الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)15%

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 254

  • البداية
  • السابق
  • 254 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39060 / تحميل: 6138
الحجم الحجم الحجم
الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

عاجله فأكمل العمل بعده ولده أمين السلطان والوزير الأعظم أتابك، وجعل في الجهة الغربية من الصحن إيوانا زينه بالمرايا من الداخل والكاشي من الخارج، وبنى حول الصحن غرفا متعددة أصبحت فيما بعد مقابر للأعيان والأشراف، كل ذلك مزين بالكتابة والنقوش الجميلة وقد انتهي من ذلك كله سنة (١٣٠٣) هـ.

وفي سنة (١٣٤٦) هـ جرت بعض التعميرات في صحن النساء وبني إيوان فيه، وفي سنة (١٢١٠ - ١٢١٤) هـ وضع (نظام السلطنة) بابين من الفضة في الضلع الغربي من الحرم(١) ...

هذا، وقد تعاقبت الأيدي - ولا زالت - على عمارة الحرم الشريف وصيانته ونظافته وتجديد بنائه.

وتشرف على الحرم منذ عهد قديم هيئة خاصة تعنى به وبمرافقه وتدير شؤون الأوقاف التابعة له، وترعى أمور الزائرين والوافدين.

وكانت الخدمة في الحرم الشريف - ولا زالت - تعتبر شرفا لا يحظى به إلا القليل، حتى أن بعض المؤمنين يتبرع بالخدمة تقربا إلى الله تعالى، وتشرفا بخدمة حرم ولية من أوليائه، وإظهارا لمودة أهل بيت نبيهعليهم‌السلام .

وأصبح هذا الحرم الشريف مصدر خير وبركة، وموطن عبادة ودعاء وأمانا للمؤمنين عامة، ولأهل قم خاصة، فقد كان هذا الحرم

____________________

(١) مجلة الهادي - العدد الثاني من السنة الثانية ذو القعدة ١٣٩٢ هـ، - ص ١٠٥ - ١٠٦.

١٦١

ملجأ وملاذا للناس عند الشدائد والأزمات، حيث يلوذون بقبرها ويتوسلون بها إلى الله، وهي كريمة أهل البيت، ولها عند الله شأن من الشأن، فلا يصدرون إلا بالفرج والخير والإجابة.

١٦٢

الزيارة

( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْ‌فَعَ وَيُذْكَرَ‌ فِيهَا اسْمُهُ ) (١)

إن أهم ما يميز الشيعة الإمامية عن سواهم ولاؤهم لأهل البيتعليهم‌السلام وصدقهم في الولاء، وحفظهم المودة ورعايتهم للود، ذلك لأنهم علموا وتيقنوا أن طريق النجاة والخلاص منحصر في اتباعهم واقتفاء خطاهم، والسير على هديهم وهداهم، وربطوا مصيرهم بأئمتهمعليهم‌السلام ، لا يحيدون عن ذلك ولا يبغون عنه بدلا.

وقد قامت الأدلة عندهم من العقل والنقل على انحصار الهداية فيهم وبهم دون سواهم، في العقيدة والفقه والأخلاق، وقد تكفلت كتبهم الكلامية(٢) ببيان ذلك والدلالة عليه، فأهل البيتعليهم‌السلام وهم الأئمة المعصومونعليهم‌السلام هم ذوو القربى الذين أمر الله بمودتهم وطاعتهم، وهم الأمناء على دين الله وشريعة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم حملة القرآن، ووراث علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(١) سورة النور الآية ٣٦.

(٢) لاحظ - على سبيل المثال - تلخيص الشافي للشيخ الطوسي، والطرائف للسيد ابن طاووس، وكشف المراد للعلامة الحلي.

١٦٣

أضف إلى ذلك ما تجلى من سيرتهمعليهم‌السلام التي كانت مثالا لسيرة جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانوا بذلك مهوى الأفئدة وملتقى القلوب، فإنهم القادة إلى الصراط المستقيم.

غير أن الأمة - ويا للأسف - تنكرت لهم وتنكبت طريقهم، فما عرفت لهم فضلا، ولا رعت لهم حقا، وعاشوا غرباء، ورحلوا غرباء، وهكذا شأن الأولياء والصديقين يعيشون في غربة ويرحلون في غربة لا يعرف لهم قدرا ولا مقاما.

ولم يكن هناك إلا ثلة قليلة حظيت بشرف الاعتقاد بإمامتهم، والاقتداء بهم والسير على خطاهم، وهم شيعتهم الذين استنارت بصائرهم بولايتهم ومحبتهم، فكانوا هم الفائزين.

ثم إن من أجلى مظاهر الود ومراعاة المودة لدى الشيعة الإمامية تجاه أئمتهمعليهم‌السلام تعاهد مواطنهم ومواضع مراقدهم بالزيارة، وتجديد العهد بالولاء والمحبة يستسهلون في الوصول إليهم كل عسير، ويستمرؤن كل خطير، فقد جعل الله تعالى تلك المواطن المطهرة بيوتا أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

ومع أن الزيارة تتحقق من البعد، فقد ورد أنهم يبلغهم السلام(١) ، إلا أن الأئمةعليهم‌السلام قد أكدوا على شيعتهم في السعي إلى مقاماتهم المشرفة لما يترتب على ذلك من الفوائد العظيمة.

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٠ باب ٤ من أبواب المزار وما يناسبه الحديث ١ - ٧.

١٦٤

فقد حرص الأئمةعليهم‌السلام - شفقة ورأفة منهم بشيعتهم - أن لا تفوتهم تلك المغانم الجليلة حيث جعل الله تعالى مواضع قبورهم مواطن الرحمة، ومهابط الملائكة، ومظان إجابة الدعاء وغفران الذنوب، والقربة لله والوفاء لرسوله، وإظهار المودة لذوي القربى.

روى الكليني بسنده عن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما لمن زار واحدا منكم؟ قال: كمن زار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وقال الشيخ المفيد وروي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: من زارنا بعد مماتنا فكأنما زارنا في حياتنا(٢) ...

وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز، قال: أتيت أبا عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، وقلت له: يا ابن رسول الله ما لمن زار قبره - يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام - وعمر تربته؟ قال:

يا أبا عامر حدثني أبي، عن أبيه، عن جده الحسين بن عليعليهم‌السلام ، عن عليعليه‌السلام ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له: والله لتقتلن بأرض العراق، وتدفن بها، قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن إن الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحن إليكم، وتحتمل المذلة والأذى، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها، تقربا منهم إلى الله، ومودة منهم لرسوله، أولئك يا علي

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٠ باب ٢ من أبواب المزار وما يناسبه الحديث ١٥.

(٢) المقنعة ص ٤٨٥ - ٤٨٦.

١٦٥

المخصوصون بشفاعتي الواردون حوضي، وهم زواري غدا في الجنة.

يا علي من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشر أولياءك ومحبيك من النعيم، وقرة العين بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم كما تعير الزانية بزنائها، أولئك شرار أمتي، لا أنالهم الله شفاعتي، ولا يردون حوضي(١) .

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

وإضافة إلى كون الزيارة إحدى القربات والعبادات، فيها من المنافع الدينية والدنيوية ما لا يخفى، بحيث لو لم يرد أي نص في الترغيب فيها والحث عليها لكانت في نفسها جديرة بالاغتنام.

ولما كانت السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام غصنا من تلك الشجرة الطيبة، وفرعا من ذلك الأصل الزاكي، ولها من الشأن والمقام ما قد عرفت، ورد الترغيب في زيارتها، والحث على قصد بقعتها، قربة لله تعالى ووفاء لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولم يتوان الشيعة الإمامية عن ذلك، بل صاروا يسعون أفواجا ووحدانا، من شتى بقاع الأرض، متحملين مشاق السفر وأخطاره في

____________________

(١) تهذيب الأحكام ج ٦ - كتاب المزار - باب ٧ في فضل زيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام الحديث ٧ ص ٢٢.

١٦٦

محبة صادقة وولاء عميق، معظمين بذلك إحدى شعائر الله تعالى.

وقد ورد في العديد من الروايات التأكيد على زيارتها، وأن الله تعالى قد جعل الجنة ثوابا لمن زارها، ومن تلك الروايات ما تقدم ذكره عن عدة من أهل الري أنهم دخلوا على أبي عبد اللهعليه‌السلام وقالوا: نحن من أهل الري، فقالعليه‌السلام : مرحبا بإخواننا من أهل قم، فقالوا: نحن من أهل الري، فأعاد الكلام، قالوا ذلك مرارا وأجابهم بمثل ما أجاب به أولا، فقالعليه‌السلام : إن لله حرما وهو مكة، وإن للرسول حرما وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرما وهو الكوفة، وإن لنا حرما وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة، قال الراوي: وكان هذا الكلام منهعليه‌السلام قبل أن يولد الكاظم(١) .

ومنها: ما روي عنهعليه‌السلام أيضا أنه قال: إن زيارتها تعدل الجنة(٢) .

ومنها: ما رواه الصدوق بسنده عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن فاطمة بنت موسى بن جعفرعليهم‌السلام ، فقالعليه‌السلام : من زارها فله الجنة(٣) .

ومنها: ما روي عن سعد عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال: قال: يا سعد عندكم لنا قبر، قلت: جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسىعليهما‌السلام ، قال: نعم، من زارها عارفا بحقها فله الجنة(٤) .

____________________

(١) تاريخ قم ص ٢١٥ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٦ - ٢١٧.

(٢) تاريخ قم ص ٢١٥ وبحار الأنوار ج ١٠٢ ص ٢٦٧.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٦٧.

(٤) بحار الأنوار ج ١٠٢ ص ٢٦٦.

١٦٧

ومنها: ما روي عنهعليه‌السلام أيضا أنه قال: من زار المعصومة بقم كمن زارني(١) .

ومنها: ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي الجوادعليهما‌السلام أنه قال:

من زار قبر عمتي بقم فله الجنة(٢) .

وغيرها من الروايات الدالة على فضل زيارتها، وما أعده الله تعالى ثوابا لزائرها وهو الجنة، وقد ورد أن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها لأهل قم.

نص الزيارة:

ومع كفاية حضور الزائر عند المزور والسلام عليه في تحقق الزيارة، إلا أنه قد ورد نص خاص عن الإمام الرضاعليه‌السلام في كيفية زيارة السيدة المعصومة، كما ذكر ذلك العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار، قال: رأيت في بعض كتب الزيارات: حدث علي بن إبراهيم عن أبيه، عن سعد، عن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، قال: قال: يا سعد عندكم لنا قبر، قلت:

جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسىعليهما‌السلام ، قال: نعم، من زارها عارفا بحقها فله الجنة، فإذا أتيت القبر فقم عند رأسها مستقبل القبلة، وكبر أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبح ثلاثا وثلاثين تسبيحة، واحمد الله ثلاثا

____________________

(١) رياحين الشريعة ج ٥ ص ٣٥.

(٢) كامل الزيارات باب ١٠٦ فضل زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفرعليهم‌السلام الحديث ٢ ص ٥٣٦.

١٦٨

وثلاثين تحميدة، ثم قل:

السَّلامُ عَلَىٰ آدَمَ صَفْوَةِ الله السَّلامُ عَلَىٰ نُوحٍ نَبِيِّ الله السَّلامُ عَلَىٰ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ الله السَّلامُ عَلَىٰ مُوسىٰ كَلِيمِ الله السَّلامُ عَلَىٰ عِيسىٰ رُوحِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله السَّلامُ عَلَيْكَ يا خَيْرَ خَلْقِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيَّ الله السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّد بْنَ عَبْدِ الله خاتَمِ النَّبِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ وَصِيَّ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ سَيِّدَةَ نِساءِ العالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُما يا سِبْطَي نَبِيّ الرَّحْمَةِ وَسَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ سَيِّدَ العابِدِينَ وَقُرَّةَ عَيْنِ النَّاظِرِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ باقِرَ العِلْمِ بَعْدَ النَّبِيِّ السَّلامُ عَلَيْكَ يا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ البارَّ الأَمِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُوسىٰ بْنَ جَعْفَرٍ الطَّاهِرَ الطُّهْرَ السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ مُوسىٰ الرِّضا المُرْتَضىٰ السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ التَّقِيَّ السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ النَّقِيَّ النَّاصِحَ الأَمِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ يا حَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ السَّلامُ عَلىٰ الوَصِيِّ مِنْ بَعْدِهِ اللّهُمَّ صَلِّ عَلىٰ نُورِكَ وَسِراجِكَ وَوَلِيِّ وَلِيِّكَ وَوَصِيِّ وَصِيِّكَ وَحُجَّتِكَ عَلىٰ خَلْقِكَ.

السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ الله السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ فاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ أَمِيرِ المُوْمِنِينَ السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ وَلِيِّ الله السَّلامُ عَلَيْكِ يا

١٦٩

أُخْتَ وَلِيِّ الله السَّلامُ عَلَيْكِ يا عَمَّةَ وَلِيِّ الله السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ مُوسىٰ بْنَ جَعْفَرٍ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ. السَّلامُ عَلَيْكِ عَرَّفَ الله بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ فِي الجَنَّةِ وَحَشَرَنا فِي زُمْرَتِكُمْ وَأَوْرَدَنا حَوْضَ نَبِيِّكُمْ وَسَقانا بِكَأْسِ جَدِّكُمْ مِنْ يَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ صَلَواتُ الله عَلَيْكُمْ.

أَسْأَلُ الله أَنْ يُرِينا فِيكُمُ السُّرُورَ وَالفَرَجَ وَأَنْ يَجْمَعَنا وَإِيَّاكُمْ فِي زُمْرَةِ جَدِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَنْ لايَسْلُبَنا مَعْرِفَتَكُمْ إِنَّهُ وَلِيُّ قَدِيرٌ، أَتَقَرَّبُ إِلىٰ الله بِحُبِّكُمْ وَالبَرائةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ وَالتَّسْلِيمِ إِلىٰ الله راضِيا بِهِ غَيْرَ مُنْكِرٍ وَلامُسْتَكْبِرٍ وَعَلىٰ يَقِينٍ ما أَتىٰ بِهِ مُحَمَّدٌ وَبِهِ راضٍ نَطْلُبُ بِذلِكَ وَجْهَكَ يا سَيِّدِي، اللّهُمَّ وَرِضاكَ وَالدَّارَ الآخِرةَ يا فاطِمَةُ اشْفَعِي لِي فِي الجَنَّةِ فَإِنَّ لَكَ عِنْدَ الله شَأْنا مِنَ الشَّأْنِ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَخْتِمَ لِي بِالسَّعادَةِ فَلا تَسْلُبْ مِنِّي ما أَنا فِيهِ، وَلاحَوْلَ وَلاقُوَّةَ إِلَّا بِالله العَلِيِّ العَظِيمِ، اللّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنا وَتَقَبَّلْهُ بِكَرَمِكَ وَعِزَّتِكَ وَبِرَحْمَتِكَ وَعافِيَتِكَ وَصَلّىٰ الله عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ(١) .

____________________

(١) بحار الأنوار ج ١٠٢ ص ٢٦٥ - ٢٦٧.

١٧٠

خصائص الزيارة وبعض مميزاتها:

وتعد هذه الزيارة من الزيارات الجامعة حيث اشتملت على السلام على أبي البشر آدمعليه‌السلام ، وأولي العزم من الرسلعليهم‌السلام ، ثم السلام على المعصومين من أهل البيتعليهم‌السلام وهم الصديقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، والأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام ، وذكرهم واحدا واحدا، ثم السلام على فاطمة المعصومة، ثم الإشارة إلى بعض مقامات أهل البيتعليهم‌السلام ، ومنزلتهم عند الله تعالى، وما أعده لهم من المنزلة في الدار الآخرة، والشأن العظيم، ثم الإقرار لهم بالمحبة والولاية والبراءة من أعدائهم، والتسليم إلى الله تعالى، وإعلان الرضا بكل ما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاعتقاد اليقيني به، ثم الابتهال إلى الله تعالى وطلب الثبات على ذلك.

وجميع هذه المضامين العالية واردة في روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، فهي في حد ذاتها - بغض النظر عن سندها - موافقة لما ورد من أصول المعارف الحقة عن أئمة الهدىعليهم‌السلام .

ثم إن في هذه الزيارة أمورا تلفت النظر وتسترعي الانتباه، نشير إجمالا إلى ثلاثة منها:

الأول: الالتفات في السلام من الغيبة إلى الخطاب، فإن الزيارة تبدأ بالسلام على آدم في صورة الغيبة، حتى إذا بلغ السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحول إلى صورة المخاطبة.

الثاني: ذكر في الزيارة أن السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام بنت

١٧١

الحسنعليه‌السلام ، حيث ورد فيها: السلام عليك يا بنت الحسن والحسين.

ومن المعلوم أن فاطمة المعصومةعليها‌السلام تنحدر من سلالة الحسينعليه‌السلام ، فهي فاطمة بنت موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

الثالث: اشتمال الزيارة على أن للسيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام شأنا من الشأن، وبه تشفع في الجنة.

أما الأمر الأول فلأن من الثابت بالكتاب والسنة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّةعليهم‌السلام شهداء على الخلق، وأنهم في جميع الحالات يسمعون الكلام ويردون السلام، من دون اختصاص بمكان دون مكان أو زمان دون آخر، ولذا فإن جميع ما ورد من الزيارات - إلا القليل - كان في صورة الخطاب والحضور، حتى أن التسليم المستحب في آخر كل صلاة كذلك، وهو قول المصلي (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).

وأما في خصوص المقام فقد ذكر بعض العلماء أن في ذلك إلماحا بل إشارة إلى منزلة قم ومكانتها عند أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد أثنى الأئمةعليهم‌السلام على أرض قم وأهلها، ووردت عنهمعليهم‌السلام أحاديث كثيرة في ذلك، وسيأتي ذكر بعضها في محله.

ويؤيد ذلك ما ورد في الرواية الواردة عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث قال: إن لله حرما وهو مكة، وإن للرسول حرما وهو المدينة، وإن لأمير

١٧٢

المؤمنين حرما وهو الكوفة، وإن لنا حرما وهو بلدة قم(١) ....

وفي رواية أخرى: ألا إن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم(٢) ...

ففي العدول من الغيبة إلى الخطاب إشعار بحضورهمعليهم‌السلام في هذا المكان المقدس فإنه حرمهم، وموطن شيعتهم، وورد في الروايات أنهمعليهم‌السلام لا يغيبون عن شيعتهم.

وقد أصبح لبلدة قم ميزة أخرى تضاف إلى مميزاتها وهي أنها مثوى السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، الأمر الذي زاد في ارتباط الأئمةعليهم‌السلام ، بقم، وقد أخبر عنه الإمام الصادقعليه‌السلام قبل ولادتها، بل قبل ولادة أبيهاعليه‌السلام حيث قال: وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة(٣) .

وفي رواية أخرى: تقبض فيها امرأة هي من ولدي، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم(٤) وبه ينسجم العدول في السلام من الغيبة للخطاب فإن الزائر يخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام وهم حاضرون.

وأما الأمر الثاني فيظهر معناه بالرجوع إلى نسب الإمام الباقرعليه‌السلام من جهة أمهعليها‌السلام ، وهي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام ، فتكون

____________________

(١) تاريخ قم ص ٢١٥ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٦ - ٢١٧.

(٢) بحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢٢٨.

(٣) تاريخ قم ص ٢١٥ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٦ - ٢١٧.

(٤) بحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢٢٨.

١٧٣

جدة للإمامين الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، وبذلك تكون السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام بنتا للإمام الحسنعليه‌السلام من طرف الأم.

وقد ذكر الرواة أن أم الإمام الباقرعليه‌السلام كانت على مرتبة عالية من الجلال والكمال.

يقول المحدث القمي في منتهى الآمال: أمه - أي الإمام الباقرعليه‌السلام - الماجدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام ، وقيل لها: أم عبد الله، فأصبحعليه‌السلام ابن الخيرتين، وعلويا بين العلويين.

روي في دعوات الراوندي عن الإمام محمد الباقرعليه‌السلام أنه قال:

كانت أمي قاعدة عند جدار، فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة، فقالت بيدها: لا وحق المصطفى، ما أذن الله لك في السقوط، فبقي معلقا حتى جازته، فتصدق عنها أبيعليه‌السلام بمائة دينار.

وذكرها الصادقعليه‌السلام يوما فقال: كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن امرأة مثلها(١) .

وعلى هذا فيكون الإمام الحسن أبا للسيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام لأنه جد الإمام الباقرعليه‌السلام لأمه، بل هو أب لسائر الأئمةعليهم‌السلام .

وأما الأمر الثالث فيعلم مما تقدم من الأبحاث السابقة، فإن شأن السيدة فاطمة المعصومة هو الشأن الشامخ، والمنزلة العالية، عند الله تعالى على ما نطقت به الروايات، ومن ذلك أن لها شأنية الشفاعة لجميع الشيعة، كما قال عنها جدها الإمام الصادقعليه‌السلام : « تدخل

____________________

(١) منتهى الآمال ج ٢ ص ١٣١.

١٧٤

بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم ».

والشفاعة من المسائل التي أكدت عليها النصوص القرآنية وروايات أهل البيتعليهم‌السلام ، وتكفلت الكتب الكلامية ببيان تفاصيلها حكما وموضوعا.

والذي نود الإشارة إليه أن المستفاد من جملة « يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإن لك عند الله شأنا من الشأن » أن هذا الشأن ليس هو شأن الشفاعة فقط، وإنما الشفاعة هي أحد مصاديق ذلك الشأن.

ويؤيد هذا المعنى ما ورد من الروايات الدالة على أن الشفاعة ثابتة لجملة من الأفراد على اختلاف مراتبهم منهم النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن له المقام المحمود، وهو أعلى مراتب الشفاعة على ما ورد في كثير من الروايات(١) ، ومنهم الأئمة المعصومونعليهم‌السلام والصديقة الزهراءعليها‌السلام ، ومنهم الشهداء، ومنهم القرآن الكريم، فإنه يشفع لقرائه، ومنهم السقط فإنه يشفع لأبويه، ومنهم المؤمن الشيعي، فإن الله تعالى قد جعل له الشفاعة يوم القيامة كما ورد في صحيحة ابن أبي نجران، قال: سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا، لأنهم منا خلقوا من طينتنا، من أحبهم فهو منا، ومن أبغضهم فليس منا...، والله إن أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر، فيشفعه الله تعالى فيهم، لكرامته على الله عز وجل(٢) .

وغيرها من الروايات.

____________________

(١) تفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٢٠٦ - ٢١١.

(٢) صفات الشيعة الحديث ٥ ص ٨٢.

١٧٥

أقول: إن مقام الشفاعة وإن كان شامخا إلا أن للسيدة فاطمة المعصومة مقاما آخر عبر عنه بالشأن.

ومما يدل على ذلك ما نقله لي صديقي العزيز المحقق الشهير الفاضل السيد مهدي الرجائي - ورأيته في أكثر من كتاب(١) - عن السيد محمود المرعشي، عن أبيه السيد شهاب الدين، عن جده السيد محمود المرعشي، أنه كان يريد معرفة قبر الصديقة الزهراءعليها‌السلام ، وقد توسل إلى الله تعالى من أجل ذلك كثيرا، حتى أنه دأب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كل أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظي بشرف لقاء الإمام المعصومعليه‌السلام ، فقال له الإمامعليه‌السلام : « عليك بكريمة أهل البيت »، فظن السيد محمود المرعشي أن المراد بكريمة أهل البيتعليها‌السلام هي الصديقة الزهراءعليها‌السلام فقال للإمامعليه‌السلام : جعلت فداك إنما توسلت لهذا الغرض، لأعلم بموضع قبرها، وأتشرف بزيارتها، فقالعليه‌السلام : مرادي من كريمة أهل البيت قبر السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام في قم.

ثم قال: إن الله تعالى قد جعل قبر الصديقة الزهراء من الأسرار، وقد اقتضت الإرادة الإلهية تبعا لبعض المصالح أن يكون قبرها مخفيا لا يطلع على موضعه أحد من الناس، فلا يمكن الإخبار عنه، ولكن جعل الله قبر السيدة فاطمة المعصومة موضعا يتجلى فيه قبر الصديقة الزهراءعليها‌السلام ، وإن ما قدر لقبر الصديقة الزهراءعليها‌السلام من الجلال والعظمة

____________________

(١) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص ٤٣ - ٤٥ وسيدة عش آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ص ٣٧ - ٣٨.

١٧٦

والشأن - لو كان معلوما ظاهرا - قد جعله الله تعالى لقبر السيدة المعصومة.

وعلى أثر ذلك عزم السيد محمود المرعشي على السفر من النجف الأشرف إلى قم لزيارة كريمة أهل البيتعليها‌السلام .

ونقل عن المحدث الشيخ عباس القمي أنه رأى الميرزا القمي - صاحب القوانين - في عالم الرؤيا - وسأله: هل أن شفاعة أهل قم بيد السيدة فاطمة المعصومة؟ فنظر إلي متعجبا وقال: شفاعة أهل قم بيدي، وأما فاطمة المعصومة فشفاعتها لأهل العالم(١) .

فما يردده بعض الحمقى والمغفلين من أن فاطمة المعصومة لا تعدو أن تكون امرأة، مثلها مثل سائر النساء، ولا شأن لها، إن هو إلا دليل على الجهل واللامبالاة والتطاول على المقدسات، ويكشف عن الحرمان وسلب التوفيق والتقصير في معرفة مقامات الأولياء والصالحين والصالحات من أهل البيتعليهم‌السلام ، فإن كونها امرأة لا يقعد بها عن تسنم أرفع الدرجات، وأنها من فضليات البشر، ولا يدانيها في الفضل والمنزلة أكثر الرجال وهي من التاليات للمعصومين من أهل البيتعليهم‌السلام في الفضل والشأن والمنزلة عند الله تعالى وعند الأئمةعليهم‌السلام ، وحسبك ما تقدم في الرواية الصحيحة السند عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنه قال: من زارها فله الجنة.

هذا، وقد ذكر أن للزيارة آدابا وسننا تكفلت كتب الفقه والزيارات

____________________

(١) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص ٦٠.

١٧٧

ببيان تفاصيلها.

إيقاظ:

وقبل أن أتجاوز هذا الموضع أود أن أشير إلى ضرورة الالتفات إلى أمر له مساس بما ذكرناه، وهو أنه ظهرت في الآونة الأخيرة فئة من الناس قد اكتفت من العلم بالقشور دون اللباب، وبالاسم دون المسمى، وبالشكل دون المحتوى، - وهنا تكمن الخطورة - وسوغت لنفسها القفر على ثوابت العقيدة، أو التشكيك في مسلماتها، والجدال في بديهياتها، - تحت شعارات التجديد والانفتاح ومقتضيات العصر - بل تعدت الحدود لتقدح في أصول المذهب وركائزه بإلقاء الشبه، أو إنكار الحقائق، فأحدثت بذلك الفوضى والاضطراب في نفوس البسطاء من الناس، الذين بهرتهم تلك الشعارات الجوفاء، وانساقوا وراءها يرددونها في سذاجة وغفلة أو تغافل عما تنطوي عليه وسيصحون يوما ليجدوا أنفسهم مفلسين، إلا أن يتداركوا أمرهم قبل فوات الأوان.

وبلغ الأمر إلى أنه بدلا عن تصدي المعنيين بشؤون العقيدة والدفاع عنها، لخصومها الخارجين عنها، اضطروا للتصدي لخصومها الداخلين فيها الذين هم أشد خطرا وأسوأ أثرا، لأنهم يشكلون حجر العثرة في المسار، « ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ».

وليعلم هؤلاء أن للبيت ربا يحميه، وأن للسفينة ربانا يجنبها الأخطار.

١٧٨

ومهما حاولوا في زعزعة العقيدة فلن تزداد عقيدة الناس إلا رسوخا وصلابة، وأن محاولاتهم يائسة فاشلة « ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله ».

وستبقى العقيدة المقدسة - التي غرس بذرتها النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتعاهد شجرتها أئمة الهدىعليهم‌السلام ، وصان ثمرتها علماء الشيعة - سليمة نقية، وهي أعلى وأجل من أن يخدش فيها جاهل أو متجاهل أو مشكك أو مشبوه.

١٧٩

كرامات السيدة المعصومةعليها‌السلام

تتفاوت مراتب البشر في قربهم المعنوي وبعدهم عن الله سبحانه وتعالى، لتفاوت قابلياتهم واستعداداتهم، كما هو الحال في شؤونهم الأخرى، وذلك أمر طبيعي تقتضيه حياة البشر في هذا العالم الذي جعله الخالق الحكيم ظرفا للتنافس وزود الإنسان بالعقل والاختيار والطاقات المختلفة، وأودع فيه غريزة حب الكمال والسعي إليه، وهيأ له الأسباب المؤدية إلى ذلك، بمقتضى لطفه بالعباد.

وإذا كان ثمة ما يعيق أو يمنع فمرده إلى الإنسان نفسه، وقد تكفلت المباحث الاعتقادية بالبرهنة على ذلك.

وقد اختص الله بعض عباده بعنايات وألطاف خاصة بلغوا بها أعلى درجات الكمال البشري الممكن، وأدنى مراتب القرب المعنوي من الله تعالى، فجعلهم مظاهر لطفه ومجالي رحمته ومجاري فيضه، وذلك لطهارة ذواتهم، وصفاء نفوسهم، وخلوصهم التام لله تعالى، فكانوا مظاهر أسمائه وصفاته، حتى أنه تعالى مكنهم من التصرف في هذا الكون وسخر لهم الأشياء فاستجابت لهم طائعة، فصدر عنهم ما خرقوا به نواميس الطبيعة، وخالف السنن المألوفة، وهو ما يعرف بالمعجزة والكرامة، لأنهم يتمتعون بقوى خاصة هي فوق هذا العالم المادي،

١٨٠

مما لم تبلغ له قوى الناس وقدراتهم، فعجزوا عنه وعن مثله، ومن أجله سميت المعجزة بالمعجزة ومما كان فيه إظهارا للمنزلة والمكانة، ومن أجله سميت الكرامة بالكرامة.

وليست المعجزة أو الكرامة أمرا مستحيلا، وقد اعترف الفلاسفة بذلك، بل ذكروا أن لها أصولا ثلاثة(1) ، قرروا فيها إمكان ذلك بل وقوعه، على ما شرحوه في كتبهم وأقاموا عليه أدلتهم.

ولسنا بحاجة - بعد القرآن الكريم والروايات المتواترة عن المعصومينعليهم‌السلام - إلى ما ذكروه إلا بعنوان المؤيد لهذه الحقيقة الثابتة، فإن كتاب الله تعالى وروايات أهل البيتعليهم‌السلام قد تكفلت ببيانها بما لا تدع مجالا للريب أو التشكيك.

ويأتي الحبيب المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرتبة الأولى الذي كان في قربه من الله تعالى كـ « قاب قوسين أو أدنى » والذي هو المجلى الأتم لاسم الله الأعظم، والذي ما عرفت ولن تعرف البشرية في تاريخها شخصا في عظمته وكماله ومقامه كالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلا أن يكون أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فإنهما من نور واحد ويتلوه في المرتبة.

وإنه لمن قصور البيان بل من سوء الأدب أن يقرن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يقاس بسائر الناس، وأنى للناس أن يدركوا مقامه وهو القائلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« كنت نبيا وآدم بين الماء والطين »(2) « علي مني وأنا منه »(3) .

____________________

(1) غرر الفرائد (شرح المنظومة) ص 330 - 333.

(2) مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 266.

(3) مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 64.

١٨١

وأنى للبشر أن تحوم أفهامهم حول تلك العظمة وذلك الكمال وهو القائلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخاطب علياعليه‌السلام : « يا علي النور اسمي والمشكاة أنت »(1) « أنت مني كروحي من جسدي »(2) «أنت مني كالضوء من الضوء »(3) .

ويتلو مرتبتي المصطفى والمرتضى مرتبة الأئمة المعصومينعليهم‌السلام والصديقة الزهراءعليها‌السلام ، فإنهم الأنوار الذين خلقهم الله وجعلهم بعرشه محدقين، حتى من بهم علينا فجعلهم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وجعل صلواتنا عليهم وما خصنا به من ولايتهم طيبا لخلقنا، وطهارة لأنفسنا وتزكية لنا وكفارة لذنوبنا.

ويتلوهم مقامات الرسل والأنبياء والأولياء على اختلاف منازلهم ومراتبهم.

وغرضنا من ذلك كله الإشارة إلى أن الله تعالى قد أختص بعض عباده بمميزات وقدرات خاصة، ومعاجز وكرامات، هي مظاهر لقدرة الله تعالى، وعلائم على القرب منه، والمنزلة عنده، والوجاهة لديه، وأردنا به الاستطراق إلى ما نحن فيه.

فإن السيدة فاطمة المعصومة وهي بنت ولي من أولياء الله، وأخت ولي من أوليائه، وعمة ولي من أوليائه، وحظيت برعاية المعصوم واهتمامه، وهي أهل لذلك فبلغت من المنزلة والشأن ما قد عرفت، فكان لها من الكرامات نصيب وافر، ولا زال حرمها الشريف ملاذا

____________________

(1) مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 341.

(2) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 246.

(3) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 246.

١٨٢

لذوي الحاجات فتقضي حاجاتهم، ولذوي الدعوات فتستجاب دعواتهم، ولذوي الكربات فتكشف كرباتهم، ولذوي الآمال فتتحقق آمالهم، وذلك من آثار التوسل بها، ووجاهتها عند الله، ولا سيما عند انسداد أبواب الأسباب الطبيعية وتعسر أو تعذر الطرق المألوفة.

وقد تواتر نقل الحوادث المختلفة، حتى أصبح من المألوف أن يسمع الإنسان عن كرامة للسيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام في شفاء مرض مستعص قد عجز الأطباء عن علاجه، أو نجاة من هلكة تبدو محققة الوقوع، أو استجابة دعاء صالح يرى أنه بعيد الاستجابة، أو قضاء حاجة تبدو مستحيلة أو حل مسألة علمية معضلة لا يظهر وجهها، وغير ذلك من القضايا والحوادث، وكم سمعنا من مشايخنا وأساتذتنا عن كثير من العلماء أنهم لجأوا إلى حرمها الشريف ولاذوا بقبرها وتوسلوا بهاعليها‌السلام لكشف ما أبهم واستعصى عليهم من المسائل العلمية الدقيقة فوجدوا آثار ذلك ونالوا ما أرادوا، وكذا نقل الثقاة عن كثير من المؤمنين أنهم قصدوها في كثير من الشؤون المختلفة فظفروا بما كانوا يبتغون، ولا زال اللائذون بحرمها يرون آثار الخير والبركة والألطاف الخفية والجلية عند التوسل بها إلى الله، فإنه تعالى قد جعلها بابا من أبواب الرحمة، وملاذا يلوذ به ذوو الحاجات.

وأما ما أثبتته الأقلام فهو أيضا كثير، ومن ذلك:

ما ذكره المحدث النوري في دار السلام حيث قال: ومن آيات الله العجيبة التي تطهر القلوب عن رجز الشياطين، أنه في أيام مجاورتنا في بلد الكاظمينعليهما‌السلام كان رجل نصراني ببغداد يسمى يعقوب، عرض

١٨٣

له مرض الاستسقاء، فرجع إلى الأطباء فلم ينفعه علاجهم، واشتد به المرض، وصار نحيفا ضعيفا، إلى أن عجز عن المشي، قال: وكنت أسأل الله تعالى مكررا الشفاء أو الموت إلى أن رأيت ليلة في المنام - وكان ذلك في حدود الثمانين بعد الماءتين والألف، وكنت نائما على السرير - سيدا جليلا نورانيا طويلا حضر عندي فهز السرير، وقال: إن أردت الشفاء فالشرط بيني وبينك أن تدخل بلد الكاظمينعليهما‌السلام وتزور فإنك تبرأ من هذا المرض، فانتبهت من النوم، وقصصت رؤياي على أمي، فقالت: هذه من الشياطين، وأتت بالصليب والزنار وعلقتهما علي، ونمت ثانيا، فرأيت امرأة منقبة عليها إزارها، فهزت السرير، وقالت: قم فقد طلع الفجر ألم يشترط عليك أبي أن تزوره فيشفيك؟

فقلت: ومن أبوك؟ قالت: الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، فقلت: ومن أنت؟ قالت: أنا المعصومة أخت الرضاعليه‌السلام ، فانتبهت متحيرا في أمري ما أصنع وأين أذهب؟ فوقع في قلبي أن أذهب إلى بيت السيد الأيد السيد الراضي البغدادي، الساكن في محلة الرواق منه، فمشيت إليه فلما دققت الباب نادى من أنت؟ فقلت: افتح الباب، فلما سمع صوتي نادى بنته افتحي الباب، فإنه نصراني يريد أن يدخل في الإسلام، فقلت له بعد الدخول: من أين عرفت ذلك؟ فقال: أخبرني بذلك جديعليه‌السلام في النوم، فذهب بي إلى الكاظمينعليهما‌السلام ، ودخل بي على الشيخ الأجل الشيخ عبد الحسين الطهراني أعلى الله مقامه فحكيت له القصة، فأمر بي أن يذهب إلى الحرم المطهر، فذهبوا بي إليه وأطافوا بي حول الشباك ولم يظهر لي أثر.

١٨٤

فلما خرجت منه تأملت هنيئة وعرض لي عطش فشربت الماء، فعرض لي اختلاط، فوقعت على الأرض، فكأنه كان على ظهري جبل فحط عني، وخرج نفخ بدني، وبدل اصفرار وجهي إلى الحمرة، ولم يبق في أثر من المرض، فرجعت إلى بغداد لأخذ مؤنتي من مالي، فاطلع أهلي وأقاربي، فأخذوني وذهبوا بي إلى بيت فيه جماعة فيها أمي، فقالت لي: سود الله وجهك، ذهبت وكفرت، فقلت: ترين ما بقي من مرضي أثر، فقالت: هذا من السحر، ونظر سفير الدولة الانگليزية إلى عمي، وقال: إذن لي أن أؤدبه، فإنه قد كفر اليوم، وغدا يكفر جميع طائفتنا، فأمر بي فجردوني واضجعوني وضربوني بالآلة المعروفة بقرباچ، وهو مشتمل على شعب من السيم الموضوعة على رأسه شبه الأبر، فجرى الدم من أطراف بدني، ولكن لم يؤثر فيه من جهة الوجع والألم، إلى أن وقعت أختي نفسها علي فكفوا عني، وقالوا لي: اقبل على شأنك، فرجعت إلى الكاظمينعليهما‌السلام ، ودخلت على الشيخ المعظم فلقنني الشهادتين، وأسلمت على يديه، فلما كان وقت العصر بعث المتعصب العنيد (نامق باشا) رسولا إلى الشيخ ومعه كتاب فيه:

إن رجلا أتى إليك ليسلم، وهو من رعايانا وتبعة الإفرنج، فلا بد أن يسلم عند القاضي، فأجابه: إن الذي ذكرته أتى عندي ثم ذهب لشأنه، وأخفاني وبعثني إلى كربلاء، واختتنت هناك، وزرت المشهد الغروي، ورجعت، ثم بعثني مع رجل صالح من أهل اصطهبانات من توابع شيراز إلى العجم، وكنت في القرية المذكورة سنة، فلما دخلت بلد الكاظمعليه‌السلام تحرك في عرق الرحم، واشتقت إلى لقائهم، وذكرت

١٨٥

ذلك للشيخ الأجل الأفقه الشيخ محمد حسن الكاظمي المدعو بياسين جعله الله في درعه الحصين، فمنعني وقال: أخاف أن يلزموك، فإما أن تعذب أو ترجع إلى النصرانية، فرجعت عن قصدي، ورأيت في تلك الليلة في النوم كأني في برية واسعة مخضرة من النبات، وفيها جماعة من السادة وكان رجل واقف فيها، فقال لي: لم لا تسلم على نبيك؟ فسلمت عليهم، فقال لي أحد السيدين اللذين كانا مقدمين على جميعهم أتحب أن ترى أباك؟ فقلت: نعم، فقال لذلك الرجل: إذهب به إلى أبيه ليراه، فذهب بي فرأيت جبلا مظلما يستقبلني، فلما قرب مني استحر الهواء فصار مثل الصيف وارتفع صوت وفتح منه باب صغير يشتعل نارا يصيبني شررها، واسمع من داخله صياح إنسان، وكان أبي، فاستوحشت فردني إلى السادة، وكانوا يضحكون علي، وقالوا: أتريد أباك بعد هذا؟ فقلت: لا، ثم أمروا بي أن اغتمس في حياض كانت هناك، وهي سبعة فاغتمست بأمرهم في كل واحد منها ثلاث مرات، ثم أتي لي بثياب بيض فلبستها، وانتبهت من النوم، فرأيت بدني يحك وخرجت من محل جميعه دماميل كبار، وذكرت ذلك للشيخ الأجل فقال: ذلك مما في بدنك من لحم الخنزير، وأثر الخمر، يريد الله أن يطهرك منه لما أسلمت، وكان يخرج منها القروح إلى أسبوع، وانصرف عن عزمه زيارة أهله، ورجع إلى محل هجرته وتزوج فيه، واشتغل بذكر قراءة مصائب أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وهو الآن به، وله أهل وأولاد وتشرف في خلال تأليف الكتاب مع أهله بزيارة

١٨٦

أئمة العراقعليهم‌السلام ثانيا، ثم رجع كثر الله تعالى أمثاله وأصلح باله وأحسن مآله(1) .

وإنما ذكرنا هذه القصة بطولها لأنها اشتملت على ذكر السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام وأنها كانت أحد أسباب اللطف الإلهي لصاحب القضية.

هذا، وقد أحصى بعض الباحثين بعض كرامات السيدة المعصومة فعد منها ماءة كرامة، ونختار نماذج منها.

فمنها: ما كتبه العالم والخطيب القدير الشيخ جوا نمرد، عما جرى من كرامة السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام لإحدى بناته فقال: في عام 1363 هـ ش (أي قبل حوالي خمسة عشر عاما) رزقنا الله بنتا أسميناها (أسماء) وما إن مضى شهران على ولادتها حتى أصيبت بمرض الاختناق وضيق التنفس.

تصورنا في البداية أن المرض هو (ذات الرئة) الربو، فأخذناها إلى طبيب مختص بأمراض الأطفال، وكان تشخيصه الأولي أنها مصابة بالربو، فأدخلناها مستشفى آية الله الگلبيگاني، وبقيت فيه اثني عشر يوما تقريبا، تعالج عن هذا المرض، وقد وضعت في الحاضنة، ولكن لم يظهر أي أثر للعلاج.

وبعد اثني عشر يوما أخذناها إلى طبيب آخر مختص بأمراض الحنجرة والأنف ووصف دواء ولكن بلا فائدة.

____________________

(1) دار السلام ج 2 ص 169 - 171.

١٨٧

ثم انتقلنا إلى طهران فلعل تشخيص المرض يتم هناك، وبعد مراجعة عدة مستشفيات تقرر أخيرا إدخالها مستشفى (إخوان طهران) المتخصص لعلاج الأطفال.

وبقيت راقدة في المستشفى لمدة شهر كامل، كانت تعيش خلالها على التنفس الصناعي والمغذي المائي - المنعش - عن طريق الوريد.

وبعد الفحوصات الطبية أخبرونا عن احتمال وجود جسم غريب في رئتها، وهو السبب في أصابتها بحالة الاختناق وضيق التنفس، وقالوا: لا بد من إجراء عملية بالمنظار لاكتشاف ذلك الجسم الغريب، إلا أن هذا الجهاز غير موجود في المستشفى، وذكروا أيضا أن إجراء هذه العملية ربما يودي بحياة الطفلة نظرا لصغر سنها، خرجنا من المستشفى ولم يكن لنا بد من الرجوع إلى قم، وقد اشتدت حالة الاختناق عندها، فلم تعد قادرة على الأكل والنوم.

وعلى أثر إصرار أمها عدنا بها إلى طهران مرة أخرى، وأدخلناها مستشفى المفيد في طهران، وبقيت على الفراش اثني عشر يوما، وأجريت لها عملية المنظار وتبين أن الرئتين سليمتان، وقالوا لنا: من المحتمل أن تكون عضلات الحنجرة مصابة بارتخاء، وهو السبب في حالة الاختناق وضيق التنفس.

خرجنا من المستشفى بلا فائدة ورجعنا إلى قم ونحن في حالة شديدة من اليأس.

بعد يومين أو ثلاثة قررت أم الطفلة أن تصوم وتلتجئ بها إلى حرم السيدة الجليلة فاطمة المعصومةعليها‌السلام .

١٨٨

صامت الأم في ذلك اليوم، وفي الليل أخذت طفلتها وذهبت بها إلى الحرم الشريف، وكانت قد قالت لأحد أولادها أن يأتي إلى الحرم في الساعة الثانية عشرة ليلا ليرجع بها إلى المنزل.

وفي الموعد ذهب الولد إلى الحرم ليأخذ أمه إلى المنزل فقالت له أمه: إلى الآن لم تظهر أي نتيجة، ارجع وسأبقى إلى الصباح.

تقول الأم: بقيت إلى الصباح في الحرم مشتغلة طيلة الوقت بالدعاء والبكاء، وقد ربطت الطفلة بمنديل في ضريح السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، وهي في تلك الحالة من الاختناق وضيق التنفس، وكان كل من يراها فكأنه يرى أن الموت على بعد خطوات منها.

كنت بين حين وآخر أضع في فم الطفلة ملعقة من الماء الممزوج بالسكر، فقالت لي نسوة هناك: لا تؤذي الطفلة ودعيها وشأنها.

حتى إذا أذن لصلاة الصبح تركت الطفلة وابتعدت قليلا عن الضريح، وبعد أن صليت الفريضة اعترتني حالة تغيرت فيها أحوالي وصرت أسائل نفسي: كيف أرجع بهذه الطفلة بلا فائدة؟ هناك قلت:

إلهي لم يبق لي أمل سوى قبر السيدة المعصومة، وإلى هذه اللحظة لم تظهر أي نتيجة.

بكيت قليلا وجئت إلى الطفلة لأفتح المنديل ويا للعجب رأيت الطفلة قد نامت في وقت ما كانت تستطيع فيه أن تنام، لم أخبر أحدا بشئ وفتحت المنديل، ولم تكن الدنيا تسعني من الفرحة والسرور، وأخذت الطفلة وتوجهت بها إلى المنزل.

بقيت الطفلة نائمة إلى الظهر وبعده استيقظت من نومها، فشربت

١٨٩

الحليب وهي في صحة تامة.

وقد من الله سبحانه وتعالى على ابنتي بالشفاء الكامل ببركات قبر السيدة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

وقد مضى على هذه الحادثة عشر سنوات وهذه الطفلة في الصف الرابع الابتدائي، وهي تلميذة متفوقة في دراستها كما أنها ملتزمة بالصلاة وسائر المسائل الشرعية، وذلك من ألطاف كريمة أهل البيتعليها‌السلام (1) .

ومنها: ما نقله الميرزا موسى فراهاني عن مسؤول حراسة حرم السيدة المعصومةعليها‌السلام أنة في ليلة من ليالي سنة 1300 هـ، كنت أتولى فيها الحراسة فجئ بامرأة من كاشان مصابة بالشلل للاستشفاء وربطت بالضريح.

وفي الساعة المقررة لإغلاق أبواب الحرم بقيت هذه المرأة في الحرم وأغلقت الأبواب، وكنت خارج الحرم أتولى الحراسة.

بعد منتصف الليل سمعت صوت المرأة وهي تقول: لقد شافتني.

فتحت باب الحرم ورأيت تلك المرأة السعيدة وقد شفيت، فسألتها عن كيفية شفائها، فقالت: أصابني العطش الشديد وخجلت أن أدق الباب وأطلب منك الماء، ولذا نمت بعطشي، فرأيت في منامي أنها أعطتني قدحا من الماء، وقالت: اشربي هذا الماء وستجدين الشفاء.

فشربت الماء وانتبهت من النوم ولا أثر للعطش ولا للمرض(2) .

ومنها: ما نقل متواترا عن المرحوم السيد محمد الرضوي أحد

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 216 - 219.

(2) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 256.

١٩٠

خدام الحرم المطهر، قال: في ليلة رأيت السيدة المعصومة في عالم الرؤيا وهي تقول: قم وأضئ مصابيح المنائر، فانتبهت من نومي، ونظرت إلى الساعة فرأيت أنه بقي أربع ساعات إلى أذان الصبح، فعدت إلى النوم ثانية، فرأيت نفس الرؤيا بعينها، ولكني عدت إلى النوم، وفي المرة الثالثة رأيت نفس الرؤيا وقالت لي بغضب: ألم أقل لك أن تقوم وتضئ مصابيح المنائر؟ قمت وأضأت المصابيح، وكان الجو شديد البرودة والثلج يتساقط بغزارة وقد غطى الأماكن.

وفي اليوم التالي كان الجو صحوا، وكنت واقفا في الصحن المطهر فرأيت جمعا من الزوار يتحدثون وأحدهم يقول للآخر: كم يجب علينا أن نشكر هذه السيدة، ولو تأخرت إضاءة المصابيح دقائق معدودة لهلكنا من شدة البرد.

فتبين أن هؤلاء الزوار على أثر تساقط الثلج بغزارة واختفاء معالم البلد قد ضلوا الطريق، وبقوا في وسط الصحراء، ولكن لما أمرتني السيدة بإضاءة المصابيح بانت معالم المدينة لهم وأوصلوا أنفسهم إليها، ونجوا من أذى البرد وشدته(1) .

ومنها: ما نقله من كتاب قصص العلماء للميرزا الحاج محمد التنكابني المتوفى سنة 1302 هـ، قال: في إحدى زياراتي لحرم السيدة المعصومةعليها‌السلام مرض ولدي وزوجتي مرضا شديدا، وأشرفا على الموت، فجئت إلى حرم ابنة باب الحوائج، وقلت: نحن جئنا من مكان

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 273.

١٩١

بعيد ولذنا بباب بيتك، ولا نتوقع أبدا أن نرجع من عندك بالحزن ورغم الأنف والخيبة، وفي نفس تلك اللحظة شفي كلا المريضين وأنقذا من حافة الموت(1) .

ومنها: ما نقل عن المرحوم الحاج الشيخ محمود علمي الذي كان متوليا على المدرسة الفيضية من قبل آية الله البروجردي، أنه قال: في زمان المرحوم آية الله الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم المتوفى في 17 ذي القعدة سنة 1355 هـ، كنت أرى شخصا عاجزا لا يستطيع أن يجمع رجليه، وكان يتكئ على يديه ويسحب بدنه زاحفا على الأرض، وكان يأتي على هذه الحالة إلى الحرم للزيارة من دار الشفاء عن طريق المدرسة الفيضية. فسألته يوما عن حاله، فقال: أنا من أهل القفقاز (آذربيجان) وعروق رجلي يابسة، ولا قدرة لي على المشي، وقد زرت مشهد الإمام الرضاعليه‌السلام للاستشفاء ولكن بلا فائدة، فجئت ولعلي أجد الشفاء هنا.

وكان من المتعارف في ذلك الوقت أنه إذا حدثت كرامة من كرامات السيدة المعصومةعليها‌السلام تضرب النقارة ويسمع صداها إعلاما لعامة الناس بما وقع.

وفي ليلة من ليالي شهر رمضان رأيت النقارة تضرب، وسمعتهم يقولون إن السيدة المعصومة قد شافت شخصا مصابا بالفالج.

كنت مع بعض الأصدقاء في سفر إلى أراك وركبنا عربة تجرها

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 250.

١٩٢

الخيول، وخرجنا من قم إلى أراك فلما وصلنا إلى مسافة تبعد عن أراك ستة فراسخ وإذا بنا نرى ذلك الشخص الكسيح العاجز عن المشي ورجلاه سليمتان وقد عوفي من مرضه تماما، وكان عازما على زيارة كربلاء مشيا على قدميه، فأركبناه في العربة معنا حتى أوصلناه إلى أراك(1) .

ومنها: ما نقله عن صاحب كتاب أنوار المشعشعين أنه قال: أذكر أن جملا قد آذاه صاحبه، فالتجأ إلى حرم السيدة المعصومة، وبرك مستريحا في أسفل الإيوان حتى جاء صاحبه وأخذه.

وقد جرى نظير ذلك في حرم الإمام الرضاعليه‌السلام حيث التجأ إلى حرمهعليه‌السلام جمل، وذكرت قصته ونشرتها الصحف والجرائد(2) .

وذكر المرحوم الشيخ فرج العمران - أحد أبرز علماء القطيف - المتوفى سنة 1398 هـ في كتابه الأزهار أنه شاهد في حرم الإمام الرضاعليه‌السلام حادثة مشابهة فقال: وفي صبيحة يوم الاثنين الثالث عشر من الشهر المؤرخ - أي ربيع الثاني عام 1394 هـ - التجأ ستة أباعر إلى مشهد الإمام الرضاعليه‌السلام ، وكان مكانها يبعد عن المشهد المقدس أربع ساعات، والموجب إلى التجائها أن أهلها أرادوا ذبحها، ولما وصلت إلى الصحن الشريف عتقت من الذبح، وأمر أن تجعل في بستان من بساتين الإمام الرضا، وقد خير مالكها بين أخذ ثمنها وبين تخلية أمرها، واختار أن يخلوا أمرها فضمن لمالكها مدفن في الصحن الشريف مجانا،

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 277 - 278.

(2) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 292.

١٩٣

وذلك كله من بركات الإمام الرضا ضامن الجنة وممن رآها جمع كثير...

وقد سبق نظير هذه الحادثة أكثر من مرة، ولا عجب من كرامات أهل البيت، فإنهم ملجأ الخائفين وأمان المروعين.

وبمناسبة هذه الكرامة أنشأ الفاضل الشيخ محسن بن الحاج علي بن صالح المعلم من أهل الجارودية هذه الأبيات الآتية:

يا ملاذ الأنام يا حجة الله

على الخلق أنت حاوي المعاجز

عصمة الملتجين والله أنتم

مأمن الخائفين عند الهزاهز

والمطايا ببابكم لاجئات

عائدات منكم بأسنى الجوائز(1)

ونكتفي بهذه النماذج القليلة من كرامات السيدة المعصومةعليها‌السلام ، وأما ما ذكر من كراماتها فهو فوق حد الإحصاء، وهي شواهد على أن هذه السيدة الجليلة بابا من أبواب الرحمة واللطف، وقد جعلها الله تعالى ملاذا للعباد تقضى عندها حوائجهم، وتستجاب عندها دعواتهم، ويحظون بالخير والبركات، فإن لها عند الله شأنا من الشأن.

____________________

(1) الأزهار الأرجية ج 15 ص 254 - 255.

١٩٤

السيدة المعصومةعليها‌السلام في ضمائر الشعراء

والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة

أو حكمة فهو تقطيع وأوزان

وأغراض الشعر كثيرة، منها ما هو حق وصدق، ومنها ما هو باطل وعبث.

وللشعر دور مميز في هز المشاعر، وتحريك العواطف، وتوجيهها نحو الاستقامة، أو نحو المجون.

وما كان منه في خدمة الحق والحقيقة وتوجيه النفوس نحو الفضيلة فهو في نظر أهل البيتعليهم‌السلام موضع عناية وتكريم.

وفي الروايات الواردة عن الأئمةعليهم‌السلام ما يدل على اهتمامهم بالشعراء الذين وظفوا القوافي في خدمة الحق والأخلاق الفاضلة، ولا سيما يوم كان الشعر في قوته ونفاذه أمضى من السيف والسنان، وفي تأثيره أقوى من السحر، وفي طليعة أولئك الشعراء: الكميت، والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي، وآخرون.

وقد حث الأئمةعليهم‌السلام شعراء الشيعة على تجنيد شعرهم وشعورهم في نصرة الحق وأهله، ومقارعة الباطل وأهله، والدعوة إلى الخير والفضيلة والصلاح.

ولسنا في مقام الحديث عن الشعر والشعراء، وإنما أردنا بما ذكرنا أن نصل إلى القول: إن لكريمة أهل البيتعليها‌السلام من شعر الشعراء نصيبا وافرا.

وإذا كان من أهم أغراض شعراء الشيعة نشر الفضيلة والحث عليها امتثالا لنداءات أئمتهمعليهم‌السلام فإن السيدة المعصومةعليها‌السلام قد جسدت

١٩٥

الفضيلة والطهر والعفاف، ولا غرو بعد ذلك أن نجد الشعراء - من العرب وغيرهم - يقررون هذه الحقيقة ويمجدون الطهارة والشرف من خلال قصائدهم التي مدحوا فيها كريمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وقد اخترت - مما اجتمع لدي من قصائد في شأن السيدة المعصومةعليها‌السلام - قصيدتين تعربان عن صدق الولاء وعمق المودة.

الأولى للأستاذ معروف عبد المجيد محمد، والثانية للسيد محمد بن حمود العمدي.

وإنما اخترت هاتين القصيدتين وآثرت إدراجهما في هذا الكتاب لأن كلا الشاعرين قد امتازا بأنهما ممن بحث عن الحقيقة حتى ظفرا بها في حمى أهل البيتعليهم‌السلام ، واستقر بهما النوى(1) في حريم التشيع، وأصبحا من شيعة آل محمدعليهم‌السلام .

وتلك النعمة الكبرى التي من الله تعالى بها عليهما فهداهما لدينه ووفقهما لما دعا إليه من سبيله، فليحمدا الله عليها كثيرا.

وأما القصيدتان فهما:

فاطمة المعصومة سمية الزهراء(2)

____________________

(1) (واستقر بي النوى) كتاب ألفه شاعرنا السيد محمد بن حمود العمدي وذكر فيه أسباب تشيعه وركوبه سفينة النجاة، صدر الكتاب عن مركز الأبحاث العقائدية في قم، وطبعته الأولى سنة 1420 هـ.

(2) للأستاذ معروف عبد المجيد محمد، وهو من مواليد عام 1952 في مدينة القليوبية بمصر، درس الآداب واللغات السامية في جامعة الأزهر في مصر، والنقوش السامية في جامعة روما في إيطاليا، والآثار الكلاسيكية اليونانية والرومانية في جامعتي زيورخ في سويسرا وغوتنغن في ألمانيا. يجيد عددا من اللغات الحية والقديمة عمل في الترجمة والتدريس الجامعي. اعتنق مذهب أهل البيتعليهم‌السلام سنة 1984. صدر له: « أنا الحسين بن علي » رواية « معلقة على جدار الأهرام » شعر « أحجار لمن تهفو لها نفسي » شعر « وينصبون عندها سقيفة » شعر « بلون الغار... بلون الغدير » شعر.

١٩٦

جرح الأحبة فاغر ما التاما

يفري، ولا ندري له إيلاما

نار الصبابة لا تحرق عاشقا

وتكون بردا فوقه وسلاما

أنا طائر فوق الجبال مقسم

إربا، فمن ذا يجمع الأقساما

لم يمض عصر المعجزات، فعاودي

عهد الوصال وجددي الأياما

بعثي ونشري من يديك، وجنتي

عيناك، طابا للمحب مقاما

* * *

ركب الفواطم ما يزال مسافرا

مروا يريد، وروضة، وإماما

يمضي، فلا الأيام تقطع سيره

ويزيده طول النوى إقداما

وعليه من ألق النبوة مسحة

أضفت عليه المجد والإعظاما

١٩٧

ومن الحسين بقية لدمائه

صبغت بحمرة لونها الأعلاما

يا أيها الحادي حداؤك هدني

لما ذكرت الأهل والأرحاما

عرج على قم، فإن لنا بها

قبرا على كل القبور تسامى

شهد الحوادث منذ أول عهده

ومن الحوادث ما يكون جساما

ظهرت به للعالمين خوارق

تسبي العقول وتدهش الأفهاما

حطوا الرحال، فإن للثاوي به

عهدا يصان وحرمة وذماما

يا قبر فاطمة بقم تحية

من مدنف - يا قبرها - وسلاما

طاب الضريح وضاع من شباكه

أرج النبوة يغمر الآكاما

واصطفت الأملاك في ظلل الحمى

زمرا تسبح سجدا وقياما

وأتى الحجيج من الفجاج قوافلا

تسعى إليه وقد نوت إحراما

حرم أتاه الخائفون فأبدلوا

أمنا، ونال الطالبون مراما

١٩٨

عش لآل محمد يهفو له

أهل الوداد محبة وغراما

يا بنت موسى، والمناقب جمة

لا يستطيع بها الورى إلماما

أخت الرضا، إني أتيتك ناشرا

صحفا تفيض خطيئة وأثاما

يا عمة الجواد، كفك والندى

وأنا ببابك أسأل الأنعاما

أنا زائر يرجو الشفاعة، فاشفعي

لي في الجنان، فقد قصدت كراما

* * *

أنا قادم من مصر أنزف حرقة

أخفي الشقاء وأكتم الآلاما

ودعت زينب غير ناس فضلها

وهي العقيلة كم رعت أيتاما

وهي التي في الطف كم أبدت حجى

تحت السيوف وسفهت أحلاما

ومعي من السبط الشهيد شواهد

علقتها فوق الصدور وساما

لي بالحسين وبالعقيلة لحمة

كانت لنفسي في الخطوب عصاما

شقت لي الدرب العسير، وبددت

في النازلات حلوكة وظلاما

١٩٩

فمضيت أبدع للولاء قصيدة

وأوقع الألحان والأنغاما

وأقيم للدين القويم دعائما

وأحطم الأوثان والأصناما

ومع الحسين أقود أعتى ثورة

كانت لسلطان الطغاة ضراما

وأرى الرعية - رغم ذل - ذروة

وأرى الملوك أمامها أقزاما

وأرى العقيدة عزة وكرامة

وأرى الكفور معرة ورغاما

وأرى التثاقل يوم نفر ردة

وأرى الجهاد تزكيا وصياما

وأرى الإمامة بيعة مفروضة

وأرى الخلاقة فلتة وحراما

وأرى كهوف البائسين عمائرا

وأرى قصور المالكين حطاما

سأقيم في مصر العتيدة قلعة

وأزيل - رغم رسوخها - الأهراما

النيل لن يدع الحسين مجدلا

عطشان يشكو الصد والإحجاما

كلا، ولن يدع الدعي لغيه

يسبي ويحرق حرمة وخياما

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254