رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور8%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241118 / تحميل: 8324
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

 الاحتمالات التي يمكن القول بها ، ولم يجزم بشيء منها ، وقد وصل إلينا من الأقوال إثنى عشر قولاً ، أوردتها مع ما يرد عليها في المجلد الثاني من كتابي الموسوم بالكشكول(١) وأذكر هنا [٢٤ / ب] منها خمسة.

ا لأول : أنّها آثار في وجهه المظلم ، تأدّت إلى وجهه المضيء.

و أورد عليه : أنّه لو كان كذلك لكانت أطرافه أشدّ ظلمة ، وأوساطه أشدّ ضوءاً.

ا لثاني : أنها أجرام مختلفة مركوزة مع القمر في تدويره ، غير قابلة للإنارة بالتساوي ، وهو مختار سلطان المحققينقدس‌سره في التذكرة(٢) .

و أورد عليه : أنّ ما يتوسط بينه وبين الشمس من تلك الأجرام وكذا بيننا وبينه في كل زمان ، ووضع شيء آخر لتحرك التدوير على نفسه ، فكيف يرى دائماً على نهج واحد غيرمختلف.

وقد يعتذر له : بأن التفاوت المذكور لا يحس به في صفحة القمر ، لصغرها وبعد المسافة.

الثالث : أنّ الأشعة تنعكس إليه من البحار ، وكرة البخار ـ لصقالتها ـ انعكاساً بيناً ، ولا تنعكس كذلك من سطح الربع المكشوف لخشونته ، فيكون المستنير من وجهه ـ بالأشعة النافذة إليه على الاستقامة ، والأشعة المنعكسة معاً ـ أضوء من المستنير بالأشعة المستقيمة والمنعكسة من الربع المكشوف ، وهذا مختار صاحب التحفة(٣) .

وأورد عليه : أن ثبات الانعكاس دائماً على نهج واحد ـ مع اختلاف أوضاع الأشياء المنعكس عنها من البحار والجبال في جانبي المشرق والمغرب ـ مستحيل.

________________________

(١) الكشكول : مع دقة البحث وتكراره لم أجده.

(٢) التذكرة : أواخر الفصل السابع من الباب الأول.

(٣) التحفة : مخطوط.

١٢١

و اعتذر له بما اعتذر لأستاذه.

الرابع : إنّ سطح القمر لمّا كان صقيلاً كالمرآة فالناظر يرى فيه صور البحار ، والقدر المكشوف من الأرض ، وفيه عمارات وغياض وجبال ، وفي البحار مراكب وجزائر مختلفة الأشكال ، وكلها يظهر للناظر أشباحها في صفحة القمر ، ولا يميز بينها لبعدها ، ولا يحس منها إلّا بخيال ، وكما لا ترى مواضع الأشباح في المرايا مضيئة ، فكذلك لا يرى تلك المواضع فيه براقة ، أو أنه يرى صورة العمارات والغياض والجبال مظلمة كما هي عليه في الليل ، وصورة البحار مضيئة ، أو بالعكس فإنّ صورتي الأرض والماء منطبعان فيه ، كما أنّ الأرض لكثافتها تقبل ضوء الشمس أكثر مما يقبله الماء للطافته ، فكذا صورتاهما ، وهذا الوجه مختار الفاضل النيسابوري(١) في شرح التذكرة(٢) [٢٥ / أ] ومال إليه أُستاذ أستاذنا المحقق البرجندي(٣) ، في شرح التذكرة أيضاً(٤) ، والإيراد والاعتذار كما

________________________

(١) الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري ، نظام الدين أو النظام الاعرج ، عالم فاضل ، محقق مشارك في علوم عدة ، له : شرح النظام في فن التصريف ، وشرح التذكرة النصيرية ، واسمه توضيح التذكرة ، وتفسير غرائب القرآن ، شرح الشافية قسم التصريف لابن الحاجب ، الشمسية في الحساب.

١٢٢

لم أعثرعلى من صرح بتاريخ وفاته على نحو القطع ، نعم فرغ من تاليف توضيح التذكرة في أول ربيع الأول سنة ٧١١ هـ ، وقيل انه توفي بعد سنة ٨٥٠ وقيل ٨٢٨ وقيل أنه من أعلام القرن التاسع = ١٤٢٤ ، ١٤٤٦ م.

روضات الجات ٣ : ١٠٢ ت ٢٦٠ / الكنى والالقاب ٣ : ٢٥٦ / أعيان الشيعة ٥ : ٢٤٨ / بغية الوعاة ١ : ٥٢٥ ت ١٠٨٨ / معجم المؤلفين ٣ : ٢٨١ ، ٢٩١. معجم المفسرين ١ : ١٤٥ كشف الظنون : ٣٩٢ ، ١٠٢١ ، ١٠٦٢ / الذريعة ٤ : ٤٩٢ ت ٢٢٠٦ ، و ١٣ : ١٤٤ ت ٤٧٨ ، وغيرها.

(٢) مخطوط.

(٣) المحقق البيرجندي ، عبد العلي بن محمد حسين ، فقيه أُصولي مشارك ، له في الفلك والرياضيات مؤلفات ، منها : شرح التذكرة فرغ منه سنة ٩٨٤ ، وشرح زبدة الأصول ، شرح المجسطي ، شرح المنار للنسفي في علم الأصول ، شرح الرسالة العضدية ، وغيرها توفي سنة ٩٣٢ هـ = ١٥٢٥ م.

هدية الاحباب : ١٢٦ / هدية العارفين ١ : ٥٨٦ / معجم المؤلفين ٥ : ٢٦٦ / الذريعة ١٣ : ١٤٤ ت ٤٧٨ / الأعلام ٤ : ٣٠ / كشف الظنون ١ : ٤١ ، ٣٩٢ ، و ٢ : ١٢٩٦ ، ١٨٢٦ ، ١٩٧١.

(٤) في شرحه على أواخر الفصل السابع من الباب الأول من التذكرة.

١٢٣

سبق.

ا لخامس : أنّ أجراماً صغيرة نيّرة مركوزة في جرم الشمس ، أو في فلكها الخارج المركز ، بحيث تكون متوسطة دائماً بين جرم الشمس والقمر ، وهي مانعة من وقوع شعاع الشمس على مواضع المحو من القمر ، وهذا الوجه للمدقق الخفري(١) أورده في شرح التذكرة(٢) ، ومنتهى الإِدراك(٣) واستحسنه.

وأقول : فيه نظر ، فإن تلك الأجرام إن كانت صغيرة جداً ، تلاقت الخطوط الخارجة من حولها إلى القمر بالقرب منها ، ولم يصل ظلّها إليه ، وإن كان لها مقدار يعتد به بحيث يصل ظلّها إلى جرم القمر فوصوله إلى سطح الأرض في بعض الأوقات كوقت الاستقبال أولى ، فكان ينبغي أن يظهر على سطح الأرض كما يظهر ظلّ الغيم ونحوه ، وليس فليس ، والله أعلم بحقائق الأمور.

خاتمة :

ما مرّ من أن اكتساب النور من الشمس مختص بالقمر لا يشاركه فيه غيره من الكواكب هو القول المشهور(٤) ، وعليه الجمهور فإنهم مطبقون على أنّ أنوار ما عداه من الكواكب ذاتية غير مكتسبة من الشمس ، واستدلوا على ذلك : بأنها لو استفادت النور من الشمس لظهر فيها التشكلات البدرية والهلالية ، بالبعد

__________________

(١) شمس الدين ، محمد بن أحمد الخفري الشيرازي ، فاضل حكيم محقق ، من تلامذة صدر الحكماء الدشتكي الشيرازي ، كان في غاية الفطنة ، وسرعة الخاطر ، جمع أقسام الحكمة ، سكن كاشان ، وكان معاصراً للمحقق الشيخ علي بن عبد العالي الكركي ، له مؤلفات ، منها : رسالة في اثبات الواجب ، وحل ما لا ينحل ، ومنتهى الإدراك ، وشرح التذكرة باسم التكملة ، وغيرها والخفري نسبة إلى خفر بلدة من بلاد شيراز ، فيها قبر الحكيم جاماسب ، توفي سنة ٩٥٧ = ١٥٥٠ م.

مجالس المؤمنين ٢ : ٢٣٣ / الكنى والألقاب ٢ : ٢١٨ / هدية الأحباب : ١٥١ / الذريعة ١٣ : ١٤٤ ت ٤٧٩ و ٤ : ٤٠٩ ت ١٨٠٥.

(٢) في شرحه على أواخر الفصل السابع من الباب الأول من التذكرة.

(٣) مخطوط.

(٤) قد فصّل الكلام على ذلك في الكشكول ١ : ٧١ ـ ٧٦ ، فراجع.

١٢٤

والقرب منها كما في القمر ، هكذا أورده [٢٥ / ب] فيها(١) وفي نهاية الإدراك(٢) .

وأقول : فيه نظر ، فإنّ القائل باستفادتها النور من الشمس ليس عليه أن يقول بأنّ المستضيء منها إنما هو وجهها المقابل للشمس فقط ، ليلزمه اختلاف تشكلاتها كالقمر ، بل أن يقول بنفوذ الضوء في أعماقها كالقطعة من البلّور إذا وقع عليها ضوء الشمس ، بان الناظر إليها من جميع الجهات يبصرها مضيئة باجمعها ، فتبصر.

ثمّ إنّ صاحب التحفة أورد على الدليل المذكور : أنّ اختلاف التشكلات إنّما يلزم في السفليين لا في بقية الكواكب التي فوق الشمس ، لكون وجهها المقابل لنا هو المقابل للشمس ، بخلاف القمر فيمكن أن يستفيد النور منها ولا يظهر فيها التشكلات الهلالية بالقرب من الشمس(٣) .

و ما يقال من أنه : يلزم انخسافها في مقابلات الشمس مدفوع بأن ظل الأرض لا يصل إلى أفلاكها.

ثمّ إنّه أجاب عن هذا الإيراد : بأن تلك الكواكب إذا كانت على سمت الرأس ، غير مقابلة للشمس ، ولا مقارنة لها ، لم يكن وجهها المقابل لنا هو المقابل لها بل بعضه ، ويلزم اختلاف التشكلات الهلالية.

ثمّ قال ، فإن قيل : إنّما لا يرى شيء منها هلالياً لخفاء طرفيه ، لصغر حجم الكوكب في المنظر ، وظهوره من البعد المتفاوت مستديراً.

قلنا [٢٦ / أ] : لو كان كذلك لرؤي الكوكب في قرب الشمس أصغر منه في بعدها هذا كلامه.

وأقول : فيه نظر ، فإن للخصم أن يقول : إنما يلزم ذلك لو وقعت دائرة

________________________

(١) التحفة : مخطوط.

(٢) نهاية الادراك : مخطوط.

(٣) التحفة : مخطوط.

١٢٥

الرؤية فيها مقاطعة لدائرة النور ، ولمَ لا يجوز أن لا تقع أبدا إلا داخلها؟ إمّا موازية لها إذا كان الكوكب على سمت الرأس في مقابلة الشمس ، أو غير موازية إما مماسة لها كما لعله يتفق في التربيع ، أوغيرمماسّة كما في غيره.

و لا يندفع هذا إلا إذا ثبت لقاطع الدائرتين على سطح الكوكب كما في القمر ، ودون ثبوته خرط القتاد(١) .

ثم إنّ الذي ما زال يختلج بخاطري : أنّ القول بعدم الفرق بين القمر وسائر الكواكب في أنّ أنوار الجميع مستفادة من الشمس غير بعيد عن الصواب ، وقد ذهب إليه جماعة من أساطين الحكماء ، ووافقهم الشيخ السهروردي(٢) حيث قال في الهياكل : إنّ رخش ـ يعني الشمس ـ قاهر الغسق ، رئيس السماء ، فاعل النهار ، صاحب العجائب ، عظيم الهيئة ، الذي يعطي جميع الأجرام ضوءها ، ولا يأخذ منها(٣) . هذا كلامه.

وقد ذهب الشيخ العارف محيي الدين بن عربي(٤) أيضا إلى هذا القول ،

________________________

(١) ولا يخفى أيضا أنه لا يكفي اثبات مجرد التقاطع على أي وجه كان بل لا بد من اثبات وقوعه على وجه يظهر أثره للحس ولعل في قولنا كما في القمرنوع اشارة إلى هذا ، منه. قدس سره ، هامش الخطوط.

(٢) شهاب الدين السهروردي ، يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي صاحب السيمياء الشافعي الحكيم الصوفي المتكلم له في الفقه والأُصول يد ، ولد في سهرورد من قرى زنجان نشأ في مراغة وعاش في أصفهان ثم رحل إلى بغداد وحلب له في الشعر والنثر والأدب عامة يد. أفتى الفقهاء بإباحة دمه لما نسب إليه من انحلال في العقيدة ، له مؤلفات منها. التلويحات ، التنقيحات ، حكمه الإشراق ، هياكل النور ، الألواح العمادية.

مات خنقاً في السجن سنة ٥٨٧ هـ = ١١٩١ م.

ترجم له في : وفيات الأعيان ٦ : ٢٦٨ ت ٨١٣ / معجم الادباء ١٩ : ٣١٤ ت ١٢٣ / لسان الميزان ٣ : ١٥٦ ت ٥٥٣ / مرآة الجنان ٣ : ٤٣٤ / شذرات الذهب ٤ : ٢٩٠ / سير أعلام النبلاء ٢١ : ٢٠٧ ت ١٠٢ / عيون الأنباء : ٦٤١ وغيرها.

(٣) الهياكل : ٣٩ ، أواخر الهيكل الخامس منه.

(٤) محيي الدين بن عربي ، محمد بن علي بن محمد الطائي ، الأندلسي المكي ، الشامي ، أبو بكر ، لقب بالشيخ الأكبر ، من كبار المتكلمين في العلوم ، قدوة القائلين بوحدة الوجود ، اختلف فيه علماء الرجال بين مزندق له وموثق بل وجعله قطباً ، له من المؤلفات ـ على ما قيل ـ أربعمائة كتاب

١٢٦

وصرح به في الفتوحات المكيّة(١) ، ووافقه جمع من الصوفية ، والله أعلم بحقائق الأشياء.

ولي في هذا الباب رسالة مبسوطة فمن أرادها فليقف عليها(٢) .

* * *

________________________

ورسالة ، منها : الفتوحات المكية ، التفسير ، إحياء علوم الدين ، محاضرة الأبرار ، فصوص الحكم وغيرها سمع من ابن بشكوال بمرسيه ، ورحل إلى بغداد ، ومكة ، ودمشق ، له شعر يوصف بالرقة منه :

إذا حلّ ذكركم خاطري

فرشت خدودي مكان التراب

وأقعدني الذل في بابكم

قعود الأسارى لضرب الرقاب

مات سنة ٦٣٨ هـ = ١٢٤٠ م ودفن في صالحية دمشق له ترجمة في : البداية والنهاية ١٣ : ١٥٦ / فوات الوفيات ٢ : ٤٣٥ ت ٤٨٤ / ميزان الاعتدال ٣ / ٦٥٩ ت ٧٩٨٤ / لسان الميزان ٥ : ٣١١ ت ١٠٣٨ / شذرات الذهب ٥ : ١٩٠ / طبقات الأولياء : ٤٦٩ ت ١٥٣.

(١) الفتوحات المكية ٣ : ٤٣٧ ، ذيل الفصل الرابع.

(٢) وهي رسالة في أن أنوار سائر الكواكب مستفادة من الشمس. انظر الكشكول ١ : ١٧.

١٢٧

 قال مولانا وإمامناعليه‌السلام  [٢٦ / ب].

« سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك ، والطف ما صنع في شأنك ، جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث ، فأَسأل الله ربي وربك ، وخالقي وخالقك ، ومقدري ومقدرك ، ومصوري ومصورك ، أن يصلّي على محمد وآله ، وأَن يجعلك هلال بركة لا تمحقها الأيام ، وطهارة لا تدنسها الآثام ، هلال أمن من الأفات ، وسلامة من السيئات ، هلال سعد لانحس فيه ، ويمن لا نكد معه ، ويسر لا يمازحّه عسر ، وخير لا يشوبه شر ، هلال أمن وإيمان ، ونعمة واحسان ، وسلامة واسلام ».

« سبحان » مصدر كغفران ، بمعنى التنزيه عن النقائص ، ولا يستعمل إلا محذوف الفعل منصوباً على المصدرية ، فسبحان الله معناه تنزيه الله ، كأنه قيل اُسبحه سبحاناً ، واُبرؤه عما لا يليق بعزجلاله براءة.

قال الشيخ أبو علي الطبرسي طاب ثراه : أنّه صار في الشرع علماً لأعلى مراتب التعظيم ، التي لا يستحقها إلّا هو سبحانه ، ولذلك لا يجوز أن يستعمل في غيره تعالى ، وإن كان منزها عن النقائص(١) .

و إلى كلامه هذا ينظر ما قاله بعض الأعلام : من أن التنزيه المستفاد من سبحان الله ثلاثة أنواع :

________________________

(١) مجمع البيان ١ : ٧٣ ، عند تفسير الآية ٣٠ من سورة البقرة.

١٢٨

[ أ ] : تنزيه الذات عن نقص الإمكان الذي هومنبع السوء.

[ ب] : وتنزيه الصفات عن وصمة الحدوث ، بل عن كونها مغايرة للذات المقدسة ، وزائدة عليها.

[ جـ ] : وتنزيه الأفعال عن القبح والعبث ، وعن كونها جالبة إليه تعالى نفعاً أودافعة عنه سبحانه ضررا كأفعال العباد [٢٧ / أ].

و « ما » في قولهعليه‌السلام  : « ما أعجب » إمّا موصولة ، أو موصوفة ، أو استفهامية ، على خلاف المشهور في ما التعجبية.

و هي مبتدأ والماضي بعدها صلتها أو صفتها على الاُوليين ، والخبر محذوف ، أي الذي ـ أو شيء ـ صيّره عجيباً أمر عظيم أو هو الخبر على الأخير.

و « ما » في « ما دبر » مفعول أعجب ، وهي كالأولى على الاُوليين ، والعائد المفعول محذوف ، والأمر والشأن مترادفان.

و فصل جملة « جعلك » عما قبلها للاختلاف خبراً وانشاءً مع كون السابقة لا محل لها من الإعراب.

و « الشهر » مأخوذ من الشهرة ، يقال : شهرت الشيء شهراً أي أظهرته وكشفته ، وشهرت السيف أخرجته من الغلاف(١) وتشبيه الشهر في النفس بالبيت المقفول استعارة بالكناية ، وإثبات المفتاح له استعارة تخييلية ، ولا يخفى لطافة تشبيه الهلال بالمفتاح.

وا لجار ـ في قولهعليه‌السلام  « لأمر حادث » ـ متعلّق بحادث السابق ، أي أن حدوث ذلك الشهر وتجدّده لأجل إمضاء أمر حادث مجدّد ، ويجوز تعلقه ب ـ « جعل ».

و تنكير « أمر » للإبهام وعدم التعيين ، أي أمر مبهم علينا حاله ، كما قالوه في

________________________

(١) أنظر : تاج العروس ٣ : ٣٢٠ / معجم مقاييس اللغة ٣ : ٢٢٢ مادة ( شَهَرَ ) فيهما

١٢٩

قوله تعالى :( أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا ) (١) : أن المراد أرضاً منكورة مجهولة.

والفاء في « فاسال الله » فاء السببية ، كما في قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ) (٢) .

فإنّ ذلك الأمر المجدد الذي جعل تجدّد الشهر لإمضائه فيه لمّا كان مبهماً صارإبهامه سبباً لأن يسأل الله سبحانه أن يكون بركة وأمناً وسلامة ، وما هو من هذا القبيل ، ولا يبعد أن تجعل فصيحة كما قالوه في قوله تعالى :( فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ ) (٣) ، إما بتقدير شرط كما هو رأي صاحب الكشاف ، أي [٢٧ / ب] إذا كان كذلك فأسأل الله؟ أو غير شرط ، كما هو رأي صاحب المنهاج ، أي وهو مبهم فأسأل الله(٤) .

والحقّ أن تصدير الشرط لاعتباره لا ينافي كون الفاء فصيحة ، وأنّ الناقل واهم كما نبه المحقق الشريف في بحث الإيجاز والإطناب من شرح المفتاح.

تتمة :

عدولهعليه‌السلام  في قوله : « فاسأل الله » عن الإضمار الذي هو مقتضى الظّاهر ، جرياً على وتيرة الضمائر الأربعة السابقة ، أي الإظهار لعلّه للتعظيم ، والاستلذاذ ، والتبرّك ، وإرادة الوصف بما بعده إذ المضمر لا يوصف ، وقول الكسائي ، بجواز وصف ضمير الغائب ضعيف ، وأمّا جعل ما بعده هنا حالاً فلا

________________________

(١) يوسف ، مكية ، ١٢ : ٩.

(٢) الحج ، مدنية ، ٢٢ : ٦٣.

(٣) الأعرا ف ، مكية ، ٧ : ١٦٠.

(٤) رأي الزمخشري لم اعثر عليه في كتبه المتوفرة لديّ ، هذا وفي الأصل المخطوط ورد ( المنهاج ) وفي المطبوعة ( المفتاح ). ولدى مراجعة مفتاح العلوم : ١١٧ ـ ١١٨ وجدناه يصرح بالشرطية حيث يقول : « وفي خبر المبتدأ متضمناً لمعنى الشرط بكونه موصولاً أو موصوفاً » إذن يحتمل أن يكون المنهاج إشارة إلى أحد مؤلفات الزمخشري ، وهو مذكور في عدادها. ولم أعثر عليه.

وانظر : رصف المعاني ١ : ٤٤٨ حيث يؤيد فيه نظرية صاحب الكشاف عند قوله : « واعلم أن النصب على الجواب بالفاء إنما هو بعد الشرط والجزاء أصلاً » ...

١٣٠

يخلومن بعد بحسب المعنى.

و الكلام فيما يتعلق بلفظ الجلالة المقدسة تقدّم مبسوطاً في فواتح الشرح(١) .

و إضافة الرب » إلى ياء المتكلم من إضافة الصّفة إلى غير المعمول نحو كريم البلد ، إذ الصّفة المشبّهة لاشتقاقها من اللازم لا مفعول لها ، لاضافتها اللفظيّة منحصرة في إضافتها إلى الفاعل ، فلذلك جاز وصف المعرفة بها.

فإنّ قلت : المعطوف على النعت نعت ، واسم الفاعل أعني « خالقي » مضاف إلى المفعول.

قلت : بعد تسليم أنّه نعت حقيقة هو بمعنى الماضي ، فإضافته معنويّة من قبيل « ضارب زيد أمس ». وتسميتهم المضاف إليه حينئذ مفعولاً نظراً إلى المعنى لا إلى أنّ محلّه النصب ، كما إذا كان إسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال ، على أنّا لو قطعنا النّظر عن كونه بمعنى الماضي لأمكن جعل مثل هذا من جزئيات قاعدتهم المشهورة وهي أنّه « يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل » كما قالوا في نحو : « ربّ شاة وسخلتها ».

والمباحث [٢٨ / أ] المتعلّقة بالصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتحقيق تشبيهها في بعض الأدعية بالصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم ، والكلام في تحقيق معنى الآل واشتقاقه من آل يؤل ، وإيراد ما يرد على أن آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقيقة هم الأئمة المعصومون سلام الله عليهم قد مر الكلام فيها في الفواتح(٢) فلا معنى لإعادته.

و « البركة » : النماء والزيادة في الخير ، ولعل المراد بها هنا الترقي في معارج القرب ، ومدارج الاُنس يوماً فيوماً ، فإن « من استوى يوماه فهو مغبون »(٣) .

________________________

(١) أنظر صحيفة : ٩٣ ، هامش ٢.

(٢) أنظر الهامش المتقدم.

(٣) معاني الأخبار : ٣٤٢ حديث ٣ / امالي الصدوق : ٥٣١حديث ٤ مجلس ٩٥.

١٣١

و « محق » : الشيء محقاً أبطله ومحاه ، ومنه سمّيت الليالي الثلاث الأخيرة من الشهر محاقا ، لمحق نور القمر فيها.

و « الطهارة » : النزاهة من الأدناس ، ويندرج فيها نزاهة الجوارح عن الأفعال المستقبحة ، واللسان عن الأقوال المستهجنة ، والنفس عن الأخلاق المذمومة ، والأدناس الجسمانية ، والغواشي الظلمانية ، بل النزاهة عن كل ما يشغل عن الإقبال على الحق تعالى كائنا ما كان ، وذلك بخلع النعلين والتجرد عن الكونين ، فإنهما محرمان على أهل الله تعالى.

و « الدنس » : الوسخ ، وتدنيس الآثام للطهارة القلبية ظاهر ، فإن كل معصية يفعلها الإنسان يحصل منها ظلمة في القلب ، كما يحصل من نَفَس الإنسان ظلمة في المراة ، فإذا تراكمت ظلمات الذنوب على القلب صارت ريناً وطبعاً ، كما تصير الأنفاس والأبخرة المتراكمة على جرم المراة صدءً.

و إسناد المحق إلى الأيام ، والتدنيس إلى الآثام مجاز عقلي ، والملابسة في الأول زمانيّة ، وفي الثاني سببية.

و « الأمن » : اطمئنان القلب ، وزوال الخوف من مصادمة المكروه.

و « السّعد » والسّعادة مترادفان ، وربما فسرا بمعاونة الأُمور الإلهية الانسان على نيل الخير ، ويضادهما النحس [٢٨ / ب] والشقاوة.

و المراد « بالنكد » عسر المعاش وضيقه ، أو تعسر الوصول إلى المطلب الحقيقي ، لما يعتري السالك من العوائق الموجبة لبعد المسافة ، وطول الطريق والله أعلم.

تبصرة :

أمثال ما تضمّنه هذا الدعاء من سؤالهعليه‌السلام  الطهارة الغير المدنّسة بالآثام ، والسلامة من السيئات ، والتوفيق للتوبة ، مع أنهعليه‌السلام  معصوم

١٣٢

عن الأدناس والذنوب ، قد تقدم الكلام فيه في الفواتح(١) وذكرت هناك أن مثل هذا كثير في كلام أئمتنا سلام الله عليهم ، كما نقل عن الكاظمعليه‌السلام  أنه كان يقول في سجدة الشكر :« ربِّ عصيتك بلساني ، ولو شئت وعزتك لأخرستني ، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني » (٢) إلى آخر الدعاء.

بل وقع مثل ذلك في كلام سيد المرسلين وأشرف الأولين والآخرينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطاهرين كما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : ( إنّي لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثرمن سبعين مرّة )(٣) وقد قلنا هناك : إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك المعصومين من عترته سلام الله عليهم ، لغاية اهتمامهم باستغراق أوقاتهم في الإقبال على الله سبحانه ، والإعراض عما عداه ، وانجذابهم بكليتهم إلى جنابه جلّ شأنه ، وترك ما سواه ، كانوا يعدون صرف لمحة من اللمحات في الأشغال البدنية ، واللوازم البشرية من المأكل والمشرب والمنكح ، وأمثالها من المباحات ، نقصا وانحطاطاً ، ويسمون توجه البال في آن من الآنات إلى شيء من هذه الحظوظ الدنيوية إثماً وعصياناً وذنباً ، ويستغفرون الله تعالى منه.

وقد سلك على منوالهم ، واقتدى بأقوالهم ، وأفعالهم ، المتألهون والعرفاء من أصحاب الحقيقة ، الذين نفضوا عن [٢٩ / أ] ذيول سرائرهم غبار هذه الخربة الدنية ، وكحّلوا عيون بصائرهم بكحل الحكمة النبوية.

وأما نحن معاشر القاصرين عن الارتقاء إلى هذه الدرج العلّية والمحجوبين عن سعادة الاعتلاء على تلك المراتب السنية ، فلا مندوحة لنا عن جعل عظائم

________________________

(١) أنظر صحيفة : ١٢٨هامش ١.

(٢) مصباح المتهجد : ٥٨ ـ ٥٩ ، مقطع من دعاء طويل.

(٣) درر اللآلي العمادية ١ : ٣٢ / ب ، مخطوط.

وصحيح مسلم ٤ : ٢٠٧٥ رقم ٢٧٠٢ / وسنن أبي داود ٢ : ٨٤ رقم ١٥١٥ ، وفيهما « مائة مرة » ، وأنظر النهاية في غريب الحديث ٣ : ٤٠٣ مادة « غين » وتاج العروس ٩ : ٢٩٧ / والفائق ٣ : ٨٢ وفيه « كذا وكذا مرة ».

١٣٣

جرائمنا ـ حال قراءة تلك الفقر ـ نصب أعيننا ؛ وقبائح أعمالنا ـ عند تلاوة تلك الفصول ـ مطمح نظرنا.

تذكرة :

ينبغي لنا إذا تلونا قولهعليه‌السلام  : « هلال أمن من الآفات » أن لا نقصرها على الافات البدنية ، بل نطلب معها الأمن من الآفات النفسية أيضاً ، من الكبر والحسد ، والغلّ والغرور ، والحرص وحب المال والجاه ، وغير ذلك من دواعي النفس وحظوظها ، ومشتهياتها البهيمية والسبعية ، فإنّ طلب الأمن من هذه الآفات التي بمنزلة الكلاب العاوية والحيات الضارية الموجبة للهلاك الحقيقي أهم وأحرى وأليق وأولى ، وقد قدّمنا في الحديقة الأخلاقية من شرحنا هذا وهي الحديقة العشرون في شرح دعائهعليه‌السلام  في مكارم الأخلاق كلاماً فيما يعين على إلاحتراز عن هذه الافات ، وقلنا هناك : أنه لا يحصل الأمن التام منها إلاّ بإخراج التعلق بالدنيا من سويداء الفؤاد ، وقلع هذه الشجرة الخبيثة من أرض القلب ، فإنه ما دام الإقبال على الدنيا متمكناً في النفس ، لا يمكن حسم مواد هذه الافات عنها رأساً ، بل كلّما دفعتها وحسمتها عادت إلى ما كانت عليه أولاً(١) .

وقد شبه بعض أصحاب القلوب(٢) ذلك بحال شخص عرض له مهم يحتاج إلى فكر وتأمل تام ، فاراد أن يصفو وقته ، ويجتمع باله ، ليتفكر في هذا المهم ، فجلس تحت شجرة ، واشتغل بالفكر فيه ، وكانت العصافير ـ وغيرها من الطيور ـ تجتمع على تلك الشجرة ، وتشوش عليه فكره باصواتها وتكدر وقته ، فأخذ خشبة وضرب بها الشجرة ، فهربت العصافير والطيور عنها ، ثم اشتغل بفكره فعادت كما كانت فطردها مرة أخرى فعادت أيضاً ، وهكذا مراراً فقال له شخص : يا هذا ، إن أردت الخلاص فاقطع الشجرة من أصلها فإنها ما دامت باقية فإنّ العصافير والطيور تجتمع عليها ألبتة.

________________________

(١) انظر صحيفة : ١٣٠هامش : ١.

(٢) لعله اشارة الى الشهيد الثاني في اسرار الصلاة : ١١.

١٣٤

 و بعضهم شبه ذلك بقصة الكردي الذي قتل أُمه ، كما يحكى أنّ شخصاً من الأكراد كانت أُمّه معروفة بعدم العفة وتدنس الأزار ، وكان الناس يعيّرونه بذلك وهو يتوقع الفرصة لحسم تلك المادة.

فدخل يوماً إلى البيت فوجد معها رجلاً يزني بها ، فشق بالسكين صدرها واستراح من شنعتها.

فقال له أصحابه ومعارفه : يا هذا ، إنّ قتل الرجل كان أولى من قتل الأم ، فإنه أمرمستقبح!!

فقال : إني لو لم أقتلها كان يلزمني [٣٠ / ] أن أقتل في كلِّ يوم شخصاً جديداً ، وهذا الأمر لا يتناهى إلى حد.

وأنا قد نظمت قصة هذا الكردي في كتابي الموسوم بسوانح سفر الحجاز(١) هكذا :

كان في الأكراد شخص ذو سداد

اُمه ذات اشتهار بالفساد

لم تخيّب من نوال طالبا

لن تَكُفَّ عن وصال راغبا

دارها مفتوحة للداخلين

رجلها مرفوعة للفاعلين

فهي مفعول بها في كل حال

فعلها تمييز أفعال الرجال

كان ظرفا مستقراً وكرها

جاء زيدٌ قام عمرو ذكرها

جاءها بعض الليالي ذو أمل

فاعتراها الابن في ذاك العمل

شقّ بالسكين فوراً صدرها

في محاق الموت أخفى بدرها

مكّن الغيلان من أحشائها

خلّص الجيران من فحشائه

قال بعض القوم من أهل الملام :

لمْ قتلت الاُم يا هذا الغلام؟

كان قتل المرء أولى يا فتى

إنّ قتل الاُم لم شيءٌ ما أتى!!

قال : يا قوم اتركوا هذا العتاب

إنّ قتل الاُم أدنى للصواب!

 ________________________

(١) سوانح سفر ألحجاز : مخطوط ، أحتمل البعض أنّها منظومة « نان وحلوا » أورد في السلافة منها حدود ٦٠ بيتاً ، انظر الذريعة ١٩ : ٣١٩ ، ١٢ : ٢٥٣ ، ٢٤ : ٣٠.

١٣٥

كنت لو أبقيتها فيما تريد

كلّ يوم قاتلاً شخصاً جديد

إنّها لو لم تذق حدّ الحسام

كان شغلي دائماً قتل الأنام!!

أيّها المأسور في قيد الذنوب

أيّها المحروم من سرّ الغيوب

أنت في أسر الكلاب العاويه

من قوى النفس الكفور الجانيه

كل صبح مع مساء لا تزال

مع دواعي النفس في قيل وقال [٣١ / أ]

كلّ داع حيَّة ذات التقام

قل مع الحيات كم هذا المقام؟

إن تكن من لسع ذي تبغ الخلاص

أو تَرُم من عضّ هاتيك المناص

فاقتل النفس الكفور الجانيه

قتل كرديّ لأم زانيه

أيها الساقي أدر كأس المُدام

واجعلن في دورها عيشي المدام

خلص الأرواح من قيد الهموم

أطلق الأشباح من أسر الغموم

فالبهائي الحزين الممتحن

من دواعي النفس في أسر المحن(١)

تبيين :

يمكن أن يراد بالإحسان : في قولهعليه‌السلام  : « ونعمة وإحسان » معناه الظاهري المتعارف ، والأنسب أن يراد به المعنى المتداول على لسان أصحاب القلوب ، وهو الذي فسره سيد الأولين والآخرينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعين ، بقوله : ( الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك )(٢) .

و ينبغي حينئذ أن يراد بالإيمان والإسلام في قولهعليه‌السلام  : « هلال أمن وإيمان ، وسلامة وإسلام » ، المرتبتان المعروفتان بعين اليقين ، وحق اليقين ، على ما مرّ شرحه في الفواتح.

هذا ، وقد طلبعليه‌السلام  الأمن في هذا الدعاء مرتين ، مرة مقيداً بكونه من الآفات ، ومرة مطلقا ، وكذلك طلب السلامة مرتين مرة مقيداً بكونها

________________________

(١) أورد الأبيات في الكشكول أيضاً ١ : ٢٢٨.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ١٤٤ / سنن الترمذي ٤ : ٦ رقم ٢٦١٠ / سنن أبن ماجة ١ : ٢٤ ، ٢٥ رقم ٦٣ ، ٦٤ / سنن ابو داود ٤ : ٢٢٣ رقم ٤٦٩٥ / مسند أحمد بن حنبل ١ : ٥١ ، ٥٢ و ٢ : ١٠٧ ، ٤٢٦ و ٤ : ١٢٩ ، ١٦٤ / كنز العمال ٣ : ٢١ رقم ٥٢٤٩ و ٥٢٥٠ / حلية الأولياء ٨ : ٢٠٢.

١٣٦

من السيئات. وأُخرى مطلقاً.

و يمكن أن يراد بالمطلقة سلامة القلب عن التعلّق بغير الحقّ جلّ وعلا ، كما قاله بعض المفسرين(١) في تفسيرقوله تعالى :( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ [٣١ / ب]إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (٢) .

وأما الأمن المطلق فلعل المراد به طمأنينة النفس بحصول راحة الأنس ، وسكينة الوثوق ، فإنّ السالك ما دام في سيره إلى الحق يكون مضطرباً غيرمستقر الخاطر لخوف العاقبة ، وما يعرض في أثناء السير من العوارض العائقة عن الوصول.

فإذا هبَّ نسيم العناية الأزلية ، وارتفعت الحجب الظلمانية ، واندكت جبال التعيّنات الرسمية ، تنوّر القلب بنور العيان ، وحصلت الراحة والاطمئنان ، وزال الخوف ، وظهرت تباشير الأمن والأمان.

وهذان المقامان ـ أعني : مقامي الأمن والسلامة ـ من مقامات أصحاب النهايات ، لا من أحوال أرباب البدايات ، وقد أشار إليهما مولانا وأمامنا أمير المؤمنينعليه‌السلام  الذي إليه تنتهي سلسلة أهل الحقيقة والعرفان سلام الله عليه وعلى من ينتسب إليه في كلام لهعليه‌السلام  أورده السيد الرضي(٣) رضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة ، وهو قولهعليه‌السلام  في وصف من سلك طريق الوصول

__________________

(١) منهم الزمخشري في كشافه ٣ : ٣٢١ ، والبيضاوي في انواره ٤ : ١٠٦.

(٢) الشعراء ، مكية ، ٢٦ : ٨٨.

(٣) السيد الشريف الرضي ، ذو الحسبين ، أبو الحسن ، محمد بن الحسين الموسوي ، لم ير إنسان العين مثله ، وقد عقمت الدهور عن ألإتيان بمثله ، أمره في الفقه والجلالة أشهر من أن يذكر ، اتفق عليه المخالف والمؤالف ، روى عن جمع منهم الشيخ المفيد ، وهارون التلعكبري ، وغيرهم ، ومن العامة الطبري المالكي ، والفارسي اللغوي ، والسيرافي ، والقاضي عبد الجبار. وعنه أخذ وروى شيخ الطائفة الطوسي ، والدوريستي ، والنيسابوري ، وابن قدامة شيخ ابن شاذان ، وغيرهم.

له : أخبار قضاة بغداد ، تعليق خلاف الفقهاء ، تلخيص البيان ، حقائق التأويل ، ديوان شعره ، المجازات النبوية ، وكفاه فخراً جمعه لنهج البلاغة.

١٣٧

 ( قدأحيى عقله(١) وأمات نفسه ، حتى دق جليله ، ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق(٢) ، فأبان له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ، ودار الإقامة ، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة ، بما استعمل قلبه وأرضى ربه(٣) انتهى كلامه صلوات الله عليه وسلامه.

ولعلّ السعد الذي لا نحس فيه ، واليمن [٣٢ / ] الذي لا نكد معه ، واليسر الذي لا يمازجه عسر والخير الذي لا يشوبه شر ، من لوازم هذين المقامين وفقنا الله سبحانه مع سائر الأحباب للارتقاء إليهما بمنه وكرمه إنه سميع مجيب.

________________________

مات في الكاظمية سنة ٤٠٦ هـ = ١٠١٥ م.

له ترجمة في أعيان الشيعة ٩ : ٢١٦ / أمل الأمل ٢ : ٢٦١ رقم ٧٦٩ / إنباه الرواة ٣ : ١١٤ رقم ٦٣٢ / البداية والنهاية ١٢ : ٣ / تاريخ بغداد ٢ : ٢٤٦ / ٧١٥ / تاسيس الشيعة : ٣٣٨ / تذكرة الحفاظ ٣ : ٢٨٩ / تنقيح المقال ٣ : ١٠٧ رقم ١٠٥٩٠ / جامع الرواة ٢ : ٩٩ / الخلاصة : ١٦٤ رقم ١٧٦ / الدرجات الرفيعة : ٤٦٦ / رجال النجاشي : ٣٩٨ / ١٠٦٥ / روضات الجنات ٦ : ١٩٠ / ٥٧٨ ومصادره شذرات الذهب ٣ : ١٨٢ / الفوائد الرجالية ٣ : ٨٧.

هذا غيض من فيض من مصادرترجمته ، كفانا مؤنة جمعها فضيلة البحاثة. الدكتور الشيخ محمد هادي الاميني ، في رسالة بعنوان مصادر ترجمة الشريف الرضي ، وتربو على المائتين.

(١) هكذا وردت في الأصل ، وفي نهج البلاغة وشروحه وردت( قلبه ).

(٢) هذه هي البروق اللامعة الدائرة على ألسنة أصحاب الحقيقة من الصوفية والحكماء المتألهين.

ولعل أول من سماها بهذا الإسم هو عليه السلام ، فحذا القوم حذوه ، فإنه عليه السلام رئيسهم وسيدهم ، وقد نقله إبن سينا عنهم في الإشارات عند ذكر السالك ٣ : ٣٨٤ قال : ثم إنه إذا بلغت الإرادة والرياضة حداً ما عنت له خلسات من إطلاع نور الحق لذيذة ، كانها بروق تومض ثم تخمد عنه ، وهي التي تسمى عندهم أوقاتاً ، وكل وقت يكتنفه وجد إليه ، ووجد عليه. إلى آخر ما قاله.

وقال القشيري في الرسالة عند ذكر الاُمور الواردة على العارفين ٤ : ١٤٤ : هي بروق تلمع ثم تخمد ، وانوار تبدوا ثم تخفى ، ما أحلى لو بقيت مع صاحبها إلى آخر ما قاله ، وكان الحلاج يعبر عن تلك البروق بالنور الشعشعاني ، وهذه اللفظة مما انكره عليه الظاهريون من علماء عصره ، وهو أحد الاُمور التي جعلوها من البواعث على قتله ، « منه ». قدس سره ، هامش المخطوط.

(٣) نهج البلاغة ٢ : ٢٢٩ ، خطبة رقم ٢١٥.

١٣٨

توضيح :

خطابهعليه‌السلام  في هذا الدعاء بعضه متوجه إلى الهلال ، ومختص به ، كقولهعليه‌السلام  : « جعلك مفتاح شهر حادث » وقولهعليه‌السلام  : « أنْ يجعلك هلال بركة ، وهلال أمن ، وهلال سعد ».

و بعضه متوجه إلى جرم القمر ، كقولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة والنقصان » ، فإن الهلال وإن حصل له الزيادة لكن لا يحصل له النقصان.

و أما إطلاق الهلال عليه في ليلتي ست وعشرين ، وسبع وعشرين ـ كما ذكره صاحب القاموس(١) ـ فالظاهر أنّه مجاز كما مرّ(٢) ، وعلى تقدير أن يكون حقيقة فليس هوالمخاطب بذلك قطعاً.

وكقولهعليه‌السلام  « والإنارة والكسوف » فإنّ الكسوف لا يكون بشيء من معنييه للهلال.

و يمكن أن قولهعليه‌السلام  : « المتردد في منازل التقدير » مما يتوجه إلى جرم القمر أيضاً. لا الهلال لأن الجمع المضاف يفيد العموم ، والهلال ـ وان كان يقطعها بأجمعها أيضاً ـ إلّا أنّ الظاهر أن مرادهعليه‌السلام  قطعها في كلّ شهر.

ثم لا استبعاد في أن يكون بعض تلك الفقر مقصوداً بها بعض الجرم أعني الهلال ، وبعضها مقصوداً بها كله.

ويمكن أن يجعل المقصود بكل الفقر كلّ الجرم ، بناء على [٣٣ / ] أنْ يراد من الهلال جرم القمر في الليالي الثلاث الأول ، لا المقدار الذي يرى منه مضيئاً فيها ، كما أنّ البدر هو جرم القمر ليلة الرابع عشر لا المقدار المرئي منه فيها.

وهذا وإن كان لا يخلو من بعد إلّا أنه يصير به الخطاب جارياً على وتيرة

________________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٧١ مادة « هلل » ، وأنظر صحيفة ١ من كتابنا هذا.

(٢) أنظر صحيفة : ٦٥ من كتابنا هذا.

١٣٩

واحدة كما هو الظاهر.

تكملة :

جَعْلهعليه‌السلام  مدخول « ما » التعجبية فعلاً دالاً على التعجب بجوهره ، ينبىء عن شدة تعجبهعليه‌السلام  من حال القمر ، وما دبره الله سبحانه فيه ، وفي أفلاكه بلطائف صنعه وحكمته ، وهكذا كلّ من هو أشد اطلاعاً على دقائق الحكم المودعة في مصنوعات الله سبحانه فهو أشد تعجباً ، وأكثر استعظاماً.

و معلوم أن ما بلغ إليه علمهعليه‌السلام  من عجائب صنعه جلّ وعلا ، ودقائق حكمته في خلق القمر ، ونضد أفلاكه ، وربط ما ربطه به من مصالح العالم السفلّي ، وغير ذلك فوق ما بلغ إليه أصحاب الأرصاد ، ومن يحذو حذوهم من الحكماء الراسخين بأضعاف مضاعفة ، مع أنّ الذي اطلع عليه هؤلاء ـ من أحواله ، وكيفية أفلاكه ، وما عرفوه مما يرتبط به من أمور هذا العالم ـ اُمور كثيرة ، يحار فيها ذو اللبّ السليم ، قائلاً :( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ) (١) .

و تلك الأمور ثلاثة أنواع :

الأول : ما يتعلق بكيفية أفلاكه ، وعدّها ونضدها ، وما يلزم من حركاتها من الخسوف والكسوف ، واختلاف التشكلات [٣٤ / أ] وتشابه حركة حامله حول مركز العالم لا حول مركزه ومحاذاة قطر تدويره نقطة سوى مركز العالم ، إلى غيرذلك مما هو مشروح في كتب الهيئة.

ا لثاني : ما يرتبط بنوره من التغيرات في بعض الأجسام العنصرية ، كزيادة الرطوبات في الأبدان بزيادته ، ونقصانها بنقصانه ، وحصول البُحارين(٢) للأمراض ، وزيادة مياه البحار والينابيع زيادة بينة في كل يوم من النصف ألأول

________________________

(١) آل عمران ، مكية ، ٣ : ١٩١.

(٢) البحارين ، البحران هو : التغير الذي يحدث للعليل فجأة في الأمراض الحمية الحادة ، بصحبه عرق غزير وانخفاض سريع في الحرارة. ولمزيد الاطّلاع انظر : القانون ٣ : ١٠٨ / الدلائل : ٢١٩ المعجم الوسيط ١ : ٤٠ ، لسان العرب ١٧ : ٤٩ ، الملحق العلمي.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

البروجردي ».

كانت هذهِ خلاصة ما نشر من لقاء الدكتور چهرازي مع السيد البروجردي.

٤٠١

القمار واضراره

الدكتور : ايها العمّ ، لا ننسىٰ ان القتل الذي حدث في القطار لم يكن سببه الوحيد المشروب ، بل كان للقمار ايضاً دوراً فيه. لذلك سنكون ممتنين لك لو حدثتنا عن القمار ومفاسده ايضاً.

الشيخ : القمار من المواضيع الواضح ضررها ومفاسدها علىٰ جميع الناس ، وقد قامت بعض الدول بمنعها تماماً. اما تلك الاضرار فهي كالتالي :

١ ـ الاضرار الاقتصادية :

يمكن ان يوجه القمار اكبر ضربة اقتصادية للشخص ، لانه كثيراً ما يحدث ان شخصاً يقوم بجمع ثروة علىٰ مدىٰ العمر من خلال النشاط والتعب. لكنه يفقدها خلال ليلة او ليالي متوالية في لعب القمار ، ويعود الىٰ بيته بيد خاوية إلّا من الندم.

فالمقامر المسكين وبعد اول لعبه يتصور انه سيربح في الدور الآخر وهكذا يلقي بنفسه في التهلكة ويبدأ باللعب. فلو ربح يسوقه طمعه الىٰ لعب اكثر وإذا خسر يحاول جبران ما فقده في الادوار التالية ، وهكذا يتورط في اللعبة للحد الذي يصبح من روادها الدائمين ، فأما ان يفقد ثروته ويتحول الىٰ فقير في ليلة واحدة او ليالي قليلة ، او انه يصبح من اولئك الذين يفرغون

٤٠٢

جيوب الآخرين ويحولون حياتهم الىٰ شقاء وتعاسة.

٢ ـ الاضرار الاخلاقية ؟

يُعد القمار من آفات الاخلاق والفضائل النفسانية ، والقمار يسبب لصاحبه ( المقامر ) السهر وعدم النوم ( خاصة اذا كان المقامر خاسراً ) ، وتسلب الراحة من حياته ، ويكون عصبياً علىٰ الدواء وسيء الخلق ، وبشكل دائم يفكر بحلّ يعوض فيه ما فقده ، لذلك يصبح حساساً ، ولا يستطيع السيطرة علىٰ اعصابه ، يثور لأبسط شيء ، لهذا يشاهد المقامرون في حالة تفكير وقلق علىٰ الدوام ، تخلو وجوههم من اي نشاط وبسمة ، كما ان المقامرين غالباً ما يصابون بأمراض من قبيل : البخل والحسد والعصبية والتشاؤم والانكسار النفسي.

٣ ـ تأثيرات القمار السيئة علىٰ الاسرة :

طبيعي ان المقامر الذي يصاب بانحرافات اخلاقية وبسبب السهر وعدم النوم والتفكير سيصاب بضعف عصبي ، وسيثور مقابل اقل تحريك او حادث وسيكون سيء الظن بالجميع.

ويديهي جداً ان اول من سيواجه هذه الحالة في المقامر هم اعضاء اسرته المسكينة من الزوجة والابناء ، وتكون تلك الاسرة المنكوبة والشقية مضطرة لمعاشرة انسان سيء الخلق عبوس عصبي المزاج ، لذلك كثيراً ما يحدث ان

٤٠٣

تنتهي مشاجرات بسيطة في مثل تلك الاسر الىٰ الطلاق والتشتت.

٤ ـ القمار سبب في الجريمة

كثيراً ما يحدث ان يفقد شخصاً كل اتعاب حياته في ساعات معدودات من لعب القمار ، خاصة اذا كان شخصاً محترماً ووجيهاً ، فانه سيفكر بعدم استطاعته دخول مجال النشاط الاقتصادي والكسب بيد خاوية ، لانه فقد بهذه الاعمال الاثيمة ثروته وحيثياته الاجتماعية ، وسوف لن يجد طريقاً امامه إلّا الانتحار. وبتصوره انه سينجو من جميع تلك الآلام والافكار بهذا العمل.

فأحد الارجنتينيين فقد في مدة ١٦ ساعة جميع ثروته البالغة اربعة ملايين دولار ، وبعد ان اغلقت ابواب النادي ، اتجه مباشرة الىٰ احدىٰ الغابات وافرغ في رأسه طلقة من مسدسه.(١)

وتذكر احدىٰ المجلات الاسبوعية : « ان معدلات الانتحار بسبب القمار في تزايد مستمر ، ومن خلال احصائية نشرتها مؤسسة غالوب ، يتّضح أنه في سنة ١٩٦١ سُجل اعلىٰ معدل لانتحار المقامرين ، ففي باريس انتحر اثنا عشر مقامراً في السنة الماضية(٢) .

وكثيرة مثل هذه الجرائم التي تنتج بسبب القمار ، فضلاً عن التشاجر

__________________

(١) مجلة المثقف ٣ / ١ / ١٣٦٢.

(٢) مجلة المثقف ، العدد ٧ سنة ١٣٦٣.

٤٠٤

والتقاتل بالسكاكين الذي يحدث خلال العب ، لان تقابل مقامرين سيئي الخلق وحساسين يجعلهما مثل المادة المتفجرة مهيئين في كل لحظة للانفجار ويكفي لذلك شرارة بسيطة تنطلق من احد الطرفين. وهذا الخبر هو نموذج لمثل تلك الجرائم :

احد المقامرين الذين وجه لمقامر آخر ثلاث طعنات بالسكين في خاصرته ، اردته قتيلاً ، قال عند استجوابه من قبل الشرطة : « لقد غلبني اموال كثيرة في اللعب ، ولم يكن مستعداً ان يستمر في اللعب معي ، ورغم اصراري لم يقبل واراد ان يهرب ، فتبعته و ».

وفي بعض الاحيان يكون القمار لوحده سبباً في موت المقامر ، للتبعات السيئة التي يتركها ، وفي هذا الصدد ، استمعوا الىٰ هذا الخبر.

« توصل احد الاطباء الامريكيين بعد سنوات من الابحاث الىٰ هذه النتيجة ، وهي انه في امريكا يموت سنوياً اكثر من الفي شخص بسبب القمار ، واثبت الطبيب ان ضربات قلب المقامر ترتفع بشدّة اثناء اللعب ، وان قلب مقامر ماهر تزيد ضرباته علىٰ المائة في الدقيقة ، وهذا النبض غير الطبيعي يجعل المقامرين يموتون وهم خلف منضدة اللعب ، او انهم يهرمون قبل سنّ الهرم بعشرة او خمسة عشر سنة ».

٥ ـ الاضرار الاقتصادية للقمار

القمار يوقف العجلة الاقتصادية لملجتمع ، وتعلل في النشاطات الانتاجية ، لأن المقامر يصر كل فكره في كيفية قضاء الوقت بهذه اللعبة

٤٠٥

واكتساب المهارة التامة فيها. ولانه يتصور انه سيربح في غضون ساعة ما يكفيه كل العمر ! ولهذا فقليلاً ما يفكر بالانتاج والتجارة والعمل.

وحتىٰ لو فكر بتلك الامور فلن يستطيع العمل كأي انسان عادي وذلك بسبب تأثير تلك الحالة السيئة التي تسيطر علىٰ كل عقله. وهذا من اكبر الاضرار التي يأتي بها القمار للمجتمع.

٦ ـ تأثير القمار علىٰ شرف الانسان وناموسه

لربما يصل الامر بالمقامر ، بعد ان يفقد جميع ثروته ، ان يراهن علىٰ زوجته وابناءه وبناته.

اعتراض من قبل الجميع : ايّها الشيخ ! ما الذي تقوله. اي انسان عاقل وغيور يراهن علىٰ زوجته وابنائه وبناته ويغامر بهم ؟! فهذا العمل لم يحدث حتىٰ في القرون الوسطىٰ وبين المتوحشين.

الشيخ : لا تجهدوا انفسكم وتذهبوا بعيداً الىٰ القرون الوسطىٰ ، لان هذا الامر يحدث في عالمنا المتحضر ، العصر الذهبي ! وفي اكثر البلدان تحضراً علىٰ الكرة الارضية ، التي ما ان يسمع بها بعض مغفّلينا حتىٰ يسيل لعابهم عليها.

نعم في امريكا ، حدث ذلك وقد نقلته احدىٰ الصحف المهمة في اخبارها الخارجية ، واليكم خلاصة ما ذكرته الصحيفة : « في المكسيك كان احد الاثرياء يلعب القمار مع صديق له لكنه كان يخسر علىٰ الدوام ، حتىٰ

٤٠٦

خسر ثروته وبيته وسيارته ، وكل ما يملك دفعة واحدة.

ومع ذلك لم ييأس فبقي يلعب ولكن هذه المرّة كان الرهان زوجته ، لكنه هذه المرّة ايضاً خسر. فألتفت وبدون اي خجل الىٰ زوجته وقال لها : اصبحت الآن ملك هذا الرجل لانني فقدتك في القمار معه. لكن المرأة المسكينة امتنعت عن ذلك ، لكن زوجها كان مصرّاً علىٰ دفعها الىٰ الرجل ، وكلما زاد اصراره زادت مقاومة المرأة ايضاً ، الىٰ ان هجم عليها واخذ في ضربها بقسوة. مما اضطرت الشرطة الىٰ التدخل ونقل المرأة الىٰ المستشفىٰ لعلاج الجراحات التي اصابتها علىٰ يد زوجها »(١) .

وتقول احدىٰ المجلات الاسبوعية : من اقبح اعمال المقامرين في النوادي الخاصة ـ حيث يشاهد فيها رجال ونساء اوروبا المتحضرين ـ هو انهم يقامرون علىٰ نسائهم ، وقد شوهدت نماذج عديدة من ذلك بين المقامرين من الداخل والخارج ، كما ان اغلب هذه الرهانات تنتهي بالانتحار(٢) .

سعادة الدكتور ! هذه نماذج من السلوكيات الوحشية والمنحطة لعصر الذرة ودنيا الحضارة الجديدة ، ولم يشاهد لها مثل إلّا في عصر الجاهلية اي قبل الف واربعمائة عام وفي مورد واحد فقط ، لان التاريخ ينقل لنا : قبل اشراقة شمس الاسلام ، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي يوماً في سوق مكة ، فرأىٰ رجلين يلعبان القمار ، وشاهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان احدهما فقد جميع ثروته ، فراهن علىٰ غلمان وجواريه ، وخسرها ايضاً ، حتىٰ وصل الامر به أن يراهن علىٰ ان

________________

(١) مجلة اطلاعات الاسبوعية ، العدد ١٠٦٠.

(٢) المصدر نفسه.

٤٠٧

يستعبد لفترة عشر سنوات ، وخسر ايضاً !

فتأثر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك كثيراً وخرج مباشرة الىٰ خارج مكة ، فتوجه بالدعاء الىٰ الله : اللّهمَّ عجّل بعثتي وأمرني بهداية هذه الاُمة ، حتىٰ اخرجهم واخلصهم من هذه الحياة المهينة ، وهذا الوضع المنحط ، وهذه الرذائل الاخلاقية.

هذه القصة حدثت قبل خمسة عشر قرناً ، وبعد اهل الجاهلية ، كررها علىٰ ابشع صورها اهل عصرنا ، عصر الحضارة والمدنية الاوروبية والامريكية ، وتبعهم في ذلك بعض ممن يُسمون بالمسلمين والاسوء من كل ذلك ، هو ان الكثير من الاعمال التي كانت تعتبر قبيحة وسيئة حتىٰ في العصر الجاهلي المظلم آنذاك ، اصبحت اليوم من علامات الحضارة والمدنية الغربية الحالية !!

الىٰ هنا ، اوضحت لكم جوانب عديدة من مضار القمار ، لكن الذي يؤسف له هو شيوع هذا العمل السيء في بلادنا بكامل الحرية ، فالعديد من ابناء شعبنا يمارسون هذه اللعبة في النوادي الليلة واماكن القمار ، خاصة طبقة الكبار والاشراف الاثرياء ، ولا يعلم إلّا الله حجم الخسائر الارباح التي يفقدها او يكسبها رجال الطراز الاول في الدول والاثرياء في النوادي والفنادق الكبرىٰ والخاصة ، واتصور انني قرأت في احدىٰ المجلات قبل ثمان سنوات ، انه في مصيف آب علي لوحده يتداول مبلغ ١٤ مليون تومان سنوياً بين الخاسرين والرابحين ، وجاء أيضاً في تلك المجلة انه في ليلة واحدة خسرت احدىٰ النساء الثريّات مبلغ ١٦ الف تومان من مالها الحلال !

٤٠٨

وجاء في احصائية نشرت قبل ثمان سنوات أيضاً وجود خمسمائة محل قمار في طهران وحدها يرتادها الاشراف والاثرياء ورجال الدولة في الغالب.

القمار من منظار قوانين العالم والبلاد

اغلب دول العالم منعت لعب القمار نظراً لمضاره ومفاسده العديدة ، علىٰ الرغم من ان تلك القوانين لها طابع رسمي وتشريفاتي ، ففي بريطانيا منع القمار منذ سنة ١٨٥٣ ، وفي امريكا سنة ١٨٥٥ ، وفي روسيا سنة ١٨٥٤ ، وفي المانيا سنة ١٨٥٢ ، والقوانين الايرانية ايضاً تمنع ادارة دور القمار بشكل او بآخر ، وبعض الاحيان أيضاً يتم القاء القبض علىٰ بعض المقامرين ، ولكن يجب الاعتراف وللأسف الشديد انه يتم القاء القبض علىٰ مقامري الارصفة الذين يتراهنون علىٰ خمسة وعشرة ريالات ! فهؤلاء يجب ان تلقي عليهم الشرطة القبض ، في حين ان كبار المقامرين الذين يمارسون اللعبة بمبالغ طائلة وفي افخم الفنادق والنوادي الليلية لا احد يستطيع مطاردتهم او مجرد التعرض لهم والاستفسار منهم.

٤٠٩

الصحافة

وعندما وصل الحديث الىٰ هنا ، فتح باب الغرفة فجأة ودخل بائع الصحف وهو يحمل مجموعة من الصحف والمجلات ، وينادي بصوته الجهوري وبلحن خاص : صحف مجلّات اسبوعية شهرية

التفت الدكتور الىٰ الشيخ وقال له : تسمح بشراء مجلة ؟ فأجابه الشيخ بحزم : لا.

فأنصرف الدكتور من شراء مجلة لمعارضة الشيخ ، اما بائع الصحف فقد ترك الغرفة هو غير راضٍ.

حسن الطالب الجامعي : ايّها الشيخ تعتبر الصحافة الدعامة الرابعة للديمقراطية ، وهدفها مستوىٰ الوعي عند الشعب ، فلماذا تعارضها ؟!

الشيخ : كان من الافضل للديمقراطية(١) ان لا يكون لها اكثر من ثلاثة دعامات ( نظراً للحالة التي عليها بلدنا ). لانه وعلىٰ الرغم من جيمع هذه الصحف والمجلات التي تصدر في بلادنا ـ بأستثناء عدد قليل منها ـ لم تأتي بنتيجة سوىٰ فساد الاخلاق ، وتعليم شبابنا وشاباتنا الرذيلة ، فأغلب صحفنا

________________

(١) ذكر المؤلف في النص بدل كلمة الديمقراطية ، كلمة المشروطة وهو تعبير عن الملكية الدستورية ، وقد انتشر هذا المصطلح بعد ثورة الدستور التي قامت في ايران سنة ١٩٠٦ م. ( المترجم )

٤١٠

ومجلاتنا اليوم خصّصت أفضل صفحاتها لراقصات وفنانات هوليود(١) ، واكثر مسؤولي الصحف والمجلات في البلاد يرتزقون من عرض سيقان وعيون وصدور ، وبشكل عام مفاتن النساء الساقطات ونجوم السينما ، ممّا قلّل الحياء والعفّة والفضيلة في المجتمع.

ان صفحات الصحف والمجلات مليئة بمقالات تدعو للأباحية وقصص شهوانية وتعليمات جنسية للشباب والشابات ، والتعريف بملكات الجمال ، وصور عارية او نصف عارية ودعوات للشباب بالحرية المطلقة ونبذ ما يسمىٰ بالحياء والعفّة !

لقد نشرت احدىٰ الصحف الكبرىٰ في البلاد(٢) مسابقة وطلبت من القراء المشاركة في الحلّ ، وكان موضوع المسابقة ، ان امرأة متزوجة ولها اطفال عشقت شاباً آخراً ، فما هو الحلّ المقترح لمشكلتها ؟!

ومن بين الاجوبة التي وصلت من قراء الصحيفة ، كتب احدهم حلّا بعنوان « حافظي علىٰ كلاهما » ، ويقترح عليها البقاء مع زوجها من جهة والحفاظ علىٰ علاقة غير شرعية مع عشيقها ! وبمنتهىٰ الوقاحة نشرت الصحيفة ذلك الجواب بين الاجوبة التي وصلتها.

اجل هذا هو معنى توجيه الرأي العام الذي تتبناه صحافتنا.

________________

(١) Hollywood مدينة صغيرة في ولاية كاليفورنيا في جنوب غربي امريكا ، وهي من اهم مراكز الانتاج السينمائي في العالم.

(٢) صحيفة كيهان.

٤١١

اصدقائي الاعزاء !

للأسف الشديد ليس في هذا البلد يد قوية تنتقم من اصحاب الاقلام الخونة والعملاء علىٰ ما يقومون به من افساد لأفكار واخلاق المجتمع.

والصحف والمجلات التي اغلبها ترتزق من خزانة الحكومة وجيوب المسؤولين والناشرين تقوم بنشر سياستهم ومقاصدهم ، وهذه الصور الفاضحة التي تنشر في صحافتنا ما هي إلّا افيون لتخدير الناس واغفالهم عما يقوم به اصحاب السلطة والمال من جرائم ومفاسد.

الصحافة وقوانين الدولة

العقيد : من اجل الحيلولة دون حدوث مثل تلك المفاسد وضعت الدولة وضمن قانون الصحافة عقوبات شديدة علىٰ انحرافات المجلات والصحف الاخلاقية.

الشيخ : لا يوجد في قانون الصحافة سوىٰ مادتين لمعاقبة المقالات المنافية للعفة والاخلاق العامة ، وهاتان المادتان ، هما :

الاُولى : المادة ١٩ من قانون الصحافة ، تقول : « يحكم بغرامة من الف ريال الىٰ عشرة آلاف ريال علىٰ الجرائم التالية :

أ ـ نشر مقالات مضرّة بالعفّة العامة والاخلاق الحسنة.

ب ـ نشر صور سيئة.

ج ـ نشر اعلانات او صور تخالف الاخلاق الحسنة والآداب والتقاليد

٤١٢

القومية.(١)

الثانية : المادة الثانية من قانون عقوبات الصحافة : « المادة ٣٨ من قانون الصحافة » : يمكن ايقاف الصحيفة التي تنش مقالات تضر بالعفّة العامة او صور سيئة منافية للعفّة ، قبل صدور حكم من قبل المحكمة(٢) .

كما ان هناك مادة ثالثة ، هي ضمن قانون العقوبات العام والخاصة بالاخلاق والعفّة العامة ، لكنه يمكن الاستفادة منها في الصحافة ، وقد جاء فيها ـ وهي المادة ٢١١ من قانون العقوبات :

« يحكم علىٰ الاشخاص التالين بالسجن التأديبي من ستّة اشهر الىٰ ثلاث سنوات وبدفع غرامة من ٢٥٠ ريال الىٰ٥٠٠٠ ريال :

الاشخاص الذين يسهلون افساد الاخلاق الشباب الذين يقل عمرهم عن ١٨ سنة سواءً كانوا ذكوراً أم اناث(٣) .

سيادة العقيد ! هذه المواد القانونية الثلاث هي قمّة الضغط الذي توجهه الدولة علىٰ مديري الصحف والمجلات فيما لو نشروا مقالات او صور منافية للعفّة والاخلاق ، لكنه ليس هناك من يسأل هؤلاء المشرعين المهمتين جداً بالعفّة والاخلاق ! هل ان اخلاق وعفة شعب هذا البلد لا تساوي قيمتها عندكم اكثر من مئة تومان ؟! وهل ان جزاء من يعتدي علىٰ عفّة شباب وشابات هذا البلد ، هو دفع مئة تومان فقط ؟! ومن هنا يمكن معرفة قيمة العفّة والاخلاق

________________

(١) كتاب قوانين العقوبات.

(٢) م. ن.

(٣) م. ن.

٤١٣

العامة عند مشرعي قوانين هذا البلد.

نعم ، لو كانت العفّة والاخلاق تساوي عند حكام هذه البلاد اكثر من مئة تومان ، لما بلغت الصحافة هذه الدرجة من الحرية والوقاحة التهتّك ، ولما اصبحت بعض الصحف والمجلات دور نشر للفساد والرذيلة بين شبابنا وشاباتنا ، ولما تطاوت في ترغيب النساء والمتزوجات علىٰ اقامة علاقات غير شرعية مع الشباب المستهتر.

ان الاساليب المنحطة التي تتبعها صحافتنا تذكرنا بقول الدكتور الكسيس كارل ، حيث يقول في بحث له :

« لقد جعل انتشار الصحف ودور السينما والاذاعات المستوىٰ الفكري في ادنىٰ مراتبه »(١) .

سيادة العقيد ! وبغض النظر عن كل ذلك ، نقول : لماذا لا تطبق الدولة هذه المواد القانونية الناقصة التي ذكرناها ايضاً بحق بعض مديري ورؤساء تحرير الصحف الخونة ، والجواب واضح فإنَّ الدولة تتصور أنه في حال تطبيق هذه القوانين الناقصة ، فإنَّ عليها اغلاق جميع الصحف والمجلات ، باستثناء عدد قليل منها ، ( مع ان المسبب الرئيس في ايجاد مثل هذا الوضع هو الدولة نفسها ).

لانه ، أية مجلة او صحيفة تنشر مقالاً او قصة منافية للأخلاق والعفّة ؟! واية نشرة تصدر في هذا البلد ولا تجد علىٰ صفحاتها صور قبيحة ( علىٰ حد

________________

(١) الانسان ذلك المجهول.

٤١٤

قولهم ) او صور خلاعية فاضحة ؟ واية صحيفة او مجلة تخلو من دعوات مجون او تعليمات جنسية للشباب ( ذكوراً واناث ) ؟!

هل يلام الشعب علىٰ ما تفعله الصحافة

الدكتور : ارىٰ ان الناس يتحمّلون لحدّ ما ما تقوم به الصحافة من تصرفات.

الشيخ : صحيح ، فهذا شيء لا يمكن انكاره ، لان صحافة كل بلد هي المعبّر عن افكار شعبه ، فلو كان الناس غير راغبين بتلك المقالات الفاضحة والصور الخليعة والمهيّجة ، لما عملت الصحافة بهذا الانفلات غير المحدود.

ففي بلدنا تجد المجلة او الصحيفة التي تتفنن في عرض اجساد ومفاتن النساء الفاحشات ، والراقصات ونجوم السينما ، هي المجلة او الصحيفة الاكثر مبيعاً من غيرها ، علىٰ العكس من الصحف والمجلات الدينية التي ينحصر قراءها بأقلية من الناس.

يذكر احد علماء طهران : كانت هناك صحيفة اسبوعية تصدر في طهران ، وكان صحيفة وقورة وعلمية ومفيدة ، وفي احد الاسابيع رأيت علىٰ الصفحة الاولىٰ منها صورة لاحدىٰ نجمات هوليود ودون اية مناسبة ، فأتصلت هاتفياً برئيس تحريرها وقلت له ان صحيفتكم كانت لها حالة خاصة ومكانة علمية ، لكنها في هذا العدد غيّرت مسارها ، واصبحت تضع علىٰ صفحتها الاولىٰ صور الراقصات وفواحش اوروبا وامريكا ، فأجابني رئيس التحرير : ما العمل يا

٤١٥

سيدي ! لقد اجبرنا الناس علىٰ الانحراف ! لاننا بعنا من هذا العدد وبسبب الصورة التي نشرناها ، اضعاف الاسابيع الماضية ، وقد تلاقفها الناس من البائعين.

اجل يا سعادة الدكتور ! لا يمكن انكار هذه الحقيقة ، وهي ان قسم كبير من التقصير والذنب في هذا المجال يقع علىٰ عاتق فئة غير ملتزمة من الشعب ، ولكن يجب ان لا ننسىٰ ، ان المجلات والصحف ليست مسؤولة عن تنفيذ كل ما يريده القراء ، ذلك لان الصحافة وكما قلتم الدعامة الاساسية للديمقراطية ، وهي مسؤولة عن ارشاد الناس وتوجيه افكارهم ، فلو فرضنا حدوث انحراف اخلاقي عند الشعب ، فيجب علىٰ قادتهم الفكريين ان يصححوا هذا الاعوجاج ويقوّموا هذا الانحراف بكل طاقاتهم وقدراتهم.

والأهم من كل ذلك ، هو ان الذنب في ذلك يقع علىٰ الحكومة ، لانه لو كانت هناك متابعة ومحاسبة لما اجازت الدولة للصحافة العمل علىٰ هواها دون قيد او رادع ، لكن حقيقة الامر هو ان الدولة فسحت لهم المجال ( كما هو الحال في السينما وسائر وسائل الاعلام ) لنشر هدة الفضائح والصور والكلمات اللاخلاقية ، لان الهدف ، من جهة ، هو اغفال القوىٰ الشابة من خلال افسادها عما يحدث في البلد والمجتمع من نهب وفساد ، ولكي لا يشخصوا السبب والعامل الاساسي في ما يعانيه المجتمع من مشاكل ومآسي ، ولكي لا يفكروا بحلّ لذلك ، ومن جهة اخرىٰ ، اليست الصحافة هي مذياع للحكومة نوعاً ما ، وانها لاتتحدث إلّا بمطالبها وتوقعاتها ، اذن ففي هذه الحالة تكون المعاملة ذات طرفين ، وعلىٰ الدولة ايضاً ان تفسح لهم المجال تماماً ( إلّا في نشر الحقائق والدفاع عن المحرومين والمظلومين ) ؟!

٤١٦

اجل ، قبل اربعة عشر قرناً ، أقسم القرآن الكريم بـ « القلم » فقال :( ن ، وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) ، لكن يجب ان نعرف ان قدسية القلم تكون ما دام في خدمة المستضعفين والمحرومين والكادحين ، لا في دفاعه عن الجبابرة والمستثمرين ومصالحهم.

٤١٧

علماء الدين وتأثيرهم في المجتمع

وفي تلك اللحظة مرّ بجانب الغرفة اثنان من علماء الدين ، فنهض الشيخ لرؤيتهم وفتح باب الغرفة وسلّم عليهم ، وما ان رآه الرجلان حتىٰ ابتسما وهم يردان عليه جواب سلامه ويقولان : السيد رستگار ! ما الذي يفعله هنا ! فقال الشيخ : كنت ذاهباً الىٰ بندر شاه لشراء القطن وها انا عائد الىٰ طهران ، ومن هناك الىٰ همدان ، ثم اخذ الثلاثة يتكلمون في امور مختلفة وبعد دقائق ودّع العالمان الشيخ وذهبا ، فعاد الشيخ الىٰ الغرفة وجلس في مكانه.

الدكتور : ايّه الشيخ ! هذان الرجلان من اقربائك ؟

الشيخ : لا ، لكنهم من اصدقائي وابناء مدينتي همدان وانا احبهم كثيراً.

العقيد : بالعكس ، اني لست فقط لا احب هؤلاء المعممين ، بل لا استطع ان اعرف الىٰ الآن ما هو عملهم في المجتمع وما هي مكانتهم فيه ؟

الشيخ : سيادة العقيد ، استمح لي بمزحة معك شرط ان لا تتأثر ؟

العقيد : تفضّل ايّها العم ، واطمئن انني لن اتأثر او انزعج.

الشيخ : قولك انني لا احب المعممين ، يذكرني بقول الدكتور علي شريعتي ، في احدىٰ خطاباته : كما ذكرت سابقاً ، سنة ١٩٦٠ عقدنا جلسة في اتحاد الطلبة في فرنسا ، وكان هناك شخص بارز تعرفونه جميعكم ( وهو من اسرة مرموقة أيضاً ). كان يتكلّم ، فقال في بعض كلامه : « انا لا احب

٤١٨

الاسلام وكلما رأيت معمماً شعرت بحالة تقيء ! وهكذا كلما رأيت منبراً او مجلساً دينياً لان الدين من عوامل الاستعمار و الملالي كانوا علىٰ الدوام عملاء الاستعمار واساساً انا لا احب الدين ». وكلام آخر من هذا القبيل.

وفي تلك اللحظة نهضت وقلت : « صاحب الفخامة ! انت تتكلم مثل امرأة تتوحم بطفلها الاول ، فتدلّل علىٰ زوجها وتقول : احب الطرشي ، لا احب الحلويات احب ان آكل كذا ولو انني اتقيء من الاكل الفلاني لقد جعلت من الدين والأيديولوجية مجرد اكلة ! تحب بضها وتكره البعض الآخر فماذا تتصور الدين حتىٰ تحبه أو لا تحبه ؟ ان نفي او اثبات الدين يحتاج الىٰ دليل عقلي وعلمي لا شعور واحاسيس شخصية !(١)

والآن يا سيادة العقيد ، هل انك أيضاً تشعر بحالة من ( الوحم ) بالنسبة للمعممين ؟!

ـ هناك ضحك الجميع بصوت عالي.

العقيد : كانت مزحة لطيفة ، لكني اطمئنك انني لا اعيش حالة ( الوهم ) بالنسبة للمعممين ، لكني اود ـ حقيقة ـ ان احصل علىٰ معلومات عنهم وان اعرف لماذا تسمىٰ هذه الفئة بالروحانيين ؟

الشيخ : فلسفة ظهور فئة معيّنة في المجتمع الاسلامي بأسم « العلماء » او الروحانيون فواضحة من بعديها الاسلامي والاجتماعي. لكنه يمكن الحصول

________________

(١) كتاب « القاسطين والمارقين والناكثين » : ٢٤١.

٤١٩

علىٰ هذه الحقائق من منظار الاسلام ، ومنها :

أ ـ مايعبّر عنه القرآن الكريم بـ :

( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١) ، ففي هذه الآية يأمر الله عزّ وجلّ أن تقوم فئة من كل قوم بتعلم المسائل الدينية والنفقة فيها ، وطبيعي ان يشكل هؤلاء فئة معيّنة في المجتمع تمتاز عن الباقين بوعيها وتخصصها في المسائل الاسلامية.

وفي موضع آخر ، يقول القرآن :

( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٢) .

ويقول أيضاً :

( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٣) . وفي هذه الآية أيضاً يتحدّث القرآن عن فئة معيّنة وهم « اهل الذكر » الذين يجب رجوع الآخرين اليهم :

ب ـ هناك العديد من الآيات القرآنية. تحدثت في مناسبات مختلفة عن « العلماء » ، واعتبرتهم فئة خاصة تقع عليها مسؤوليات مهمة وحساسة في

________________

(١) سورة التوبة : ١٢٢.

(٢) سورة آل عمران : ١٠٤.

(٣) سورة النحل : ٤٣.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466