ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة10%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74275 / تحميل: 5832
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

١
٢

٣

مقدّمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم

المرسلين محمّد وآله الميامين

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم ، استناد الأُمّة إلى قيمها السليمة ومبادئها الأصيلة ، والأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحدّيات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة.

وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل ، نلحظ أنّ المرجعيّة الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارةعليهم‌السلام بأبهى صورها وأجلى مصاديقها.

هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني ـ مدّ ظله ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك الخطوات المؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحول الله تعالى.

ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي أُسس لأجل نصرة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وتعاليمه الرفيعة.

٤

ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيتعليهم‌السلام على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي منّ الله سبحانه وتعالى بها عليهم ـ إلى مطبوعات توزّع في شتى أرجاء العالم.

وهذا المؤلّف ـ ( ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة ) ـ الذي يصدر ضمن ( سلسلة الرحلة إلى الثقلين ) مصداق حيّ وأثر عملي بارز يؤكد صحة هذا المدّعى.

على أنّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكلّ معتنقي المذهب الحقّ بشتى الطرق والأساليب ، مضافاً إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين وتدوينها في ( موسوعة من حياة المستبصرين ) التي طبع منها عدّة مجلّدات لحدّ الآن ، والباقي تحت الطبع وقيد المراجعة والتأليف ، سائلين المولى تبارك وتعالى أنّ يتقبّل هذا القليل بوافر لطفه وعنايته.

ختاماً نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى كلّ من ساهم في إخراج هذا الكتاب ، ونخصّ بالذكر فضيلة الشيخ عبد الله الخزرجي الذي قام بمراجعة هذا الكتاب وإعداده للطبع ، والحمد لله ربّ العالمين.

محمّد الحسّون

مركز الأبحاث العقائدية

٢٤ صفر ١٤٢٩ هـ

الصفحة على الإنترنيت : site.aqaed.com / mohammad

البريد الإلكتروني : com muhammad@aqaed

٥

الإهداء

أهدي ثواب هذا الجهد المتواضع إلى مولاتي سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها‌السلام بنت سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى أُمّها خديجة الطاهرة ، وابنتها عقيلة بني هاشم ، وحفيدتها فاطمة المعصومة عليهنّ السلام ، أرجو أنّ يكون محلاً للقبول والرضى.

ثمّ إلى والديَّ الحبيبين اللذين زرعا في قلبي بذرة حبّ العلم ، وحبّ أهل البيت فنمت هذه البذرة مع الأيام حتّى صارت يقيناً لا يتزعزع أبداً إن شاء الله تعالى ، أسأل المولى تعالى لي ولهما شفاعة محمّد وآله الطاهرين في الدنيا والآخرة.

أم محمّد صادق

حسينة حسن الدريب

اليمن ـ الجوف

٦
٧

لمحة مختصرة عن حياتي وسبب استبصاري

عزيزي القارئ بين يديك صفحات تتحدّث عن قصّة تتعلّق بالدين والمعتقد ، والبحث والحيرة ، والوصول إلى الحقّ ، بعد طول البحث والتحقيق.

لقد نشأت في أسرة متديّنة ـ والحمد لله تعالى ـ وهي على المذهب الزيدي الشيعي ، ووالدي ـ حفظه الله تعالى ـ يحبّ هذا المذهب حبّاً شديداً ، ومنذ صغرنا كان يعلّمنا الصلاة والأحكام كلّها على أسس المذهب الزيدي ؛ لكي لا نتأثّر بالمعلّمات والمجتمع من حولنا ، والحمد لله وبفضل الله وجهود الوالد العظيمة لم نتأثّر بأيّ فكر مخالف لأهل البيتعليهم‌السلام ـ حسب عقيدة الزيدية ـ وكنت أحبّ العلم والمتعلّمين ، أي : أصحاب الشهادات العلياً ، ولا أفرّق بين طالب المعهد الديني وغيره ، إلّا أنّني كنت أحس بمحبّة خاصّة لمن يتّصفون بحسن الخلق والصدق والأمانة ونحوها من الأخلاق الفاضلة.

ومرّت الأيام وبدأت الوهابية تنتشر بشكل كبير في منطقتنا ، وكان والدي ـ حفظه الله تعالى ـ دائماً يحذّرنا منهم ، ويبيّن لنا حقائقهم ، ويغرس في قلوبنا حبّ الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام ، وأئمة الزيدية ، والإمام الخميني ( قدس سره ) وثورته المباركة ، وخليفته القائد المعظّم ـ حفظه الله وسدّد خطاه ـ ، فنشأنا على ذلك ، حتّى في المدرسة عندما كنّا صغاراً كان الأستاذ يقول لنا : اقرأوا حديث كذا ، وهو في الكتاب هكذا : ( عن معاوية رضي الله عنه ). فكنّا نرفض الترضّي عنه ،

٨

ونقول للأستاذ : إنّ والدنا قال لنا إنّه حارب الإمام عليّاًعليه‌السلام ، وقتل الإمام الحسنعليه‌السلام ، ونحو ذلك كثير.

ولشدّة حبيّ للعلم وميلي لأهل العلم والأخلاق ومجالسهم كنت أحضر لاستمع محاضرات أستاذة وهابية بجوار منزلنا ، وأقول لنفسي : أنا آخذ منها الكلم الطيّب ، وأترك الخبيث ، وكنت أُلاحظ في محاضراتها أشياء كثيرة ، مثلاً : تريد أنّ تمدح عائشة ، فتذكر غيرتها من بقية نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتآمرها عليهن ، ونحو ذلك مما تريد به المدح ، وهو في الواقع ذمّ ، وكانت تعلّم الصلاة والأحكام على الطريقة الوهابية ، وتتكلّم عن الصحابة ، ومرّة تريد تمدح عمر فتضحّي بأبي بكر ، وكذا العكس ، وهكذا.

فمن فكّر في كلامهم وجد فيه التخبّط والتناقض الكثير ، فكنت أقف ضدّها لأجل أنّ أنبّه الأخوات على خطئها ، ولكن للأسف لم يكن عندي علم لأُناقشها به إنّما حبّي لأهل البيتعليهم‌السلام ، وكره أعدائهم ، وبعض المعلومات البسيطة حول تخبّطهم قد غرسها الوالد ـ حفظه الله تعالى ـ في قلبي ، ولكن لم يكن كافياً للرد على الشبهات ونحوها ، فقلت في نفسي : وإن كنت واثقة من نفسي أنّني لن أتأثّر بها فسوف يتأثّر بها غيري ، فلابدّ من حلّ ، فأرسلت إلى أحد معلّمي الدين في المذهب الزيدي في منطقتنا ، والحمد لله فقد استجاب ذلك المعلّم الديني لدعوتنا ، وأتى إلى منزلنا ، وأبدى استعداده لتدريسنا ، فحدّدنا موعداً للدراسة ، وبالطبع بدأنا الدراسة بكلّ همّة وجدّية ، ولقد أحببت الدراسة من أعماق قلبي ، ولشدّة حبّي لها صرت محل ثقة عند ذلك الأستاذ ، فما مرّت سنة كاملة حتّى طلب منّي ومن أختي وإحدى زميلاتي أنّ نساعده في تدريس بعض المسائل العقائدية وغيرها ، كالطهارة والصلاة والتجويد ، فكنّا نجدول وقتنا معه

٩

للتدريس وللدراسة عنده ، واستمرّيت أَدرس وأُدرّس بكلّ جهد وإخلاص لمدّة أربع سنوات تقريباً ، وكنّا في دراستنا نتعلّم النحو والفقه وعلوم القرآن ، ونبحث في التوحيد والعدل والإمامة والتشبيه والقضاء والقدر في عقائد الوهابية ، والردّ عليهم ، وغير ذلك ، وأمّا الجعفرية وأهل السنّة من غير الوهابية فلم نتطرّق إليهم إلّا بشيء بسيط.

وكان لنا بعض النشاطات التبيليغية بالإضافة إلى التدريس ، فكنّا نقوم ببعض المحاضرات والمجالس الدينية ، كموالد الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام ، والإمام زيد رضوان الله عليه ، وكذا وفاتهم ، والهجرة النبوية ، و

وكذا قمنا بالتعاون لنشر مجلة اسميناها ( مجلة الزهراء ) ، وكنت مديرة التحرير ، وبإشراف معلّمنا القدير ، ومعاونه السيّد يحيى طالب مشاري ، وغيرهما ممن كانوا يوجّهوننا ويشرفون علينا ، وقبل تأسيس المجلة كنّا قد عملنا جمعية خيرية باسم ( جمعية النساء الخيرية ) ، شكّلتها طالبات العلم الشريف في الجوف(١) ، وكنت أنا الأمينة العامّة لها ، وكنّا نطبع المجلة على حساب الجمعية ، علماً أنّني خلال دراستي لم أكن أتعرّض لسبّ الجعفرية ، لأنّي كنت أحس كأنّنا وايّاهم شيء واحد ، وحتّى في الانتخابات عندما كنّا نرشّح أحد الشخصيات الاثني عشرية في حزب الحقّ ( حزب زيدي ) ، وكنت رئيسة اللجنة النسائية في الانتخابات في المنطقة ، فوقفت معه رغم أنّي أعلم أنّه جعفري ، وأكثر الزيدية لم يرشّحوه ، لكنّي كنت أحس أنّ المذهب الجعفري أخو المذهب الزيدي ، ولا يصح أنّ نفرّق بينهما وهذا ما أعتقده ، لأنّ المذهبين كلاهما شيعي ، والتفاهم

__________________

١ ـ الجوف هي محافظتنا.

١٠

بينهما ممكن لأنّهما متحدّان في الولاء لأصحاب الكساء.

ومن المواقف التي حرّكت تفكيري ، أنّني ذات يوم كنت في الدرس فسألت أحد كبار الزيدية حول أهل البيتعليهم‌السلام ، وذكرت أنّني من شيعتهمعليهم‌السلام ، فقال لي : أنتم أهل البيت ، أنتم أشراف(١) ، ونحن شيعتكم. فتعجّبت وتساءلت : أنحن الأمان لأهل الأرض؟! أنحن السفينة؟! أنحن ..؟!

ومرّة كنّا في مجلس عزاء فتطرّقت للآية( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (٢) ، فقالت إحدى الأخوات الداعيات من الحركة الزيدية : نعم ، اسألوا أهل الذكر ، هذه هي أهل الذكر ( تقصدني ). لقد هزّني ذلك ، إذ لم يكن العلماء أهلاً لذلك ، فكيف بي؟! ـ لأنّ مشكلة الزيدية الخلط بين مفهوم السيّد ومفهوم أهل البيت ـ فبقيت متحيّرة لم أجد من أُناقشه في ذلك لتذهب تلك الحيرة.

المهمّ أنّني وبعد أربع سنوات من دراستي وتدريسي في تلك الفترة ، تقدّم لخطبتي أحد أقاربي ، وقد شاع الخبر أنّه جعفري ، وترقّبت الفرصة في أيام الانتخابات ـ إذ كان يأتي لأخذ بعض التقارير لصالح حزب الحقّ الزيدي ، وكنّا نعمل لصالح ذلك الحزب ؛ لأنّه أقرب حزب لمنهج أهل البيتعليهم‌السلام ـ فسألته : سمعت أنّك لم تعد زيدياً؟ فقال : بلى ، أنا زيدي ، وأكّد لي ذلك بعد سؤالي وتكراري ، فأثبت لي أنّه زيدي.

وبعد فترة تزوّجنا في ١٢ ذي الحجة ١٤١٨ هـ الموافق ٦ / ٤ / ١٩٩٨ م ، وبعد خمسة أشهر سافرنا إلى إيران الإسلامية تلك الدولة التي طالما حدّثني

__________________

١ ـ في محافظتنا يقال للسيّد ( ( شريف ) ).

٢ ـ النحل : ٤٣.

١١

والدي ـ حفظه الله ـ عنها(١) ، وطالما اشتقت أنّ أشمّ رائحة ترابها ، وطالما استمعت إلى برامجها ، وراسلتها بالبريد ، وكنت انتظر جوابها فيأتيني ، فأرتاح لهديتهم البسيطة ، كمجلة أو كتاب ، ونحوهما ، وقد أحببت إيران حبّاً شديداً لما كان يبث في برامجها من معارف وعلوم دينية وثقافية وعلمية و لا توجد في أيّ دولة أخرى ، فجئت إلى إيران وأنا لا أصدّق نفسي من الفرح ، صحيح أنّي حزنت لفراق أهلي ووطني ، فالوطن عزيز ومحبوب ، وترابه ذهب كما يقال ، إلّا أنّني تغرّبت في بلاد الأهل من ناحية الدين والعقيدة ، و( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ

__________________

١ ـ كانت الزيدية الذين أعرفهم في محافظتنا يدافعون عن إيران دفاع المستميت ، ويترضّون على الإمام الخميني ( قدس سره ) ، ويوقّرونه ، بل إنّ بعض كبار علمائهم قد بايعه من البعد كإمام لهم ؛ لأنّه اجتمعت فيه شروط الإمام حسب عقيدتهم ، ولكن في هذه الفترة حينما ذهبت إلى اليمن في عام ( ١٤٢٢ هـ ) رأيت التغيّر الواضح من بعضهم ، إذ كانوا يوزّعون كتاب ( ( لله ثمّ للتاريخ ) ) ، الذي تصدّى له بالرد أبناء الدليل من الشيعة ، وأثبتوا بالأدلّة القاطعة أنّه شخصية موهومة لا حقيقة له ، ومن أراد فليقرأ ما كتب في الردّ عليه ، ليرى كيف يفضح الله الكاذبين ، ولاحظت وسمعت عكس ما كنت أسمع من نفس من كان يمدح ، حيث أصبح يذم ( ( أنا لا أعني علماء الزيدية كلّهم ، وإنّما أعني بعض المعلّمين وطلاب العلم الديني في منطقتنا ) ) ، والسبب أنّهم رأوا المذهب الجعفري ضرّ بهم أكثر من أيّ مذهب آخر؛ لأنّ الجعفري يخاطب المثقفين والمطّلعين على أصول المذهب الزيدي ، فعندما يناقشه الجعفري عن الإمامة وغيرها مما هو ثابت عندهم لا يجد لها تطبيقاً في الواقع إلاّ عند الجعفرية فيضطر أنّ يسلّم للحقّ ، فسبّب ذلك تغيّر بعض الزيدية اتّجاه الجعفرية ، ولأجل أنّ ينفّروا طلاّبهم وبقية الناس يتعصبون مذهبياً ، لكن هذا عذر لا يقبل من العوام ، فكيف بالمثقفين وطلاب العلم؟! فيجب أنّ يعرفوا عقائد الشيعة الجعفرية وأدلّتهم قبل الحكم عليهم ، وهذا هو الإنصاف والأمانة العلميّة.

١٢

إِخْوَةٌ ) (١) .

وبعد وصولي إلى إيران بشهر تقريباً اكتشفت أنّ زوجي جعفري المذهب ، وكان يشير لي تدريجياً حتّى صرّح لي بذلك ، وكانت طامة كبرى ، وصدمة عظيمة ، وخاصمته كثيراً ، وقلت : لماذا أخبرتني أنّك زيدي؟! فقال : أنا لم أكذب ، إنّني أعتقد أنّ من يسمّون أنفسهم زيدية الأتباع الحقيقيين لزيد رضوان الله عليه ، فما انتسابهم إليه إلّا لأنّه يقول بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والعدل ، والتوحيد ، وأنّ زيداً إمام جهاد ، وعالم من ذرية العترة ، وغير معصوم ، ونحن الجعفرية نقول بذلك ، فنحن زيدية ، أو بالأصح زيدي جعفري ؛ إذ إنّه تعلّم عن يد أبيه وأخيه الإمام الباقرعليه‌السلام ، وما يعتقده الجعفرية هو ما يعتقده زيد وأخوه الإمام الباقرعليه‌السلام ، فنحن أولى به منهم ، إذ هو لم يخالف الباقر والصادقعليهما‌السلام ، بينما الزيدية لم يأخذوا عن زيد رضوان الله عليه إلّا القليل من الفروع ، وأمّا الأصول فلا يجوز التقليد فيها ، إذ الإمام عندهم مجتهد يجوز الأخذ برأيه وتركه ، فليس تقليده واجباً لا في الأصول ولا في الفروع ، وهذا ما أقصده من كوني زيدياً.

ومع هذا فقد خاصمته بعد ذلك لمدّة شهر تقريباً ، وأصررت على أنّ يرجعني إلى أهلي ، ولكنه تعامل معي بكلّ صبر وتأنٍ وحلم وعقل وهدوء مقابل انفعالي وإصراري ، وأكّد لي أنّه لم يتّبع المذهب الجعفري إلّا لأدلّة وجدها أقنعته ، وحلف لي إذا رددت عليه بأدلّة ثابتة صحيحة فسيرجع إلى المذهب الزيدي ، فصرت على أمل أنّ أرجعه إلى الزيدية لأنّي عرفت أنّه جادّ في كلامه ، وهو

__________________

١ ـ الحجرات : ١٠.

١٣

إنسان مؤمن ، وليس من أهل الدنيا ، وهذا ما جعلني أصدّقه.

ولكن لم أجد ما أقول له إلّا أنّ أوجّه له أسئلة ، مثل : لماذا اتّبعتهم؟ وما أدلّتهم؟! فقال : إنّ أشد خلاف بين البشر هو الخلاف على الولاية ، أو العلوم في الأرض(١) ، وقال لي : إنّ المسلمين مجمعون على أنّ من صحّت أصوله يتّبع في فروعه ، أنّ الخلاف بين الزيدية والجعفرية أهمّه في الإمامة ، فالجعفرية تقول : إنّ الأئمة اثنا عشر إماماً ، فقلت : وما دليلهم؟

قال : الحديث الموجود في كتب الزيدية ، والسنّة ، وإجماع الجعفرية ، فقلت : ائتني بمصدر واحد يذكر ذلك ، فقال : بل آتيك بمصادر لا مصدر واحد ، فأتى بصحيحي البخاري ومسلم وغيرها من الصحاح الستة ، وعندما قرأتها تحيّرت ، فلأوّل مرّة أعرف أنّ هذا الحديث موجود في صحاح أهل السنّة ، لكنّي كابرت في البداية وقلت : أريد مصادر زيدية لا حاجة لي بمصادر أهل السنّة ، وما كان منه إلّا أنّ أتى بكتب أئمة الزيدية وكبار علمائهم ، مثل التحف شرح الزلف ، ولوامع الأنوار ، وسير بعض أئمة الزيدية ، وكتاب الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية ، والشافي ، والبحر الزخار ، وتحرير الأفكار ، وغيرها.

عندها صممت أنّ لا أقبل شيئاً من المذاهب إلّا بدليل ، فبدأت بمذهب أهل السنّة وإذا به ينهار في أيام قليلة ؛ لأنّ الروايات ثابتة في كتبهم بولاية أهل البيتعليهم‌السلام ، والتناقض الكبير في ولاية غيرهم ، فلم أجد ما أتمسّك به من مذهبهم ، فانتقلت للزيدية فوجدتها تدرّس الناس وتبلّغهم عن أهل البيت بشيء

__________________

١ ـ لقد شرح لي تفصيلاً مقنعاً حول الولاية ، وهو شرح مفصّل ذكره بالتفصيل في كتابه بنور القرآن اهتديت ، وقد طبع ، فراجع.

١٤

ليس له تطبيق في الواقع(١) ، طبعاً فترة البحث والحيرة استمرت لمدّة ثلاث سنوات ، حتّى وصلت إلى النتيجة المقنعة ، ثمّ ـ بحمد الله ـ صرّحت بالحقّ وأعلنته ، وأكثر ما دعاني للشك والبحث هي الإمامة والولاية ؛ لأنّ الروايات عند الزيدية ثابتة بوجوب إمام لكلّ عصر ، والقول بأنّ أهل البيتعليهم‌السلام هم الأمان والسفينة و ، فإنّ الزيدية تؤمن بها وتعتقدها وتحتجّ بها على أهل السنّة ، ولكن عندما فكّرت في تطبيقها وجدت أنّه لا يمكن انطباقها إلّا على أناس معصومين ، وهذا ما جعلني أُصمم على البحث والمناقشة وتذكّرت الأسئلة وحيرتي في جوابها ، فبدأت أطرح تلك الأسئلة على نفسي ومع الكتب.

وخلال عدّة مرّات وأنا أذهب إلى اليمن ، التقيت بأستاذي وخالي ووالدي ، وحاولت أنّ أستفيد منهم إلّا أنّهم كانوا يتعصّبون ، وخفت أنّ يتهمونني بأنّني جعفرية ، فسكت ، وسألت الأستاذ : لماذا لم تناقش السيّد ( زوجي ) وقد أتى يناقشك؟ فقال : قولي له يأتي أُناقشه وأنت حكم بيننا. ولكن للأسف كان يوم الغد هو يوم سفرنا إلى إيران ، فتمنّيت لو كنت طرحت له الموضوع قبل ذلك ، ومن ثمّ سالته بعض الأسئلة حول الجعفرية ، وللأسف لم يجبني إجابات علمية ، فسكت ؛ لأنّ الوقت كان ضيقاً فقد كنّا على وشك سفر ، والأخوات اللواتي جئن معي لزيارته كنّ في عجلة من أمرهن ، فذهبنا من دون نتيجة ، إلّا أنّني واصلت بحثي مع كتب أئمة الزيدية المخطوطة.

وكان لي بعض التساؤلات والمناقشات مع بعض الأخوات المثقفات ، فذات يوم قلت لإحدى صديقاتي وزميلاتي التي قامت بالتدريس بعدي : يا أختي

__________________

١ ـ راجع إثبات ذلك في كتابي ( ( وعرفت من هم أهل البيتعليهم‌السلام ) ).

١٥

أنصحك أنّ لا ترهقي نفسك بتدريس النحو والتجويد ونحوها من الدروس ، تريدين بهذا مداراة وجذب الطالبات لكي يدخلن في المذهب ، ولكن من لم تكن مخلصة سوف تتعلّم ، ثمّ تصبح وهابية ، بل يجب عليك أنّ تدرّسي العقائد والأحكام بأدلّتها وبالنقاش العلمي ، لكي تكون لديهنّ خبرة عن المذهب الزيدي وبالمذاهب الأُخرى.

فقالت لي : يا أختي نحن الزيدية ليس عندنا عقائد ولا أحكام ، وإنّما نأخذ ديننا من هنا وهناك.

قالت هذا وهي تبدو جادّة في كلامها ، وكأنّها تشكي لي نقطة ضعف تعاني منها ، فسكتُ ولم أجبها ؛ لأنّها قالت : ما كنت أتوقّع أن تجيبني به بصفتي صديقة وهي لم تشك في مخالفتي لها في العقيدة ، فزادتني حيرة إلى حيرتي.

وأنا الآن أقول لها بصفتها من يهمّها أمري أنّ تُفكّر جيّداً لوجه الله فلعلّها تهدي نفسها ومن تحب إلى طريق يرفع لها كلّ الإشكالات ، وتجد فيه كلّ الحلول إن شاء الله تعالى ، فما هي للمذهب الزيدي أشدّ منّي حبّاً وتمسّكاً ، ولكن عندما وجدت من ينبّهني بدأت أشك ، فبدأت أبحث ، فوصلت إلى اليقين.

وأنا الآن أُحمّل كلّ قُرّاء كتابي هذا ، أمانة البحث ليثبت على يقين ، أو يتحوّل إلى اليقين.

وفي الليل سألت والدتها عن الإمام في هذا العصر ، إذ إنّ كلّ الروايات تقول : إنّه لابدّ من إمام ، ومن لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وأنّ الإمام هو الحجّة والأمان لأهل الأرض و

فقالت : سيّدي مجد الدين المؤيدي هو حجّة العصر.

فقلت لها : ولكنّه لم يدع إلى نفسه ، إذ من شروط الإمام عند الزيدية هو

١٦

الدعوة والقيام.

فقالت : إنّه قد دعى إلى نفسه في عصر آل حميد الدين قبل الثورة في اليمن.

فسكت وبقيت أفكّر كيف يدعو إلى نفسه في زمن إمامة الإمام يحيى أو الإمام أحمد حميد الدين؟! الذين هم أئمة الزيدية ، وذكرهم مجد الدين في كتابه ( التحف ) ، ولا يجوز له أنّ يدعو إلى نفسه في هذه الحالة ، كما ذكر السيّد مجد الدين المؤيدي نفسه في كتابه التحف : أنّه إذا دعى إمام إلى نفسه في وجود إمام آخر قتل المتأخر منهما. وفي مكان آخر : فإنّه ملعون(١) .

وهنّ عندما يقرأن كلامي هذا لن يكذّبنه ؛ لأنّه حقيقة واضحة ، وإن شاء الله يكون فاتحة خير لهن بالبحث والوصول للحقّ.

وأذكر مرّة في صنعاء دعينا للغداء من قبل أحد علماء الزيدية الكبار ، وكان من خلف الباب يوصيني أنّ لا أتأثّر بالجعفرية.

فقلت له : ما هو عيبهم؟

قال : والله إنّهم أحسن من الزيدية في كلّ شيء إلّا أنّهم يقولون : يا حسين ، ويا علي ، ويا فلان ، وهذا شرك.

فأجابه السيّد : أنّهم يعتقدون أنّ عليّاً ، أو الحسين ، أو حتّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا حول لهم ولا قوّة إلّا بإذن الله ، وإنّما هم يتوسّلون بهم إلى الله ، ولا تجد جعفري يقول : إنّ أهل البيت لهم حول بدون إذن الله ، ومن قال بهذا فهو مشرك بالله.

فقال : هذا جيّد ، ثمّ ذهب ولم يقل شيئاً.

ثمّ سافرنا إلى إيران ، واستمريت في البحث في الكتب ، ولم أستفد من

__________________

١ ـ التحف : ٣٠٩.

١٧

شخصيات علمية في اليمن ، وقد كنت أظن أنّها ستفيدني في البحث والنقاش ، ولم تحن الفرصة إلّا لبضعة تساؤلات لم تجد لها جواباً مقنعاً ، والتساؤلات والبحث والتحقيق والمقارنة بين كلّ حديث وآخر استمر سنوات عبر الكتب المعتبرة عند الزيدية ، حتّى أعلنت لزوجي حقيقة مذهبي وإيماني به ، رغم أنّه لم يشدّد عليّ ، بل كان يقول لي : إن كان عندك ما يفيدني فسأكون لك شاكراً ، لكنّي صرت في حرب مع نفسي ؛ إذ إنّني لم أجد ما أفيد به نفسي ، فصممت على التصريح بالحقّ ، ولا أخاف في الله لومة لائم ، رغم خوفي الشديد من والدي الكريم ـ حفظه الله ـ الذي أكنّ له الاحترام والتقدير ، وهو يحترمني فوق ما استحق بكثير ، ولي في قلبه مكانة عالية ولله الحمد ، وهذا يعود إلى أنّي أحترم رأيه ، وأهتم بالجانب الديني ، وكنت أعمل بحركة وجدّية ، وهو يشجّعني ، كثيراً فوق ما استحق ولله الحمد.

وأيضاً كنت أفكّر في والدتي وبقية الأقارب والصديقات والزميلات وطالباتي الذين طالما حدّثتهم عن الزيدية ولو أنّي ما كنت أُناقش المسائل مناقشة علمية ، وإنّما كانت أطروحات ، من قبيل : أنّ عقيدتنا هي الحقّ لوجود الأحاديث الواردة في وجوب التمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن من دون تطبيق الأحاديث أو مطابقتها على مصاديقها.

ومن قبيل : أنّ الوهابية مجسّمة ومجـبّرة و

لقد فكّرت في هؤلاء جميعاً ماذا سيقولون عنّي؟ ولكن قلت لنفسي : إن كنت أنتقد الوهابية وغيرهم من أهل السنّة ؛ إذ لم يتّبعوا الحقّ ويبحثوا عنه ، فها أنا أرى الحقّ ولكنّي أخشى الناس ، وتذكّرت الآية الكريمة :( وَتَخْشَى النَّاسَ

١٨

وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) (١) نعم ، لابدّ أنّ أعلن الحقّ ولا أخشى إلّا الله تعالى ، ولعلّ الله يهديهم ، فيصلوا للحقّ كما وصلت إليه ، وكاتم الحق شيطان أخرس.

نعم ، قد يقال : إنّ في كلّ مذهب نقاط ضعف لو جمعت لوجدت كثيرة ، والجواب : نعم ، هذا صحيح ، ولكن الفرق بين المذهب الشيعي الإمامي وغيره : أنّ الإمامية لا يختلفون في عدد الأئمة ، والقول بعصمتهم ، ووجوب امتثال أمرهم ، ولا يختلف أئمتهم في رأي أبداً ، فإذا وُجدَتْ روايتان مختلفتان فحتماً هناك مشكلة في السند أو في الدلالة أنّهمعليهم‌السلام اختلفوا بالفعل ، وأمّا ما يحصل من اختلاف بين مراجع الشيعة فهو بسبب أنّ أحدهم مثلاً يرى أنّ الحديث يدلّ على مفهوم معـيّن ، والآخر يراه يدلّ على غير ذلك المفهوم ، أو تثبت لأحدهم رواية ، والآخر لم تثبت له تلك الرّواية عن المعصوم ، وأمّا إذا ثبتت فلا يخالفها المرجع أبداً ؛ لأنّه مجتهد في الروايات عن المعصوم ، وليس مجتهداً برأيه مقابل رأي المعصوم ؛ لأنّهم لا يعتقدون أنّ الإمامعليه‌السلام مجتهد يخطأ ويصيب ، إنّما هم سفينة النجاة وباب علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله و

وأمّا باقي المذاهب الأخرى التي ترى عدالة الصحابة جميعاً فالاختلاف بين نفس الصحابة وليس فقط بين علمائهم ، فالفرق كبير وشاسع بينهم.

__________________

١ ـ الأحزاب (٣٣) : ٣٧.

١٩

المقدّمة

الحمد لله الذي جعلنا من أمّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهدانا بالرجوع إلى أُمنائه المعصومين ، وأُصلّي وأُسلّم عليهم ما دامت الدنيا باقية ببقائهم وثابتة بوجودهم.

وبعد ، يسرّني في هذا البحث المتواضع أنّ أكتب عن الإمامة الخاصّة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وأُ ثبت ذلك من الكتاب والسنّة ، مخاطبة بذلك المنصفين الذين يشهدون بالحقّ ولو على أنفسهم والأقربين ، وبما أنّني في كتابي ( وعرفت من هم أهل البيتعليهم‌السلام ) كان أكثر خطابي للزيدية ، وإثبات حقيقة المذهب الجعفري ، وإثبات الإمامة في اثنى عشر خليفة من مصادرهم الموثوقة ، فقد جعلت خطابي في هذا الكتاب لمن يُسمّون بأهل السنّة ، أو من هو حيران لا يدري إلى من ينتمي ، أو من هو جاهل لا يعرف التشيع إلّا من لسان أعدائه أو مخالفيه لسبب ما.

نعم ، أنا لا أدّعي أنّني جئت بما لم يجئ به من قبلي ، فقد كتب العلماء والمحقّقون والفضلاء الشيعة من شيخنا المفيد إلى شيخنا الأميني إلى شيخنا الكوراني إلى غيرهم ، ممن كتبوا الكثير حول الولاية ، وأثبتوها بالنصوص القاطعة ، إلّا أنّ ما دفعني لكتابة هذا البحث عدّة أسباب ، منها : أنّني أعرف أخاطب مربيّات الأجيال ومخرّجات الرجال بطريقتهنّ الخاصّة ، ولأنّي قد وُجّهَت إليّ بعض الأسئلة ممن قد لمست منهنّ البراءة وصدق السؤال ، لهذا

٢٠

لخّصت حواري معهنّ حول ماقد دار بيننا ، وماهو محور النقاش الذي أُواجهه في أكثر من مكان ، ومع أكثر من أخت ، ولم تسمح الظروف بالجواب الكافي مع مصدره ، والآن وبحمد الله تعالى تيسّرت الظروف بأن أكتب هذا البحث المتواضع علّه يكون فاتحة خير لنا بالثواب ولهنّ بالهداية ، ومضمون كلامي في هذا البحث لهنّ ولكلّ منصف هو الآتي :

1 ـ جواب على ما رأيته من تساؤلات بعض العيون الحائرة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفرق والأحزاب :( كلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (1) تلك العيون الحائرة الباحثة عن الحق لاتدري أين هو؟! ولو عرفته لاتّبعته ، وليس المتعصبة عن جهل أوعن علم فهي تدري بالحق ولكن تحرّفه على هواها كما فعله من كان قبلهم :( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) (2) .

نعم ، فقد قرأت البراء ة والحيرة في عيون كثيرة ، وواجهت الكثير من الأسئلة البريئة التي لم تحن الفرصة للوفاء بحقّها ، فأنا هنا أردت أنّ أُبيّن لهم أسباب تعدد الفرق والأحزاب(3) وأُبيّن الفرقة الناجية من بينها ، وأثبت ذلك بالعقل والنقل ـ إن شاء تعالى ـ علماً أنّ بحثي كلّه من الصحاح والمسانيد والكتب السنيّة المعتبرة ، ولا يعني أنّ كتبهم معتبرة عندنا ، إنّما نحاججهم بما

__________________

1 ـ الروم (30) : 32.

2 ـ النساء (4) : 46.

3 ـ لمزيد من التوضيح حول مسألة الخلاف بين البشر راجع كتاب ( بنور القرآن اهتديت ) للسيّد يحيى طالب مشاري. فقد كان التركيز على هذه المسألة أهمّ عامل في استبصاري.

٢١

يعتبروه هم صحيح.

2 ـ جواب لكلّ منصف حيران لا يدري أين الحق هل هو مع السنّة أم هو مع الشيعة؟ فأنا في هذا البحث وضعت أصبعي على نقطة الخلاف ، وهي الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام فإنّ ثبتت ثبت مذهب أتباعهم ( الشيعة ) ، وإن لم تثبت فالحقّ مع غيرهم ، ولكن سنثبت إن شاء الله تعالى من الكتاب والسنّة أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك أُمّته على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها ، ولم يذهب عن الدنيا إلّا بعد الوصيّة الصريحة بخلافة أهل بيتهعليهم‌السلام في أُمّته ، وجعلهم الفرقة الناجية ، المنجية كما سنبيّن ذلك إن شاء الله تعالى.

3 ـ وأُثبت من الكتاب والسنة أنّ الشيعة ليسو مغالين كما يزعم البعض بأنّهم هم أتباع أهل البيت وأنّ الشيعة مغالون! بل إنّ ما تعتقده الشيعة في أهل البيتعليهم‌السلام وارد فيهم حقّاً ، وأنّ المغالي ماهو إلّا من قال فيهم مالا يستحقّون ، والشيعة تكفّر الغلاة وتتبراء منهم ، أمّا من قال واعتقد في أهل البيتعليهم‌السلام بماجاء به القرآن الكريم والسنّة الصحيحة فهو متبّع ومسلّم للسنّة النبوية وللأمر الإلهي ، ونحن نسرد أدلّتنا على وجوب الولاية من الصحاح والمسانيد ، ونقول : أتلوا كتبكم لعلّكم تهتدون.

4 ـ وأُثبت بالدليل أنّ الفرق والأحزاب الموجودة الآن ما هي إلّا نتيجة السقيفة ، وتدبير من خالفوا النصّ الواضح الصريح في الأمر الإلهي بالولاية لأهل البيتعليهم‌السلام ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا

٢٢

بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين) (1) واجتهدوا في دين الله بالهوى ، وغلبهم حبّ السلطة والتسلّط في الأرض ، فكان نتيجة ذلك تعدد الفرق والمذاهب والأحزاب إلى يومنا هذا ، وقد اعترف بذلك الصحابة والتابعين وتابعيهم ، فالحقّ يظهر مهما سعى الأعداء في إخفائه ، فإنّ الله يظهره على ألسنتهم ليكون حجّة عليهم ، كما قال تعالى لأهل الكتاب :( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (2) .

ولكنهم يحرفونه حسب أهوائهم والله تعالى يخاطبهم بأن يقرأوا كتبهم لتشهد عليهم( قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (3) .

ويدّعون أشياء كاذبة بدون دليل فيقول لهم المولى عزّ وجلّ :( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (4) .

والشيعة دائماً تقول لمن يفترون عليهم : هاتوا صحاحكم ، هاتوا مسانيدكم وكتبكم المعتبرة لديكم لنرى من الصادق في مدّعاه؟! فإنّ صحاحكم تثبت صدق مدّعانا.

ولكن كما لجأ أهل الكتاب إلى تحريف كتبهم فكذلك حصل للطبعات الأخيرة من الصحاح والمسانيد وغيرها ، ولكن بقي رغم كلّ جهد بُذل في

__________________

1 ـ المائدة (5) : 67.

2 ـ البقرة (2) : 89.

3 ـ آل عمران (2) : 93.

4 ـ البقرة (2) : 111.

٢٣

إخفاء الحقيقة مع مرور الأزمان وتعدد الأيدي والأهداف ما يثبت مدّعانا ، ونحن نطلب النقاش العلمي لعلّ الله يهدي بأيدينا بعضاً من تلك العيون المتحيّرة والقلوب الصافية المنصفة ، ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أنّ يكون لك حمر النعم )(1) .

5 ـ وبيّنت أنّ الولاية صمّام الأمان في كلّ مجتمع ، ولسبب جهلها أو سوء الاستفادة منها وجدنا مجتمعاتنا تزرع ولا تجني الثمر ، وفي فشل مستمر كما بيّن ذلك علماء السياسة والتأريخ.

6 ـ وبيّنت أنّ الفرق والأحزاب قد ظهرت في المجتمع الإسلامي بعد رحيل مؤسس الدولة الإسلامية وواضع منهجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسبب هو عدم التزام الناس بالقيادة العلياً المنصوبة من قبل الله تعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي )(2) ، وأنّ سبب كلّ هذه الحيرة والضباب والتفرق ما هو إلّا نتيجة السقيفة ، ثمّ المناهج الأموية ، ثمّ العباسية ، ثمّ تداول الأيدي الحليفة لها أو اللامبالية في دينها ، حتّى وصل الأمر إلى أنّ الطالب العربي أو المسلم في الدول الإسلامية ـ باستثناء إيران الإسلامية الشيعية أو من درس في المعاهد الشيعية الخاصّة ـ يكمل الجامعة وهو يعتقد أنّ خولة بنت الأزور بطلة النساء ، ولا يعرف عن بطلة كربلاء شيئاً!! وأنّ عائشة أفضل النساء وأحبّهنّ إلى قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يعرف عن قرّة عين

__________________

1 ـ صحيح البخاري 4 : 207 ، كتاب فضائل أصحاب النبي ، باب مناقب علي بن أبي طالب.

2 ـ المصنّف 7 : 418 ، كتاب الفضائل ، حديث41.

٢٤

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبضعته إلّا اليسير!!

وأنّ أبا بكر أفضل الصحابة ، ولا يعرف عن نفس الرسول وحبيبه ووصيّه إلّا اليسير!!

وأنّ خالد بن الوليد هو البطل الضرغام ، وصلاح الدين الأيوبي الفاتح الناصح ، ولا يعرف عن بطل كربلاء شيئاً!!

وأنّ معاوية حليم العرب وعمرو بن العاص داهيتهم ، ولا يعرف عن حليم آل البيت شيئاً!!

وهذا ما أنا متأكّدة منه في مناهجنا الدراسية الأكاديمية ، ولا يعرف الحقيقة إلّا من درس في المعاهد الدينية الشيعية ، أو ذهب إلى إيران الإسلامية ، أو من قرأ كتب الشيعة وتابع علماءهم ولو عبر الفضائيات ونحوها ، وأنا في هذا البحث أُثبت بالعقل والنقل أنّ في مناهجنا الدراسية الكثير من الظلم لأهل بيت النبوّةصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتمان فضلهم ، ونشر فضل أعدائهم.

وأنصح كلّ مؤمن منصف يخاف أنّ يظلم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهله أنّ يقرأ هذا البحث وغيره ، ممن بحث هذه المسألة بانصاف حتّى يعرف الحق وأهله ويتّبعه ، ويعلن أمام الورى ظلم الأمّة لأهل بيت نبيها صلوات الله عليهم أجمعين.

7 ـ بيّنت أنّ ماعند الفرق الإسلامية من بضاعة في موضوع الإمامة أو الخلافة إلى وقتنا الحاضر يؤكّد أنّ أهل السنّة يخلطون بيّن الإمامة والحكم ، وأنّهم استخدموا اصطلاح الإمامة حيناّ والخلافة حيناً آخر للتعبير عن معنى واحد هو رئاسة الدولة ، لكننا لا نقف على شيء من هذا الخلط عند الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً ، فكلّما اطّلعت أكثر على عقائدهم كلّما اطمأننت أنّ الحقّ معهم ، وأنّهم سفينة النجاة وأمان لأهل الأرض ، وأنّ تفرّق وتشعّب الفرق المخالفة للشيعة

٢٥

سببه الحكومات التي حكمتنا باسم الإسلام ، وسياسة مبرمجة لإبقاء هذا الجمهور معصوب العينين ، حتّى لا يفهم شيئاً عن حقائقهم المخزية ، ولكن لابدّ من يوم أنّ تظهر فيه الحقيقة ، ويتولّى الحقّ أهله ،( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (1) .

8 ـ ذكرت بعض القصص الواقعيّة والحوارات الحديثة كشاهد حي يصدقه من شهده ، ويحسّ بصدقه من قرأه ؛ لأنّه حقيقة معاشه وملموسه في واقعنا المعاصر.

9 ـ من خلال بحثي لما جاء من الأدلّة لإثبات وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّته باتباع أهل بيتهعليهم‌السلام مطلقاً أجبنا على بعض الشبهات والتحريفات حول فضائل أهل البيتعليهم‌السلام التي حاول البعض أنّ يحرّفها أو يسرقها لغيرهم أو يكذّبها ؛ لأنّها تدلّ على إمامتهم ، ووجوب موالاتهم ، وأنّه لا يخلو زمن منهم.

ومن هنا رأيت أنّ أدع هذا الكتاب يجد طريقه إلى المنصفين علّه يكون بداية وفاتحة خير ، وجواب لتلك الأسئلة والحائرة التي قرأتها في تلك العيون المتحيّرة ، ووحدة إسلامية تحت ظل ولي أمرهم ، ومن الله تعالى نستمد السداد والتوفيق.

المؤلّفة

حسينة حسن الدريب

__________________

1 ـ الأنبياء (21) : 105.

٢٦
٢٧

تمهيد

هل يصدّق عاقل أنّ الصحابة قد أحسّوا بأهميّة إدارة الأُمّة فأجمعوا فشكّلوا اجتماع السقيفة لاختيار مدير لها ، وأدركوا الحاجة إلى الدولة والنظام ، ولم يدرك ذلك الله ورسوله؟! ـ معاذ الله ـ وهو الذي بلّغ الحجّة على أنّ النعمة قد تمّت ، وأنّ الدين قد اكتمل :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينا ) (1) وأنّه مابقي شيء مما يهم الإنسانية في أمور دينها ودنياها إلّا في كتابه العزيز :( ومَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) (2) .

بل نقول : إنّ القيادة هي أهم أمر شدّد عليه الإسلام ، وكرّره الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في أكثر من موقف ابتداءً بحديث الدار عند نزول آية الإنذار وحتّى حديث الغدير ، بل حتّى أنّ طلب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ يؤتى بدواة وقرطاس يكتب لأُمّته كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً ، وهذا الكتاب الذي أراد أنّ يكتبه ويبيّنه هو مفاد حديث الثقلين المشهور والمتواتر بأنّ أهل البيت والقرآن لا يضلّ من تمسك بهما أبداً ، والوصيّة لأهل البيتعليهم‌السلام حتّى آخر الحجج المهدي المنتظر ( عجل الله فرجه ).

لشدّة أهميّة الخلافة الإسلامية ، والقيادة الحكيمة ، وضرورة وحدة القيادة جعل بدوره من ينوب عنه في غيبته لكي لا يسود الهرج والمرج في الأُمّة ، فصدر

__________________

1 ـ المائدة (5) : 3.

2 ـ الأنعام (6) : 39.

٢٨

التوقيع من الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) ، والذي يقول فيه : ( وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم )(1) فهم سلام الله عليهم يهتمّون بأمر القيادة اهتماماً كبيراً لأنّ وحدة القيادة حتمية عقلاً ونقلاً.

بل إنّ الخلفاء أنفسهم أوصى بعضهم لبعض ، كما يقولون إنّ أبا بكر أوصى لعمر ، وعمر أوصى لستة ـ بغضّ النظر عن التخبّط الكبير في موضوع الخلافة ، وهل كانت شورى أو بالنصب ـ بحجّة أنّ القائد الكفوء لابدّ من تعيينه من قبل أهل الخبرة ، فنحن نرى أنّ الله تعالى هو الخبير البصير أخبر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن القادة على أُمّته وهم أهل بيته ، وأهل بيته اختاروا من ينوب عنهم في الغيبة الكبرى ؛ لأنّ القيادة لابدّ أنّ تكون بأمر الله تعالى وبأمر من أمر الله بطاعته وقيادته.

بل حتّى ابن تيميّة اعتبر الولاية من أعظم واجبات الدين فقد قال : ( إنّ ولاية أمر الناس أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين إلّا بها ، فإنّ بني آدم لا تتم مصالحهم إلّا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى البعض ، ولابدّ لهم عند الاجتماع من رأس ، حتّى قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم فالواجب اتّخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرّب بها إلى الله ، فإنّ التقرّب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات )(2) .

ولكن لا فرق عنده بين الرئيس وحاكم الجور ، وبين الأئمة الذين أمرنا الله

__________________

1 ـ كمال الدين وتمام النعمة : 484 ، الباب 45 في ذكر التوقيعات.

2 ـ السياسة الشرعية : 165 ـ 166.

٢٩

تعالى بطاعتهم ، وبين القيادة العامّة ، فتأريخنا ينبغي أنّ نحلله وفق مبادئ الإسلام نفسه ، وقواعده التي وضعها ، ونفرّق بين الحكّام الذين أخذوا الحكم بالسيف والجور ، وبين من نصبهم الله تعالى أماناً للأُمّة من الاختلاف والهلاك ، ونخرّب ما بنته أيدي الحكّام الظلمة ، ثمّ تداولته عقول مغفّلة في زمن الحكم المخالف لسفينة النجاة.

والآن ونحن في زمن الغيبة الكبرى ، وتحت ظلّ الثورة الإسلامية الإيرانية حفظها الله تعالى التي قام بها الشعب الإيراني المسلم البطل بقيادة إمام المسلمين ومكسّر أصنام المستعمرين سماحة آية الله العظمى الإمام المجاهد السيّد روح الله الموسوي الخميني ( قدس سره ) ـ يتمتع المسلم الشيعي بإبداء رأيه ، وأفكاره ، وعقيدته ، ومناقشة أبناء المذاهب والأديان الأُخرى بعدما كانوا يضطرّون للتقيّة في أكثر العصور ، فهذه الحكومة الإسلامية التي حققها هذا الشعب البطل ، وبها ثبت أنّ الإسلام قادر على إدارة البلاد والعباد في هذا الزمن الذي يدعوا فيه أعداء الدين إلى فصل الدين عن السياسة.

فإيران الإسلامية تمثّل أعظم دولة في السياسة والعدل ، بل الديمقراطية والحرية في إطار الإسلام ، وإعطاء كلّ ذي حق حقّه عملاً وتطبيقاً لا شعاراً برّاقاً ، وطبّقت ولاية الفقية ، وأخرجتها من دفّات الكتب ، إذ في تأريخ الفكر الشيعي فكرة ولاية الفقيه ثابتة ، لكنها في دفّات الكتب فقط ؛ لأنّها نادت بذلك وهي خارج السلطة ، أمّا الإمام الخميني ( قدس سره ) فقد أثمرت فكرته ؛ لأنّه تمكّن من إقامة نظام جديد ، أمسك فيه بعنان الحكم ، ومن ثمّ اكتسبت أفكاره قوّة من قوّة الحاكم المسلم الشيعي الذي ينهج نهج أمير المؤمنينعليه‌السلام

وولاية الفقيه تعني أنّ الفقيه المجتهد الجامع للشروط نائب الإمام المعصوم

٣٠

في حال غيبته ، وهو الحاكم والرئيس المطلق(1) .

له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكم بين الناس ، وإنّ ما اتّفق عليه علماء الطائفة الحقّة ، وأثبتوه بالأدلّة والبراهين أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، من إمام ظاهر معلوم أو باطن مستور ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ، ولو خليت الأرض لساخت بأهلها ، ولأصبح أعاليها أسافلها ، فصلاحها من الله تعالى بالإمام ، ولو لم يبق في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة كما في الأخبار(2) ، ولذلك انتجب المولى تعالى بحكمته أنبياءه ورسله ، واختارهم أُمناء على وحيه ، وقواماً على خلقه ، وشهداء يوم حشره ،( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (3) بالحجج والآيات ، حتّى خاتمهم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد الكائنات.

ولما كانت نبوّات الأنبياء السابقين مختصّة بأزمانهم وأجيالهم ، اقتضت الحكمة أنّ تكون معاجزهم محدودة الأجل ، لتكون حجّة على من رآها ، وحجّة على من سمع بها بالتواتر ، ولابدّ للرسالة الخالدة أيضاً من حجّة خالد ة إلى يوم يبعثون ، ليسير الثقلان جنباً لجنب ، وهذا ما جاء في حديث الثقلين المتواتر ؛ لأنّ أمد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأجله معلوم ، فترك في أُمّته ثقلين ليكونا للأُمّة أمانين من الاختلاف ، الثقل الأوّل ، القرآن الكريم ، وهو حمّال ذو وجوه( مِنْهُ آيَاتٌ

__________________

1 ـ راجع عقائد الإمامية للشيخ العلاّمة محمّد رضا المظفر : 22 ، تحت عنوان ( عقيدتنا في المجتهد ) ، وغيره من كتب الشيعة التي بحثت ولاية الفقيه مفصّلة.

2 ـ كمال الدين وتمام النعمة : الباب 21 و22.

3 ـ البقرة (2) : 143.

٣١

مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) (1) ، والثقل الثاني : هم عترته ، ومن عندهم علم الكتاب.

ولكن البعض لم يقبلوا بالثقل الثاني فنشأت الخلافات ، وبرز الشقاق فاستغلّها أهل الفسوق والنفاق ، في فتن دامسة ، فتركوا الناس فيها تائهون حائرون ، فلو تمسّكوا بالثقل الثاني ، لركبوا سفينة النجاة ، ولأمنوا من دمس الجهل واختلاف الرأي ؛ لأنّهمعليهم‌السلام سفينة النجاة من الغرق في بحر الاختلاف.

ونحن في هذا البحث نثبت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصبهم أولياء للناس ، ووصفهم بقرناء القرآن ، وسفينة النجاة ، وأمان أهل الأرض وغيرها من الأوصاف ، ولنا أدلّة كثيرة على ذلك من القرآن الكريم والسنّة الصحيحة.

__________________

1 ـ آل عمران (3) : 7.

٣٢
٣٣

الدليل الأوّل : حديث الدار وآية الإنذار

قال الله تعالى لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ) (1) .

إنّ هذا دليل نقلي صحيح متواتر عند نقلة التأريخ والأثر ، حيث إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أوصى إلى علي في مبدأ الدعوة الإسلامية ، حين أنزل الله سبحانه :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ) ولم يزل بعد ذلك يكرر وصيّته إليه ، ويؤكّدها المرّة بعد المرّة ، حتّى قوله صلّى الله عليه وآله : ( ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ) ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله ، فقال لهم : ( قوموا عنّي )(2) فاكتفى بعهوده اللفظية التي سوف نسردها من كتب التأريخ والحديث والتفسير السنيّة نصّاً صريحاً يصدّق بعضه بعضاً ويشد أزر بعضه بعضاً كالقرآن الكريم يردّ متشابهه لمحكمه ، فيفهمه من أراد فهمه ، ويبقى من في قلبه مرض يتخبّط في لجاجته وعناده.

نصّ ماجاء في السيرة النبوية لابن كثير :

وقال الحافظ أبو بكر البيهقى في الدلائل : ( أخبرنا ) محمّد بن عبد الحافظ ، حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار ، حدّثنا يونس بن بكير ، عن محمّد بن إسحاق ، قال : فحدّثني من سمع عبد الله بن الحارث بن

__________________

1 ـ الشعراء (26) : 214.

2 ـ سوف نورد النص والمصدر في الصفحات التالية إن شاء الله تعالى.

٣٤

نوفل ، واستكتمني اسمه ، عن ابن عباس ، عن على بن أبى طالب ، قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ) ،( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين ) .

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( عرفت أنّي إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره ، فصمت. فجاءني جبريلعليه‌السلام فقال : يا محمّد إن لم تفعل ما أمرك به ربّك عذّبك بالنار ).

قال : فدعاني فقال : ( يا علي إنّ الله قد أمرني أنّ أنذر عشيرتي الأقربين ، فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام ، وأعدّ لنا عس لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب. ففعلت ، فاجتمعوا له يومئذ ، وهم أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب الكافر الخبيث. فقدّمت إليهم تلك الجفنة ، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم منها حذية فشقّها بأسنانه ، ثمّ رمى بها في نواحيها وقال : ( كلوا بسم الله ).

فأكل القوم حتّى نهلوا عنه ، ما نرى إلّا آثار أصابعهم ، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها. ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( اسقهم يا علي ) ، فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتّى نهلوا جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ يكلّمهم بدره أبو لهب لعنه الله فقال : لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّقوا ، ولم يكلّمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

فلمّا كان من الغد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( عد لنا مثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب ، فإنّ هذا الرجل قد بدر إلى ما سمعت قبل أنّ أكلّم القوم ).

٣٥

ففعلت ، ثمّ جمعتهم له ، وصنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كما صنع بالأمس ، فأكلوا حتّى نهلوا منه ، وأيّم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها. ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( اسقهم يا علي ) ، فجئت بذلك القعب ، فشربوا منه حتّى نهلوا جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله أنّ يكلّمهم ، بدره أبو لهب لعنه الله إلى الكلام فقال : لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّقوا ، ولم يكلّمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

فلمّا كان من الغد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( يا علي عد لنا بمثل الذى كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب ، فإنّ هذا الرجل قد بدرني إلى ما سمعت قبل أنّ أكلّم القوم ). ففعلت ، ثمّ جمعتهم له ، فصنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كما صنع بالأمس ، فأكلوا حتّى نهلوا عنه ، ثمّ سقيتهم من ذلك القعب حتّى نهلوا ، وأيّم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها وليشرب مثلها. ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شابّاً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ).

هكذا رواه البيهقي من طريق يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، عن شيخ أبهم اسمه ، عن عبد الله بن الحارث به.

وقد رواه أبو جعفر بن جرير ، عن محمّد بن حميد الرازي ، عن سلمة بن الفضل الأبرش ، عن محمّد بن إسحاق ، عن عبد الغفار أبو مريم بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن عباس ، عن علي ، فذكر مثله.

وزاد بعد قوله : ( وإنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أنّ يكون أخي وكذا وكذا ).

٣٦

قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت ولأنّي لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأخمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتى فقال : ( إن هذا أخي وكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا ). قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنّ تسمع لابنك وتطيع(1) .

وفـي مسند أحمد ما هذا نصّه :

حدّثنا عبد الله ، ثنا أبي ، ثنا أسود بن عامر ، ثنا شريك عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عباد بن عبد الله الأسدي ، عن علي رضي الله عنه قال : لمّا نزلت هذه الآية( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ) ، قال : ( جمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون ، فأكلوا وشربوا. قال : فقال لهم : من يضمن عني ديني ومواعيدي ، ويكون معي في الجنّة ، ويكون خليفتي في أهلي ، فقال رجل لم يسمّه شريك : يارسول الله أنت كنت بحراً من يقوم بهذا؟ قال : ثمّ قال الآخر : قال : فعرض ذلك على أهل بيته فقال علي رضي الله عنه : أنا )(2) .

ونصّ ماجاء في تاريخ الطبري :

( حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة قال : حدّثني محمّد بن إسحاق ، عن عبد الغفّار بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، عن عبد الله بن عباس ، عن علي بن أبى طالب قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين ) ، دعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لي : يا علي إنّ الله أمرني

__________________

1 ـ السيرة النبوية لابن كثير ، ج 1ص 457.

2 ـ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 111.

٣٧

أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليه حتّى جاءني جبريل فقال : يا محمّد إنّك إلّا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك.

فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رحل شاة ، واملأ لنا عساً من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب حتّى أكلّمهم وأبلّغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ، ثمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب. فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذى صنعت لهم فجئت به ، فلمّا وضعته تناول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حذية من اللحم فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصفحة ، ثمّ قال : ( خذوا بسم الله ). فأكل القوم حتّى مالهم بشيء حاجة ، وما أرى إلّا موضع أيديهم ، وأيّم الله الذي نفس علي بيده ، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم. ثمّ قال : اسق القوم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا منه حتّى رووا منه جميعاً ، وأيّم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلمّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام ، فقال : لهد ما سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم ، ولم يكلّمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : الغد يا علي ، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أنّ أكلّمهم ، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثمّ اجمعهم إليّ.

قال : ففعلت ، ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني بالطعام ، فقرّبته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة ، ثمّ قال : اسقهم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً ثمّ تكلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد

٣٨

جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أنّ أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أنّ يكون أخى ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ، ثمّ قال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب قد أمرك أنّ تسمع لابنك وتطيع.

حدّثنى زكرياء بن يحيى الضرير ، قال : حدّثنا عفان بن مسلم ، قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن عثمان بن المغيرة ، عن أبى صادق ، عن ربيعة بن ناجد ، أنّ رجلاً قال لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمّك دون عمّك؟ فقال علي : هاؤم! ثلاث مرّات ، حتّى اشرأبّ الناس ، ونشروا آذانهم. ثمّ قال : جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو دعا رسول الله ـ بني عبد المطلب منهم رهطه ، كلّهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق ، قال : فصنع لهم مُدّاً من طعام ، فأكلوا حتّى شبعوا ، وبقي الطعام كما هو كأنّه لم يمس. قال : ثمّ دعا بغُمَر فشربوا حتّى رووا ، وبقي الشراب كأنّه لم يمس ولم يشربوا. قال : ثمّ قال : يا بني عبد المطلب ، إنّي بعثت إليكم بخاصّة ، وإلى الناس بعامّة ، وقد رأيتم من هذا الأمر ما قد رأيتم ، فأيّكم يبايعني على أنّ يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه ـ وكنت أصغر القوم ـ قال : فقال : اجلس ، قال : ثمّ قال ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه ، فيقول لي اجلس ، حتّى كان في الثالثة ، فضرب بيده على يدي. قال : فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي )(1) .

__________________

1 ـ تاريخ الطبري : ج 2 ، ص 62 ـ 64.

٣٩

ونصّ ماجاء في نظم درر السمطين :

( وفي رواية فأيّكم يبايعني على أنّ يكون أخي وصاحبي ووليي قال : فلم يقم إليه أحد منهم ، قال علي : فقمت إليه ـ وكنت اصغر القوم ـ فقال : اجلس ، ثمّ قال ذلك ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس ، حتّى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي.

وفي رواية لهم من يؤاخيني ، ويؤازرني ، ويكون وليي وصاحبي ، ويقضي ديني ، فسكت القوم ، وأعاد ذلك ثلاثاً ، كلّ ذلك يسكت القوم ، ويقول علي : أنا ، فضرب يده على يدي فقال : أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أمّر عليك )(1) .

ونصّ ماجاء في كنز العمّال :

( ثمّ تكلّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا؟ فقلت وأنا أحدثهم سنّا وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي فقال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنّ تسمع وتطيع لعلي )(2) .

ولنا ملاحظات نقف معها للتدبّر حول النصوص السابقة ، ليترك القارئ

__________________

1 ـ نظم درر السمطين : 83.

2 ـ كنز العمّال : ج 13 ، ص 128 ـ 133.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383