ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة15%

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة مؤلف:
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 383

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة
  • البداية
  • السابق
  • 383 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74478 / تحميل: 5855
الحجم الحجم الحجم
ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

ولاية أهل البيت عليهم السلام في القرآن والسنّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المنصف مجالاً لفكره وعقله ابتغاء الرؤية المنصفة لرؤية الحق ، والعزم على اتّباعه مهما كلّف ذلك من ثمن.

ملاحظات هامة :

١ ـ عبارة ابن كثير : ( أخى وكذا وكذا ) تدلّ على أنّ هناك كلاماً قد حذف ، فلا يمكن أنّ يقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( كذا وكذا ) وهو في حال تبليغ رسالته السماوية ، ثمّ إنّه قد وردت نصوص ذكرناها تبيّن ماهي العبارة التي قال عنها : ( كذا وكذا ).

٢ ـ عبارة مسند أحمد هي : ( ويكون خليفتي ) ، وهذا لفظ صريح في الخلافة.

٣ ـ عبارة تاريخ الطبري وكنز العمال صرّحت بالخلافة والوصيّة. فلم يعد هناك أيّ غموض إلّا لمن تعامى عن ضوء الشمس فلم يراها رغم شدّة شعاعها ، فليفتح عينيه كلّ من هو منصف حقّاً وليس متعصباً ؛ لأنّه إن تعصّب فهو على الله ورسوله ، وحسابه سيكون عسيراً فليتق الله ، ولا يزكّي إلّا من زكاه الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤ ـ العبارة : ( بم ورثت ابن عمّك دون عمّك ) ، إنّ ابن العم لا يرث مع وجود العم.

٥ ـ نص ما جاء في نظم درر السمطين : ( أنّ يكون أخي وصاحبي ووليي ) لفظ وليي هنا يفسّره حديث الغدير وغيره مما سيأتي إن شاء الله تعالى.

٦ ـ الأمر الصريح بالطاعة المطلقة : ( إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ).

٧ ـ استدلال الأميرعليه‌السلام بهذا الحديث.

٤١

لا أدري هل لم يفهموا لفظ ( خليفتي فيكم فاسمعو له وأطيعوا )؟! فمن لم يفهم فليقرأ اللغة العربية علّه لا يعرف العربيه أو يغسل لبّه أربعين يوماً بالذكر والاستغفار والدعاء عندها ستنكشف الغشاوة عن بصيرته فيبصر مالم يبصره من قبل.

ولا أدري عندما يقول الراوي : ( فلان ) وهو يعرف من هو ألا يخاف أنّ يكون كاتماً للحق ومائلاً للهوى؟‍! ثمّ ألا يدري أنّه سيذكره غيره؟!

كذلك عبارة ( كذا وكذا ) هل الراوي يعرف النصّ ويكتمه؟ ألا يعرف جريمة كاتم الحق؟! بل وصل الحد بهم إلى أنّ البعض ذكره في أحد كتبه ، ثمّ كتمه في آخر ، وذكره آخر في طبعة وحذف من أخرى!! كالطبري الذي يروي هذا الحديث في تاريخه وفيه عبارة : ( الوصي والخليفة ) لكنّه حذفها في تفسيره وأبدلها بعبارة : ( يكون أخي وكذا وكذا )(١) ، وربما كان هذا من النسّاخ للتفسير أو كان من الطبّاعين ، والله العالم.

المهم أنّ هذا الأسلوب لا يصح شرعاً.

وفي كتاب حياة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمحمّد حسنين هيكل ، أورد قصّة الإنذار بالتفصيل ، وقال : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم : ( ...فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر ، وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي )(٢) ، ولكنّه حذفها في الطبعة الثانية(٣) .

__________________

١ ـ تفسير الطبري : ج ١٩ ، ص ١٤٩.

٢ ـ حياة محمّد ، الجزء الخامس ، ص ١٠٤ ، الطبعة الأولى.

٣ ـ حياة محمّد ، الطبعة الثانية والثالثة.

٤٢

وهذا أيضاً يعدّ تصرفاً شنيعاً في النص ، فقد حذف من الحديث جملة : ( ويكون أخي ووصيي وخليفتي ) فكلّ زيادة أو نقصان في النص يعدّ تصرفاً ، فليحكم القارئ العزيز بعقله وضميره وتفكيره بما شاء ، والله من وراءذلك كلّه.

وعليك أيّها الباحث المنصف بقية النقد والتعليق ؛ لأنّي أرى أنّه لا غموض ، وكلّ عاقل يصل بنفسه للنتيجة ، ولا أنسى أنّ أُضيف لك أنّ هناك روايات كثيرة تكررت فيها الوصيّة ، وليس فقط حديث الدار ، وهذا يوصل للنتيجة بشكل أسرع وأنصع ، ومن تلك الروايات :

١ ـ خطبة أبي ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) :

قال : ( أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، أنا جندب بن جنادة الربذي ،( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (١) محمّد الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمّد ، إنّه أشرف شريفهم ، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجرة الزيتونية أضاء زيتها ، وبورك زبدها ، ومحمّد وارث علم آدم وما فضلت به النبيّون ، وعلي بن أبي طالب وصي محمّد ووارث علمه أيّتها الأمّة المتحيّرة بعد نبيّها أما لو قدّمتم من قدّم الله ، وأخّرتم من أخّر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من

__________________

١ ـ آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

٤٣

فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلّا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنّة نبيّه ، فأمّا إذ فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم ( وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون )(١) .

٢ ـ رواية سلمان ( رضي الله عنه ) :

أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن أبي سعيد الخدري عن سلمان قال : ( قلت : يا رسول الله لكلّ نبي وصي ، فمن وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : يا سلمان ، فأسرعت إليه قلت : لبيك ، قال : تعلم من وصي موسى قلت : نعم ، يوشع بن نون قال : لم؟ قلت : لأنّه كان أعلمهم قال : فإنّ وصيي ، وموضع سري ، وخير من أترك بعدي ، وينجز عدتي ، ويقضي ديني علي بن أبي طالب )(٢) .

٣ ـ رواية أنس :

وفي المناقب للخوارزمي ، عن أنس قال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( يا أنس ، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين ، وسيّد المسلمين ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيين ، وقائد الغر المحجّلين. قال أنس : فجاء علي ، فقام إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، مستبشراً فاعتنقه ، وقال له : أنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي )(٣) .

__________________

١ ـ تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ص ١٧١ ، مطبعة دار صادر بيروت.

٢ ـ المعجم الكبير للطبراني : ج ٦ ، ص ٢٢١ ، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت للحسكاني : ج ١ ، ص ٩٨.

٣ ـ المناقب للخوارزمي ص ٨٥.

٤٤

٤ ـ رواية أبي أيوب الأنصاري :

أخرج الطبراني في المعجم الكبير بالإسناد إلى أبي أيوب الأنصاري ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( يا فاطمة ، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ اطلّع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبياً ، ثمّ اطلّع الثانية فاختار بعلك ، فأوحى إليّ ، فأنكحته واتّخذته وصيّاً )(١) .

وقفة تأمّل مع ماجاء في النصوص السابقة :

أ ـ( إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (٢) محمّد الصفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمّد.

ب ـ وعلي بن أبي طالب وصي محمّد ووارث علمه أيّتها الأمّة المتحيرة أما لو قدّمتم من قدّم الله ، وأخّرتم من أخّر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم ، وغيرها من العبارات.

هنا نقف ويقف كلّ عاقل متدبّر نتأمّل في العبارات المشتملة على ألفاظ الوصاية والاصطفاء والوراثة والتقدّم من قبل الله بالولاية والوراثة ، ولفظ بعدي بلا فصل ( وخير من أترك بعدي ) وليس الرابع ، ولفظ ( واتخذته وصيّا ).

وهناك ملاحظات كثيرة ، وأخبار أخرى لم نحصها مراعاةً للاختصار ، أتركها على من أراد التأمّل والانصاف.

__________________

١ ـ المعجم الكبير للطبراني : ج ٤ ، ص ١٧١ ، كنز العمال : ج ١١ ، ص ٦٠٥.

٢ ـ آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

٤٥

دور من دوره التكذيب :

نعم ، إنّ هذا الرجل المسمى بابن تيميّة ، اذا لم يقدر أنّ يأوّل الرواية بما يتناسب مع هواه ، يكذبها مهما بلغت صحّتها ، فهو يكذّب حديث الدار ، إذ يقول : إن من له أدنى معرفة بالحديث يعلم أنّ هذا كذب.

ويقول : بأنّ رجال قريش في ذلك العهد لم يكونوا يبلغون الأربعين.

وأيضاً : إنّه يُشكل على هذا الخبر بأنّ العرب لم يكونوا أكّالين بهذا المقدار ، بحيث إنّ هؤلاء أكلوا وشبعوا والطعام كفاهم كلّهم ، فهذا دليل على كذب هذا الخبر(١) .

والجواب :

١ ـ ان الغرض والهدف هو إظهار معجزة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ فخذ شاة ، وعس من لبن كفاهم كما في الروايات ، فالغرض إظهار المعجزة التي يجب على كلّ مسلم أنّ يعتقد بها ، وله معجزات كثيرة ذكرها العام والخاص ، مثل : إنّ الماء ينبع من يديه ، ويتوضّأ كلّ من معه ، وانشقاق القمر ، وغير ذلك مما ورد من معجزات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل ابن تيميّه يستبعد المعجزة للنبي كما هي عادته القول بمثل ذلك.

إنّه يكذّب كلّ من أورد الخبر من علماء ومفسري أهل السنّة وليس الشيعة فقط ، كأحمد بن حنبل ، ومحمّد بن جرير الطبري ، وغيرهم من كبار علمائهم وأعلام محدّثيهم الذين يروون ذلك ، فهل ليس لديهم أدنى شيء من المعرفة في نظره؟! فأسلوب ابن تيميّة ليس علمياً وإنّما هو تكذيب مالا يحبّ ولو أجمع عليه

__________________

١ ـ منهاج السنّة ٧ : ٣٠٢.

٤٦

كلّ المسلمين ، وهذا أسلوب إنسا ن متعصّب لا يريد الحق ، ولن يضرّ إلّا نفسه يوم يكون الخصيم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نضيف لدليل النقل دليلاً عقلياً يقبله كلّ ذي لبّ ، وهو على صيغة سؤال : هل يصح أن نصدّق أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك أُمّته سدى ، وفي فوضوية لاحدّ لها يختلفون ويتقاتلون ، وتراق آلاف الدماء المسلمة ، فلو صدّقنا ذلك لكذّبنا عقولنا وتفكيرنا ، فإنّ الإسلام جاء رحمة لينقذ العالم من الهمجية والجاهلية الأولى ، فإنّ من كان كذلك لابدّ أنّ يكون أعظم سياسي في العالم كلّه ، فلا يخفى عليه مثل هذا الأمر العظيم لصلاح العالم بأسره مدى الدهر ، أو يعلم به ولا يضع له حدّاً فاصلاً؟!

وهل يرضى لنفسه عاقل يتولّى شؤون بلده فضلاً عن أُمّتة ، أنّ يتركها تحت رحمة الأهواء واختلاف الآراء ولو لأمد محدود ، وهو قادر على إصلاحها ، حاشا نبيّنا الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله من جاء رحمة للعالمين ، ومتمماً لمكارم الأخلاق ، وخاتماً للنبيين ، وقد قال الله تعالى على لسانه بعد حجّة الوداع :( اليوم أكملت لكم دينكم ) (١) ، وهو من ثيت عنه أنّه لا يترك المدينة المنوّرة إذا خرج لحرب أو غزاة ، من غير أمير يخلفه عليها ، فكيف نصدّق عنه أنّه أهمل أمر هذه الأمة بعده إلى آخر الدهر ، من دون تعيين خلف بعده يرجعون اليه عند اشتباه الأمور؟! حاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ يترك أمّته كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ليس لها من يرعاها حقّ رعايتها ، فالعقل لا يصغي إلى إنكار الوصيّة مهما بلغ الإنكار ، وأيّاً كان منكره.

__________________

١ ـ المائدة : ٣.

٤٧

الدليل الثاني : آية الولاية

قال الله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ والذينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) .

بعد أنّنا قرأنا حديث الدار وفيه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ علياًعليه‌السلام وزيره ووصيّه ووليّه ، فلنقرأ معاً تفسير وسبب نزول هذه الآية الشريفة ، ونضمّ ما قرأناه إلى ما سنقرؤه حول الولاية ، وسنخرج بنتيجة مقنعة بوجوب ولاية أمير المؤمنين وسيّد الوصيينعليه‌السلام ، فلنقرأ بتأمّل وإنصاف فإنّ هدفنا الأوّل والأخير هو مرضاة الله تعالى بولاية من افترض علينا ولايته ، وأوجب علينا طاعته.

ونبدأ بنقل قصّة التصدّق حال الركوع عن الدرّ المنثورلجلال الدين السيوطي ، وهذا نصّه : ( وأخرج الخطيب في المتّفق عن ابن عباس قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم للسائل : من أعطاك هذا الخاتم؟ قال : ذاك الراكع ، فأنزل الله :( إنّما وليّـكم الله ورسوله ) .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :( إنّما وليّـكم الله ورسوله ) الآية. قال : نزلت في علي بن أبي طالب.

وأخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه عن عمّار بن ياسر قال : وقف

__________________

١ ـ سورة المائدة (٥) : ٥٥.

٤٨

بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية :( إنّما وليّـكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) ، فقرأها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أصحابه ، ثمّ قال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ).

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته :( إنّما وليّـكم الله ورسوله والذين آمنوا ) إلى آخر الآية. فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فدخل المسجد ـ وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم ـ يصلّي فإذا سائل فقال : يا سائل ، هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال : لا إلّا ذاك الراكع ـ لعلي بن أبي طالب ـ أعطاني خاتمه.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت :( إنّما وليّـكم الله ) الآية.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :( إنّما وليّـكم الله ورسوله ) الآية نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع.

وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله )(١) .

وفي مناقب الخوارزمي :

( عن علي بن أبي طالب قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله :( إنّما وليّـكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون

__________________

١ ـ الدرّ المنثور : ج ٢ ، ص ٢٩٣.

٤٩

الزكاة وهم راكعون ) فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله ودخل المسجد ، والناس يصلّون ما بين راكع وقائم ، وإذا سائل ، قال له : يا سائل أعطاك أحدٌ شيئاً؟ قال : لا ، إلّا هذا الراكع ـ لعلي ـ أعطاني خاتماً )(١) .

وفي تفسير الثعالبي :

( ولكن اتّفق مع ذلك أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى خاتمه وهو راكع )(٢) .

وفي مجمع الزوائد :

عن عمّار بن ياسر قال : وقف على علي بن أبي طالب رضي الله عنه سائل وهو راكع في تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعلمه بذلك ، فنزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) ، فقرأها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )(٣) .

وفي جامع البيان لابن جرير الطبري :

( حدّثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله :( إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) يعني : أنّه من أسلم تولّى الله ورسوله.

__________________

١ ـ المناقب : ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

٢ ـ تفسير الثعالبي المسمّى بجواهر الحسان في تفسير القرآن : ج ٢ ، ص ٣٩٦.

٣ ـ مجمع الزوائد : ج ٧ ، ص ١٧.

٥٠

وأمّا قوله :( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) فإنّ أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم : عُني به علي بن أبي طالب. وقال بعضهم : عّني به جميع المؤمنين. ذكر من قال ذلك : حدّثنا محمّد ابن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ثمّ أخبرهم بمن يتولّاهم ، فقال :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) هؤلاء جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتمه.

حدّثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر ، قال : سألته عن هذه الآية :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) قلنا : من الذين آمنوا؟ قال : الذين آمنوا! قلنا : بلغنا أنّها نزلت في علي بن أبي طالب ، قال : علي من الذين آمنوا.

حدّثنا ابن وكيع ، قال : ثنا المحاربي ، عن عبد الملك ، قال : سألت أبا جعفر ، عن قول الله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) ، وذكر نحو حديث هناد عن عبدة.

حدّثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي ، قال : ثنا أيوب بن سويد ، قال : ثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) قال : علي بن أبي طالب.

حدّثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا غالب بن عبيد الله ، قال : سمعت مجاهداً يقول في قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع )(١) .

__________________

١ ـ جامع البيان : ج ٦ ، ص ٣٨٩.

٥١

وفي أحكام القرآن للجصّاص :

( قال الله تعالى :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) روي عن مجاهد والسديّ وأبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم : أنّها نزلت في علي بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمه وهو راكع وقوله تعالى :( ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) يدل على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ علياً تصدّق بخاتمه تطوّعاً وهو نظير قوله تعالى :( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) (١) .

وفي أسباب النزول للنيسابوري :

( قوله تعالى :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) قال جابر بن عبد الله : جاء عبد الله بن سلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إنّ قوماً من بني قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا ، وأقسموا أنّ لا يجالسونا ، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل ، وشكى ما يلقى من اليهود ، فنزلت هذه الآية ، فقرأها عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء.

ونحو هذا قال الكلبي وزاد : أنّ آخر الآية في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، لأنّه أعطى خاتمه سائلاً وهو راكع في الصلاة.

( أخبرنا ) أبو بكر التميمي قال : ( أخبرنا ) عبد الله بن محمّد بن جعفر قال : حدّثنا الحسين بن محمّد بن أبي هريرة قال : حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال : حدّثنا محمّد الأسود ، عن محمّد بن مروان ، عن محمّد السائب ، عن أبي صالح ،

__________________

١ ـ أحكام القرآن : ج ٢ ، ص ٥٥٧ ـ ٥٥٨.

٥٢

عن ابن عباس قال : أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا ، فقالوا : يا رسول الله إنّ منازلنا بعيدة ، وليس لنا مجلس ولا متحدّث ، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا بالله ورسوله وصدّقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أنّ لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا ، فشقّ ذلك علينا ، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) الآية ، ثمّ إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع ، فنظر سائلاً فقال : هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال : نعم ، خاتم من ذهب ، قال : من أعطاكه؟ قال : ذلك القائم ، وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال : على أيّ حال أعطاك؟ قال : أعطاني وهو راكع ، فكبرّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ قرأ :( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون ) )(١) .

وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني :

( عن ابن عباس :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) قال : نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

و ( أخبرنا ) قراءة قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن عبد الله قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق التنوخي قال : حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا علي بن أبي بكر ، قال : حدّثنا موسى مولى آل طلحة عن الحكم عن المنهال عن محمّد بن الحنفية ، قال : جاء سائل فلم يعطه أحد ، فمرّ بعلي وهو راكع في الصلاة فناوله خاتمه فأنزل الله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية.

وعن عبد الله بن محمّد بن الحنفية عن أبيه قال : فلم يعطه أحد شيئاً ، فمر

__________________

١ ـ أسباب نزول الآيات : ص ١٣٣.

٥٣

بعلي وهو راكع فسأله ، فناوله يده ، فأخذ خاتمه ، ثمّ أتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فأخبره قال : أتعرف الرجل؟ قال : لا ، فأرسل معه من يتعرّفه ، فإذا هو علي [ بن أبي طالب ] ، فأنزل الله :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (١) .

وفي تفسير القرطبي :

( المسألة الثانية : وذلك أنّ سائلا سأل في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان علي في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم ، فأشار إلى السائل حتّى أخذه. قال الكيا الطبري : وهذا يدلّ على أنّ العمل القليل لا يبطل الصلاة ، فإنّ التصدّق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ، ولم تبطل به الصلاة.

وقوله :( ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ، فإنّ علياً تصدّق بخاتمه في الركوع ، وهو نظير قوله تعالى :( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) .

وقد روي أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى السائل شيئاً وهو في الصلاة ، وقد يجوز أنّ تكون هذه صلاة تطوّع ، وذلك أنّه مكروه في الفرض. ويحتمل أنّ يكون المدح متوجّهاً على اجتماع حالتين ، كأنّه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة ، فعبرّ عن الصلاة بالركوع ، وعن الاعتقاد للوجوب بالفعل ، كما تقول : المسلمون هم المصلّون ، ولا تريد أنّهم في تلك الحال مصلّون

__________________

١ ـ شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٢٠٩ و٢١٧ بعدّة طرق ، وكلّها تقول : أنّه تصدّق حال الركوع ، تركناها مراعاة للاختصار ، فراجع من ص ٢٠٩ ـ ٢٤٨.

٥٤

ولا يوجّه المدح حال الصلاة ، فإنّما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده )(١) .

وفي تفسير ابن كثير :

( وأمّا قوله :( وهم راكعون ) . فقد توهّم بعض الناس أنّ هذه الجملة في موضع الحال من قوله :( ويؤتون الزكاة ) أي : في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ؛ لأنّه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى ، وحتّى أنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي بن أبي طالب أنّ هذه الآية نزلت فيه ، وذلك أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه.

وقال ابن أبي حاتم : حدّثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدّثنا أيوب بن سويد عن عتبة بن أبي حكيم في قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا ) قال : هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب.

وحدّثنا أبو سعيد الأشج ، حدّثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول ، حدّثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) .

وقال ابن جرير : حدّثني الحارث ، حدّثنا عبد العزيز ، حدّثنا غالب بن عبد الله سمعت مجاهداً يقول في قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية ، نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع.

وقال عبد الرزاق : حدّثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في

__________________

١ ـ تفسير القرطبي المسمّى ( الجامع لأحكام القرآن ) ج ٦ص ٢٢١.

٥٥

قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية ، نزلت في علي بن أبي طالب. عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتجّ به.

ورواه ابن مردويه عن طريق سفيان الثوري عن أبي سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال : كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي فمرّ سائل وهو راكع ، فأعطاه خاتمه ، فنزلت :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) الآية ، الضحاك لم يلق ابن عباس.

وروى ابن مردويه أيضاً من طريق محمّد بن السائب الكلبي ـ وهو متروك ـ عن أبي صالح عن ابن عباس قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المسجد والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد وإذا مسكين يسأل فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أعطاك أحد شيئاً؟ قال : نعم ، قال : من؟ قال : ذلك الرجل القائم ، قال : على أي حال أعطاكه؟ قال : وهو راكع ، قال : وذلك علي بن أبي طالب ، قال : فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك وهو يقول( من يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون ) وهذا إسناد لا يقدح به.

ثمّ رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه وعمار ابن ياسر وأبي رافع ، وليس يصح شيء منها بالكليّة لضعف أسانيدها ، وجهالة رجالها.

ثمّ روى بإسناده عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله :( إنّما وليّكم الله ورسوله ) نزلت في المؤمنين وعلي بن أبي طالب أوّلهم.

وقال ابن جرير حدّثنا هناد ، حدّثنا عبدة عن عبد الملك عن أبي جعفر قال : سألته عن هذه الآية :( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) قلنا : من الذين آمنوا؟ قال : الذين آمنوا.

٥٦

قلنا : بلغنا أنّها نزلت في علي بن أبي طالب ، قال : علي من الذين آمنوا.

وقال أسباط عن السدي : نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه )(١) .

وقال الآلوسي : ( غالب الأخباريين على أنّ هذه الآية نزلت في علي كرّم الله وجهه )(٢) .

__________________

١ ـ تفسير ابن كثير : ج ٢ ، ص ٧٣.

٢ ـ روح المعاني ٦ : ١٦٨.

٥٧

الشبهات الواردة وردّها

١ ـ شبهة ابن كثير وغيره ، وهي كما في النصّ السابق : ( فقد توهم بعض الناس أنّ هذه الجملة في موضع الحال من قوله( ويؤتون الزكاة ) أي : في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنّه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى ، وحتّى إنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي بن أبي طالب أنّ هذه الآية نزلت فيه ، وذلك أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه ).

٢ ـ وقال بعضهم : إنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.

٣ ـ هناك من أشكل في معنى الولي ، وقال : إنّ الولاية في الآية بمعنى النصرة ، كالفضل بن روز بهان.

٤ ـ هناك من قال باحتمال أنّ تكون الواو في( وهم راكعون ) واو عاطفة لا واو حالية.

٥ ـ يقال : كيف الإمام عليعليه‌السلام يسمع صوت السائل ، ويلتفت إليه ، ويشير إليه ، ويومي بالتقدّم نحوه ، ثمّ يرسل يده ليخرج الخاتم من إصبعه وهذا كلّه انشغال بأمور دنيوية ، وعدول عن التكلم مع الله سبحانه وتعالى؟!

٦ ـ افتراء ابن تيمية وهو أنّه : ( قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في علي لما تصدّق بخاتمه في الصلاة ، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل ، وكذبه بيّن ، وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي

٥٨

بخصوصه ، وأنّ علياً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع ، وأنّ جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر )(١) .

٧ ـ البعض أشكل بأنّ علياً مفرد ، فلماذا جاءت الألفاظ في الآية بصيغة الجمع؟

الجواب :

١ ـ نقول وبالله التوفيق : لا نصدّق ابن كثير بضعف الرواة لقوّة ما ورد من روايات في ولاية أهل البيتعليهم‌السلام وبالأخص الإمام عليعليه‌السلام ، كما سنبيّن ذلك في حديث الغدير ونحوه من الأحاديث المتواترة الدالّة على وجوب الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام ، بالإضافة إلى الأدلّة الثابتة في نزول هذه الآية في عليعليه‌السلام ، وكلّ من كذّب أو لفّق أو دسّ أو حذف أو أنكر أو تأوّل نجيبه من ألسنة قومه الذين ذكروا أنّ علياًعليه‌السلام تصدّق وهو راكع أي : حال ركوعه ، ونزلت الآية فيه ، وقد نقلنا نصوص كافية في ذلك ، بل نقل ابن كثير نفسه من عدّة طرق أنّها نزلت في علي بن أبي طالب عندما مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه.

٢ ـ أمّا من قال : إنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.

فنقول له : إنّ هذه رواية شاذّة مقابل رواية نزولها في الإمام عليعليه‌السلام التي أخرجها وصحّحها علماء الحديث والتفسير.

فليراجع كلّ باحث عن الحق هارب من أنّ يجحف بحقّ أهل بيت نبي اللهعليه‌السلام ، الكتب التي استوفت ذلك وما أكثرها ، وما لم نف به هنا فسوف نفصّل

__________________

١ ـ منهاج السنة ٢ : ٣٠.

٥٩

فيه أكثر في حديث الغدير وغيره مما يشتمل أيضاً على لفظ الولاية ، فتابع معنا.

ونختم بقول حسّان بن ثابت :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكلّ بطئ في الهدى ثابت ومسارع

أيذهب مدحيك المحبر ضائعا

وما المدح في ذات الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذا أنت راكع

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

فأثبتها في محكمات الشرائع(١)

٣ ـ لفظ ( ولي ) هنا إنّما هو الأولى بالتصرّف ، كما في قولنا : فلان ولي القاصر ، وقد صرّح اللغويون بأن كلّ من ولي أمر أحد فهو وليّه ، فيكون المعنى أنّ الذي يلي أموركم يكون أولى بها منكم ، وهو الله عزّ وجلّ ورسوله وعلي ، لأنّه هو الذي اجتمعت به هذه الصفات ، الإيمان وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة في حال الركوع ، وقد أثبت الله في الآية الولاية لنفسه تعالى ولنبيّه ولوليّه على نسق واحد ، وولاية الله عزّ وجلّ عامّة مطلقة ، وكذا ولاية النبي والولي مثلها ؛ إذ لم تقيّد.

وهذا يتّضح اكثر عندما نرجع للآية الكريمة :( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (٢) ، فهنا جعل الله تعالى الولاية للنبي على الناس أولى منهم لأنفسهم ثمّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أكّد لعموم المسلمين بقوله : ( ألست أولى بكم من أنفسكم )؟ ثمّ قال صلّى الله عليه وآله : ( فمن كنت مولاه فعلي مولاه ). يعني : أنّ المقام الذي تعترفون به بالنسبة إلي فهو حق ثابت لعلي عليه السلام ، فبايعه المسلمون على ذلك منذ عيّنه الرسول صلّى الله عليه وآله ، فجعلوا يباركون لعلي

__________________

١ ـ شواهد التنزيل في الهامش : ج ١ ، ص ٢١٣.

٢ ـ الأحزاب (٣٣) : ٦.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الوديعة، وأخذت الرهينة، وأخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله.

أمّا حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، وهم لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد وقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هظمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله، وهو خير الحاكمين.

والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم، فان انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.

واهاً واهاً، والصبر أيمن وأجمل، ولو لا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية.

فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقها، ويمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله - يا رسول الله - أحسن العزاء، صلى الله عليك و عليها‌السلام والرضوان (1) .

الظلمة يلاحقون فاطمة بعد الشهادة:

عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل:... فلمّا أصبح أبو بكر وعمر.. فلقيا رجلاً من قريش فقالا له: من أين أقبلت؟

قال: عزّيت علياً بفاطمة.

قالا: وقد ماتت؟

قال: نعم، ودفنت في جوف الليل...

__________________

(1) البحار 43 / 194.

٢٦١

ثم أقبلا إلى علي عليه‌السلام فلقياه فقالا له: والله ما تركت شيئاً من غوائلنا ومسائتنا، وما هذا إلّا من شيء في صدرك علينا.. هل هذا إلّا كما غسلت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دوننا ولم تدخلنا معك؟؟؟!!! وكما علمت ابنك أن يصيح بأبي بكر أن: انزل عن منبر أبي....

فأجابهم أمير المؤمنين عليه‌السلام عن افتراءاتهم ثم قال: وأما فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها، فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما، والله لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها، وما كنت الذي أخالف أمرها ووصيتها إليّ فيكما.

فقال عمر: دع عنك هذه الهمهمة، أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلّي عليها.

فقال له علي عليه‌السلام : والله لو ذهبت تروم من ذلك شيئاً - وعلمت أنّك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك - فاني كنت لا أعاملك إلّا بالسيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك.

فوقع بين علي عليه‌السلام وعمر كلام حتى تلاحيا واستبسل... (1) .

وفي عيون المعجزات:... ودفنها... وجدّد أربعين قبراً، فاستشكل على الناس قبرها، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضاً، وقالوا إنّ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله خلّف بنتاً ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها، ولا نعرف قبرها فنزورها.

فقال من تولّى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجد فاطمة عليها‌السلام فنصلّي عليها ونزور قبرها، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه، ودرّت أوداجه، وعليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار حتى أتى البقيع، فسار الناس من أنذرهم وقال:

__________________

(1) البحار 43 / 205.

٢٦٢

هذا علي قد أقبل كما ترونه وهو يقسم بالله لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين.

فتلقاه الرجل ومن معه من أصحابه وقال له: مالك يا أبا الحسن، والله لننبشن قبرها ونصلّي عليها.

فأخذ علي بجوامع ثوبه ثم ضرب به الأرض وقال: يابن السوداء، أمّا حقّي فقد تركته مخافة ارتداد الناس عن دينهم، وأمّا قبر فاطمة فوالذي نفسي علي بيده لئن رمت أنت أو أصحابك شيئاً لأسقين الأرض من دمائكم، فان شئت فافعل يا ثاني.

وجاء الأول وقال له: يا با الحسن بحقّ رسول الله وبحقّ فاطمة إلّا خلّيت عنه فانا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه، فخلى عنه وتفرّق الناس ولم يعودوا إلى ذلك (1) .

* * *

__________________

(1) دلائل الامامة: 47.

٢٦٣

أسماء بنت عميس

أسماء بنت عميس بن سعد بن الحارث بن تميم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الخثعمي، ولذا عرفت أسماء بالخثعمية.

وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث من كنانة.

وقد تزوجت هند مرتين:

الأول: هو الحارث بن حزن بن جبير الهلالي.

والثاني: عميس بن سعد.

وولدت منهما بنات كريمات زوجتهن من رجال كرام، وقال فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هي أكرم عجوز جمعت على الأرض أصهاراً.

فبناتها:

ميمونة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأم الفضل زوجة العباس.

وأسماء بنت عميس التي سنتحدث عنها.

وسلمى زوجة حمزة سيد الشهداء.

وسلمة زوجة عبد الله بن كعب الخثعمي.

٢٦٤

وقد وعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هؤلاء الأخوات بدخول الجنة كما روى المرحوم الصدوق - طاب ثراه - في العلل والمرحوم المجلسي في البحار عن أبي بصير عن أبي جعفر الأول عليه‌السلام قال: سمعته يقول:

رحم الله الأخوات من أهل الجنة، فسماهن: أسماء بنت عميس الخثعمية، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، وسلمى بنت عميس الخثعمية، وكانت تحت حمزة، وخمس من بني هلال: ميمونة بنت الحارث، وكانت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأم الفضل عند العباس، واسمها هند، والغميصاء (وقيل: القميصان) أم خالد بن الوليد، وكانت أنصارية لازمت أمير المؤمنين عليه‌السلام في صفين، وغزة، وكانت في ثقيف عند الحجاج بن غلاظ بن خالد بن حوز بن هلال المكنى بأبي عبد الله، سكن المدينة وبنا بها مسجداً (1) .

وفي الحديث مدح لهؤلاء الأخوات معاً، يعني أنهن جميعاً من أهل الجنة لا تخرج منهن واحدة.

أسماء عند جعفر:

هاجرت أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر إلى الحبشة فراراً من مشركي مكة، وولدت هناك ثلاثة أولاد: عبد الله وعون ومحمد.

وكان عبد الله أشهر أولادها من جعفر، وكان من الأجواد الأربعة، ولد للنجاشي ولد أيام ولادة عبد الله فسماه باسمه تيمناً وتبركاً، وأمر أن يرضع ولده بلبن عبد الله بن جعفر.

تزوج عبد الله بن جعفر السيدة زينب بنت أمير المؤمنين، فولدت له ولدين استشهدا يوم الطف بين يدي الحسين الشهيد عليه‌السلام .

__________________

(1) البحار 22 / 195 ح 8 باب 2.

٢٦٥

بقيت أسماء في الحبشة مع جعفر وأبنائه إلى السنة السابعة للهجرة وقدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قلاع خيبر مع جماعة، فلما قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أو بقدوم جعفر» (1) .

ثم نظر إلى جعفر وبكى وقال له: «ألا أمنحك؟ ألا أعطيك؟ ألا أحبوك؟! فقال: بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلّمه الصلاة المعروفة باسم «صلاة جعفر»، وفضلها معروف، وهي مذكورة في كتب الأدعية والأخبار».

والعاقبة أنّ جعفر استشهد في البلقاء في أقصى أرض يثرب والحجاز على حدود الشام في جمادى الآخرة سنة ثمان للهجرة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، ووجد في جسده تسعون جراحة.

وأخبر جبرئيل النبي في المدينة بمقتل جعفر، فبكى صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعى لذريته فقال: «اللهم إنّ جعفر قدم اليك فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك» (2) .

وبشّر أسماء بنت عميس أنّ الله أعطى جعفراً جناحين يطير بهما في الجنة، ثم أمر سلمى أن تصنع طعاماً شهياً من الشعير والزيت وتطعم أيتام جعفر، وكان يصحبهم معه أينما ذهب ثلاثة أيام يدور بهما على نسائه (3) .

وكان جعفر أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خَلقاً وخُلقاً، وكان يكنى «أبو المساكين» لأنه كان يحبهم ويطعمهم (4) .

أسماء عند أبي بكر:

استشهد جعفر فأخلف على أسماء بنت عميس أبو بكر بن أبي قحافة، فولدت له

__________________

(1) البحار 21 / 25 ح 22 باب 22.

(2) البحار 21 / 56 ح 8.

(3) أنظر: البحار 21 / 55 ح 8 باب 24.

(4) البحار 22 / 275 ح 5.

٢٦٦

محمداً، ومحمد بن أبي بكر يعزّ له النظير في جلالة القدر ورفعة الشان وعلو المقام وصلابة الايمان والثبات والاستقامة على ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام حتى استشهد في مصر بايعاز من معاوية، فقتل قتلة شنيعة، فلما سمع أمير المؤمنين خبر شهادته قال: شهادته قصمت ظهري، ثم تكلّم كلاماً ترتعد له الفرائص وترتجف له القلوب (1) .

وكان أبو بكر قد خطب أسماء في الاسلام وعنده حبيبة بنت الحارث الأنصاري، فلما توفي أبو بكر أوصى إلى أسماء بنت عميس أن تغسله، كما رواه الطبرسي، فقبلت أسماء الوصية - ولا منص لها إلّا القبول (2) - وتحملت عناء التنفيذ.

وهذه الوصية إنّما تدلّ على طهارة أسماء وتقواها، وكمال إيمانها وتدينها: لأنه أوصى لها من دون المسلمين ومن دون بقية أزواجه، وكان له ثلاث زوجات غيرها هن: أسماء بنت عبد العزي، ولد منها عبد الله، وأسماء ذات النطاقين، وأم رومان بنت عامر بن عمير من بني كنانة، ولد منها عبد الرحمن وعائشة وحبيبة.

والعجيب أنّه في مدة خلافته القليلة - سنتين وثلاثة أشهر وأيام - كانت أسماء في بيته تغذي ابنها محمد محبة أمير المؤمنين وولايته على مرأى ومسمع من أبي بكر، فخرّجت من بيته من جُبلوا على محبة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكأن أسماء كانت هي أشرف الأبوين لمحمد بن أبي بكر حيث ما فتأت توصيه دائماً بولاية آل طه وأهل بيت النبوة، فشبّ على ذلك، ولم يحد عنه بل بقي ثابتاً راسخاً.

ومن غرائب الوقائع وعجائب الدهر التي تكشف عن شهامة هذه المخدرة المكرمة وشدّة ولائها وصلابة إيمانها وشجاعتها أنها كانت في حبائل أبي بكر إلّا أنّها شهدت عليه، وردّت قوله في قصة فدك، ووقفت لتعلن على رؤوس الأشهاد

__________________

(1) أنظر: البحار 33 / 562 ح 722 باب 30.

(2) أنظر: تاريخ الطبرسي 3 / 421 أحداث سنة (13) قال: إنّ أسماء بنت عميس قالت: قال لي أبو بكر: غسليني قلت: لا أطيق ذلك قال: يعينك عبد الرحمن بن أبي بكر يصب الماء.

٢٦٧

كذب زوجها وتدليسه وغصبه لحق آل البيت عليهم‌السلام ، فشهدت خلافاً لهوى زوجها وهوى الآخرين، ولم تفزع من تهديداتهم، ولم تستسلم لقهرهم، وقالت لهم بشجاعة العارف بالله وبأهل بيته: «إنّكم ظلمة جائرون غصبتم حقّ من له الحق فأعيدوه إلى نصابه».

ولما أرادوا قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمروا خالد بن الوليد بتنفيذ ذلك في الصلاة بعثت جاريتها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقالت له: ( إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (1) .

فقال أمير المؤمنين للجارية: قولي لها: «إنّ الله يحول بينهم وبين ما يريدون».

أو أنّه قال: «فمن يقتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وإنّ الله بالغ أمره»؟!

فهدأ روعها وسكن قلبها وسلّمت لما قاله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وبالفعل فقد ندم أبو بكر - وهو في الصلاة - على ما اتفق عليه مع خالد، وخاف من سيوف بني هاشم المسلولة ونفوسهم الأبية، وحال الله بينه وبين ما يريد، فقال قبل تسليم الصلاة: «أي خالد لا تفعل ما أمرتك» ثم سلم... إلى آخر الخبر (2) .

أسماء عند أمير المؤمنين عليه‌السلام :

فلمّا توفي أبو بكر انتقلت أسماء بكامل الخلوص والوفاء والصفاء الى حجرة سيد الأولياء، وسعدت بشرف الدخول في عداد زوجات سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأولدها يحيى وعون (3) .

ويكفي أسماء بنت عميس من الفضل أمور:

__________________

(1) سورة القصص: الآية 20.

(2) أنظر: البحار 28 / 305 ح 48 باب 4.

(3) أنظر: تذكرة الخواص: 57 الباب الثالث في ذكر أولاده عليه‌السلام .

٢٦٨

منها: أنّ النبي شهد لها بأنها من أهل الجنة.

منها: أدعية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لها ولذريتها.

ومنها: أنّها كانت ممن شهد لفاطمة الزهراء عليها‌السلام في قصد فدك (بالرغم من ظروفها الخاصة) فصارت في ذلك قرينة لأم أيمن، وصارت ممن لازم الحق في تلك الفتنة العمياء في قصة شهادتها لفاطمة عليها‌السلام .

ومنها: ما قاله عمر من محبتها لآل أبي طالب وأنها تشهد لبني هاشم (1) .

ومنها: الأخبار المروية في حقها عن الحضرة النبوية والعلوية والعصمة الكبرى لفاطمة الزهراء عليها‌السلام .

ومنها: أنّها شهدت وفاة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وشاركت أمير المؤمنين عليه‌السلام في غسلها، ويا لها من مفخرة عظيمة.

ومنها: أنّها ممدوحة في كتب الشيعة والسنة، فقد مدحها العدو بالرغم من شدّة عناده، بل وثقوا ذريتها الكريمة وأثنوا عليهم وقالوا: «إنّهم خيار عباد الله» (2) .

ومنها: أنّها ولدت عبد الله بن جعفر زوج زينب الكبرى، وقد استشهد أولاده بين يدي الحسين عليه‌السلام ، فقدمت بذلك أسماء فداءً للحسين عليه‌السلام ، وولدت محمد بن أبي بكر، وكان كما قال أمير المؤمنين «محمد ابني من صلب أبي بكر» وراح شهيداً في سبيل الله دفاعاً عن ولاية أمير المؤمنين، وولدت عوناً من أمير المؤمنين وقد استشهد بين يدي الحسين عليه‌السلام في طف كربلاء.

فهنيئاً لها، والسلام عليها وعلى زوجها أمير المؤمنين وعلى أولادها المستشهدين.

* * *

__________________

(1) أنظر: العوالم 11 / 635 ح 27 باب 3.

(2) أنظر: الخصائص الفاطمية للكجوري ترجمة سيد علي أشرف 2 / 162 وما بعدها.

٢٦٩

أمامة بنت أبي العاص

أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمه هند بنت خويلد أخت خديجة عليها‌السلام ، واسم أبو العاص «لقيط» أو «مقسم» بسكر الميم، أو «ياسر» (1) ، أسر يوم بدر ففدته زينب فأطلقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمها زينب بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تزوجها ابن خالتها أبو العاص فولدت له ولداً وبنتاً، أما الولد فقد مات صغيراً، وأما البنت فاسمها «أمامة» تزوجها أمير المؤمنين عليه‌السلام تنفيذاً لوصية فاطمة الزهراء عليها‌السلام بعد تسع ليال من وفاة السيدة المخدرة الكبرى - حسب رواية المعالم - (2) .

ولدت أمامة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يحبها، وحملها في الصلاة، وكان إذا ركع أو سجد تركها وإذا قام حملها (3) .

وأهديت له هدية فيها قلادة فدعا أمامة فأعلقها في عنقها (4) .

__________________

(1) أنظر: أسد الغابة 6 / 196 ترجمة 6035.

(2) العوالم 11 / 1082 ح 14، الخصائص الفاطمية 1 / 456 ح 6.

(3) أسد الغابة 7 / 25 ترجمة 6717.

(4) المصدر نفسه.

٢٧٠

وكان على عينها غمص فمسحه بيده (1) الشريفة فعوفيت.

تزوجها أمير المؤمنين عليه‌السلام تنفيذاً لوصية السيدة الصديقة عليها‌السلام حيث قالت عليها‌السلام :.. أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة فانها تكون لولدي مثلي، فان الرجال لابد لهم من النساء (2) .

وفي مصباح الأنوار: قالت: بنت أختي وتحنن على ولدي (3) .

وهذا وسام عظيم قلدته سيدة النساء لأمامة حيث شهدت لها بالولاء والمحبة والتحنن على ابناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولما كبرت أمامة توجعت وجعاً شديداً حتى اعتقل لسانها، فكان الامامان الحسن والحسين عليهما‌السلام يسألانها وهي تجيبهما بالاشارة (4) .

قيل: إنّها ماتت سنة خمسين للهجرة (5) .

* * *

__________________

(1) الاصابة 4 / 236.

(2) البحار 43 / 192.

(3) البحار 43 / 217.

(4) أنظر: التهذيب 8 / 258 ح 936.

(5) البحار 21 / 183.

٢٧١

ليلى النهشلية

وهي ليلى بنت مسعود بن جابر بن مالك بن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم (1) .

ولسلم يقول الشاعر:

تسود أقوام وليسوا بسادة

بل السيد الميمون سلم بن جندل

وأم ليلى بنت مسعود عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سيد أهل الوبر ابن عبيد بن الحارث، وهو مقاعس.

وأمها عناق بنت عاصم بن سنان بن خالد بن منقر.

وأمها بنت أعبد بن أسعد بن منقر.

وأمها بنت سفيان بن خالد بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم (2) .

في الغارات والبحار قال: لما نكح علي عليه‌السلام ليلى بنت مسعود النهشلية قالت:

__________________

(1) مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام للكوفي 2 / 48.

(2) مقاتل الطالبيين: 57.

٢٧٢

ما زلت أحبّ أن يكون بيني وبينه سبب منذ رأيته قام مقاماً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

وقال: تزوج علي عليه‌السلام ليلى بنت مسعود النهشلية فضربت له في داره حجلة فجاء فهتكها وقال: حسب أهل علي ما هم فيه (2) .

وولدت له عبيد الله وأبا بكر (3) .

* * *

__________________

(1) الغارات 1 / 93، البحار 42 / 139.

(2) المصدر نفسه، شرح النهج 2 / 202.

(3) المناقب (للكوفي) 2 / 48.

٢٧٣

خولة الحنفية

وهي خولة بنت إياس بن جعفر جان الصفا الحنفية

ويقال: بل كانت أمة لبني حنيفة، سندية سوداء، ولم تكن من أنفسهم، وإنّما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم.

وقيل: إنّها كانت من سبي بني حنيفة، اشتراها علي واتخذها أم ولد، فولدت له محمداً (1) .

وفي الاصابة: رأها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في منزله فضحك ثم قال: يا علي أما إنّك تتزوجها من بعدي، وستلد لك غلاماً فسمه باسمي، وكنه بكنيتي وانحله (2) .

عن الكلبي، عن ميمون بن مصعب المكّي بمكّة قال: كنّا عند أبي العباس بن سابور المكّي فأجرينا حديث أهل الردّة، فذكرنا خولة الحنفيّة ونكاح أمير المؤمنين عليه‌السلام لها فقال: أخبرني عبد الله بن الخير الحسيني، قال: بلغني أنّ الباقر محمد بن علي عليهما‌السلام - قال -:

__________________

(1) الجوهرة في نسب الامام علي عليه‌السلام : 58.

(2) الاصابة 4 / 289 ترجمة 357.

٢٧٤

كان جالساً ذات يوم إذ جاءه رجلان، فقالا: يا أبا جعفر! ألست القائل أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يرض بإمامة من تقدّمه؟

فقال: بلى.

فقالا له: هذه خولة الحنفيّة نكحها من سبيهم ولم يخالفهم على أمرهم مذ حياتهم؟!

فقال الباقر عليه‌السلام : من فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله؟ - وكان محجوباً قد كفّ بصره -.

فحضر وسلّم على الباقر عليه‌السلام فردّ عليه وأجلسه إلى جانبه.

فقال له: يا جابر! عندي رجلان كرا أنّ أمير المؤمنين رضي بإمامة من تقدّم عليه، فاسألهما ما الحجّة في ذلك؟

فسألهما فذكرا له حديث خولة، فبكى جابر حتى اخضلّت لحيته بالدموع.

ثم قال: والله - يا مولاي - لقد خشيت أن أخرج من الدنيا وأن أُسأل عن هذه المسألة، والله إنّي كنت جالساً إلى جنب أبي بكر - وقد سبى بني حنيفة مع مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد - وبينهم جارية مراهقة -.

فلمّا دخلت المسجد قالت: أيّها الناس! ما فعل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قالوا: قُبض.

قالت: هل له بنية تقصد؟

قالوا: نعم هذه تربته وبنيته.

فنادت وقالت: السلام عليك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشهد أنّك تسمع صوتي وتقدر على ردّ جوابي، وإنّنا سبينا من بعدك، ونحن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك محمّداً رسول الله...

٢٧٥

ثم جلست فوثب إليها رجلان من المهاجرين أحدهما طلحة والآخر الزبير وطرحا عليها ثوبيهما.

فقالت: ما بالكم - يا معاشر الأعراب - تغيبون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم؟

فقيل لها: لأنّكم قلتم لا نصلّي ولا نصوم ولا نزكّي؟

فقال لها الرجلان اللذان طرحاً ثوبيهما: إنّا لغالون في ثمنك.

فقالت: أقسمت بالله وبمحمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه لا يملكني ويأخذ رقبتي إلّا من يخبرني بما رأت أُمّي وهي حاملة بي؟ وأيّ شيء قالت لي عند ولادتي؟ وما العلّامة التي بيني وبينها؟ وإلّا بقرت بطني بيدي فيذهب ثمني ويطالب بدمي.

فقالوا لها: اذكري رؤياك حتى نعبرها لك.

فقالت: الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا منّي؟

فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسوا، فدخل أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال: ما هذا الرجف في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

فقالوا: يا أمير المؤمنين امرأة حنفيّة حرّمت ثمنها على المسلمين وقالت: من أخبرني بالرؤيا التي رأت أُمّي وهي حاملة بي يملكني.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما ادّعت باطلاً، أخبروها تملكوها.

فقالوا: يا أبا الحسن! ما منّا من يعلم، أما علمت أنّ ابن عمّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قبض وأخبار السماء قد انقطعت من بعده.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أخبرها بغير اعتراض منكم؟

قالوا: نعم.

فقال عليه‌السلام : يا حنفيّة! أخبرك وأملكك؟

فقالت: لعلّك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علماً للناس؟

٢٧٦

فقال: أنا ذلك الرجل.

قالت: من أجلك نهبنا، ومن نحوك أتينا، لأنّ رجالنا قالوا: لا نسلّم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلّا لمن نصبه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فينا وفيكم علماً.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ أجركم غير ضائع، وإن الله يوفي كلّ نفس ما عملت من خبر.

ثم قال: يا حنفيّة! ألم تحمل بك اُمّك في زمان قحط قد منعت السماء قطرها، والأرضون نباتها، وغارت العيون والأنهار حتى أنّ البهائم كانت ترد المرعى فلا تجد شيئاً، وكانت اُمّك تقول لك: انّك حمل مشوم في زمان غير مبارك، فلمّا كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأن قد وضعت بك، وأنّها تقول: إنّك حمل مشوم في زمان غير مبارك، وكأنّك تقولين: يا اُمّي لا تتطيّرن بي فإنّي حمل مبارك أنشأ منشأ مباركاً صالحاً، ويملكني سيّد، واُرزق منه ولداً يكون للحنفيّة عزّاً؟

فقالت: صدقت.

فقال عليه‌السلام : إنّه كذلك وبه أخبرني ابن عمّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقالت: ما العلامة التي بيني وبين اُمّي؟

فقال لها: لمّا وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من نحاس وأودعته عتبة الباب، فلمّا كان بعد حولين عرضته عليك فأقررت به، فلمّا كان بعد ستّ سنين عرضته عليك فأقررت به، ثم جمعت بينك وبين اللوح وقالت لك: يا بنيّة إذا نزل بساحتكم سافكٌ لدمائكم، وناهب لأموالكم، وسابٍ لذراريكم، وسبيت فيمن سبي، فخذي اللوح معك واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلّا من خبرك بالرؤيا وبما في هذا اللوح.

فقالت: صدقت... يا أمير المؤمنين عليه‌السلام .

ثم قالت: فأين هذا اللوح؟

٢٧٧

فقال: هو في عقيصتك.

فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

ثم قالت: يا معاشر الناس! اشهدوا أنّي قد جعلت نفسي له عبدة، فقال عليه‌السلام : بل قولي زوجة، فقالت: اشهدوا أن قد زوّجت نفسي - كما أمرني - بعليّ عليه‌السلام . فقال عليه‌السلام : قد قلبتكِ زوجة، فماج الناس، فقال جابر: فملكها والله يا أبا جعفر بما ظهر من حجّته وثبت من بيّنته، فلعن الله من اتّضح له الحقّ ثم جحد حقّه وفضله، وجعل بينه وبين الحقّ ستراً (1) .

* * *

__________________

(1) البحار:

٢٧٨

الصهباء

وهي أم حبيبة بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن جيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل.

وكانت سبية أصابها خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر حين أغار على بني تغلب بناحية عين تمر، ولدت له عمر ورقية (1) .

* * *

__________________

(1) الطبقات الكبرى 3 / 19، البحار 42 / 90.

٢٧٩

أم مسعود

أم مسعود (سعيد) بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، وولدت له عليه‌السلام رملة وأم الحسن (1) .

* * *

__________________

(1) المصدر نفسه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383