• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25710 / تحميل: 6862
الحجم الحجم الحجم
أدعية أهل البيت عليهم السلام في تعقيب الصلوات

أدعية أهل البيت عليهم السلام في تعقيب الصلوات

مؤلف:
العربية

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) .

سورة الإنشراح ، الآية : 7 ـ 8

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه قال :

«التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد».

(وسائل الشيعة : 6 / 429 ح 1)

وروي عن الإمام الهاديعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من أدّى لله مكتوبة فله في إثرها دعوة مستجابة».

(وسائل الشيعة : 6 / 431 ح 10)

٣
٤

مقدّمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا وشفيع ذنوبنا محمد وآله المنتجبين ، لاسيما بقية الله في الأرضين الحجة المهدي بن الحسن عجل الله فرجه الشريف ، ولعنة الله على أعدائهم أعداء الدين أجمعين ، وبعد :

قال الله الحكيم في كتابه الكريم :( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّيلَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ ) وقال تعالى :( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) وقال عز وجل :( وإذا سألك عبادي عني فإني قريبُ أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ ) فإن من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى بعد الفرائض هو الدعاء والمناجاة والتضرّع بين

٥

يديه ، فهو سبحانه وتعالى أنيس من ذكره ، وملجأ من استغاث به ، وعصمة من اعتصم به ، بابه مفتوح للسائلين ، ورحمته قريبة من المحسنين ، وهو غوث الهاربين ، وأمان الخائفين ، فمن ذا الذي لا يأنس بذكره ، وهو القائل عز شأنه :( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) وجاء في دعاء أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : يا من اسمه دواء ، وذكره شفاء ، وطاعته غنى

فالدعاء سلاح المؤمن ، في الشدة والرخاء ، وفي العسر واليسر ، وفي المرض والصحة ، وفي الفقر والغنى جاء في الحديث الشريف المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لايرد القضاء إلا الدعاء.

ومن أفضل أوقات الدعاء هي أدبار الفرائض الخمس ، وذلك لما جاء فيها من أخبار وأحاديث شريفة ، ترغب وتحث على التعقيب بعد كل فريضة بالدعاء إلى الله تعالى والابتهال إليه.

هذا وقد ورد عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل بيته المنتجبين صلوات الله عليهم الكثير من الأدعية والمناجاة والتسبيح والأذكار بعد الفرائض الخمس ، وقد ذكرتها جلُّ كتب الأدعية والحديث ، وهذا الكتاب أخي الكريم يضم

٦

جملة مما ورد عنهمعليهم‌السلام من التعقيبات الشريفة وما يرتبط بها ، كما ذكرت أيضاً جملة من المستحبات في ذلك ، والتي ذكرها بعض علمائنا تغمدهم الله برحمته.

وأسأل الباري تعالى أن يتقبل مني هذا العمل بأحسن قبول ، ويجعله ذخراً لي يوم فقري وفاقتي في( يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ) إنه سميع مجيب ، وكما التمس من إخواني المؤمنين أن لا ينسوني ووالديَّ وأهلي من صالح دعائهم.

سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، إنه نعم المولى ونعم النصير ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

يوم الثلاثاء الأول من شهر جمادى الأولى سنة 1424 هـ

في جوار كريمة أهل البيت فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر صلوات الله عليهم أجمعين.

عبد الله حسن آل درويش

٧

تنبيه

وننبه هنا أن ما ذكرناه هنا في هذا الكتاب الذي بين يديك هو مأخوذ من كتابنا (تعقيبات الصلوات وأدعية الرزق والعافية والحاجات) جمعناه بهذه الكيفية ليكون أسهل وأيسر في التناول والتداول. والله الموفق.

٨

أدعية أهل البيتعليهم‌السلام

برهان صدق على إمامتهمعليهم‌السلام

تمهيد

قالت الحكماء : النطق أشرف ما خص به الإنسان ، لأنه صورته المعقولة التي باين بها سائر الحيوانات ، ولذلك قال سبحانه :( خَلَقَ الْإِنْسَانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) (1) ، ولم يقل : وعلمه بالواو لأنه سبحانه جعل قوله :( عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) تفسيراً لقوله :( خَلَقَ الْإِنْسَانَ ) ، لا عطفاً عليه ، تنبيهاً على أن خلقه له ، وتخصيصه بالبيان الذي لو توهم مرتفعاً لارتفعت إنسانيته ، ولذلك قيل : ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة ، أو صورة ممثلة(2) .

__________________

(1) سورة الرحمن ، الآية : 3 و 4.

(2) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ج 18 ص 196

٩

فالكلامُ يكشف عن شخصية المتكلم وهويته ، وينبئ عن مقدار علمه وثقافته وميوله النفسية ، فإذا ما تكلم امرؤٌ عُرف من خلال كلماته من هو.

قال الأخطل :

إن الكلامَ لفي الفؤاد وإنما

جُعل اللسانُ على الفؤاد دليلا

روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : قيمة كلِّ امرئ ما يحسن(1) ، وروي أيضاً قالعليه‌السلام : المرءُ مخبوءٌ تحت لسانه(2) ، وفي رواية : المرءُ مخبوءٌ تحت طي لسانه لا طيلسانه(3) ، وفي مناقب آل أبي طالب ، عنهعليه‌السلام : المرءُ مخبوٌّ تحت لسانه فإذا تكلم ظهر(4) .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج في شرح هذه الكلمة البليغة : قد تكرر هذا المعنى مراراً ، فأما هذه اللفظة فلا نظير

__________________

(1) نهج البلاغة : ، خطب الإمام علي عليه‌السلام : ج 4 ص 18 ، ح 81.

(2) المناقب ، الموفق الخوارزمي : ص 375.

(3) تفسير الآلوسي : 16 / 214.

(4) مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ج 1 ص 326

١٠

لها في الإيجاز والدلالة على المعنى(1) .

ورويت أيضاً هذه العبارة برواية أخرى : «تكلموا تعرفوا ، فإن المرء مخبوء تحت لسانه» وقال ابن أبي الحديد في شرحها أيضاً : هذه إحدى كلماتهعليه‌السلام التى لا قيمة لها ، ولا يقدر قدرها ، والمعنى قد تداوله الناس ، قال :

وكائن ترى من صامتٍ لك معجبٌ

زيادته أو نقصهُ في التكلّمِ

لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه

فلم يبق إلا صورةُ اللحمِ والدمِ

وكان يحيى بن خالد يقول : ما جلس إليَّ أحدٌ قط إلا هبته حتى يتكلم ، فإذا تكلم إما أن تزداد الهيبة أو تنقص(2) .

كلامكم نور

أقول : فإذا كان ماقدمناه آنفاً هو ميزان حق لا يختلف فيه اثنان ، إذن فمن البيّن الواضح الذي لا مرية فيه ولا

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ج 18 ص 353.

(2) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج 19 ص 340.

١١

شبهة تعتريه أن كلام أهل البيتعليهم‌السلام وحديثهم هو أحسن الحديث بعد حديث النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ دلت على ذلك الدلائل الواضحة والبراهين الساطعة.

وإذا كان المرء إنما يتميز على غيره بما يحسنه من الكلم ، وما ينبئ منطقه من فكر وعلم ، فإن في بديع كلام أهل البيتعليهم‌السلام ماينبئ عن عظيم مقامهم وجليل خطابهم الذي لايباريهم فيه أحدٌ سواهم ، جاء في الزيارة الجامعة : «كلامكم نور ، وأمركم رشد ، ووصيتكم التقوى ، وفعلكم الخير ، وعادتكم الإحسان ، وسجيتكم الكرم ، وشأنكم الحق والصدق والرفق ، وقولكم حكم وحتم ، ورأيكم علم وحلم وحزم ..» فحقاً إن كلام أهل البيتعليهم‌السلام يأخذ بمجامع القلوب ، فهو فوق كلام المخلوقين ، ودون كلام الخالق.

فهذه أدعيتهم تنطق ببراعة فائقة وتكشف عن علو مقامهم وسمو ذاتهم ، وذلك بما حوته من إعجاز في البلاغة والفصاحة والمعاني البديعة ، وبما اكتنفته من معارف وعلوم غزيرة ، وقد كشفت عن أسرار سائر ملكاتهم النفسية ، ولا عجب في ذلك فهم الراسخون في العلم الذين أوتوا

١٢

الحكمة ، قال تعالى :( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) (1) .

هذا وقد ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عترته وأهل بيتهعليهم‌السلام مافيه بيان وبرهان واضح لمن ألقى السمع وهو شهيد ، جاء في رواية الطبراني عن زيد بن أرقم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (في حديث الثقلين) قال : فلا تقدموهما ـ يعني القرآن والعترة ـ فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم(2) .

وجاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة له يقول في حقهم أيضاً : فيهم كرائمُ القرآن ، وهم كنوزُ الرحمن ، إن نطقوا صدقوا ، وان صمتوا لم يسبقوا(3) .

وفي نهج البلاغة قالعليه‌السلام : هم عيشُ العلم وموتُ الجهل ،

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية : 269.

(2) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 5 ص 167.

(3) جاء في كتاب نهج السعادة للشيخ المحمودي : ج 8 ص 389 : قال الأستاذ الموفق محمد عبده مفتي الديار المصرية ، في تعليقته على هذا الكلام : الضمير لآل النبيعليهم‌السلام ، والكرائم جمع كريمة ، والمراد أنه قد أنزل في مدحهم آيات كريمات ، والقرآن كريم كله ، وهذه كرائم.

١٣

يخبركم حلمهم عن علمهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل(1) .

وروي عن مولانا الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة : شرِّقا وغرِّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت(2) .

وللأسف إن كثيراً من الناس يجهلون حقيقة أهل البيتعليهم‌السلام وإمامتهم وعلومهم الجمة ، وأحاديثهم الطيبة بسبب ابتعادهم عن هذا المعين الصافي ، فحرموا أنفسهم من هذا العطاء ، روي عن مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال : إن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا(3) .

__________________

(1) نهج البلاغة ، خطب الإمام عليعليه‌السلام : ج 2 ص 232 ، رقم الخطبة : 239.

(2) الكافي ، الشيخ الكليني : ج 1 ص 399 ح 3.

(3) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ، الشيخ الصدوق : ج 2 ص 275 ح 69.

١٤

فإذا نظر البصير المنصف في كلمات أهل الكلام من عامة الناس ، ثم عطف العنان على كلمات أهل البيتعليهم‌السلام وحديثهم فسوف يجد الفرق بيّناً ، وأن كلمات غيرهم تسمج عند كلماتهم ، وأن حديثهم يعلو على حديث سائر الناس.

وحسبكمُ هذا التفاوت بيننا

وكل إناءٍ بالذي فيه ينضحُ

«فإن عطفت النظرة إلى كلم الأنبياء والأوصياء الماضين والتابعين لهم بإحسان من ولي صالح ، وحكيم إلهي ، ومتكلم مفوه ، وخطيب مصقع ، وعارف نابه ، وإمام مقتدى من لدن آدمعليه‌السلام وهلم جرا تجدها دون ما نطق به سيدُ من نطق بالضاد ، نبيُّ العظمة ، رسول الكتاب والحكمة ، وأوصياؤه المصطفون ، تقصر لدى كلمهم الكلم ، وعند حكمهم الحكم ، ويعجز عن أن يأتي بمثلها الحكماء البلغاء من السلف والخلف ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، ويكلّ عن ندها لسان كلّ طلق ذلق ، ويحسر عن وصفها بيان كل ذرب اللسان منطيق ، ولا يبلغ مداه ، ولا يسعه الاستكناه.

نعم تلكم الكلم الصادرة عن ينابيع الوحي الفياضة من أهل

١٥

بيت العصمة ، وهي آية في البلاغة والفصاحة والمتانة في اللفظ والمعنى ، دون كلام الخالق وفوق مقال البشر ، ومن أمعن فيها يجدها أقوى برهنة ، وأدل دليل على إمامة أولئك السادة القادة أئمة الكلام ، ومدارس الحكمة ، ويراها أكبر معجزة وأعظم كرامة لأولئك النفوس القدسية الطاهرة ، تبقى مدى الأبد تذكر وتشكر.

وحسب أولئك الذرية الطيبة عظمة وفخراً ما خلده صدق منطقهم في الدهر من غرر الآثار ، أو مآثر بثتها ألسنتهم مما نفث الله من الحكمة في روعهم ، يفتقر إليها المجتمع البشري ، وتصلح بها الأمة المسلمة ، ويحتاج إليها كل حكيم بارع ، وعاقل محنك ، وخلقي كريم ، وفيلسوف نابه ، وعارف ناصح ، وإمام مصلح ، ولا منتدح عنها لأي ابن أنثى إن عقل صالحه»(1) .

فهمعليهم‌السلام أهل بيت الحكمة ومعدن الرسالة ، وأرباب الكلام ، فاقوا الناس جميعاً وسبقوهم إلى كل خير ، كما تفرّدوا من بينهم بأبلغ الكلام وأحسنه ، فهذا تراثهم المروي في كتب الحديث والسيرة يفصح عن مدى غزارة علمهم ، وعذوبة

__________________

(1) تحف العقول ، ابن شعبة الحراني : 6 ، (في المقدمة)

١٦

منطقهم ، وينم عن أدبهم الرفيع ، وما حوته أيضاً من تعاليم قيمة في جميع مناحي الحياة والتي لا غنى لكل الناس عنها.

ومن هذا التراث المعطاء كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ورسالة الحقوق للإمام زين العابدينعليه‌السلام وما ورد عن سائر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام من حكم ومواعظ وأحاديث ، لاتجد لها مثيلاً في التأريخ كله.

ومن بديع الشعر في هذا المعنى ما قاله السيد حسن البغدادي (المتوفى سنة 1367 هـ) في وصف (نهج البلاغة) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

نهجٌ له كلُّ الأنام قد غدت

خرساً وأهدى للطريق الأعدلِ

فلم نجد أفصح منه منطقاً

سوى لئالى المصحف الغض الجلي

فذا كلامٌ قاله المولى العلي

وذا كلامٌ قاله المولى علي(1)

__________________

(1) أدب الطف ، السيد جواد شبر : 9 / 324.

١٧

فمنهم تعلم الناس الحكمة والفصاحة ، وآداب الكلام ، وبينوا للناس القول الصحيح من غيره ، وقد شهد ببلاغتهم وفصاحتهم وبديع حكمتهم القريب والبعيد ، والمحب والقالي ، فمن ذلك قول معاوية لما قال له محفن بن أبي محفن : جئتك من عند أعيا الناس ، قال له : ويحك! كيف يكون أعيا الناس! فو الله ما سن الفصاحة لقريش غيره.

وقال ابن أبي الحديد في مقدمة كتابه في شرح نهج البلاغة : ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنه لا يجارى في الفصاحة ، ولا يبارى في البلاغة ، وحسبك أنه لم يدون لأحد من فصحاء الصحابة العشر ، ولا نصف العشر مما دون له ، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب (البيان والتبيين) وفي غيره من كتبه(1) .

ومن ذلك أيضاً قول يزيد في حق الإمام زين العابدينعليه‌السلام لما أراد أن يخطب في أهل الشام في مجلسه ، فقال له بعضهم : وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال : إنه من أهل بيت قد

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج 1 ص 24 ـ 25.

١٨

زقوا العلم زقا(1) .

ومنها أن ملك الروم كتب إلى عبد الملك يتوعده ، فضاق عليه الجواب ، وكتب إلى الحجاج ، وهو إذ ذاك على الحجاز : أن ابعث إلى علي بن الحسين فتوعده وتهدده وأغلظ له ، ثم انظر ماذا يجيبك ، فاكتب به إلي! ففعل الحجاج ذلك ، فقال له علي بن الحسين : إن لله في كل يوم ثلاثمائة وستين لحظة ، وأرجو أن يكفينيك في أول لحظة من لحظاته ، وكتب بذلك إلى عبد الملك ، فكتب به إلى صاحب الروم كتاباً ، فلما قرأه قال : ليس هذا من كلامه ، هذا من كلام عترة نبوية(2) .

وفي كتاب بلاغات النساء قال بعضهم حينما سمع أم كلثوم بنت أمير المؤمنينعليها‌السلام تخطب بعد مقتل أخيها سيد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام يصف منطقها وجزيل خطابها : ورأيت أم كلثومعليها‌السلام ولم أر خفرة والله أنطق منها كأنما تنطق وتفرغ على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام (3) .

__________________

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : ج 45 ص 137 ـ 138.

(2) تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 304 ، العقد الفريد : ج 1 ص 155.

(3) راجع خطبتها كاملة في كتاب بلاغات النساء ، ابن طيفور : ص 23 و 25.

١٩

إلى غير ذلك من الشواهد التاريخية في هذا المعنى ، ولنعم ماقاله فيهم الشيخ رجب البرسي رحمه الله تعالى :

همُ القومُ أنوارُ النبوةِ فيهمُ

تلوحُ وآثارُ الإمامةِ تلمعُ

مهابطُ وحيِّ الله خزانُ علمهِ

وعندهم سرُّ المهيمنِ مودعُ

إذا جلسوا للحكم فالكلُّ أبكمُ

وإن نطقوا فالدهرُ أذنٌ ومسمعُ(1)

وقال الشيخ حسن الدمستاني رحمه الله تعالى :

إن ينطقوا ذكروا أو يسكتوا فكروا

أو يغضبوا غفروا أو يُقطعوا وصلوا

وقال آخر أيضاً :

إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهباً

وتعرف صدق الناس في نقل أخبارِ

__________________

(1) مشارق أنوار اليقين ، الشيخ رجب البرسي : 67.

٢٠