رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 240581 / تحميل: 8299
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

يا سماعة بن مهران، إنه من أساء منكم إساءة مشينا الى الله تعالى يوم القيامة بأقدامنا فنشفع فيه فنخلصه، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، والله لا يدخل النار منكم خمسة رجال، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدرجات، وأكمدوا أعداءكم بالورع. انتهى.

ولا بد أن يكون مقصود الإمام الباقرعليه‌السلام محبي أهل البيت المؤمنين المقبولين عند الله تعالى.

وفي تأويل الآيات: ٢/١٥٥:

وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس الله روحه عن رجاله، عن زيد بن يونس الشحام، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : الرجل من مواليكم عاقٌ يشرب الخمر، ويرتكب الموبق من الذنب نتبرأ منه؟

فقال: تبرؤوا من فعله، ولا تتبرؤوا من خيره، وابغضوا عمله.

فقلت: يتسع لنا أن نقول: فاسقٌ فاجر؟

فقال: لا، الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا ولأوليائنا، أبى الله أن يكون ولينا فاسقاً فاجراً وإن عمل ما عمل، ولكنكم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس، خبيث الفعل طيب الروح والبدن.

لا والله لا يخرج ولينا من الدنيا إلا والله ورسوله ونحن عنه راضون، يحشره الله على ما فيه من الذنوب، مبيضاً وجهه، مستورة عورته، آمنة روعته، لا خوف عليه ولا حزن. وذلك أنه لا يخرج من الدنيا حتى يصفى من الذنوب، إما بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض، وأدنى ما يصنع بولينا أن يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزيناً لما رآه، فيكون ذلك كفارةً له. أو خوفاً يرد عليه من أهل دولة الباطل، أو يشدد عليه عند الموت، فيلقى الله عز وجل طاهراً من الذنوب، آمنة روعتة بمحمد وأمير المؤمنين، صلوات الله عليهما.

ثم يكون أمامه أحد الأمرين: رحمة الله الواسعة التي هي أوسع من أهل الأرض جميعاً، أو شفاعة محمد وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، إن أخطأته رحمة الله

٢٤١

أدركته شفاعة نبيه وأمير المؤمنين، فعندها تصيبه رحمة الله الواسعة، وكان أحق بها وأهلها، وله إحسانها وفضلها. انتهى.ورواه في أصل زيد الزراد/٥١

ولا بد أن يكون المقصود بوليهم المؤمن المقبول عند الله تعالى.

وفي بحار الأنوار: ٨/٣٦٢:

تذييل: اعلم أن الذي يقتضيه الجمع بين الآيات والأخبار أن الكافر المنكر لضروري من ضروريات دين الإسلام مخلدٌ في النار، لا يخفف عنه العذاب إلا المستضعف الناقص في عقله، أو الذي لم يتم عليه الحجة، ولم يقصر في الفحص والنظر، فإنه يحتمل أن يكون من المرجون لأمر الله، كما سيأتي تحقيقه في كتاب الايمان والكفر. وأما غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممن لم ينكر شيئاً من ضروريات دين الإسلام فهم فرقتان:

إحداهما، المتعصبون المعاندون منهم ممن قد تمت عليهم الحجة فهم في النار خالدون.

والأخرى، المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم، ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة، أو كان في موضع لم يأت اليه خبر الحجة، فهم المرجون لأمر الله، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، فيرجى لهم النجاة من النار.

وأما أصحاب الكبائر من الإمامية فلا خلاف بين الإمامية في أنهم لا يخلدون في النار، وأما أنهم هل يدخلون النار أم لا؟ فالأخبار مختلفة فيهم اختلافاً كثيراً.

ومقتضى الجمع بينها أنه يحتمل دخولهم النار، وأنهم غير داخلين في الأخبار التي وردت أن الشيعة والمؤمن لا يدخل النار، لأنه قد ورد في أخبار أخر أن الشيعة من شايع علياً في أعماله، وأن الايمان مركبٌ من القول والعمل.

لكن الأخبار الكثيرة دلت على أن الشفاعة تلحقهم قبل دخول النار، وفي هذا التبهيم حكم لا يخفى بعضها على أولي الأبصار.

٢٤٢

الأولى بشفاعة النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

في مستدرك الوسائل: ٨/٤٤٢:

وبهذا الاسناد: عن علي بن أبي طالب قال: قيل يا رسول الله ما أفضل حال أعطي للرجل؟

قال: الخلق الحسن، إن أدناكم مني وأوجبكم عليّ شفاعة: أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس.

ورواه في ص ٤٥٤، وفي ١١/١٧١

وفي تفسير نور الثقلين: ١/٧٧:

في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ثلاثٌ من كن فيه استكمل خصال الايمان: من صبر على الظلم وكظم غيظه، واحتسب وعفى وغفر، كان ممن يدخله الله تعالى الجنة بغير حساب، ويشفعه في مثل ربيعة ومضر.

وفي المقنعة/٢٦٧:

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجلٌ نصر ذريتي، ورجلٌ بذل ماله لذريتي عند الضيق، ورجلٌ أحب ذريتي بالقلب واللسان، ورجلٌ سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا.

**

وفي فردوس الأخبار للديلمي: ٥/ ١٠٧ ح ٧٣٢٧:

أنس بن مالك: وعدني ربي عز وجل في أهل بيتي: من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ، أن لا يعذبهم.

وفي فردوس الأخبار: ١/٥٤ ح ٢٨:

عبد الله بن عمر: أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ثم الأنصار. ثم من آمن بي واتبعني من اليمن، ثم سائر العرب والأعاجم. ومن أشفع له أولاً أفضل.

٢٤٣

وفي الطبراني الكبير: ١٢/٤٢١:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول من أشفع له يوم القيامة أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش، ثم الأنصار ثم من أمن بي واتبعني من اليمن، ثم سائر العرب، ثم الأعاجم، وأول من أشفع له أولوا الفضل.

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد: ١٠/٣٨١

وفي مجمع الزوائد: ١٠/٣٨٠:

باب في أول من يشفع لهم: عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش والأنصار، ثم آمن بي واتبعني من أهل اليمن، ثم من سائر العرب، ثم الأعاجم. وأول من أشفع له أولو الفضل. رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم.

الدعاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله باعطائه الشفاعة

في الكافي: ٣/١٨٧:

علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن رجل، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: تقول: أشهد أن لا الَه إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، اللهم صل على محمد وآل محمد، وتقبل شفاعته، وبيض وجهه، وأكثر تبعه.

وفي الصحيفة السجادية ١/٢٩١:

اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع، وأول قائل، وأنجح سائل.

اللهم صل على محمد وآل محمد سيد المرسلين وامام المتقين وأفضل العالمين وخير الناطقين، وقائد الغر المحجلين، ورسول رب العالمين.

اللهم أحسن عنا جزاءه، وعظم حباءه وأكرم مثواه وتقبل شفاعته في أمته وفي من سواهم من الأمم، واجعلنا ممن تشفعه فيه، واجعلنا برحمتك ممن يرد حوضه يوم القيامة.

٢٤٤

وفي تهذيب الأحكام: ٦/١٠٠:

وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة، ولكم المودة الواجبة والدرجات الرفيعة، والمكان المحمود والمقام المعلوم عند الله عز وجل، والجاه العظيم، والشأن الكبير والشفاعة المقبولة.

ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك انت الوهاب سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.

يا ولي الله إن بيني وبين الله عز وجل ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم، فبحق من ائتمنكم على سره، واسترعاكم أمر خلقه، وقرن طاعتكم بطاعته، لما استوهبتم ذنوبي، وكنتم شفعائي، فإني لكم مطيع.

من أطاعكم فقد أطاع الله، ومن عصاكم فقد عصى الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله.

اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب اليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك، أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم، إنك أرحم الراحمين.

الدعاء بطلب الشفاعة لوالديه وأقاربه

في الصحيفة السجادية ١/٣٤٧:

اللهم رب هذه الأمكنة الشريفة، ورب كل حرم ومشعر عظمت قدره وشرفته... واغفر لي ولوالدي ولمن ولدني من المسلمين، وارحمهما كما ربياني صغيرا، واجزهما عني خير الجزاء، وعرفهما بدعائي لهما ما يقر أعينهما، فإنهما قد سبقاني الى الغاية، وخلفتني بعدهما، فشفعني في نفسي وفيهما، وفي جميع أسلافي من المؤمنين والمؤمنات، في هذا اليوم يا أرحم الراحمين. انتهى.

٢٤٥

٢٤٦

الباب الرابع

مسائل الاستشفاع والتوسل والاستغاثة

٢٤٧

٢٤٨

الفصل الأول

مسائل حول التوسل

المسألة الأولى: مفردات التوسل

وقع خلط في مسائل هذا الباب ومعاني مفرداته، فكان لا بد من تمييزها.

وأهم المفردات المستعملة في التوسط بين الانسان وربه عز وجل، هي:

الدعاء، النداء، التوسل، التذرع، الاستشفاع، الاستعانة، الاستغاثة، السؤال به، التوجه به. ويتصل بها: التضرع، والابتهال، والتبرك..

وقد استعمل الإسلام كلمات: الشفاعة والتوسل والاستشفاع والتوجه الى الله تعالى، بعمل، أو شخص، أو سؤاله بكرامته عليه، أو حقه، أو جاهه عنده.. الخ. بنفس معناها اللغوي، وهو التوسط الى الله تعالى بعمل أو بشخص، أو طلب التوسط من ذلك الشخص الى الله تعالى.

ويتخيل بعضهم أن توسيط شخص الى شخص أو الى الله تعالى، يتضمن إشراكه في مقام المتوسط اليه، وهو خطأٌ لأن التوسيط يدل على أن للواسطة وجاهةً ما، يؤمل بها أن يقبل المتوسط اليه شفاعته.

٢٤٩

فمعنى الشراكة في الألوهية معنى آخر لا يأتي من التوسيط، بل قد يكون من عقيدة المتوسط ونيته، وقد لا يكون أصلاً.

وسوف تعرف بطلان دعوى ابن تيمية وأتباعه تحريم بعض أنواع التوسيط بحجة أنه يتضمن شركاً بالله تعالى، وأن الشرك لا يأتي من التوسيط بل من خارجه.

ويبدو أن أقوى معاني التوسيط: سؤال الله تعالى بشخص، أو بعمل.. ويأتي بعده في المرتبة: التوسل والتوجه به الى الله تعالى.

ففي روضة الواعظين للنيسابوري ص ٣٢٧، أن أبا بصير سأل الإمام الصادقعليه‌السلام : ما كان دعاء يوسف في الجب، فإنا قد اختلفنا فيه؟

قال: إن يوسف لما صار في الجب وآيس من الحياة قال: اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي اليك صوتاً، ولن تستجيب لي دعوة فإني أسألك بحق الشيخ يعقوب، فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه، فقد علمت رقته علي وشوقي اليه. قال: ثم بكى أبو عبد اللهعليه‌السلام ثم قال: وأنا أقول:

اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لى اليك صوتا ولن تستجيب دعوة، فإني أسألك بك فليس كمثلك شيء، وأتوجه اليك بمحمد نبيك نبي الرحمة، يا الله يا الله يا الله.

قال ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : قولوا هذا وأكثروا منه، كثيراً ما أقوله عند الكرب العظام. انتهى.

ونلاحظ أن الإمام الصادقعليه‌السلام أجرى تعديلاً على دعاء نبي الله يوسفعليه‌السلام ، وجعل السؤال فجعله بالله تعالى وحده، وجعل التوجه اليه بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهو يدل على أن سؤال الله تعالى بالشيء أعظم من التوجه اليه به.

فالتوجه هو أن يقدم السائل شخصاً له وجهةٌ عند المسؤول.

والسؤال به يشبه المطالبة بحق للمسؤول به على المسؤول.

والاستشفاع قريبٌ من التوجه، وهو توسيط من له حق الوساطة.

٢٥٠

ولا يبعد أن يكون التوسل أعم منها جميعاً، لأنه توسيط من له وجهة عند المسؤول، أو له حق عنده، أو له حق شفاعة ووساطة..

وقد يكون التوسل غير ناظر الى حق المسؤول به نهائياً بل ناظرٌ الى مسيس حاجة السائل المتوسل، فيكون التوسل من هذه الناحية على نحو القضية المهملة.

والذي أعتقده أن هذه التعبيرات الأربع ( التوجه بشخص أو شيء، والتوسل به، والاستشفاع به، والسؤال به ) غير مترادفة، ويتضح ذلك من استعمالات القرآن والنبي وآله لها، وهم أفصح من نطق بالضاد، وأعلم الناس بالله تعالى وأدب سؤاله. وأن ما نراه من ترادفها فهو بالنظرة الأولى.

ويحتمل في بعضها أن المعصومينعليهم‌السلام أقروا ترادفها تخفيفاً على الأمة، أو أن الراوي اشتبه في نقلها لترادفها في ذهنه.

ويؤيد ذلك أن الإمام الصادقعليه‌السلام قال ( وأنا أقول.. وفي رواية ولكني أقول ) وهو بذلك لم يخطيء يوسفعليه‌السلام بسؤاله بأبيه يعقوب، ولكنه ارتقى في أدب الدعاء فسأل الله تعالى به وحده، مشيراً بذلك الى أن حق يعقوب وحق جميع الرسل والعباد إنما هو تفضل من الله تعالى وليس ذاتياً، فالتوجه بمقام الجاه الذي أعطاهم الله أنسب.

وفي هذا الموضوع بحوثٌ مفيدة لطيفة، يحسن لمن أرادها أن يتأمل في نصوص أدعية الصحيفة السجادية، ففيها أنواع المعرفة بالله تعالى، وأدب سؤاله ودعائه، وفيها خصائص الكلمات العربية، التي ليس فيها مترادفٌ بالمعنى الدقيق!

الدعاء والنداء:

توسع العرب في مادة ( دَعَوَ ) واستعملوا مشتقاتها في معان كثيرة، مثل نداء الشخص لأي غرض حتى مجازاً، ودعائه الى طعام.. ومن ذلك الدعاء الى عبادة الله تعالى، أو غيره، كما قال تعالى ( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك )!

٢٥١

قال الخليل في العين: ٢/٢٢١:

وفلانٌ في مدعاة إذا دعي الى الطعام. وتقول دعا دعاء، وفلان داعي قوم وداعية قوم: يدعو الى بيعتهم دعوة. والجميع: دعاة. انتهى.

وقال الراغب في المفردات/١٦٩:

الدعاء كالنداء، إلا أن النداء قد يقال بيا أو أيا ونحو ذلك، من غير أن يضم اليه الاسم، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان... ودعوته إذا سألته وإذا استغثته، قال تعالى ( قالوا ادع لنا ربك ) أي سله.

وقال ( قل أرأيتم أن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل اياه تدعون ) تنبيها أنكم إذا أصابتكم شدة لم تفزعوا إلا اليه.

وادعوه خوفاً وطمعا. وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. وإذا مس الانسان ضر دعا ربه منيباً اليه. وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه.

ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك. انتهى.

وفي الفروق اللغوية لأبي هلال/٥٣٤:

الفرق بين النداء والدعاء: أن النداء هو رفع الصوت بماله معنى، والعربي يقول لصاحبه ناد معي ليكون ذلك أندى لصوتنا، أي أبعد له.

والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه، يقال دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي، ولا يقال ناديته في نفسي. انتهى.

والنتيجة:

أن النداء الذي هو أحد معاني الدعاء، يشمل النداء لأي غرض كان، ويشمل النداء الحقيقي والمجازي.. وعليه فلا يصح زعمهم أن قول القائل ( يا محمد يا علي يا فاطمة ) هو حرامٌ وشرك، لأنه دعاء لغير الله تعالى وعبادة له!

٢٥٢

فإن ذلك يتبع عقيدة المنادي ونيته، فإن كانت نيته عبادتهم والعياذ بالله، فهو شرك أو كفر! أما إذا كان غرضه التوسل بهم الى الله تعالى، كما هو عقيدة الشيعة وعامة المتوسلين المستغيثين من المسلمين، والمتبادر الى أذهان عوامهم فضلاً عن علمائهم، فهو عبادةٌ لله تعالى وتوسلٌ اليه بالنبي وآله، الذين شرع التوسل بهم، صلوات الله عليهم.

وسيأتي أن الاستعانة والاستغاثة كالتوسل والاستشفاع وبقية ألفاظ التوسيط، معنىً وحكماً.

المسألة الثانية: التوسل في الأديان السابقة

هل كان مبدأ التوسل والاستشفاع الى الله تعالى بالأعمال والأشخاص موجوداً في الدين الالَهي قبل الإسلام؟

والجواب بالايجاب، لأن قوله تعالى في آخر سورة نزلت من القرآن:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . المائدة - ٣٥

ليس دعوةً الى سنة جديدة، بل الى سنته سبحانه في الأديان السابقة.

ولذلك أبقى الوسيلة مطلقةً ولم يبينها، لأنها معهودةٌ في أذهان المتدينين بأنها التوسل الى الله تعالى بالأعمال الصالحة وبرسله وأوصيائهم، وبذلك تكون الآية إذناً للمسلمين بأن يتوسلوا اليه بأعمالهم وبنبيه وأوصيائه، كما كانت السنة في الأديان السابقة.

فإن قلت:

مادام الإسلام جاء بمبدأ الواسطة بين الله وعباده، وأمر به، فلماذا كل هذا الإنكار في القرآن والحديث على المشركين الذين اتخذوا آلهتهم ومعبوديهم وسائط بينهم وبين الله تعالى؟ وماذا يصير الفرق بينهم وبين المؤمنين؟!

٢٥٣

والجواب:

أن الفرق بين المؤمنين والمشركين في كل الأديان: أن المشركين جعلوا لله شركاء وشفعاء لم يأذن بهم، فأشركوهم معه بأنواع من التشريك الذي زعموه.

أما المؤمنون فوحدوا الله وأطاعوه، وهو الذي أمرهم باتخاذ الوسيلة اليه والتوجه اليه بهم وتقديمهم بين يدي دعائهم وأعمالهم.. فالأنبياء والأوصياء وسيلةٌ مشروعةٌ وشفعاء بإذنه.

وبذلك يكون الحد الفاصل بين الشرك والتوحيد في نوع الواسطة لا في أصلها: فالواسطة التي أذن بها الله الواحد الأحد سبحانه لا تنافي التوحيد بل تؤكده..

والواسطة التي لم يأذن بها شركٌ يخرج صاحبه عن التوحيد.

والله تعالى يستحيل أن يأذن باتخاذ وسيلة اليه ممن يزعم أن له شراكة معه! ولذا لا يدعي المتوسلون بالرسل والأوصياءعليهم‌السلام أن لهم شراكةً مع الله تعالى ولو بقدر ذرة! بل هم عبادٌ مكرمون، شاء الله تعالى أن يجعلهم وسائط لعطائه.

المسألة الثالثة: الفرق بين التوسل وأنواع الشرك

تضمنت آيات القرآن الكريم كل المفاهيم اللازمة للناس، في تحديد ما هو من الله تعالى في العبادة والاطاعة، وما هو من دون الله.

ويتضح من مجموعها أن سبب الكفر والشرك والضلال، ثلاثةُ أمور:

الأول: ادعاء الألوهية لأحد غير الله تعالى.

والثاني: ادعاء الشراكة في الألوهية أو في التصرف في الخلق لأحد مع الله تعالى.

والثالث: ادعاء حق الوسيلة والوساطة عند الله لأحد أو شيء لم يأذن به الله.

أما التوسل الى الله بمن أذن بالتوسل به، وبدون ادعاء شراكةٍ له مع الله تعالى.. فهو خارجٌ عن هذه الحالات المذمومة كلها، ولا يدخل في شيء من الكفر والشرك والضلال، بل هو إطاعة لله، لأنه اتخاذُ وسيلةٍ بأمره، وليس من دونه.

٢٥٤

فالميزان في المسألة هو: أن اتخاذ الوسيلة والشفعاء من دون الله تعالى شركٌ وكفر، واتخاذهم من عنده بإذنه وأمره، إيمانٌ وتقوى.

وشتان بين الأمرين!! فهما وإن تشابها في الظاهر لكن الفرق بينهما هو المسافة بين الكفر والضلال، والهدى والرشاد.

وبذلك تعرف وهن ما تشبث به ابن تيمية وأتباعه فحكموا على أكثر المسلمين بالكفر بسببه!! واستحلوا بذلك دماءهم وأموالهم!!

ونورد فيما يلي فهرساً لمجموع آيات الشرك وشبهه في القرآن، لتعرف منها أن التوسل الى الله بمن أذن بهم لا يدخل في شيء منها:

١ - الذين هم من دون الله:

*( هَـٰذَا خَلْقُ اللَّـهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) لقمان - ١١

*( أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) . الزمر - ٣٦

٢ - الآلهة من دون الله:

قال تعالى عن الأصنام المعبودة عند قوم عاد:

*( قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّـهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ، مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّـهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) . هود ٥٣ - ٥٦

وقال تعقيباً على إهلاك حضارت عاد وثمود ومصر:

*( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) . هود - ١٠١

٢٥٥

وقال عن آلهة البابليين:

*( قَالُوا مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ، قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ، قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ، قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ، فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ، قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ، أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ، قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ) . الأنبياء ٥٩ - ٦٩

وقال عن آلهة الرومان:

*( وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَـٰهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ، هَـٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا ، وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ) . الكهف ١٤ - ١٦

*( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ، اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ، وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ ، إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) . يس ٢٠ - ٢٤

وقال عن تأليه النصارى لعيسى ومريم:

*( وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) المائدة ١١٦ - ١٢٠

٢٥٦

وقال عن آلهة أمم مختلفة:

*( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ) . الفرقان - ٣

وقال عن ( الآلهة ) الذين رضوا بأن يعبدهم الناس:

*( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ، إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ، لَوْ كَانَ هَـٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) . الأنبياء ٩٧ - ٩٩

*( لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا ، وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَـٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ) . الفرقان ١٦ - ١٧

*( هَـٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ، احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، مِن دُونِ اللَّـهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ، مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ، قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ، قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ، وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ ، فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ ، فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ، فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) . الصافات ٢١ - ٣٣

وقال عن آلهة بعض مشركي العرب:

*( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) . مريم ٨١ - ٨٢

*( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ، لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ، فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) . يس ٧٤ - ٧٦

٢٥٧

وقال عن آلهة مكذبي الرسل من الأمم السابقة والعرب:

*( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) . الأنبياء - ٢٤

وقال عن قوم تاليه الملائكة والأنبياء:

*( وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) . الأنبياء - ٢٩

وقال عن قوم سبأ:

*( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ، وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ، اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) . النمل ٢٣ - ٢٦

*( وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . النمل ٤٣ - ٤٤

وقال عن آلهة الحضارات التي في الجزيرة العربية وحولها:

*( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَٰلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) . الأحقاف ٢٧ - ٢٨

وقال عن عباد الرحمن الموحدين:

*( وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) . الفرقان ٦٣ - ٦٨

٢٥٨

٣ - المعبودون من دون الله:

قال تعالى عن المعبودين من دون الله عند أمم مختلفة:

*( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّـهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ) . يونس ١٠٤ - ١٠٦

*( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) . الحج - ٧١

*( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيرًا ) . الفرقان - ٥٥

وقال عن عبادة الناس غير الملموسة للاحكام الطواغيت:

*( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) . النحل ٣٥ - ٣٦

وقال عن معبودات البابليين:

*( قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ، أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ، قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ) . الأنبياء ٦٦ - ٦٩

*( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ، قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ، أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ، قَالُوا بَلْ

٢٥٩

وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ، قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ، أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ) . الشعراء ٦٩ - ٧٧

*( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ، وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ، مِن دُونِ اللَّـهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ، فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ، قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ، تَاللَّـهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ، إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ) . الشعراء - ٩٠ - ٩٩

*( وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاتَّقُوهُ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّـهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) . العنكبوت ١٦ - ١٧

*( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ، إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ، أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّـهِ تُرِيدُونَ ، فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ، فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ، فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ، فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ، مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ ، فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ، قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ، وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) . الصافات ٨٣ - ٩٦

*( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّـهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ) . العنكبوت ٢٤ - ٢٥

*( فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ) . مريم - ٤٩

*( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

المجتمع ، مثل :

( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (١) .

ومثل هذه التعابير كثيرة في آيات القران والروايات الاسلامية ، وفي جميعها اعتبر « العلماء » فئة خاصة تقع عليها مسؤولية جسمية في المجتمع. اذن ، لا شك في وجود فئة معيّنة في الامة الاسلامية باسم « الروحانيون » او بالتعبير الاسلامي « العلماء ».

من المنظار الاسلامي

ان ظاهرة التخصص امر طبيعي في العلم ( خصوصاً في عالمنا المعاصر ) ، وهذا التخصص يرفع من مستوىٰ الاعمال ويجعلها متّقنة ودقيقة للغاية ، كما انه لا يمكن لاحد ان يتخصص في اكثر من مجالين كأقصىٰ شيء. وفلسفة هذا التقسيم والتخصيص واضحة ايضاً ، لان تطور العلوم واتّساعها يجعل من الصعب علىٰ الشخص الإلمام بجميع العلوم ، مثل : الطب والنهدسة والفيزياء والكيمياء والزراعة والخياطة والتجارة الخ.

اذن لا بدّ ان يقسم المجتمع الىٰ فئات ومجموعات مختلفة في تخصصها واعمالها ، ولهذا تجد ظهور مختلف الفئات علىٰ مدىٰ آلاف السنين

________________

(١) سورة فاطر : ٢٨.

٤٢١

من تاريخ البشرية ، مع ان هذه التقسيمات اصبحت اكثر بروزاً في عصرنا الحاضر وادقّ من الناحية العلمية ، اذن وفيما يتعلق بالدين والايديولوجية الاسلامية فنحن بحاجة الىٰ فئة متخصصة في معارفه وعلومه التي تشمل جميع مجالات الحياة ، ومن خلال هذه الفئة نستطيع توجيه وقيادة المجتمع أيديولوجياً ، وضمان المتطلبات الحياتية للأمة ، لانه وكما هو الحال مع سائر المواضيع التي يحتاجها المجتمع ، لا يستطيع كل شخص ان يجتهد بنفسه في المسائل الاسلامية ويتبحّر فيها.

اصدقائي الاعزاء !

ومع الاخذ بما قلته من ضرورة التخصص في العلوم باعتبارها ضرورة عصرية تتطلبها سعة العلوم وتعقيدات الحياة ، فان المسائل الدينية والايديولوجية ايضاً تحتاج الىٰ اشخاص مختصين بالمعارف الدينية ومتفقهين فيها وهؤلاء هم « الروحانيون » او حسب التعبير الاسلامي « العلماء » ، ولكن كيف قبلتم بوجود متخصصين في جميع الفروع ، مثل : الطب والهندسة والاقتصاد والاجتماع والقانون واعتبرتموه ضرورة لابد منها ، بينما عندما وصل الامر الىٰ المعارف والعلوم الاسلامية تساءلتم عن فلسفة ظهور هذه الفئة التي تسمىٰ بـ « العلماء » ؟

بيضاوي : الفارق بين الاسلام والمجالات التي ذكرتها مثل الطب ، هو ان الدين يخص جميع الناس.

الشيخ : ايّها السيد بيضاوي ، أليس الطب ايضاً لجميع الناس والكل

٤٢٢

بحاجة اليه ؟! وما هو وجه التمايز في ذلك بين الدين والمجالات الاخرىٰ ؟! وكون الدين لكل الناس ، لا يعني ان كل الناس يستطيعون ان يلمّوا بجميع جوانبه ويطعلوا علىٰ كل معارفه ، وبحيث يمكنهم تقديم اجوبة لكل ما يواجههم في حياتهم من تساؤلات دينية لان هذا الامر غير ممكناً. ولهذا ظهرت الحاجة الىٰ فئة خاصة في المجتمع الاسلامي متخصصة في المعارف الاسلامية تسمىٰ بـ « الروحانيين » او « العلماء ».

الاساس هو التخصص العلمي لا الملابس

ولابدّ هنا من التذكير بهذه النقطة ، وهي ان البحث عن الروحانيين يستهدف تخصصهم العلمي بعنوان فئة معيّنة في المسائل الاسلامية وننظر فيه الىٰ ملابسهم ، وهذا ما امر به القرآن من تفقه مجموعة من الاشخاص في الدين ، وما املته الضرورات الاجتماعية والعلمية ، بهذا الشكل ظهرت شريحة الروحانيون او العلماء ، اما الملابس فهي قضية عرضية وليست في القضايا الاسلامية ، لكنهم حساسون من ملابس العلماء ، لانه وكما يعبر عن ذلك الدكتور شريعتي ، هذه الحساسية تشبه الحالات النفسية التي تعاني منها المرأة الحامل.

أي انه نوع من الشعور الفردي ، لا علاقة لنا به.

٤٢٣

ملابس الروحانيين

اصدقائي الاعزاء !

اساس بحثنا حول العلماء ، هو التخصّص العلمي الذي يمتلكوه في المسائل الاسلامية وليست الملابس ولكن هناك حقيقة اُخرىٰ تواجهنا وهي الحساسية من نوع ملابسهم ، لانه :

اولاً ـ اذا كان الآخرون احراراً في اختيار ملابسهم وتراهم احياناً يجعلون الغرب قدوتهم في ذلك ، فلماذا نسلب هذا الحق من العلماء ، ونطالبهم بعدم لبس العمامة والجبة والعباءة ؟!

وكونهم يلبسون ما يرونه مناسباً لهم ، فقد جعلوا الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة المعصومينعليهم‌السلام اسوتهم في الملابس ، لانه وحسب الوثائق التاريخية والاسلامية ، ليس هناك شك من انهم كانوا يلبسون العمامة والعباءة والملابس الطويلة ، ومع ذلك فالعلماء احرار في اختيار نوع ملابسهم ، والنموذج الذي اختاروه هي تلك الملابس المحلية التي كان يرتدي مثلها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة المعصومونعليهم‌السلام من بعده ، وقد ذكرناها بأنها محلية لانه ليست في الاسلام ملابس خاصة.

ثانياً ـ موضع امتلاك كل مجموعة متخصصة نوع محدد من الملابس ، هي قضية مطروحة في عالمنا الحاضر ، وهذا الامر يسهّل وصول الناس لهم ، كالاطباء والممرضين الذين يرتدون لون محدد من الملابس ، لذلك يمكن لمراجعي المستشفيات التعرف عليهم ببساطة ، وهكذا بالنسبة للعلماء فزيّهم

٤٢٤

المعروف يسهل عملية رجوع الناس اليهم لمعرفة احكام الشريعة.

ثالثاً ـ وجود زيّ خاص ، وبالخصوص في عصرنا الحاضر ، يعد حائلاً امام تلبس كل مخادع ومتمايل بثياب العلماء ، ولو حذف هذا الزي ، فان عملية ادعاء كل خائن ومزيف بأنه من العلماء والروحانيين ، ولأزداد عدد المنحرفين والمزيفين بين فئة العلماء ـ مع وجود قلتهم حالياً ـ فلماذا كل هذا التحسس من زيّ العلماء ، مما ينتهي الىٰ نتائج لا تحمد عواقبها.

الروحاني الحقيقي

حسن ، الطالب الجامعي : يا عمّ ! كلامك حول العلماء منطقي تماماً ، ونحن نقبله ابتداءً ، ولكن هل انت تدافع عن جميع الروحانيين ؟! في حين ان اكثرهم يعانون من نقاط ضعف كثيرة وفي بعض الاحيان اضروا بالاسلام كثيراً.

الشيخ : أبداً ، انا لا ادافع عن العلماء بشكل مطلق ، لان هذا العمل لا يرتضيه الاسلام ولا قادته ، كما لا يقبل به العقل والمنطق السليم.

وما اقصده هنا هو بيان هذه الحقيقة وهي : ان انتقاد الروحانيين بشكل عام وكلّي بعيد عن المنطق والانصاف ، وهنا أيضاً ذكر مقولة للدكتور علي شريعتي ، حيث يقول في احدىٰ خطاباته :

« المستقلّون فكرياً ، والذين يصدرون الاحكام بعد بحث وتمحيص يعلمون جيداً الدور الذي لعبه العلماء والدين والمسجد والبازار في انتفاضات

٤٢٥

وثورات القرن الاخير ، ولابدّ ان تعلموا انه انه لا يوجد في الاسلام جهاز روحاني موحّد كما هو الحال في المسيحية ، حتىٰ يمكن الحكم عليه بشكل عام ، بل العلماء في الاسلام ، هم نخبة طبيعية من الجماهير والمجتمع ، ولكل واحد منهم شخصيته المستقلة ، لذا لا يوجد في الاسلام طبقة موحّدة ومنظّمة باسم « الروحانية » ، فالحديث عنها والحكم عليها ، لا يكون إلّا بسبب الجهل بها.

وعلىٰ الرغم من وجود اشخاص منحطّين ، وحتىٰ عملاء للسلطة بينهم ، إلّا انه ليس من المنطق مقارنتهم بتشكيلات الروحانية المسيحية الوسطىٰ »(١) .

نعم ، هناك حقيقة قائمة وهي ان العلماء تيار استمر علىٰ مدىٰ تاريخ الاسلام وسيبقىٰ مستمراً ، وان الذي يريد مهاجمته بشكل عام دون تمييز ، يكون قد انحرف وزلّ عن الطريق القويم ، كما ان المدافعين عنهم دون قيد او شرط مخطئون أيضاً ، مع ان القرآن والروايات امتدحت العلماء والروحانيين وحظوا بتفضيل من قبل الله عزّ وجلّ.

لكن تبقىٰ هذه الحقيقة في الاسلام ، وهو ان قيمة العالم ومكانته تكون في تحمله لمسؤولياته الجسمية والوفاء بعهده والتزاماته امام الله عزّ وجل ، فلو انحرف عن هذا الطريق سيكون من اسوء الناس ، كما يقول امير المؤمنين الامام عليعليه‌السلام :

« العلماء اُمناء الله علىٰ حلاله وحرامه مالم يأتوا أبواب السلاطين » .

________________

(١) « القاسطين والمارقين والناكثين » : ٢٤١.

٤٢٦

أو ما حدد الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله من وظيفة للعلماء وهي مكافحة البدع والقوانين الباطلة ، من خلال توعية الناس وارشادهم ، ثم اضاف :

« إذا ظهرت البدع فعلىٰ العالم ان يظهر علمه وإلّا فعليه لعنة الله » .

وعندما سُئِل الامام عليعليه‌السلام : مَن خير الخلق بعد ائمة الهدىٰعليهم‌السلام ؟

قال : العلماء اذا صلحوا.

قيل : فمن شرار خلق الله بعد ابليس ؟

قال : العلماء اذا فسدوا(١) .

أو كما يقول القرآن الكريم :

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (٢) .

ومع الأخذ بهذه الحقائق والعديد من النماذج الاسلامية الاُخرىٰ فيما يتعلق بموضوع بحثناً ، لا يمكن لي ولا لأي مسلم مطّلع علىٰ الاسلام واحكامه ، ان يدافع عن الروحانيين بشكل مطلق لأنّ مثل هذا العمل لم يقم به أي مدافع علىٰ الاسلام ، ولا يقبل به المنطق والعقل أيضاً.

والعلماء الشيعة علىٰ قسمين ( رغم انه لا يمكن مقارنتهم بعلماء اهل السنة ) :

________________

(١) تفسير البرهان : ١ / ١١٨.

(٢) سورة البقرة : ١٥٩.

٤٢٧

القسم الاول :

رسالي وملتزم ومسؤول ومجاهد ، يقف علىٰ الدوام بوجه الطغاة وينصر المظلومين ، وهؤلاء هم الذين نذروا حياتهم للمحرومين وفي سبيل الله ، ومن اجل ارشاد الناس الىٰ الله ، فدخلوا السجون ، وتحمّلوا التعذيب وصعوبات كثيرة ، وارتقىٰ بعضهم اعواد المشانق ونال الشهادة ، وهؤلاء هم المنادون بالحق والوارثون للانبياء ، فهم العلماء والروحانيون الذين يمتدحهم القرآن الكريم والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام في الآيات والاحاديث ، وهم الذين يقول فيهم أمير المؤمنين عليعليه‌السلام :

« وما اخذ الله علىٰ العلماء ان لا يقاروا علىٰ كظة ظالم ولا سغب مظلوم »(١) .

أجل ، هؤلاء هم العلماء والروحانيون الحقيقيون ، الذين يجدر بي وبغيري ان ندافع عنهم.

القسم الثاني :

وهم الأقلية التي نست وظيفتها ومسؤوليتها ، وباعت دينها بدنياها ، اولئك الذين نسوا مكانتهم عند الله والناس ووقفوا بجانب الجبابرة أو هيّئوا الأرضية لتعدّي الجبابرة والظلمة علىٰ حقوق الناس والقانون من خلال حيادهم ووقوفهم موقف المتفرّج على ما يحدث في المجتمع.

________________

(١) نهج البلاغة.

٤٢٨

هؤلاء لا يجدر بنا ان نسمّيهم علماء أو روحانيون ، وليست لهم أية كرامة او مكانة جليلة ، بل هم من الذين شخّصهم الحديث النبوي الشريف ، « رأوا الفتنة ولم يظهروا علمهم ، فعليهم لعنة الله ».

اغلبية أم اقلية ؟

حسن ، الطالب الجامعي : نشكرك علىٰ بيانكم الجميل والمنطقي ، ولكن ، هل لكم ان تقولوا لنا رأيكم في الاغلبية منهم ؟

الشيخ : برأيي ان الاغلبية تقريباً هي ضمن الاتجاه الصحيح او قريبة منه ، لان اكثر الروحانيون هم من طلاب الحوزة المضحّين والاتقياء ، الذين يعيشون ظروفاً معيشية صعبة ( مقارنة بالاخوة طلاب الجامعات ) ـ علىٰ الرغم من ان حقوق الفئتين « الحوزويين والجامعيين » مهدورة كباقي فئات المجتمع ـ.

واكثر الطلبة الحوزويين يفتقدون ابسط لوازم الدراسة من المدارس نفسها حتىٰ الاقسام الداخلية والامكانيات الرياضية واماكن النزهة المكتبات ، لكنهم علىٰ الرغم من ذلك جادون في دراستهم وطلبهم للعلم وبناء شخصيتهم الروحية لكي يتحملوا في المستقبل مسؤوليتهم الجسمية ( التي يشعر بها ويعيها العديد منهم ).

وما عدىٰ هذه الاغلبية ، هناك بين الروحانيين الآخرين ، خاصة الوعاظ منهم ، عدد لا بأس به ممن يأخذ علىٰ عاتقه مسؤولية تربية الناس وارشادهم فكرياً.

٤٢٩

ولكن ، بني حسن ، أنت طالب جامعي ، وعندما نقول : « وعاظ » أو « علماء رساليون » تتصور مستوىٰ معين من الفكر ، وكأن جميع الناس في هذا البلد طلاب جامعين مثلك ، في حين ان هذه التصور خاطئ ؛ لانه يجب ان لا ننسىٰ وجود نسبة كبيرة واكثرية محرومة وفقيرة في بلادنا ، وهؤلاء يحتاجون الىٰ لغة اخرىٰ في الخطاب ، غير لغة المثقفين والجامعيين ، هؤلاء بحاجة الىٰ من يخاطبهم بلسانهم ، والروحانيون يمتلكون هذه القدرة في الخطاب لانهم من ابناء هذا الشعب المحروم وقريبون منه ، ولان شعبنا متدين يسمع لحديث اهل الدين والعلماء ، لان الدين عنده متأصّل في الاعماق ، فلماذا ننسىٰ هذه الاغلبية المحرومة ونتركها فريسة للأعلام والتضليل الاستكباري الكافر.

ان نجاح اية حركة ثورية او اصلاحية هي رهن نفوذ افكارهم وعقائدها في الجماهير الحقيقية وتحريكها ، فليس هناك شك في ضرورة الاستفادة من هذه القوة الجماهير الجبابرة لخدمة الاسلام والمسلمين المحرومين ، فهل يستطيع العلماء الذين يتكلمون بلغة المثقفين والجامعيين القيام بهذه المهمة ؟! وهل تستطيع تلك الجماهير المسلمة القروية فهم ما يقوله اولئك العلماء الذين يتحدثون بلغة النخبة ؟ طبعاً لا ، اذن ، ومن اجل توعية تلك الجماهير التي جعلتها سياسات المستعمر متخلّفة فكرياً ، لابدّ م الاستفادة من روحانيين يتكلمون لغة بسيطة وليسوا من الطراز الأول ، وهؤلاء الروحانيون هم الذين يمدون جسور العلاقة مع تلك الجماهير المليونية وتوجههم نحو مسيرة الكلمال.

أجل يا بني العزيز حسن ، لا تنسىٰ ان شعبنا ليس جميعه طلاب

٤٣٠

جامعات ، كما ان العلماء الذين يستطيعون مخاطبتهم بلغتهم ليسوا اولئك العلماء الذين يؤمنون في التكامل مع الجامعيين ومتطلباتهم الايديولوجية.

وعلىٰ هذا الاساس فإن عدداً قليلاً من الروحانيين ، لا يؤمنون بأي عمل ، أو انهم يقومون بدور سلبي ، مخالف لما اوجبته عليهم الرسالة ، وهؤلاء الاقلية كما يعبّر عنهم الامام العسكريعليه‌السلام : « هم اضرّ علىٰ ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد عليه اللعنة والعذاب علىٰ الحسين بن عليعليه‌السلام واصحابه »(١) .

دور العلماء في حركة الانسان التكاملية

بيضاوي : ايّها الشيخ ، مع اننا فهمنا من خلال كلامكم دور العلماء والمسؤولية الملقاة علىٰ عاتقهم ، لكنني اود ان اتعرّف علىٰ الخدمات التي قدموها والالتزامات التي انجزوها.

الشيخ : ان دور العلماء الحقيقيين يمكن تلخيصه بأن طريقهم طريق الانبياء ومسؤولياتهم تجاه الناس هي من نفس نوع مسؤولية الانبياء ، اي ان مسؤوليتهم هي ارشاد وقيادة المجتمع نحو الله والتكامل وتعبئة الناس للتطور وتطبيق النظام التوحيدي الذي تضمن فيه العدالة والمساواة والنمو الفكري والعلمي والثقافي ، والاستفادة العادلة من جميع الامكانيات والقدرات الالهية والمصادر الطبيعية لجميع البشر.

بعبارة اخرىٰ تحريك الجتمع لتكامل شامل ، مادي ومعنوي وعلمي

________________

(١) تفسير البرهان : ١ / ١١٨.

٤٣١

وانساني ، ولانه من الطبيعي ان يصطدموا في هذا المسير مع قوىٰ مستبدة وموانع ، كان من الضروري ان يعبئوا جميع الامكانيات والطاقات لازالة هذه الموانع الشيطانية والاستمرار في المسيرة ، وبهذا الشكل تكون مسؤولية العلماء الاساسية هي توعية الناس وترشيدهم لاقامة نظام الهي وحكومة اسلامية تضمن للجميع امكانيات التعالي والرقي من خلال القسط والعدل الاسلامي ، وكذلك محاربة الحكومات المستبدة والطاغوتية من اجل اجتثاثها وارساء اسس نظام اسلامي عادل علىٰ انقاضها.

حسن ، الطالب الجامعي : هذه المسؤولية التي رأيتموها للعلماء ، هي من اسمىٰ الاعمال التي يقوم بها العالم ويسعىٰ اليها ، ولكن هل هناك من العلماء من قام بخطوات حقيقية في هذا الطريق ؟

الشيخ : تاريخ العلماء علىٰ مدىٰ قرون يثبت ذلك.

اصدقائي الاعزاء !

الكلام عن العلماء الحقيقيين والدور الذي قاموا به ، يدعونا الىٰ العودة للتاريخ ، ومن هناك يمكننا فهم قيمة التضحيات التي قدموها في سبيل الاهداف الكبرىٰ والانسانية وفي سبيل مسيرة التكامل التي حدد معالمها الانبياء ، لان تاريخ كفاح ومقارعة « علماء الشيعة » للجبابرة في عصرهم ومن اجل اقامة الحكم الاسلامي يعود الىٰ ما بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة ، ولان أباذر والمقداد وسلمان وعمار ومن تلاهم من امثال حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وسعيد بن جبير من شهداء الاسلام الاوائل ، جميعهم من علماء

٤٣٢

الاسلام ، ولم يكونوا مسلمين عاديين.

أجل ان تاريخ علماء الشيعة الحقيقيين ، هو طريق يمرّ بين النار والدماء ومستمر هكذا الىٰ الآن ، ولو اردنا حساب عدد شهداء الاسلام من العلماء الشيعة ( دون الذين سقطوا في فترة حياة الائمةعليهم‌السلام ) لتجاوز عددهم المئات ، وفي ذلك يمكنكم الرجوع الىٰ كتاب « شهداء الفضيلة » للعلامة الامينيرحمه‌الله ، الذي ذكر فيه بالتفصيل شهداء علماء الشيعة علىٰ مدىٰ التاريخ ، مع انه اختار فقط كبار العلماء الذين كانوا يجارون علماء عصره ، ولو اضفنا الىٰ ذلك سائر طلاب العلوم الدينية والفضلاء الذين سقطوا شهداء في مواجهات مع قوىٰ البغي ، لأرتفع العدد كثيراً جداً.

الحفاظ علىٰ مصادر الثقافة الاسلامية

ان اهم ما قام به علماء الشيعة علىٰ مدىٰ تاريخهم هو حفظهم وصيانتهم بأحسن وجه لتراث الشيعة الثقافي والمصادر الاولية للأيديولوجية الاسلامية ، وقد استطاع علماء الشيعة جمع مصادر التشريع الاسلامية الاساسية ( باستثناء القرآن ) والحفاظ عليها ، ويُعد نهج البلاغة واحداً منها. وبتأمّل بسيط لأمكانيات ذلك العصر والوسائل المتاحة في السفر والتنقل بالاضافة الىٰ الضغوطات التي كان يواجهها علماء الشيعة من اخوانهم السنّة وحكوماتهم ، لعرفنا قيمة ما انجزه علماء الشيعة الكبار الاوائل ، والجهد الذي بذلوه لحفظ التراث الاسلامي الصحيح ، من خلال جمع وتأليف اهم الكتب الحديثية والفقهية والتفسيرية والعقائدية مثل : اصول الكافي ، وفروع الكافي

٤٣٣

ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار ، ومئات الكتب الاُخرىٰ ، وأن الفضل الذي جعلنا اليوم نمتلك العديد من الكتب التي تتناول مختلف المسائل الاسلامية يعود الىٰ تلك المصادر الأوّلية التي جمعها وكتبها وحفظها اولئك العلماء الافاضل ، الذين بذلوا جهوداً جبارة في تأليفها وتحمّلوا صعوبات جمّة في حفظها الآن.

أليس من غير الانصاف ، ان نتساءل ونحن نرىٰ ما تركوه لنا من تراث : ما الذي فعله العلماء لنشر ثقافة الاسلام الاصلية ؟! في حين انه لا يعلم ان كل ما يكتب اليوم وينتشر ما هو إلّا اقتباس واستنباط من تلك المصادر الأولية التي جمعها وألفها وحفظها علماء الاسلام اولئك.

فأحدىٰ الاساطير تقول ان سمكة كانت تسبح وسط الماء وهي تقول : « من قال ان السمكة لا تستطيع ان تعيش خارج الماء » ؟ أو مثل الشخص الذي يقوم بطبخ مواد أوّلية جمعها آخرون بعناء من اماكن بعيدة ونائية وبعد ان يشعر بنشوة اللذة ينسىٰ اولئك الذين هيّئوا له تلك المواد ويتجاهلهم ! فالذين يقفون من العلماء مثل هذه المواقف يفقدون لصفة الانصاف والعدل ، وللأسف الشديد تلاحظ هذه الصفة حالياً بيننا ، فبعض الاشخاص ومن خلال بعض الخدمات التي يقدمونها ، يقومون بتجاهل خدمات الآخرين وانجازاتهم ، في حين ان القرآن يأمر المسلمين الجدد باحترام المسلمين الاوائل واعطاءهم حق السبق في الايمان والسعي لتحقيق الاهداف الربانية ، يقول القرآن في هذا الصدد :

( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ) (١)

________________

(١) سورة الحشر : ١٠.

٤٣٤

العلماء والحركات الثورية

من أهم الاصعدة التي يبرز فيها دور العلماء والرساليون هي الحركات الثورية في المنطقة الاسلامية ، للحد الذي يمكن القول ، انه ليست هناك ثورة في البلدان الاسلامية ، إلّا وكان للعلماء الحقيقيين فيها دور القيادة ، او ادوار حساسة ومهمة جداً ، وهذه حقيقة يمكن دركها من خلال الرجوع الىٰ تاريخ البلدان الاسلامية سواءً في آسيا او افريقياً.

ولإثبات هذه الحقيقية ، ليست هناك حاجة للرجوع الىٰ القرون الاولىٰ من التاريخ الاسلامي ، بل نستقرىء تاريخنا المعاصر وبالتحديد القرن الذي نعيش فيه ، فهناك ، فهناك شخصيات علمائية ثورية كثيرة ظهرت في هذا القرن وتولت قيادة ثورات وانتفاضات عظيمة في تاريخنا السياسي المعاصر ، مثل آية الله الميرزا الشيرازي الكبير ، قائد ثورة التنباك ، والسيد جمال الدين الاسد آبادي ( الافغاني ) وآية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي الذي اصدر فتوىٰ الجهاد ضد الانجليز في العراق ، بالاضافة الىٰ العديد من العلماء والمجتهدين الذين توجهوا بأنفسهم الىٰ ساحات القتال آنذاك حتىٰ حصلوا علىٰ استقلال العراق ، وآية الله السيد شرف الدين العاملي ، قائد الشيعة في حروب استقلال في لبنان ، والذي كان يشارك في القتال بنفسه ، حتىٰ ان احد ابناءه استشهد في احدىٰ المعارك التي كان يقودها هو ، او الميرزا كوچك خان الذي قادر ثورة الغابة في منطقة جيلان في ايران ، او العلماء الذين قادوا ثورة الدستور سنة ١٩٠٦ و الخ حتىٰ يصل الامر الىٰ شمس هذا العصر الساطعة

٤٣٥

والشخص الذي لا يمكن معرفة قيمة تحركه الثوري والاسلامي إلّا بمرور الزمان وكذلك الشخصيات الاخرىٰ التي سارت خلفه في هذه الثورة الاسلامية المباركة منذ البداية.

أجل ، لقد كانت الروحانية الحقيقية هي الركن الذي تستند اليه الجماهير المسلمة او المحرومة في مقارعتها للأنظمة الجائرة ، فكان العلماء هم المدافعون عن القانون الالهي والمسلمين علىٰ مدىٰ التاريخ الاسلامي ، ونظراً لسعة مجال البحث وعدم امكانية سرد مختصر لكل الثورات والانتفاضات التي قادها العلماء ، لذلك سنكتفي بملخص لقصة التنباك.

فتوىٰ تحريم التنباك

قامت حكومة الملك ناصر الدين شاه القاجاري ، الظالمة والمستبدة في سنة ١٨٩٠ بأعطاء امتياز احتكار في بيع وشراء التنباك لشركة بريطانية بأسم جي. اف طالبوت(١) ، وهذا العقد الذي وقع في ٩ آيار من نفس السنة في السفارة البريطانية بطهران ، كان في الحقيقة وثيقة لتسلط الاجانب علىٰ الشعب الايراني اقتصادياً وسياسياً ، وبواسطة هذه الوثيقة كانت بريطانيا تستطيع بسط سيطرتها علىٰ جميع الاراضي الزراعية ، وبالاضافة الىٰ عشرات المفاسد السياسية والاقتصادية والثقافية ، وكان بامكانها اجراء سياسة المحصول الواحد بالتدريج ، وبهذه الطريقة يتهيء الوضع لسلطة المستعمر علىٰ البلاد بشكل عام.

________________

(١) G. F.Talbot

٤٣٦

وفي تلك الظروف الحساسة ، قام المرجع آية الله الشيرازي الكبير ، باصدار فتواه التاريخية ، بعد ان أحسّ بالخطر المحدق وادرك مسؤوليته الجسمية في درء الخطر ، فحرّم استعمال التنباك ، لقد استطاع الشيرازي الكبير ان يقلب المعادلة سطر واحد ، فلم يعد استعمال التنباك محضوراً في المدن الايرانية جميعها ، بل وصل الامر الىٰ بيت الملك نفسه الىٰ نسائه وخدمه ، وكانوا يقولون له بصراحة ان استعمال التنباك حرام.

لقد كانت الحركة التي قام بها المرجع الشيرازي مباغتة للملك ناصر الدين شاه ، واسياده البريطانيين إلى الحدّ الذي اذهلتهم ، فحاولوا بشتىٰ الطرق مواجهتها ، فتارة بالتطميع وتارة بالتهديد ، ولقد طلب الشاه مراراً من المرحوم آية الله الاشتياني قائد الحركة في طهران ان يستعمل ( النارجيلة ) لكي ينقض عملياً فتوىٰ المرجع الشيرازي ، لكنه لم يستسلم امام تهديد وتطميع الشاه ! وقال : « لن استعمل التنباك إلّا ان يفتي الميرزا الشيرازي بذلك » ، فاظطر ناصر الدين شاه في النهاية الىٰ الغاء ذلك العقد ، وعاد للناس مرّة ثانية الحق في زرع وبيع وشراء التنباك ، وقد دفعت الدولة مبلغ نصف ميلون جنيه استرليني من اموال الشعب المسكين ، كغرامة مالية لشركة طالبوت(١) .

وحول فتوىٰ تحريم التنباك ، يقول احد الكتاب المشهورين :

في القرن التاسع عشر ، كانت البلاد الاسلامية تعيش حالة ثورة عامة وغير منظمة ضد الاستعمار والتسلط الغربي ، وكانت هذه الثورات جماهيرية وبقيادة العلماء المسلمين ، ففي ايران قامت ثورة التنباك التي لا زلنا لا نعرف

________________

(١) ثورة ايران ، تأليف ادوارد براون.

٤٣٧

قيمتها الحقيقية ! لقد بدأت هذه الثورة بفتوىٰ قصيرة من الميرزا حسن الشيرازي ، وكان اصدار تلك الفتوى بتأثير رسالة السيد جمال الدين التي بعث بها الىٰ المرجع الشيرازي وحذره فيها من ان القضية ليست مجرد تنباك ، فهؤلاء اي البريطانيين ـ لا يريدون تنباكنا فقط ، بل يريدون عزتنا واستقلالنا ووجودنا واصالتنا ! لقد شيّدوا في طهران بناية للشركة ، انظروا اليها ! فلماذا هذا الحصار الكبير والحيطان التي يبلغ ارتفاعها عدة امتار ؟ فالتنباك لا يحتاج الىٰ مثل هذه القلاع ، والحقيقة ان هذه قواعد سياسية وعسكرية وليست مجرد شركات.

لقد احسّ الميرزا الشيرازي بالمسؤولية ، فأعلن فتواه انظروا كيف ان الدين والدينا لا يقبلان الفصل في الاسلام ! وانه لا يمكن اساساً التفريق بينها ، وكيف ان الاستعمار نجح في القاء تلك الاكذوبة في افواهنا ، وكيف قام بعض المثقفين بترديدها دون وعي ، يتصورون انهم يقومون بدور المثقفين الاوروبيين مقابل الكنيسة ، غافلين من هذا القياس مع الفارق.

أمّا فتوىٰ الشيرازي الكبير ، فهذا نصّها :

« من الآن استعمال التنباك بأي نحو كان في حكم محاربة امام الزمان عج » !

الامير كامران ميرزا ولي العهد ووزير الحرب ( الدفاع ) يقول لاحد غلمانه : جئني بالنارجيلة ! لكن الغلام لا يطيع ! فيطلب ذلك من زوجته ، إلّا انها هي الاخرىٰ تمتنع ! لقد حطم حرم الملك في يوم واحد جميع ادوات استعمال التنباك ، علىٰ اساس فتوىٰ المرجع الشيرازي ! ألم تكن المقاومة السلبية التي قام بها غاندي بعد ذلك بتأثير وايحاء من هذه الحركة ؟ لقد كانت حركة الميرزا الشيرازي ضد الاستعمار الاقتصادي الذي دخل ايران بواسطة

٤٣٨

شركة رجي ( شبيهة بشركة الهند الشرقية في شبه القارة الهندية ) ، حركة مقاومة سلبية ، فلم يقاتل احد ولا قام شخص بعمل ، والعمل الوحيد الذي قاموا به هو انهم لم يستعملوا التنباك واضربوا عنه ، هذه الحركة اجتثت اول نبتة استعمارية غرسوها وارادوا لها ان تتأصّل في عمق ارضنا ، وقد صرفوا الملايين لكي يسيطروا بالتدريج علىٰ اسواقنا وثرواتنا ، ورأيتم كيف ان فتوىٰ مختصرة قلبت المعادلة ووعت الناس وافهمت الاجنبني بحراجة موقفة ، وفي ذلك الوقت لم يكن شعبنا مثقفاً ؟

وبعد هذه الثورة قام غاندي بحركة المقاومة السلبية ضد المنتوجات البريطانية في الهند ، في جميع انحاء الهند ، فاستطاع شل حركة الاستعمار البريطاني ، وبذلك فقدت بريطانيا تلك المنطقة الغنية بمصادرها وهي في ذروة قوتها.

فالاستعمار يستمر بالحياة وينمو عندما يكون اهل المناطق المستعمرة مستهلكين لبضاعة ومنتوجاته ، ولو قام هؤلاء ، ولم يبقوا علىٰ بضائعهم ، لمات الاستعمار ، فالمستعمرون قاموا في البداية بتشويه حضارتنا ومن ثم صعدوا علىٰ اكتافنا(١) .

العلماء الرساليون في جميع الجبهات

ومن خلال ذلك التوضيح الذي قدمناه ، تبين ان الروحانيين الرساليين

________________

(١) « اقبال » : ٥٩.

٤٣٩

فقط ، هم الذين سجلوا حضروهم علىٰ جميع الميادين والجبهات : الايديولوجية والثقافية والاسلامية وفي مجال الهداية وفي مجال جمع وصياغة المصادر الاسلامية في التشريع وفي مجال مقارعة الظلمة والمستعمرين ، وفي حروب الاستقلال التي خاضتها اغلب البلدان الاسلامية ، وفي النهاية من اجل تطبيق النظام التوحيدي والحكومة الاسلامية في المجتمع ، ولم يكن حضورهم في هذه الميادين والجبهات عادياً بل كانوا القادة والطليعة في التحرك.

ولقد استطاع العلماء الرساليون حفظ ونشر المعتقدات الاسلامية علىٰ مدىٰ كل هذه القرون ونقل هذا التراث الفكري والعقائدي من نسل الىٰ آخر ، بحيث لا يشك اي انسان منصف بأن العلماء الرساليين هم الذين كانوا السبب في بقاء الاسلام وعلومه وثقافته بعد زمن الائمة المعصومينعليهم‌السلام وحتىٰ يومنا الحاضر ، فكانوا من جهة يحرسون الثقافة الاسلامية ويحافظون عليها ، ومن جهة اخرىٰ يردون علىٰ الافتراءات والاباطيل التي ينشرها الآخرون ضد الاسلام والتشيع ، فكتبوا في ذلك مئات الكتب واقاموا عشرات المحاججات والمناظرات ( واكثرها موجود لحد الآن ) ، وقد نُشر بعضها علىٰ يد بعض الكتاب المعاصرين فتلقفها الناس وتصوروا انها حديثة ومن ابداعات هؤلاء الناشرين !

والعجيب ان بعضهم كان يتساءل عما يفعله العلماء وما قدموه للاسلام ؟! لانهم غير مطلعين علىٰ ان ما وصل اليهم هو ببركة اقلام وجهود العلماء وليس غيرهم.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466