الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)15%

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 254

  • البداية
  • السابق
  • 254 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39062 / تحميل: 6140
الحجم الحجم الحجم
الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

والثناء عليه.

روى الكشي بسنده عن محمد بن إسحاق والحسن بن محمد، قالا:

خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحج، فتلقانا كتابهعليه‌السلام في بعض الطريق، فإذا فيه: ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى رحمه الله يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيا، فقد عاش أيام حياته عارفا بالحق، قائلا به، صابرا محتسبا للحق، قائما بما يحبه الله ورسوله، ومضى رحمه الله غير ناكث ولا مبدل، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه خير أمنيته...(١) .

ومنهم: أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري... شيخ قم ووجيهها وفقيهها غير مدافع، وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي أبا الحسن الرضاعليه‌السلام وله كتب(٢) .

ومنهم: أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري وكان من خواص الإمام العسكريعليه‌السلام ورأى صاحب الزمان، وهو شيخ القميين ووافدهم(٣) .

روى الشيخ الصدوق في كمال الدين حديثا مبسوطا وجاء في آخره: إنه قال للإمام العسكريعليه‌السلام :... سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا.

____________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٨٥٨.

(٢) رجال النجاشي ج ص ٢١٧.

(٣) الخلاصة ص ١٥.

٢٢١

قال الراوي: فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما، فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنك لن تعدم ما سألت، وإن الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملا، قال سعد:

(راوي الحديث): فلما انصرفنا من حضرة مولانا من حلوان [المعروف اليوم بـ (پل ذهاب)] على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وثارت به علة صعبة أيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه، ورجع كل واحد منا إلى مرقده.

قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم (خادم مولانا أبي محمدعليه‌السلام ) وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم، ثم غاب عن أعيننا، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله(١) .

ومنهم: سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي الأشعري أبو القاسم، شيخ هذه الطائفة، وفقيهها ووجهها(٢) .

ومنهم غيرهم وهم كثير.

____________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة ج ٢ ص ٤٦٤ ومنتهى الآمال ج ٢ ص ٦٨٥ - ٦٨٦.

(٢) رجال النجاشي ج ١ ص ٤٠١.

٢٢٢

وأما من برز من غير الأشعريين في العلم والتقوى والفضيلة فمن العسير جدا إحصاؤهم، فإن هذه المدينة أشبه شئ بمدرسة كبرى تخرج منها رجال العلم والإيمان، وأصبحوا منائر هدى ورشاد، وفي طليعتهم الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، ووالده علي بن الحسين، ومحمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن الحسن القمي، ومحمد بن الحسن الصفار، وعلي بن إبراهيم ووالده إبراهيم بن هاشم، وغيرهم كثير ممن كانوا من أجلاء هذه الطائفة وعظمائها وقد تكفلت كتب الرجال ببيان أحوالهم ومختلف شؤونهم ومن أراد المزيد فليراجع.

٢٢٣

قم وأهلها في روايات أهل البيتعليهم‌السلام

ومن خلال ما تقدم يتبين ما لهذه المدينة المقدسة من المنزلة عند أهل البيتعليهم‌السلام وما لأهلها من الشأن والمكانة.

وقد مر أن قم حرم آل محمد، وهي كوفتهم الصغيرة ومأوى شيعتهم، وتضافرت الروايات الواردة عنهمعليهم‌السلام ، في بيان فضلها وأفضليتها على كثير من البقاع.

فمنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام أنه ذكر كوفة، قال: ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في حجرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، ولم يبق في الأرض حجة فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في الشرق والغرب، فيتم حجة الله على الخلق، حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائمعليه‌السلام

٢٢٤

ويسير سببا لنقمة الله وسخطه على العباد، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة(١) .

ومنها: ما رواه أنس بن مالك، قال: كنت ذات يوم جالسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ دخل عليه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلي يا أبا الحسن، ثم اعتنقه وقبل [ما] بين عينيه، وقال: يا علي إن الله عز اسمه عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش، ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي، ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك، ثم سبق إليها قم فزينها بالعرب، وفتح إليه بابا من أبواب الجنة(٢) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام ، قال: قم عش آل محمد، ومأوى شيعتهم، ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية آبائهم، والاستخفاف والسخرية بكبرائهم ومشايخهم، ومع ذلك يدفع الله عنهم شر الأعادي وكل سوء(٣) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها، فإن البلاء مدفوع عنها(٤) .

____________________

(١) تاريخ قم ص ٩٥ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٣.

(٢) تاريخ قم ص ٩٤ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٢.

(٣) تاريخ قم ص ٩٨ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٤.

(٤) تاريخ قم ص ٩٧ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٤.

٢٢٥

ومنها: ما روي عن الصادقعليه‌السلام ، قال: إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم، فإنه مأوى الفاطميين، ومستراح المؤمنين، وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنا ويبعدون منا، وذلك مصلحة لهم لكيلا يعرفوا بولايتنا، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم، وما أراد أحد بقم وأهله سوءا إلا أذله الله وأبعده من رحمته(١) .

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: إن للجنة ثمانية أبواب، ولأهل قم واحد منها، فطوبى لهم، ثم فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(٢) .

ومنها: ما رواه عفان البصري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: قال لي:

أتدري لم سمي قم؟ قلت: الله ورسوله وأنت أعلم، قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد - صلوات الله عليه - ويقومون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه(٣) .

ومنها: ما رواه صفوان بن يحيى بياع السابري قال: كنت يوما عند أبي الحسنعليه‌السلام فجرى ذكر قم وأهله وميلهم، إلى المهديعليه‌السلام ، فترحم عليهم، وقال: رضي الله عنهم، ثم قال: إن للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قم، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم(٤) .

____________________

(١) تاريخ قم ص ٩٨ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٤ - ٢١٥.

(٢) بحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٥.

(٣) تاريخ قم ص ١٠٠ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٦.

(٤) تاريخ قم ص ١٠٠ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٦.

٢٢٦

ومنها: ما روي عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: إن لعلى قم ملكا رفرف عليها بجناحيه، لا يريدها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء، ثم أشار إلى عيسى بن عبد الله فقال: سلام الله على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة(١) .

ومنها: ما روي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: تربة قم مقدسة، وأهلها منا ونحن منهم، لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، أما إنهم أنصار قائمنا، ودعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم اعصمهم من كل فتنة، ونجهم من كل هلكة(٢) .

ومنها: ما روي عن الرضاعليه‌السلام ، قال: للجنة ثمانية أبواب، فثلاثة منها لأهل قم، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم(٣) .

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنة قال: صلوات الله على أهل قم، ورحمة الله على أهل قم، سقى الله بلادهم الغيث(٤) ....

ومنها: ما رواه أبو الصلت الهروي قال: كنت عند الرضاعليه‌السلام فدخل عليه قوم من أهل قم فسلموا عليه، فرد عليهم وقربهم، ثم قال لهم:

____________________

(١) تاريخ قم ص ٩٩ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٧.

(٢) تاريخ قم ص ٩٣ وبحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢١٨ - ٢١٩.

(٣) بحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢٢٨.

(٤) بحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢٢٨.

٢٢٧

مرحبا بكم وأهلا، فأنتم شيعتنا حقا، فسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس، ألا فمن زارني وهو على غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(١) .

ومنها: ما ورد في كتاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام إلى أهل قم وآبه (آوه) وجاء فيه: إن الله تعالى بجوده ورأفته قد من الله على عباده بنبيه محمد بشيرا ونذيرا، ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين رحمة الله عليهم وأصلابكم الباقين تولى كفايتهم وعمرهم طويلا في طاعته، حب العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق، وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غب ما أسلفوا...(٢) .

وغيرها من الروايات الكثيرة، وهي تدل على جلالة هذه المدينة وأهلها، ورعاية الأئمةعليهم‌السلام لهم، وعنايتهم بهم، مما جعل من هذه المدينة حصنا منيعة للتشيع، وقلعة محكمة تدافع عن حريم مذهب آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر القرون في صلابة من الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام ، ورسوخ في الاعتقاد.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٦٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٤٥٨.

٢٢٨

مفاخر القميين:

وذكر أن لأهل قم مناقب وفضائل أخرى امتازوا بها على سائر الناس، وعدت من مفاخرهم وأولياتهم.

قال الشيخ النمازي: مفاخر أهل قم كثيرة، منها: أنهم وقفوا المزارع والعقارات الكثيرة على الأئمةعليهم‌السلام .

ومنها: أنهم أول من بعث الخمس إليهم.

ومنها: أنهمعليهم‌السلام أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا والتحف والأكفان، كأبي جرير زكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم، وعيسى بن عبد الله بن سعد، وغيرهم، ممن يطول بذكرهم الكلام، وشرفوا بعضهم بالخواتيم والخلع، وأنهم اشتروا من دعبل ثوب الرضاعليه‌السلام بألف دينار من الذهب، إلى غير ذلك.

ومنها: قبر فاطمة بنت موسىعليهما‌السلام وثواب زيارتها(١) .

ومن طريف ما يروى ما جرى لدعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور، وكان من قصته أنه دخل على أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله إني قد قلت فيك قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك، فقالعليه‌السلام : هاتها، فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله:

أرى فيأهم في غيرهم متقمسا

وأيديهم من فيئهم صفرات

____________________

(١) مستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٦٠٠.

٢٢٩

بكى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام ، وقال له: صدقت يا خزاعي، فلما بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

أكفا عن الأوتار منقبضات

جعل أبو الحسنعليه‌السلام يقلب كفيه ويقول: أجل، والله منقبضات، فلما بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضاعليه‌السلام : آمنك الله يوم الفزع الأكبر، فلما انتهى إلى قوله:

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات

قال له الرضاعليه‌السلام : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال بلى: يا ابن رسول الله فقالعليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقد في الأحشاء بالحرقات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما

يفرج عنا الهم والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر بطوس قبر من هو؟ فقال الرضاعليه‌السلام : قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له.

ثم نهض الرضاعليه‌السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة، وأمره أن لا يبرح من موضعه، فدخل الدار، فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه

٢٣٠

بمائة دينار رضوية، فقال له: يقول لك مولاي: اجعلها في نفقتك، فقال دعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شئ يصل إلي، ورد الصرة، وسأل ثوبا من ثياب الرضاعليه‌السلام ليتبرك به ويتشرف به، وأنفذ الرضاعليه‌السلام جبة خز مع الصرة وقال للخادم: قل له:

خذ هذه الصرة، فإنك ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها(١) .

وفي رواية أخرى: أن دعبل الخزاعي قال: لما قلت (مدراس آيات) قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، وهو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة، فوصلت المدينة وحضرت عنده وأنشدته إياها فاستحسنها، وقال لي: لا تنشدها أحدا حتى آمرك.

واتصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني، وسألني عن خبري، ثم قال: يا دعبل أنشدني (مدارس آيات خلت من تلاوة) فقلت: ما أعرفها يا أمير المؤمنين، فقال: يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسى الرضا.

فلم تكن إلا ساعة حتى حضر، فقال له: يا أبا الحسن سألت دعبلا عن (مدارس آيات) فذكر أنه لا يعرفها، فقال لي أبو الحسن: يا دعبل أنشد أمير المؤمنين، فأخذت فيها، فأنشدتها فاستحسنها، وأمر لي بخمسين ألف درهم، وأمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام بقريب من ذلك.

فقلت: يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني،

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٦٣ - ٢٦٤.

٢٣١

فقال: نعم، ثم دفع إلي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة، وقال لي:

احفظ هذا تحرس به.

ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني.

قال: ثم كررت راجعا إلى العراق، فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا، وكان ذلك اليوم مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر جديد، وأنا متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة، ومتفكر في قول سيدي الرضاعليه‌السلام ، إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين ووقف بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه وهو ينشد: (مدارس آيات خلت من تلاوة) ويبكي، فلما رأيت ذلك منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع، ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت: يا سيدي لمن هذه القصيدة؟ فقال: وما أنت وذلك ويلك؟ فقلت: لي فيه سبب أخبرك به، فقال: هي أشهر بصاحبها أن تجهل فقلت: من هو؟ قال:

دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا، فقلت له: والله يا سيدي أنا دعبل وهذه قصيدتي، فقال: ويلك ما تقول؟ قلت: الأمر أشهر من ذلك، فأرسل إلى أهل القافلة فاستحضر منهم جماعة وسألهم عني، فقالوا بأسرهم: هذا دعبل بن علي الخزاعي.

فقال: قد أطلقت كلما أخذ من القافلة خلالة فما فوقها، كرامة لك،

٢٣٢

ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده، فرجع على الناس جميع ما أخذ منهم ورجع إلي جميع ما كان معي، ثم بذرقنا - أي كنا في حمايته - إلى المأمن فحرست أنا والقافلة ببركة القميص والمنشفة(١) .

وفي رواية: أن دعبل أخذ الصرة والجبة وانصرف وصار من مرو في قافلة، فلما بلغ (ميان قوهان)، وقع عليهم اللصوص، فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها، وكان دعبل فيمن كتف، وملك اللصوص القافلة، وجعلوا يقسمونها بينهم، فقال رجل من القوم متمثلا بقول دعبل في قصيدته:

أرى فيأهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات

فسمعه دعبل فقال له: لمن هذا البيت؟ فقال: لرجل من خزاعة، يقال له دعبل بن علي، قال دعبل: فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت، فوثب الرجل إلى رئيسهم، وكان يصلي على رأس تل، وكان من الشيعة، وأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل، وقال له:

أنت دعبل؟ فقال: نعم، فقال له: أنشد القصيدة، فأنشدها فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة، ورد عليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل.

وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة، فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع، فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة فوصله الناس من المال والخلع بشئ

____________________

(١) كشف الغمة ج ٢ ص ٢٦١ - ٢٦٣.

٢٣٣

كثير، واتصل بهم خبر الجبة فسألوه أن يبيعها منهم بألف دينار، فامتنع من ذلك، فقالوا له: فبعنا شيئا منها بألف دينار، فأبى عليهم وسار عن قم.

فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبة منه، فرجع دعبل إلى قم وسألهم رد الجبة عليه، فامتنع الأحداث من ذلك، وعصوا المشايخ في أمرها، فقالوا لدعبل: لا سبيل لك إلى الجبة فخذ ثمنها ألف دينار، فأبى عليهم، فلما يئس من ردهم الجبة عليه سألهم أن يدفعوا إليه شيئا منها، فأجابوه إلى ذلك، وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار.

وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله، فباع المائة دينار التي كان الرضاعليه‌السلام وصله بها من الشيعة كل دينار بمائة درهم، فحصل في يده عشرة آلاف درهم، فذكر قول الرضاعليه‌السلام : إنك ستحتاج إلى الدنانير.

وكانت له جارية لها من قلبه محل، فرمدت رمدا عظيما، فأدخل أهل الطب عليها، فنظروا إليها فقالوا: أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة، وقد ذهبت، وأما اليسرى فنحن نعالجها، ونجتهد ونرجوا أن تسلم.

فاغتم لذلك دعبل غما شديدا، وجزع عليها جزعا عظيما، ثم ذكر ما كان معه من فضلة الجبة فمسحها على عيني الجارية، وعصبها من أول الليل فأصبحت وعيناها أصح مما كانتا قبل، ببركة أبي الحسن الرضاعليه‌السلام (١) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٦٣ - ٢٦٥.

٢٣٤

وإنما ذكرنا هذه الرواية بطولها لما فيها الطرافة واللطافة والدلائل، كما أن فيها دلالة على ولاء أهل قم وحبهم لآل محمدعليهم‌السلام .

العلويون في قم:

أشرنا فيما تقدم إلى أن سياسة حكام بني أمية وبني العباس كانت تعتمد على البطش بالعلويين وقهرهم وتشريدهم، وكان بنو العباس هم الأشد في ذلك كما اعترف المأمون العباسي، وقد أدى ذلك إلى نزوح العلويين عن مواطنهم وتفرقهم في أطراف الأرض إلى حيث يجدون الأمن والأمان، وقد مرت علينا نماذج من أولئك الذين اضطرتهم الظروف العصيبة التي عصفت بهم إلى التنكر والتواري عن الأنظار خوفا على أنفسهم وأعراضهم وذويهم.

ولما كانت مدينة قم من المدن السباقة إلى التشيع والولاء لأهل البيتعليهم‌السلام أصبحت ملاذا لبعض هؤلاء حيث التجأ إليها كثير من العلويين ولا سيما بعد أن دفنت فيها السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، وأصبح حرمها الشريف مزارا وملاذا.

ومنذ أن اتخذ بعض العلويين من قم موطنا ومستقرا له بدأ الوجود العلوي بالانتشار، ولا زالت بعض السلالات العلوية التي ينتهي نسبها إلى أولئك الذين سكنوا قم واستوطنوها باقية إلى اليوم كالسادة البرقعيين فقد ذكرت بعض المصادر أن أول من دخل مدينة قم من السادة الرضوية هو موسى بن الإمام الجوادعليه‌السلام في سنة ٢٥٦ هـ، وهو المعروف بالمبرقع، وكان يضع على وجهه برقعا دائما فلذا لقب بالمبرقع، وتوفي في قم سنة ٢٩٦ هـ، وقد التحق به أخواته زينب، وأم

٢٣٥

محمد، وميمونة بنات الإمام الجوادعليه‌السلام ، ثم جاءت بعدهن بريهة بنت موسى، وتوفين بقم، ودفن عند فاطمة المعصومةعليها‌السلام (١) كما ذكرناه فيما تقدم.

وتنتشر في قم قبور السادة العلويين وهي مزارات يقصدها أهل قم والوافدون إليها، وهي كثيرة.

منها: مزار فيه قبران أحدهما لموسى المبرقع، والثاني قبر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى.

ومنها: مزار كبير يعرف بـ (چهل اختران) ويحوي عدة من قبور السادة العلويين منهم: محمد بن موسى المبرقع، وزوجته بريهة بنت جعفر بن الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، وزينب بنت الإمام موسى، وأم محمد بنت موسى، وأبو علي محمد بن أحمد بن موسى، وبناته:

فاطمة، وبريهة، وأم سلمة، وأم كلثوم، وغيرهن من العلويات والفاطميات وكلهن من أعقاب وذراري موسى المبرقع(٢) .

هذا وقد انتشر أعقاب موسى المبرقع عدا قم في الري وقزوين وهمدان وخراسان وكشمير والهند وسائر البلدان(٣) .

وقد تولى بعضهم النقابة والأمارة، وكان فيهم العلماء وأهل التدبير والسيادة، فإن محمد بن أحمد بن موسى المعروف بأبي علي كان رجلا فاضلا تقيا ورعا للغاية، حسن المنظر والمناظرة، فصيحا عاقلا، وكان رئيسا ونقيبا في قم، وأميرا للحاج، وقد شبهه أمير قم بالأئمة في

____________________

(١) تاريخ قم ص ٢١٥ - ٢١٦.

(٢) منتهى الآمال ج ٢ ص ٥٧٠.

(٣) منتهى الآمال ج ٢ ص ٥٧١.

٢٣٦

الفضل والكمال، واعتقد بأنه يصلح للإمامة.

وكان ابنه أحمد بن محمد المعروف بالأعرج سيدا جليل القدر عظيم الشأن، رفيع المنزلة رئيسا نقيبا في قم، وكان رجلا متنسكا متعبدا محببا إلى قلوب الناس، سخيا جوادا واسع الجاه، ولد بقم سنة ٣١١ هـ وتوفي في شهر صفر سنة ٣٥٨ هـ، وكانت وفاته لأهل قم مصيبة عظمي.

وكان ابنه أبو الحسن موسى بن أحمد سيد أهل قم ورئيسهم، حسن المعاملة معهم، مراعيا حقوقهم، وفوضت إليه نقابة السادة في قم ونواحيها، وكان سادة آبة وقم وكاشان وغيرها تحت نظره في جميع أمورهم(١) .

وخلاصة القول أنهم كانوا أشراف هذه المدينة وأجلاءها في العلم والعمل.

ومنها: مزار أحمد بن قاسم بن أحمد بن علي بن جعفر العريضي، المعروف بـ (شاه أحمد قاسم)، وهو معروف بالشرف والجلالة، وقبره مزار كافة الناس، وكان عليه سقيفة، فلما جاء أصحاب خاقان المفلحي في سنة ٢٩٥ هـ إلى قم رفعوا السقيفة فتركت زيارته مدة إلى أن رأى بعض صلحاء قم في المنام في سنة ٣٧١ هـ أن ساكن هذه البقعة رجل فاضل، وفي زيارته ثواب عظيم، فبني قبره بالخشب وجدد، وأصبح يزار، وقال بعض الثقات: كان يأتي إليه أصحاب الأمراض المزمنة

____________________

(١) منتهى الآمال ج ٢ ص ٥٧١ - ٥٧٢.

٢٣٧

والمعلولون ويتوسلون به فيجدون الشفاء ببركة روحه الطاهرة(١) .

أقول: أشار إلى ذلك أحد الأساتذة من السادة العلماء الأجلاء، وأرشدني إلى زيارته والتوسل به، وأن حرمه موضع إجابة، وقد توسل به في بعض المهمات فقضيت حاجته.

وحرمه اليوم أحد المعالم البارزة في قم، وقد دفنت في حرمه أخته فاطمة.

وفي جواره دفن كثير من العلماء والمؤمنين، ويزدحم الزوار عند قبره ولا سيما في ليالي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.

ومنها: مزارقيل: إن حمزة بن الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام قد دفن فيه(٢) .

وقد اختلفت الأقوال في ذلك، فنقل العلامة القمي عن بعض كتب العلامة المجلسي أن قبر حمزة بن موسىعليه‌السلام يقرب من قبر (السيد) عبد العظيم(٣) (الحسني).

وقد تقدم ما نلقناه من رجال النجاشي أن السيد عبد العظيم الحسني كان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره ويقول هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفرعليهما‌السلام .

وذكر غيره أن قبره في إصطخر من شيراز(٤) .

وذكر المحدث القمي أن في مدينة قم الطيبة مزار يعرف بـ (شاهزاده حمزة)، ولأهل هذه البلدة اعتقاد تام فيه ويحترمونه

____________________

(١) تاريخ قم ص ٢٢٥.

(٢) منتهى الآمال ج ٢ ص ٣٦٨.

(٣) منتهى الآمال ج ٢ ص ٣٦٧.

(٤) المجدي في أنساب الطالبيين ص ١١٧.

٢٣٨

ويعظمونه، وله قبة وصحن، ويظهر من كلام صاحب تاريخ قم أن هذه الشخص هو حمزة بن موسىعليه‌السلام ، كما ورد في تاريخ السادات الرضائية الذين أقاموا بقم ودفنوا فيها، أنه قال: جاء يحيى الصوفي إلى قم وأقام بها وسكن في دار قرب دورة زكريا بن آدم ومشهد حمزة بن موسى بن جعفرعليهما‌السلام (١) .

وإليه ينتهي نسب السلالة الصفوية الذين حكموا إيران أكثر من قرنين من الزمان(٢) ، وذكرنا فيما تقدم أن أربعة من سلاطينهم دفنوا بجوار السيدة المعصومةعليها‌السلام .

ومنها: مزار كبير يعرف اليوم بـ (گلزار) قيل: إن علي بن جعفر الصادقعليه‌السلام مدفون فيه(٣) .

وقد اختلف في ذلك أيضا، وقيل: إنه مدفون في العريض من نواحي المدينة، وسكن فيها، وله أولاد كثيرون، وهم العريضيون(٤) .

وقال العلامة المجلسي: وأما كونه مدفونا في قم فغير مذكور في الكتب المعتبرة، لكن أثر قبره الشريف موجود قديم وعليه اسمه مكتوب(٥) .

وهناك مزارات أخرى في قم تنسب لأولاد الأئمةعليهم‌السلام وأحفادهم من السادة الحسنيين والحسينيين والموسويين والرضويين وغيرهم

____________________

(١) منتهى الآمال ج ٢ ص ٣٦٨.

(٢) منتهى الآمال ج ٢ ص ٣٦٨.

(٣) منتهى الآمال ج ٢ ص ٢٥٩.

(٤) منتهى الآمال ج ٢ ص ٢٥٩.

(٥) بحار الأنوار ج ١٠٢ ص ٢٧٣.

٢٣٩

وقد ذكرهم القمي في تاريخه، والعلوي العمري في مجديه(١) ويقصدهم الزائرون ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم.

وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستوعبة، فعسى أن يتهيأ لها من يسد هذا الفراغ.

والخلاصة أن أرواح الطيبين والصلحاء تحيط بقم وأهلها، وتدفع عنها وعنهم عاديات الزمان.

____________________

(١) تاريخ قم ص ٢٠٥ - ٢٣٩ والمجدي في أنساب الطالبيين ص ١٢٨ و ٢٢٠ و ٣١٣.

٢٤٠

مسجد جمكران

يقع في الجهة الجنوبية من قم وعلى بعد بضعة آلاف من الأمتار مسجد كبير يقال له مسجد جمكران إضافة إلى اسم المكان، يقصده المئات بل الآلاف من المؤمنين من شتى بقاع إيران وغيرها، ولا سيما في ليالي الأربعاء من كل أسبوع، يقضون فيه أوقاتا في العبادة والتهجد والتوسل بالحجة ابن الحسن العسكريعليهما‌السلام وهو عامر بالعبادة في جميع الأوقات.

ويعود تاريخ هذا المسجد إلى القرن الرابع الهجري، وقد ذكرت في كيفية تأسيسه قصة عجيبة ترتبط بالإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولذا نسب المسجد إليه.

ويعد هذا المسجد من العلائم البارزة لهذه المدينة المقدسة.

ومن النادر جدا أن يزور شخص مدينة قم ويغفل عن زيارة هذا المسجد والصلاة فيه.

وقد ذكر أن له صلاة مخصوصة بكيفية خاصة كما سيأتي بيانها.

٢٤١

ومنذ أن أسس هذا المسجد وإلى يوم الناس هذا ولا زال المؤمنون يتوافدون على هذا المسجد وحدانا وأفواجا، ويبتهلون إلى الله تعالى ويتوسلون بوليه الحجة ابن الحسنعليهما‌السلام في مختلف شؤونهم وقضاياهم، ولا سيما بالدعاء لتعجيل الفرج.

وقد اتسعت رقعة هذا المسجد بعد أن كانت مساحته صغيرة، وأصبح يتسع للآلاف من المصلين وخصص قسم منه إلى النساء، وتشرف عليه هيئة خاصة تدير شؤونه ولوازمه وسائر مرافقه.

وإنك لتجد في كل ليلة أربعاء من كل أسبوع ازدحام الزائرين من أهل قم وغيرها من سائر المدن لزيارة حرم السيدة المعصومة ومسجد جمكران وبعض المزارات الأخرى.

ونظير ذلك ما كان يجري في الكوفة حيث مسجد السهلة فقد دأب الصالحون وأهل العبادة على قضاء هذه الليلة من كل أسبوع في مسجد السهلة للصلاة والتهجد والابتهال، وكانت ألطاف الله تعالى وعناياته تغمر بعض هؤلاء فيحظون بالكرامة الخاصة أو بقضاء الحوائج أو باستجابة الدعوات.

أما اختصاص ليلة الأربعاء من بين الليالي فلم نعرف له وجها، اللهم إلا أن يكون من المجربات لبعض الصالحين وأصبحت عادة عند المؤمنون.

نعم ذكر السيد ابن طاووس في أعمال مسجد السهلة ذلك، فقال:

إذا أردت أن تمضي إلى السهلة فاجعل ذلك بين المغرب والعشاء

٢٤٢

الآخرة من ليلة الأربعاء، وهو أفضل من غيره من الأوقات(1) .

فلعل اختيار زيارة مسجد جمكران في ليلة الأربعاء والصلاة فيه بمقتضى المناسبة بين المسجدين حيث التوسل بالإمام الحجة ابن الحسن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وأما قصة بناء هذا المسجد وما رافقها من أحداث فهي كما في الحكاية الثامنة من كتاب جنة المأوى، قال: في تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن القمي من كتاب مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين من مصنفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية...

سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الإمامعليه‌السلام على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائما في بيتي، فلما مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني وقالوا: قم واجب الإمام المهدي صاحب الزمان، فإنه يدعوك.

قال: فقمت وتعبأت وتهيأت، فقلت: دعوني حتى ألبس قميصي، فإذا بنداء من جانب الباب: هو ما كان قميصك، فتركته وأخذت سراويلي فنودي: ليس ذلك منك فخذ سراويلك، فألقيته وأخذت

____________________

(1) مصباح الزائر ص 105.

٢٤٣

سراويلي ولبسته، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي: الباب مفتوح.

فلما جئت إلى الباب رأيت قوما من الأكابر فسلمت عليهم فردوا ورحبوا بي، وذهبوا بي إلى موضع المسجد الآن، فلما أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتى في زي ابن ثلاثين متكئا عليها، وبين يديه شيخ وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستين رجلا يصلون في تلك البقعة، وعلى بعضهم ثياب بيض وعلى بعضهم ثياب خضر.

وكان ذلك الشيخ هو الخضرعليه‌السلام ، فأجلسني ذلك الشيخعليه‌السلام ودعاني الإمامعليه‌السلام باسمي، وقال: إذهب إلى حسن بن مسلم وقل له:

إنك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها ونحن نخربها، زرعت خمس سنين والعام أيضا أنت على حالك من الزراعة والعمارة، ولا رخصة لك في العود إليها، وعليك رد ما انتفعت به من غلات هذه الأرض ليبنى فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم: إن هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي وشرفها، وأنت قد أضفتها إلى أرضك، وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابين فلم تنتبه من غفلتك، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر.

قال حسن بن مثله: [قلت:] يا سيدي لا بد لي في ذلك من علامة، فإن القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجة عليه، ولا يصدقون قولي، قال:

إنا سنعلم هناك، فاذهب وبلغ رسالتنا، واذهب إلى السيد أبي الحسن

٢٤٤

وقل له: يجئ ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين ويعطيه الناس حتى يبنوا المسجد ويتم ما نقص من غلة رهق ملكنا بناحية اردهال ويتم المسجد، وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد ليجلب غلته كل عام ويصرف إلى عمارته.

وقل للناس: ليرغبوا إلى هذ الموضع ويعزروه ويصلوا هنا أربع ركعات للتحية في كل ركعة يقرأ سورة الحمد مرة وسورة الإخلاص سبع مرات، ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات، وركعتان للإمام صاحب الزمانعليه‌السلام هكذا: يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى « إياك نعبد وإياك نستعين » كرره ماءة مرة، ثم يقرؤها إلى آخرها، وهكذا يصنع في الركعة الثانية، ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات، فإذا أتم الصلاة يهلل:

ويسبح تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي على النبي وآله ماءة مرة، ثم قالعليه‌السلام : ما هذه حكاية لفظه: « فمن صلاها فكأنما صلى في البيت العتيق ».

قال حسن بن مثلة: قلت في نفسي: كأن هذا موضع أنت تزعم أنما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيرا إلى ذلك الفتى المتكئ على الوسائد، فأشار ذلك الفتى إلي أن اذهب.

فرجعت فلما سرت بعض الطريق دعاني ثانية، وقال: إن في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزا يجب أن تشتريه، فإن أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي من مالك، وتجئ به إلى هذا الموضع

٢٤٥

وتذبحه الليلة الآتية، ثم تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم المعز على المرضى ومن به علة شديدة فإن الله يشفي جميعهم، وذلك المعز أبلق كثير الشعر وعليه سبع علامات سود وبيض ثلاث على جانب وأربع على جانب سود وبيض كالدراهم.

فذهبت فأرجعوني ثالثة وقال: تقيم بهذا المكان سبعين يوما أو سبعا فإن حملت على السبع انطبق على ليلة القدر، وهو الثالث والعشرون وإن حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة وكلاهما يوم مبارك.

قال حسن بن مثلة: فعدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل الليل متفكرا حتى أسفر الصبح فأديت الفريضة وجئت إلى علي بن المنذر فقصصت عليه الحال فجاء معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة فقال: والله إن العلامة التي قال لي الإمام واحد منها أن هذه السلاسل والأوتاد هاهنا.

فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرضا، فلما وصلنا إلى باب داره رأينا خدامه وغلمانه يقولون إن السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من سحر، أنت من جمكران؟ قلت: نعم فدخلت عليه الساعة وسلمت عليه، وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني، ومكن لي في مجلسه، وسبقني قبل أن أحدثه، وقال: يا حسن بن مثلة إني كنت نائما فرأيت شخصا يقول لي: إن رجلا من جمكران يقال له: حسن بن مثلة يأتيك

٢٤٦

بالغدو ولتصدقن ما يقول، واعتمد على قوله، فإن قوله قولنا، فلا تردن عليه قوله، فانتبهت من رقدتي وكنت أنتظرك الآن.

فقص عليه الحسن بن مثله القصص مشروحا، فأمر بالخيول لتسرج، وتخرجوا فركبوا، فلما قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع على جانب الطريق، فدخل حسن بن مثلة بين القطيع وكان ذلك المعز خلف القطيع، فأقبل المعز عاديا إلى الحسن بن مثلة، فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي أني ما رأيت هذا المعز قط، ولم يكن في قطيعي إلا أني رأيته، وكلما أريد أن آخذه لا يمكنني، والآن جاء إليكم فأتوا بالمعز كما أمر به السيد إلى ذلك الموضع وذبحوه.

وجاء السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه إلى ذلك الموضع وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغلات، وجاؤا بغلات رهق وسقفوا المسجد بالجزوع، (الجذوع) وذهب السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته، فكان يأتي المرضى والإعلاء - المعلولون - ويمسون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلا ويصحون.

قال أبو الحسن محمد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا الحسن الرضا في المحلة المدعوة بموسويان من بلدة قم فمرض - بعد وفاته - ولد له فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد

٢٤٧

فلم يجدها.

ثم قال المحدث النوري: وقد نقلنا الخبر السابق من خط السيد المحدث الجليل السيد نعمة الله الجزائري عن مجموعة نقله منه، ولكنه كان بالفارسية فنقلناه ثانيا إلى العربية ليلائم نظم هذا المجموع.

ولا يخفى أن كلمة التسعين الواقعة في صدر الخبر بالمثناة فوق ثم السين المهملة كانت في الأصل سبعين مقدم المهملة على الموحدة واشتبه على الناسخ لأن وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين، ولذا نرى جمعا من العلماء يكتبون في لفظ السبع أو السبعين بتقديم السين أو التاء حذرا عن التصحيف والتحريف، والله تعالى هو العالم(1) .

هذا ما ذكر في قصة بناء هذا المسجد، وظاهرها أنها في اليقظة لا في المنام.

وعلى أي حال فالحكاية المذكورة وإن لم تكن حجة شرعية، ليثبت بها استحباب الصلاة المذكورة بالكيفية الخاصة - كما هو مقتضى الصناعة - إلا أن يقال بثبوته بعنوان آخر وهو كونه من صغريات قاعدة التسامح في أدلة السنن والتي تناولها العلماء بالدراسة في علم الأصول على اختلاف بينهم في توجيهها.

مضافا إلى أن أصل القضية أمر مسلم عند علماء الشيعة، حيث تلقوه بالقبول، وتسالموا عليه، وقد ذهب بعض الأجلاء منهم إلى أن ما

____________________

(1) جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة أو معجزته في الغيبة الكبرى - المطبوع ضمن الجزء الثالث والخمسين من بحار الأنوار - ص 230 - 234.

٢٤٨

اتفقت سيرة الشيعة عليه والتزموا به لا يحتاج إلى دليل.

ويؤيد ذلك: ما يشاهده المؤمنون ويلمسونه من آثار العبادة والتوسل في هذا المكان المبارك، الأمر الذي يكشف عن صحة هذه القضية وواقعيتها.

والحاصل: أن هذه البقعة لا تخرج عن كونها مسجدا من المساجد العامرة بالعبادة، وموطنا من مواطن الدعاء والتوسل بصاحب الزمانعليه‌السلام وردت فيها هذه الخصوصية وظهرت لها آثار جليلة كثيرة.

٢٤٩

٢٥٠

نهاية المطاف

وبعد، فهذا آخر ما أردناه من هذه الصفحات المختصرة حول سيدة جليلة من سيدات البيت العلوي، اختصها الله تعالى بكثير من المميزات، وكان لها عنده تعالى شأن من الشأن، حتى غدت من أفضل النساء.

وقد أدرك القارئ العزيز الوجه في الاستطراد بذكر بعض المباحث الخارجة - كما يبدو - عن دائرة الموضوع، فإنه أمر تفرضه طبيعة هذه الدراسات التحليلية ذات القضايا المتداخلة.

على أن فقدان عدة حلقات من مسلسل الأحداث أو قلة ما سجله المؤرخون، تضطر الباحث لأن يلتمس وجوه الملاءمة والانسجام بين المقدمات ونتائجها، أو الفحص عن مقدمات لبعض النتائج، بغية التوصل إلى إعطاء صورة واضحة بالمقدار الممكن، فيؤدي ذلك - بدوا - إلى خروج البحث عن دائرة موضوعة.

وأسأل الله تعالى أن يجعله عملا خالصا لوجهه الكريم وأن يكون أداء لبعض الحق من الوفاء والإخلاص والمودة لغصن من أغصان

٢٥١

الشجرة الطيبة لا زلنا نتفيأ ظلاله، ولا تزال السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام تغمرنا بألطافها وبركاتها، وتحوطنا برعايتها وعنايتها ونحن في حماها، فإنها سيدة عش آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكريمة أهل البيتعليهم‌السلام (1) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين الجمعة 26 ذو القعدة الحرام 1420 هـ.

____________________

(1) (سيدة عش آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و (كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ) عنوانا كتابين لمؤلفين فاضلين حول حياة السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، وقد استفدت منهما كثيرا فجزاهما الله خير الجزاء.

٢٥٢

الفهرس

المقدمة 5

الشجرة الطيبة: 7

السلالة الموسوية: 9

أسباب انتشار السادة الموسويين: 15

السيدة تكتم: 23

أمهات أكثر الأئمة عليهم‌السلام من الجواري... لماذا؟! 24

تنبيه: 45

تعدد الأسماء: 46

ولادة السيدة فاطمة المعصومة عليها‌السلام 54

أسماء وألقاب: 59

1 - فاطمة: 62

2 - المعصومة: 64

3 - كريمة أهل البيت: 70

في رحاب العلم والمعرفة: 73

المكانة الاجتماعية والشأن الرفيع: 81

لماذا لم تتزوج السيدة المعصومة؟ 86

المآسي والآلام: 115

لوعة الوداع: 119

إلى الرضا عليه‌السلام : 127

في قم: 139

أفول الشمس وبزوغها: 141

تاريخ الوفاة: 147

الحرم الشريف 151

٢٥٣

الزيارة 163

نص الزيارة: 168

خصائص الزيارة وبعض مميزاتها: 171

إيقاظ: 178

كرامات السيدة المعصومة عليها‌السلام 180

السيدة المعصومة عليها‌السلام في ضمائر الشعراء 195

من عشق المستجدين 203

عش آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم 211

النماذج الخيرة في العلم والعمل: 217

قم وأهلها في روايات أهل البيت عليهم‌السلام 224

مفاخر القميين: 229

العلويون في قم: 235

مسجد جمكران 241

نهاية المطاف 251

٢٥٤