ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة15%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74545 / تحميل: 5864
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

للتاريخ )(١) .

فنجيبهم : أنّ من خرج على أهل البيتعليهم‌السلام بسيفه فقد خرج عن التشيّع ولو كان من قبل شيعياً لأنّ الشيعة ليست قبيلة فلان لا يخرج عن اسم قبيلته ولو عاداها ، وأنّما لفظة ( شيعي ) تطلق على من اتّبع أهل البيتعليهم‌السلام ـ كما في اللغة والمصطلحات العربية ـ فمن خرج لحربهم فهو عدّوهم ، وليس من شيعتهم ولو كان من قبل شيعيّاً ، فالشيعي هو من تبع وتابع ونصر كما في كتب اللغة ، قال ابن خلدون : ( اعلم أنّ الشيعة لغة هم الأصحاب والأتباع. ويقال في عرف الفقهاء والمتكلّمين من الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه )(٢) .

وقال ابن الأثير : ( وقد غلب هذا الاسم على كلّ من يزعم أنّه يتولّى علياً رضي الله عنه وأهل بيته )(٣) .

وقال الفيروز آبادي في القاموس : ( أشياع وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره وقد غلب هذا الاسم على كلّ من يتولّى علياً وأهل بيته حتّى صار اسم خاصّاً لهم ، جمعه : أشياع وشيع )(٤) .

وكلمة شيعة مصطلح قرآني كما في قوله تعالى :( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيم ) (٥) .

__________________

١ ـ هذا الكتاب تصدّى له أبناء الدليل من الشيعة ، وفضحوا كذبه وتزويره ، وأثبتوا أنّه متناقض وكذّاب ، فمن أراد فليراجع الكتب التي أُلّفت للردّ عليه ، ككتاب لله وللحقيقة ، كتاب حقيقة لله ثمّ للتاريخ.

٢ ـ تاريخ ابن خلدون ١ : ١٩٦.

٣ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر ، ابن الأثير ، ج ٢ ، ص ٥١٩.

٤ ـ القاموس المحيط٣ : ٤٧.

٥ ـ الصّافّات (٣٧) : ٨٣.

١٤١

وقال تعالى :( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) (١) .

وهناك كثير من الروايات تدلّ على أنّ لفظة ( شيعي ) استخدمت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما أوردناه سابقاً في ذيل الآية :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٢) فالنصوص الشرعية الواردة في القرآن والروايات التي اشتملت على كلمة ( شيعة ) ومشتقاتها تبيّن أنّ شيعة أهل البيتعليهم‌السلام هم من نصروهم بالمال والروح واللسان ، ووقفوا معهم موقف المحبّ لا موقف المحارب ولا المنافق ولا الرعاع ، فمن أحبّهم لا يحبّ من قتلهم وأخذ حقّهم ، وهذا من بديهيات الأمور في أنّ من أحبّ شخصاً لا يحبّ قاتله وظالمه.

ولكن سيأتي يوم يتبرّأ المتبوع من التابع :( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار ) (٣) .

__________________

١ ـ القصص (٢٨) : ١٥.

٢ ـ البينّة (٩٨) : ٧.

٣ ـ البقرة (٢) : ١٦٦ ـ ١٦٧.

١٤٢
١٤٣

الدليل الثامن : آية الذكر

قال تعالى :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أهل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون ) (١) .

إنّ هذه الآية قد نزلت لتعرّف بمقام أهل البيتعليهم‌السلام وهم : محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسنينعليهم‌السلام وذلك في عهد النبوّة ، أمّا بعد ذلك وحتّى قيام الساعة فهؤلاء الخمسة المذكورين أصحاب الكساء يضاف إليهم الأئمة التسعة من ذرية الحسينعليه‌السلام الذين عيّنهم رسول الله في عدّة مناسبات ، وسمّاهم بسفينة النجاة ، وباب حطّة ، وأمان أهل الأرض ، وقرناء القرآن ، ووصفهم بأنّهم رزقوا علمه وفهمه وغيرها من الأوصاف والروايات في ذلك ثابتة صحيحة وبعضها متواترة منذ الطبقة الأولى وحتّى اليوم(٢) .

وهذه الآية الكريمة مما اختصّ به أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد أخرجها بعض علماء أهل السنّة ومفسّريهم معترفين بنزولها في أهل البيتعليهم‌السلام ، ومايلي بعض ماجاء في كتبهم المعتبرة :

نصّ ما جاء في شواهد التنزيل :

قوله تعالى :( وما أرسلنا من قبلك إلّا رجالاً نوحي إليهم فسألوا أهل

__________________

١ ـ النحل (١٦) : ٤٣.

٢ ـ حول بقيّة الأئمة بعد الحسينعليهم‌السلام راجع كتابي ( ( وعرفت من هم أهل البيت ) ) لأنّ هذا الكتاب مخصص بالخمسة أهل الكساءعليهم‌السلام .

١٤٤

الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .

أخبرنا عقيل بن الحسين ، قال : ( أخبرنا ) علي بن الحسين ، قال : حدّثنا محمّد ابن عبيد الله ، قال : حدّثنا عبدويه بن محمّد بشيراز ، قال : حدّثنا سهل بن نوح بن يحيى أبو الحسن الحبابي ، قال : حدّثنا يوسف بن موسى القطان ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن السدي ، عن الحارث قال : ( سألت عليّاً عن هذه الآية :( فأسألوا أهل الذكر ) فقال : والله إنّا لنحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، ونحن معدن التأويل والتنزيل ، ولقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأته من بابه )(١) .

وذكر محقق كتاب ( شواهد التنزيل ) الشيخ محمّد باقر المحمودي : ( قال الحارث : سألت أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه الآية :( فاسألوا أهل الذكر ) ، قال : والله إنّا أهل الذكر [ و ] نحن أهل العلم ، [ و ] نحن معدن التأويل والتنزيل ).

قال السيوطي في تفسير آية التطهير من تفسير الدّر المنثور : وحدث الضحاك ابن مزاحم أنّ نبي الله كان يقول : نحن أهل بيت طهّرهم الله ، من شجرة النبوّة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبيت الرحمة ، ومعدن العلم.

وقال المتقي في كنز العمّال ، ج ٦ ص ١٥٦ ، ما محصّله : وأخرج الديلمي ، عن سلمان ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أعلم أُمّتي من بعدي علي بن أبي طالب.

وقال أيضاً : أخرج أبو نعيم ، عن علي بن أبي طالب.

__________________

١ ـ شواهد التنزيل ١ : ٤٣٢.

١٤٥

وقال أيضاً : أخرج أبو نعيم ، عن عليعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : علي بن أبي طالب أعلم الناس بالله والناس.

وروى ابن سعد في ترجمة المصفح العامري في طبقات الكوفيين الذين رووا عن علي من كتاب الطبقات الكبرى ، ج ٦ ص ١٦٧ ، وفي ط بيروت ص ٢٤٠ قال : ( أخبرنا ) يزيد بن هارون ، قال : ( أخبرنا ) فضيل بن مرزوق ، عن جبلة بنت المصفح ، عن أبيها قال : قال لي علي عليه السلام : يا أخا بني عامر سلني عما قال الله ورسوله ، فإنا نحن أهل البيت أعلم بما قال الله ورسوله. قال [ ابن سعد ] : والحديث طويل.

وقال المتقي في كنز العمّال : أخرج عبد الغني بن سعد في إيضاح الإشكال ، عن أبي الزعراء قال : كان علي بن أبي طالب يقول : إنّي وأطائب أرومتي وأبرار عترتي أحلم الناس صغاراً ، وأعلم الناس كباراً ، بنا ينفي الله الكذب ، وبنا يعقر الله أنياب الذئب الكلب ، وبنا يفك الله عنوتكم وينزع ربق أعناقكم ، وبنا يفتح الله ويختم.

وروى أبو نعيم في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب حلية الأولياء ، ج ١ ، ص ٦٨ قال : حدّثنا عبد الله بن محمّد بن جعفر ، حدّثنا أحمد بن محمّد الحبال ، حدّثنا أبو مسعود ، حدّثنا سهل بن عبد ربه ، حدّثنا عمرو بن أبي قيس ، عن مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، عن التميمي ، عن ابن عباس قال : كنّا نتحدّث أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره.

ورواه أيضاً الكنجي الشافعي بسند ينتهي إلى عبد الله بن محمّد بن جعفر في الباب : (٧٣) من كتاب كفاية الطالب ص ٢٩١.

١٤٦

وأيضاً رواه أبو نعيم في ترجمة محمّد بن حمّاد من تاريخ أصبهان : ج ٢ ص ٢٥٥ قال : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا محمّد بن سهل بن الصباح الأصبهاني ، حدّثنا أحمد بن الفرات الرازي ، حدّثنا سهل بن عبد ربه

ورواه أيضاً ابن عساكر في الحديث : ( ١٠٢٩ ) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق : ج ٣ ص ٤٩٩ ط ٢(١) .

عن محمّد بن علي قال : لما نزلت هذه الآية :( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) قال علي عليه السلام : ( نحن أهل الذكر الذي عنانا الله جلّ وعلا في كتابه )(٢) .

وذكر محقق كتاب ( شواهد التنزيل ) الشيخ محمّد باقر المحمودي : ( ورواه الثعلبي أيضاً في تفسير الآية الكريمة من تفسير الكشف والبيان كما رواه عنه ابن البطريق في الفصل : (٢٢) من كتاب خصائص الوحي المبين ، ص ٢٢٩ ط ٢.

وقال الطبري في تفسير الآية الكريمة من تفسيره : ج ١٤ / ١٠٨ : حدّثنا ابن وكيع ، قال : حدّثنا ابن يمان ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر [ في قوله تعالى ] :( فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) قال : نحن أهل الذكر(٣) .

عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر في قوله تعالى :( فأسألوا أهل الذكر )

__________________

١ ـ هامش شواهد التنزيل ١ : ٤٣٣ ـ ٤٣٤.

٢ ـ شواهد التنزيل ١ : ٤٣٦.

٣ ـ هامش شواهد التنزيل ١ : ٤٣٦.

١٤٧

قال : ( هم الأئمة من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتلا( وأنزلنا عليكم ذكراً رسولاً ) (١) .

جامع البيان للطبري :

( حدّثنا به ابن وكيع ، قال : ثنا ابن يمان ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر :( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) قال : نحن أهل الذكر )(٢) .

تفسير القرطبي :

قال جابر الجعفي : ( لما نزلت هذه الآية قال علي رضي الله عنه : نحن أهل الذكر )(٣) .

تفسير الثعلبي :

قال : جابر الجعفي : ( لما نزلت هذه الآية قال علي : نحن أهل الذكر )(٤) .

شبهة وردود :

وقد يُشكل بأنّ أهل الذكر في ظاهر الآية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

والجواب :

أنّه لا يمكن أن يكونوا المقصودين لعدّة أسباب ، منها :

__________________

١ ـ شواهد التنزيل ١ : ٤٣٧ ، سورة الطلاق (٦٥) : ١٠.

٢ ـ جامع البيان ، ج ٤١ ، ص ١٤٥.

٣ ـ تفسير القرطبي ج ١١ص ٢٧٢.

٤ ـ تفسير الثعلبي ٦ : ٢٧ ، ونحوه في تفسير الآلوسي المسمّى بـ ( ( روح المعاني ) ) ج ١٤ ص ١٤٧ وينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ١ : ٣٥٧.

١٤٨

أوّلاً : لأنّ القرآن الكريم ذكر في العديد من الآيات بأنّهم حرّفوا كلام الله وكتبوا الكتاب بأيديهم ، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ، فلا يمكن أنّ يأمر المسلمين بأن يرجعوا إليهم لجهلهم وخيانتهم.

ثانياً : روى البخاري ، عن ابن عباس قال : ( يا معشر المسلمين ، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدث الأخبار بالله محضاً لم يُشب ، وقد حدّثكم الله أنّ أهل الكتاب قد بدّلوا من كتب الله وغيّروا ، فكتبوا بأيديهم وقالوا : هو من عند الله ليشتروا بذلك ثمناً قليلاً. أوَلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟! فلا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم )(١) .

ثالثاً : أنّ أهل الكتاب من النصارى يدّعون بأنّ عيسى عليه السلام هو إله ، واليهود يكذّبونهم ولا يعترفون به حتّى نبّياً ، وكلاهما يكذّب بالإسلام ونبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون عنه : كذاب ودجّال ، فلا يمكن أن يأمرنا الله بمسألتهم وهم لا يعترفون بنبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

رابعاً : قد ثبت أنّها نازلة في أهل بيت النبوّة عليهم السلام بإجماع الشيعة وكثير من مصادر السنة ، ولذلك قرائن كثيرة كحديث السفينة : والنجوم ، والثقلين ، ونحوها كقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من أراد أن يدخل الجنّة التي غرسها ربّي فليوال علياً من بعدي وليوال وليّه وليقتدي بأهل بيتي من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا علمي وفهمي ، فويل للمكذّبين بفضلهم من

__________________

١ ـ صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى :( كل يوم هو في شأن ) ج ٨ ص ٢٠٨.

١٤٩

أُمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم السلام : ( فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ) ، وقال ابن حجر : وفي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ). دليل على أنّ من تأهّل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدّماً على غيره(١) .

تأمّل وتدبرّ هذه الألفاظ : ( رزقوا علمي وفهمي ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ).

خامساً : أنّ أهل البيتعليهم‌السلام في كلّ عصر كلّ منهم أعلم أهل زمانه ، فالتاريخ يسطّر رجوع الخلفاء للإمام عليعليه‌السلام ، ورجوع أبي حنيفة للإمام الصادقعليه‌السلام والمأمون للرضاعليه‌السلام وهكذا ، أفلا يكونوا مع كلّ هذا أهل الذكر؟!

وهل غيرهم يقول عن نفسه كما قال الإمام عليعليه‌السلام : ( تالله لقد علمت تبليغ الرسالات ، وإتمام العدّات ، وتمام الكلمات ، وعندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر )(٢) ، وقالعليه‌السلام : ( أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أنّ رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى. إنّ الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم )(٣) .

__________________

١ ـ قد ذكرنا مصادره.

٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١١٩.

٣ ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٤٤.

١٥٠

وقالعليه‌السلام أيضاً : ( نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقاً.

فيهم كرائم القرآن ، وهم كنوز الرحمن ، إن نطقوا صدقوا ، وإنّ صمتوا لم يُسبقوا )(١) .

وقالعليه‌السلام : ( هم عيش العلم ، وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحقّ في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل )(٢) .

وقالعليه‌السلام أيضاً : ( عترته خير العتر ، وأسرته خير الأسر ، وشجرته خير الشجر ، نبتت في حرم ، وبسقت في كرم ، لها فروع طوال ، وثمرة لا تنال )(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( نحن شجرة النبوّة ، ومحطّ الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ، ناصرنا ومحبّنا ينتظر الرحمة ، وعدوّنا ومبغضنا ينتظر السطوة )(٤)

وقالعليه‌السلام : ( فأين تذهبون وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يُتاه بكم؟ بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم؟

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٥٤.

٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم ٢٣٧.

٣ ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم ٩٣.

٤ ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٠٨.

١٥١

وهم أزمّة الحقّ ، وألسنة الصّدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش.

أيّها الناس ، خذوها من خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّه يموت من مات منّا وليس بميّت ، ويبلى من بلي منّا وليس ببال ) ، فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون ، واعذروا من لا حجّة لكم عليه وأنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر ، وأترك فيكم الثقل الأصغر ، وركزت فيكم راية الإيمان )(١)

وقالعليه‌السلام أيضاً : ( اُنظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم ، واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردىً ، فإنّ لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا )(٢) .

وقال الإمام عليعليه‌السلام : ( سلوني قبل أن لا تسألوني ، ولن تسألوا بعدي مثلي )(٣) . وقالعليه‌السلام : ( سلوني ، والله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلّا أخبرتكم ، سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل )(٤) .

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم ٨٦.

٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم ٩٦.

٣ ـ أخرجه الحاكم في المستدرك ج ٢ ، ص ٤٦٦ ، وصححه هو والذهبي في تلخيصه. وأخرج نحوه ابن كثير في تفسيره ج ٤ ص ٢٣١ من طريقين وقال : ثبت أيضاً من غيروجه. ونحوه في طبقات ابن سعد ، ج ٢ ، ص ٢٨ ، والاستيعاب ، ج ٢ ، ص ٤٣.

٤ ـ أخرجه المحبّ الطبري في الرياض ، ج ٢ ، ص ١٩٨ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٢٤ ، وتهذيب التهذيب ج ٧ ، ص ٣٣٨ ، وفتح الباري ، ج ٨ ، ص ٤٨٥.

١٥٢

وقالعليه‌السلام : ( إنّ هاهنا لعلماً جمّا ـ وأشار إلى صدره ـ لو أصبت له حملة )(١) .

ومن تتبع أقوال الأئمة من بنيه ، أمثال الإمام الحسن ، والإمام الحسين ، وزين العابدين ، وجعفر الصادق ، والإمام الرضا ، وبقية الأئمةعليهم‌السلام لوجدهم يؤكّدون أنّهم هم أهل الذكر وحملة العلم ، وأنّ الواجب الأخذ عنهم ، وأهل البيتعليهم‌السلام واحد بعد آخر أبلغوا الناس أنّهم هم حجّة الله في أرضه ، كما جاء في تفسير ابن كثير عن الإمام أبي جعفر محمّد الباقر قال : ( نحن أهل الذكر )(٢) .

وقال أبو جعفرعليه‌السلام :( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ) ، قال : رسول الله :صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وأهل بيته أهل الذكر وهم المسؤولون )(٣) . وقال في قول الله تعالى : وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ، قال : إنّما عنانا بها ، نحن أهل الذكر ، ونحن المسؤولون )(٤) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى :( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ، قال : هم آل محمّد ، فذكرنا له حديث الكلبي أنّه قال : هي في أهل الكتاب ، قال فلعنه وكذّبه )(٥) .

وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت له : ( إنّ من عندنا يزعمون أنّ قول الله تعالى :( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ، أنّهم

__________________

١ ـ أعلام الموقعين ، ج ١ ، ص ٢١ ، وينابيع المودّة ٣ : ٤٥٤ ، والفائق للزمخشري ، ج ٣ ، ص ١٨٨.

٢ ـ تفسير ابن كثير ٢ : ٥٩١.

٣ ـ بصائر الدرجات : ٥٨.

٤ ـ بصائر الدرجات : ٥٨.

٥ ـ بصائر الدرجات : ٦١.

١٥٣

اليهود والنصارى ، قال : إذاً يدعونهم إلى دينهم ، ثمّ أشار بيده إلى صدره فقال : نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون )(١) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى :( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ، قال : ( كتاب الله الذكر ، وأهله آل محمّد الذين أمر الله بسؤالهم ، ولم يؤمروا بسؤال الجهّال )(٢) .

قال : ( نحن أهل الذكر. قال أبو زرعة : صدق محمّد بن علي ، ولعمري إنّ أبا جعفر لمن أكبر العلماء )(٣) .

هذه نبذة مختصرة من أقوال الإمام علي وأبنائهعليهم‌السلام عن أنفسهم.

وأمّا أقوال الصحابة وأصحاب الأئمة كعمر وأبي حنيفة وغيرهم عن أنفسهم ، واعترافهم بأنّ الإمام علي وأولاده أعلم منهم فهي كما يلي :

قالوا عن أنفسهم :

١ ـ قال أبو بكر :

عن الترمذي قال : قال ( أبو بكر : أقيلوني فإنّ علياً أحقّ منّي بهذا الأمر. وفي رواية كان الصديق يقول ثلاث مرّات : أقيلوني أقيلوني ، فإنّي لست بخيركم وعلي فيكم )(٤) .

__________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٦١.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٦١.

٣ ـ الإرشاد ٢ : ١٦٣.

٤ ـ انظر : لماذا اخترت مذهب أهل البيت ، عن الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ، ص ٣١ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ، ج ١ ، ص ٥٨ ، و ج ٤ ، ص ١٦٦ ـ ١٦٩ ، وكنز العمّال ج ٣ ، ص ١٣٢ و ، ص ١٣٥ و ، ص ١٤١.

١٥٤

وفي رواية : ( لما سئل أبو بكر عن قول الله تعالى :( وفاكهة وأبا ) فقال : أيّ سماء تظلّني ، وأيّ أرض تقلّني أنّ أقول في كتاب الله بما لا أعلم )(١) .

( وسئل أبو بكر عن الكلالة فقال : إنّي سأقول فيها برأيي ، فإنّ كان صواباً فمن الله ، وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان )(٢) .

٢ ـ قال عمر : ورد أنّ عمر بن الخطاب تلا هذه الآية :( فأنبتنا فيها حبّا وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلبا وفاكهة وأبّا ) قال : ( فكلّ هذا قد عرفناه فما الأب؟ ثمّ نفض عصا كانت في يده ، فقال : هذا لعمر الله التكلّف! اتّبعوا ما تبيّن لكم هداه من هذا الكتاب )(٣) .

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب التيمم بأربعة طرق : ( أنّ رجلاً أتى عمر ، فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماءً ، فقال : لا تصلّ. فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءً ، فأمّا أنت فلم تصلً ، وأمّا أنا فتمعّكت في التراب وصلّيت )(٤) .

وجاء عن جهلهم أيضاً : ( خطب عمر بن الخطاب الناس فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : ألا لا تغالوا في صداق النساء ، فإنّه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أو سيق إليه ، إلّا جعلت

__________________

١ ـ انظر : فتح الباري ج ٦ ، ص ٢١٢ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٩ ، ص ٢٢٣.

٢ ـ أنظر : سنن الدارمي ، ج ٢ ، ص ٣٦٦ ، الدر المنثور٢ : ٢٥٠ ، السنن الكبرىللبيهقي ، ج ٦ ، ص ٢٢٣.

٣ ـ انظر : وتفسير ابن كثير ، ج ٤ ، ص ٥٠٤ ، وتفسير القرطبي ، ج ٥ ، ص ٢٢٣ ، فتح الباري ١٣ : ٢٢٩ ، والكشاف ، ج ٤ص ، ٢٢٠ ، المستدرك ٢ : ٥١٤.

٤ ـ صحيح البخاري ١ : ٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ١٩٣.

١٥٥

فضل ذلك في بيت المال ، ثمّ نزل ، فعرضت له امرأة من قريش ، فقالت : يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أنّ يتبع أو قولك؟ قال : بل كتاب الله ، فما ذاك؟ قالت : نهيت الناس آنفاً أنّ يغالوا في صداق النساء ، والله تعالى يقول في كتابه :( وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا ) (١) فقال عمر : كلّ أحد أفقه من عمر. مرّتين أو ثلاثاً ).

وفي رواية قال عمر : ( امرأة أصابت ورجل أخطأ ).

وفي رواية أخرى قال : ( كلّ أحد أعلم من عمر ).

وفي أخرى قال : ( إن امرأة خاصمت عمر فخصمته )(٢) .

وجاء أيضاً : ( أتي عمر بن الخطاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور ، فأمر برجمها ، فتلقّاها علي ، فقال : ما بال هذه؟ فقالوا : أمر عمر برجمها ، فردّها علي وقال : هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلك انتهرتها أو أخفتها؟ قال : قد كان ذلك. قال : أوما سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال : ( لا حد على معترف بعد بلاء. إنّه من قيّد أو حبس أو تهدد فلا إقرارله ). وخلّى سبيلها ، ثمّ قال : عجزت النساء أنّ تلدن مثل علي بن أبي طالب ، لولا علي لهلك عمر )(٣) .

__________________

١ ـ النساء : ٢٠.

٢ ـ أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير ، وابن الجوزي في سيرة عمر ص ١٢٩ ، وابن كثير في تفسيره ١ ص ٤٧٧ عن أبي يعلى ، وقال : إسناده جيد قوي ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤ ص ٢٨٤ ، والسيوطي في الدّر المنثور ٢ ص ١٣٣ ، والشوكاني في فتح القدير ١ ص ٤٠٧ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ ص ٢٦٩ نقلاً عن أبي يعلى ، وقال : سنده جيّد ، وغيرها كثير.

٣ ـ انظر : الرياض النضرة ، ج ٢ ، ص ١٩٦ ، وذخائر العقبى ص ٨٠ ، ومطالب السؤول ص ١٣ ، ومناقب الخوارزمي ص ٨١.

١٥٦

وفي حادثة مشابهة لهذه ، قال عمر : ( كلّ أحد أفقه منّي ، ثلاث مرّات )(١) . وعن مجاهد قال : ( قدم عمر بن الخطاب الشام فوجد رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمّة فهمّ أنّ يقيده ، فقال له زيد بن ثابت : أتقيد عبدك من أخيك؟ فجعله عمر دية )(٢) وأخرج البيهقي : ( إن عثمان بن عفان أتى بامرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر بها أنّ ترجم ، فقال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : ليس ذلك عليها ، قال الله تبارك وتعالى :( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ، وقال :( وفصاله في عامين ) ، وقال( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) فالرضاعة أربعة وعشرون شهراً ، والحمل ستة أشهر ، فأمر بها عثمان أنّ ترد ، فوجدت قد رجمت )(٣) .

وقول عمر في أكثر مرّة : لولا علي لهلك عمر )(٤) .

وقوله : ( اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب )(٥) .

وقوله : ( لا أبقاني الله بأرض لست فيها أبا الحسن )(٦) .

وقوله : ( لا أبقاني الله بعدك يا علي )(٧) .

وقال سعيد بن المسيب : ( كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس بها أبو الحسن )(٨) .

__________________

١ ـ انظر : الرياض النضرة ٢ : ١٩٦ ، ذخائر العقبى : ٨١.

٢ ـ كنز العمّال ١٥ : ٩٧ ، حديث ٤٠٢٤٢.

٣ ـ السنن الكبرى ٧ : ٤٤٢.

٤ ـ مطالب السؤول : ٧٧ ، نظم درر السمطين : ١٣٠.

٥ ـ مناقب الخوارزمي : ٩٧.

٦ ـ أرشاد الساري ٣ : ١٩٥.

٧ ـ الرياض النضرة ٢ : ١٩٧.

٨ ـ الرياض النضرة ٢ : ١٩٤.

١٥٧

وقالوا في الإمام علي وأبنائه المعصومين عليهم‌السلام :

١ ـ إنّ أوّل مادح لعليعليه‌السلام هو الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كقوله تعالى :( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي خير البشر فمن أبى فقد كفر )(١) .

٢ ـ لم يذكر أنّ الإمام عليعليه‌السلام أو بنيه قالوا بجهل أنفسهم ، وإنّما تجد تضرّعهم ، ودموعهم ، واستصغارهم ، وتحقير أنفسهم عندما يناجوا الله عزّ وجلّ ، أمّا أمام أصحابهم فهم يقولون : نحن حجّة الله عليكم ، نحن أهل الذكر اسألونا ، وممّا صحّ عن علي قولهعليه‌السلام : ( والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي )(٢) .

٣ ـ كلام الإمام السبط الحسنعليه‌السلام في خطبة له يمدح أبيهعليهم‌السلام : ( لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون ، ولا يدركه الآخرون بعلم )(٣) .

٤ ـ ابن عباس حبر الأمة ، قال : ( قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لو أنّ الغياض أقلام ، والبحار مداد ، والجن حسّاب ، والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل

__________________

١ ـ أنظر : كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٥ ط ـ الحيدرية ، و ، ص ١١٩ ط ـ الغري ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٣٧٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ٢ : ٧٨ ، ميزان الاعتدال للذهبي : ج ٢ : ٢٧١ ، تاريخ بغداد للخطيب ٣ : ٤٠٩ ، ٧ : ٤٣٣ ، فرائد السمطين : ج ١ : ١٥٤.

٢ ـ خصائص النسائي ص ١٨ ، مستدرك الحاكم ٣ ص ١٢٦ وقد صححه هو والذهبي.

٣ ـ أخرجه أحمد ، وابن كثيرفي التاريخ ٧ص ٣٣٢ ، وأبو نعيم في الحلية ١ ص ٦٥ ، وابن الجوزي في صفوة الصفوة ج ١ ص ١٢١.

١٥٨

علي بن أبي طالب عليه السلام )(١) .

عن ابن عباس : ( والذي نفس عبد الله بن العباس بيده ، لو كانت بحار الدنيا مداداً ، والأشجار أقلاماً ، وأهلها كتاباً ، فكتبوا مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام وفضائله ما أحصوها )(٢) .

وعن ابن عباس قال : ( والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وأيّم الله لقد شارككم في العشر العاشر )(٣) .

وقال أيضاً : ( ما علمي وعلم أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وسلم في علم علي رضي الله عنه إلّا كقطرة في سبعة أبحر )(٤) .

وقال أيضاً : ( العلم ستة أسداس ، لعلي من ذلك خمسة أسداس ، وللناس سدس ، ولقد شاركنا في السدس حتّى لهو أعلم به منّا )(٥) .

وقال أيضاً : ( ليس من آية في القرآن( يا أيّها الذين آمنوا ) إلّا وعلي رأسها وأميرها وشريفها. ولقد عاتب الله أصحاب محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في القرآن وما ذكر علياً إلّا بخير )(٦) .

وقال : ( ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي )(٧) .

وقال : ( إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلّا له ظهر وبطن ،

__________________

١ ـ المناقب للخوارزمي : ٣٢.

٢ ـ ينابيع المودّة : ١ : ٣٦٥.

٣ ـ الاستيعاب : ج ٣ ، ص ٤٠ ، الرياض النضرة ج ٢ ، ص ١٩٤ ، مطالب السؤول١٦٩.

٤ ـ ينابيع المودّة ١ : ٢١٥.

٥ ـ مناقب الخوارزمي٩٢.

٦ ـ ينابيع المودّة ٢ : ١٧٧.

٧ ـ شواهد التنزيل ١ : ٥٢.

١٥٩

وإنّ علي بن أبي طالب علم الظاهر والباطن )(١) .

وقال : ( أعطي عليعليه‌السلام تسعة أعشار العلم ، وإنّه لأعلمهم بالعشر الباقي )(٢) .

وكانت الصحابة يرجعون إليه ـ أي : إلى علي عليه السلام ـ في أحكام الكتاب ، ويأخذون عنه الفتاوى ، كما قال عمر بن الخطاب في عدّة مواطن : ( لولا علي لهلك عمر )(٣) .

وعن شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ، عن ابن عباس المسمّى بحبر الأمّة لغزارة علمه أنّه قيل له : ( أين علمّك من علم ابن عمك علي؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط )(٤) .

وعن كتاب ( شفاء الصدور ) للنقاش ما يرويه عن ابن عباس ، أيضاً قال : ( إنّ علياً علّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ورسول الله علّمه الله ، فعلم النبي من علم الله ، وعلم علي من علم النبي ، وعلمي من علم علي ، وما علمي وعلم أصحاب محمّد في علم علي إلّا كقطرة من سبعة أبحر ).

ورواه القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ) عن الكلبي ، عن ابن عباس(٥) .

وروى المحبّ الطبري في ( ذخائر العقبى ) عن ابن عباس أنّه سئل عن علي

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ٣ : ١٤٦.

٢ ـ مطالب السؤول : ١٦٩.

٣ ـ انظر : ينابيع المودّة : ج ٢ ، ص ١٧٢ ، وروى ابن عبد البر في الاستيعاب : ج ٢ : ٤٦٢ ، والطبري في ذخائر العقبى ص ٧٨ ، وفي الرياض النضرة : ٢ : ١٩٤ ، والجزري في أسد الغابة : ٤ : ٢٢.

٤ ـ شرح النهج : ج ١ ، ص ١٩ ، وينابيع المودّة : ١ : ٤٤٩.

٥ ـ ينابيع المودّة ١ : ٢١٥.

١٦٠

المرصد السّادس

في العدل

وفيه مطالب

١٦١

١٦٢

[المطلب] الأوّل

في الحسن والقبح العقليّين

الفعل إن لم يكن له صفةٌ زائدةٌ على حدوثه فهو كحركة السّاهي والنّائم. وإن كان، فهو إمّا حسنٌ لا صفة زائدة له على حسنه، وهو المباح؛ أو له صفةٌ زائدةٌ، فإن أوجبت الذّمّ على التّرك فهو الواجبُ، وإلاّ النّدبُ؛ وإمّا قبيحٌ، وهو ما يستحقّ فاعله العالمُ بحاله الذّمّ.

واتّفقت المعتزلة على أنّ من الأشياء ما يُعلم كونه حسناً وقبيحاً بالضّرورة، كحسن الصّدق النافع والإنصاف والإحسان وشكر المُنعم وقبح الكذب الضّارّ والظلم والفساد وتكليفِ ما لا يُطاق؛ ومنها ما يعلم حسنه وقبحه بنظر العقل، كحُسن الصّدق الضّارّ وقبح الكذب النّافع، ومنها ما يُعلم من جهة الشّرع، لا بمعنى أنّه علّةٌ في الحُسن والقبح، بل إنّه كاشف لجزم من لم يعتقد الشّرعُ به، ولأنّه لولاه لجاز إظهار المعجزة (1) على يد الكاذب، والخُلف في وعده ووعيده. والتّعذيب على الطاعة والإثابة على المعصية، فينتفي فائدةُ التّكليف ولأُفحِمَتِ الأنبياءُ.

____________________

(1) ألف: المعجز.

١٦٣

وقالت الأشاعرة: إنهما شرعيّان، فالحسنُ ما أمر الشّارعُ به، والقبيحُ ما نهى عنه؛ لأنّ العلمُ به ليس نظريّاً إجماعاً ولا ضروريّاً، وإلاّ لساوى العلم بأنّ الكلّ أعظمُ من الجزء. والتّالي باطلٌ قطعاً، فكذا المقدّمُ، ولأنّ الكذبَ قد يحسنُ إذا اشتمل على مصلحة، كتخليص نبيّ من ظالم، أو قال: لأكذبنّ غداً، ولأنّه - تعالى - كلّف من علم عدمَ إيمانه، وخلافُ معلوم الله - تعالى - مُحال، وكلّف أبا لهب بالإيمان بجميع ما أخبر به. ومن جملة ما أخبر (1) أنّه لا يؤمنُ، فقد كلّفه بأن يؤمن بأن لا يؤمن. وهو جمعٌ بينَ النّقيضين؛ ولأنّ أفعال العبد اضطراريّةٌ، فلا حسنَ ولا قبحَ.

والجوابُ: المنعُ من الملازمة فإنّ التّصديقات الضّروريّة تتفاوتُ بتفاوت التّصوّرات في الكمال والنّقصان، ومن بطلان التّالي، والكذب ليس بحسن مطلقاً. ويجب التّوريةُ لتخليص النّبيّ، فينتفي الكذبُ، أو يأتي بصورة الإخبار من غير قصد له، بل للاستفهام. ويجبُ ترك الكذب في الغد، لاشتماله على وجهي حسن، هما ترك الكذب وترك إتمام العزم عليه وإن اشتمل على وجه قبح، وهو أولى من الكذب المشتمل على وجهي قبح هُما الكذب وإتمام العزم عليه، وعلى وجه حَسن وهو الصدق، والعلم تابعٌ، فلا يؤثّرُ في المتبوع.

ونمنع إخباره عن أبي لهب بعدم الإيمان. والسّورةُ اشتملت (2) على

____________________

(1) ج: أجزائه.

(2) ج: إنه اشتملت.

١٦٤

ذمّه، لا على الإخبار بعدم إيمانه. ويُحتَملُ نزولها بعدَ موته. ويؤيّده قوله تعالى: ( مَا أَغْنَى‏ عَنْهُ ) (1) وقوله تعالى: ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أأنذرتهم ) (2) يُحتَمل نزولها بعدَ موتهم أو حالَ غفلتهم. والغافل غير مكلّف. وسيأتي بيانُ اختيار العبد.

تذنيبٌ

القبائحُ إنّما قبحت لما هي عليه. وكذا الواجباتُ، فإنّ العقلاء متى علموا الظلمَ، أو منعَ ردّ الوديعة، أو ترك شكر المنعم، (3) ذمّوا فاعل ذلك، ومتى علموا ردّ الوديعة أو شكر النّعمة مدحوا فاعله. فإذا طلب منهم العلّة بادروا إلى ذكر الظّلم أو منع الوديعة أو كفران النّعمة أو فعل الشّكر أو الرّدّ. فلو لا علمهم الضّروريّ بالعلم لما بادروا إليها وللدوران، فإنّ الضّرر متى كان ظلماً كان قبيحاً. وإذا انتفى الظلم انتفى قبحه فكان علّةً.

____________________

(1) المسد: 111/2.

(2) البقرة: 2/6.

(3) ب، ج: النعمة.

١٦٥

المطلب الثاني

في أنّه - تعالى - لا يفعل القبيح ولا يُخلّ بالواجب

يدلّ عليه أنّ له صارفاً عن القبيح، لأنّه غنيٌّ عنه وعالمٌ بقبحه، ولا داعيّ له إليه، لانتفاء داعي الحاجة والحكمة، فلا يصدرُ الفعل عنه قطعاً.

والأشاعرة أسندوا القبائح إليه - تعالى عن ذلك -، لأنّه كلّف الكافر مع علمه بامتناع الإيمان منه، وتكليفُ ما لا يُطاقُ قبيحٌ عندكم، ولأنّه - تعالى - جمع بين الرّجال والنّساء في الدّنيا ومكّن بعضَهم من بعض، وجعل لهم ميلاً إلى الاجتماع وحرّمه، وذلك قبيح، كما يقبح منّا جمع العبيد والإماء،

وقد بيّنا أنّ العلمَ تابعٌ، والغرضُ في التّكليف هو التّعريض على معنى أنّه يجعله بحيثُ يتمكن من الوصول إلى النّفع وقد حصل الغرضُ، والجامع بينَ العبيد والإماء إذا نهاهم عن وصول بعضهم إلى بعض وتوعّدهم عليه بعظيم الضّرر، وفعل بهم ما يُقرّبهم من الامتثال ويُبعّدهم عن المخالفة، ونصب لهم من يؤدّبهم إذا أخلّوا بما أُمروا به عاجلاً ووعدهم على الامتثال بعظيم النّفع الّذي لا يمكن الوصول إليه إلاّ به لم يكن قبيحاً.

١٦٦

المطلب الثّالث

في خلق الأعمال

ذهب جهم بنُ صفوان إلى أن لا فاعل إلاّ الله - تعالى - وقالت الأشاعرةُ والنّجّاريّة، إنّ المُحدِثَ هو الله - تعالى - والعبدَ مكتسبٌ، وأنّه - تعالى - يخلقُ قدرة للعبد والفعل معاً. واختلفوا في الكسب، فقال الأشعريّ: هو إجراء العادة بإيجاد الله - تعالى - الفعل والقدرة معاً عندَ اختيار العبد، ولا أثرَ لقدرة العبد. وقال بعضُ أصحابه، معناه تأثيرُ قدرة العبد في كون الفعل طاعةً أو معصيةً أو عبثاً وغيرها من صفات الفعل الّتي يتناولها التّكليف وبها يستحقّ المدح والذّمّ. وقال آخرون: إنّه غيرُ معلوم.

وذهب أهل العدل إلى أنّ للحيوان أفعالاً تقعُ بقدرتهم (1) واختيارهم، فعندَ أبي الحسين ومن تابعه أنّ العلمَ به ضروريٌّ. وهو الحقّ. وعند باقي مشايخ المعتزلة ومن تابعهم من شيوخ الإماميّة أنّه كسبيٌّ.

لنا أنّ كلّ عاقل يعلمُ بالضّرورة حُسنَ المدح على الإحسان والذّمّ على الإساءة، وهو يتوقفُ على كون الممدوح والمذموم فاعلاً، ولأنّ أفعالنا

____________________

(1) ألف، ب: بقدرهم.

١٦٧

واقعةٌ بحسب قصودنا ومنتفية بحسب صوارفنا. وهو معنى الفاعل. ولأنّ الضّرورة قاضية بالفرق بينَ حركاتنا الاختياريّة والاضطراريّة، ولقبح منه - تعالى - الأمر والنّهي كما يقبح أمرُ الجماد ونهيه؛ وللسّمع.

احتجّ الخصمُ بأنّ العبدَ حالَ الفعل إن لم يمكنه التّرك فهو الجبر؛ وإن أمكنه: فإن لم يتوقّف التّرجيحُ على مرجّح لزم ترجيحُ الممكن من غير مرجّح، وإن توقّف، فإن كان منه عاد البحث، وإلاّ لزم الجبر، لامتناع الفعل من دونه ووجوبه عنده، ولأنّه لو كان موجداً لفعله لكان عالماً بتفاصيله، فإنّ القصد (1) الكلّيّ لا يكفي في حصول الجزئيّ لتساوي نسبته إلى الجميع. والتّالي باطل قطعاً، لعدم العلم بقدر السّكنات المتخلّلة في الحركات البطيئة، ولأنّه لو أراد العبدُ حركةَ جسم وأراد الله - تعالى - تسكينه، فإن وقعا أو لم يقعا لزم المُحال، وإن وقع أحدهما كان ترجيحاً من غير مرجّح، لاستقلال كلّ منهما؛ ولأنّه - تعالى - إن علم الوقوعَ وجب وإلاّ امتنع، فلا قدرةَ.

والجوابُ: أنّه متمكنٌ من التّرك نظراً إلى القدرة وغيرُ متمكّن نظراً إلى الدّاعي ولا يخرجه عن القدرة، لتساوي الطرفين بالنّسبة إلى القدرة وحدَها، وهو آتٍ في حقّ واجب الوجود. والعلم الإجماليّ كافٍ في الإيجاد. والقصد الكلّيّ قد ينبعث عنه الفعل الجزئيّ باعتبار تخصيصه

____________________

(1) ألف: الفصل.

١٦٨

بالمحلّ والوقت لا باعتبار القصد، وقدرته - تعالى - أقوى، فكان صدورُ فعله أولى، والوجوب المستند إلى العلم لاحقٌ. (1)

وكما أنّ فرضَ أحد النّقيضين يقتضي وجوبَه لاحقاً دونَ امتناع الآخر، كذا فرضُ العلم، لأنّه مطابقٌ له. والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم، مع أنّه آتٍ في حقّه تعالى. والكسب غيرُ مفيد، لأنّ تجويز صدور الاختيار يقتضي تجويز صدور غيره، لعدم الأولويّة؛ ولانسحاب أدلّتهم عليه، فإنّ اختيار المعصية مغايرٌ لاختيار الطاعة. فحصولُ أحدهما إن لم يكن لمرجّح لزم ترجيح أحد الطرفين لا لمرجّح، وإن كان لمرجّح تسلسل. وكذا باقي الأدلّة.

____________________

(1) ج: اللاحق.

١٦٩

المطلب الرّابع

في أنّه - تعالى - يريدُ الطاعات ويكره المعاصي

هذا مذهبُ العدليّة، خلافاً للأشاعرة، لأنّ له داعياً إلى الطاعة، ولا صارفَ له عنها، وله صارفٌ عن المعصية، ولا داعيَ له إليها، لأنّه حكيمٌ، والحكيمُ له داعٍ إلى الحَسَن، والطاعة حسنة، وله صارفٌ عن القبيح، والمعصية قبيحةٌ؛ ولأنّ إرادة القبيح قبيحةٌ، لاستحسان العقلاء ذمّ مريد القبيح، ولأنّه أمر بالطاعة ونهى عن المعصية. وهما يستلزمان الإرادة والكراهة؛ فإنّ الأمر إنّما هو أمرٌ باعتبار إرادة المأمور به؛ ولقوله تعالى: ( كُلّ ذلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِندَ رَبّكَ مَكْرُوهاً ) (1) وكذب من قال: ( لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا ) (2) وقوله: ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ ) (3) ، ( وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الْفَسَادَ ) (4) ، ( وَلاَ يَرْضَى‏ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) (5) ، و ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالْإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (6) ، ( وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ) (7) .

____________________

(1) الإسراء: 17/38.

(2) الأنعام: 6/148.

(3) آل عمران: 3/108.

(4) البقرة: 2/205.

(5) الزمر: 39/7.

(6) الذاريات: 51/56.

(7) البيّنة: 98/5.

١٧٠

احتجّوا بأنّ إرادةَ الطاعة من الكافر تستلزم وقوعها وكراهةَ المعصية تستلزم عدمها؛ ولأنّ الأمر قد يوجد بدون الإرادة، كطالب العذر عن ضرب (1) عبده بعدم قبوله منه، فيأمره ولا يريد فعلَه، ليظهرَ عذره؛ وقوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلّهُمْ جَميعاً ) (2) .

والجوابُ: أنّه أراد إيقاعَها اختياراً وكره إيقاعَ المعصية اختياراً، لئلاّ يبطلَ التّكليف. والمولى يوجد صورةَ الأمر ولا طلب، كما لا إرادة، والآية يدلّ على القسر (3) .

____________________

(1) ج: بضرب العبد.

(2) يونس: 10/99.

(3) ج: على التخيير.

١٧١

المطلب الخامس

في التكليف

وهو إرادةُ من يجبُ طاعته على جهة الابتداء ما فيه مشقّةٌ بشرط الإعلام. وهو حسنٌ لأنّه من فعلِه تعالى، والله لا يفعل القبيح؛ ولابُدّ من غرضٍ، لقبح العبثِ، وليس عائداً إليه تعالى، لاستغنائه، ولا إلى غير المكلّف، لقبح إلزام المشقّة لنفع (1) الغير، ولا ضرر المكلّف لقبحه ابتداء، ولا نفعه، لانتقاضه بتكليف من علم كفره، ولا تعريضه للضرر لقبحه ولا لنفع يصحّ الابتداء به، لأنّه يصيرُ عبثاً، فهو التّعريضُ لنفع لا يمكن الابتداء به.

والأشاعرة نفوا الغرضَ في أفعاله، وإلاّ لكان ناقصاً في ذاته مستكملاً بذلك الغرض، إذ بحصوله يحصل له ما هو الأولى له. وليس بجيّد، وإلاّ لزم العبثُ وإبطال غايات المصنوعات الظاهرة حِكمها. (2) والاستفادةُ باطلة، كما في الخالقيّة.

وهو واجبٌ عندَ المعتزلة خلافاً للأشاعرة، وإلاّ لكان مغرياً بالقبيح،

____________________

(1) ج: منفعة.

(2) ج: حكمتها.

١٧٢

لأنّ للعاقل ميلاً إلى القبيح ونفوراً عن الحسن.

فلولا التّكليف الزّاجر عن القبيح لزم ارتكابه،

وشرطه كونُ المكلّف عالماً بصفة الفعل لئلاّ يكلّفَ بالقبيح أو المباح، وبقدر المستحقّ عليه من الثّواب ليؤمن انتفاء الظلم، والقدرة على الإيصال، وكونه منزّهاً عن فعل القبيح والإخلال بالواجب، وأن يكون ما كلّف به ممكناً، لقبح التّكليف بالمُحال، وكونه ممّا يستحقّ به الثّواب، كالواجب والنّدب وترك القبيح، وقدرة المكلّف عليه، مميّزاً بينَه وبينَ ما لم يكلّفه متمكناً من الآلة والعلم بما يحتاج إليه، والعلّة فيحسن تكليف المؤمن آتيةٌ في الكافر؛ فإنّ العلم غير مؤثر والتّعريض للنّفع ثابت فيه. واختيار الكفر (1) لا يُخرج الحَسن عن حُسنه.

____________________

(1) ب، ج: اختياره الكفر.

١٧٣

المطلب السّادس

في اللّطف

وهو ما كان المكلّف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعدَ من فعل القبيح، (1) ولم يكن له حظٌّ في التّمكين ولم يبلغ إلى حدّ الإلجاء، فالآلة ليست لطفاً؛ لأنّ لها مدخلاً في التّمكين. والإلجاء ينافي التّكليف، بخلاف اللّطف وهو واجبٌ خلافاً للأشعريّة، وإلاّ لزم نقض الغرض، فإنّه - تعالى - إذا علم أنّ المكلّف لا يختارُ الطاعة أو لا يكونُ أقرب إليها إلاّ عندَ فعل يفعله به وجب عليه فعلُه، وإلاّ كان مُناقضاً لغرضه، كمن قدّم طعاماً إلى غيره ويعلمُ أنّه لا يأكلُ (2) إلاّ إذا فعل معه نوعاً من التأدّب لا مشقّةَ فيه ولا غضاضةَ، فلو لم يفعله لم يكن مريداً لأكله.

لا يقال: الفعل بدون اللطف إن كان ممكناً لم يتوقّف على اللّطف، وإلاّ صار من جملة التّمكين، كالقدرة، ولأنّ وجه الوجوب غير كافٍ فيه ما لم ينتف عنه وجوه (3) القبح، فلم لا يجوزُ اشتمال اللّطف على وجه قبح، ولأنّ اللطف إن اقتضى رجحاناً مانعاً من النّقيض كان إلجاءً. وإن كان غير مانع لم

____________________

(1) ج: فعل المعصية.

(2) ج: لا يأكله.

(3) ج: وجوب القبح.

١٧٤

يكف في وجود الفعل، وإن لم يقتض رجحاناً البتة انتفت فائدته.

لأنّا نقول: الفعل يتوقّفُ على الدّاعي. واللّطفُ أمّا الدّاعي أو سببه أو مقوّيه، فيتوقّف عليه الفعل وليس تمكيناً. ووجوه القبح محصورة مضبوطة، لأنّا مكلّفون باجتنابها، وهي منفيّةٌ عن اللطف، واقتضاء الرّجحان المانع من النّقيض لا يستلزم الإلجاء، كالدّاعي الّذي يجب الفعل عنده، وإن كان غيرَ مانع كفى مع الدّاعي والقدرة.

واللطف إن كان من فعله - تعالى - وجب عليه فعله، وإن كان من فعل المكلّف وجب عليه - تعالى - أن يُعرّفه إيّاه ويُوجبه عليه، وإن كان من فعل غيرهما لم يجز أن يكلّفه فعلاً متوقّفاً على ذلك اللّطف إلاّ إذا علم أنّ ذلك يفعله قطعاً.

١٧٥

المطلب السّابع

في الآلام والأعواض

الألمُ منه قبيحٌ، وهو صادرٌ عنّا والعوض فيه علينا، ومنه حَسنٌ، فإن كان من فعلنا، مباحاً أو مندوباً أو واجباً فالعوض عليه تعالى، وإن كان من فعله - تعالى - فإمّا على وجه الاستحقاق بالعقاب، (1) وإمّا على جهة الابتداء.

واختلفَ فيه، فنفاه البكريّة، وقالت الأشاعرة لا عوضَ عليه - تعالى - في ما يفعله من الألم ولا في ما يأمر به. وقالت التّناسخيّة، إنّه - تعالى - يؤلمُ على وجه العقوبة لا غير. وعند العدليّة أنّه - تعالى - يؤلم ابتداءً بشرط اشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه، وهو اللّطف إمّا للمؤلم أو لغيره. وأن يكونَ في مقابلته عوضٌ للمؤلم يزيد عليه أضعافاً كثيرةً بحيثُ يختارُ المتألمُ العوضَ والألم؛ لأن عراءه عن العوض ظلمٌ وعن اللّطف عبثٌ.

والعوضُ، هو النّفعُ المستحقُّ الخالي من تعظيم وإجلال، فالمستحقّ علينا مساوٍ للألم، والمستحقّ عليه - تعالى - بفعله أو إباحته أو أمره أو تمكينه لغير العاقل زائدٌ عليه. واختلف أهل العدل في الأخير، فقال بعضهم بما

____________________

(1) ب، ج: كالعقاب.

١٧٦

تقدّم، وآخرون بأنّ العوضَ على الحيوان. والباقون قالوا: لا عوضَ هنا.

لنا، أنّه - تعالى - مكّنه وجعل فيه ميلاً شديداً إلى الإيلام ولم يخلق له عقلاً يزجره عن القبيح مع إمكانه.

احتجّ الخصمُ بقوله (عليه السلام): ((يُنتصفُ للجمّاء من القرناء)) (1) وإنّما يكون بأخذ العوض من الجاني وبقوله (عليه السلام): ((جُرحُ العجماء جبارٌ)) (2) والانتصاف بأخذ العوض إمّا من الجاني أو غيره، وصحّ أن يكونَ جباراً لانتفاء القصاص فيه.

والعوض واجبٌ، خلافاً للأشاعرة، وإلاّ لزم الظلمُ، واختلف الشّيوخُ، فقال أبو هاشم والبلخيّ: يجوزُ أن يُمكّن الله - تعالى - من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي فعله.

ثمّ قال البلخيّ: يجوز أن يخرج من الدّنيا ولا عوضَ له، ويتفضّل الله - تعالى - عليه بالعوض، فيدفعه إلى المظلوم. ومنعه أبو هاشم وأوجب التّبقيةَ إلى أن يستحقّ عوضاً موازياً، لأنّ الانتصافَ واجبٌ والتّفضّل ليس بواجب، فلا يُعلّقُ عليه الواجبَ. قال المرتضى: التّبقيةُ أيضاً ليست واجبةً، فلا يعلّق عليها الانتصافَ الواجب. بل، يجب أن يكون له في حال ظلمه عوضاً موازياً.

____________________

(1) الاقتصاد: 91؛ كشف المراد: 455.

(2) الموطأ: 2/869؛ بحار الأنوار: 87/267.

١٧٧

المطلب الثّامن

في الآجال والأرزاق والأسعار

ألف - الأجل، هو الوقتُ الّذي يحدث فيه الشّيء. ويعنى بالوقت، الحادثُ الّذي جعل علماً لحدوث غيره. كما يقال: قدم زيدٌ عندَ طلوع الشّمس. وأجلُ الحياة هو الوقت الّذي يحدث فيه، وأجل الموت كذلك. فأيّ ميّتٍ مات على اختلاف أسباب الموت، فإنّ موته في أجله.

واختلف في المقتول لو لم يقتل فقيل: يعيشُ قطعاً، لأنّه لو مات قطعاً لكان ذابحُ غنم غيره محسناً إليه. وقيل: يموتُ قطعاً، وإلاّ لزم انقلابُ علمه - تعالى - جهلاً لو عاش.

والملازمةُ الأولى ممنوعةٌ، لأنّه فوّته العوضَ على الله تعالى. وهو أزيدُ من العوض عليه. (1)

والثّانيةُ أيضاً، لجواز تعلّق علم الموت بالقتل والحياة لولاه.

وأمّا الرّزقُ، فعند العدليّة ما صحّ الانتفاع به ولم يكن لأحد منعه منه،

____________________

(1) قال المصنّف في كشف المراد: 340: إذ لو ماتت الغنم استحق مالكها عوضاً زائداً على الله فقال، فبذبحه فوت عليه الاعواض الزائدة.

١٧٨

لقوله تعالى: ( وَأَنفِقُوا مِن مَا رَزَقْنَاكُم ) (1) والله - تعالى - لا يأمرُ بالحرام.

وعند الأشاعرة، الرّزق ما أكل وإن كان حراماً. ويجوز طلبُه إجماعاً. ولقوله تعالى: ( فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللّهِ ) (2) .

وأمّا السّعرُ، فهو تقدير البدل فيما يُباع به الأشياء. ولا يقال: هو البدل؛ لأنّ البدل هو الثّمن أو المثمنُ. وليس أحدهما سِعراً. وهو إمّا رخصٌ، وهو السّعرُ المنحطّ عمّا جرت به العادة، والوقت والمكان واحدٌ. وإمّا غلاءٌ، وهو ما يقابله، وكلّ منهما إمّا من الله تعالى أو من العباد.

____________________

(1) المنافقون: 63/10.

(2) الجمعة: 62/10.

١٧٩

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383