ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة15%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74684 / تحميل: 5886
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

شهوة ، وبه قال الأوزاعي(1) .

وقال مالك : لا غسل عليه ، سواء خرج بعد البول أو قبله ، لأنّه قد اغتسل منه فلا يجب عليه أن يغتسل منه مرّة اُخرى(2) ـ وعنه في الوضوء روايتان(3) ـ وهو مذهب أبي يوسف ومحمد وإسحاق(4) . وهو غلط لما بيّنا من عدم اعتبار الشهوة ، ولو تقطّر من بوله قطرة أعاد الوضوء.

وأما إن لم يعلم أنّه مني ، فإن خرج بعد البول لم يجب الغُسل ، ووجب الوضوء ، لأنّ الظاهر أنّه من بقايا البول ، وإن كان قد استبرأ بالبول بعده ، أو اجتهد قبل البول ، واستبرأ فلا شيء ولا وضوء ولا غسل.

ب ـ لو شك في أنّه أنزل أم لا فلا غسل عليه ، ولو شك في أن الخارج مني اعتبره بالصفات ، واللذة ، وفتور الجسد ، لأنّها من الصفات اللازمة في الغالب ، فمع الاشتباه يستند إليها لقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم يجد شهوة ولا فترة به فلا بأس »(5) .

ج ـ لا يشترط في المريض الدفق ، وتكفي الشهوة وفتور الجسد ،

__________________

الدارمي 1 : 194 ، سنن الترمذي 1 : 186 ، ذيل الحديث 112 ، سنن ابن ماجة 1 : 199/ 607 ، سنن أبي داود 1 : 56 / 217.

1 ـ اللباب 1 : 16 ، المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، شرح فتح القدير 1 : 54 ، المجموع 2 : 139 ، فتح العزيز 2 : 126 ، المغني 1 : 233 ، الشرح الكبير 1 : 234.

2 ـ المغني 1 : 233 ، الشرح الكبير 1 : 234 ، الشرح الصغير 1 : 61 ، الجموع 2 : 139 ، فتح العزيز 2 : 125 ، المحلى 2 : 7.

3 ـ حلية العلماء 1 : 172.

4 ـ المغني 1 : 233 ، الشرح الكبير 1 : 234 ، المجموع 2 : 139 ، حلية العلماء 1 : 171.

5 ـ التهذيب 1 : 120 / 317 ، الاستبصار 1 : 104 / 342.

٢٢١

لقصور قوته لقول الصادقعليه‌السلام : « لأنّ الرجل إذا كان صحيحاً جاء الماء بدفقة قوية ، وإن كان مريضاً لم يجئ إلّا بعد »(1) .

د ـ لو شك هل أنزل أم لا لم يجب عليه الغسل.

هـ ـ إذا انتقل الماء إلى الذكر ولم يظهر ، لم يجب الغُسل حتى يظهر ـ وبه قال الشافعي(2) ـ لقولهعليه‌السلام لعليعليه‌السلام : ( إذا فضخت الماء فاغتسل )(3) ، والفضخ : الظهور(4) ، ولأن ما يتعلق به الطهارة يعتبر ظهوره كسائر الأحداث.

وقال أحمد : يجب قبل الظهور لأنّ المعتبر الشهوة وقد حصلت بانتقاله(5) ، والمقدمتان ممنوعتان ، فإن كمالها بظهوره.

و ـ إذا أنزلت المرأة وجب عليها الغُسل ، لأنّ ام سليم امرأة أبي طلحة قالت : يا رسول الله إنّ الله لا يستحي من الحق ، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال : ( نعم إذا رأت الماء )(6) .

ز ـ لو خرج المني من ثقبة في الذكر أو الانثيين أو الصلب وجب الغسل.

ح ـ لو استدخلت المرأة منيّ الرجل ثم خرج لم يجب عليها الغُسل ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة

__________________

1 ـ التهذيب : 369 / 1124 ، الاستبصار 1 : 110 / 365 ، الكافي 3 : 48 / 4.

2 ـ المجموع 2 : 140 ، مغني المحتاج 1 : 70 ، كفاية الأخيار 1 : 24.

3 ـ مسند أحمد 1 : 109 ، سنن النسائي 1 : 111 ، سن ابي داود 1 : 53 / 206.

4 ـ اُنظر الفائق 3 : 124 ، النهاية لابن الاثير 3 : 453 ، مادة « فضخ ».

5 ـ المغني 1 : 231 ، الشرح الكبير 1 : 233 ، المجموع 2 : 140.

6 ـ صحيح مسلم 1 : 251 / 313 ، صحيح البخاري 1 : 44 ، سنن النسائي 1 : 114 ، سنن الترمذي 1 : 209 / 122 ، الموطأ 1 : 51 / 85.

٢٢٢

الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ قال : « لا »(1) .

ولا يجب أيضاً الوضوء عند علمائنا ، خلافاً للشافعي(2) .

وكذا لو وطأها فيما دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج بعد أن اغتسلت ، أو وطأها في الفرج ثم خرج بعد غسلها ، وبه قال قتادة والأوزاعي وإسحاق والشافعي وأحمد(3) .

وقال الحسن : تغتسل ، لأنّه مني خارج فأشبه ماء‌ها(4) .

مسألة 65 : لو احتلم أنّه جامع وأمنى ، ثم استيقظ ولم ير شئيا لم يجب الغُسل إجماعاً ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عنه فقال : « ليس عليه الغُسل »(5) .

ولو رأى المني على جسده أو ثوبه وجب الغُسل إجماعاً لأنّه منه ، وإن لم يذكر الاحتلام ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن الرجل يرى في ثوبه المني بعدما يصبح ، ولم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم ، قال : « فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته »(6) .

فروع :

أ ـ لو استيقظ فرأى بللاً لا يعلم أنّه مني ، فلا غسل ، وإن احتلم بالجماع على إشكال ، لأنّ الطهارة متيقنة والحدث مشكوك.

__________________

1 ـ الكافي 3 : 49 / 3 ، التهذيب 1 : 146 / 413.

2 ـ المجموع 2 : 151.

3 ـ المحلى 2 : 7 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 235 ، الشرح الكبير 1 : 232.

4 ـ المحلى 2 : 7 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 235 ، الشرح الكبير 1 : 232.

5 ـ الكافي 3 : 48 / 1 ، التهذيب 1 : 120 / 316 ، الاستبصار 1 : 109 / 362.

6 ـ التهذيب 1 : 368 / 1118 ، الاستبصار 1 : 111 / 367.

٢٢٣

ب ـ لو رأى في ثوبه المختص منياً وجب عليه الغُسل ، وإن كان قد نزعه ، ما لم يشك في أنّه منيّ آدمي ، ويعيد من آخر نومة فيه إلّا مع ظن السبق ، وقال الشيخ : من آخر غسل رفع به الحدث(1) ، والوجه استحبابه من الوقت الذي يتيقن أنّه لم يكن منه.

ج ـ لو كان مشتركا لم يجب على أحدهما الغُسل ، بل يستحب ، ولا يحرم على أحدهما ما يحرم على الجنب ، ولاحدهما أن يأتم بصاحبه لأنّها جنابة سقط اعتبارها في نظر الشرع ، وقيل : تبطل صلاة المؤتم ، لأنّ الجنابة لا تعدوهما(2) .

السبب الثاني : الجماع ، ويجب به الغُسل بالإجماع ، بشرط التقاءالختانين إن كان في القبل ، بمعنى المحاذاة ، إلّا ما روي عن داود أنّه قال : لا يجب(3) ، لأنّ أبا سعيد الخدري روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من جامع ولم يمن فلا غسل عليه )(4) ، وفي بعض الالفاظ : ( من أقحط فلم يكمل فلا غسل عليه )(5) . وأقحط معناه : لم ينزل الماء : مأخوذ من القحط ، وهو انقطاع القطر(6) ، وهو محكي عن أبي ، وزيد ، ومعاذ بن جبل ، وأبي سعيد الخدري ، ثم رجعوا(7) .

والحديث منسوخ ، فإن أبي بن كعب قال : إنّ ذلك رخصة رخص فيها

____________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 28.

2 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 47.

3 ـ المجموع 2 : 136 ، المغني 1 : 236 ، الشرح الكبير 1 : 235 ، شرح الأزهار 1 : 106.

4 ـ صحيح مسلم 1 : 269 / 343 ، مسند أبي يعلى 2 : 432 / 262 ، ورد مؤداه فيهما.

5 ـ صحيح مسلم 1 : 270 / 345 ، سنن ابن ماجة 1 : 199 / 606 ، مسند أحمد 3 : 21 ، 26 ، 94 ، سنن البيهقي 1 : 165 ، مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 89 ، ورد مؤداه في المصادر المذكورة.

6 ـ النهاية لابن الاثير 4 : 17 « قحط ».

7 ـ الكفاية 1 : 56 ، المجموع 2 : 136 ، المبسوط للسرخسي 1 : 68 ، عمدة القارئ 3 : 247 ، المحلى 2 : 4.

٢٢٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد(1) ، وقالعليه‌السلام : ( إذا قعد بين شعبها الأربع وألصق الختان بالختان فقد وجب الغُسل )(2) ، أراد شعبتي رجليها وشعبتي شفريها ، والإلصاق : المقاربة.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام قال : « قال عليعليه‌السلام : أتوجبون الجلد والرجم ، ولا توجبون صاعا من ماء؟! إذا التقى الختانان وجب الغُسل »(3) .

مسألة 66 : ودبر المرأة كالقبل ، وقاله السيد المرتضى(4) وجماعة من علمائنا(5) ، والجمهور(6) ، لقوله تعالى :( أو لمستُم النساء ) (7) ، ووجوب البدل يستلزم وجوب المبدل ، ولأنّه فرج ومحل الشهوة ، ولقول عليعليه‌السلام : « أتوجبون الجلد والرجم ولا توجبون صاعاً من ماءً »(8) ووجود العلة يستلزم المعلول.

وعن أحدهماعليهما‌السلام : « إذا أدخله فقد وجب الغُسل والمهر والرجم »(9) وادعى المرتضى الاجماع(10) .

__________________

1 ـ سنن أبي داود 1 : 55 / 214 ، 215 ، سنن ابن ماجة 1 : 200 / 609.

2 ـ سنن أبي داود 1 : 56 / 216 ، صحيح البخاري 1 : 80 ، سنن النسائي 1 : 110 ، سنن ابن ماجة 1 : 200 / 610.

3 ـ التهذيب 1 : 119 / 314.

4 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 48.

5 ـ منهم ابن ادريس في السرائر : 19 ، وابن حمزة في الوسيلة : 55 ، والمحقق في المعتبر : 48.

6 ـ المجموع 2 : 132 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235 ، الهداية للمرغيناني 1 : 17 ، الكفاية 1 : 56 ، شرح العناية 1 : 56 ، شرح فتح القدير 1 : 56 ، الهداية للأنصاري : 38.

7 ـ المائدة : 6.

8 ـ التهذيب 1 : 119 / 314.

9 ـ التهذيب 1 : 118 / 310 ، الاستبصار 1 : 108 / 358.

10 ـ حكاه عنه المصنف ايضاً في المختلف 1 : 31.

٢٢٥

وقال الشيخ : لا يجب ، ما لم ينزل(1) عملاً بالأصل ، ولأن المقتضي التقاء الختانين ، أو الإنزال ، وهما منفيّان.

والأصل يترك للمعارض ، وحصر السبب ممنوع.

مسألة 67 : وفي دبر الغلام قولان ، أحدهما : الوجوب ـ وهو قول الشافعي وأحمد(2) ـ قاله المرتضى(3) ، لقول عليعليه‌السلام : « أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟! »(4) والمعلول تابع ، ولأن الدليل قائم في دبر المرأة ، فكذا الغلام لعدم الفارق.

والثاني : العدم إلّا مع الإنزال ، والمعتمد الاول.

أما فرج البهيمة فقال الشيخ : لا نصّ فيه فلا غسل لعدم الدليل(5) ، وبه قال أبو حنيفة(6) ، لأنّه غير مقصود فأشبه إيلاج الاصبع.

وقال الشافعي وأحمد : يجب الغُسل(7) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا قعد بين شعبها الأربع )(8) ولأنّه مكلف أولج الحشفة منه في الفرج ، فوجب

____________

1 ـ الاستبصار 1 : 112 ذيل الحديث 373.

2 ـ المجموع 2 : 132 ، مغني المحتاج 1 : 69 ، كفاية الأخيار 1 : 23 ، السراج الوهاج : 20 ، المغني 1 : 235 ، الشرح الكبير 1 : 235.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 48.

4 ـ التهذيب 1 : 119 / 314.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 28 ، الخلاف 1 : 117 مسألة 59.

6 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 17 ، شرح العناية 1 : 56 ، عمدة القارئ 3 : 252 ـ 253 ، شرح الأزهار 1 : 106 ، المجموع 2 : 136 ، فتح العزيز 2 : 117 ، الوجيز 1 : 17 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235.

7 ـ المجموع 2 : 136 ، فتح العزيز 2 : 117 ، مغني المحتاج 1 : 69 ، كفاية الأخيار 1 : 23 ، الوجيز 1 : 17 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235 ، الاُم 1 : 37.

8 ـ سنن أبي داود 1 : 56 / 216 ، سنن النسائي 1 : 110 ـ 111 ، سنن ابن ماجة 1 : 200 / 610 ، مسند أحمد 2 : 520 ، صحيح البخاري 1 : 80 ، صحيح مسلم 1 : 271 / 348.

٢٢٦

الغسل كقُبل المرأة.

فروع :

أ ـ لا يعتبر في الإيلاج الشهوة ولا الإنزال بالإجماع ، فلو أولج في فرج العجوز الشوهاء وجب الغسل.

ب ـ لا فرق بين الفاعل والمفعول في وجوب الغُسل ، سواء كان الموطوء ذكراً أو أنثى.

ج ـ لو أولج في فرج الميت وجب الغُسل ، وبه قال الشافعي وأحمد(1) للعموم.

وقال أبو حنيفة : لا يجب لأنّه غير مقصود(2) ، وينتقض بالعجوزة الشوهاء.

د ـ لو أولج بعض الحشفة لم يجب شيء حتى يولج جميعها.

هـ ـ كيف حصل الإيلاج وجب الغُسل ، فلو أدخلت فرجه في فرجها وهو نائم لا يعلم وجب عليهما الغُسل ، وبالعكس.

و ـ لو أولج فيما دون القُبل والدبر لم يجب الغُسل إلّا مع الإنزال ، كالسرة وشبهها إجماعا.

ز ـ لو أولج رجل في فرج خنثى مشكل ، فإن أولج في دبره وجب الغُسل ، وإن أولج في قبله ، قال بعض علمائنا : لم يجب(3) ـ وبه قال

__________________

1 ـ المجموع 2 : 132 ، فتح العزيز 2 : 117 ، الوجيز 1 : 17 ، كفاية الأخيار 1 : 23 ، الاُم 1 : 37 ، مغني المحتاج 1 : 69 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235.

2 ـ شرح فتح القدير 1 : 56 ، عمدة القارئ 3 : 253 ، 254 ، الوجيز 1 : 17 ، المجموع 2 : 136 ، فتح العزيز 2 : 117 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235.

3 ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : 48.

٢٢٧

الشافعي(1) ـ لجواز أن يكون رجلاً ويكون ذلك عضواً زائداً من البدن ، ولو قيل بالوجوب كان وجهاً لقولهعليه‌السلام : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل )(2) ، ولوجوب الحد به.

فلو أولجت هذه الخنثى في فرج امرأة ، قال بعض علمائنا والشافعي : وجب الغُسل على الخنثى خاصة(3) ، لأنّه إن كان رجلاً فقد أولج في فرج امرأة ، وإن كان امرأة فقد أولج الرجل في فرجها.

ولو أولج الخنثى في فرج امرأة فلا شيء على الخنثى لاحتمال أن يكون زائدا ، ويحتمل الوجوب للعموم(4) .

وقال الشافعي : يجب على المرأة الوضوء لخروج خارج من فرجها(5) ، ويحتمل عندي الغسل.

ولو أولج الخنثى في دبر الغلام فالأقرب عندي الغُسل عليهما ، وقيل : لاشئ على الخنثى لاحتمال أن يكون امرأة(6) ، وقال الشافعي : يجب على الغلام الوضوء بخروج شيء من دبره(7) .

ولو أولج خنثى في فرج خنثى فعلى ما قيل لا شيء عليهما ، لاحتمال ان يكونا رجلين.

ح ـ ولو أولج الصبي في الصبية تعلق بهما حكم الجنابة على إشكال

__________________

1 ـ المجموع 2 : 51 ، فتح العزيز 2 : 121 ، المهذب للشيرازي 1 : 36.

2 ـ مسند أحمد 6 : 239 ، سنن البيهقي 1 : 163.

3 ـ المجموع 2 : 51 ، فتح العزيز 2 : 121.

4 ـ اشار بذلك إلى حديث : إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل ، راجع مسند أحمد 6 : 239 ، وسنن البيهقي 1 : 163.

5 ـ فتح العزيز 2 : 121.

6 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 48.

7 ـ المجموع 2 : 51 ، فتح العزيز 2 : 121 ، مغني المحتاج 1 : 69.

٢٢٨

فيمنعان من المساجد ، وقراء‌ة العزائم ، ومس كتابة القرآن ، ويجب عليهما الغُسل بعد البلوغ ، وفي الاكتفاء بالغسل الأول عنه إشكال ، أقربه ذلك.

ولو أولج الصبي في البالغة ، أو البالغ في الصبية تعلق الحكم بالبالغ قطعاً ، وبالصبي على إشكال.

ط ـ لو أولج مقطوع الحشفة فأقوى الاحتمالات الوجوب لو غيب قدرها أو جميع الباقي ، وبهما قال الشافعي(1) ، والسقوط.

ي ـ لو لفّ خرقة على ذكره وأولج وجب الغُسل للعموم(2) ، وهو أحد وجوه الشافعية ، والعدم ، والفرق بين اللينة والخشنة(3) .

يا ـ لو استدخلت ذكراً مقطوعاً فوجهان كالشافعية(4) ، وكذا ذكر الميت والبهم.

ولو استدخلت ماءً الرجل فلا غسل ولا وضوء وإن خرج ، وعند الشافعية يجب الوضوء لو خرج(5) .

المطلب الثاني : في الغسل

و فيه بحثان :

الأول : في واجباته : وهي أربعة :

الأول : النيّة ، وقد تقدمت وهي شرط ، ويستحب إيقاعها عند غسل

__________________

1 ـ المجموع 2 : 133 ـ 134 ، فتح العزيز 2 : 116 ـ 117.

2 ـ أشار إلى عموم حديث : إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل ، راجع مسند أحمد 6 : 239 ، سنن البيهقي 1 : 163.

3 ـ المجموع 2 : 134 ، فتح العزيز 2 : 118 ـ 119 ، مغني المحتاج 1 : 69.

4 ـ المجموع 2 : 133 ، مغني المحتاج 1 : 71.

5 ـ المجموع 2 : 151.

٢٢٩

الكفين لأنّه أول أفعال الطهارة ، وتتضيق عند غسل الرأس ، فلو شرع فيه قبل فعلها وجب الاستئناف بعده ، ويجب استدامتها حكماً دفعا لمشقة الاستحضار دائما.

و لا بدّ من نيّة غسل الجنابة ، أو رفع الحدث وإن أطلق ، لأنّ الحدث هو المانع من الصلاة ، وهو أظهر وجهي الشافعي(1) ، فإن نوى رفع الاصغر متعمّداً لم يصح غسله ، وهو أظهر وجهي الشافعي(2) ، وكذا إنّ سهى ، وللشافعي في رفع الحدث عن أعضاء الوضوء وجهان(3) .

و لو نوت الحائض استباحة الوطء صحّ الغُسل ، وللشافعي وجهان(4) .

الثاني : غسل البشرة بما يسمى غسلاً بالإجماع والنص(5) ، فالدهن إنّ تحقق معه الجريان أجزأ وإلّا فلا ، لأنّ علياًعليه‌السلام كان يقول : « الغُسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزأ مثل الدهن الذي يبل الجسد »(6) فشرط الجريان.

الثالث : إجراء الماء على جميع ظاهر البدن والرأس واصول الشعر كلّه ، خف أو كثف ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( تحت كلّ شعرة جنابة ، فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة )(7) ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه

____________

1 ـ المجموع 1 : 322 ، كفاية الأخيار 1 : 24 ، مغني المحتاج 1 : 72 ، فتح العزيز 2 : 163.

2 ـ كفاية الأخيار 1 : 24 ، المجموع 1 : 332 ، فتح العزيز 2 : 163 ، مغني المحتاج 1 : 72.

3 ـ المجموع 1 : 322 ، فتح العزيز 2 : 163 ، كفاية الأخيار 1 : 24.

4 ـ المجموع 1 : 323 ، فتح العزيز 2 : 163 ـ 164.

5 ـ اُنظر على سبيل المثال : التهذيب 1 : 131 / 362 وما بعدها ، والاستبصار 1 : 118 / 398 و 123 / 419.

6 ـ التهذيب 1 : 138 / 385 ، الاستبصار 1 : 122 / 414.

7 ـ سنن أبي داود 1 : 65 / 248 ، سنن الترمذي 1 : 178 / 106 ، سنن ابن ماجة 1 : 196 / 597.

٢٣٠

السلام : من ترك شعرة من الجنابة متعمّداً فهو في النار(1) .

و لو لم يصل إلّا بالتخليل وجب ، ومن عليه خاتم ضيّق ، أو دملج ، أو سير وجب إيصال الماء إلى ما تحته ، إمّا بالتحريك أو النزع ، ولو كان يصل الماء استحب تحريكه والتخليل ، ويغسل ظاهر اذنيه وباطنهما ، ولا يدخل الماء فيما بطن من صماخه ، ولا يجب غسل باطن الفم والانف ، ولا غيرهما.

الرابع : الترتيب ، يبدأ برأسه ، ثم جانبه الأيمن ، ثم الأيسر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، إلّا المرتمس وشبهه لأنّ عائشة قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخلّل شعره ، فإذا ظن أنّه أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ، ثم غسل سائر جسده(2) ، وعن ميمونة ، وساقت الحديث حتى أفاضعليه‌السلام على رأسه ثم غسل جسده(3) . فيجب اتّباعه.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله زرارة كيف يغتسل الجنب؟ إلى أن قال : « ثم صب على رأسه ثلاث أكف ، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين ، وعلى منكبه الأيسر مرتين »(4) وتقديم الرأس يوجب تقديم الأيمن لعدم الفارق ، ولأن المأتي به بياناً إن كان غير مرتب وجب ، وليس كذلك بالإجماع فتعين الترتيب ، وقال الجمهور : لا يجب(5) بالأصل.

____________

1 ـ التهذيب 1 : 135 / 373.

2 ـ صحيح البخاري 1 : 76 ، سنن النسائي 1 : 205 ، سنن البيهقي 1 : 175.

3 ـ صحيح البخاري 1 : 77 ، سنن الترمذي 1 : 174 / 103 ، سنن البيهقي 1 : 177 ، سنن النسائي 1 : 137.

4 ـ الكافي 3 : 43 / 3.

5 ـ المجموع 2 : 197 ، المغني 1 : 252 ـ 253 ، الشرح الكبير 1 : 249 ، الشرح الصغير 1 : 65 ، بدائع الصنائع 1 : 17 ـ 18 و 34.

٢٣١

فروع :

الأول : يسقط الترتيب عن المرتمس دفعة واحدة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك عن غسله »(1) .

وقال بعض علمائنا : يرتّب حكماً(2) .

الثاني : قال المفيد : لا ينبغي أن يرتمس في الراكد ، فإنه إن كان قليلاً أفسده(3) . وليس بجيد لما بيّنا من بقاء الطهورية بعد الاستعمال.

الثالث : لو وقف تحت الغيث حتى بل جسده طهر مع الجريان وإن لم يرتّب ـ خلافاً لبعض علمائنا(4) ـ لقول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل أيجزي الجنب أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه وجسده ، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك »(5) وكذا البحث في الميزاب وشبهه.

البحث الثاني : في مسنوناته

وهي :

الأول : الاستبراء بالبول للمنزل الذكر ، فإن تعذر مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثاً ، ومنه إلى رأسه ثلاثاً ، وينتره ثلاثاً ، وعصر رأس

__________________

1 ـ الكافي 3 : 43 / 5 ، التهذيب 1 ، 149 / 423 ، الاستبصار 1 : 125 / 424.

2 ـ وهو سلار كما في المراسم : 42 ، وهذا اختيار الشيخ في الاستبصار 1 : 125 ذيل الحديث 424 ، والمصنف في المختلف : 32.

3 ـ المقنعة : 6.

4 ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : 49.

5 ـ التهذيب 1 : 149 / 424 ، الاستبصار 1 : 125 / 425 ، الفقيه 1 : 14 / 27 ، قرب الاسناد : 85.

٢٣٢

الحشفة ، وليس واجباً عند أكثر علمائنا(1) ، للأصل ، ولقوله تعالى :( فاطّهّروا ) (2) عقَّبَ به القيام ، وأذن في الدخول بعد الاغتسال ، وقال الشيخ بالوجوب(3) .

فروع :

أ ـ لا استبراء بالجماع من غير إنزال ، ولا على المرأة لاختلاف المخرجين.

ب ـ لو أخل بالاستبراء ، فإن لم يجد بللاً صحّ غسله ولا شيء ، وإن وجد بللاً فإن علمه منيا ، أو اشتبه وجب إعادة الغُسل دون الصلاة السابقة على الوجدان ، وإن علمه غير مني فلا شيء.

ج‍ ـ لو استبرأ بالبول ولم يستبرئ منه ثم وجد البلل ، فإن علمه منيا أعاد الغُسل خاصة ، وإن اشتبه فالوضوء ، وكذا إنّ اشتبه بالبول.

ولو استبرأ منهما ثم وجد المشتبه ، فلا غسل ، ولا وضوء لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّه من الحبائل »(4) .

الثاني : غسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء.

الثالث : المضمضة والاستنشاق ثلاثاً ثلاثا ، وقد تقدم.

الرابع : إمرار اليد على الجسد ، وليس واجباً ، ذهب إليه علماؤنا

__________________

1 ـ منهم السيد المرتضى في الناصريات : 224 المسألة 39 ، والمحقق الحلّي في المعتبر : 49 وابن إدريس في السرائر : 21.

2 ـ المائدة : 6.

3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 29.

4 ـ الفقيه 1 : 47 / 10.

٢٣٣

أجمع ، والشافعي وأكثر العلماء(1) ، للأصل ، ولقولهعليه‌السلام لام سلمة وقد سألته عن غسل الجنابة : ( إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماءً ثم تفيضي الماء على سائر جسدك ، فإذا أنت قد طهرت )(2) .

وقال مالك والمزني : إمرار اليد إلى حيث تنال واجب(3) ، لقوله تعالى :( حتى تغتسلوا ) (4) ولا يقال : اغتسل إلّا من دلك جسده ، ولأن ّالتيمم يجب فيه إمرار اليد ، فكذا الغسل.

ويبطل بقولهم : غسل الإناء وإن لم يمرّ اليد ، وكذا غسل يده ، والتراب يتعذر إمراره إلّا باليد ، ولأنّ المسح يتوقف عليه ، نعم لو لم يصل الماء إلا بالامرار وجب.

وكذا تخليل الاُذنين إن لم يصبهما الماء.

الخامس : الغُسل بصاع ، وليس واجباً للامتثال لو حصل بدونه ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده »(5) وقال أبو حنيفة : يجب(6) وقد تقدم.

السادس : لا يجب غسل المسترسل من الشعر ، ويستحب عملاً بالأصل ، ويجب غسل اصوله في جميع الرأس والبدن.

__________________

1 ـ المغني 1 : 251 ، الشرح الكبير 1 : 247 ، المجموع 2 : 185 ، فتح العزيز 2 : 185 ، كفايةالاخيار 1 : 26 ، مغني المحتاج 1 : 74 ، عمدة القارئ 3 : 192 ، المحلى 2 : 30.

2 ـ سنن أبي داود 1 : 65 / 251 ، سنن إبن ماجة 1 : 198 / 603 ، سنن الترمذي 1 : 176 / 105.

3 ـ بداية المجتهد 1 : 44 ، المدونة الكبرى 1 : 27 ، المبسوط للسرخسي 1 : 45 ، عمدة القارئ 3 : 192 ، المجموع 2 : 185 ، فتح العزيز 2 : 185 ، بُلغة السالك 1 : 43 ، والشرح الصغير 1 : 43.

4 ـ النساء : 43.

5 ـ الكافي 3 : 21 / 4 ، التهذيب 1 : 137 / 380 ، الاستبصار 1 : 123 / 416.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 45 ، بدائع الصنائع 1 : 35 ، فتح العزيز 2 : 191 ، المغني 1 : 256 ، الشرح الكبير 1 : 256.

٢٣٤

وقال الشافعي : يجب غسل المسترسل(1) .

السابع : ينبغي أن يبدأ أولاً بغسل النجاسة عن بدنه ، فلو غسل رأسه قبله صحّ ، وهل يكفي غسلها عن غسل محلّها؟ إشكال ، وللشافعي فيه وجهان(2) .

المطلب الثالث : في الاحكام

مسألة 68 : يحرم على الجنب قراء‌ة الغزائم ، وهي أربع سور : سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك ، دون ما عداها ، ويكره ما زاد على سبع آيات من غيرها ، ويتأكد ما زاد على سبعين.

أما تحريم العزائم فإجماع أهل البيتعليهم‌السلام عليه ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب ويقرآن من القرآن ما شاء‌آ إلّا السجدة »(3) .

و أما تسويغ غيرها فلقوله تعالى :( فاقرؤا ما تيسر منه ) (4) ، وللأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل أتقرأ النفساء والجنب والحائض شيئا من القرآن؟ : « يقرؤون ما شاؤا »(5) .

والجمهور لم يفرقوا بين العزائم وغيرها ، ثم اختلفوا ، فقال الشافعي :

__________________

1 ـ المجموع 2 : 184 ، كفاية الأخيار 1 : 25 ، مغني المحتاج 1 : 73 ، الاُم 1 : 40 ، السراج الوهاج : 21.

2 ـ المجموع 2 : 199 ، مغني المحتاج 1 : 75 ، كفاية الأخيار 1 : 25 ، السراج الوهاج 1 : 22 ، فتح العزيز 2 : 171.

3 ـ التهذيب 1 : 371 / 1132.

4 ـ المزمل : 20.

5 ـ التهذيب 1 : 128 / 348.

٢٣٥

الجنب والحائض لا يجوز لهما قراء‌ة شيء من القرآن(1) ، لأنّ علياًعليه‌السلام قال : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يحجبه عن قراء‌ة القرآن شيء إلّا الجنابة »(2) وحكى ابن المنذر عن أبي ثور أنّه حكى عن الشافعي جواز أن تقرأ الحائض(3) .

وروي كراهة القراء‌ة عن عليعليه‌السلام ، وعمر ، والحسن البصري ، والنخعي ، والزهري ، وقتادة(4) ، لأنّ عبد الله بن رواحة رأته امرأته مع جاريته فذهبت لتأخذ سكيناً ، فقال : ما رأيتني أليس نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقرأ أحدنا وهو جنب؟ فقالت : إقرأ ، فقال :

شهدت بأنّ وعد الله حق

وأنّ النار مثوى الكافرينا

وأنّ العرش فوق الماء طاف

وفوق العرش ربّ العالمينا

تحمله ملائكة شداد

ملائكة الاله مسومينا

فقالت : صدق الله وكذب بصري ، فجاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبر فضحك حتى بدت نواجذه(5) ، وهذا يدل على اشتهار النهي بين الرجال والنساء.

وقال عبد الله بن عباس : يقرأ ورده وهو جنب(6) . وقيل لسعيد بن المسيب : أيقرأ الجنب؟ فقال : نعم ، أليس هو في جوفه ، وبه قال داود ،

__________________

1 ـ المجموع 2 : 156 و 158 ، فتح العزيز 2 : 133 ـ 134 ، مغني المحتاج 1 : 72.

2 ـ سنن ابن ماجة 1 : 195 / 594 ، سنن النسائي 1 : 144 ، سنن أبي داود 1 : 59 / 229 ، مسند أحمد 1 : 124.

3 ـ المجموع 2 : 356 ، فتح العزيز 2 : 143.

4 ـ المغني 1 : 165.

5 ـ المجموع 2 : 159.

6 ـ المغني 1 : 165 ، المجموع 2 : 158 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، الشرح الكبير 1 : 240.

٢٣٦

وابن المنذر(1) ، لأنّ عائشة قالت : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يترك ذكر الله على كلّ أحيانه(2) ، ولا دلالة فيه.

وقال أبو حنيفة ، وأحمد : يقرأ دون الآية ، لعدم إجزائها في الصلاة فصارت كالاذكار(3) .

وقال مالك : الحائض تقرأ القرآن ، والجنب يقرأ آيات يسيرة ، لأنّ الحائض يطول أيامها ويكثر ، فلو منعناها من القرآن نسيت(4) .

وقال الأوزاعي : لا يقرأ الجنب إلّا آية الركوب والنزول والصعود(5) ( سبحان الذي سخر لنا هذا ) (6) ( رب أنزلني منزلاً مباركاً ) (7) .

فروع :

الأول : لو تيمم لضرورة ففي جواز قراء‌ة العزائم إشكال.

الثاني : أبعاض العزائم كهي في التحريم ، حتى البسملة إذا نواها منها.

الثالث : إذا لم يجد ماء‌اً ولا تراباً صلّى مع حدثه ، وقرأ ما لا بدّ له من

__________________

1 ـ المغني 1 : 165 ، المجموع 2 : 158 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، الشرح الكبير 1 : 240 ، المحلى 1 : 79 و 80.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 282 / 373 ، سنن أبي داود 1 : 5 / 18 ، سنن ابن ماجة 1 : 110 / 302.

3 ـ المغني 1 : 165 ـ 166 ، الشرح الكبير 1 : 240 ـ 241 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، المحلى 1 : 78 ، شرح فتح القدير 1 : 148 ، نيل الأوطار 1 : 284 ، المجموع 2 : 158 ، الوجيز 1 : 18 ، فتح العزيز 2 : 134.

4 ـ المحلى 1 : 78 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240 ، بداية المجتهد 1 : 49 ، المجموع 2 : 158 ، الوجيز 1 : 18 ، فتح العزيز 2 : 134 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، الشرح الصغير 1 : 67 و 81.

5 ـ المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240.

6 ـ الزخرف : 13.

7 ـ المؤمنون : 29.

٢٣٧

قراء‌ته عند الشافعي(1) للضرورة.

الرابع : لا يمنع من شيء من الأذكار حتى اسمه تعالى.

مسألة 69 : ويحرم عليه مسّ كتابة القرآن ، وعليه إجماع العلماء(2) ـ إلّا داود(3) ـ لقوله تعالى :( لا يمسه الا المطهرون ) (4) وقد تقدم ، ويحرم عليه أيضاً مسّ اسمه تعالى في أي شيء كان ، لما فيه من التعظيم لشعائر الله ، وقول الصادقعليه‌السلام : « لا يمس الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله تعالى »(5) .

قال الشيخان : ويحرم أيضاً مسّ أسماء أنبياء الله ، والائمةعليهم‌السلام تعظيماً لهم(6) .

مسألة 70 : الاشهر بين علمائنا تحريم الاستيطان في المساجد ، وبه قال الشافعي ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعطاء ، ومالك ، وأبو حنيفة(7) ، لقوله تعالى :( ولا جنباً إلّا عابري سبيل ) (8) ، وقوله عليه

__________________

1 ـ المجموع 2 : 163 ، فتح العزيز 2 : 142 ، مغني المحتاج 1 : 72.

2 ـ المغني 1 : 168 ، الشرح الكبير 1 : 228 ، المجموع 2 : 72 ، فتح العزيز 2 : 97 ، تفسير القرطبي 17 : 226 ، عمدة القارئ 3 : 63 ، شرح فتح القدير 1 : 149 ، بدائع الصنائع 1 : 33 ، بداية المجتهد 1 : 49 ، بُلغة السالك 1 : 57 ، الشرح الصغير 1 : 57 ، شرح الأزهار 1 : 107.

3 ـ المغني 1 : 168 ، الشرح الكبير 1 : 228 ، المجموع 2 : 72.

4 ـ الواقعة : 79.

5 ـ التهذيب 1 : 126 / 340 ، الاستبصار 1 : 113 / 374.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 29 ، وحكى قول الشيخ المفيد المحقق في المعتبر : 50.

7 ـ المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 144 و 146 ، بداية المجتهد 1 : 48 ، مغني المحتاج 1 : 71 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، الشرح الصغير 1 : 67 ، الهداية للمرغيناني 1 : 31 ، شرح العناية 1 : 146.

8 ـ النساء : 43.

٢٣٨

السلام : ( لا اُحل المسجد لحائض ولا جنب )(1) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام عن الجنب يجلس في المسجد ، قال : « لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلّا المسجد الحرام ، ومسجدالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال أحمد وإسحاق : إذا توضأ جاز له اللبث فيه ، لأنّ الصحابة إذا كان أحدهم جنباً توضأ ودخل المسجد ، وتحدّث(3) ، ويحمل على العبور أو الغسل.

وقال المزني ، وداود ، وابن المنذر : يجوز اللبث وإن لم يتوضأ ، لأنّ الكافر يجوز له الدخول ولا يخلو من الجنابة ، فالمسلم أولى(4) . ونمنع الاصل.

فروع :

الأول : لا بأس بالاجتياز من غير لبث ـ وبه قال ابن عباس ، وابن مسعود ، وابن جبير ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، والمزني ، وابن المنذر(5) ـ لقوله تعالى :( إلا عابري سبيل ) (6) .

__________________

1 ـ سنن أبي داود 1 : 60 / 232.

2 ـ الكافي 3 : 50 / 4 ، التهذيب 1 : 125 / 338.

3 ـ المغني 1 : 168 ، الشرح الكبير 1 : 242 ، المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 148 ، تفسير القرطبي 5 : 206 ، نيل الأوطار 1 : 288.

4 ـ المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 148 ، تفسير القرطبي 5 : 206 ، نيل الأوطار 1 : 288.

5 ـ المجموع 2 : 160 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241 ، السراج الوهاج : 21 ، تفسير القرطبي 5 : 206 : التفسير الكبير 10 : 108 ، نيل الأوطار 1 : 287 ، كفاية الأخيار 1 : 50 ، واُنظر سنن البيهقي 2 : 443 ، مصنف ابن ابي شيء بة 1 : 146.

6 ـ النساء : 43.

٢٣٩

وقال جابر : كان أحدنا يمّر في المسجد وهو جنب مجتاز(1) ، والظاهرأنهم لم يفعلوا ذلك في زمانهعليه‌السلام إلّا بإذنه.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لكن يمرّ فيها »(2) .

وقال مالك : لا يجوز له العبور بحال ـ وهو قول أصحاب الرأي(3) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا اُحل المسجد لجنب ولا حائض )(4) ولأن من لا يجوز له اللبث لا يجوز له العبور ، كالغاصب ، ونحن نقول بالحديث إذ المراد مسجدهعليه‌السلام ، ونمنع القياس ، لأنّ التصرف في الأصل ممنوع مطلقاً.

الثاني : لا يحل للجنب ولا للحائض الاجتياز في مسجد مكة ، ومسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، ذهب إليه علماؤنا ـ ولم يفرق الجمهور(5) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا اُحل المسجد لجنب ولا حائض )(6) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إلّا المسجد الحرام ، ومسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(7) .

الثالث : لو أجنب في أحد المسجدين تيمم واجباً وخرج للاغتسال ،

__________________

1 ـ المجموع 2 : 160 ، المغني 1 : 166 ، أحكام القرآن لابن العربي 1 : 436 ، نيل الاوطار 1 : 287 ، واُنظر سنن البيهقي 2 : 443 ، مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 146.

2 ـ الكافي 3 : 50 / 4 ، التهذيب 1 : 125 / 338.

3 ـ بداية المجتهد 1 : 48 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، الشرح الصغير 1 : 67 ، فتح العزيز 2 : 148 ، نيل الأوطار 1 : 287 ، اللباب 1 : 43 ، المجموع 2 : 160 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241 ، شرح فتح القدير 1 : 146 ، الهداية للمرغيناني 1 : 631 الكفاية 1 : 146 ، شرح العناية 1 : 146.

4 ـ سنن أبي داود 1 : 60 / 232 وورد نحوه في سنن ابن ماجة 1 : 212 / 645.

5 ـ المجموع 2 : 160 و 172 ، فتح العزيز 2 : 148 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241 ، بداية المجتهد 1 : 48 ، شرح فتح القدير 1 : 146 ، اللباب 1 : 43 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، نيل الأوطار 1 : 287.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 60 / 232 ، وورد نحوه في سنن ابن ماجة 1 : 212 / 645.

7 ـ الكافي 3 : 50 / 4 ، التهذيب 1 : 125 / 338.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وخليفتي من بعدي ).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( مكتوب على باب الجنة : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي أخو رسول الله قبل أنّ تخلق السماوات والأرض بألفي عام ).

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : طلبني النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجدني في حائط نائماً فضربني برجله وقال : ( قم فوالله لأرضينك ، أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل على سنتي ).

وفي مناقب أحمد قال : ( ثمّ ينادي منادي من تحت العرش : نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي ).

وأخرج أبو يعلى في مسنده بإسناده عن علي عليه السلام قال : طلبني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجدني في جدول نائماً فقال : ( قم ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب ، فرآني كأنّي وجدت في نفسي من ذلك ، فقال : قم والله لأرضينك ، أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل عن سنتي ، وتبريء عن ذمتّي ، من مات في عهدي فهو كنز الله ، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه ، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الإسلام ).

وأخرج ابن عساكر بإسناده عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن عبد الله : إنّ هؤلاء القوم يدعونني إلى شتم علي بن أبي طالب. قال : وما عسيت أنّ تشتمه به؟ قال : أكنيه بأبي تراب ، قال : فوالله ما كانت لعلي كنية أحبّ إليه من أبي تراب ، إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم آخى بين الناس ولم يواخ بينه وبين أحد فخرج مغضباً حتّى أتى كثيباً من رمل فنام عليه فأتاه النبي فقال : ( قم يا أبا

٣٢١

تراب ، أغضبت أنّ آخيت بين الناس ولم أؤاخ بينك وبين أحد؟ قال : نعم ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنت أخي وأنا أخوك ).

وهناك صحيحة أخرجها في مسلم والبخاري في موضعين في باب مناقب أمير المؤمنين ، كتاب الصلاة في باب نوم الرجل في المسجد قلت لسهل بن سعد : إنّ بعض أمراء المدينة يريد أنّ يبعث إليك تسبّ علياً فوق المنبر ، قال : أقول ماذا؟ قال : تقول : لعن الله أبا تراب ، قال : والله ما سماه بذلك إلّا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قلت : وكيف ذاك يا أبا العباس؟ قال : دخل علي على فاطمة ، ثمّ خرج من عندها فاضطجع في فئ المسجد ، قال : ثمّ دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على فاطمة فقال لها : أين ابن عمك؟ فقالت : هو ذاك مضطجع في المسجد ، قال : فجاءه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجده قد سقط رداؤه على ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول : اجلس أبا تراب ، فوالله ما سماه به إلّا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووالله ما كان له اسم أحبّ إليه منه ).

وفي لفظ البيهقي : ( استعمل على المدينة رجل من آل مروان فدعا سهل بن سعد فأمره أنّ يشتم علياً رضي الله عنه قال : فأبى سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا تراب ، فقال سهل : ما كان لعلي رضي الله عنه اسم أحبّ إليه من أبي تراب ، وإن كان ليفرح إذا دعي بها ، فقال له : ( أخبرنا ) عن قصّته لم سمي أبا تراب؟ الحديث.

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : كان بنو أمية تنقص علياً عليه السلام بهذا الاسم الذي سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويلعنوه على المنبر بعد

٣٢٢

الخطبة مدّة ولايتهم ، وكانوا يستهزؤون به ، وإنّما استهزؤوا الذي سمّاه به ، وقد قال الله تعالى :( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) الآية.

وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة : والذي ذكره الحاكم صحيح ، فإنّهم ما كانوا يتحاشون من ذلك بدليل ما روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص : أنّه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال : ما منعك أنّ تسب أبا تراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أسبّه لأن تكون لى واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول له خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يارسول الله ، خلّفتني مع النساء والصبيان ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي علياً فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء اهلي

من موبقات معاوية :

ومن سنة معاوية الذي كان يأمر بلعن أهل بيت النبوّة من على المنابر ، ويعمل جاهداً للتزوير والدس ضدّهم ، وتحريف فضائلهم إلى غيرهم كما جاء في الروايات : أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم ليروي أنّ قوله

٣٢٣

تعالى :( ومن الناس من يشري نفس ابتغاء مرضات الله ) . نزلت في ابن ملجم. وقوله تعالى :( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) ، نزلت في علي أمير المؤمنين ، فلم يقبل ، فبذل له مائتي ألف درهم ، فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل.

وأخرج الطبري من طريق عمر بن شبة قال : ( مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب خليفة له ، فأقرّ سمرة على البصرة ثمانية عشر شهراً. قال عمر : وبلغني عن جعفر الضبعي قال : أقرّ معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر ، ثمّ عزله ، فقال سمرة : لعن الله معاوية ، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذّبني أبداً.

وروي : أنّ معاوية أراد أنّ يلعن علياً على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له : إنّ ههنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه. فأرسل إليه فذكر له ذلك ، فقال : إن فعلت لأخرجن من المسجد ، ثمّ لا أعود إليه. فأمسك معاوية عن لعنه حتّى مات سعد ، فلمّا مات لعنه على المنبر وكتب إلى عمّاله : أنّ يلعنوه على المنابر ، ففعلوا فكتبت أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى معاوية : إنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك إنّكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا أشهد أنّ الله أحبّه ورسوله. فلم يلتفت إلى كلامها.

وقال الجاحظ في كتاب الرد على الإمامية : إنّ معاوية كان يقول في آخر خطبته : اللهم إنّ أبا تراب الحد في دينك ، وصدّ عن سبيلك ، فالعنه لعناً وبيلاً ، وعذبه عذاباً أليماً ، وكتب ذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز ، وإنّ قوماً من بني أمية قالوا لمعاوية : يا أمير

٣٢٤

المؤمنين إنّك قد بلغت ما أملت ، فلو كففت عن هذا الرجل ، فقال : لا والله حتّى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكرله ذاكر فضلاً.

وقال الزمخشري في ربيع الأبرار : إنّه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنه لهم معاوية من ذلك.

وما فعله معاوية ليس بجديد على أمير المؤمنين فقد أخبر به في نهج البلاغة بقوله : ( أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبرائة منّي ).

وفي ذلك يقول العلاّمة الشيخ أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته :

وقد حكى الشيخ السيوطي إنّه

قد كان فيما جعلوه سنّة

سبعون ألف منبر وعشرة

من فوقهن يلعنون حيدره

وهذه في جنبها العظائم

تصغر ، بل توجّه اللوائم

فهل ترى من سنّها يعادي

أم لا وهل يستر أو يهادي؟

أو عالم يقول : عنه نسكت؟

أجب فإنّي للجواب منصت

وليت شعري هل يقال : اجتهدا

كقولهم في بغيه أم ألحدا؟

أليس ذا يؤذيه أم لا؟ فاسمعن

إنّ الذي يؤذيه من ومن ومن؟

بل جاء في حديث أم سلمة

هل فيكم الله يسبّ مه لمه؟

عاون أخا العرفان بالجواب

وعاد من عادى أبا تراب

ومن موبقات معاوية قتله لعظماء الصحابة ، كما روى ابن سعد في طبقاته

٣٢٥

بسنده عن أم سلمة قالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : تقتل عماراً الفئة الباغية ، قال عوف ( راوي الحديث ) : ولا أحسبه إلّا قال : وقاتله في النار.

ونقل ابن سعد أيضاً قول الإمام عليعليه‌السلام حين قتل عمار : إنّ امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر ، وتدخل به عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد ، رحم الله عماراً يوم أسلم ، ورحم الله عماراً يوم قتل ، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً ، لقد رأيت عماراً وما يذكر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعة إلّا كان عمار رابعاً ، ولا خمسة إلّا كان خامساً وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يشك أنّ عماراً قد وجبت له الجنّة في غير موطن ولا اثنين ، فهنيئاً لعمار بالجنّة ، ولقد قيل : إنّ عماراً مع الحق ، والحق معه ، يدور عمّار مع الحق أينما دار ، وقاتل عمّار في النار.

وعن جابر عن ابي الزبير قال : أتى حذيفة بن اليمان رهط من جهينة فقالوا : يا أبا عبد الله ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، استجار من أنّ تصطلم أمته فأجير من ذلك ، واستجار من أنّ يذوق بعضها بأس بعض فمنع من ذلك. قال حذيفة : إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنّ ابن سمية لم يخيّر بين أمرين قط إلّا اختار أرشدها ـ يعني عماراً ـ فالزموا سمته.

وأخرج ابن الأثير بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبشر يا عمار ، تقتلك الفئة الباغية.

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن عمرو بن ميمون قال : أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار ، قال : فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يمرّ به

٣٢٦

ويمر يده على رأسه فيقول : يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار ، كما كنت على إبراهيم ، تقتلك الفئة الباغية.

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن هنى مولى عمر بن الخطاب قال : كنت أوّل شيء مع معاوية على علي ، فكان أصحاب معاوية يقولون : لا والله لا نقتل عماراً أبداً إن قتلناه فنحن كما يقولون [ أي : الفئة الباغية ] ، فلمّا كان يوم صفين ذهبت أنظر في القتلى ، فإذا عمار بن ياسر مقتول ، فقال هني : فجئت إلى عمرو بن العاص وهو على سريره ، فقلت : أبا عبد الله ، قال : ما تشاء ، قلت : انظر أكلّمك ، فقام إليّ ، فقلت : عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : تقتلك الفئة الباغية ، فقلت هوذا والله مقتول ، فقال : هذا باطل ، فقلت : بصر عيني به مقتول ، قال : فانطلق فأرنيه ، فذهبت به فأوقفته عليه ، فساعة رآه امتقع لونه ، ثمّ أعرض في شق ، وقال : إنّما قتله الذي خرج به(١) .

نعم ، إنّ من مشى على سنّة معاوية سيأتي يوماً يتمنى فيه أنّه بعرة تدوسها

__________________

١ ـ تاريخ الخطيب ١٢ ص ٢٦٨ ، مسند أحمد ١ ص ٢٣٠ ، الاستيعاب ٢ ص ٤٦٠ ، كنز العمال ٦ ص ٣٩١ ، المحاسن والمساوي ١ ص ٣١ ، مناقب أحمد ، الرياض النضرة ٢ ص ١٦٨ ، تذكرة السبط ١٤ ، مجمع الزوائد ٩ ص ١١١ ، مناقب الخوارزمي ٨٧ ، شمس الأخبار ص ٣٥ عن مناقب الفقيه ابن المغازلي ، فيض القدير ٤ ص ٣٥٥ ، مصباح الظلام ٢ ص ٥٦ نقلاً عن الطبراني ، الصواعق ٧٥ ، السيوطي في الجامع الكبير ٦ ص ٤٠٤ ، كفاية الطالب ص ٨٢ ، السنن الكبرى ٢ ص ٤٤٦ ، شرح ابن أبي الحديد : ٣٦١ ، تاريخ الطبري ٦ : ١٦٤ وص ١٣٢ ، العقد الفريد ٢ ص ٣٠٠.

وذكر الأبيات ابن أبي الحديد في شرحه ج ١ ص ٣٥٦ ، طبقات ابن سعد ٣ / ١٨٠ ـ ١٨٧. نصر بن مزاحم المنقري في وقعة صفين ، البداية والنهاية ٧ / ٢٩١ ـ ٢٩٧ ، تاريخ الطبري ٥ / ٣٨ ـ ٤٢ ، أسد الغابة ٤ / ١٣٣ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، الطبقات الكبرى ٣٣ / ١٧٧.

٣٢٧

الأقدام وتشيلها الرياح ، كما تمنّى عمرو بن العاص أنّه بعرة أو أنّه مات قبل صفين ، كما في الروايات أنّه لما حضرته الوفاة قال لابنه : لود أبوك أنّه كان مات في غزاة ذات السلاسل ، إنّي قد دخلت في أمور لا أدري ما حجّتي عند الله فيها.

ثمّ نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال : يا ليته كان بعراً ، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني ، آثرت دنياي وتركت آخرتي ، عمي علي رشدي حتّى حضرني أجلي ، كأنّي بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي.

وقال ابن عبد البر : دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه فسلّم عليه وقال : كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال : أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلاً ، وأفسدت من ديني كثيراً ، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت ، ولو كان ينفعني أنّ أطلب طلبت ، ولو كان ينجيني أنّ أهرب هربت ، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض ، لا أرقى بيدين ولا أهبط برجلين.

وقال عبد الرحمن بن شماسة : لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى ، فقال له ابنه عبد الله : لم تبكي؟ أجزعاً من الموت؟ قال : لا والله ولكن لما بعده ، فقال له : قد كنت على خير. فجعل يذكره صحبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وفتوحه الشام ، فقال له عمرو : تركت أفضل من ذلك : شهادة أنّ لا إله إلّا الله ، إنّي كنت على ثلاث أطباق ليس منها طبق إلّا عرفت نفسي فيه ، كنت أوّل شيء كافراً فكنت أشد الناس على رسول الله صلّى الله عليه وآله فلو متّ يومئذٍ وجبت لي النار ، فلمّا بايعت رسول الله صلّى الله عليه وآله كنت أشدّ الناس حياء منه فما ملأت عيني من رسول الله صلّى الله عليه وآله حياء منه ، فلو متّ يومئذٍ قال

٣٢٨

الناس : هنيئاً لعمرو أسلم وكان على خير ، ومات على خير أحواله فترجى له الجنّة.

ثمّ بليت بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا أدري أعليّ أم لي؟ فإذا متّ فلا تبكين عليّ باكية ، ولا يتبعني مادح ولا نار ، وشدوا علي إزاري فإنّي مخاصم ، وشنّوا علي التراب فإنّ جنبي الأيمن ليس بأحقّ بالتراب من جنبي الأيسر(١) .

نعم ، هذا هو من يسمّوه الداهية ؛ لأنّه مكر على إمام زمانه ، فكانت عاقبته أنّه تمنى لو أنّه بعرة ؛ وذلك من خوف الورود على الحوض عندما يُسأل ما خلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الثقل الثاني؟ فيقول : يا ليتني كنت تراباً :( إنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا ) (٢) .

وهذا هو معاوية الصحابي الذي يعدّه البعض خليفة المسلمين ، ولا يجوز ذكره بسوء ، بل إنّه اجتهد وأخطاء فله أجر(٣) !! يعني : من لعن وأمر بلعن من

__________________

١ ـ طبقات ابن سعد ٣ / ١٨١ ، تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٩٨ ، الاستيعاب ٢ ص ٤٣٦.

٢ ـ النبأ : ٤٠.

٣ ـ إنّ أهل السنة يتشبّثون بقول : كلّ مجتهد مصيب ، فمن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطاء فله أجر.

ولكنهم يخلطون بين الاجتهاد في حدود الشرع والاجتهاد مقابل الشرع ، فالاجتهاد يعني : أنّ العلماء الذين درسوا الروايات إذا التبست عليهم المسألة مثلاً : وإذا تعارضت روايتان فيحققونها من ناحية السند والمتن ويعطون رأيهم وفق الضوابط الشرعية ، فهو إن اخطاء فله أجر ؛ لأنّه لم يجتهد برأيه مقابل نصّ ، بل يجتهد في النصّ ، وليس له حق أن يجتهد مقابل رأي المعصومعليه‌السلام .

وأمّا معاوية الذي أسلم تحت وطئ السيوف بالإجماع ، وخرج على الخليفة الشرعي الأفضل منه ، والاشرع منه بالإجماع ، وخالف النص الصريح عند أهل السنة أنّه لا يجوز الخروج على الإمام وشقّ صف المسلمين ، والإمام علي

٣٢٩

أوجب الله مودّتهم فله أجر!! يعني : من قاد معركة صفين ، وقتل الصحابة فله أجر ، ومن قتل محمّد بن أبي بكر ( رض ) وحجر بن عدي ( رض ) فله أجر ، بل من قتل فلذة كبد الزهراءعليها‌السلام ، وبضعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقرة عينه الإمام الحسنعليه‌السلام بالسم فله أجر.

نعم ، قتل الإمام الحسنعليه‌السلام الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي أخيه الحسين : ( الحسنان إمامان قاما أو قعدا ، وأبوهما خير منهما ).

وقال : ( من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ).

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن والحسين : ( من أحبّهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله جنّات النعيم ، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله عذاب جهنم ، وله عذاب مقيم ).

ومن موبقاته تولية يزيد الفاسق السكّير على رقاب المسلمين ، الذي قتل الحسين بن علي عليهما السلام ، وأحدث واقعة الحرة ، وغير ذلك من الموبقات. فعن خالد بن عرفطة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( إنّكم ستبتلون في

__________________

عليه‌السلام الخليفة الرابع الشرعي عندهم ، وهو افضل من معاوية عندهم بغض النظر عن رأي الشيعة في ذلك ، فمعاوية لم يجتهد في شيء غامض عليه ، بل إنّه يعلم علم اليقين أنّ الإمام عليعليه‌السلام هو صاحب المقام والولاية لكنّه تحدّى كلّ الخطوط متجرّياً على الشرع والشارع ، فهذا لا يسمّى مجتهداً ، بل ضال ومضل ، ويحمل وزره ووزر من مشى على سنته إلى يوم القيامة.

٣٣٠

أهل بيتي من بعدي ).

وفي المعجم الكبير في حديث أم الفضل قالت : ( بينا أنا قاعدة عند رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مريض فبكيت ، فقال : ما يبكيك؟ فقلت : أخشى عليك ، فلا ندري ما نلقى بعدك من الناس ، قال : أنتم المستضعفون بعدي ).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحسنان إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما ).

قال الفخر الرازي : وقول الرسول صلّى الله عليه وآله : ( الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ) ، كما عن ابن عباس وبريدة ، وفي رواية أخرى بزيادة : ( وأبوهما خير منهما ) ، كما عن ابن عمر وابن مسعود. هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الأمّة الإسلامية أجمع.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ).

وعندما قتل الإمام الحسين مطرت السماء دماً كما قال ابن عباس : هذه الحمرة التي في السماء ظهرت يوم قتله ، ولم تر قبله.

وفي رواية : لما جيء برأس الحسين بين يدي عبيد الله بن زياد شوهدت حيطان دار الإمارة تسايل دماً. وفي رواية : لما قتل الحسين مكثت السماء أياماً مثل العلقة.

وفي رواية : لما قتل الحسين مكث الناس سبعة أيام إذا صلّوا العصر نظروا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة ، والكواكب كأنّها تضرب بعضها ببعض.

٣٣١

وفي رواية : لما قتل الحسين عليه السلام مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنّما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس.

وفي أخرى : لما قتل الحسين صار الورس الذي في العسكر رماداً ، ونحروا ناقة فكانوا يرون في لحمها المرار.

وفي أخرى : أظلمت الدنيا ثلاثة أيام بعد قتل الحسين ، ثمّ ظهرت هذه الحمرة في السماء ، ولم يمس أحد من زعفران قوم الحسين شيئاً فجعله على وجهه إلّا احترق.

وفي أخرى : لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلّا على الحسين ، وبكاء السماء أنّ تحمر.

وفي أخرى : انكسفت الشمس حين قتل الحسين كسفة بدت الكواكب نصف النهار ، حتّى ظن الناس أنّها هي.

وفي أخرى : ما رفع حجر من الدنيا يوم شهادة الحسين إلّا وتحته دم عبيط.

وفي أخرى : ما رفع حجر بالشام يوم قتل الحسين إلّا عن دم.

وقال فيهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لما غشاهم بالكساء : ( أنا حرب لمن حاربهم ، وسلم لمن سالمهم ، وعدو لمن عاداهم ).

وأخذ بيد الحسن والحسين وقال : ( من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ).

وروى الحاكم عن أبي هريرة قال : خرج علينا رسول الله ومعه الحسن والحسين ، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرّة وهذا مرّة ، حتّى انتهى إلينا ، فقال له رجل : يا رسول الله ، إنّك تحبّهما؟ فقال : ( نعم ، من أحبّهما

٣٣٢

فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ).

نعم ، هذا هو مقام علي وولديه ، وهذا هو معاوية الملطّخة يده بدماء الأبرياء.

فيا أخوتنا من أهل السنة اقرؤوا كتب وأقوال أئمّتكم وعلمائكم فكلّ ماذكرته فهو من كتبكم(١) .

__________________

١ ـ انظر : الطبراني في الكبير : ٣ / ٤٧ ، ورواه ابن ماجة : ١ / ٥١ في باب : فضل الحسن والحسين ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٦٦وص ١٧٧ ، تاريخ بغداد : ١٣ / ٣٢ ، الكبير للطبراني : ٤ / ١٩٢ ، ومجمع الزوائد : ٩ / ١٩٤ ، الكبير للطبراني : ٢٥ / ٢٣ ، مجمع الزوائد : ٩ / ٣٤ ، تفسير الرازي : ٢٥ / ٣٥ ، فرائد السمطين للحمويني ج ٢ / ٩٨ ح ٤٠٩ و ٤١٠ و ٤٢٨ ، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٣ / ٢١٥ ، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ / ٨٠ ، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ٩٢ ، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ٧٩ ح ١٣٨ ـ ١٤٣ ، أخبار إصبهان ج ٢ / ٣٤٣ ، المسند لأحمد ج ٣ / ٦٢ و٨٢ ط ١ ، الخصائص للنسائي ص ١١٨ ط الحيدرية ، كنز العمال ج ٦ / ٢٢١ ط ١ ، ذخائر العقبى ص ٩٢ و ١٢٩ ، الجامع الصغير ح ٣٨٢٢ ، الأحاديث الصحيحة للألباني ح ٩٧٦ ، سنن ابن ماجة ح ١٠٨ ، حلية الأولياء ج ٥ / ٥٨ و ٧١ و ج ٤ / ١٣٩ و ١٤٠ ، الدرر المتناثرة للسيوطي ح ١٨٧ ، تاريخ بغداد للخطيب ج ٢ / ١٨٥ و ج ٤ / ٢٠٧ ، البخاري في التاريخ الكبير ٨ : ٤١٥ / ٣٥٣٦ ، والترمذي ٥ : ٦٥٨ / ٣٧٧٥ ، وأحمد في المسند ٤ : ٤ / ١٧٢ ، والبغوي في مصابيح السنة ٤ : ١٩٥ / ٤٨٣٣ ، ذخائر العقبى : ١٤٤ ، الصواعق المحرقة : ١١٦ ، الخصائص الكبرى : ١٢٦ ، ينابيع المودّة : ٢٢٠ ، ذخائر العقبى : ١٤٤ ، تاريخ دمشق لابن عساكر ، تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٤٨ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢١٠ ، تذكرة الخواص : ٢٨٤ ، الكامل في التاريخ : ٣ / ٣٠١ ، البداية والنهاية : ٨ / ١٧١ ، تاريخ الإسلام : ٢ / ٣٤٨ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ٣١١ ، كفاية الطالب ٢٩٦ ، مقتل الحسين ٢ / ٨٩ ، نظم درر السمطين : ٢٢٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٩٧ ، الصواعق المحرقة لابن حجرص ١٨٥ ط المحمّدية وص ٨٥ و ١١٢ ط الميمنية بمصر ، الإصابة لابن حجر العسقلاني ج ٤ / ٣٧٨ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٢٩ و ٢٩٤ و ٣٠٩ ط اسلامبول ، مسند ابي يعلي ج ٥ / ٤٤٩.

٣٣٣

فهل من خطاب أنصف من ذلك؟! وهل من متعقّل للأمور يا أولي الألباب؟! فلا ندري بأيّ لغة كانوا يريدون الله ورسوله أن يخاطبهم ، فالله يقول لنبيه :( بلغ ما أنزل إليك من ربك ) ، والرسول يقول ( علي ولي كلّ مؤمن بعدي ) ، ورواها العام والخاص ، وهي دالة على الولاية ، ولكن جعلوا أبا بكر خليفة!! الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( علي خير البشر ) ، وهم يقولون : أفضل الصحابة أبو بكر فعمر فعثمان!!

ألا يخافوا من دعاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اللهم عاد من عاداه ، واخذل من خذله )؟! وأيّ خذلان أشدّ من قتاله وقتل ذريّته؟!

أيّها المغرر بك ، فق لنفسك وتمعن النظر في النصوص الصريحة باللغة الفصيحة ، فإنّك إن تأمّلت الروايات بتعقّل وأمانة وإنصاف لا تستمع للقول بعدالة الصحابة ، والتشنيع على الشيعة أنّهم يسبّونهم ، إنّ الشيعة تنقل الآيات فيما حصل للأنبياء من قومهم ونسائهم ، وماحصل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قومه ، وماحصل لأهل بيته من صحابته ، فهم ينقلون التاريخ لا يدّعون عصمة وعدالة إلّا فمن ثبت بالدليل عصمته وعدالته.

فما عليك حينئذٍ إلّا إعادة النظر والتأمّل في النصوص الواردة في حق أهل البيتعليهم‌السلام .

٣٣٤
٣٣٥

الدليل الواحد والعشرون :
ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغزوات والحروب لعلي عليه‌السلام

إنّ كلّ غزوة وسرية ومعركة تسجّل للإمام عليعليه‌السلام فضيلة أو فضائل ، وتسجّل لمن تقدّموا عليه هزيمة أو رذيلة ، بل رذائل ، وهذا ما أوردته كتب التاريخ والسيرة المعتبرة لدى أهل السنة.

أوّلاً : حديث الراية المشهور :

كما أورده أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما ماهذا نصّه :

فضائل الصحابة للنسائي :

عن عمران بن حصين أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ( لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، أو قال : يحبّه الله ورسوله ، فدعا علياً وهو أرمد ، ففتح الله على يعني يديه ).

أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال : ثنا يعلى بن عبيد ، قال ثنا يزيد بن جلس ، عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( لأدفعنّ الراية اليوم إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، فتطاول القوم ، فقال : أين علي؟ قالوا يشتكي عينيه ، فدعا به فبزق نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في كفيّه ، ثمّ مسح بهما عيني علي ، ودفع إليه الراية ، ففتح الله عليه يومئذٍ )(١) .

__________________

١ ـ فضائل الصحابة : ١٦.

٣٣٦

مسند أحمد :

حدّثني أبي ، ثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : ( كان أبي يسمر مع علي ، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء ، وثياب الشتاء في الصيف ، فقيل له : لو سألته ، فسأله فقال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إليّ وأنا أرمد العين يوم خيبر ، فقلت : يا رسول الله ، إنّي أرمد العين ، قال : فتفل في عيني ، وقال : اللهم اذهب عنه الحر والبرد ، فما وجدت حراً ولابرداً منذ يومئذٍ ، وقال : لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ليس بفرار ، فتشرّف لها أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعطانيها )(١) .

حدّثني أبي ، ثنا وكيع ، عن هشام بن سعد ، عن عمر بن أسيد ، عن ابن عمر قال : كنّا نقول في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رسول الله خير الناس ، ثمّ أبو بكر ، ثمّ عمر ، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إلى من حمر النعم ، زوّجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ابنته وولدت له ، وسدّ الأبواب إلّا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر )(٢) .

حدّثنا سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر : ( لأدفعنّ الراية إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله عليه ) قال فقال عمر فما أحببت الإمارة قبل يومئذٍ ، فتطاولت لها واستشرفت رجاء أنّ يدفعها إليّ ، فلمّا كان الغد دعا علياً عليه السلام فدفعها إليه ، فقال : ( قاتل ولا

__________________

١ ـ مسند أحمد ١ : ٩٩ ، ١٣٣.

٢ ـ مسند أحمد ٢ : ٢٦.

٣٣٧

تلتفت حتّى يفتح عليك ، فسار قريباً ، ثمّ نادى يا رسول الله ، أعلام أقاتل؟ قال : حتّى يشهدوا أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم )(١) .

حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا معصب بن المقدام وحجين بن المثنى ، قالا : ثنا إسرائيل ، ثنا عبد الله بن عصمة العجلي قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ الراية فهزّها ، ثمّ قال : من يأخذها بحقّها ، فجاء فلان فقال : أنا ، قال : امط ، ثمّ جاء رجل فقال : امط ، ثمّ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذى كرّم وجه محمّد لأعطينّها رجلاً لا يفر ، هاك يا علي ، فانطلق حتّى فتح الله عليه خيبر )(٢) .

( قال سلمة : ثمّ إنّ نبى اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلني إلى علي ، فقال لأعطين الراية اليوم رجلاً يحبّ الله ورسوله ، أو يحبّه الله ورسوله ، قال : فجئت به أقوده أرمد ، فبصق نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينه ، ثمّ أعطاه الراية ، فخرج مرحب يخطر بسيفه ، فقال :

قد علمت خيبر أنّي مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

فقال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه :

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

كليث غابات كريه المنظرة

أوفيهم بالصاع كيل السندرة

__________________

١ ـ مسند أحمد ٢ : ٣٨٤.

٢ ـ مسند أحمد ٣ : ١٦.

٣٣٨

ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه )(١) .

أخبرني سهل بن سعد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر : ( لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ) ، قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها ، فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّهم يرجو أنّ يعطاها ، قال فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقال : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينيه ، ودعا له فبرأ حتّى كان لم يكن به وجع فأعطاه الراية ، فقال علي : يا رسول الله ، أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا ، فقال : انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أنّ يكون لك حمر النعم(٢) .

صحيح البخاري :

حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول يوم خيبر : ( لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه ، فقاموا يرجون لذلك أيّهم يعطى ، فغدوا وكلّهم يرجو أن يعطى ، فقال : أين علي؟ فقيل : يشتكى عينيه ، فأمر فدعى له ، فبصق في عينيه ، فبرأ مكانه حتّى كأنّه لم يكن به شيء ، فقال : نقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا ، فقال )(٣) .

__________________

١ ـ مسند أحمد ٤ : ٥٢.

٢ ـ مسند أحمد ٥ : ٣٣٣.

٣ ـ صحيح البخاري ٤ : ٥.

٣٣٩

حدّثنا قتيبة ، حدّثنا حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : كان علي رضي الله عنه تخلّف عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في خيبر ، وكان به رمد ، فقال : أنا أتخلّف عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخرج علي فلحق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلمّا كان مساء الليلة التى فتحها في صباحها ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( لأعطينّ الراية ، أو قال : ليأخذن غداً رجل يحبّه الله ورسوله ، أو قال : يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله عليه ، فإذا نحن بعلى وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ففتح الله عليه )(١) .

أبي حازم ، قال : أخبرني سهل رضي الله عنه قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر : ( لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، فبات الناس ليلتهم أيّهم يعطى ، فغدوا كلّهم يرجوه ، فقال : أين علي؟ فقيل : يشتكي عينيه ، فبصق في عينيه ، ودعا له ، فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية )(٢) .

عن سهل بن سعد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر : ( لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها ، فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقيل : هو يا رسول الله يشتكى عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ،

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٤ : ١٢.

٢ ـ صحيح البخاري ٤ : ٢٠.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383