ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند الله مزية ، قال : وفي ذلك الوقت نزلت فيه :( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) .

قال : ( وكان أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله إذا أقبل علي قالوا : قد جاء خير البرية )(٢) .

أيضاً عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب عليعليه‌السلام قال : ( سمعت علياً يقول : حدّثني رسول الله وأنا مسنده إلى صدري ، فقال : أي علي ألم تسمع قول

__________________

١ ـ الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٧٩.

٢ ـ المناقب للخوارزمي : ١١١.

١٢٦

الله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ؟ أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين )(١) .

القسمة الضيزى :

وما وصلنا إليه خلال بحثنا لهذه الآية الكريمة وتفسيرها هو : أنّ الإمام عليعليه‌السلام خير من كلّ من صدق عليه أنّه من البرية ، أي : من الخلق ، بل هناك حديث يصرّح أنّ من لم يرض بفضل علي على البرية فقد كفر ، كما قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي خير البشر فمن أبى فقد كفر )(٢) .

فثبت أنّهعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ووصلنا إلى أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بيّن لأصحابه بأنّه ستكون للإمام عليعليه‌السلام شيعة خاصّة به ، وأنّ علياً وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.

إلّا أنّ من القسمة الضيزى أن تقسّم الفرق الإسلامية حالياً إلى سنة وشيعة ، وكأنّ مخالفين أهل البيتعليهم‌السلام تبعوا سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !! والصحيح أنّ الشيعة هم أهل السنّة ، لأنّهم أتباع أهل البيتعليهم‌السلام وأهل البيت هم أعلم بسنّة النبي من

__________________

١ ـ المناقب للخوارزمي : ٢٦٥.

٢ ـ كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٥ ط الحيدرية ، و ، ص ١١٩ ، ط الغري. وترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : ج ٢ : ٤٤٤ ، وينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ص ٢٤٦ ط اسلامبول ، و ص ٢٩٣ ط ـ الحيدرية و ج ٢ : ٧١ ، ط ـ العرفان صيدا ، ومنتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد ج ٥ : ٣٥ ، وميزان الاعتدال للذهبي : ج ٢ : ٢٧١ ، وتاريخ بغداد للخطيب : ج ٣ : ١٥٤ ، و ج ٧ : ٤٢١ ، وفرائد السمطين : ج ١ : ١٥٤.

١٢٧

غيرهم ، وهم من أمر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله باتّباعهم.

فيكون التقسيم الصحيح للفرق الإسلامية إلى : شيعة أهل البيت وشيعة السقيفة ، أو أن يقسّموا بأهل سنة أهل البيت وأهل سنة السقيفة ، هذا هو التقسيم الصحيح ؛ لأنّ أهل البيتعليهم‌السلام هم نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنّتهم سنّته ، وشيعتهم شيعته ، وهم أولى باسم أهل السنّة بمعنى أتّباع سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا بمعنى سنّتهم التي تعني اتّباع معاوية الذي سمّى فرقته بالسنّة والجماعة ، فإنّ هذا اللقب قد وضع في زمان معاوية ، وأرادوا بالسنّة سنّة معاوية من سبّ علي عليه السلام على المنابر ، وبالجماعة جماعته ، وما كان عام جماعة ، بل كان عام فرقة وقهر وجبر وغلبة ، والعام الذي تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسروياً ، والخلافة منصباً قيصرياً ، كما قال الجاحظ في رسالته النابتة :

( فعندها استوى معاوية على الملك ، واستبدّ على بقية الشورى ، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سمّوه ( عام الجماعة ) ، وما كان عام جماعة ، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة ، والعام الذي تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسروياً ، والخلافة منصباً قيصرياً ، ولم يعد ذلك أجمع الضلال والفسق ، ثمّ ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا ، وعلى منازل ما رتّبنا ، حتّى ردّ قضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ردّاً مكشوفاً ، وجحد حكمه جحداً ظاهراً في ولد الفراش وما يجب للعاهر ، مع إجماع الأمّة )(١) .

وجاء في تاريخ دمشق ما هذا نصّه : ( قال : ثمّ قتل علي بن أبي طالب في شهر رمضان سنة أربعين ، وصالح الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان ، وسلّم

__________________

١ ـ رسالته في بني أمية ص ٢٩٣.

١٢٨

له الأمر ، وبايعه الناس جميعاً فسمّي عام الجماعة ، واستعمل معاوية المغيرة بن شعبة تلك السنة على الكوفة على صلاتها وحربها ، واستعمل على الخراج عبد الله ابن دراج مولاه )(١) .

وفي الاصابة : ( لما صالح الحسن ، واجتمع عليه الناس ، فسمّي ذلك العام عام الجماعة )(٢) .

وفي البداية والنهاية : ( وذلك سنة أربعين ، فبايعه الأمراء من الجيشين ، واستقل بأعباء الأمّة ، فسمّي ذلك العام عام الجماعة ، لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد )(٣) .

وفي سير أعلام النبلاء : ( وصالح الحسن بن علي معاوية ، وبايعه ، وسمّي عام الجماعة )(٤) .

ذكرنا هنا الصلح بين الإمام الحسنعليه‌السلام ومعاوية ( لعنه الله ) في تأسيس اسم أهل السنّة والجماعة ، وحيث تطرّقنا لذكر الصلح لابدّ أن نذكر نبذة مما ذكره أهل السنّة حول أسباب الصلح ، وأنّه ليس كما يتصوّر البعض أنّ الإمام الحسنعليه‌السلام رضي وبايع لمعاوية كخليفة ، وأنّه مخالف لأخيه الحسينعليه‌السلام إذ الإمام الحسينعليه‌السلام جاهد بني أميّة ، والإمام الحسنعليه‌السلام لم يجاهد ، ولكن الصحيح أنّهما إمامان قاما أو قعدا ، وأنّهما خط الرسالة ، فالإمام الحسينعليه‌السلام دعوه وحمّلوه الحجّة فذهب استجابة لدعوتهم ، فخانوه ولم يف له إلّا القليل ، أمّا

__________________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج ٨٢ ص ٣٥.

٢ ـ الإصابة لابن حجر ج ٦ ص ١٢٠.

٣ ـ البداية والنهاية لابن كثير ج ٦ ص ٢٤٦.

٤ ـ سير أعلام النبلاء للذهبي ج ٣ ص ١٣٧.

١٢٩

الإمام الحسنعليه‌السلام فقد بيّن أمره في قوله : ( وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حقّ كان لي ، فتركته له ، وإنّما فعلت ذلك لحقن دمائكم ، وتحصين أموالكم )(١) .

نعم ، أنّما أراد الإمام الحسن عليه السلام الإصلاح ؛ لأنّه عرف أنّ معاوية لن يتركه يتولّى ، لهذا رأى أن يشترط عليه شروطاً رآها أنفع لشيعته من الحرب التي كان لابدّ منها لولا تنازلهعليه‌السلام ، وأنا أنقل نصاً حول صلح الإمام الحسنعليه‌السلام عن ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام لابن عساكر ، وهذا هو النصّ :

أخبرناه أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة السلمي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت ، و( أخبرنا ) أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن هبة الله ، قالا : أنبأنا أبو الحسين محمّد بن الحسين ، أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن جعفر ، أنبأنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان ، أنبأنا الحجاج ، حدّثني جدي ، عن الزهري قال : ( فكاتب الحسن لما طعن معاوية ، وأرسل يشرط شرطه ، فقال : إن أعطيتني هذا فإنّي سامع مطيع ، وعليك أنّ تفي به. فوقعت صحيفة الحسن في يد معاوية ، وقد أرسل معاوية إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها ، وكتب إليه أنّ اشترط في هذه ما شئت ، فما اشترطت فهو لك.

فلمّا أتت حسناً جعل يشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده ، وأمسك معاوية صحيفة الحسن التي كتب إليه يسأله ما

__________________

١ ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار ، ج ٣ص ١٠٥ ، أبي حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي ، تحقيق السيد محمّد الجلالي ، طبع ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي.

١٣٠

فيها. فلمّا التقيا وبايعه الحسن ، سأل حسن معاوية أنّ يعطيه الشروط التي اشترط في السجل الذي ختم معاوية على أسفله ، فأبى معاوية أنّ يعطيه ذلك ، وقال : لك ما كنت كتبت إليّ تسألني أنّ أعطيك ، فإنّي قد أعطيتكها حين جاءني. فقال له الحسن : وأنا قد اشترطت عليك حين جاءني سجلّك ، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه. فاختلفا في ذلك ، فلم ينفّذ [ معاوية ] للحسن من الشرط شيئاً )(١) .

أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله وأبو غالب أحمد بن الحسن وأبو محمّد عبد الله بن محمّد ، قالوا : أنبأنا أبو محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو بكر بن مالك ، أنبانا عبد الله ، حدّثني أبي ، أنبأنا محمّد بن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن أنس ـ يعني : ابن سيرين ـ قال : ( قال الحسن بن علي يوم كلّمه معاوية : ما بين جابرس وجابلق رجل جدّه نبي غيري ، وإنّي رأيت أنّ أصلح بين أمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكنت أحقّهم بذلك ، ألا وإنّا قد بايعنا معاوية ، ولا أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين ).

__________________

١ ـ أي : لا الشرط المختلف فيه ، ولا المتّفق عليه ، أمّا المختلف فيه فواضح أنّ معاوية لم يف به ولم ينفّذه ، وأمّا الشروط المتّفق عليها الذي لم يف بها معاوية ولم ينفذها فكثيرة ، منها : طرده وكلاء وعمّال الإمام الحسن عن بلدتي ( فسا ) و( دارا بجرد ). ومنها : تخلّفه عن الشرط الذي فيه ( ( عدم ذكر أمير المؤمنين عليه السلام بسوء ) ) ، فسنّ سبّه في جميع الأرجاء الإسلامية ، واستمرت هذه السنّة الإلحادية إلى تمام ملك بني أمية عدا سنوات من ملك عمر بن عبد العزيز ، فإنّه بحسن تدبيره عطّل هذه السنة الظالمة. ومنها : عدوله عن عدم تعرّضه للإمام وشيعته ، وأن لا يبغي لهم الغوائل ، وقد خالف معاوية هذا الشرط فسمّ الإمام الحسنعليه‌السلام وقتل حجر بن عدي والأخيار من أصحابه بالإفك والتزوير والغدر والنفاق. ومنها : أنّ لا يرشّح أحداً للإمارة على المسلمين وقيادتهم.

١٣١

قال : وحدّثني أبي ، نا يحيى بن سعيد ، عن صدقة بن المثني ، حدّثني جدّي أنّ الناس اجتمعوا إلى الحسن بن علي بالمدائن بعد قتل علي ، فخطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : ( أما بعد ، إنّ كلّ ما هو آت قريب ، وإنّ أمر الله واقع إذ لا له دافع وإن كره الناس ، وإنّي والله ما أحببت أنّ ألي من أمر أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يزن مثقال حبّة خردل تهراق فيها محجمة من دم ، فقد عقلت ما ينفعني مما يضرّني ، فالحقوا بمطيتكم )(١) .

وهذا الحديث رواه أيضاً المصنّف في ترجمة أبي الأعور السلمي عمرو بن سفيان من تاريخ دمشق ، قال :

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن الفهم ، أنبأنا محمّد بن سعد ، أنبأنا يزيد بن هارون ، أنبأنا حريز بن عثمان ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال : ( لما بايع الحسن بن علي معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان : لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتكلّم عيي عن المنطق فيزهد فيه الناس ، فقال معاوية : لا تفعلوا ، فوالله لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يمصّ لسانه وشفته ، ولن يعي لسان مصّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أو شفتان. فأبوا على معاوية فصعد معاوية المنبر ، ثمّ أمر الحسن فصعد ، وأمره أنّ يخبر الناس أنّي قد بايعت معاوية.

فصعد الحسن المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس إنّ الله هداكم

__________________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٣ : ٢٧٢ ، ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام من تاريخ دمشق بتحقيق : محمّد باقر المحمودي : ١٨٧.

١٣٢

بأوّلنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وإنّي قد أخذت لكم على معاوية أنّ يعدل فيكم وأن يوفّر عليكم غنائمكم ، وأن يقسم فيكم [ فيئكم ].

ثمّ أقبل على معاوية فقال : [ أ ] كذاك؟ قال : نعم. ثمّ هبط من المنبر وهو يقول : ـ ويشير بإصبعه إلى معاوية ـ وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. فاشتدّ ذلك على معاوية فقالا : لو دعوته فاستنطقته!

فقال : مهلاً. فأبوا فدعوه ، فأجابهم فأقبل عليه عمرو بن العاص ، فقال له الحسن : أمّا أنت فقد اختلف فيك رجلان : رجل من قريش وجزار أهل المدينة فادعياك فلا أدري أيهما أبوك!

وأقبل عليه أبو الأعور السلمي ، فقال له الحسن : ألم يلعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رعلا وذكوان وعمرو بن سفيان؟! ثمّ أقبل عليه معاوية يعين القوم فقال له الحسن : أما علمت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن قائد الاحزاب وسائقهم وكان أحدهما أبو سفيان ، والآخر أبو الأعور السلمي؟!(١)

حدّثنا زكريا بن يحيى الساجي ، حدّثنا محمّد بن بشّار بن بندار ، حدّثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي ، حدّثنا عمران بن حدير ـ أظنّه عن أبي مجلز ـ قال : قال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة لمعاوية : ( إن الحسن بن علي رجل عي ، وإنّ له كلاماً ورأياً ، وإنّا قد علمنا كلامه فيتكلّم كلاماً فلا يجد كلاما [ فمره فليصعد المنبر وليتكلّم ] فقال : لا تفعلوا ، فأبوا عليه. فصعد عمرو المنبر فذكر علياً ووقع فيه ، ثمّ صعد المغيرة بن شعبة [ المنبر ] فحمد الله وأثنى عليه ثمّ وقع

__________________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٦ : ٥٩ ، ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام من تاريخ دمشق بتحقيق : محمد باقر المحمودي ، هامش ص : ١٩١.

١٣٣

في علي رضي الله عنه! ثمّ قيل للحسن بن علي : أصعد. فقال : لا أصعد ولا أتكلّم حتّى تعطوني إن قلت حقّاً أنّ تصدّقوني وإن قلت باطلاً أنّ تكذّبوني ، فأعطوه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال : بالله يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لعن الله السائق والراكب أحدهما فلان؟ [ يعني أبا سفيان ، والآخر معاوية ] قالا : اللهم نعم بلى قال : أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن عمرا بكل قافية قالها لعنة؟ قالا : اللهم نعم. قال : أنشدك الله يا عمرو ، وأنت يا معاوية بن أبي سفيان أتعلمان أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن قوم هذا؟ قالا : اللهم بلى ، قال الحسن : فإنّي أحمد الله الذي وقعتم فيمن تبرأ من هذا ).

وأيضاً قال الطبراني في الحديث الأخير من الترجمة : حدّثنا محمّد بن عوف السيرافي ، حدّثنا الحسن بن علي الواسطي ، حدّثنا يزيد بن هارون ، حدّثنا حريز ابن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عوف قال : قال عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي لمعاوية : إن الحسن بن علي رضي الله عنه رجل عي! فقال معاوية : لا تقولان ذلك فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تفل في فيه ومن تفل رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم ] في فيه فليس بعي فقال الحسن بن علي : أما أنت يا عمرو فإنه تنازع فيك رجلان ، فانظر أيّهما أباك؟! وأمّا أنت يا [ أ ] با الأعور فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن رعلاً وذكوانا وعمرو بن سفيان ).

أقول : ورواه ابن عساكر بهذا السند ، وبأسانيد أخر في ترجمة أبي الأعور السلمي من تاريخ دمشق : ج ٤٢ ، ص ٤٥ [ ج ٤٦ ، ص ٥٩ ].

ورواه أيضاً في مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٧٨ ، وقال : رواه الطبراني عن

١٣٤

شيخه محمّد بن عون السيرافي ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات.

أقول : لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله رعلاً وذكوان وبني لحيان. رواه البخاري بطرق في باب : ( غزوة الرجيع ورعل وذكوان ) من صحيحه : ج ٥ ص ١٣٢. ورواه أيضاً ابن الأثير في ترجمة عاصم بن ثابت من أسد الغابة ، وببالي أنّه مذكور أيضاً في صحيح مسلم )(١) .

وقفه قصيرة مع ما ورد في النصّ السابق :

١ ـ خيانة معاوية العهد المتفق عليه بينهما.

٢ ـ طرده وكلاء وعمّال الإمام الحسن عن بلدتي ( فسا ) و( دارا بجرد ).

٣ ـ اعترافه بسبّ أمير المؤمنين عليه السلام في جميع الأرجاء الإسلامية ، واستمرت هذه السنة الإلحادية إلى تمام ملك بني أمية عدا سنوات من ملك عمر ابن عبد العزيز.

٤ ـ تعرّضه للإمامعليه‌السلام وشيعته.

٥ ـ سمّ الإمام الحسنعليه‌السلام .

٦ ـ قتل حجر بن عدي والأخيار من أصحابه بالإفك والتزوير والغدر والنفاق.

٧ ـ خالف قاعدة الشورى المرتكزة عليها السقيفة بترشيح ابنه الماجن للأمارة على المسلمين وقيادتهم.

٨ ـ قال الحسن بن علي يوم كلّم معاوية : ما بين جابرس وجابلق رجل جده

__________________

١ ـ ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام لابن عساكر ، هامش : ص ١٩٢.

١٣٥

نبي غيري ، وإنّي رأيت أنّ أصلح بين أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكنت أحقّهم بذلك.

٩ ـ قول معاوية : لا تفعلوا ، فوالله لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يمصّ لسانه وشفته ، ولن يعي لسان مصّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

١٠ ـ قول الإمام الحسنعليه‌السلام : أيّها الناس إنّ الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وإنّي قد أخذت لكم على معاوية أنّ يعدل فيكم ، وأن يوفّر عليكم غنائمكم ، وأن يقسم فيكم [ فيئكم ]. ثمّ أقبل على معاوية فقال : [ أ ] كذاك؟ قال : نعم. ثمّ هبط من المنبر وهو يقول : ـ ويشير بإصبعه إلى معاوية ـ ( وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ).

١١ ـ فاشتدّ ذلك على معاوية فقالا : لو دعوته فاستنطقته ، فقال : مهلاً ، فأبوا فدعوه ، فأجابهم فأقبل عليه عمرو بن العاص ، فقال له الحسن : أمّا أنت فقد اختلف فيك رجلان : رجل من قريش وجزار أهل المدينة فادعياك فلا أدري أيّهما أبوك! وأقبل عليه أبو الأعور السلمي ، فقال له الحسن : ألم يلعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رعلاً وذكوان وعمرو بن سفيان؟! ثمّ أقبل عليه معاوية يعين القوم ، فقال له الحسن : أما علمت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن قائد الاحزاب وسائقهم وكان أحدهما أبو سفيان ، والآخر أبو الأعور السلمي.

١٢ ـ بالله يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لعن الله السائق والراكب أحدهما فلان؟ [ يعني أبا سفيان ، والآخر معاوية ] قالا : اللهم نعم بلى ، قال : أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن عمراً بكلّ قافية قالها لعنة؟ قالا : اللهم نعم.

١٣ ـ فقال معاوية : لا تقولان ذلك فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد

١٣٦

تفل في فيه ومن تفل رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم ] في فيه فليس بعي.

هذه النكات التي هي من كتبهم غنيّة بنفسها عن التعليق.

نعود إلى موضوعنا وهو الكلام حول السنة والجماعة ، مخاطبين كلّ ذي لب بسؤالنا له في من يستحق أن يسمى أهل سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله؟

ونقول في الجواب : ماجاء من كلام الأميرعليه‌السلام عندما سئل صلوات الله عليه مَن أهل السنّة ، ومن أهل الجماعة ، ومن أهل البدعة؟ فقال : ( أمّا أهل السنة فالمستمسكون بما سنّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وان قلوا ، وأما أهل الجماعة فأنا ومن اتّبعني وإن قلّوا ، وأمّا أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله عزّ وجلّ وكتابه ورسوله والعاملون بآرائهم وأهوائهم في دينه ، المبتدعون ما لم يأت عن الله تعالى ولا عن رسوله صلّى الله عليه وآله )(١) .

ولي جواب وصلت إليه بعد طول البحث والتحقيق(٢) وهو : أنّ أهل السنّة والجماعة من كان معتقداً بإمامة إمام زمانه صلوات الله عليه يأخذ عنه ويطيعه كما أمر الله جلّ ذكره ، ولا يموت موتة جاهلية ، إذ من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية كما صحّ عند الفريقين(٣) .

بل هناك جواب من أصدق القائلين بقوله : ( ألاومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد

__________________

١ ـ كنز العمّال ج ١٦ص ١٨٣.

٢ ـ حول قصّة وصولي إلى معرفة أهل البيتعليهم‌السلام راجع كتابي ( وعرفت من هم أهل البيتعليهم‌السلام ).

٣ ـ راجع الكتاب المذكور.

١٣٧

مات على السنّة والجماعة )(١) .

ولنعم ما قال الشاعرفيهم :

لجماعة سمّوا هواهم سنّة

وجماعة حمر لعمري موكفة

قد شبّهوه بخلقه فتخوفوا

شنع الورى فتستروا بالبلكفة(٢)

ونعم ما قال الإمام الشافعي :

ولمّا رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغي والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النجا

وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم

كما قد أمرنا بالتمسّك بالحبل

إذا افترقت في الدين سبعون فرقة

ونيف كما جاء في محكم النقل

ولم يك ناج منهم غير فرقة

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

__________________

١ ـ تفسير الكشّاف للزمخشري ج ٤ ص ٢٢٠ ـ ٢٢١ ط بيروت ، و ج ٣ ص ٤٠٣ ط مصطفى محمّد بمصر ، وتفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٤٠٥ ط الدار العامرة بمصر ، نور الأبصار للشبلنجي ص ١٠٤ ـ ١٠٥ ط ـ السعيدية بمصر وص ١٠٣ ط العثمانية بمصر ، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ص ٢٧ و ٢٦٣ و ٣٦٩ ط اسلامبول ، وص ٢٩ و ٣١٤ و ٤٤٤ ط الحيدرية ، فرائد السمطين : ج ٢ ، ص ٢٥٥ ح ٥٢٤.

٢ ـ الكشّاف ، الزمخشري ج ١ ص ٥٣ طبع مصر عند تفسير الآية :( ربّ أرني أنظر اليك ) .

١٣٨

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

أفي الفرق الهلاك آل محمّد؟!

أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي

فإنّ قلت في الناجين فالقول واحد

وإن قلت في الهلاك حفت عن العدل(١)

نوع من البهتان :

إنّ من جملة ادّعاءات شيعة معاوية أنّ شيعة أهل البيتعليهم‌السلام مغالون ، وأنّهم هم أتباع أهل البيتعليهم‌السلام الحقيقيّون!

نقول لهم : إنّ الإنصاف أنّ المسلم الذي يجعل الزهراءعليها‌السلام من أقرب المقرّبين إلى الرسول ، فلو حصل لأولادها وزوجها ماحصل فمن الطبيعي أنّه سيتألّم لما حصل لهم ويغضب ، ويعتقد أنّ ماحصل يغضب الزهراءعليها‌السلام وكل من قرأ التاريخ وجد أنّ الإمام الحسن مات مسموماً على يد معاوية ، فهل من أحبّ معاوية يحبّ الزهراءعليها‌السلام وهو يعلم انه قتل فلذة كبدها ، وذلك سيغضبها ، وغضبها يغضب الله تعالى.

وكذلك بالنسبة لإيذاء زوجها وغصب إرثها فعلى من أنكر مافعل بها أن يراجع التاريخ ، وقد أوردنا في هذا الكتاب ما فيه الكفاية لكلّ منصف وباحث عن الحق ، ومن أراد المزيد فليقرأ ، وسوف يوصله بحثه لليقين الذي لا شك فيه بصحّة ما نقول ، ومن أبى فعليه الدليل ليرضي ضميره ولا يوالي إلّا من والاه الله

__________________

١ ـ رشفة الصادي ص ٢٥.

١٣٩

ورسوله ، ولا يعادي إلّا من ثبت له حقاً أنّه يجب أن يعاديه ، ولا تأخذه هواده بأحد في دين الله تعالى ، ولا يكون رعاع معاع تباع كلّ ناعق ، ولابد من الولاية والبراءة ؛ لأنّ الأمّة في كلّ زمن منقسمة إلى جيش الحسينعليه‌السلام وجيش يزيد لعنه الله ، ولا يجوز التفرّج فلابدّ من الوقوف في أيّ من الصفّين دفاعاَ بلسانه أو قلمه أو يده حسب مايملي له تكليفه الشرعي قدر استطاعته.

ونقول : إنّنا نعتقد نحن الشيعة أنّنا لسنا مغالين ، بل إنّ ما نعتقده في أهل البيتعليهم‌السلام وارد فيهم حقّاً من القرآن الكريم والسنّة الصحيحة ، وأورده العام والخاص ، وأنّ المغالي ماهو إلّا من قال فيهم مالا يستحقّون وبالغ في حقّهم مما ليس في الكتاب الكريم ولا في السنّة الشريفة ، والشيعة تتبرأ من الغلاة وتلعنهم ، وتقول كما جاء في كتبهم المعتبرة أنّهم فرقة ضالّة ، وهم عدّة فرق العلياوية والغرابية والبزيعية والمخمسة ، والخطابية ، وقد أفتى الشيعة بكفرهم ونجاستهم كما في عقائد الإمامية للشيخ المظفر ، وغيره.

وفي المقالات والفرق لسعد الأشعري عرّف الغلاة أنّهم من ألّهوا أهل البيت ، وأنّ الشيعة منهم براء.

والشيعة لا تقول في أهل البيتعليهم‌السلام إلّا ما أوردته كتب الحديث الشريف والتاريخ الإسلامي ، كما أثبتوا ذلك بالأدلّة القاطعة.

ومن البهتان العظيم قول البعض : إنّ شيعة أهل البيت هم الذين قتلوهم!! كما يردد ذلك في بعض الكتب والإنترنيت وغيرها ، وخاصّة في كتاب ( لله ثمّ

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383