رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 240923 / تحميل: 8314
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

يسبقوه إلى أهله، فجعل يقول: يا صباحاه يا صباحاه اوتيتم اوتيتم(١) .

هكذا بدأت الدعوة الإسلامية، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطو خطوات قصيرة، يجابه ضوضاء الالحاد بحكمه وعظاته حتى دخل في الإسلام بعض الشخصيات البارزة ممن كانت لهم مكانة مرموقة بين الناس، وانجذبت إليه قلوب كثير من الشبان وأصبحت أفئدتهم تهوى إليه، غير أنّ الجو المفعم بالاحن والضغائن عرقل خطا دعوته، وتفاقمت جرائم قريش نحوه، فأجمعوا أمرهم على أن يخنقوا نداءه، بإنهاء حياته وإطفاء نوره، حيث اجتمع سادتهم في دار الندوة، وأجمعوا على أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً، ويسلّموا له سيفاً صارماً، وأوصوا هؤلاء الشباب بأن يضربوه ضربة رجل واحد، حتى يموت، فيستريحوا منه، وبذلك يتفرّق دمه في القبائل جميعاً، ولا يقدر بنو هاشم، على حربهم.

ولكنّ الله ردّ كيدهم، وصدّهم عن ذلك، وخيّب حيلتهم، وأخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المكيدة الداهمة، فغادر مكة متوجهاً إلى « يثرب » حتى دخلها، فاجتمع حوله رجال من الأوس والخزرج، وبايعوه، ووعدوه بالنصر، والمؤازرة والحراسة.

والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن غادر مكة، وترك قومه، إلّا أنّ قومه لم يتركوه، بل أجّجوا نار الشحناء عليه، ودارت بينهم وبين الرسول حروب دامية، وحملات طاحنة، وبذلت قريش آخر ما في وسعها، ورمت كل ما في كنانتها، وبالغت في تقويض الإسلام، وهدم بنائه، إلى أن دخل العام السادس، من الهجرة، فتعاهد الفريقان في أرض الحديبية على هدنة تدوم عشر سنوات، بشروط خاصة.

هذا الصلح الذي تصالح به المسلمون في الحديبية، انقلب الى فتح مبين للإسلام، فانتهز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الفرصة لنشر دعوته في البلاد البعيدة، فبعث سفراءه وفي أيدي كل واحد كتاب خاص إلى قيصر الروم، وكسرى فارس، وعظيم القبط، وملك الحبشة، والحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام، وهوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة ،

__________________

(١) السيرة الحلبية، ج ١، ص ٣٢١ المقصود: هوجمتم من قبل العدو.

٤١

بل إلى رؤساء العرب، وشيوخ القبائل، والاساقفة، والمرازبة، والعمال، يدعوهم إلى دين الإسلام، الذي هو دين السلام، ورسالته من الله وما اُنزل إليه من ربّه.

وهذه المكاتيب أول دليل على أنّ رسالته، عالمية لا تحدد بحد، بل تجعل الأرض كلها مجالاً لإقامة هذا الدين، ودونك نماذج ممّا ورد في تلكم الرسائل :

١. كتب إلى كسرى ملك فارس :

« بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى أدعوك بدعاية الله فإنّي أنا رسول الله إلى الناس كافة، لاُنذر من كان حيّاً، ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس »(١) .

٢. وكتبصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قيصر ملك الروم :

« بسم الله الرحمن الرحيم، إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرّتين فإن تولّيت فإنّما عليك إثم الاريسيين »(٢) .

وما ذكرناه نماذج من رسائله، وكتاباته الإبلاغية، وفيه وفي غيره مصارحة شديدة بأنّه رسول الله إلى العرب والعجم، وإلى الناس كلهم، من غير فرق بين اللون والجنس، والعنصر والوطن، ويمتد شعاع رسالته بامتداد الحضارة، ووجود الانسان، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكافح كل مبدأ يضاد دينه، وكل رساله تغاير رسالته، وقد جرى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه طيلة حياته الرسالية، حتى التحق بالرفيق الأعلى.

يقول السير توماس ارنولد: « انّ هذه الكتب قد بدت في نظر من اُرسلت إليهم ضرباً من الخرق، فقد برهنت الأيام على أنّها لم تكن صادرة عن حماسة جوفاء وتدل هذه الكتب دلالة أكثر وضوحاً وأشد صراحة على ما تردد ذكره في القرآن من مطالبة الناس جميعاً بقبول الإسلام ».

__________________

(١) تاريخ الطبري، ج ٢، ص ٢٩٥، تاريخ اليعقوبي، ج ٢، ص ٦١ وغيرهما.

(٢) السيره الحلبية، ج ٢، ص ٢٧٥، مسند أحمد، ج ١، ص ٢٦٣ وغيرهما.

٤٢

فقد قال الله تعالى في سورة ص ٨٧ ـ ٨٨:( إِنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ *وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) .

وفي سورة يس ٦٩ ـ ٧٠:( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ *لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) .

وفي سورة الفرقان ١:( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) .

وقال سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) سورة سبأ: ٢٨.

وقال سبحانه:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) . سورة الأعراف ١٥٨.

وقال سبحانه:( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ) . سورة آل عمران: ٨٥.

وقال سبحانه:( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) . سورة النساء: ١٢٥.

وقال سبحانه:( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ *وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ *اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَٰهَ إلّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إلّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) . التوبة: ٢٩ ـ ٣٣(١) .

__________________

(١) الدعوة إلى الإسلام، ص ٣٤.

٤٣

تأثير تلكم الكتب :

وممّا يدل على أنّ هذه الكتب لم تصدر عن حماسة جوفاء، أنّه قد كان لها أثر بديع في أكثر هذه الأوساط، إذ تجاوبت معها شعور كثير منهم، فنبهتهم من رقدتهم، وانهضتهم من كبوتهم، فأصبحوا متفكّرين من ملبّ لدعوته، وخاضع لرسالته، ومؤمن بما أتاه، إلى معظّم لرسله، ومجيز لهم، ومكبّر إيّاه بإرسال التحف الثمينة، ودونك صورة مصغّرة ممّا أثارته تلكم الكتب في هذه البيئات، وقد روى أصحاب السير والتاريخ أُموراً كثيرة يطول بنا المقام بذكرها :

قال قيصر لأخيه ـ حين أمره برمي الكتاب ـ: أترى أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر، وقال لأبي سفيان: إن كان ما تقول حقّاً فإنّه نبي، ليبلغنّ ملكه ما تحتي قدمي.

وخرج ضغاطر أسقف الروم بعد قراءة الكتاب، إلى الكنيسة وقال في حشد من الناس: يا معشر الروم أنّه قد جاءنا كتاب أحمد، يدعونا إلى الله وأنّي أشهد أن لا إلهَ إلّا الله وأنّ أحمد رسول الله.

وقال المقوقس: إنّي قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده ساحراً ضالاّ، ولا كاهناً كذّاباً.

وكتب فروة عامل قيصر بعمان إلى رسول الله كتاباً، أظهر فيه إسلامه، فلمّا اطّلع عليه قيصر أخذه واستتابه، فأبى فأمر بقتله، فقال حينما يقتل :

بلّغ سراة المسلمين بأنّني

سلم لربّي أعظمي وبناني

وكتب هوذة بن علي ملك اليمامة إلى رسول الله: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله.

ولبّي المنذر بن ساوى ملك البحرين دعوة الرسول وأظهر إسلامه.

وأجابه ملوك حمير، وأساقفة نجران، ولبّاه عمّال كسرى باليمن، واقيال

٤٤

حضرموت، وملك ايلة ويهود مقنا بالإسلام، أو بإعطاء الجزية.

وكتب النجاشي ملك الحبشة، كتابه المعروف، وأظهر إسلامه إلى درجة صلّى عليه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما بلغه موته(١) .

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، من تأثير دعوته العالمية ورسالته العامّة.

نعم قد شذ منهم كسرى ـ ومن لفّ لفه ـ وهو ذلك الملك الذي ورث السلطة والحكم عن أجداده من آل ساسان، فأبى أن يكون تابعاً للعرب، وخشى من هذا الدين على شخصه وملكه.

ولأجل ذلك لا تعجب إذا ثارت ثائرة كسرى، فمزّق كتاب الرسول، وأرسل إلى باذان، عامله باليمن، وكتب إليه: « ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين جلدين فليأتياني به »(٢) .

هذه صورة اجمالية من بدء دعوته إلى ختامها، أتينا بها بصورة مصغّرة، ليقف القارئ على أنّ دعوته لم تكن مقصورة على بلد خاص، أو شعب خاص بل كانت عالمية غير محدودة، وأنّ مرماه كان هو القضاء على جميع النزعات الاقليمية والمحلية والأديان السالفة وتذويبها في اطار رسالته العالمية الواسعة النطاق، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصرّح بذلك في بدء دعوته، وأثنائها ومختتم أمره.

النصوص القرآنية في عالمية رسالته :

هلم معنا نتلو عليك نصوص القرآن الدالّة على أنّ رسالته، رسالة عالمية وأنّ دعوته لا تختص بإقليم خاص، أو اُمّة معيّنة، وإنّ مرماه هو إصلاح المجتمع البشري على وجه الاطلاق، ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه :

__________________

(١) راجع لمعرفة نصوص ما دار بينهم وبين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كتاب « مكاتيب الرسول ».

(٢) الكامل، ج ٢، ص ٨١، السيرة الحلبية، ج ٣، ص ٢٧٨، إلى غير ذلك.

٤٥

الأوّل: إنّ كثيراً من الآيات تصرّح بأنّ رسالته عالمية، وأنّه رسول الله إلى الناس جميعاً، وأنّ الله أرسله رحمة للعالمين، وأنّه بشير ونذير للناس كافة، وأنّه ينذر بقرآنه كل من بلغه كتابه وهتافه، من غير فرق بين شخص وشخص، أو عنصر وآخر، ودونك بعض النصوص من هذا القسم :

١.( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) ( الأعراف ـ ١٥٨ ).

٢.( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) ( سبأ ـ ٢٨ ).

٣.( وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا ) ( النساء / ٧٩ ).

٤.( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ( الأنبياء ـ ١٠٧ ).

٥.( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) ( الفرقان ـ ١ ).

٦.( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) ( الأنعام ـ ١٩ ).

ـ أي كل من بلغه القرآن، ووصلت إليه هدايته في أقطار الأرض ـ.

٧.( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) ( الصف ـ ٩ ).

٨.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ) ( النساء ـ ١٧٠ ).

٩.( الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) ( إبراهيم ـ ١ ).

١٠.( هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) ( آل عمران ـ ١٣٨ ).

وهذه الآيات ونظائرها ممّا لم ننقلها، صريحة في أنّ هتاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يختص باُمّة دون اُمّة، وأنّه بعث إلى الناس كافة مبشّراً ومنذراً لهم جميعاً.

الثاني: إنّ القرآن كثيراً ما يوجّه خطاباته إلى الناس غير مقيّدة بشيء، وهذا دليل

٤٦

واضح على أنّ هتافاته وتوجيهاته تعم الناس كافة، ودونك نماذج من هذا القسم.

١.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة ـ ٢١ ).

٢.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) ( البقرة ـ ١٦٨ ) إلى غير ذلك

فترى أنّه يخاطب الناس، ويقول: يا أيّها الناس تصريحاً منه على أنّ رسالته السماوية إلى الناس كلهم، لا إلى صنف خاص منهم.

فلو كان الإسلام ديناً اقليمياً، ورسالته طائفية، فلماذا تأتي هتافاته بلفظ:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ؟!.

فقد تكرر هذا النداء في الكتاب ست عشرة مرة.

بل لماذا يخاطب أهل الكتاب ويناديهم بقوله( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ) ؟ فقد ورد هذا الخطاب في الذكر الحكيم اثنتي عشرة مرة.

وربّما يستدل في المقام بالخطابات الواردة في القرآن موجهة إلى بني آدم لكن الاستدلال بها لا يخلو من الاشكال، كما سيوافيك بيانه عند البحث عن ختم الدين والرسالة(١) .

الثالث: إنّ القرآن ربّما يأخذ العنوان العام موضوعاً لكثير من أحكامه، من غير تقييد بلون، أو عنصر، أو شعب أرض خاصة، وهذا يكشف عن أنّه بعث إلى إصلاح المجتمع البشري في مشارق الأرض ومغاربها، وأنّ الرسالة التي اُلقيت على عاتقه لا تحدد بحد، ودونك نماذج من هذا القسم :

١.( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ( آل عمران ـ ٩٧ ).

فقد أوجب حج البيت على الناس إذا استطاعوا إليه، عرباً كانوا، أم غير عرب ،

__________________

(١) لاحظ الفصل الثاني ـ في هذا الكتاب ـ ص ١١٣.

٤٧

فلم يقل: لله على الاُمّة العربية ـ مثلاً ـ حج بيته.

٢.( وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) ( الحج ـ ٢٥ ).

٣.( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ( لقمان ـ ٦ ). فالجملة الخبرية بمعنى الانشاء وتحريم الاشتراء ولذا استدل الفقهاء بها على حرمة كسب المغنيّات تبعاً للسنّة(١) .

فذم سبحانه كل من اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله كائناً من كان إلى غير ذلك من الآيات.

الرابع: يقضي صريح القرآن بأنّ هدايته لا تختص بمجتمع خاص، بل تعم كل من تظلّه السماء، وتقلّه الأرض. ودونك بعضها :

١.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) ( النساء: ١٧٤ ).

٢.( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ) ( البقرة ـ ١٨٥ ).

٣.( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ( الزمر: ٢٧ ).

٤.( الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) ( إبراهيم ـ ١ ).

أليست هذه الآيات صريحة في أنّ القرآن نور وهدى للناس كلّهم، لا للعرب خاصة، ومع ذلك كيف يمكن أن نحمل رسالته على أنّها مختصة باُمّة دون اُمّة ؟! هذا ونجد سبحانه يقول:( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( الجمعة: ٣ ) وما المراد من ال‍:( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ ) ـ أي من المؤمنين ـ ؟ أليس المراد كل من جاء بعد

__________________

(١) راجع المكاسب، ص ٣٨، للشيخ الأعظم الأنصاري.

٤٨

الصحابة إلى يوم القيامة من العرب والعجم ؟(١) فالآية دالة على عمومية الرسالة مضافاً إلى خاتميتها.

هذه جوانب تلقي ضوءاً على البحث، وتهدف إلى أمر واحد: وهو أنّ رسالته ذات نزعة عالمية، غير محدودة بحد، فلا يحدها قطر، ولا يقيّدها شيء آخر من ألوان التحديد والتقييد، نعم مبدأ البرهان في كل واحد منها يختلف مع ما في الآخر ـ كما يظهر ذلك بالإمعان والتدبّر ـ(٢) .

البرهان على عمومية رسالته بوجه آخر :

وهناك لون آخر من البحث يتصل اتصالاً وثيقاً بطبيعة الإسلام، وبفكرته الكلية، عن الكون والحياة والإنسان، ونظرته الوسيعة الثاقبة في التقنين والتشريع وإن شئت فاجعله خامس الوجوه.

بيانه: أنّ الحقائق الراهنة التي جاء بها الصادع بالحق، في مختلف الأبواب والفصول، لا تستهدف سوى تبنّي الواقع، ولا تأخذ غيره دعامة، ولا تخضع لشرط من الشرائط الزمانية إلّا لنفس الأمر.

وإن شئت فقل: إنّ الإسلام لا يعتمد في أحكامه وتشريعاته وما يرجع إلى الانسان في معاشه ومعاده، إلّا على مقتضى الفطرة التي فطر عليها كلّ بني الإنسان والسائدة في كافة أفراده، في عامة أقطار الأرض جميعاً، وإذا كان الحكم والتشريع موضوعاً على طبق الفطرة الانسانية السائدة في جميع الأقطار والأفراد، فلا وجه

__________________

(١) مجمع البيان، ج ٥، ص ٢٨٤.

(٢) هذه الوجوه الأربعة تختلف في طريق البرهنة على المطلب، فقد استدل في الوجه الأوّل بتصريح القرآن على عموم رسالته، واعتمد في الثانية على شمولية هتافات القرآن وعمومية خطاباته في الفروع والاُصول، وفي ثالثها على أنّ القرآن كثيراً ما يتخذ العنوان العام لموضوع أحكامه، وفي رابعها على نص القرآن بأنّ هدايته وانذاره لا يختص بشعب خاص.

٤٩

لاختصاصه بإقليم دون إقليم، أو بشعب دون شعب.(١)

ولا يجد الباحث ـ مهما اُوتي من مقدرة علمية كبيرة ـ في ما جاء به نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على سعة نطاقه، وبحثه في شتى الجهات، ومختلف النقاط أىّ طابع إقليمي، أو صبغة طائفية، وتلك آية واضحة على أنّ دعوته دعوة عالمية لا تتحيز إلى فئة معيّنة، ولا تنجرف إلى طائفة خاصة.

هذا هو الإسلام وتعاليمه القيّمة ومعارفه الاعتقادية، وسننه التشريعية فأمعن فيها النظرة مرة بعد اُخرى، فهل تجد فيه ما يشير إلى كونه ديناً إقليماً خاص، أو شريعة لفئة محدودة ؟ فإنّ للدين الإقليمي علائم وأمارات، أهمها أنّه يعتمد في معارفه وتشريعاته على خصوصيات بيئية، أو ظروف محلية، بحيث لو انقلبت تلكم الخصوصيات إلى غيرها، أصبحت السنن والطقوس المعتمد عليها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وصار النافع منها ضاراً، فهل تجد أيّها الباحث في ما جاء به الإسلام شيئاً من تلكم الامارات.

هلم معي نحاسب بعض ما جاء به الإسلام في مجالات العلم والعمل، ونضعها على طاولة الحساب، فنكون على بصيرة كاملة في هذا الموضوع: فقبل كل شيء، لاحظ كتاب الله العزيز، ومعجزة الإسلام الخالدة، فقد انبثق نوره منذ أربعة عشر قرناً، حين كانت البشرية تسبح في ظلام دامس مخيف، ضاعت فيه كرامة الانسان وحريته، وساد العداء والتنازع بين الناس، وكان نظام الغاب وحده، مفزعاً للناس وملجأ إليهم.

وفي تلك الظروف جاء القرآن نوراً يستضيء به العالم، ويعيد للانسان كرامته ومكانته وحريته، مؤسّساً لمجتمع قائم على أساس وطيد من العدالة الاجتماعية، سواء في ذلك انسان الجزيرة العربية أم غيرها.

هلم معي نستعرض تعاليمه، فهل نرى آية من آياته الباهرة، أو قانوناً من قوانينه، أو حكمة من حكمه ومعارفه، أو سننه من سنة، أو فريضة من فرائضه تنفع في

__________________

(١) سوف نرجع إليه في ختام البحث، ونجعله دليلاً مستقلاً على عمومية رسالته.

٥٠

مجتمع دون آخر ؟ تفيد في إقليم دون إقليم ؟ تبلغ بمجتمع خاص إلى قمّة الرقي والحضارة، وتسف بجماعة اُخرى إلى هوة الضلال والجهل ؟!

ليت شعري ماذا يريد القائل من كلمته القارصة، أو فريته الشانئة ؟: « الإسلام دين طائفي، أو مبدأ إصلاح إقليمي، لا يصلح لعامة المجتمعات، ولا يصلح لعامة القارات، ولا تسعد به الإنسانية على اختلاف شعوبها وطبقاتها ».

ليت شعري ماذا يريد منها ؟ أيريد معارفه العليا في باب الصانع وصفاته، وما جاء في ذلك الباب من الحقائق الغيبية، والكنوز العلمية، التي لم تحم حولها فكرة انسان قبله، ولم توجد في زبر الاوّلين مثلها، أو شبهها.

فلو أراد ذلك، فتلك فرية بيّنة، إذ الإسلام قد أتى بفلسفة صحيحة وعرفان رصين وتوحيد خالص، فيه دواء المجتمع البشري في الأقطار كلها.

ترى ويرى كل من له إلمام بالإسلام أنّه كافح كل لون من ألوان الشرك، كافح عبدة الأصنام والأجرام السماوية، كافح كل تعلّق بغيره سبحانه، وتخضع لشيء دون الخالق، وأنقذ المجتمع البشري من مخالب الشرك، ومصائد الضلال، ونهاه عن عبادة حجر لا يعقل أو شجر لا يفهم، أو حيوان لا يدفع عن نفسه، أو انسان محتاج مثله، أو غيرها من الأرباب الكاذبة، فأعاد للانسان كرامته وحريته ومكانته المرموقة سواء في ذلك انسان الجزيرة أم غيره.

أيحسب هذا القائل أنّ ذلك التوحيد، وهذا العرفان مختصان بقوم دون قوم كيف ؟ فإذا كان النبي لا يستهدف سوى الواقع ولا يتبنّى غيره، وبعبارة صحيحة: إذا كان لا يوحى إليه سوى الحقيقة المجردة عن شوب كذب، فلا وجه لأن يختص باُمّة دون اُمّة.

ودونك سورة الحديد والآيات التي وقعت في صدرها، فاقرأها بإمعان وتدبّر فهل يعلق الشك بضميرك الحر، بأنّها تعاليم ومعارف تختص بمنطقة خاصة ولا تصلح للتطبيق في مناطق اُخرى، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في العقائد والمعارف.

أم يريد أنّ أحكام الإسلام وتشريعاته في العبادات والمعاملات والأخلاق

٥١

وغيرها، قوانين إقليمية، لا تصلح إلّا لظروف خاصة، ولا تفيد إلّا في شبه الجزيرة العربية، ولا يسعد بها إلّا انسانها، دون اناس المناطق الاُخرى، إلّا أنّ تلك فرية بيّنة ليست فيها مسحة من الحق أو لمسة من الصدق، فهذه فروعه ودساتيره وفرائضه لا تجد فيها أثراً للطائفية أو أمارة للإقليمية.

ضع يدك على النظام الاجتماعي الذي جاء به الإسلام في أبواب النكاح والزواج، وأحكام الأولاد والنشوز والطلاق والفرائض، وإصلاح حال اليتامى وإنفاذ الوصايا، والإصلاح بين الناس، وأداء الأمانة، وحسن السلوك معهم، والتعاون والاحسان، إلى غير ذلك ممّا يجده الباحث في النظام الاجتماعي للإسلام.

ضع يدك على النظام الأخلاقي الذي فاق به الإسلام، كافة الأنظمة الخلقية التي كانت قبله، أو تأسّست بعده، فأمر بالصدق وأداء الأمانة، والصبر والثبات وحسن الظن بالناس، والعفو والغفران والقرى والضيافة، والتواضع، والشكر والتوكل، والاخلاق في العمل إلى غير ذلك ممّا أمر به، أو ما نهى عنه كالبخل والاختيال، والبهتان والغضب، والاثرة، والحسد، والغش والبغي والخمر والميسر، والجبن والغيبة والكذب، والاستكبار والرياء، والعجب والتنابز بالألقاب والانتحار والغدر و .

ضع يدك على نظامه السياسي في باب الحكم والسياسة، وما أتى به في اصلاح نظام الحرب، ودفع مفاسدها، وقصرها على مافيه من الخير للبشر، وايثار السلم على الحرب، وعلى الأنظمة والقوانين التي جاء بها في أبواب العقود والمعاملات، فأوجب حفظ المال عن الضياع والاقتصاد فيه وجعل فيه حقوقاً مفروضة ومندوبة، وأحلّ البيع وحرّم الربا، ونهى عن الغش والتطفيف، إلى غير ذلك ممّا يجده المتعمّق في كتب الفقه والأحكام.

قل لي بربّك هل تجد في هذه الأنظمة، أو في ثنايا هذه الأبواب والأحكام حكماً أو أحكاماً فيها تفكير طائفي أو نزعة اقليمية ؟ وإن كنت في ريب فاقرأ الآيات التالية ومئات نظائرها، تجدها دواء المجتمع الانساني في الأقطار كلها :

٥٢

١.( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( النحل ـ ٩٠ ). أليست هذه القوانين عماد الاصلاح، وسناد الفلاح في عامة القارات ؟

٢. هلاّ كان منه قوله سبحانه( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) ( النساء ـ ٥٨ ).

وقد ندد الله باليهود لتجويزهم خيانة الاُميين، يعني العرب المشركين ومن ليس في دينهم، وقال:( وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إلّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ( آل عمران ـ ٧٥ ).

وليس هذا إلّا لأنّ دينهم على زعمهم كان طائفياً، فالحرام عندهم هو خيانة يهودي ليهودي مثله لا غير، وأمّا الإسلام فلمّا كان ديناً عالمياً غير مختص بطائفة دون اُخرى، فحرّم الخيانة مطلقاً على المسلم والكافر، وذلك آية كونه عالمياً لا طائفياً ولا إقليمياً.

٣. أو ليس منه قوله سبحانه:( وَلْتَكُن منكُمْ اُمّة يَدعُونَ إلى الخيرِ ويأمُرونَ بالمعروفِ وينهَونَ عن المنكرِ ) ( آل عمران ـ ١٠٤ ).

وقد عرضنا هذه الآيات على سبيل التنويه، فليس معنى هذا، أنّ ما جاء به الإسلام في طريق إصلاح المجتمع، محصور في هذا النطاق، فإنّ في كثير من الآيات التي لم نأت بها تنويهاً بمختلف الأخلاق الفاضلة الإنسانية، والشخصية والاجتماعية من صدق، وعدل، وبر، وأمانة، وصلة رحم، ولين جانب، ووفاء عهد، ووعد، ورحمة للضعيف، ومساعدة للمحتاج، ونصرة للمظلوم، وصبر، ودعوة إلى الخير، وتواص بالحق، وعدم اللجاج فيه، والانفاق لله، والدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، والتعاون على البر والتقوى، والرغبة في السلم.

كما احتوت آيات كثيرة تنديداً بمختلف الأخلاق السيئة والخصال المذمومة من

٥٣

كذب، وظلم، وبغي، واثم، وقتل نفس، وارتكاب فاحشة، وانتهاك عرض وافك وزور، وعربدة سكر، وإسراف وتبذير، وخيانة ونكث غدر، وخديعة، وقطع رحم، وأكل أموال الناس بالباطل، وجبن، وشح وأمر بمنكر وغلظة قلب، وفظاظة خلق، ورياء ومكابرة وانتقام باغ، وتناقض بين القول والعمل وغرور، وصد عن الحق، إلى غير ذلك من مساوئ الأخلاق ومحاسنها التي تجد نصوصها مبثوثة في القرآن الكريم. وتسهل عليك مراجعتها والاهتداء والتدبّر في معانيها إذا لا حظت كتاب « تفصيل آيات القرآن الكريم »(١) ، « والمعجم المفهرس »(٢) وغيرهما من الكتب والمعاجم.

هذا وقد عاشت الاُمّة الإسلامية بل الانسانية جمعاء(٣) في ظل هذه الدساتير ونظائرها الوافرة في أجيال متتابعة، وفي حقب من الزمان والمكان، فلو كانت مختصة بإقليم خاص، لأدّت إلى التناحر والاندحار في الأقاليم الاُخر، لا إلى الرقي والحضارة(٤) .

الدعوة إلى الفطرة، أساس الأحكام الإسلامية :

لقد بنى الإسلام أحكامه وتوجيهه في العلم والعمل على الفطرة الإنسانية السائدة في جميع الأقطار والأفراد، فدعا إلى التوحيد المطلق، وقرّر مبادئ العدالة والحرية والمواساة والاخاء بين الناس كافة والديمقراطية الحقة، ونشر العلم والحضارة

__________________

(١) تأليف المسيو جول لابوم، وقد وضع كتاباً باللغة الفرنسية، جمع فيه آيات القرآن بحسب معانيها، ووضع كلا منها في باب أو أبواب خاصة، حسب ما فهم منها، ولكنّه أخطأ في كثير من معانيها، فإنّه اكتفى في ترتيبه وتنسيقه بما فهمه من ظواهر الآيات حسب اللغة العربية وقواعدها، من دون أن يرجع إلى أسباب النزول، وسنّة النبي وسيرته والأئمّة من بعده.

(٢) تأليف محمد فؤاد عبد الباقي المصري.

(٣) اعترف به المستشرق غوستاف لوبون في آخر كتابه.

(٤) نعم كل اُمّة ركنت إلى الدعة والراحة، وحنت إلى تقليد عادات الأجانب في معترك الحياة، ونسيت مكانتها ورسالتها وقوانينها وأخذت بغيرها، رجعت إلى ورائها القهقرى وعلى هذا الأساس تعيش الاُمّة الإسلامية في هذا العصر في أنحاء العالم، فتراها متفرقة الكلمة ممزّقة، تأكلها حثالات الأرض.

٥٤

وقضى على الرذائل والمنكرات، والشهوات الجامحة، والتقاليد البالية، والخرافات الكاذبة، والرهبانية المبتدعة، وأمر بالفضائل والصدق في القول والوفاء بالعهد، والاجتناب عن العزوبة بنكاح الحرائر إلى غير ذلك من الوف الأحكام والتشريعات التي أشرنا إلى كثير منها وتعتبر بمجموعها دعائم الاصلاح في العالم كله، ولا تنازع الفطرة بل تطابقها ولا تتخلّف عنها قدر شعرة.

فإذا كانت الفطرة الإنسانية واحدة في الجميع، وكانت الأحكام الإسلامية مبنية عليها في جانب التشريع، فلا وجه لأن تختص بقوم دون قوم، وهذا بحث لطيف سوف نرجع إليه إن شاء الله عند البحث عن كون نبي الإسلام خاتم النبيين، ودينه خاتم الأديان وبه نجيب على الاشكال الدارج على ألسنة بعض المستهترين ممّن لا يؤمن بصريح القرآن في مسألة الخاتمية ويقول: « إنّ النصوص الشرعية في الكتاب والسنّة محدودة، وحوادث الناس ومقاصدهم متجددة ومتغيّرة ولا يمكن أن تفي النصوص المحدودة بالحوادث المتجددة الطارئة » فارتقب حتى يأتيك الجواب والبيان.

الإسلام يكافح المبادئ الرجعية :

وأدل دليل على أنّ الإسلام رسالة عالمية، أنّه يكافح النزعات الاقليمية والطائفية ولا يفرق بين اللون والجنس والعنصر ولا يفضّل أحداً إلّا بالتقوى، ويزيّف كل مقياس سواه ويقول:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات ـ ١٣ ).

كفى له فخراً أنّه أوّل من حارب العصبية والنعرات الطائفية ودعا إلى الاخوة الانسانية، والزمالة البشرية، والانضواء تحت لواء واحد وهو لواء التوحيد المطلق.

أجل حارب العصبية، والنعرات الطائفية في ظل وحدات ثمان، وهو أوّل من أسّسها وأشاد بنيانها، أعني: وحدة الاُمّة، وحدة الجنس البشري، وحدة الدين، وحدة التشريع، وحدة الاخوة الروحية، وحدة الجنسية الدولية، وحدة القضاء، بل وحدة اللغة

٥٥

الدينية(١) .

وقد بلغت بها الاُمّة الإسلامية في العصور السالفة المزدهرة، الذروة من المجد والعظمة، فأصبحت ساسة البلاد وحكّام العباد.

أو ليس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قائل تلكم الكلم الدرية التالية، القاضية على كل نعرة طائفية، والانتماء إلى فئة خاصة والاتجاه إلى نجاح شعب خاص، فكيف ترمى شريعته بالطائفية وانقاذ جماعة معينة دون غيرها ؟

١. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّها الناس إنّ الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ألا إنّكم من آدم وآدم من طين، ألا إنّ خير عباد الله، عبد إتّقاه »(٢) .

٢. « ألا إنّ العربية ليست بأب والد، ولكنّها لسان ناطق، فمن قصر عمله لم يبلغ به حسبه »(٣) .

٣. « إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا، مثل أسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى »(٤) .

٤. « إنّما الناس رجلان: مؤمن تقي، كريم على الله; وفاجر شقي، هيّن على الله »(٥) .

وللدكتور حسن إبراهيم حسن هنا كلمة قيّمة، يقول :

« ينكر بعض المؤرخين أنّ الإسلام قد قصد به مؤسسه في بادئ الأمر أن يكون ديناً عالمياً برغم هذه الآيات البيّنات ومن بينهم « وليم ميور » إذ يقول :

« إنّ فكرة عموم الرسالة جاءت فيما بعد، وأنّ هذه الفكرة على الرغم من كثرة الآيات والأحاديث التي تؤيدها، لم يفكر فيها محمد نفسه، وعلى فرض أنّه فكّر فيها ،

__________________

(١) كل ذلك دليل على عالمية تشريعه، وسعة نطاق رسالته، ويجد الباحث في الذكر الحكيم والأحاديث الإسلامية دلائل واضحة على كل واحدة من هذه الوحدات، فلا نقوم بذكرها لئلاّ يطول بنا المقام وقد بحثنا عنها في الجزء الثاني.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) راجع للوقوف على مصادر هذه الكلمات: روضة الكافي، ص ٢٤٨، سيرة ابن هشام ج ٢، ص ٤١٢، بحار الأنوار، ج ٢١، ص ١٠٥، والشرح الحديدي، ج ١٧، ص ٢٨١، وقد أوردنا شطراً آخر من هذه الأحاديث في الجزء الثاني.

٥٦

كان تفكيره تفكيراً غامضاً، فإنّ عالمه الّذي كان يفكّر فيه إنّما كان بلاد العرب كما أنّ هذا الدين الجديد لم يهيأ إلّا لها، وأنّ محمداً لم يوجّه دعوته منذ بعث إلى أن مات إلّا للعرب دون غيرهم، وهكذا نرى أنّ نواة عالمية الإسلام قد غرست ولكنها إذا كانت قد اختمرت ونمت بعد ذلك فاّنما يرجع هذا إلى الظروف والأحوال أكثر منه إلى الخطط والمناهج ».

وكذلك شك « كيتاني » في أن يكون النبي قد تخطّى بفكره حدود الجزيرة العربية ليدعو اُمم العالم في ذلك الوقت إلى هذا الدين.

ومن الغريب أن يشك « وليم ميور » في صحة دعوى عموم الرسالة، وأن يبني شكه هذا على أنّ محمداً ما كان يعرف غير الجزيرة، وأنّها كانت عالمه الذي لم يفكّر في سواه، وأنّ هذا الدين لم يهيأ إلّا لتلك البلاد، وأنّ محمداً منذ بعث إلى أن مات لم يوجّه دعوته إلّا للعرب دون غيرهم، فهل خفيت على ذلك المؤرّخ صلة قريش بدول ذلك العهد، وما أتاحته لها التجارة من دراية وخبرة بشؤون هذه الاُمم وأحوالهم، وأنّ محمداً بوجه خاص قد سافر غير مرة للتجارة إلى بلاد الشام، فقد سافر وهو صبي مع عمه « أبي طالب » في تجاراته حتى إذا بلغ خديجة ما بلغها عن خبرته وأمانته، ألقت بمالها بين يديه، فكان من مهارته وحذقه ما جعلها تعرض عليه الزواج منها، ثم ظل يشتغل بالتجارة حتى بعث، فبعد ذلك يمكن أن يقال عن محمد أنّه كان لا يعرف غير بلاد العرب وهو رجل عصامي لم يكسب مركزه الممتاز في مكّة قبيل البعثة إلّا من ذكاء عقله وكفاية مواهبه.

هل يستبعد على محمد الذي خرج من مكّة ناجياً بنفسه ونفس صاحبه أن يتخطفها الناس لائذاً بأهل المدينة الذين آووه ونصروه، ثم صبر وصابر حتى عاد إلى مكة بعد ثماني سنين وهو السيد الآمر فيها وفي الجزيرة، تحوم حول شخصه مائة ألف من القلوب أو تزيد، ومن ورائهم كثيرون من أرجاء الجزيرة العربية يدينون له بالطاعة يقدم عليه رؤساؤها وأكابرها هل يبعد على هذا الرجل أن يرنو بناظره إلى ما وراء الجزيرة ليبسط عليه سلطانه، إن كان من محبي السلطة والحكم أو ليفيض عليها من

٥٧

الذي غمر الجزيرة وملأها عدلاً وأمناً ودعة وحبّاً ؟

لو قيل أنّ الاسكندر المقدوني كان يعمل على تكوين امبراطورية تشمل العالم القديم كلّه وتجعله يلتف حول هذا الشاب الإغريقي لصدقنا، ولو قيل أنّ « نابليون » كان يعمل على تكوين امبراطورية تشمل العالمين القديم والجديد، ليجلس على عرشها الفتي لصدقنا.

أمّا إذا قيل أنّ محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكّر في أن يدعو خلق الله المتاخمين لجزيرة العرب والمتّصلين بقريش ـ اتصالاً تعيش عليه قريش وينبني على أساسه كلّ شيء في البنية القرشية ـ فذلك أمر يعز على البحث النزيه والعقل الحر ( بزعم « وليم ميور » ) أن يقبله إلّا أن يكون تفكير ذلك النبي في هذا الأمر تفكيراً على نحو غامض.

وأمّا القول بأنّ ذلك الدين لم يهيأ إلّا لبلاد العرب، فإنّ ذلك لم يمنع محمداً من التفكير في تعميم دينه، لأنّ هذا التفكير سواء أتحقق أم لم يتحقق، إنّما يعتمد على اعتقاده أن دينه صالح لذلك، وقد ثبت من القرآن أنّه كان يعتقد أنّ الإسلام قد هيّئ لكلّ حالة، وأنّ القرآن قد تكفّل بتبيان كلّ شيء، إذ يقول الله تعالى لرسوله في غير آية:( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ) ( سورة النحل ـ ٨٩ ).

ويؤيد دعوى عموم الرسالة للجنس البشري قول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بلالاً أوّل ثمار الحبشة، وأنّ صهيباً أوّل ثمار الروم، وكذلك ما قاله عن سلمان الذي كان أوّل من أسلم من الفرس، فكان عبداً نصرانياً بالمدينة اعتنق هذا الدين الجديد في السنة الاُولى من الهجرة، وهكذا صرّح الرسول في وضوح وجلاء، أنّ الإسلام ليس مقصوراً على الجنس العربي قبل أن يدور بخلد العرب أي شيء يتعلّق بحياة الفتح والغزو بزمن طويل، ويؤيد ذلك ما ورد في القرآن الكريم في تلك الآيات البينات »(١) .

__________________

(١) تاريخ الإسلام السياسي ـ الطبعة الخامسة ـ ج ١، ص ١٦٧ ـ ١٧٠، وذكر في المقام بعض الآيات التي تدل على عمومية رسالته.

٥٨

نظرة في الآيات

المشعرة بعدم العمومية

قد عرفت ما هو الحق في المقام بأنّ القرآن الكريم والسنّة النبوية، وسيرتها تدل بوضوح على عمومية رسالته لكل من في الأرض جميعاً.

غير أنّ هناك آيات ربّما يستشم منها عدم عمومية رسالته، وقد وقعت هذه الآيات سنداً للخصم، فنحن نذكر تلك الآيات ونوضح المقصود منها.

١. آيات الانذار :

انّ بعض الآيات في هذا الصدد توجه انذار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قومه وربّما تشعر باختصاص الرسالة ودونك هذه الآيات :

١.( وَلَٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ) ( القصص ـ ٤٦ ).

٢.( بَلْ هُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ) ( السجدة ـ ٣ ).

٣.( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) ( يس ـ ٦ ).

٤.( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ) ( مريم ـ ٩٧ ).

٥٩

فهذه الآيات ونظائرها تخص انذار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوم خاص، وبذلك تضيق دائرة الدعوة.

الجواب :

إنّ الإجابة على الاستدلال بهذه الآيات سهلة بعد الوقوف على ما ذكرنا من الآيات المصرحّة بعمومية الرسالة.

لأنّها أوّلاً: لا تخرج من حدّ الاشعار الضعيف الذي لا يعتمد عليه في مقابل الآيات المصرّحة بأشد التصريح بعمومية الدعوة.

وثانياً: إنّ هناك آيات بهذا الصدد تصرّح بعمومية الانذار، ففي سورة يس التي ورد فيها:( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ ) قوله سبحانه:( لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ( يس ـ ٧٠ ).

فهذه الآية تشعر بأنّ دائرة الانذار تشمل كلّ حي يعقل ويخاطب به وهو يعم كلّ مستعد للهداية سواء أكان من قومه وممن يعيش في الجزيرة العربية أم لا.

وقال سبحانه أيضاً:( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا ) ( الكهف ـ ٤ ).

وهم يعم اُمّة الكليم والمسيح الذين قالوا: اتّخذ الله ولداً.

فاليهود قالوا بأنّ الله اتّخذ عزيراً ولداً.

والنصارى قالوا: بأنّ الله اتّخذ المسيح ولداً.

وبذلك يظهر أنّ كلّ ما ورد في هذا الصدد من آيات الانذار لا يدل على التخصيص بل هو خطاب بمقتضى المقام.

فقد تقتضي البلاغة توجيه الكلام إلى قسم خاص كما تقتضي المصلحة في مقام آخر توجيه الكلام لكلّ من بعث لانذاره فلاحظ الآيات التالية حيث يقول سبحانه :

( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) ( الأنبياء ـ ٤٥ ).

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مصدر الفضائل

وفاء النبي

كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث الوفاء ، لا ينسىٰ احداً قدم له خدمة ، الىٰ آخر لحظة في حياته ، فحليمة السعدية التي كانت مرضعته في الصغر ، كان كلما رآها يناديها يا اماه ، ويحسن اليها قدر استطاعته.

وفي معركة بدر أسر المسلمون مجموعة من المشركين ، وبأمر من الله سبحانه وتعالىٰ تقرر ان يدفع كل اسير فدية لكي يتحرر ، وكان من بين الاسرىٰ ، ابو العاص بن ربيع ، زوج ابنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زينب ، وكان قد تزوجها في مكة قبل البعثة ، كانت زينب في مكة ، فعلمت بحكم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقامت بأعداد فدية لتحرير زوجها أبي العاص ، وارسلتها بيد رجل الىٰ المدينة ، ومن جملة أموال الفدية كانت هناك قلادة لاُمّها خديجةعليها‌السلام اهدتها إليها ليلة زفافها.

وصل الرجل الىٰ المدينة ، فدخل علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقدم فدية ابي العاص الىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما ان رأىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلادة خديجة بين تلك الاموال ، حتىٰ تأثر كثيراً وتذكر حب خديجة واخلاصها ، فانهال من عينيه الدمع.

أجل ، تذكر النبي ان هذه القلادة تعود لخديجة ، تلك الزوجة التي بذلت جميع أموالها في سبيل أهدافه السامية ، تلك الزوجة التي تحملت لوم نساء

١٠١

العرب لحبها اياه ، خديجة تلك الوفية التي وقفت الىٰ جانبه ونصرته في جميع المواقف والابتلاءات ، فكم من ايام الصيف الحارّة التي كان الرسول يأوي فيها الىٰ الصحراء أو الىٰ جبال مكة من شدة الجراحات التي كانت تصيبه من جراء الرمي بالحجارة ، فكانت خديجةعليها‌السلام تحمل كوزاً من الماء وتبحث عنه بين الاحجار أو كثبان الرمل وهي تناديه بصوتها الحنون « حبيبي محمد » ثم تأتي به بكل عطف الىٰ البيت.

والآن ، يرىٰ رسول الله قلادة خديجة تلك امامه ، اذن من حق الرسول ان يتأثر ويذرف الدمع ، فهذا التأثر وذلك الدمع يعبر عن وفاءه ، صحيح انها رحلت إلّا انَّ حبّها لا يزال ثابت في قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد رحلت خديجة الّا انَّ خدماتها للاسلام ورسوله لا زالت باقية في التاريخ.

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معلم الاخلاق

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثالاً واُسوة في الاخلاق في حياته بين اولئك الناس الخشنين والبعيدين عن أي خلق اجتماعي. فلم يشتم احد علىٰ مدىٰ عمره ، ولم يأذي احداً بكلمة جارحة ، فكان مجلسه علىٰ شكل دائرة كي لا يمتاز احد عن الآخرين ، ولا يجعل للمجلس صدر وذيل ، حتىٰ ركبتيه كانتا عندما يجلس بمستوىٰ ركب الآخرين ، أو في بعض الاحيان متأخرة عنهم بعض الشيء ! ولم يكن يرتب هيئته أو محاسنه أو ملابسه في حضور الآخرين.

ولم يكن يمدّ رجليه في مجلس ، ولم يكن يأكل بشكل يؤدي الىٰ تنفر

١٠٢

الآخرين من الطعام ، ولم يحدد يوماً مكاناً له في مجلس ، حتىٰ انه كان ينهىٰ اصحابه عن ذلك.

وكان يجلس اين ما وجد مكاناً خالياً ، وكان اذا جلس مع أحد لا ينهض حتىٰ ينهض ذلك الشخص ، لا يقهقه اذا ضحك ، يحترم الشيوخ والطاعنين في السنّ بما يناسب مكانتهم ، وينظر بعطف الىٰ الصغار ، لا يقطع كلام أحد ، وهو ايضاً لا يتكلم الّا عند الضرورة ، لا يجادل في الحديث ، ولا يلوم احد لعيب فيه ، بل كان يوصيه برفع ذلك العيب علىٰ انفراد ، واذا كان في مجلس وقاموا بعمل يؤذيه ، كان يتغافل عنه ، لا يتكأ علىٰ شيء عند جلوسه ، يحترم الاشراف والكبار ، ينقل عبد الملك بن هشام في كتاب « السيرة » : عندما جاء المسلمون باسرىٰ قبيلة طي الىٰ المدينة ، كانت بينهم ابنة حاتم الطائي ، فقالت له : يامحمد ، هلك الوالد وغاب الوافد.

كان ذلك في اليوم الأول الذي التقته فيه ، لكنها لم تسمع جواباً منه ، فستيأست من النتيجة ، وفي ثالث يوم حيث التقته ، لم تكن تريد الكلام ، لانها لم تجد كلامها مؤثراً ، لكن الامام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام اشار اليها بتكراره ، فقالت وللمرّة الثالثة : هلك الوالد وغاب الوافد.

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كنت سمعت كلامك وحررتك ، لكني انتظرت قافلة اطمئن اليها كي اودعك معها حتىٰ تعودي الىٰ موطنك ، فعلمت ابنة حاتم الطائي انها نالت العفو منذ اليوم الأول ، وعدم اعطاء الجواب كانت انتظاراً للقافلة تردّها الىٰ موطنها.

١٠٣

تواضع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

رغم جميع تلك القوة والسلطة التي كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد كان متواضعاً مع الناس ، ومع ان قوته كان ترهب الدول العظمىٰ آنذاك ، لكنه كان يسبق الآخرين في السلام ، فلم يرىٰ طول حياته ان يسبقه احد في السلام ( حتىٰ الاطفال ) ، واذا كان ذبح شاة ، كان يذبحها بيده ، وكثيراً ما كان يحدث ان يدعوه الفقراء الذين كانوا يفترشون الارض الىٰ ان يجلس ويأكل معهم ـ وهو في طريقه ـ فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو القائد العظيم ورسول رب العالمين ، يجلس علىٰ الارض الى جانبهم بكل سرور ، ويأكل معهم ، كان يقبل بدعوة غلام اسود لأكل قرص شعير ، ويساعد اهل بيته في ادارة الرحىٰ ، وكان يحلب النعجة بيده ، ويرقع ثوبه أو نعله وعندما كان متجهاً الىٰ حرب خيبر كان يركب حماراً ، لجامه وسرجه من ليف النخل ، وكان ذلك يعبر عن التواضع في ذلك الزمان ، وفي احدىٰ المرّات كل رجلاً يحدثه ويرتجف ، فتألم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك كثيراً ، وقال له : لماذا تخاف منّي ؟! فأنا لست ملكاً ، انا نبي.

أي انّ الناس يخافون عندما يقفون امام ملوك وجبابرة الارض ، لكن يجب ان لا يخافون من الانبياء والرجال الربانيون ، لأنهم مع قوتهم ، يحبون للناس الحياة.

وعندما دخل عليه عدي بن حاتم قبل ان يسلم ، اجلسه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ ردائه وجلس هو علىٰ الارض وهناك نماذج كثيرة علىٰ تواضع رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، تجعل القارىء والمشاهد في غاية الحيرة ، أوليس من العجب ان رجلاً يسيطر علىٰ الجزيرة العربية ، وفي قبضته حياة وأموال اهلها ،

١٠٤

يذهب بعد كل صلاة صبح الىٰ طريق ينتهي بأحد آبار الماء ، حتىٰ تأتي النساء اللاتي لهن اطفال صغار ، فيضعن اطفالهن عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والرسول يداعبهم ويلاعبهم حتىٰ تنتهي امهاتهم من سحب الماء من البئر ؟!

جود النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكرمه

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معروفاً بين جميع العرب بجوده وكرمه ، فبالاضافة الىٰ ان بني هاشم معروفين بالسخاء والكرم ، الّا ان الناس ، كانت تنظر بعين اخرىٰ الىٰ الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويميزونه بالايثار.

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقدم الآخرين على نفسه في الحياة ، وكان يعطي الفقراء من الأكل واللبس الذي يحتاجه هو ، كان يبقىٰ جائعاً لفترات طويلة كي يشبع الآخرين ، وكان يرقع ملابسه لكي العراة قميصاً جديداً ، فلم يسأله احد ورجع مأيوساً ، ولم يأته صاحب حاجة ورجع بيد فارغة.

ولم يكن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يحلّ مشاكل الناس المالية فقط ، بل كان يسعىٰ في حلّ كل مشكلة يواجهونها.

قضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

ينقل لنا التاريخ :

جاء رجل ثري من المسلمين يوماً الىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرآه يرتدي قميصاً مرقعاً ، فأهدىٰ للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر درهماً يشتري بها قميصاً له ، فأعطاها النبي

١٠٥

لعليعليه‌السلام كي يشتري له قميصاً ، ذهب أمير المؤمنينعليه‌السلام الى سوق واشترىٰ قميصاً من القطن ناعماً بالدراهم ، وجاء به الىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الىٰ القميص وتلمس نعومته ، وقال : يا علي ! لا يليق بي ان ألبس هذا القميص الناعم والثمين ، لأنني أمير قوم لا يملك بعضهم الّا قميصاً مرقّعاً ، خذ القميص واذهب للسوق وأقل المعاملة(١) .

فأخذ الامام عليعليه‌السلام القميص الىٰ السوق وأقال المعاملة وجاء بالاثني عشر درهماً فقدمها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فذهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عليعليه‌السلام الىٰ السوق لكي يشتري قميصاً اقل ثمناً من ذلك ، وفي الطريق شاهد جارية تبكي تذرف الدمع ، وتجول في الطريق تبحث في الارض ، لكنها تزداد في كل لحظة حزناً ، فما أن رأىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك حتىٰ توقفت قدماه عن السير ، فتقدّم إليها وقال لها بعد السلام : ماذا يبكيك وعن اي شيء تبحثين ؟

لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يستطيع ان يرىٰ الجارية تبكي ، لذلك سألها عن سبب بكاءها كي يساعدها في حلّ مشكلتها ، فهل كان الرسول يستطيع المرور منها وهي تبكي دون ان يسأل عن حالها ؟! طبعاً لا.

ولماذا هناك صنف من الناس ، لا يتأثرون من رؤية افجع المشاهد ، ولا يهمهم ان يروا معاقاً ، أو مريضاً ، أو مظلوماً ، أو يتيماً ، أو عرياناً الخ ،

________________

(١) والاقالة ، عبارة عن : اذا ندم المشتري او البائع من المعاملة التي تمت وارجع الاخر لفسخها ، فاذا كانت البضاعة التي تعاملوا عليها خالية من العيب ، يستحب في الاسلام ان يقبل الطرف الذي رجع اليه الفسخ.

١٠٦

مثل هؤلاء الناس يجب ان يشك في انسانيتهم.

والغريب ان البعض الآخر لا يتأثر فقط بمشاهدة احزان الناس وآلامهم ، بل يلتذ من ذلك احياناً ، وهؤلاء ممن ينظرون الىٰ البشرية علىٰ انها مجموعة من الاعداء ، يجب ان تنهش بعضها.

اما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان يتألم اذا راىٰ شخصاً محروماً او يعاني من مشكلة ، لذلك فما ان رأىٰ الجارية تبكي حتىٰ سألها عن سبب بكاءها.

رفعت الجارية رأسها ، ونظرت الىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من خلف سحب الدموع ، وردتعليه‌السلام ، ثم قالت يا رسول الله :

ارسلتني سيدتي بأربعة دراهم كي اشتري بها لحماً ، وقد ضيعتها ، فبحثت عنها كثيراً في الطريق لكني لم اجدها.

فقدّم لها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة اربعة دراهم من تلك الدراهم الاثني عشر ، واتجه من جديد الىٰ السوق ، فرأىٰ في الطريق رجلاً فقيراً يرتدي قميصاً بالياً.

جاء الرجل الىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا رسول الله ! قميصي ممزّق ولا يستر جسدي.

فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : تعال معي الىٰ السوق حتىٰ اشتري لك قميصاً ، فذهب الرجل مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الىٰ السوق. فأشترىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدراهم الباقية قميصين كل واحد منهما بأربعة دراهم ، فأخذ هو واحداً واعطىٰ الآخر للمسكين ، وتوجه هو الىٰ البيت ، وفي الطريق وجد تلك الجارية بيدها اللحم وهي تبكي ايضاً ، فسألها من جديد عن سبب بكائها ، فقالت : لقد طال خروجي

١٠٧

من البيت واذا رجعت ستعاقبني سيدتي.

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تعالي معي لأشفع لك عند سيدتك ، فمشت الجارية خلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتىٰ وصلوا الىٰ البيت ، طرق الباب ، وسلمّ علىٰ أهل الدار ، فلم يسمع جواباً وللمرّة الثالثة سلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فردّت عليه سيدة من داخل البيت ، ثم قالت : ما الذي أوجب ان تأتي يا رسول الله الىٰ دارنا ؟

فقال رسول الله : جئت لاشفع لهذه الجارية عندك ، فلا تعاقبيها.

فقالت المرأة : سوف ان اُعاقبها فقط بشارة بمقدمك الىٰ دارنا ، بل أهبها إليك يا رسول الله.

أمّا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ان شكر المرأة ، قال للجارية : وانا اعتقك في سبيل الله ، ثم التفت الىٰ عليعليه‌السلام وقال : ما أكثر بركة هذه الدراهم الاثني عشر ، لانها كست عريانين واعتقت جارية.

اجل ، فهذه سيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبذل امواله فقط من أجل المحرومين والمستضعفين ، بل كان يبذل كل ما في جهده لحلّ مشاكل الآخرين ، لأنه كان لايطيق ان يرىٰ شخصاً يتألم ولا يشاركه هو آلامه.

هذه النماذج صغيرة لبعض صفات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو اردنا ان نعدّ جميع فضائله فان اطنان من الورق لا تستوعب جانباً منها.

١٠٨

اصدقائي الاعزاء !

كيف تفكرون انتم بحق مثل هذا الرجل ؟! فلو ان احداً وقف امام مثل هذا الرجل بجميع تلك الفضائل والملكات الاخلاقية التي تفوق تصور البشر ، ماذا عساه ان يفعل ، محباً كان أو مبغضاً ، وصديقاً كان ام عدواً ؟!

ألم يكن أهل الجزيرة العربية محقّون ـ وهم في جهلهم ـ أن يضعوا أرواحهم على أكفَّهُم أمام هذا الرجل ومن أجل بلوغ اهدافه السامية ؟!

أليست هذه الملكات الفاضلة في شخص لم يدرس جملة واحدة علىٰ مدىٰ حياته ولم يتصل بأي من العلماء ، ذلك الرجل الذي عاش في وحل الجزيرة العربية بين ناس لا يعرفون الّا سفك الدماء والنهب ووأد البنات ، وبشكل عام بعيدون عن الانسانية تماماً ، اكبر دليل على حقانيته ؟!

أليس ذلك دليلاً علىٰ صدق كلامه ، الذي يعتبر الله معلمه الوحيد في الحياة. فيقول :

« ادبني ربي فأحسن تأديبي ».

ألا يمكن وبعد مشاهدة تلك التصرفات الاخلاقية في ذلك الرجل ، ان نقول ، ان هذا الرجل ، الهي ، سماوي ، رجل الحق ، والمرسل من قبل الله ؟!

الاصدقاء جميعهم : الحق ما تقوله ، لأنه لم يسبق في تاريخ الانسانية لرجل ان يجمع تلك الصفات والملكات الاخلاقية دون ان يتأثر بالبيئة التي عاش فيها !

الشيخ : والآن اترككم لتحكموا بانفسكم ، هل المعجزات اكثر تأثيراً من

١٠٩

هذا الاسلوب الاخلاقي في تسخير قلوب الناس ؟!

العقيد : أيُّها العمّ ! لقد اقنعتنا منذ بداية كلامك حين قلت : اذا كان نفوذ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في قلوب الناس يعود للمعجزات التي أظهرها لهم ، لكان تقدم الاسلام في مكة قبل المدينة واكثر منها. طبعاً استفدنا كثيراً من الدلائل التي اوردتها في بيان الاسلوب والنهج الاخلاقي الذي اتبعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الناس الذين كانوا فاقدين للصفات الانسانية ، وقد وجدت كلامك مطابقاً لأحدىٰ آيات القرآن الكريم ، حيث يقول :

( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (١) .

لأن الله تبارك وتعالىٰ تحدث في هذه العبارة المختصرة والبليغة عن سرّ نفوذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قلوب الناس آنذاك ، وذلك السرّ هو النهج الاخلاقي الذي اتبعه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وليست المعجزات التي اظهرها.

الطالب الجامعي ( حسن ) : اللعنة علىٰ اولئك الذين ينشرون اباطيلهم كالطاعون في بلادنا ، خاصة بين الشباب والمثقفين ، في حين ان كلامهم ما هو إلّا تُهم وافتراءات وشبهات ، ليبعدوا الناس من الاسلام الذي جاء لسعادة الانسان والمجتمع. والكثير من امثالي ، أمّا غير مطلعين علىٰ العقائد الدينية تماماً ، أو ان اطلاعهم محصور بتلك المواضيع التي تعلموها في الصغر من آبائهم وامهاتهم ، وبالاضافة الىٰ جهلهم بالاسلام ، فهم غير مستعدين لدراسة القضايا الاصولية والعلمية في الاسلام ، أو حتىٰ السؤال من الاشخاص الذين يمتلكون معلومات كافية في هذا المجال ، لكي يسمعوا الجواب المناسب.

________________

(١) سورة آل عمران : ١٥٩.

١١٠

أصدقائي ، الحقيقة انني وقبل كلام هذا العمَّ الفاضل ، كنت اوافق سيادة العميد الرأي بأن نفوذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس بالماضي هو بسبب المعجزات التي أتىٰ بها ، وكما تعلمون فالعلم اليوم لا يصدق المعجزة او اي شيء خارج عن العلل والعوامل الطبيعية ، وذلك كله بسبب شائعات يلقيها اناس مغرضون في المجتمع وبين الشباب خاصةً ، لكني اشكر الله الذي وفقني في هذه السفرة ، لان التقي بهدا الرجل العالم والاستماع الىٰ كلامه ، فعلمت وتيقنت ان نفوذ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في قلوب الناس ، هو واحدة من اكبر الادلة علىٰ نبوته.

حقيبة الدكتور فارغة

واضاف حسن : لكن ومن اجل مزيد الاستفادة ، نرجوا منه ان يتحدث عن المعجزات من زاوية العلوم العصرية ، من اجل ان تحل ـ لربّما ـ هذه القضية بالنسبة لنا أيضاً.

الاصدقاء جميعهم : موافقون.

الدكتور : أيُّها السادة ، ألم تفكروا بالشيخ الذي يتكلم منذ ساعات ، انصفونا قليلاً ، دعونا نأخذ استراحة ونغير جواً ، فمن جاء معه بفاكهة او حلويات. عليه ان يخرجها !

العقيد : دكتور ! يظهر من كلامك انك تعبت ، وتريد ان تأكل ما جلبه الاصدقاء معهم الىٰ طهران ، وتجعلهم يرجعون الىٰ بيوتهم بأيد خالية مثلك ، عند ذاك سيواجهون عصيَّ نساءهم.

١١١

حسن : دكتور ، تريد ان توقعنا في فخَّ ، لكن اطمئن حيلتك لم تنطلي علينا ، وقد نبّهنا العقيد اليها ، وحقك لا نحن تعبون ولا نعطيك من فاكهتنا ولا حلوياتنا.

الدكتور : وبعد ضحكة طويلة ، أقسم انني لست تعباً ولا اُريد اكل شيء ، بل رأفة بهذا الشيخ.

الشيخ : ارجوك يا دكتور دعني وشأني ولا تجعلني سلَّماً الىٰ فاكهتهم وحلوياتهم !

فأنفجر الجميع بالضحك.

الدكتور : عجيبة هذه الشلَّة التي اجتمعت معها ، أيُّها الشيخ ! كان املي الوحيد فيك من بينهم جميعاً ، فلماذا اصبحت معهم ؟! لذلك ومن اجل الدفاع عن نفسي ، سأضطر لان اكون اول من يفتح حقيبته ، لكي تعلموا ان حقيبتي ليست خالية ، ولكن عليكم ان تخرجوا كل ما لديكم.

وبعد تلك العبارة ، نهض الجميع الىٰ حقائبهم ، وارتفع صوت الحقائب وهي تفتح ، لكن وبعد ثوان اتّضح ان حقيبة الدكتور فارغة ، فلا حلويات ولا فاكهة ، وهو أيضاً بهت من ذلك ، فلا يجد شيئاً كلما بحث اكثر في زوايا الحقيبة ، وفجأة ارتفع صوت الجميع بالضحك.

العقيد : دكتور ، الظاهر ان ظنّي كان في محله ، أم ان فاكهتك وحلوياتك غيبية ، لا تراها اعين ابناء الحلال.

الدكتور وهو ضاحكاً : سيادة العقيد ، اللعنة علىٰ ذلك الخادم !

١١٢

اقسم ، انني البارحة كنت في منزل مضيفي ، فأوصىٰ خادمه بأن يذهب للسوق ويشتري لي كيلو من الحلويات وثلاثة كيلوات من انواع الفاكهة ، لأزيل بها مشقّة السفر.

وقد ذهب الخادم ، ثم جاء بعد ساعة وسمعت صوت حقيبتي تفتح ، لذلك كنت مطمئناً الىٰ انني احمل معي حلويات وفاكهة ، والان علمت ان ذلك الخادم فعل فعلته معي ، لانه من جهة انزل النقود في جيبه ومن جهة اُخرىٰ اخجلني امامكم ، لذلك اُقدّم اعتذاري.

في النهاية ، بدأوا يأكلون الحلويات والفاكهة التي جاء بها باقي الاصدقاء ، وقضوا فترة من الوقت علىٰ ذلك.

١١٣

المعجزة برأي العلماء والعلوم العصرية*

حسن : أيُّها العمّ ، أرجوا ان تبدأ البحث الذي وعدتنا ايّاه ، أي المعجزات برأي العلماء والعلوم العصرية.

الشيخ : بديهي أفضل دليلاً علىٰ امكان الشيء وجوده العيني ( الموضوعي ) ، ومع ان اغلب الحقائق الموجودة في العالم لها اسباب وعلل طبيعية ، لكنه لا احد ينكر انه رأىٰ في حياته أموراً غير عادية لا تنسجم والاسباب الطبيعية ، لربما تكونون قد شاهدتم بعض المرضىٰ الذين خضعوا للعلاج العلمي بأشراف اشهر الاخصائيين في الطب ، إلّا انهم لم يصلوا الىٰ نتيجة فقط ، بل سمعوا اجوبة تبعث علىٰ اليأس بصراحة من اطبائهم ، لكن هؤلاء الاشخاص ، شفوا من خلال تحول معنوي دفعة واحدة ، وهذه الحقائق الخارجية كثيرة بحيث لا يستطيع أي شخص انكارها ، ومن تلك الامراض ، العمىٰ الولادي والمعاقون الذين نشاهد ونسمع شفاءهم علىٰ الاقل مرّة أو مرتين في السنة ، في احدىٰ مشاهدة الائمةعليهم‌السلام او سائر المشاهد واماكن الزيارة.

وقبل ان أتناول البحث العلمي في هذا المجال ، سأذكر لكم نماذج علىٰ

________________

(*) على الرغم من أن موضوع المعجزات ، أحد أهم المسائل والمشاكل الدينية المعاصرة ، لكننا طرحنا الموضوع من جهة كونه مورد استناد جميع الأديان الالهية والأنبياء الكرامعليهم‌السلام وهدفنا منه هو اثبات وجود المعجزة فقط.

١١٤

ما قلته وشاهده مئات الناس وله أدلة قطعية.

الاعمىٰ الذي أبصر

لقد رأيت شخصياً ( مثل مئات الناس ) رجلاً أعمىٰ منذ الولادة في مشهد قبل سنوات شفي بعد توسله بالامام الرضاعليه‌السلام ، وقد شاهد ذلك العديد من اهالي مشهد الذين لا يزالون علىٰ قيد الحياة ، والرجل أيضاً حي الآن ، والعديد من اهالي مشهد يعرفونه ، وقد ساعدوه عندما كان أعمىٰ ، هذا الأعمىٰ وبعد أربعين سنة من عمره ، كان في السنوات الاخيرة تقوده ابنته الصغيرة ، وتدور به الشوارع والازقة والصحن الشريف للأستجداء.

وفي احد الايام يكلمه شخص بالباطل في ابنته ، فيحزن بشدّة دفعة واحدة ، ويحدث عنده تحوّل روحي ، فتقوده ابنته وهو يذرف الدمع الىٰ الصحن الشريف ، ويتوسل الىٰ الامام الرضاعليه‌السلام ان يشفي الله بصره ، حتىٰ لا يحتاج في خروجه من البيت الىٰ قيادة ابنته ، ولكي لا يسمع بعد ذلك مثلما سمعه من ذلك الرجل ، بحقِّها ، وفيما لم يمض عليه حتىٰ ساعة من ذلك الانقلاب الروحي ، فجأة يجد نفسه مبصراً ، فيتخلص من تلك الحياة الاليمة ، والرجل حيّ لحد الآن.

الرجل الذي لا يجد لقدمه علاجاً

القصة الثانية ، تخص احد اصدقائي من طلبة العلم ، ففي احد الايام يشعر

١١٥

بألم في رجله ، بحيث لا يستطيع ان يضع كعبه علىٰ الارض ولا المشي إلّا بالاتكاء علىٰ العصىٰ ، وقد رآه العديد من اصدقائه والكثير من أهالي طهران وقم علىٰ تلك الحالة سنين متوالية ، وقد راجع الرجل الكثير من اشهر اطباء طهران ، لكنهم وبعد الصور الشعاعية التي أخذوها لقدمه ( والصور موجودة لحدّ الآن ) قالوا له ان عظم الكعب فاسد وليس له أي علاج ، فيأس المريض نهائياً من العلاج.

بعد سنوات يسافر الرجل للحج ، وبانتهاء الموسم ، يعرّج علىٰ الكاظمية لزيارة الامامين الكاظم والجوادعليهما‌السلام ، هناك يلتقي بأحد اصدقائه الروحانيين ( طلبة العلم ) فيشكو له شدّة الألم التي يعانيها من قدمه ، فيعرّف له صديقه طبيباً يهودياً معروفاً في بغداد.

يقول الرجل : مع انني كنت ضيفاً علىٰ الاماميين موسىٰ بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجوادعليهما‌السلام فلم اسنحي في ان اراجع رجلاً يهودياً في مرضي ( مع ان الرجوع للطبيب غير المسلم جائز في الاسلام ولا اشكال فيه ).

يقول الرجل كلامه بتمام الاخلاص والنقاء القلبي ، ودون أي تصنّع ، يدير وجهه ويضغط علىٰ عصاه ويدخل الحرم الطاهر ، ويبدأ بالبكاء والتوسل ، وبعد دقائق يرىٰ ـ متعجباً ـ قدمه عادية ، يستطيع ان يقف عليها دون الحاجة الىٰ عصاه ، وفي تلك اللحظة التي تذكر فيها العصىٰ أخذ يبحث عنها فلم يجدها ، لقد ضاعت في زحمة الحرم ، وهو لم يعد بحاجة إليها.

يعجب المريض لذلك الحدث ، ومن اجل ان يطمئن لشفاء قدمه ، يبدأ

١١٦

بالركض في الصحن الشريف ، فيرىٰ نفسه قد شفي حقاً ، وبعد ايّام يعود الىٰ طهران ويذهب الىٰ الاطباء الذين عجزوا عن علاجه ، فيحدثهم بما جرىٰ له ، فيعقد الاطباء لجنة لدراسة وفحص رجله ، فيأيدون شفاءها ويعترفون بأن الذي حدث ما هو إلّا معجزة ولا غير.

علماً ان الرجل واطباءه لا يزالون احياء ويسكنون في طهران.

حدث غريب في زاغ مرز

والاغراب مما ذكرناه ، هو ما حدث في زاغ مرز(١) قبل أربع سنوات ، خلاصته : في احدىٰ الاُسر المحترمة تمرضت طفلة بسن الثامنة مرضاً شديداً ، فكانت تعاني من الحمىٰ والضعف المفرط والصفار.

اخذها أهلها الىٰ اطباء مدينة بهشهر ، ووصفوا لها ادوية كثيرة ، دون ايّة نتيجة ، بعد ذلك اخذوها الىٰ اطباء مدينتي ساري وبابل ( اهم مدن محافظة مازندران في شمال ايران ) ولكن دون نتيجة أيضاً ، فجاءوا بها الىٰ طهران ، وتم تشكيل لجنة طبية لعلاجها ، وبعد فحص واختبارات دقيقة اعطوها بعض الادوية وعاد بها أهلها الىٰ قريتهم ، لكنهم لم يشاهدوا اي تحسن في صحتها ، لذلك اعادوها مرّة اخرىٰ الىٰ طهران ، وبعد فصوحات اخرىٰ وصور شعاعية ادخلوها مستشفىٰ النجمية ، وطبقاً لتوصية ثاني لجنة طبية ، قاموا بعملية جراحية لها ، لكنها أيضاً لم تتحسن بعد رجوعها الىٰ قريتها ، لذلك جاءوا بها للمرّة الثالثة الىٰ طهران وادخلوها غرفة العمليات ثانيةً ، لكنهم لم يشاهدوا أي

________________

(١) قرية تبعد ثلاثون كيلومتراً عن مدينة بهشهر ، احدى مدن شمال ايران.

١١٧

تغيير في حالها ، فحملوها للمرّة الرابعة الىٰ طهران ، وبعد عمليتن جراحيتين وكل تلك الادوية واللجان الطبّيّة ومصرف ما يقرب خمسة عشر الف تومان(١) ، اخبروهم بأن ابنتهم لا تشفىٰ وان عليهم ان يقطعوا الامل بتحسّن حالها وينتظروا ساعة وفاتها.

وطبيعي ان يتألم اهلها كثيراً لسماعهم ذلك الخبر ، لقد ذهبت جميع الاتعاب والمبالغ الكبيرة التي صرفوها سدىٰ ، فأعادوها الىٰ البيت وهم ينتظرون موتها.

ولانه لا بدّ ان يفيق الناس من سباتهم العميق ويتذكروا ربهم من خلال مشاهدة قدرته وعظمته ، ولكي يتم الله حجته علىٰ العقول القاصرة والتي انساها ضجيج العالم المادي كل شيء ، حتىٰ الله.

فنرىٰ تلك المريضة التي يأس منها كل الاطباء والتي تنتظر ساعة موتها ، تقول وهي علىٰ ضعفها وكأنها تتحدث عن عالم الغيب :

« خذوني الىٰ مشهد ، طبيبي الحقيقي ، هو الامام الرضاعليه‌السلام ».

وكان من الواضح ان لا يهتم اهلها بكلامها ، لان مثل هذا المريض الذي يأس منه جميع الاطباء وعجزت جميع الادوية عن علاجه ، لا يؤمن الناس عادة بشفاءه بالطرق المعنوية والسبل غير الطبيعية لذلك لم يتقبل احد حديثها سوىٰ اُمّها المسكينة ، لكن ما عسىٰ تلك الاُم ان تفعل امام معارضة جميع افراد العائلة ؟

________________

(١) ما يعادل ٢١٤٧ دولار وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت. ( المترجم )

١١٨

لكنهم ـ وبعد مداولات كثيرة ـ وافقوا في النهاية ، وهم يرون أنَّ الفتاة لن تبلغ محطة القطار في بهشهر إلّا وهي جثة هامدة ، وكان هذا رأي اطباء بهشهر الذين استشاروهم في الأمر أيضاً ، لكن اصرار اُمّها كان أقوىٰ من جميع ذلك.

حملت الاُم ابنتها الىٰ بهشهر واشترت بطاقة قطار ، وغادرت بهشهر.

وممّا يُذكر ان موظفوا محطة القطار امتنعوا عن بيع المرأة في بداية الامر بطاقة القطار ، لانهم كانوا يرون ان المريضة سوف تموت في الطريق بعد ساعات من تحرك القطار ، لكن مكانة الاسرة المرموقة واحترامها جعلهم يوافقون في النهاية ويبيعوهم البطاقات.

كانوا قد حجزوا لها غرفة هي واُمها وثلاثة نساء اخريات لمداراتها خلال السفر ، وعندما جاء رئيس القطار لضبط البطاقات ، تشاجر مع اُمّها وأراد ان ينزلها في احدىٰ المحطات التي في الطريق ، لانه كان يقول انها ستموت قبل ان يصل القطار الىٰ مشهد. لكنه انصرف عن ذلك بعد مشاهدة بكاء اُمّها وتوسلها به ، حتىٰ وصل القطار الىٰ محطة گرمسار(١) فأنزلت الاُم ابنتها بمساعدة النسوة الثلاثة ، ثم ذهبت لشراء بطاقات الىٰ مشهد ، ومرّة اخرىٰ يمتنع موظف المحطة عن بيعهم بطاقات لانه يقول بأن المريضة ستموت في الطريق ، لكنه وبعد الحاح الاُم ومشاهدة دموعها ، يبيعهم بطاقات فيركبونها ويتحرك القطار نحو المشهد ، وتصل المريضة حيّة الىٰ مشهد ، فيحملونها مباشرة الىٰ الصحن الشريف ويضعونها خلف الشباك الحديدي الذي يقع خلف ضريح الامام الرضاعليه‌السلام والمريضة تلفظ انفاسها الاخيرة ، فيما الاُم تبكي وتذرف الدمع بحرقة وتطلب

________________

(١) احدىٰ المحطات علىٰ طريق مشهد ، حيث يلتقي فيها قطاري مشهد ومازندران.

١١٩

من ثامن الائمةعليهم‌السلام الشفاعة بشفائها من الله تبارك وتعالىٰ.

ثم جاء الليل ، وأوى الناس الىٰ بيوتهم للاستراحة ، قفلت أبواب الحرم والصحن الشريفين ، وذهب حرس وخدم الروضة الرضوية المقدسة الىٰ بيوتهم ، إلّا مجموعة من النساء بقيت خارج الحرم وداخل الصحن الشريف ، وبين الحين الاخر يأتون الىٰ المرأة يسألونها عن حال ابنتها التي لا تزال خلف الشباك الحديدي.

كانت الساعة تشير الىٰ نهايات الليل وقرب طلوع الفجر ، والاُم المسكينة تغط في نوم عميق من شدّة تعب السفر والمآسي التي انهكتها ، وهي علىٰ تلك الحالة ، اذا بيد علىٰ كتفها توقضها بشدة ، وصوت يقول بحنان : اُماه اُماه ! انهضي لقد شفيت ، أنا بصحة جيدة ، لقد شفاني الامام الرضاعليه‌السلام .

فتحت الام المسكينة عينيها بصعوبة ، فرأت ابنتها سليمة ذهب عنها المرض ، لكن المشهد كان مفاجئ بالنسبة لها فسقطت علىٰ الارض مغشياً عليها بعد صيحة عظيمة.

وعلىٰ أثر تلك الصيحة ، يحيط بهم الخدم الذين يحرسون الصحن الشريف ، وبعد دقائق تخرج المرأة من غيبوبتها وينتقل الجميع الىٰ فندق قريب.

كيف فسّرت برقية الشفاء ؟!

وفي أول فرصة ، تبرق الاُم خبر شفاء ابنتها وانطلاقتهم الىٰ البيت ، لكنهم يفسرون البرقية بموت الفتاة المريضة ، ويتصوّرون بأن كلمة شفاء كناية عن

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466