رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241119 / تحميل: 8324
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وإذا كان ابن عبد البر يروي تلك الأخبار ويكره رواية كلام حذيفة في أبي موسى الأشعري ؛ فلابدّ وأنّ كلامه فيه أعظم من تلك الكلمات ، التي رواها بتراجم الصحابة عن بعضهم في البعض الآخر...

هذا كلّه ، وقد اشتهر الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كُتب الفريقين ، في أنّ( بُغضُ عليٍّ نفاق ) ، وعن غير واحدٍ من صحابته :( ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم عليّ بن أبي طالب ) وقد رواه ابن عبد البر أيضاً بترجمة الإمامعليه‌السلام وبعد ثبوت انحراف أبي موسى عنه وبغضه له ، لم يبقَ أيّ ريبٍ وشك في كون أبي موسى من المنافقين... ولا تبقى حاجة إلى ذكر الشواهد على ذلك من كتب الحديث والتاريخ .

وإذا كان ابن عبد البر يكره رواية الخبر ، فقد رواه غير واحدٍ من الأعلام ، منهم ابن عساكر في ( تاريخه )(١) بإسناده عن الأعمش عن شقيق قال : ( كنا مع حذيفة جلوساً ، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد ، فقال أحدهما : منافق ثم قال : إنّ أشبه الناس هدياً ودلاًّ وسمتاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله ) .

من مشاهد انحراف أبي موسى عن عليّ

ومع ذلك نتعرّض لبعض الأخبار الشاهدة بانحراف الرجل عن أمير المؤمنين ( عليه الصلاة والسلام ) .

قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) .

( قوله : بعث عليّ عمّار بن ياسر وحسن بن عليّ فقدما علينا الكوفة ، ذكر عمر بن شبة والطبري سبب ذلك بسندهما إلى ابن أبي ليلى قال : كان عليّ

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق ٣٢ : ٩٣ ترجمة عبد الله بن قيس وهو أبو موسى الأشعري .

٦١

أقرّ أبا موسى على إمرة الكوفة ، فلمّا خرج من المدينة أرسل هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص إليه أنْ أنهض من قبلك من المسلمين ، وكن من أعواني إلى الحق ، فاستشار أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فقال : اتّبع ما أمرك به .

قال : إنّي لا أرى ذلك ، وأخذ في تخذيل الناس عن النهوض ، فكتب هاشم إلى عليّ بذلك وبعث بكتابه مع حجل بن خليفة الطائي ، فبعث عليٌّ عمّار بن ياسر والحسن بن عليّ يستفزّان النّاس ، وأمّر قرظة بن كعب على الكوفة )(١) .

وقال ابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة ) :

( وذكروا أنّ عليّاً لمّا نزل قريباً من الكوفة ، بعث عمّار بن ياسر ومحمّد ابن أبي بكر إلى أبي موسى الأشعري ، وكان أبو موسى عاملاً لعثمان على الكوفة ، فبعثهما عليٌّ إليه وإلى أهل الكوفة يستفزّهم ، فلمّا قدِما عليه ، قام عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر فدعوا ألنّاس إلى النصرة لعليّ ، فلمّا أمسَوا ، دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى فقالوا : ما ترى ؟ أنخرج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما أم لا ؟ فقال أبو موسى : أمّا سبيل الآخرة ففي أنْ تلزموا بيوتكم ، وأمّا سبيل الدّنيا وسبيل النار ، فالخروج مع مَن أتاكم ، فأطاعوه ، فتبطّأ النّاس على عليّ ، وبلغ عمّاراً ومحمّداً ما أشار به أبو موسى على أولئك الرهط ، فأتياه فأغلظا له في القول ، فقال أبو موسى : والله إنّ بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما ، ولئن أرادنا للقتال مالنا إلى قتال أحدٍ من سبيل حتّى نفرغ من قَتَلَة عثمان .

ثمّ خرج أبو موسى وصعد المنبر ثمّ قال : أيّها النّاس ! إنّ أصحاب رسول الله الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله وبرسوله ممّن لم يصحبه ، وإنّ لكم حقّاً عَلَيّ أُؤدّيه إليكم ، إنّ هذه الفتنة النائم فيها خيرٌ من اليقظان ، والقاعد

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ : ٤٨ .

٦٢

خيرٌ من القائم ، والقائم فيها خيرٌ من الساعي ، والسّاعي خيرٌ من الراكب ، فاغمدوا سيوفكم حتّى تنجلي هذه الفتنة ) (١) .

وأخرج البخاري :

( حدّثنا بدل المُحبَّر قال : حدّثنا شعبة قال : أخبرني عمرو قال : سمعت أبا وائل يقول : دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمّار ـ حيث بعثه عليّ إلى أهل الكوفة يستنفرهم ـ فقالا : ما رأيناك أتيتَ أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت فقال عمّار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكم عن هذا الأمر ، وكساهما حلّةً حلّة ، ثمّ راحوا إلى المسجد .

حدّثنا عبدان ، عن أبي حمزة ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة : كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمّار ، فقال أبو مسعود : ما من أصحابك أحدٌ إلاّ لو شئت لقلت فيه ، غيرك ، وما رأيت منك شيئاً منذ صَحِبْتَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعيَب عندي من استسراعك في هذا الأمر قال عمّار : يا أبا مسعود ، وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئاً ، منذ صحبتما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعيَب عندي من إبطائكما في هذا الأمر فقال أبو مسعود وكان موسراً ـ : يا غلام ! هات حلّتين ، فأعطى إحداهما أبا موسى والأُخرى عمّاراً وقال : روحا فيه إلى الجمعة )(٢) .

وقال الحاكم :

( أخبَرنا عبد الرحمان بن الحسن القاضي بهَمَدان ، حدّثنا إبراهيم بن الحسين ، حدّثنا آدم بن أبي أيَاس ، حدّثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي

ـــــــــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة ١ : ٦٥ ـ ٦٦ .

(٢) صحيح البخاري ٩ : ٧٠ ـ ٧١ كتاب الفتن .

٦٣

وائل قال : دخل أبو موسى الأشعري وأبو مسعود البدري على عمّار وهو يستنفر النّاس ، فقالا له : ما رأينا منك أمراً منذ أسلمت أكره عندنا مِن إسراعك في هذا الأمر فقال عمّار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر ) (١) .

وأخرج أيضاً :

( عن الشعبي قال : لمّا قتل عثمان وبُويع لعليّرضي‌الله‌عنه ما ، خطب أبو موسى وهو على الكوفة ، فنهى النّاس عن القتال والدخول في الفتنة ، فعزله عليٌّ عن الكوفة من ذي قار ، وبعث إليه عمّار بن ياسر والحسن بن عليّ فعزلاه )(٢) .

وفيما فعل أبو موسى من الوقاحة والتجاسر والافتراء والكذب ، ما لا يخفى ، ولا بأس لتوضيح شناعة موقفه بأنْ نقول :

أوّلاً : ذكر المسعودي ـ وعنه سبط ابن الجوزي ـ أنّه لمّا خذّل أبو موسى الناس ، كتب الإمامعليه‌السلام إليه :

( انعزِل عن هذا الأمر مذموماً مدحوراً ، فإنْ لم تفعل ، فقد أمرت من يقطّعك إرباً إرباً ، يا ابن الحائك ، ما هذا أوّل هناتك ، وإنّ لك لهنات وهنات .

ثمّ بعث عليٌّ الحسن وعمّاراً إلى الكوفة ، فالتقاهما أبو موسى ، فقال له الحسن : لم ثبّطت القوم عنّا ؟ فو الله ما أردنا إلاّ الإصلاح فقال : صدقت ، ولكنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( ستكون فتنة ، يكون القاعد فيها خيراً من القائم ، والماشي خيراً من الراكب ) فغضب عمّار

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٧ .

٦٤

وسبّه ) (١) .

فلقد وصفه الإمامعليه‌السلام بوصف أهل النّار ، قال تعالى :( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ) (٢) وقال :( لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً ) (٣) .

وقال :( ...وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً ) (٤) .

قال في ( تفسير الجلالين ) : ( [مذموماً] ملوماً [مدحوراً] مطروداً عن الرحمة )(٥) .

وفي كتاب ( النهاية في غريب الحديث ) : ( في حديث عرفة : ما مِن يوم إبليس فيه أدحر ولا أدحق منه في يوم عرفة ، الدحر: الدفع بعنف على سبيل الإهانة والإذلال ، والدحق : الطّرد والإبعاد )(٦) .

وفيه :

( وأصل اللّعن : الطرد والإبعاد من الله )(٧) .

وقال الفخر الرازي بتفسير الآية :( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةََ.. ) :

( قال القفّال رحمه الله : هذه الآية داخلة في معنى قوله :( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ... ) ومعناه : أنّ الكمال في الدّنيا قسمان ، فمنهم من يريد

ـــــــــــــــــــ

(١) مروج الذهب ٣ : ١٠٤/ ١٦٣٠ ( بنحوه ) تذكرة خواص الأُمّة : ٧٠ .

(٢) سورة الإسراء ١٧ : ١٨ .

(٣) سورة الإسراء ١٧ : ٢٢ .

(٤) سورة الإسراء ١٧ : ٣٩ .

(٥) تفسير الجلالين ط ذيل تفسير البيضاوي ١ : ٥٨١ .

(٦) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ : ١٠٣ ( دحر ) .

(٧) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ : ٢٥٥

٦٥

بالذي يعمله الدنيا ومنافعها والرياسة فيها ، فهذا يأنف من الانقياد للأنبياء ( عليهم الصلاة والسلام ) ، والدخول في طاعتهم والإجابة لدعوتهم ، إشفاقاً من زوال الرياسة عنه ، فهذا قد جعل طائر نفسه شؤماً ؛ لأنّه في قبضة الله تعالى ، فيُؤتيه الله في الدنيا منها قدَراً لا كما يشاء ذلك الإنسان ، بل كما يشاء الله ، إلاّ أنّ عاقبته جهنّم يُدخله فيها فيصلاها مذموماً ملوماً مدحوراً منفيّاً مطروداً من رحمة الله تعالى .

وفي لفظ هذه الآية فوائد :

الفائدة الأُولى : إنّ العقاب عبارة عن مضرّة مقرونة بالإهانة والذمّ ، بشرط أنْ تكون دائمة وخالية عن شوب المنفعة فقوله :( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا.. ) إشارة إلى المضرّة العظيمة ، وقوله :( مَذْمُوماً ) إشارة غلى الإهانة والذم ، وقوله :( مَّدْحُوراً ) إشارة إلى البُعد والطرد عن رحمة الله ، وهي تفيد كون تلك المضرّة خالية عن شوب النفع والرحمة ، وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدّل بالراحة والخلاص )(١) .

وقال أبو البركات النسفي بتفسيرها :

( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء... ) لا ما يشاء( لِمَن نُّرِيدُ ) بدل من له بإعادة الجار ، وهو بدل البعض من الكلّ ، إذ الضمير يرجع إلى من ، أي من كانت العاجل همّه ولم يرد غيرها كالكفرة ، تفضّلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد ، فقيّد المعجّل بمشيّته والمعجّل له بإرادته ، وهكذا الحال ، ترى كثيراً من هؤلاء يتمنّون ما يتمنّون ولا يعطون إلاّ بعضاً منه ، وكثيراً منهم يتمنّون ذلك البعض وقد حرموه ، فاجتمع عليهم فقر الدّنيا وفقر الآخرة ، وأمّا

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٧٨ .

٦٦

المؤمن التقي ، فقد اختار غنى الآخرة ، فإنّ أُوتي حظّاً من الدنيا فبها ، وإلاّ فربّما كان الفقر خيراً له ( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ ) في الآخرة ( يَصْلاهَا ) يدخلها ( مَذْمُوماً ) ممقوتاً ( مَّدْحُوراً ) (١) .

وقال البغوي :

( وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ ) خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الآيات ، والمراد منه الأُمّة( فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً ) مطروداً مُبعَداً من كلّ خير )(٢) .

( ثمّ إنّه تعالى ذكر في الآية الأُولى : أنّ الشرك يُوجب أنْ يكون صاحبُه مذموماً مخذولاً ، وذكر في الآية الأخيرة : أنّ الشرك يُوجب أنْ يُلقى صاحبه في جهنّم ملوماً مدحوراً ، فاللّوم والخذلان يحصل في الدنيا ، وإلقاؤه في جهنّم يحصل يوم القيامة .

ويجب علينا أنْ نذكر الفرق بين المذموم والمخذول ، وبين الملوم المدحور فنقول : أمّا الفرق بين المذموم وبين الملوم ، فهو أنّ كونه مذموماً معناه أنْ يُذكر له أنّ الفعل الذي أقدم عليه قبيحٌ ومنكر، فهذا معنى كونه مذموماً ، وإذا ذُكر له ذلك فبعد ذلك يقال له : لمَ فعلت مثل هذا الفعل ؟ وما الذي حملك عليه ؟ وما استفدت من هذا العمل إلاّ إلحاق الضرر بنفسك ، وهذا هو اللّوم ، فثبت أنّ أوّل الأمر هو أنْ يصير مذموماً ، وآخره أنْ يصير

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير النسفي = مدارك التنزيل ١ : ٧٠٩ .

(٢) تفسير البغوي = معالم التنزيل ٣ : ٤٩٧

٦٧

ملوماً ، وأمّا الفرق بين المخذول وبين المدحور ، فهو أنّ المخذول عبارة عن الضعيف ، يُقال : تخاذلت أعضاؤه أي ضَعُفت ، وأمّا المدحور فهو المطرود ، والطرد عبارة عن الاستخفاف والإهانة ، قال تعالى : ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) ، فكونه مخذولاً عبارة عن ترك إعانته وتفويضه إلى نفسه ، وكونه مدحوراً عبارة عن إهانته والاستخفاف به ) (١) .

وأيضاً : فقد ورد أنّ الإمامعليه‌السلام قال عن أبي موسى :( هو عندي غير مأمون ، وقد هرب منّي ) قال سبط ابن الجوزي في خبَر قضيّة التحيكم :

( ولمّا فعل معاوية ما فعل قال : نبعث حكماً نرتضي به ، وابعثوا أنتم حكماً ترضون به ، فاختار أهل الشام عمرو بن العاص، وأختار أهل العراق أبا موسى الأشعري ، فقال عليّعليه‌السلام :( لا أرضى به ، وهو عندي غير مأمون ، وقد هرب منّي ، وخذّل النّاس عنّي ، ولكنْ هذا ابن عبّاس ) (٢) .

وكما تكلّم الإمامعليه‌السلام في أبي موسى بما تقدّم ونحوه ، كذلك تكلّم في سعد بن أبي وقّاص ، لتخلّفه عنه وتركه نصرته ، قال الحاكم :

( وأمّا ما ذكر من اعتزال سعد بن أبي وقّاص عن القتال ، فحدّثَناه أبو زكريّا يحيى بن محمّد العنبري ، ثنا إبراهيم بن أبي طالب ، ثنا عليّ بن المنذر ، ثنا ابن فُضيل ، ثنا مسلم الملائي ، عن خيثمة بن عبد الرحمان قال : سمِعت سعد بن مالك ، وقال له رجل : إنّ عليّاً يقع فيك إنّك تخلَّفت عنه ، فقال سعد : والله إنّه لرأيٌ رأيته وأخطأ رأيي ، إنّ عليّ بن أبي طالب أُعطي ثلاثاً ، لأنْ أكون أُعطيت إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها :

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٢١٤.

(٢) تذكرة خواص الأُمّة : ٩٣.

٦٨

لقد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم بعد حمد الله والثناء عليه : ( هل تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين ) ؟ قلنا : نعم قال : ( اللّهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه ، والِ من والاه وعادِ من عاداه ) .

وجيء به يوم خير وهو أرمد ما يُبصر ، فقال :( يا رسول الله ، إنّي أرمد ) ، فتفل في عينيه ودعا له ، فلم يرمد حتّى قُتل ، وفتح عليه خيبر .

وأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّه العبّاس وغيره من المسجد ، فقال له العبّاس : تُخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتُسكن عليّاً ؟ ! فقال :( ما أنا أخرجتكم وأسكنته ، ولكنّ الله أخرجكم وأسكنه ) (١) .

ثانياً : إنّ سبّ عمّار بن ياسر أبا موسى الأشعري دليلٌ آخر على كفر أبي موسى ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ـ كما في البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ـ :( سُباب المسلم فسوق ) (٢) ، فلا يجوز سبّ المسلم على الإطلاق ، فكيف بالصّحابي ، فلو كان لأبي موسى حظّ من الإسلام لَما جاز سبّه أصلاً .

ثالثاً : إنّ ترك أبي موسى نصرة الإمامعليه‌السلام وتخذيله الناس عن القتال معه ونصرته ، يُشمله قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ :( اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ) ، أخرجه الطبراني عن عمرو بن مرّة وزيد بن أرقم وحبشي بن جنادة مرفوعاً بلفظ :( اللهّم مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ١١٦ ـ ١١٧ كتاب معرفة الصحابة.

(٢) جامع الاصول ١٠: ٦٧ و٧٦٠/ ٧٥٣٥ و٨٤٣٧.

٦٩

من نصره ، وأعن من أعانه ) (١) .

وأخرجه الحاكم بإسناده عن جابر بن عبد الله يقول : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [يقول يوم الحديبيّة] ـ وهو آخذٌ بضبع عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ـ وهو يقول :( هذا أميرُ البرَرَة ، [و] قاتل الفجَرَة ، منصورٌ من نصَرَه ، [و] مخذولٌ من خذله ) ثمّ مدّ بها صوته هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه )(٢) .

رابعاً : لقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ، ما إنْ تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) وهو حديث صادر عنه قطعاً وقد اعترف بذلك كبار أهل السنّة من القدماء والمتأخّرين ، وحتّى الدهلوي صاحب ( التحفة الاثني عشريّة ) ، وأضاف أنّ كلّ عقيدةٍ أو عملٍ مخالف للثقلين فهو باطل ، ومن أنكرهما فهو ضالٌّ خارج من الدين ، وهذه ترجمة كلامه في الباب الرابع من كتابه :

( واعلم أنّه قد ثبت باتّفاق الفريقين ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ، ما إنْ تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم مِن الآخر ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) . وقد أفاد أنّ النبيّ قد دلّنا في معالم الدين وأحكام الشرع على هذين الأمرين العظيمين ، فكلّ مذهبٍ خالفهما في الأمور الشرعيّة سُواء في العقيدة أم العمل فهو باطل ولا اعتبار به ، وكلّ مَن أنكرهما

ـــــــــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ٤ : ١٧/ ٣٥١٤ ، و٥ : ١٧١/ ٤٩٨٥ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٩ كتاب معرفة الصحابة

٧٠

فهو ضالّ وخارج من الدّين ) (١) .

ولا شكّ أنّ أبا موسى الأشعري قد خالف الثقلين ، فكان من الخارجين عن الدين والداخلين في زمرة الضالّين الهالكين .

خامساً : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مثَل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوحٍ ، مَن ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ) ، وهو كذلك من الأحاديث الثابتة الصدور عنه عند الفريقين ، وقد قال الدهلوي في ( التحفة ) ، في مقام الردّ على استدلال أصحابنا بهذا الحديث على الإمامة العامّة والولاية المطلقة ـ لأمير المؤمنينعليه‌السلام ـ ما تعريبه :

( إنّ هذا الحديث لا يدلّ إلاّ على إناطة الفلاح والهداية بحبّهم واتّباعهم ، وأنّ التخلّف عن ذلك مُوجبٌ للهلاك )(٢) .

ومن الواضح : أنّ حال أبي موسى الأشعري ، ليس إلاّ التخلّف عن أهل البيت والمخالفة لهم ، فيكون من الضالّين الهالكين .

سادساً : إنّه لم يكن تخلّف أبي موسى عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ومخالفته لهم في ترك النصرة وتخذيل النّاس فقط ، بل تكلّم بكلماتٍ كشَف فيها عن نصبه وعناده لأهل البيت ، بما لا يقبل الحمل والتأويل ، فكان من الهالكين والخاسرين ، وقد اعترف بذلك سائر العلماء من أهل السنّة حتّى المتعصّبون منهم...

سابعاً : لقد عصى أبو موسى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن عصاه فقد عصى رسول الله ، ومن عصى رسول الله فقد عصى الله تعالى... وفي ذلك

ـــــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثنا عشريّة ، الباب الرابع : ١٣٠.

(٢) التحفة الاثنا عشريّة ، الباب السابع : ٢١٩.

٧١

أحاديث صحيحة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني ) قال الحاكم : هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه ) (١) .

ثامناً : إنّه قد فارق أبو موسى أمير المؤمنينعليه‌السلام بتركه نصرته والتخلّف عنه ، وقد نصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّ من فارَق عليّاً فقد فارق الله ورسوله :

أخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذررضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ :( من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك فقد فارقني ) (٢) .

تاسعاً : إنّ من الواضح أنّ أبا موسى قد آذى بأفعاله وأقواله عليّاً أمير المؤمنين ، وهذا ممّا لا يرتاب فيه مُرتاب ولا يشكّ فيه أحدٌ من أُولي الألباب ، وإيذاء عليّ إيذاء رسول الله ، وإيذاؤه يُوجب الدخول في النّار .

أخرج الحاكم بإسناده عن عمرو بن شاس الأسلمي ، قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث ـ :( يا عمرو ، أما والله لقد آذيتني ) .

فقلت : أعوذ بالله أن أُُوذيك يا رسول الله ! قال :( بلى ، من آذى عليّاً فقد آذاني ) قال الحاكم : ( هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه )(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢١ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٦ كتاب معرفة الصحابة .

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٢ كتاب معرفة الصحابة .

٧٢

العاشر : لقد خالف أبو موسى رسول الله ، وعصى أوامرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقتال مع أمير المؤمنين ، في حروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين :

أخرج الحاكم بإسناده : أنّ أبا أيّوب الأنصاري قال في زمان عمر بن الخطّاب : ( أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالب بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين )(١) .

وأخرج عنه أنّه قال :( سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ بن أبي طالب :( تُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، بالطرقات ، والنهروانات ، وبالسعفات ) ، قال أبو أيّوب : قلت : يا رسول الله ، مع من نقاتل هؤلاء الأقوام ؟ قال :( مع عليّ بن أبي طالب )) (٢) .

وأخرج البغوي عن ابن مسعود قال : ( خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء عليّ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أُمّ سلمة ، هذا ـ والله ـ قاتل القاسطين ، والناكثين والمارقين من بعدي ) (٣) .

وروى المتّقي حديث ابن مسعود المذكور ، عن الحاكم في الأربعين وابن عساكر(٤) .

وروى عن ابن عساكر عن زيد بن عليّ بن الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه عن عليّ قال :( أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٩ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٠ كتاب معرفة الصحابة .

(٣) شرح السنّة ١٦٨/ ٢٠٠٩ كتاب قتال أهل البغي الباب ١ .

(٤) كنزل العمّال ١٣ : ١١٠/ ٣٦٣٦١ .

٧٣

والمارقين والقاسطين ) (١) .

وأوضح ابن طلحة الشافعي معنى الحديث ـ بعد أنْ رواه عن البغوي عن ابن مسعود ـ بقوله :

( ذكر في هذا الحديث فِرَقاً ثلاثة ً، صرّح بأنّ عليّاًعليه‌السلام يُقاتلهم من بعده ، وهُم الناكثون ، والقاسطون والمارقون ، وهذه الصفات التي ذكرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سمّاهم بها ، مُشيراً إلى أنّ وجود كلّ صفةٍ منها في الفرقة المختصّة بها علّةٌ لقتالهم مسلّطة عليه ، وهؤلاء الناكثون هُم الناقضون عقد بيعتهم الموجِبة عليهم الطاعة والمتابعة لإمامهم الذي بايعوه حقّاً ، فإذا نقضوا ذلك وصدفوا عن طاعة إمامهم ، وخرجوا عن حكمه ، وأخذوا في قتاله بغياً وعناداً ، كانوا ناكثين باغين ، فتعيَّن قتالهم ، كما اعتمده طائفة فمن تابع عليّاًعليه‌السلام وبايعه ثمّ نقض عهده وخرج عليه ـ وهم أصحاب واقعة الجمل ـ فقاتلهم عليّعليه‌السلام ، فهم الناكثون... )(٢) .

حديث خاصف النعل

هذا ، وقد وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديثٌ كثيرة ـ غير ما ذُكر ـ في كون عليّعليه‌السلام مأموراً بالقتال مع هؤلاء ، ومصيباً في حروبه...

منها :حديث خاصف النعل ... وقد أخرجه من كبار الأئمّة والحفّاظ :

الحاكم في (المستدرك).

ـــــــــــــــــــ

(١) كنز العمّال ١٣ : ١١٢ ـ ١١٣/ ٣٦٣٦٧ .

(٢) مطالب السؤول : ١٠٤ ـ ١٠٥.

٧٤

والنسائي في ( الخصائص ) .

وابن أبي شيبة في ( المصنّف ) .

وأحمد بن حنبل في ( المسند ) .

وأبو يعلى في ( المسند ) .

وابن حبّان في ( الصحيح ) .

وأبو نعيم في ( حلية الأولياء ) .

والضياء المقدسي في ( المختارة ) .

والذهبي في ( المعجم المختص ) .

والمُحب الطبري في ( الرياض النضرة ) و( ذخائر العقبى ) .

وابن مندة في ( كتاب الصحابة ) .

وابن الأثير في ( اُسد الغابة ) .

والزرندي في (نظم درر السمطين).

والبغوي في ( شرح السنّة ) .

والسيوطي في ( جمع الجوامع ) .

والمتقي في ( كنز العمّال ) .

ومحمّد بن معتمد خان البدخشاني في ( مفتاح النجا ) .

وابن طلحة الشافعي في ( مطالب السئول ) .

ولنذكر نصوص رواياتهم مع الاختصار :

أخرج الحاكم :( عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانقطعت نعله ، فتخلّف عليّ ، يصلحها ، فمشى قليلاً ثمّ قال :( إنّ منكم من يُقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلتُ على تنزيله ) ، فاستشرف لها القوم ـ وفيهم أبو بكر وعمر ـ قال أبو بكر : أنا هو ؟

قال :( لا ) ، قال عمر : أنا هو ؟ قال :( لا ، ولكن خاصف النعل ) ـ يعني عليّاً ـ فأتينا فبشّرناه ، فلم يرفع به رأسه ، كأنّه قد كان سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٥

هذا حديثٌ صحيح على شرط الشيخين ، ولم يُخرجاه) (١) .

وترجم ابن الأثير ( عبد الرحمان بن بشير ) فأسند عنه قال :

( كنّا جلوساً عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال :( ليضربنّكم رجلٌ على تأويل القرآن ، كما ضربتكم على تنزيله ) ، فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال :( لا ) , قال عمر : أنا هو ؟ قال :( لا ، ولكن خاصف النعل ) ، وكان عليّ يخصف نعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرجه الثلاثة) (٢) .

وأخرج النسائي بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال :

( كنّا جلوساً ننتظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج إلينا وقد انقطع شسع نعله ، فرمى بها إلى عليّ فقال :( إنّ منكم مَن يُقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله ) ، فقال أبو بكر : أنا ؟ فقال :( لا ) ، فقال عمر : أنا ؟ فقال :( لا ، ولكن خاصف النعل )) (٣) .

وفي ( المسند ) : ( عن أبي سعيد الخدري : كنّا جلوساً في المسجد ، فخرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ في بيت فاطمة ، فانقطع شسع نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأعطاه عليّاً يصلحها ، ثمّ جاء فقام علينا فقال... )(٤) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٣ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) اُسد الغابة في معرفة الصحابة ٣ : ٣٢٥/ ٣٢٧١ .

(٣) خصائص علي : ٢١٩/ ١٥٦ .

(٤) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٥٠١/ ١١٣٦٤ بنحوه .

٧٦

وأورد العلاّمة الحلّي هذا الحديث في ( نهج البلاغة ) محتجّاً به ، فقال ابن روزبهان عند الجواب : ( قد صحّ هذا الحديث )(١) .

ورواه الذهبي في ( المعجم المختص ) بترجمة ( عبد الله بن محمّد بن أحمد ابن المطري ) بإسنادٍ فيه جماعة من الأعلام الحفّاظ... ( عن أبي سعيد الخدري قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن في المسجد في نحو سبعين من أصحابه ، كأنّ على رؤوسنا الطير فقال :( إنّ رجلاً منكم يُقاتل الناس على تأويل القرآن ، كما قاتلتهم على تنزيله ) ، فقال أبو بكر : أنا ؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هو خاصف النعل بالحجرة ) ، فخرج علينا عليّ من الحجرة وفي يده نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلحها أو يخصفها )(٢) .

وهو في ( كنز العمّال ) عن أبي سعيد باللّفظ المذكور : عن ابن أبي شيبة في المصنّف ، وأحمد في المسند ، وأبي يعلى في المسند ، وابن حبّان في الصحيح ، والحاكم في المستدرك ، وأبي نعيم في الحلية ، والضياء في المختارة(٣) .

وكذلك البدخشي ، رواه عن الجماعة والبغوي في شرح السنّة ، عن أبي سعيد الخدري ، وأضاف : ( وأخرج الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان ابن السكن البغدادي في صحاحه ، عن الأخضر الأنصاريرضي‌الله‌عنه ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنا أُقاتل على تنزيل القرآن ، وعليّ يُقاتل على تأويله ) (٤) .

دلّ هذا الحديث على أنّ قتال أمير المؤمنينعليه‌السلام على تأويل

ـــــــــــــــــــ

(١) اُنظر : دلائل الصدق لنهج الحق ٢ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠/١٧ .

(٢) المعجم المختص : ٩١/١٤٣ .

(٣) كنز العمّال ١٣ : ١٠٧ ـ ١٠٨/ ٣٦٣٥١ .

(٤) مفتاح النجا في مناقب آل العبا مخطوط

٧٧

القرآن بعد حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّما يُعدّ من المناقب المختصّة به ، ومن خصائصه الجليلة التي قد تمنّاها أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة... فكيف يجوز لأبي موسى الأشعري أو غيره أنْ يطعن في قتاله عليه‌السلام ، وحروبه التي خاضعها ضدّ الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ؟ وكيف يجوز لأحدٍ أنْ يسعى في حطّ مرتبة هذه الفضيلة والشرف العظيم الذي بشّر به رسول الله ؟ وكيف يجوز التعبير عن هذا القتال بأنّه كان للدنيا ؟

هذا ، ولا يخفى أنّ صاحب ( التحفة ) قد روى هذا الحديث ، وأورده في باب الإمامة ، مع إسقاط تمنّي أبي بكر وعمر ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما : لا (١) !

الحادي عشر : لقد خالف أبو موسى الأشعري النصوص الصريحة الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنّ الحقّ مع عليّ ، وأنّه لا يفارقه أبداً .

وقد أخرج هذه الأحاديث كبار الأئمّة الحفّاظ بأسانيدهم ، وقد ذكر البدخشي طرفاً منها في كتابه ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ) حيث قال :

( الفصل الثامن عشر ـ في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحق معه .

أخرج الترمذي عن عليّ كرّم الله وجهه قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله عليّاً ، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار ) .

وأخرج أبو يعلى والضياء عن أبي سعيدرضي‌الله‌عنه : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا ) ؛ يعني عليّا ً.

وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الحق مع عليّ ، يزول معه حيث ما زال ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثني عشرية : ٢١٩، الباب السابع .

٧٨

وفي رواية أُخرى عنها : عليّ مع الحقّ والحقّ معه .

وأخرج الطبراني في الكبير ، عن كعب بن عجرةرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يكون بين الناس فُرقةٌ واختلاف ، فيكون هذا وأصحابه على الحق ) ؛ يعني عليّاً .

وأخرج أبو نعيم ، عن أبي ليلى الغفاريرضي‌الله‌عنه ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ؛ فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل ) .

وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها: أنّها لمّا عُقر جملها ودخلت داراً بالبصرة ، فقال لها أخوها محمّد : أُنشدك الله ، أتذكرين يوم حدّثتني عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( الحقّ لنْ يزال مع عليّ وعليّ مع الحق ، لنْ يختلفا ولنْ يتفرقا ) ؟ قالت : نعم .

وأخرج عن أبي موسى الأشعريرضي‌الله‌عنه قال : أشهد أنّ الحقّ مع عليّ ، ولكن مالت الدنيا بأهلها ، ولقد سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له :( يا عليّ ، أنت مع الحق ، والحق بعدي معك ) .

وأخرج عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : كان عليّ على الحق ، من اتّبعه اتّبع الحق ، ومن تركه ترك الحق ، عهداً معهوداً قبل يومه هذا .

وأخرج عن شهر بن حوشب قال : كنت عند أُمّ سلمة رضي الله عنها فسلّم رجل ، فقيل : من أنت ؟ قال : أنا أبو ثابت مولى أبي ذر قالت : مرحباً بأبي ثابت اُدخل ، فدخل ، فرحّبت به وقالت : أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها ؟ قال : مع عليّ بن أبي طالب قالت : وُفّقت ، والذي نفس أُمّسلمة بيده لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لنْ يفترقا حتّى يردا على الحوض ) ، ولقد بعثت ابني عمر وابن أخي عبد الله بن أبي أُميّة ، وأمرتهما أنْ يقاتلا مع عليّ من قاتَلَه ، ولولا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرنا أنْ نقرّ في حجالنا وفي بيوتنا ، لخرجت حتّى أقف في صفّ عليّ .

٧٩

وأخرج عن عليّ كرّم الله وجهه قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، إنّ الحق ّمعك ، والحقّ على لسانك ، وفي قلبك وبين عينيك ) .

وأخرج عن عبيد الله بن عبد الله الكندي قال : حجّ معاوية ، فأتى المدينة وأصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متوافرون ، فجلس في حلقةٍ بين عبد الله ابن عبّاس وعبد الله بن عمر ، فضرب بيده على فخذ ابن عبّاس ثمّ قال :

أما كنتُ أحقّ وأولى بالأمر من ابن عمّك ؟

قال ابن عبّاس : وبم ؟

قال : لأنّي ابن عمّ الخليفة المقتول ظلماً .

قال : هذا ـ يعني ابن عمر ـ أولى بالأمر منك ؛ لأنّ أبا هذا قتل قبل ابن عمّك .

قال : فانصاع عن ابن عبّاس وأقبل على سعد ، قال :

وأنت يا سعد ، الذي لم تعرف حقّنا من باطل غيرنا فتكون معنا أو علينا ؟

قال سعد : إنّي لمّا رأيت الظلمة قد غشيت الأرض ، قلت لبعيري هخ ، فأنخته حتّى إذا أسفرت مضيت .

قال : والله لقد قرأت المصحف يوماً بين الدفّتين ما وجدت فيه هخ .

فقال : أمّا إذا أبيت ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوللعلي : ( أنت مع الحق والحق معك ) .

قال : لتجيئنّي بمن معك أو لأفعلنّ ؟

قال : أُمّ سلمة .

قال : فقام وقاموا معه ، حتّى دخل على أُمّ سلمة .

قال : فبدأ معاوية فتكلّم فقال : يا أُمّ المؤمنين ، إنّ الكذّابة قد كثُرت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده ، فلا يزال قائلٌ : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يقُل ، وإنّ سعداً روى حديثاً زعم أنّك سمعته معه .

قالت : ما هو ؟

قال : زعم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ :( أنت مع الحق والحق معك ) .

قالت : صدق ، في بيتي قاله .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

يصرّح به الامام الصادقعليه‌السلام ، فيقول : حتىٰ يلحقهم بالناس(١) .

٤ ـ لا يقرّ الاسلام أي نوع من العلاقة التي تأتي بالضرر بين البشر ، منها في العلاقات المالية ، والرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في هذا الصدد : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام(٢) .

٥ ـ وللاسلام رأي خاص فيما يتعلق بالمصادر الطبيعية ، مثل : الاراضي والمعادن والانهار والمياه الجوفية والغابات والبحار ، فملكيتها نوعاً ما تعود الىٰ الامام المعصومعليه‌السلام وتكون ادارتها والاستفادة منها وتوزيع العوائد الحاصلة منها ومن صلاحيات الحكومة الاسلامية الحقيقية.

________________

(١) وسائل الشيعة ، كتاب الزكاة ، الباب الثامن ، من ابواب المستحقين للزكاة ، الرواية رقم ٤.

(٢) وسائل الشيعة ، الباب الاول من كتاب الارث ، الرواية رقم ٩.

١٦١

بحث القوانين القضائية في الاسلام

الشيخ : لعل تطور النظام القضائي هو من اهم مفاخر امريكا واوروبا وانجازتهما القانونية والعلمية ، اما اهم الخطوات التي قاموا بها في هذا المجال ، فهي كالتالي :

أ ـ حصانة القاضي واستقلاله ، لكي يتمكن من محاكمة الخائن في اي مستوىٰ من السلطة.

ب ـ استقلال القاضي من الناحية المالية ، لكي لا يسهل شراء رأيه وارتشاءه.

يقال : ان بريطانيا خطت خطوات واسعة في هذا المجال ، فهي لم تحدد لقضاتها مرتباً شهرياً وانما تمنحهم شيكات بيضاء موقعة من قبل الدولة وهم يدنون فيها المبلغ الذي يحتاجونه(١) .

________________

(١) جاء في مجلة نقابة المحامين ، العدد ١٠٠ سنة ١٩٦٥ ، بحث حول المسائل القضائية في بريطانيا ، بعنوان : « العدالة في بريطانيا » ، وقد جاء في الفصل الخاص بـ « حقوق القضاء » ما يلي : لا يمكن أن نتوقع من القاضي الذي ليس مرفهاً في معيشته المقاومة أما الضغوطات والاغراءات والتهديدات ، فالقاضي يكون مستقلاً ومستغنياً عندما لا يشعر بالحاجة المادية ، لذلك فالمرتبات الشهرية التي تمنح للقضاء في بريطانيا كبيرة جدّاً ، وإذا علمنا أن مرتب أحد القضاة في محكمة عادية يبلغ ما يعادل ١٣ الف تومان وأن مرتب رئيس القضاة يساوي ١٧ الف تومان ، في حين أن استاذ جامعي في بريطانيا يأخذ مرتباً مقداره الفي تومان فقط ، عند ذلك يمكن مقارنة وضع القضاة من الناحية المادية مع غيرهم من موظفي الدولة. والطريف أن مرتبات القضاة تدفع لهم من صندوق خاص يموّل بشكل

١٦٢

ج ـ الجميع متساوون امام القاضي والقضاء ، وليس لأحد ميزة على آخر.

وهذا الموارد الثلاثة التي ذكرناها ، هي اهم ما حققته اوروبا وامريكا في مجال القضاء ، ومن حسن الحظ ان الاسلام ومنذ ان جاء به الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله اهتم بهذهِ الامور علىٰ اتم وجه وافضل شكل بوحي من الباري عزّ وجلّ ، في حين تلك الدول كانت آنذاك بلدان متخلفة وسكانها متوحشين.

البقرة المسكينة !

الدكتور : يظهر ان القطار توقف ، ما الذي يحدث ؟!

العقيد : ما تقوله صحيح ، فالجميع ينظرون الىٰ الخارج.

نهض الجميع من مقاعدهم واحنوا رؤوسهم لينظروا من الشباك الىٰ خارج القطار ! ونزل مسؤولوا القطار أيضاً واخذوا يتفحصون العجلات ، فلربما هناك من سحقه القطار ، في حين أخذ المسافرين يسألون مسؤولي القطار كل لحظة ، ماذا حدث ؟

وبعد ثوان تبين ان بقرة مسكينة صدمها القطار ولم يصب منها إلّا عظم الفك. أمّا البقرة الجريحة ، فدق نهضت بسرعة وهي مرعوبة واتّجهت

________________

مستقل من خزانة الدولة ولا يحتاج إلى تصويت مجلسي اللوردات والعموم.

عزيزي القارىء ، مع الأخذ بالتقرير الموثق الذي جاء اعلاه ، حول مرتبات القضاة في بريطانيا ، نصحح المعلومات التي وردت في نصّ الكتاب.

١٦٣

مهرولة بأتجاه القرية ، فيما الدم ينزف من فكّها. ومن جهة اخرىٰ ، هرع الكثير من اهالي القرية نحو القطار ، فالظاهر انهم علموا باصابة القطار لبقرتهم.

اما رئيس القطار فما ان رأىٰ هجوم القرويين ، حتىٰ خاطب السائق : استعجل ايها السيد ، بسرعة ما دام القرويون لم يصلوا ، فلو وصلوا ورأوا بقرتهم علىٰ تلك الحالة ، سيلقنوننا درساً بعصيهم ومساحيهم لن ننساه طول العمر.

فأسرع السائق الىٰ القاطرة وصَفَر القطار بشدّة ، فصعد المسافرون الذين كانوا قد نزلوا ، وتحرك القطار قبل وصول القرويين.

الدكتور : ايها العمّ ، ارجوا ان تستمر في حديثك حول القضاء.

اول مورد قضائي متطوّر في عالم اليوم

الشيخ : كما قلت لكم ان اهم ما تفتخر به اوروبا وامريكا اليوم هو استقلالية القضاة. في حين ان الاسلام قام بتلك الخطوة قبل الف واربعمائة عام ، وقد اهتم بهذا الموضوع في قوانينه القضائية ، كما ان الاسلام خوّل القضاة صلاحيات لم يخولها لأي احد سوىٰ الخليفة ونائبه.

يقول أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في عهده لمالك الاشتر عامله علىٰ مصر : ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ، الىٰ ان يقول له : واعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له

١٦٤

عندك(١) .

اصدقائي الاعزاء !

وكما لاحظتم في ذلك العهد الذي كتبه امير المؤمنينعليه‌السلام ، فأنه اعتبر اعطاء القاضي قوة وصلاحيات مستقلة ضرورة لابد منها ، لكي لا يطمع فيه شخص ويغتاله بالدسيسة عند الوالي او الخليفة. اذن ، فنحن نشاهد الاستقلال والحصانة التي توصل اليها عالم اليوم واعطاها للقضاة في العهد الذي كتبه عليعليه‌السلام لمالك الاشتر بوضوح.

نموذجان تاريخيان في استقلال القضاء في الاسلام

هنا ، ومن اجل بيان مدىٰ قوة واستقلالية القضاء في الاسلام ، ننقل قصتين تاريخيتين :

الاُولىٰ : تنازع رجل غير معروف مع الهادي العباسي الخليفة حول بستان ، فأحتكموا عند القاضي ابو يوسف ، ورأىٰ ابو يوسف ان الحق لذلك الرجل الغريب ، في حين ان للخليفة ايضاً شهوده !

فأمر ابو يوسف الخليفة بادلاء القسم لأثبات صحة اقوال شهوده ، لكن الخليفة امتنع عن القسم ، واعتبر ذلك اهانة له ، وعندما رأى ابو يوسف ان الحق

________________

(١) نهج البلاغة : ١٣٥ ، طبعة مصر.

١٦٥

مع الرجل الغريب ، اعطاه البستان وادان الخليفة(١) .

الثانية : هو ان الفضل بن ربيع ، واحد من اراذل حاشية الرشيد الخليفة العباسي المعروف ، شهد لصالح الخليفة في حادثة قضائية ، فلم يقبل ابو يوسف القاضي شهادته ، فغضب الخليفة وقال للقاضي : لماذا لا تقبل شهادة الفضل بن ربيع ؟!

فقال القاضي : لأنني سمعت الفضل بن ربيع يقول لك : انا عبدك وغلامك. فإذا كان صادقاً ، فلا تقبل شهادة العبد لصالح سيده ، واذا كان كاذباً ، فنحن لا نقبل شهادة الكاذب(٢) .

المورد الثاني للتطور القضائي في عالم اليوم

أما المفخرة القضائية الثانية لعالم اليوم ، في استقلال القضاة مالياً فهو للحيلولة دون حاجتهم إلى الآخرين. ومن حسن الحظ فقد قام الاسلام بذلك قبل الف واربعمائة عام سبقت علىٰ عصر الذرّة والتطور الذي تتبجح به الدول الاوروبية وأمريكا.

وهذا هو الامام عليعليه‌السلام يقول في عهده لمالك الاشتر في هذا الصدد :

وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته الىٰ الناس(٣) .

________________

(١) العدالة الاجتماعية في الاسلام.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) نهج البلاغة : ١٣٠ ، طبعة مصر.

١٦٦

المورد الثالث للتطور القضائي في عالم اليوم

الخصوصية الثالثة في اوروبا وامريكا بأعتبارهما دولاً حرّة ومتطورة !! هي المساواة امام القانون والقضاء فجميع الامتيازات تلغىٰ في المحاكم القضائية. وهذا الموضوع ايضاً موجود في قوانين الاسلام القضائية بشكل افضل وادّق. ( كما سيأتي في المبحث اللاحق ، ضمن البحث في : شروط القضاء الاسلامي ).

اصدقائي الاعزاء !

ان الاسلام وضع اساساً للمساواة في المحاكم القضائية ، بحيث استطيع القول وانا مطمئن كل الاطمئنان ان اكثر دول اليوم تقدماً وفي قلب اكثر الدول تحضراً في اوروبا وامريكا لا تستطيع ايجاد مثل تلك المساواة ، لن تأتي مثل تلك المساواة لعشرات القرون الاُخرىٰ في عالم البشرية.

الدكتور : صحيح ان ادق النظريات العلمية والقانونية التي تهتم بها اوروبا وامريكا حالياً وفي جميع شؤون الحياة المادية والمعنوية ، كان الاسلام قد طرحها بأحسن وجه قبل ألف وأربعمائة عام ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان عالم اليوم له تطوراته في مجال القضاء « خاصة فيما يتعلق بالمساواة في محاكم القضاء » ، وحتى لو كانت لا تصل الىٰ دقة وظرافة قوانين الاسلام من الناحية العلمية ، فليس كما ادعيت من اننا لن نصل بعد عشرات القرون الىٰ قوانين ، كتلك التي وضعها الاسلام.

١٦٧

الشيخ : سعادة الدكتور ، اقول بصراحة وقاطعية ، ان الاسلام يمتلك قوانين سامية في هذا المجال الاجتماعي والسياسي والامني الحيوي والذي هو اساس سعادة الفرد والمجتمع ، ولا يوجد لها مثيل في جميع انحاء العالم ، ولكي لا يتصور اصدقائي انني اتكلم اعتباطياً ولا يستند كلامي الىٰ شيء ، لابد ان اشرح قسم من قوانين الاسلام القضائية ، لتكون شاهداً حياً علىٰ صدق اقوالي ، وهذهِ الشروط ( القوانين ) يمكن تقسيمها الىٰ اربعة اقسام :

شروط القضاء الاسلامي الفريدة

القسم الاول :

من شروط الاسلام الفريدة في القضاء ، المساواة التي يجب ان يعملها القاضي فيما يتعلق بطرفيّ النزاع ، وهذا القسم من الشروط ، كالتالي :

١ ـ من اجل المساواة بين طرفي النزاع ، قرر الاسلام ان يكون محل جلوسهم في المحكمة في مكان واحد حتىٰ لو كان احدهم الخليفة والثاني فقيراً او عاجزاً ، فليس من حق الحاكم ( القاضي ) ان يميزَّ بين طرفي النزاع(١) .

لا بدّ من محكمة !

ينقل لنا التاريخ : في احدىٰ المرّات وبعد ان انهىٰ هارون الرشيد اعمال

________________

(١) المصدر نفسه.

١٦٨

الحج ، ذهب الىٰ المدينة ، فطلب منه اهل المدينة ان ينصب لهم قاضياً ، لأن قاضيهم كان قد توفي ، وقد عرّفوا اثنين من اتقىٰ علماء المدينة الىٰ هارون الرشيد لهذا الامر ، فأراد هارون ان يختبرهما ، فأحضر احدهما ، وفى حين كان وزيره واقفاً بين يديه ، قال هارون للرجل العالم : بيني وبين وزيري نزاع علىٰ ضيعة ، ثم شرح للعالم اسباب النزاع وطلب منه ان يقضي في الامر ، وبعد ان استمع الرجل العالم الىٰ كلام هارون وشرحه ، ثم الىٰ كلام الوزير وشرحه ، قال بعد تأملّ وتفكرّ : الحقّ مع الخليفة ، وقضىٰ لصالحه ، فأجازه هارون بالانصراف.

ثمّ أمر بأحضار العالم الآخر المرشح للقضاء ، وشرح له ايضاً ذلك النزاع الوهمي بينه وبين وزيره ( كما شرحه للعالم الأول ) ثم طلب منه ان يقضي في الامر.

فقال له العالم والفقيه : انا لا استطيع القضاء هنا ، لأن هذا المجلس ليس محكمة رسمية بنظر القانون القضائي الاسلامي ، ولان احد طرفي النزاع وهو انت تجلس في صدر المجلس وفي المكان المخصص لك ، في حين يقف الطرف الآخر وهو وزيرك بين يديك ، في حين ان الاسلام يأمر بأن يجلس طرفي النزاع في محل ومستوى واحد وان لا يكون بينهما أي تمايز وتفاضل.

وبعد ان سمع هارون الرشيد ذلك الكلام الذي يعبر عن روح اسلامية حرّة في الرجل ، نصّبه قاضياً للمدينة.

١٦٩

اصحاب الابل يشتكون الخليفة

وكنموذج عملي كامل آخر للمساواة القضائية في الاسلام ، قصة شكوىٰ مجموعة من اصحاب الابل استأجر المنصور العباسي ابلهم للسفر الىٰ الحج ، لكنه امتنع عن اعطاءهم اجورهم بعد رجوعه من الحج. فأشتكىٰ اصحاب الابل الىٰ قاضي المدينة ( ومكانته آنذاك لا تتجاوز مكانة رئيس محكمة في مدينة صغيرة اليوم ) تعدّي المنصور علىٰ حقوقهم ، فأرسل القاضي مباشرة خلف المنصور للحضور في المحكمة الرسمية ، وحاكمه وهو جالس الىٰ جانب اصحاب الابل ، ثم اخذ منه اجرة الابل بعد ان اعطىٰ الحق لأصحاب الابل في المجلس نفسه.

٢ ـ ومن اجل مراعاة المساواة الكاملة بين طرفي النزاع ، علىٰ القاضي المساواة في النظرة والاشارة بينهما ، وان لا ينظر الىٰ احدهما اكثر من الآخر او يشير عليه ، الّا في حالة الضرورة.

٣ ـ علىٰ القاضي ان يتكلم مع الاثنين بالتساوي لا يحق له الكلام مع احدهما اكثر من الآخر او ابراز محبة نحوه اكثر من الآخر.

٤ _ علىٰ القاضي الالتفات والاهتمام بكلامهما علىٰ حدّ سواء.

في عهده لشريح قاضي الكوفة ، يقول الامام امير المؤمنين عليعليه‌السلام :

ثم واس بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك حتىٰ لا يطمع قريبك في حيفك ولا ييأس عدوك في عدلك(١) .

________________

(١) مستند الشيعة ، للنراقي ، كتاب القضاء ، اضافة إلى سائر كتب الفقه.

١٧٠

حضرة الدكتور ! لكم ان تحكوا هل يجب على القاضي ـ في اكثر دول العالم تحضراً ـ ان يراعي هذا الحدّ من المساواة بين طرفي النزاع ، ويساويهما حتىٰ في النظرة ؟!

هل يعتبر القاضي في اوربا وامريكا غير ملتزماً بالقانون اذا تحدث مع احد المتنازعين اكثر من الآخر واهتم به اكثر من غريمه ؟!

٥ ـ اذا سلّم علىٰ القاضي احد طرفي النزاع عند دخوله المحكمة قبل الآخر ، يحق للقاضي ان يقدم جواب سلامه علىٰ الآخر ، ولكن اذا سلّماً معاً ، علىٰ القاضي ان يقول في جوابهما : سلام عليكما. ولا يحق له ان يقدم جواب سلام احدهما علىٰ الآخر ، لكي لا يعطي بذلك امتيازاً لأحدهما علىٰ الآخر ويخلّ بالمساواة التي يجب ان تكون بينهما(١) .

حضرة الدكتور ! هل توجد من هذه الالتفاتات القانونية في قضاء عالم اليوم ؟! ألا يحق للقاضي في الدول الغربية ردّ سلام احد اطراف النزاع ومجاملته اكثر من الآخر ؟! وهل سيتعامل قضاة امريكا بالمساواة اذا كان طرفي النزاع احدهما رئيس جمهورية امريكا والآخر مستخدم عادي ؟!

القسم الثاني :

وهي الشروط التي يجب توفرها في القاضي لكي يتسلّم هذا المنصب الحساس والمقدس.

________________

(١) المصدر نفسه.

١٧١

سعادة الدكتور ! تعلمون جيداً ان الشرط الوحيد للقضاء في الدول الغربية وسائر دول العالم التي قبلت بنظامها الاجتماعي ، هو الكفاءة العلمية ، لكن الاسلام وضع شروطاً للقاضي منطقية وعقلانية ، تلك الشروط التي لا نجد مثيلاً لها في جميع القوانين القضائية لدول العالم العظمىٰ ، وبالنتيجة فأن اغلب المراجع القضائية في عالم اليوم ليست ملجأً تطمئن اليه الطبقات المحرومة والمستضعفة والشروط هي :

١ ـ من شروط القاضي في الاسلام وبالاضافة الىٰ كفاءته العلمية ، ان يكون عادلاً وله حصانة اخلاقية وعلمية ، لانه الملجأ الوحيد للطبقات المحرومة والمستضعفة والمظلومة في البلاد. لذلك كان من الضروري ان يكون صاحب فضائل اخلاقية وان يكون عفيفاً ، حتى يطمئن الضعفاء والمظلمون عند تعرضهم لظلم وعدوان الاقوياء ان هناك من يلجئون اليه ، وهم القضاة الذين سيأخذون لهم الحق ممن ظلمهم واعتدىٰ عليهم كائناً من كان وفي اي مستوىٰ من القوة والمسؤولية.

ولكن اذا كان القاضي منحرفاً اخلاقياً وغير عادل ومليء بالذنوب ، فهل سيحصل ذلك الاطمئنان لدىٰ الطبقات الضعيفة والمحرومة ؟! وهل سيكونون بمأمن من تعديات الاقوياء واصحاب الاموال ؟! وهل يستطع القاضي الغارق بالخيانة والذنوب ان يكون المدافع عن المحرومين والمظلومين ؟! وهل يمكن تحقيق توقعات الشعب من القضاة ، بمجرد امتلاكهم كفاءة علمية حتىٰ لو كان القاضي خائناً ومنحرفاً ؟!

الدكتور : صحيح فالاسلام ومن خلال هذهِ الشروط التي وضعها

١٧٢

للقاضي حقق اكبر انجاز علمي وقضائي. لان القاضي العادل والذي يمتلك اخلاقاً فاضلة وتقوىٰ هو الذي يستطيع ان يكون ملجأ للطبقات المحرومة والمستضعفة فيما لو تعرضت للظلم والاعتداء ، ولا يمكن لشخص غير عادل لا يمتلك فضيلة اخلاقية ان يقوم بتلك المهمة الحساسة والحياتية لمجرد امتلاكه شهادة دراسية.

الشيخ : والعدالة والتقوىٰ هما أوّل شرطان يجب توفرهما هي القاضي بعد كفاءته العلمية ، اما الشرط الاخرىٰ ، فهي :

٢ ـ ان يكون القاضي صبوراً ، ليتمكن من حلّ اعقد المواضيع القضائية بهدوء وتأمل ودون اي استعجال.

٣ ـ يجب ان يتمتع القاضي بالحلم وان لا يغضب لسماعه كلام طرفي النزاع الذي لا يخلو عادة من الكلمات الجارحة والنابية.

٤ ـ يجب ان يكون القاضي علىٰ مستوىٰ من الاخلاق الفاضلة ، للحد الذي اذا اطلع في يوم من الايام علىٰ خطأ ارتكبه. يسحب كلامه ولا يعتبر ذلك عاراً.

٥ ـ يجب ان يكون القاضي صاحب همّة عالية ، لكي لا يتوقع اجراً مقابل قضاءه بالحق وحكمه الصحيح.

٦ ـ يجب ان لا يكون القاضي عاطفياً ، لكي لا يتعب من الدقّة في القضايا ، ولا يقضي فيها من خلال نظرة سطحية ، بل يبذل كل ما في طاقته ووسعه للتدقيق فيها.

١٧٣

٧ ـ يجب ان يكون القاضي انساناً وقوراً وحكيماً لكي لا يتأثر بمدح او هجاء اطراف النزاع له.

وقد جمع الامام امير المؤمنينعليه‌السلام هذهِ الشروط كلها في عهده الذي كتبه لمالك الاشتر حينما ولّاه مصر ، فقال(١) :

« ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الامور ولا تحكمه الخصوم ولا يتمادىٰ في الزلّة ولا يحصر في الفيء الىٰ الحق اذا عرفه ولا تشرف نفسه علىٰ طمع ولا يكتفي بأدنىٰ فهم دون اقصاه واوقفهم في الشبهات ، وآخذهم بالحجج ، واقلهم تبرماً بمراجعة الخصم واصبرهم علىٰ تكشف الامور واصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه اطراء ولا يستميله اغراء ».

التعجب والحيرة !

الدكتور : رفاقي الاعزاء ، من خلال معلوماتي الكثيرة عن القوانين القضائية في العالم ، يجب ان اعترف بصراحة ، ان مثل هذهِ الشروط التي يجب توفرها في القاضي بحكم العقل والمنطق ، غير موجودة في جميع دول اوروبا وامريكا وفي صميم اكثر الدول تحضراً علىٰ الارض ، علىٰ الرغم من ذلك الضجيج الذي احاطوا انفسهم به ، ومما يبعث علىٰ التعجب والحيرة هو ان المسلمين وعلى الرغم من امتلاكهم مثل هذهِ الذخائر من القوانين القضائية العلمية يمدون ايديهم الىٰ انظمة الغرب ليستعيروا منها قوانينهم الوضعية.

________________

(١) نهج البلاغة : ١٣٠ ، طبعة مصر.

١٧٤

والاعجب من ذلك كله هو ليس فقط عدم تطبيق هذهِ القوانين في المجتمعات الاسلامية ، بل ان اغلب المسلمين لا يعلمون بوجود مثل هذهِ القوانين الراقية والمتطورة.

اصدقائي الاعزاء !

من خلال استماعي لهذهِ الحقائق والمعارف العلمية التي جاءت في هذا الدين المقدس والذي ظهر قبل الف واربعمائة عام في عالم مظلم ، من أجل خلاص البشرية ، ومقارنتها بقوانين اكثر البلدان تحضّراً في اوروبا وامريكا ، اعطي تمام الحق للعلماء الغربيين وغير المسلمين ان يخضعوا بهذا الشكل امام نبي الاسلام العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله وان يعترفوا له بأدق واسمىٰ مكانة علمية.

القسم الثالث :

الشيخ : الحالات التي يجب ان يتجنبها القاضي عند الحكم ، وهذه الشروط هي :

١ ـ يكره(١) للقاضي اصدار الحكم وهو في حالة غضب.

٢ ـ يكره القضاء عندما يكون القاضي جائعاً او عطشاناً.

٣ ـ يكره القضاء ، اذا كان القاضي حزيناً غير مرتاح نفسياً.

________________

(١) المكروه ، هو العمل الذي يجوز القيام به ، ولكن يستحسن تركه.

١٧٥

٤ ـ يكره القضاء ، اذا كان القاضي متضايقاً من البول او الغائط(١) .

اصدقائي الاعزاء !

نفهم من خلال هذهِ الشروط التي وضعت للقاضي في الاسلام ، ان الدين يريد ان يكون حكم القاضي خالٍ من كل تأثيرات جانبية صغيرة او كبيرة من اجل ان يكون حكمه صحيحاً وحقاً ، لانه وخلاف ذلك لربما يضيع حق مظلوم او لا يطمئن المعتدىٰ عليه لجهاز القضاء في ان يأخذ حقه من المعتدي.

القسم الرابع :

وهي ما يتعلق بالشروط التي يضعها الاسلام لموظفي المحاكم القضائية ، لان يعدم تقواهم لربما يؤدي يوماً ما الىٰ عرقلة تنفيذ حكم القاضي ويؤخر قطع يد المعتدي عن المظلوم ، وهذا القسم من الشروط كالتالي :

١ ـ لابد ان يكون كاتب المحكمة والشخص المكلّف بتحرير حكم القاضي ، من ذوي الهمم العالية والبعيدين عن صفات الطمع وحب المال و لكي لا يخون بالتطميع او ان يؤدي الىٰ عرقلة او تأخير اجراء الحكم.

٢ ـ لا يحق للقاضي ان يضع لنفسه حاجباً(٢) ؛ لان القاضي ملجأ للمظلومين ويجب ان يكون الوصل اليه سهلاً يسيراً دون مانع أو حاجب ، كي

________________

(١) مستند الشيعة للنراقي ، كتاب القضاء.

(٢) لم ير بعض الفقهاء والمجتهدين حرمة في تعيين حاجب للقاضي ، بل اعتبروه مكروهاً.

١٧٦

يمكنه تخليص المظلومين من مخاطب الظالمين بأقصىٰ سرعة ؛ لان الحاجب ربما قام بتظليل الحاكم ( القاضي ) من خلال صداقته او قربه من الظالم والمعتدي ، وذلك بالمتعلق للقاضي ، ونقل اخبار غير صحيحه عن وضع المجتمع والناس له ، ولربما يكون حائلاً دون وصول صوت المظلومين الىٰ مسمع القاضي(١) .

اهم انجاز قضائي اسلامي

أتعلم يا سعادة الدكتور ، ان اكبر انجاز قضائي في الاسلام ، هو سرعة العمل وعدم وجود اي نوع من التشريفات !

اصدقائي الاعزاء !

اتعلمون ان القوانين القضائية مثل القوانين الطبية ، اي كما ان قوانين الطب موظفة لمعالجة المريض وخلاصه من مخالب الألم ، فأن المحاكم القضائية أيضاً موظفة بتخليص المظلومين من ايدي الظالمين واحقاقهم ، وكما ان الطب الجيد هو الذي يعالج مريضه بسرعة ويخلصه من آلام المرض ، فكذلك افضل المحاكم والقوانين القضائية هي تلك التي تقطع بسرعة يد المعتدين عن المظلومين وتخلصهم من مآسي الظلم.

أمّا إذا أصبحت قوانين الطب في يوم ما سجينة تشريفات معينة ، فمثلاً ،

________________

(١) مستند الشيعة للنراقي ، كتاب القضاء.

١٧٧

يؤتىٰ بمريض الزائدة الدودية(١) وهو يتلوّىٰ من شدّة الألم ، ويقول له الطبيب ، يجب ان تملأ استمارة وننظم لك اضبارة ، ثم نرسل الاضبارة الىٰ وزارة الصحة ، وبعد ان تمر بجميع المراحل القانونية ، ويتخذ قرار بمعالجتك ، واُبلّغ بذلك القرار ، سأقوم بعلاجك !!

فهل يمكن تسمية مثل هذه المؤسسة الطبية ـ ايها السادة ـ مؤسسة طب وعلاج ، بل هي ألعوبة وعبث ؟! وأي طبٍ هذا الذي يرىٰ المريض يتلوىٰ ألماً ، فيما ينتظر هو القيام بالروتين الاداري ؟!

اصدقائي الاعزاء !

لم توضع القوانين القضائية إلّا لانصاف المظلوم من الظالم ، والمحاكم القضائية ملاجىء قوية وسند للناس المحرومين والمستضعفين ، وعلىٰ هذا الملجأ والسند ان يغيث الناس بسرعة بسلاح القانون ويخلصهم من وطأة الظلم.

لكننا وللأسف نشاهد ان اعمال هذهِ المؤسسة المهمة مكبلة بتشريفات باطلة وزائفة ليس فقط في بلادنا بل حتىٰ في الدول التي تدعي لنفسها المدنية والتطور ، ممّا أدىٰ عملياً الىٰ استمرار الظلم والاعتداء علىٰ حقوق الآخرين ، فعجلة القضاء في جميع دول العالم بطيئة الىٰ حدّ نشاهد في بعض الاحيان المظلوم يموت تحت وطأت الظالم وبعد موته يصدر الحكم بمعاقبة الظالم والتخليص المظلوم !! وعذرهم في ذلك هو ان القضية يجب

________________

(١) Appendicite ، التهاب في الزائدة الدودية ، تصحبه آلام وحمّى وقيء.

١٧٨

ان تطوي مراحلاً قانونية واننا مشغولون بدراستها جيداً !! ولكي لا يملّ الاصدقاء من كثرة الحديث ، انقل لهم نماذُج لأساليب الاجهزة القضائية في عالمنا المعاصر :

القضية التي استمرت ١٩ عاماً !!

ينقل أحد مسؤولي وزارة العدل الكبار سابقاً وهو الآن متقاعد ، وكان عند تقاعده يشغل منصب مدعي عام احدىٰ المدن ، يقول السيد ( م ) في مذكراته : كنت مشغولاً في الشعبة الاولىٰ لمحكمة المدينة بدراسة قضية. مفادها ان شخصاً بأسم ( ح ) اقام دعوىٰ ضد بلدية طهران لخلع يدها عن قطعة ارض ، وذلك سنة ١٩٢٧ ، وكانت هذهِ القضية مستمرة لفترة ١٩ عاماً ، أي حتى سنة ١٩٤٦ ، حتى اعلنت في تلك السنة نهايتها وامرت بأخلاء الارض المتنازع عليها.

القضية التي استمرت ١٨ عاماً

ويذكر نفس الشخص ، فيقول : اقام احد المقاولين سنة ١٩٢٨ دعوىٰ ضد وزارة الحرب لأخذ طلبه منها ، وبقيت هذه القضية ١٨ عاماً تطوي مراحلها القانونية ، حتى اعلنت نهاية تحقيقها سنة ١٩٤٦ وحكمت بدفع المبلغ المذكور الىٰ المقاول من قبل وزارة الحرب.

١٧٩

تنظيف الوفر في شهر آب !!!

يقال ان رجلاً اشتكىٰ الىٰ القضاء من جاره الذي حول الوفر من سطح بيته الىٰ داخل بيت الرجل وذلك في شهر شباط ( اي في الشتاء ) ولانه يخاف علىٰ بيته من الضرر لأن بناءه قديم. وبعد ان قدم الرجل شكواه رجع للبيت فارغ البال وهو ينتظر ان يصدر حكماً بأزاحة الوفر والجليد من فناء داره في عصر ذلك اليوم أو غده ، لكنه مضت اسابيع وشهور ولم يصدر الحكم ، حتى اجتازت القضية مراحلها القانونية وصدر الحكم بالاخلاء ولكن ذلك كان في شهر آب والله العالم في تلك السنة او السنة التي تلتها !

هنا ضحك الجميع طويلاً.

لا بدّ من تحملّ دلال ملك الموت !!

قرأت في أحدىٰ الصحف خبراً لطيفاً بالعنوان اعلاه ، ونصّ الخبر يقول : « وصل لأحد العمال ابلاغ من المحكمة ، وعندما يذهب العامل في اليوم الثاني للمحكمة وعرّف نفسه ، لم يقبل بذلك اعضاء المحكمة ، وقالوا له : يجب أن تأتي الىٰ المحكمة برفقة احد رجال الشرطة ، فيذهب المسكين الىٰ احدىٰ المناطق القريبة من المحكمة ويتوسل الىٰ احد رجال الشرطة لكي يرافقه ( يحضره ) الىٰ المحكمة !! »(١) .

________________

(١) مجلة الرقيّ ، العدد ٣٥٨. ( بالفارسية )

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466