ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة15%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74457 / تحميل: 5847
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

إبراهيم العمري ، والحسين بن محمد العقيقي(1) وغيرهم.

ولم تنته هذه المحاولات حتى بعد شهادة الإمام العسكريعليه‌السلام مسموماً سنة 260 ه‍ ، إذ تحدثت المصادر عن إلقاء حلائله وأصحابه في السجن ، وأنه جرى عليهم كلّ عظيم من اعتقال وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ(2) .

أما موقفهعليه‌السلام مما يجري على أصحابه ، فيمكن تلخيصه في ثلاثة إتجاهات :

الاتجاه الأوّل : الدعاء على أعدائهم

وقد ذكرنا آنفاً أنهعليه‌السلام كان يرفدهم بالدعاء في أحرج الظروف وأحوجها ، ومن ذلك الدعاء الذي رواه عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : كنت عند مولاي أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه ، إذ وردت إليه رقعة من الحبس من بعض مواليه ، يذكر فيها ثقل الحديد وسوء الحال وتحامل السلطان ، فكتب إليه :« يا عبد الله ، إنّ الله عليه‌السلام يمتحن عباده ليختبر صبرهم ، فيثيبهم على ذلك ثواب الصالحين ، فعليك بالصبر ، واكتب إلى الله عزوجل رقعة وانفذها إلى مشهد الحسين بن علي صلوات الله عليه ، وارفعها عنده إلى الله عزوجل ، وادفعها حيث لا يراك أحد ، واكتب في الرقعة » ثم أورد دعاءً طويلاً كان منه قولهعليه‌السلام :« اللهم إني قصدت بابك ، ونزلت بفنائك ، واعتصمت بحبلك ، واستغثت بك ، واستجرت بك ، يا غياث المستغيثين أغثني ، يا جارالمستجيرين أجرني ، يا إله العاملين خذ بيدي ، إنّه قد علا الجبابرة في

__________________

(1) راجع : الغيبة للشيخ الطوسي : 227 / 194 ، الفصول المهمة 2 : 1084 ، بحار الأنوار 50 : 306 / 2 و 312 / 10.

(2) راجع : الإرشاد 2 : 336.

٤١

أرضك ، وظهروا في بلادك ، واتخذوا أهل دينك خولاً ، واستأثروا بفيء المسلمين ، ومنعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم ، وصرفوها في الملاهي والمعازف ، واستصغروا آلاءك ، وكذّبوا أولياءك ، وتسلطوا بجبريّتهم ليعزّوا من أذللت ، ويذلّوا من أعززت ، واحتجبوا عمّن يسألهم حاجة ، أو من ينتجع منهم فائدة » (1) .

وفي هذا الدعاء يشير الإمام العسكريعليه‌السلام إلى مظاهر الفوضى والفساد والظلم التي طبعت الحياة السياسية آنذاك ، فذكر استئثار رجالات السلطة بفيء المسلمين ، ومنعهم ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلها الله لهم ، وتبديدها في أسباب اللهو على حساب فقر الفقراء والمصالح التي تفوت بذلك.

ومن دعاء طويل لهعليه‌السلام على موسى بن بغا الذي شكاه أهل قم لجوره وظلمه ، قالعليه‌السلام :« اللّهم وقد شملنا زيغ الفتن ، واستولت علينا غشوة الحيرة ، وقارعنا الذل والصغار ، وحكم علينا غير المأمونين في دينك ، وابتزّ اُمورنا معادن الاُبنَ (2) ممّن عطّل حكمك ، وسعى في اتلاف عبادك ، وإفساد بلادك.

اللّهم وقد عاد فيئنا دولة بعد القسمة ، وإمارتنا غلبة بعد المشورة ، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للاُمّة ، فاشتريت الملاهي والمعازف بسمهم اليتيم

__________________

(1) بحار الأنوار / المجلسي 102 : 238 / 5 عن الكتاب العتيق للغروي ـ المكتبة الاسلامية.

(2) الاُبَن : جمع ابنة ، الحقد والعداوة والعيب.

٤٢

والأرملة ، وحكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة(1) ، وولي القيام باُمورهم فاسق كلّ قبيلة ، فلا ذائد يذودهم عن هلكة ، ولا راعٍ ينظر إليهم بعين الرحمة ، ولا ذو شفقة يشبع الكبد الحرّى من مسغبة ، فهم أولو ضرع بدار مضيعة ، واُسراء مسكنة وحلفاء كآبة وذلّة.

اللّهم وقد استحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته ، واستحكم عموده ، واستجمع طريده ، وخذرف وليده ، وبسق فرعه ، وضرب بجرانه ، اللّهم فأتح له من الحق يداً حاصدة تصرع قائمه ، وتهشم سوقه ، وتجبّ سنامه ، وتجدع مراغمه ، ليستخفي الباطل بقبح صورته ، ويظهر الحق بحسن حليته »(2) .

الاتجاه الثاني : احسانه عليه‌السلام إليهم

وقد كان يأمر قوامه ووكلاءه بالتخفيف من وطأة الفقر عن كواهلهم ، ويعطي المعوزين منهم ما يرفع عنهم أسباب العوز والحاجة ، وممن شملهم بره وإحسانه أبو هاشم الجعفري ، وعلي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، وأبو يوسف

__________________

(1) قد يقال : إن الخلفاء في هذا العصر خصوصاً المتوكل قد فرضوا قيوداً صارمة على أهل الذمة ، لكن المتصفح لكتب التاريخ يري أنّهم يشكلون جزءاً مهماً من جيوش الخلافة ، وبعضهم كانوا ذوي مناصب عالية في الجيش ، منهم أبو العباس الوارثي النصراني ، الذي وجهه بغا إلى أرمينية. راجع : الكامل في التاريخ 6 : 116 ، ومنهم صاعد بن مخلد النصراني كاتب الموفق ووزير المعتمد. راجع : سير أعلام النبلاء 13 : 326 / 149.

(2) مهج الدعوات لابن طاوُس : 67 ـ طهران ـ 1323 ه‍ ، بحار الأنوار 85 : 229 / 1.

٤٣

الشاعر(1) ، وغيرهم.

الاتجاه الثالث : تحذيرهم من الفتن

حيث كانعليه‌السلام يمارس دوره كقائد لمواليه وأصحابه وراعٍ لمصالحهم ومدافع عن قضاياهم في حدود فسحة ضيقة محكومة بالرقابة والضغط ، وعلى هذا الصعيد كانعليه‌السلام يحذرهم الأخطار والفتن المحدقة بهم ، ومن الوقوع في أحابيل السلطة ، ويساعدهم في إخفاء نشاطهم بحسب الإمكان ، ويهيء الجماعة الصالحة لغيبة ولده الحجةعليه‌السلام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

وفي هذا الاتجاه أوصى أصحابه ان يكونوا على اُهبة من فتنةٍ تظلهم عند موت المعتز(2) .

وحذرهم من الإذاعة وطلب الرئاسة مشدّداً على التقوى وأداء الأمانة ، فقد جاء في الرسالة لهعليه‌السلام إلى بعض بني أسباط :« إياك والاذاعة وطلب الرئاسة ، فإنّهما يدعوان إلى الهلكة واقرأ من تثق به من مواليّ السلام ، ومُرهم بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا » (3) .

وأكد على الكتمان والحيطة حتى أنهعليه‌السلام قال لأحد أصحابه :« إذا سمعت

__________________

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 506 / 3 و 507 / 10 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ـ من كتاب الحجة ، بحار الأنوار 50 : 294 / 69.

(2) كشف الغمة 3 : 295 ، بحار الأنوار 50 : 298 / 72.

(3) كشف الغمة 3 : 293 ، بحار الأنوار 50 : 296 ـ 297.

٤٤

لنا شاتماً فامض لسبيلك التي اُمرت بها ، وإياك أن تجاوب من يشتمنا ، أو تعرّفه من أنت ، فاننا ببلد سوء ومصر سوء » (1) .

وقال لأحد أصحابه حينما أراد أن يصرّح بإمامتهعليه‌السلام :« إنّما هو الكتمان أو القتل ، فاتق الله على نفسك » ، وفي رواية :« فابقوا على أنفسكم » (2) .

وبلغت درجة الحيطة لديهعليه‌السلام أنه أوصى بعض أصحابه أن لا يسلّم عليه أو يدنو منه ، فقد ترصّده أصحابه يوماً عند ركوبه إلى دار الخلافة ليسلموا عليه ، فخرج التوقيع منهعليه‌السلام إليهم :« ألا لا يسلمنّ عليّ أحد ، ولا يشير إليّ بيده ، ولا يومئ ، فانكم لا تأمنون على أنفسكم » (3) .

ونادىعليه‌السلام يوماً حمزة بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي ، وقد أراد الاقتراب منه حينما خرج مع السلطان وأحسّ منه خلوة :« لا تدن مني ، فإنّ عليّ عيوناً ، وأنت أيضاً خائف » (4) .

مواقف العباسيين :

لغرض استجلاء موقف السلطة من الإمام لابدّ من استعراض موقف الحاكمين من بني العباس على انفراد حسب التسلسل التاريخي ، وقد ذكرنا أن الإمام العسكريعليه‌السلام عاصر في سني إمامته ( 254 ـ 260 ه‍ ) شطراً من خلافة المعتز والمهتدي وبعض سني خلافة المعتمد ، لكنا سوف نذكر بعضاً من مواقف

__________________

(1) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 461.

(2) إثبات الوصية : 251 ، كشف الغمة 3 : 302 ، بحار الأنوار 50 : 290 / 63.

(3) الخرائج والجرائح 1 : 439 / 20 ، بحار الأنوار 50 : 269 / 24.

(4) الثاقب في المناقب / لأبي جعفر محمد بن علي الطوسي : 573 / 520 ـ دار الزهراء ـ 1411.

٤٥

المتقدمين الذين عاصروا الإمام العسكريعليه‌السلام منذ ولادته إلى أن تسنّم الإمامة ( 232 ـ 254 ه‍ ) ومع كون هذه المدة تقع ضمن فترة إمامة أبيهعليه‌السلام لكن الإمام العسكريعليه‌السلام واكب أحداثها وعانى من آثارها وعاش شتى الصعوبات والظروف القاسية التي واجهت أباه من قبل ؛ منذ استدعائه من المدينة إلى سامراء حتى وفاته مروراً بالحصار والاقامة والاعتقال محاولات الاغتيال.

على أنه لم ينقل لنا التاريخ تفاصيل العلاقة بين الإمامعليه‌السلام وبين كلّ واحد من خلفاء عصره ، عدا أخبار اعتقاله وتنبؤاته بموت بعضهم أو قتله ، وموقف الخلفاء من الشيعة بشكل عام والطالبيين بشكل خاص الذين طالهم السجن والتشريد والقتل صبراً على يد أجهزة السلطة.

اولاً ـ المتوكل ( 232 ـ 247 ه‍ )

وهو جعفر بن المعتصم بن الرشيد ، بويع بعده وفاة أخيه الواثق في ذي الحجة سنة 232 ه‍ ، وكان عمر الإمام العسكريعليه‌السلام نحو ثمانية أشهر ونصف ، إذ ولدعليه‌السلام في الثامن من ربيع الآخر سنة 232.

إن السمة الغالبة على المتوكل هي النصب والتجاهر بالعداء لآل البيتعليهم‌السلام والحقد السافر عليهم وعلى من يمتّ لهم بصلة نسب أو ولاء ، وقد أجمع على هذا الأمر غالبية المؤرخين حتى : أولئك اعتبروه ناصراً للسنّة وشبّهوه بالصديق وعمر بن عبد العزيز.

قال السيوطي : « كان المتوكل معروفاً بالتعصب »(1) .

__________________

(1) تاريخ الخلفاء : 268. والظاهر أن أصل عبارة السيوطي ( بالنصب ).

٤٦

وقال الذهبي : « كان المتوكل فيه نصب وانحراف »(1) .

وقال ابن الأثير : « كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنّث ، وكان يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدّة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنّون ؛ قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين ، يحكي بذلك علياًعليه‌السلام والمتوكل يشرب ويضحك ...

وإنّما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي ، وعمرو بن الفرج الرخجي ، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أميه ، وعبدالله بن داود الهاشمي المعروف بابن اُترجه ، وكانوا يخوّفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم ، ثم حسّنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علوّ منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان »(2) .

ولا يمكن أن يجرأ أحد من هؤلاء الذين ذكرهم ابن الأثير على النيل من أمير المؤمنينعليه‌السلام وعموم أهل البيت أمام أحد سلاطين بني العباس ، لولا علمهم المسبق بعداء ذلك ( الخليفة ) السافر لأهل البيتعليهم‌السلام وحقده المقيت عليهم ، وحرصه على تشجيع ثقافة النصب والبغض وافشائها في أوساط الناس عن طريق بعض المرتزقة من الشعراء وغيرهم.

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 12 : 35.

(2) الكامل في التاريخ 6 : 108 ـ 109.

٤٧

روي أنّ أبا السمط مروان بن أبي الجنوب ، قال : « أنشدت المتوكل شعراً ذكرت فيه الرافضة ، فعقد لي على البحرين واليمامة ، وخلع عليّ أربع خلع ، وخلع عليّ المنتصر ، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار ، فنثرت عليّ ، وأمر ابنه المنتصر وسعد الايتاخي أن يلتقطاها لي ففعلا ، والشعر الذي قلته :

يرجوا التراث بنو البنا

ت وما لهم فيها قُلامه

والصهر ليس بـوارثٍ

والبنت لا ترث الامامه

ما للذين تنحلّوا

ميراثكـم إلا النـدامه

ليـس التراث لغيركـم

لا والالـه ولا كرامه

قال : ثمّ نثر عليّ بعد ذلك لشعرٍ قلته في هذا المعنى عشرة آلاف درهم »(1) .

ومن هنا كان زمان المتوكل إيذاناً ببدء عهد الظلم والتعسّف على أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ؛ لأن المتوكل أمعن في التنكيل بهم وأسرف في القتل والحبس والحصار والتشريد وصنوف الأذي والعنت ، وفيما يلي نذكر بعض اجراءاته في هذا الإتجاه :

1 ـ استدعاء الإمام الهادي عليه‌السلام إلى سامراء وايذاؤه

كان المتوكل حريصاً على محاصرة الإمام الهاديعليه‌السلام ووضعه تحت الرقابة وعزله عن الجمهور المسلم الذي كان ينتفع به ويعظّمه وعن شيعته ومواليه في المدينة ، لهذا كتب باشخاصه مع أهل بيته ومواليه ، من مدينة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يثرب إلى عاصمة الملك العباسي آنذاك سامراء.

__________________

(1) تاريخ الطبري 9 : 230 ، الكامل في التاريخ 6 : 140.

٤٨

أسباب الاستدعاء

إنّما ينطلق المتوكل في كلّ مواقفه مع الإمام الهاديعليه‌السلام وشيعته من البغض الذي يكنّه لأهل بيت النبوة ، وفضلاً عن ذلك فقد ذكر المؤرخون سببين مرتبطين دفعا المتوكل إلى إشخاص الإمامعليه‌السلام إلى سامراء وهما :

السبب الأول : هاجس الخوف الذي يراود المتوكل من انصراف الناس إلى الإمامعليه‌السلام لما علمه من إلتفاف الناس حوله في المدينة ، نقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير قولهم : « إنّما أشخصه المتوكل إلى بغداد ، لأن المتوكل كان يبغض علياًعليه‌السلام وذريته ، فبلغه مقام عليعليه‌السلام بالمدينة ، وميل الناس إليه فخاف منه »(1) .

وعبّر عن هذا المعنى أيضاً يزداد النصراني تلميذ بختيشوع طبيب البلاط ، قال : « بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فَرَقاً منه ، لئلا تنصرف إليه وجوه الناس ، فيخرج هذا الأمر عنهم ، يعني بني العباس »(2) .

والإمامعليه‌السلام لم يكن في موقع الدعوة إلى الثورة ضد الخلافة العباسية ، لأن الظروف الموجودة آنذاك لم تكن تسمح بمثل هذا العمل ، وقد عرف الإمامعليه‌السلام بعد استدعائه هواجس نفس المتوكل ، فبين له أنه ليس همّه استلام السلطة ولا تنزع نفسه الكريمة إلى شيء من هذا الحطام ، وذلك حينما استعرض المتوكل جيشه بحضور الإمامعليه‌السلام وقد بلغ تسعين ألفاً من الترك ، فقالعليه‌السلام :« نحن

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322.

(2) دلائل الإمامة / الطبري : 419 / 382 ـ مؤسسة البعثة ـ قم ـ 1413 ه‍ ، نوادر المعجزات / الطبري : 188 / 7 ـ مؤسسة الإمام المهديعليه‌السلام ـ قم 1410 ه‍.

٤٩

لا ننافسكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمرالآخرة ، ولا عليك ممّا تظنّ » (1) .

السبب الثاني : الدور الذي مارسه بعض الحاقدين من عمال بني العباس في الوشاية بالإمام إلى المتوكل ، ومنهم عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي ، المعروف بابن اترجة أو بريحة(2) ، وكان يتولى ادارة الحرب والصلاة في الحرمين.

قال المسعودي : كتب بريحة إلى المتوكل : إن كان لك في الحرمين حاجة فاخرج علي بن محمد منها ، فإنّه قد دعا الناس إلى نفسه واتبعه خلق كثير ؛ وتابع كتبه إلى المتوكل بهذا المعنى(3) .

وقال الشيخ المفيد : سعى بأبي الحسنعليه‌السلام إلى المتوكل ، وكان يقصده بالاذى(4) .

وقال اليعقوبي : كتب إلى المتوكل يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام(5) .

ومهما يكن فان أفعال الوشاة توقظ شكوك المتوكل وأحقاده وتثير توجّسه الكامن في نفسه تجاه الإمامعليه‌السلام .

كتاب الاستدعاء

ذكر الشيخ المفيد أنه لما بلغ أبا الحسنعليه‌السلام سعاية عبد الله بن محمد به ، كتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه ويكذبه في ما وشى به إليه ، فتقدم

__________________

(1) الخرائج والجرائح 1 : 414 / 19 ، الثاقب في المناقب : 557 ، كشف الغمة 3 : 185 ، بحار الأنوار 50 : 155 / 44.

(2) أو بريهة ، راجع : الكامل في التاريخ 6 : 245.

(3) إثبات الوصية : 233.

(4) الإرشاد 2 : 309.

(5) تاريخ اليعقوبي 2 : 484.

٥٠

المتوكل باجابة الإمامعليه‌السلام بكتاب دعاه فيه إلى حضور العسكر على جميل الفعل والقول(1) . ثم أورد نسخة الكتاب.

وكان جواب المتوكل الذي استدعى بموجبه الإمامعليه‌السلام إلى سامراء هادئاً ليناً ، تظاهر فيه بتعظيم الإمامعليه‌السلام وإكرامه ، ووعده فيه باللطف والبرّ ، وذكر فيه براءته مما نسب إليه واتهم به من التحرك ضد الدولة ، وانه أمر بعزل الوالي الذي سعى به ـ وهو عبد الله بن محمد ـ عن منصبه وولّى محلّه محمد بن الفضل ، وادّعى في آخر الكتاب أنّه مشتاق إلى الإمامعليه‌السلام ، ثم أفضى إلى بيت القصيد وهو أن يشخص الإمامعليه‌السلام إلى سامراء مع من اختار من أهل بيته ومواليه ، وأن يرافقه يحيى بن هرثمة الذي أرسله لأداء هذه المهمة على رأس الجند.

ولا يعدو كتاب المتوكل كونه مناورة حاول الالتفاف من خلالها على الإمامعليه‌السلام واحتواء نشاطه ، أو قل هو صيغة دبلوماسية من قبيل ذرّ الرماد في العيون ، إذ لم يكن المتوكل صادقاً فيما وعد ، فحينما دخل يحيى بن هرثمة المدينة فتّش دار الإمامعليه‌السلام حتى ضجّ أهل المدينة ، ولما وصل ركب الإمامعليه‌السلام إلى سامراء احتجب عنه المتوكل في اليوم الأول ، ونزل الإمامعليه‌السلام الإمام في خان الصعاليك ، وأمر بتفتيش داره في سامراء مرات عديدة ، ولم يمض مزيد من الوقت حتى عزل محمد بن الفضل وولى مكانه محمد بن الفرج الرخّجي المعروف بعدائه السافر لآل البيتعليهم‌السلام (2) .

__________________

(1) الإرشاد 2 : 309 ، وراجع نسخة كتاب المتوكل أيضاً في أصول الكافي 1 : 501 / 7 ، والفصول المهمة 2 : 1069.

(2) قال ابن كثير : كان المتوكل لا يولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام أحمد ، البداية

٥١

ويبدوا أن المتوكل قد صاغ كتابه بصيغة الرجاء ، وكأنه ترك للإمامعليه‌السلام الخيار في الشخوص أو البقاء ، غير أنه الاكراه بعينه ، إذ أنه بعث الكتاب مع الجند وقادتهم الذي أرسلهم لأداء مهمة إشخاص الإمام ، ثمّ ( إن الإمام إن لم يذهب حيث أمره يكون قد أثبت تلك التهمة على نفسه ، وأعلن العصيان على الخلافة ، وكلاهما مما لا تقتضية سياسة الإمام )عليه‌السلام (1) .

ولعل أوضح دليل على إلزام الإمامعليه‌السلام بهذا الأمر هو تصريحهعليه‌السلام بذلك في حديث رواه المنصوري عن عم أبيه أبي موسى ، ثم قال : « قال لي يوماً الإمام علي بن محمدعليهما‌السلام :يا أبا موسى ، اُخرجت إلى سرّ من رأى كرها ً »(2) .

الامام العسكري يرافق أباه عليهما‌السلام

رافق الإمام العسكري أباه الإمام الهاديعليهما‌السلام في رحلته من المدينة إلى سامراء مع أهل بيته وبعض مواليه ، وقد اختلف في عمرهعليه‌السلام حينذاك نظراً للاختلاف في تاريخ رحلة الإمامعليه‌السلام .

__________________

والنهاية 10 : 316 ، فان كان ذلك حقاً ، فلا أدري كيف يوافق الإمام أحمد على تولية أمثال : محمد بن الفرج الرخجي ، والد يزج الذي هدم قبر الحسينعليه‌السلام ، وأبي السمط مروان بن أبي الجنوب الذي ولاه على اليمامة والبحرين ، وابن اُترجة الذي ولاه الحرب والصلاة في الحرمين وغيرهم من النواصب ؟! فإنّ أراد المبالغة في مدح المتوكل الناصبي فقد عرّض بالإمام أحمد وأساء إليه ، وإن كان قوله حقاً فعلى أمثال الإمام أحمد العفا.

(1) تاريخ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر : 107 ـ دار التعارف ـ بيروت ـ 1412 ه‍.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 449 ، بحار الأنوار 50 : 129 / 8.

٥٢

ذكر المسعودي أنه شخص الإمام الحسن العسكري بشخوص والدهعليهما‌السلام إلى العراق في سنة 236 ه‍ وله أربع سنين وشهور(1) .

وذكر الطبري أنه قدم يحيى بن هرثمة بعلي بن محمد بن علي الرضا بن موسى ابن جعفر سنة 233 ه‍(2) ، وعليه يكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام نحو سنة واحدة ، وعلى ضوئه ذكر ابن كثير أن مدة إقامة الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء أكثر من عشرين سنة. قال في أحداث سنة 254 ه‍ ، وهي السنة التي توفي فيها الإمام الهاديعليه‌السلام : نقله المتوكل إلى سامراء ، فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر ، ومات في هذه السنة(3) ، وكذلك ذكر ابن طولون أنهعليه‌السلام أقام في سامراء عشرين سنة وتسعة أشهر(4) .

أما الشيخ المفيد فقد ذكر نسخة كتاب الاستدعاء الذي كتبه المتوكل. وورد في ذيله أن كاتبه إبراهيم بن العباس كتبه في سنة 243 ه‍(5) . وأكّد هذا التاريخ باعتبار أن مقام الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء إلى أن قُبض عشر سنين وأشهراً(6) . وعليه يكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام عندما غادر المدينة أحد عشرسنة وبضعة شهور.

ويبدو أن الشيخ المفيد استفاد من رواية الكافي لنسخة كتاب المتوكل ،

__________________

(1) إثبات الوصية / المسعودي : 244.

(2) تاريخ الطبري 9 : 163 ـ حوادث سنة 233 ه‍.

(3) البداية والنهاية 11 : 15 ـ حوادث سنة 254 ه‍.

(4) الأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام / لابن طولون : 109 و 113 ـ بيروت ـ دار صادر.

(5) الإرشاد 2 : 310.

(6) الإرشاد 2 : 312.

٥٣

والتي ورد فيها اسم كاتب المتوكل ( إبراهيم بن العباس ) في ذيل الكتاب إلا أنه يخلو من التاريخ ، لكن جاء في أول رواية الكافي ما يلي : عن محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، قال : أخذت نسخة كتاب المتوكل إلى أبي الحسن الثالث من يحيى بن هرثمة في سنة 243 ه‍(1) ، وواضح أن هذا هو تاريخ أخذ نسخة الكتاب لا تاريخ كتابته ، ويؤيده أن ابن هرثمة هو الذي أخذ الكتاب إلى المدينة لاستدعاء الإمامعليه‌السلام إلى سامراء ، فكيف تؤخذ نسخة الكتاب منه قبل إنهاء مهمته ؟!

ورجّح السيد محمد الصدر أن تاريخ الرحلة كان سنة 234 ه‍ ، وإذا صحّ ذلك فسيكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام حينما غادر المدينة نحو سنتين ، وترجيحه مبنياً على اعتبارين ؛ الأول : ما ذكره ابن شهر آشوب من أن مدة مقام الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء من حين دخوله إلى وفاته عشرون سنة(2) ، فإذا كانت وفاته 254 ه‍ ، تكون سفرته سنة 234 ه‍ ، الثاني : كون هذا التاريخ أنسب بالاعتبار السياسي ، لأنه بعد مجيء المتوكل إلى الخلافة بعامين ، فيكون المتوكل قد طبّق منهجه في الرقابة على الإمامعليه‌السلام في الأعوام الاولى من خلافته ، بخلاف رواية المفيد التي تبعد بالتاريخ عن استخلاف المتوكل أحد عشر عاماً(3) .

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 501 / 7 ـ باب مولد أبي الحسن علي بن محمدعليهما‌السلام من كتاب الحجة.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 433.

(3) تاريخ الغيبة الصغري 2 : 107 ـ 108.

٥٤

من المدينة إلى سامراء

ذكر المسعودي « أن يحيى بن هرثمة قدم المدينة ، فأوصل الكتاب إلى بريحة ، وركبا جميعاً إلى أبي الحسنعليه‌السلام فأوصلا إليه كتاب المتوكل ، فاستأجلهما ثلاثاً ، فلما كان بعد ثلاث عاد يحيى إلى داره فوجد الدواب مسرجة والأثقال مشدودة قد فرغ منها ، وخرج صلوات الله عليه متوجهاً نحو العراق ، وأتبعه بريحة مشيعاً ، فلما صار في بعض الطريق ، قال له بريحة : قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك ، وعليَّ حلف بأيمان مغلظة لئن شكوتني إلى أمير المؤمنين أو إلى أحد من خاصته وأبنائه ، لأجمرنّ نخلك ، ولأقتلنّ مواليك ولأعورنّ عيون ضيعتك ، ولأفعلن وأصنعن.

فالتفت إليه أبو الحسنعليه‌السلام فقال له :إن أقرب عَرضي إياك على الله البارحة ، وما كنت لأعرضنك عليه ثم لاشكونك إلى غيره من خلقه . فانكبّ عليه بريحة وضرع إليه واستعفاه. فقال له :قد عفوت عنك »(1) . وهكذا تجد بريحة يهتزّ من كلام الإمامعليه‌السلام فينكبّ عليه ويتضرع إليه ، رغم أنّه في موقع القوة ، وهذه هي هيبة أولياء الله في قلوب أعدائه ، وتلك هي أخلاقهم وسماحتهم لمن أساء إليهم.

ونقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير : « أن المتوكل دعا يحيى بن هرثمة وقال : اذهب إلى المدينة ، وانظر حاله وأشخصه إلينا ، قال يحيى : فذهبت إلى المدينة ، فلما دخلتها ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ، وقامت الدنيا على ساق ، لأنّه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد ، ولم يكن

__________________

(1) إثبات الوصية : 233.

٥٥

عنده ميل إلى الدنيا.

قال يحيى : فجعلت اُسكّنهم وأحلف لهم أنّي لم اُؤمر فيه بمكروه ، وأنه لا بأس عليه ، ثمّ فتّشت منزله ، فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتوليت خدمته بنفسي ، وأحسنت عشرته ، فلما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن إبراهيم الطاهري ، وكان والياً على بغداد فقال لي : يا يحيى ، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل من تعلم ، فإنّ حرّضته عليه قتله ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك يوم القيامة ، فقلت له : والله ما وقعت منه إلا على كلّ أمر جميل ، ثم صرت به إلى سرّ من رأى ، فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله ، فقال : والله لئن سقط منه شعره لا يطالب بها سواك ، قال : فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق »(1) .

هذا الخبر يدل على الموقع الذي يشغله الإمام الهاديعليه‌السلام في نفوس الناس وكسب ثقتهم ومحبتهم على اختلاف توجهاتهم ، وذلك من خلال إحسانه إليهم ورعاية اُمورهم وتأثّرهم بخصائص شخصيته الباهرة ، ممّا جعله في موقع محبة الناس كلهم ، فهرعوا في مظاهرة احتجاجية لم يسمع بمثلها خوفاً على حياة إمامهمعليه‌السلام من بطش المتوكل الذي يعرفون توجهاته وممارساته ، لهذا حاول ابن هرثمة تهدئتهم بقسمه لهم أنه لم يؤمر فيه بمكروه ، وتأثّر ابن هرثمة بعظمة الإمامعليه‌السلام أيضاً فتولّى خدمته بنفسه وأحسن عشرته ، وهكذا امتدت محبة الإمامعليه‌السلام وتعظيمه إلى حاشية المتوكل في بغداد وسامراء.

وتتجلّى مظاهر الحب والتعظيم أيضاً في تشوق الناس من أهالي بغداد إلى

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322 ، مروج الذهب 4 : 422 نحوه.

٥٦

الإمام الهاديعليه‌السلام واجتماعهم لرؤيته ، مما اضطرهم إلى دخول البلد ومغادرته في الليل ، فقد جاء في تاريخ اليعقوبي « أنه لما كان في موضع يقال له الياسرية نزل هناك ، وركب إسحاق بن إبراهيم الطاهري لتلقيه ، فرأى تشوق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته ، فأقام إلى الليل ، ودخل به في الليل ، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلى سرّ من رأى »(1) .

في سامراء :

حينما وصل ركب الإمام الهاديعليه‌السلام إلى سامراء تقدّم المتوكّل بأن يُحجَب عنه في يومه ، واُنزل في خان يُعَرف بخان الصعاليك(2) ، فأقام فيه يومه ، ثمّ تقدّم المتوكل بافراد دارٍ له ، فانتقل إليها ، فأقام أبو الحسن مدة مقامه بسرّ من رأى مكرماً معظماً مبجلاً في ظاهر حاله ، والمتوكل يبغي له الغوائل في باطن الأمر ، ويجتهد في ايقاع حيلة به ، ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس ، فلا يتمكن من ذلك ولم يقدره الله عليه(3) .

والظاهر أن المتوكل أمر أولاً بجحز الإمامعليه‌السلام وفرض الإقامة الجبرية عليه في مكان غير لائق ، ثمّ أنه لما سمع الاطراء من قادة الجند الموكلين به ، صار مضطراً إلى إكرامه ، نقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير عن يحيى بن هرثمة أنه قال : « لمّا دخلت على المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 484.

(2) راجع : أصول الكافي 1 : 498 / 2 باب أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام من ـ كتاب الحجة ، بصائر الدرجات / للصفار : 426 / 7 و 427 / 11 ـ مؤسسة الأعلمي ـ طهران ، الخرائج والجرائح / للقطب الراوندي 2 : 680 / 10.

(3) الإرشاد 2 : 311 ، الفصول المهمة 2 : 1070 ، إعلام الورى 2 : 126.

٥٧

طريقته وورعه وزهادته ، وأني فتّشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم ، وأن أهل المدينة خافوا عليه ، فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل برّه ، وأنزله معه سر من رأى »(1) ، لتمرير مخططه القاضي بعزل الإمامعليه‌السلام ومراقبته.

مداهمة دار الامام عليه‌السلام :

تقوم أجهزة السلطة بذرائع مختلفة بالتفتيش المفاجئ لدار الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء ، وعلى رأسها الوشايات التي ترتفع إلى المتوكل من النواصب المحيطين به ، فتثير في نفسه كوامن الخوف والشك والحقد التي اشتملت على كيانه وأحاطت جوانبه ، فيأمر بكبس داره ، وفي كلّ حوادث الدهم التي تعرّضت لها دار الإمام يرجع المأمورون وبالتالي الوشاة بالخيبة والفشل الذريعين ، لأنهم لم يجدوا شيئاً مريباً ولا أيّ نشاط غريب ، وليس ثمة إلا الإمامعليه‌السلام وهو يتلوا القرآن أو يقيم الصلاة.

عن إبراهيم بن محمد الطاهري ـ في حديث طويل ـ قال : « سعي البطحاني(2) بأبي الحسنعليه‌السلام إلى المتوكل ، وقال : عنده سلاح وأموال ، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلاً عليه ، وياخذ ما يجده عنده من الأموال والسلاح ويحمله إليه. قال إبراهيم : فقال لي سعيد الحاجب : صرت إلى

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322 ، ونحوه في مروج الذهب 4 : 422.

(2) في الكافي : البطحائي العلوي ، وهو يشير إلى أن الدولة تستعمل الضدّ النوعي للتجسس على الإمام ، الأمر الذي تمارسه حكومات الطغيان والاستبداد في هذا الزمان.

٥٨

دار أبي الحسن بالليل ، ومعي سُلّم ، فصعدت منه إلى السطح ، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن من الدار :يا سعيد ، مكانك حتى يأتوك بشمعة ، فلم ألبث أن أتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبّه صوف وقلنسوة منها ، وسجادته على حصير بين يديه ، وهو مقبل على القبلة. فقال لي :دونك البيوت ، فدخلتها وفتشتها فلم اجد فيها شيئاً »(1) .

ومرة اُخرى وشي بالإمامعليه‌السلام إلى متوكل ، فأرسل الأتراك على حين غرّة إلى دار الإمام ، وقد أمرهم هذه المرة بحملهعليه‌السلام إليه حتى وإن لم يجدوا ما يثير الريبة والاستغراب ، ذلك لأنّه كان عازماً على الاستخفاف بالإمامعليه‌السلام بطرق اُخرى أمام ندمائه حينما لم يجد متسعاً لتنفيذ رغباته عن طريق سعاية الوشاة ، وما كان يتوقع أن الإمامعليه‌السلام سوف يصفعه بعظات نزلت كالصاعقة على أسماعه وأسماع ندمائه ، لأنها تصور ما سيؤول إليه أمره وأمر أمثاله من الطغاة عبيد الأهواء والشهوات.

روى المسعودي بالاسناد عن محمد بن يزيد المبرد ، قال : « قد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل ، وقيل له : إن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، فوجّه إليه ليلاً من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره ، فوجده في بيت وحده مغلق عليه ، وعليه مدرعة من شعر ، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى ، وعلى رأسه ملحفة من الصوف

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 499 / 4 باب مولد أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 303 ، الخرائج والجرائح 1 : 676 / 8.

٥٩

متوجهاً إلى ربه ، يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فأخذ على ما هو عليه ، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه ولا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده ، فقال :يا أمير المؤمنين ، ما خامر لحمي ودمي قطّ فاعفني منه ، فعفاه وقال : انشدني شعراً أستحسنه ، فقال :إني قليل الرواية للأشعار . فقال : لابد أن تنشدني. فأنشده :

باتوا على قُلل الأجـبال تحرسهم

غلب الرجـال فمـا أغتنهم القللُ

واستنزلوا بعد عـزّ مـن معاقلهم

وأسكنوا حفراً يا بئس مـا نزلوا

ناداهم صارخ من بعد مـا قبروا

أين الأسرةُ والتيجانُ والحـللُ

أين الوجوه التي كانـت منـعّمة

من دونها تضرب الأستار والكللُ

فأفصح القبر عنهم حـين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الـدود يـقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً ومـا شربوا

فأصبحوا بعد طول الإكل قد أكلوا

     
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300
٣٠١

الدليل الثامن عشر : حديث مدينة العلم

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ).

إنّ هذا الحديث من الأحاديث الثابتة لدى أرباب الحديث وأصحاب السير ، وقد تواتر نقله عن الصحابة والتابعين وعلماء الإسلام على اختلاف طبقاتهم وتوالي العصور والأزمنة.

نصّ ماجاء في المستدرك للحاكم النيسابوري :

عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه

المعجم الكبير للطبراني :

وعن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه )(١) .

روح المعاني للآلوسي :

يسمّي علياً عليه السلام بباب مدينة العلم(٢) .

__________________

١ ـ المعجم الكبيرللطبراني : ج ١١ ، ص ٥٥.

٢ ـ روح المعاني : ج ٢٧ ، ص ٣.

٣٠٢

صحّة السند :

قال الذهبي في تذكرة الحفاظ عن صحيح الحافظ السمرقندي ، ثمّ قال : هذا الحديث صحيح.

وقال مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي في كتابه ( النقد الصحيح ) قال : ( ولم يأت من تكلّم على حديث أنا مدينة العلم بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين ، والحكم بالوضع عليه باطل قطعاً ، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن أنّ يكون موضوعاً ).

والسيوطي ذكره في ( الجامع الصغير وفي غير واحد من تآليفه ، وحسّنه في كثير منها ، ثمّ حكم بصحته في جمع الجوامع فقال : ( كنت أجيب بهذا حسن الحديث ـ يعني حسن الحديث ـ دهراً إلى أن وقفت على صحيح ابن جرير ، فجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة والله أعلم ).

والقندوزي ذكره بطرق كثيرة ، نقلاً عن جمع من الحفاظ والأعلام تنتهي إسنادهم إلى أمير المؤمنين ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وحذيفة بن اليمان ، والحسن بن علي ، وابن مسعود ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر.

والمولوي حسن الزمان ذكره في القول المستحسن في فخر الحسن ، وعدّه من المشهور الصحيح وقال : ( صححه جماعات من الأئمة ، وعدّ منهم : ابن معين ، والخطيب ، وابن جرير ، والحاكم ، والفيروز آبادي في النقد الصحيح )(١) .

__________________

١ ـ الجامع الصغير ج ١ ص ٣٧٤ ، ينابيع المودّة ص ٦٥ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٤٠٠ ، ٤١٩.

٣٠٣

أحاديث أخرى تؤيّد صحة هذا الحديث :

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أنا دار الحكمة وعلي بابها )(١) . و( أنا دار العلم وعلي بابها )(٢) . و( أنا ميزان العلم وعلي كفتاه ). و( أنا ميزان الحكمة وعلي لسانه ). و( أنا المدينة وأنت الباب ، ولا يؤتى المدينة إلّا من بابها ). و( أنا مدينة الفقه وعلي بابها ). و( ما علمت شيئاً إلّا علمته علياً فهو باب مدينة علمي ). و( علي باب علمي ، ومبيّن لأمتّي ، ما أرسلت به من بعدي ). و( أنت باب علمي ). و( يا أم سلمة ، اشهدي واسمعي هذا علي أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وعيبة علمي ، وبأبي الذي أوتى منه )(٣) .

وفي فيض القدير : ( علي عيبة علمي ). أي : ( مظنة استفصاحي وخاصّتي ، وموضع سرّي ، ومعدن نفائسي ، والعيبة ما يحرز الرجل فيه نفائسه قال ابن دريد : وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة اختصاصه بأموره الباطنة التي لا يطلع عليها أحد غيره ، وذلك غاية في مدح علي ، وقد

__________________

١ ـ أخرجه الترمذي في صحيحه ، وابن جرير ، ونقله عنهما غير واحد من الأعلام كالمتقي الهندي في ص ٤٠١ من الجزء السادس من كنزه ، وقال : قال ابن جرير : هذا خبر عندنا صحيح سنده ، ونقله عن الترمذي جلال الدين السيوطي في حرف الهمزة من جامع الجوامع ، والجامع الصغير ج ١ص ١٧٠.

٢ ـ أخرجه البغوي في مصابيح السنة ، والطبري في ذخائر العقبى ص ٧٧٠.

٣ ـ العجلوني في كشف الخفاء ١ ص و٢٣٦ ، زين الفتى في شرح سورة هل أتى للعاصمي ، تذكرة الخواص ابن الجوزي : ص ٦٥٣ ، تفسير الثعلبي : ص ١٢٢ ، المناقب ، ابن المغازلي ، كنز العمال : ج ١١ ص ٦١٤ ، ح ٣٢٩٨١ ، ص ٢٣٦ ، الجامع الصحيح للترمذي ٢ ص : ٢١٤ ، حلية الأولياء لأبي نعيم ١ ص ٦٤ ، مصابيح السنة للبغوي ص ٢٧٥ ، وذكره الطبري في ذخائر العقبى ص ٧٧٠ ، والقندوزي في الينابيع ص ٧١ ، والقول الجلي في فضائل علي للسيوطي الحديث الثامن والثلاثين.

٣٠٤

كانت ضمائر أعدائه منطوية على اعتقاد تعظيمه )(١) .

وفي كنز العمال عن عليعليه‌السلام قال : ( علمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف باب كلّ باب يفتح ألف باب )(٢) .

وفيه عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : ( إن علياً خطب الناس ، فقال : يا أيها الناس ما هذه المقالة السيئة التي تبلغني عنكم؟ والله لتقتلن طلحة والزبير ولتفتحن البصرة ، ولتأتينكم مادة من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وستين أو خمسة آلاف وستمائة وخمسين ، قال ابن عباس : فقلت : الحرب خدعة ، قال : فخرجت فأقبلت أسأل الناس : كم أنتم؟ فقالوا : كما قال ، فقلت : هذا مما أسره إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه علّمه ألف كلمة ، كلّ كلمة تفتح ألف ألف كلمة )(٣) .

وفي تفسير الفخر الرازي في ذيل تفسير قوله تعالى :( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) قال : ( قال علي عليه السلام : علّمني رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ألف باب من العلم ، واستنبطت من كلّ باب ألف باب ) ثمّ قال : ( فإذا كان حال المولى هكذا فكيف حال النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ).

وفي ترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه : ( ادعوا لي أخي ، فدعي له علي بن أبي طالب ، فستره بثوب وانكب عليه ،

__________________

١ ـ فيض القدير ٤ ص ٣٥٦

٢ ـ كنز العمال ١٣ : ١١٤.

٣ ـ كنز العمال ١٣ : ١٦٥.

٣٠٥

فلمّا خرج من عنده قيل له : ما قال النبي لك؟ قال : ( علّمني ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب ).

وفي الاستيعاب وغيره عن ابن عباس قال : ( والله لقد أعطي علي بن أبي طالب عليه السلام تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر )(١) .

أحاديث مجعولة ومحرّفة :

١ ـ جعل البعض حديثاً في مقابل حديث مدينة العلم المشهور الذي لا يحتاج إلى تعريف فهو كالنار على علم ، لكن من في قلبه مرض لا يسلّم ويلجأ لأيّ وسيلةٍ لتضعيف ماجاء في أهل البيتعليهم‌السلام أو وضع ما يقابلها لسواهم ولو كان جعلاً مفضوحاً كما عن ابن حجر فإنّه بعد أن منع صحّة الحديث قال : ( وعلى تسليم صحّته أو حسنه فأبو بكر محرابها ) ، ولم يعلم أنّ المدينة لا ينسب إليها المحراب ، وإنّما ينسب إلى المسجد.

ثمّ قال : ( ورواية فمن أراد العلم فليأت الباب لا تقتضي الأعلمية ، فقد يكون غير الأعلم يقصد لما عنده من زيادة الإيضاح والبيان والتفرّغ للناس بخلاف الأعلم ، على أنّ تلك الرواية معارضة بخبر الفردوس : أنا مدينة العلم ، وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعلي بابها ، فهذه صريحة في أنّ أبا بكر أعلمهم ، وحينئذٍ فالأمر بقصد الباب إنّما هو لنحو ما قلناه لا لزيادة

__________________

١ ـ التفسير الكبير للفخر الرازي ٨ / ٢١ ، تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٣٨٥ ، الاستيعاب ٣ / ٤٠ ، أسد الغابة ٤ / ١٠٠ ، الرياض النضرة ٣ / ١٤١.

٣٠٦

شرفه على ما قلته ، لما هو معلوم ضرورة أنّ كّلاً من الأساس والحيطان والسقف أعلى من الباب ).

الجواب :

أ ـ قد بيّنا نصوص العلماء على صحّة حديث : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ). وأنّها لم تذكر أحداً غيرهعليه‌السلام ، وأنّ الحديث قد ورد بطرق كثيرة عن كثير من الصحابة ولم يذكروا فيها أبا بكر ولا غيره ، فقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه ، والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والخطيب والعقيلي وابن عدي وابن حيان وغيرهم كثير(١) .

وأمّا ما ذكره من رواية الفردوس فلا يختلف اثنان في ضعفها ، وابن حجر نفسه من أولئك الذين زيّفوه ، وحكموا عليه بالضعف ، كما في كتابه الفتاوى الحديثية ، فقال : حديث ضعيف ، ومعاوية حلقتها فهو ضعيف أيضاً.

وقال العجلوني : روى الديلمي في ( الفردوس ) بلا إسناد عن ابن مسعود : أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعلي بابها ). وروى أيضاً عن أنس مرفوعاً : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، ومعاوية حلقتها.

قال في المقاصد : وبالجملة فكلّها ضعيفة ، وألفاظ أكثرها ركيكة.

وقال السيّد محمّد درويش الحوت : أنا مدينة العلم ، أبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها. وذلك لا ينبغي ذكره في كتب العلم ، لا سيما مثل ابن حجر الهيتمي

__________________

١ ـ وللتوسّع راجع : موسوعة نفحات الأزهار ، الأجزاء ١٠ ـ ١٢ ، وتشييد المراجعات ٣ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ و٣٣٨ ـ ٣٤٤ ، و" فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي " فقد جمع فيه طرقه ، وأثبت فيه صحّة الحديث بتسعة مسالك.

٣٠٧

ذكر ذلك في الصواعق والزواجر ، وهو غير جيّد من مثله(١) .

ب ـ ولا يخفى أنّ الحيطان حاجبة ، والمدينة لا سقف لها ، والأساس هو الأصل ، فيكون علم أبي بكر أقوى وأثبت من علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ت ـ قول صاحب ( الوشيعة ) : ( كان عمر أفقه الصحابة وأعلم الصحابة في زمنه على الإطلاق ، وإنّما كان أعرف الفقهاء بمواقع السنن والقرآن الكريم ، وكان مدّة عمره في جميع أموره يعمل بالكتاب والسنة ، وكان يعرف مواقع السنن ، ويفهم معاني الكتاب ).

والجواب :

إنّ لعمر أقوالاً كثيرة ، منها : لولا علي لهلك عمر.

وقوله : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.

وقوله : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى ربّات الحجال(٢) .

ث ـ أمّا ابن تيمية فلا عجب من تضعيفه أو تكذيبه لشيء مما جاء في أهل بيت النبوّةعليهم‌السلام لأنّ هذا هو منهاجه المعروف ، فقد قال كما هي عادته : ( وحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها أضعف وأوهى ، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات )(٣) .

والجواب :

أنّ هذا الحديث من رواته : يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، والبزار وابن جرير الطبري ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ،

__________________

١ ـ أسنى المطالب ص ٧٣.

٢ ـ راجع : الغدير ٦ : ٨٢ ، فما بعد.

٣ ـ منهاج السنة ٧ / ٥١٥

٣٠٨

والبيهقي ، وابن الأثير ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي ، وابن حجر المكي ، والمناوي ، وغيرهم ، وقد صححه غير واحد من هؤلاء الأئمة.

هناك حديث ينسبونه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( ما صب الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر ).

والجواب :

أ ـ إنّ آثار الاختلاق على هذا الحديث ظاهرة ؛ لأنّ مفاده المساواة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر في جميع العلوم ، وهذا مما يقطع ببطلانه كلّ مسلم.

ب ـ تصريح العلماء ببطلانه ووضعه ، كابن الجوزي ، والطيّبي ، وابن قيم الجوزية ، والفيروزآبادي ، والشوكاني ، وغيرهم ، قال القاري نقلاً عن ابن القيم : ( ومما وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة في فضل الصدّيق حديث : إنّ الله يتجلّى للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة. وحديث : ما صبّ الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر. وحديث : كان إذا اشتاق إلى الجنّة قبّل شيبة أبي بكر ).

وعدّه الفيروزآبادي في خاتمة ( سفر السعادة ) من أشهر الموضوعات في باب فضائل أبي بكر.

ج ـ شهد هو بجهله عندما سئل عن قوله تعالى :( وفاكهة وأباً ) فقال : أيّ سماء تظلّني؟ أو أي أرض تقلّني؟ إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟

قال الحافظ النووي في كتاب تهذيب الأسماء واللغات حيث يترجم لعليعليه‌السلام : ( ونقلوا عن ابن مسعود قال : كنّا نتحدّث أنّ أقضى المدينة علي.

قال ابن المسيب : ما كان أحد يقول : سلوني غير علي.

٣٠٩

وقال ابن عباس : أعطي علي تسعة أعشار العلم ، ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي.

قال ابن عباس : وإذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره.

ثمّ يقول النووي : وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات ، مشهور )(١) .

وقول ابن حزم : ( ووجدناهم ـ أي : الصحابة ـ يقرّون ويعترفون بأنّهم لم يبلغهم كثير من السنن ، وهكذا الحديث المشهور عن أبي هريرة يقول : إنّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإنّ إخواني من الأنصار كان يشغلهم القيام على أموالهم ، وعلي ما شغله الصفق في الأسواق ، ولم يشغله القيام بأمواله ، وإنّما لازم رسول الله ليلاً ونهاراً.

ويقول ابن حزم أيضاً : وهذا أبو بكر لم يعرف فرض ميراث الجدّة ، وعرّفه محمّد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة ، وهذا أبو بكر سأل عائشة في كم كفن كفّن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ثمّ يقول : وهذا عمر يقول في حديث الاستئذان : خفي عليّ ، ألهاني الصفق في الأسواق ، وقد جهل أيضاً أمر إملاص المرأة وعرّفه غيره ، وغضب على عيينة ابن حصن حتّى ذكره الحر بن قيس ، وخفي عليه أمر رسول الله بإجلاء اليهود ، وخفي على أبي بكر قبله ، وخفي على عمر أمره بترك الإقدام على الوباء وعرف ذلك عبد الرحمن بن عوف ، وسأل عمر أبا واقد الليثي عمّا كان يقرأ به رسول الله في صلاتي الفطر والأضحى ، هذا وقد صلاّهما رسول الله أعواماً كثيرة.

__________________

١ ـ تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٣٤٤ ـ ٣٤٦.

٣١٠

عجيب : صلّى رسول الله الفطر والأضحى أعواماً كثيرة ، وعمر جهل أنّ رسول الله أيّ سورة كان يقرأ في هاتين الصلاتين ، وسأل أبا واقد الليثي!!

ثمّ يقول ابن حزم : ولم يدر [ أي : عمر ] ما يصنع بالمجوس حتّى ذكره عبد الرحمن بأمر رسول الله ، ونسي قبوله الجزية من مجوس البحرين وهو أمر مشهور ، ولعله قد أخذ من ذلك المال حظّاً كما أخذ غيره ، ونسي أمره بتيمم الجنب فقال : لا يتيمم أبداً ، ولا يصلّي ما لم يجد الماء ، وذكّره بذلك عمار ، وأراد قسمة مال الكعبة حتّى ذكّره بعض الصحابة.

ثمّ ينتقل ابن حزم إلى عثمان وغيره فيقول : وهذا عثمان ، وهذه عائشة ، وهذه حفصة ، وهذا ابن عمر ، وهذا زيد بن ثابت ، وليس ولا مورداً واحداً يذكره كشاهد على جهل علي بمسألة فيكون محتاجاً إلى غيره ليسأله عن تلك المسألة )(١) .

ونختم هذا المطاف بكلام مولانا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وهو يذكر بعض خصائصه وأوصافه في الخطبة القاصعة.

( قد علمتم موضعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ، ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة بقول ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله بهصلى‌الله‌عليه‌وآله من لدن أنّ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ،

__________________

١ ـ الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأوّل الجزء ٢ : ١٥١ ـ ١٥٣.

٣١١

ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشيطان أيس من عبادته. إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلّا أنّك لست بنبي ولكنّك وزير ، وإنّك لعلى خير )(١) .

__________________

١ ـ نهج البلاغة ٢ : ١٥٧ ، رقم ١٩٢.

٣١٢
٣١٣

الدليل التاسع عشر : وجوب طاعة أولي الأمر

قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم ) (١) .

إنّ هذا هو الأمر إلهي للمؤمنين بطاعة أولي الأمر ، ولكن ليس كما يزعم البعض أنّ أولي الأمر هم كلّ من تسلّطوا على رقاب الناس ولو بالسيف ، فإنّ أولي الأمر لابدّ أن يكونوا معصومين وإلاّ كيف تقرن طاعتهم بطاعة الله ورسوله بدون استثناء ولا قيد؟! وهذا ما سنبحثه هنا ان شاء الله تعالى ولنبدأ بذكر المصادر ، ثمّ نشخّص من هم مصاديق الآية الشريفة.

شواهد التنزيل :

عن علي قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ( شركائي الذين قرنهم الله بنفسه وبي وأنزل فيهم :( يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) الآية ، فإنّ خفتم تنازعاً في أمر فارجعوه إلى الله والرسول وأولي الأمر ، قلت : يا نبي الله ، من هم؟ قال : أنت أولهم ).

عن مجاهد في قوله تعالى :( يا أيـّها الذين آمنوا ) يعني : صدّقوا بالتوحيد ،( أطيعوا الله ) يعني : في فرائضه ،( وأطيعوا الرسول ) يعني : في سنته ،( وأولي الأمر منكم ) قال : ( نزلت في أمير المؤمنين حين خلّفه رسول الله

__________________

١ ـ النساء (٣) : ٥٩.

٣١٤

بالمدينة ، فقال : أتخلّفني على النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال له : اخلفني في قومي وأصلح. فقال الله :( وأولي الأمر منكم ) قال : علي بن أبي طالب ولاّه الله الأمر بعد محمّد في حياته حين خلّفه رسول الله بالمدينة ، فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه ).

عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ، أنّه سأله عن قول الله تعالى :( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ) قال : نزلت في علي بن أبى طالب. قلت : إنّ الناس يقولون : فما منعه أنّ يسمّي علياً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر : قولوا لهم : إنّ الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسم ثلاثاً ولا أربعاً حتّى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك ، وأنزل الحج فلم ينزل طوفوا سبعاً حتّى فسّر ذلك لهم رسول الله. وأنزل :( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) فنزلت في علي والحسن والحسين ، وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي إنّي سألت الله أنّ لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك ).

عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : ( لما نزل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) الجرف لحقه علي بن أبي طالب يحمل سلاحاً ، فقال : يا رسول الله ، خلفتني عنك ولم أتخلّف عن غزوة قبلها ، وقد أرجف المنافقون بى إنّك خلّفتني لما استثقلتني!! قال سعد : فسمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) يقول : يا علي ، أما ترضى أنّ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك )(١) .

__________________

١ ـ شواهد التنزيل ١ : ١٨٩ ـ ١٩٢.

٣١٥

مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه :

عن عبد الغفار بن القاسم قال : سألت جعفر بن محمّد عن أولي الأمر في هذه الآية؟ فقال : ( كان والله علي منهم )(١) .

من هم أُولو الأمر المعنيّون في الآية الشريفة؟

آراء المفسرين في ذلك :

١ ـ رأي الشيعة أنّ أولي الأمر هم أهل البيتعليهم‌السلام لما جاء من الآيات والروايات التي تبيّن عصمتهم ووجوب اتّباعهم وكذلك ماورد من النصوص في خصوص الآية بأهل البيتعليهم‌السلام .

٢ ـ قالعليه‌السلام بعض : قال إنّ أولي الأمر هم الحكّام ولو أهل الجور والبغي.

٣ ـ قال بعض : أهل الحل والعقد.

٤ ـ قال بعض : الخلفاء.

٥ ـ قال بعض : علماء الدين.

وقد لخصّ الرازي هذه الآراء بقوله : ( الآراء المأثورة عن علماء التفسير في أولي الأمر ، وهي أربعة :

الخلفاء الراشدون.

أمراء السرايا ، وهم قوّاد العسكر ، خاصة عند عدم خروج الإمام على رأس العسكر.

علماء الدين الذين يفتون ويعلّمون الناس دينهم.

__________________

١ ـ مناقب علي بن أبي طالب : ٢٣٠ ، ينابيع المودّة ١٦ : ٣٤١ ، حديث ٢ و ص ٣٥١ ، حديث٥.

٣١٦

الأئمة المعصومون ( أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ).

ويذهب الرازي إلى أنّ حمل أولو الأمر على الأمراء والسلاطين أولى.

ونحن قد بيّنا في عدة مواضع أنّ أولي الأمر الذين هم ثقل القرآن ، وسفينة النجاة ، وأمناء أهل الأرض ، وغير ذلك مما ورد في الأحاديث الصحيحة لابدّ وأن يكونوا لا يختلفون فيما بينهم ؛ لأنّهم القدوة ، ولا يتقاتلون ولا يتنافسون ؛ لأنّ الناس سينقسمون بين فريقين ، وخصوصاً فيمن يقتتلان ، كما حصل في الجمل وصفين وكربلاء وغيرها من المعارك المشهورة بين فرقتين مسلمتين ، فهذا يدل على أنّ الشهادتين لابدّ معها من ولاية أهل الحقّ ومعرفتهم والانقياد تحت رايتهم لنصرة المظلوم وإعانته على من أخذ حقّه أو ظلمه ، ولا يمكن أن يكون يحمل السلاح بعضهم على الآخر وكلاهم على الحق ؛ لأنّ فيه قتل النفس المحرمة.

إذن فلا يمكن أن يشمل سائر الخلفاء لدلالة الآية على صحة أولي الأمر ، وهؤلاء ليسوا كذلك بالضرورة والإجماع ، فيتعيّن أن يراد بأولي الأمر عليّ وأبناؤه الأطهار.

٣١٧

الدليل العشرون : المؤاخاة

جاء في كتب السير والأخبار عن المؤاخاة ما ملّخصه : ان المؤاخاة الأولى كانت في مكّة قبل الهجرة حيث آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين المهاجرين خاصّة ، والمؤاخاة الثانيةكانت في المدينة بعد الهجرة ، حيث آخى بين المهاجرين والأنصار ، وفي كلتا المرّتين يصطفى لنفسه منهم علياً ، فيتّخذه من دونهم أخاه تفضيلاً له على من سواه ، فيالها من مفخرة وفضيلة ، وما يلي نذكر بعضاً من تلك الأخبار.

نصّ ماجاء في فرائد السمطين :

( عن ابن عمر قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين أصحابه ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ، فقال علي : يا رسول الله ، إنّك قد آخيت بين أصحابك فمن أخي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة )(١) .

وفي السيرة النبوية :

( آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال : تواخوا في الله أخوين ، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : هذا أخي. فكان رسول الله وعلي أخوين )(٢) .

__________________

١ ـ المستدرك ٣ : ١٤.

٢ ـ السيرة النبوية لابن سيد الناس ١ ص ٢٠٠ ـ ٢٠٣

٣١٨

مناقب علي لأحمد بن حنبل :

فقال علي : ( يا رسول الله ، لقد ذهب روحي ، وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإنّ كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أنّه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، فقال : وما أرث منك؟ قال : ما ورث الأنبياء من قبلي ، كتاب ربّهم وسنة نبيهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ورفيقي ، ثمّ تلا صلّى الله عليه وآله( إخواناً على سرر متقابلين ) (١) .

وعن جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب قالا : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم آخى بين أصحابه فبقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمر وعلي ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وقال لعلي : أنت أخي وأنا أخوك ، فإنّ ناكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب ).

وفي رواية أُخرى فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك فإنّ حاجّك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب )(٢) .

البداية والنهاية لابن كثير :

__________________

١ ـ الحجر (١٥) : ٤٧.

٢ ـ مناقب أحمد ، ونحوه في : كفاية الكنجي ٨٢ ، ٨٣ ، المرقاة في شرح المشكاة ٥ ص ٥٦٩. كنز العمال ٦ ص ١٥٤ ، ٣٩٩ عن الحافظ أبي يعلى في مسنده ، الرياض النضرة ٢ ص ٢٠٩ ، تاريخ ابن عساكر ٦ ص ٢٠١ ، تذكرة السبط ١٤ وصححه وقال : رجاله ثقات.

٣١٩

( وآخى رسول الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال : فيما بلغنا ونعوذ بالله أنّ نقول عليه ما لم يقل تآخوا في الله أخوين أخوين ، ثمّ أخذ بيد علي ابن أبي طالب فقال : هذا أخي. فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين )(١) .

أحاديث أُخرى في أخوّة علي والرسول عليهما السلام :

عن أمير المؤمنين قال : قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنّة ).

وعن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي رضي الله عنه : ( أنت أخي وصاحبي ).

وقال ابن عباس في حديث احتجاجه على الرجل الشامي وهو حديث طويل ، ومنه قال رسول الله : ( يا أم سلمة هل تعرفين هذا؟! قالت : نعم ، هذا علي بن أبي طالب ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم ، هذا علي سيط لحمه بلحمي ودمه بدمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبي بعدي ، يا أم سلمة ، هذا علي سيّد مبجل ، ومأمل المسلمين ، وأمير المؤمنين ، وموضع سرّي وعلمي ، وبابي الذي يؤوى إليه ، وهو الوصي على أهل بيتي وعلى الأخيار من أمتي ، وهو أخي في الدنيا والآخرة.

وقد مرّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام في حديث الدار : ( أنت أخي ووصيي

__________________

١ ـ انظر : البداية والنهاية ٣ : ٢٧٧ ، تاريخ ابن هشام ٢ ص ١٢٣ ، السيرة النبوية ، ابن كثير ٢ : ٣٢٤ ، السيرة الحلبية ٢ ص ١٠١ ، الفتاوى الحديثية ص ٤٢.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383