رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 240668 / تحميل: 8305
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

كلام مفكر والعالم حول الاسلام

الدكتور لورافاكسيا فاغليري(١) استاد جامعة نابل ، يقول :

( ما هو سبب تقدّم الاسلام وانتشاره في آسيا وافريقيا مع وجود الحرية التي تعطى لغير المسلمين في البلدان الاسلامية ومع عدم وجود اي منظمة اعلامية اسلامية حقيقية.

فاليوم لا يمكن القول ان السيف يمهد الطريق لنشر الاسلام ، بل العكس ، ففي المناطق التي كانت يوماً تحكمها دولاً اسلامية نجد اليوم دول حديثة من سائر الاديان لها منظماتها الاعلامية القوية التي تنشط بين المسلمين ، لكنها مع ذلك لم تستطع فصل الاسلام عن حياة الناس.

فما هي القوة الاعجازية الموجودة في هذا الدين ، ما هي القوة الذاتية في الاقناع الممزوجة مع هذا الدين ، واي جزء من الروح والحقيقة البشرية تتفاعل مع ذلك النداء ، وتستجيب له ).

اصدقائي !

اتعلمون سبب تقدم الاسلام في العالم وانتشاره بسرعة رغم وجود عوامل سقوط الاسلام والحدّ من نموه والذي جعل شخصاً مثل الدكتور

________________

(١) Dr. LauravaccieaVaglieri

٦١

فاغليري يعجب من ذلك !

بأعتقادي ان أهم أسباب ذلك هو كون القوانين والاحكام الاسلامية فطرية ، أي لأنّ الاسلام دين الفطرة وقوانينه جزء من ناموس العالم لذلك فكل فطرة نقية تدرك تلك القوانين ستجد في نفسها وبشكل طبيعي ميلاً نحو تلك القوانين ، وكذلك بسبب ان قوانين الاسلام المقدّسة طبيعية فهي باقية ولا تبالي بمرور الأيّام.

اعترافات السيد ويلز(١)

السيد ويلز ، كاتب بريطاني كبير ، يقول :

« الديانة الصحيحة التي وجدتها ملازمة ومجارية للحضارة هي الاسلام فقط ، وإذا اراد شخص ان يتعرّف علىٰ الاسلام ، عليه ان يقرأ القرآن ونظرياته العلمية وقوانينه وأنظمته الاجتماعية.

والقرآن كتاب ديني واجتماعي وعلمي وتهذيبي واخلاقي وتاريخي ، واكثر انظمته واحكامه تستخدم الىٰ يومنا هذا وستبقىٰ حتىٰ نهاية العالم.

وإذا سألني أحد عن حدود الاسلام ، سأجيبه : الاسلام يعني المدينة والحضارة ، فهل هناك من يستطيع القول ان الاسلام ، كان مخالفاً للمدينة والحضارة في دورة من أدوار التاريخ ، ولم يكن السباق الىٰ ذلك ، خلاصة الكلام هي ان القرآن طري وحي وجديد وجذاب في كل عصر

________________

(١) Mr. Wills

٦٢

وزمان»(١) .

أجل ، قوانين الاسلام هي القوانين السماوية الوحيدة التي توجّه وتقود الحياة الانسانية في جميع أدوار وهي دائماً جديدة وندية ، مع انه وبسبب الظلمة وشدة الجهل التي سبقت ظهوره فأن أوائل المؤمنين به اعتنقوه واستسلموا له من زاوية العقيدة والايمان ، في حين ان قيمة الاسلام العلمية بقيت مجهولة.

لكن كلّما تقدّم العلم في العالم وتنورت افكار البشرية أكثر ، ظهرت عظمة الاسلام ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر وأكثر ، للحدّ الذي لم يقتصر احترام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ ستمائة مليون مسلم في العالم فقط ، بل ان زعيم المسلمين العظيم وقائدهم ( الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعتبر أكمل انسان في تاريخ البشرية بنظر أكبر العلماء المعاصرين ، وقد اعطوه أرفع وأسمىٰ الالقاب العلمية.

________________

(١) أما السبب في طراوة القرآن دائماً وعدم الملل منه وانه كلما قرأه الانسان وجده جديداً ندّياً ، فقد روي عن الامام محمد الباقرعليه‌السلام ، انه قال : لأن القرآن لم ينزل لقوم أو زمن معين ، وانما لجميع الناس وعلىٰ مدىٰ الزمان.

٦٣

نفوذ رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله في الماضي والحاضر(١)

اصدقائي الاعزاء !

الموضوع الذي ذكرته ، اي عظمة رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله عند المسلمين وغير المسلمين ، يستحق الالتفات والدقة ، فهل فكرتم في سبب نفوذ ومحبوبية رسول الاسلام العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الناس ، خاصة المسلمين منهم ؟!

ألا يدل هذا النفوذ العميق والمتأصّل الذي يأتي من ايمان الناس المنطقي ، بحقّانية هذا الرجل العظيم ؟!

ذلك النفوذ الذي لا يقارن بقوة سلطة اخرىٰ ! في عصره ، بل وفي عالم

________________

(١) لا نهدف من هذا البحث ، الاستدلال علىٰ نبوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من خلال نفوذه ( رغم عمقه ورسوخه ) ، لكي يسيء استخدامه جماعة من اغنام الله ! الذين سمّوا عقائدهم المزيفة ، مذهباً ، في حين انهم صنيعي الاستعمار ، مع عدم وجود مثل تلك الفرصة لسوء الفائدة بالنسبة لهم ، لأن قائدهم وزعيمهم الوليد غير الشرعي للمستعمر ، وليس له ذلك النفوذ بين اتباعه علىٰ اساس من الطهارة والايمان ، لكي يستطيعوا الاستناد الىٰ هذا الموضوع ( حتىٰ لو كان خطأً ) ، فنفوذ الصنم في الجاهليةً ، والبقرة بين اتباعها في الهند ، اكبر واعمق من نفوذ ذلك الرجل بين أغنام الله في الوقت الحاضر ، وعدد اضاحي الاصنام والبقر ، اكثر بكثير من الاضاحي التي تقدم الىٰ ذلك الرجل ، أجل ، نحن وبعد ان ادركنا نبوة النبي محمد وانه مرسل من قبل السماء علىٰ اساس حكم العقل والمنطق ، نعدّ نفوذه عل اساس الايمان والعقيدة المقدّسة فقط ، مؤيداً لنبوته ، وليس كل من كان له نفوذ ، حاز علىٰ مقام النبوة !

٦٤

اليوم ايضاً هناك ملايين المسلمين في العالم مستعدون لبذل الغالي والنفيس في سبيله.

فهل سحر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه القلوب بالاموال ؟!

وهل للقوىٰ المادية دخل في هذا الامر ؟! بالتأكيد لا ؛ لأنه لا يمكن تسخير قلوب الناس بالمال إلى هذا الحدّ.

( لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) (١) .

الدكتور : لقد كانت لي ابحاث في هذا الموضوع ، ما ادهشتني هو ليس احترام وخضوع عالم اليوم امام عظمة رسول الاسلام ، بل تسخيره لقلوب أهل الجزيرة في ذلك الزمن ، لانني بحثت كثيراً حول تعصب العرب وتمسكهم بما جرىٰ عليه آباءهم ، ووصلت الىٰ هذه النتيجة ، وهي أنَّ العرب لا يقبلون ترك ما كان آباءهم بأي ثمن كان ، وان يغيروا حياتهم القبلية ، فما الذي دعاهم لأن يطيعوا ذلك الرجل الذي أعلن الحرب علىٰ آلهتهم وعارض اساليبهم الوحشية بصراحة ، ومنعهم من العمل بأهواءهم وشهواتهم وجعلهم يتركون الزنا والقمار والخمر والسرقة والاعتداء علىٰ أموال واعراض الآخرين ، تلك الأعمال التي كانت جزءاً من ممارساتهم اليومية ، فأخرجهم بذلك من التوحش الىٰ الفضيلة وكما الانسانية ، وكيف اصبح اولئك الناس المتردين اوفياء للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث لم يبخلوا بكل ما لديهم ، بل وبأرواحهم من اجل اهدافه السامية !

________________

(١) سورة الأنفال : ٦٣.

٦٥

فمثل هذا التأثير في القلوب ، لا يكون الّا بقوة روحية والهية ، واتصور ان هذا النفوذ والتأثير هو دليل واضح وبيّن علىٰ حقّانية رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان هذا الرجل الفذ ، مرسل من قبل السماء ، وانه رجل الهي.

الشيخ : من سعادتي ان اقبل رجل مطلع مثلك.

الدكتور : شكراً لهذا الاطراء.

الشيخ : اصدقائي ! الموضوع الذي تطرق له الدكتور يستحق الاهتمام ، لأنه وعلىٰ مرّ التاريخ ، كانت بعض المناطق التي تعد اليوم جزءاً من البلاد العربية مناطق عامرة كثيرة الدخل ، مثل : اليمن والشام ، وكانت معرّضة علىٰ الدوام الىٰ غزو الدول القوية المجاورة مثل الامبراطورية الفارسية والامبراطورية الرومانية ، فكانت جيوشهم تتّجه نحو تلك المناطق كالسيل العارم ، فيقتلون الرجال والشباب والاطفال ويأسرون النساء ، لكنهم لم يستطيعوا ان يوجدوا اقل تغير في برنامج ومسيرة حياتهم.

ينقل العالم الفرنسي المعروف ، الدكتور غوستاف لوبون(١) قصة تحكي تعصب العرب وصلابتهم وفضاضتهم ، يقول لوبون :

« عندما دخل ديموطريس(٢) البتراء(٣) ، قال له العرب : « أيُّها الملك ديموطريس ! لماذا تحاربنا ، فنحن نعيش في صحراء خالية من كل نعم الحياة

________________

(١) Dr. Gustave.Le.Bon

(٢) Demetrius ، اسماء ثلاثة من الملوك السلوكيين ، والسلوكيون اسم سلسلة من أمراء آسياء الغربية ، وقد حكموا اجزاءً من آسيا الصغرىٰ وايران علىٰ مدىٰ قرنين ونصف القرن بعد الاسكندر الكبير.

(٣) Petra اسم لمكان تجاري قديم في الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية.

٦٦

التي يتملكها اهل المدن والقصبات ، لقد اخترنا السكن هنا ، لاننا لا نريد أن نكون عبيداً لأحد ، فاقبل هدايانا وخذ جيشك من هنا ، واعلم ان النبط ( اسم القبيلة التي ينتسبون اليها ) سيكونون اصدقاءك ، أمّا اذا اردت الاستمرار في الحصار ، فلن يستمر طويلاً حتىٰ تنالك آلاف المشاكل والمصائب ، ولن تستطيع ابداً ان تغير ما درجنا عليه منذ صغرنا ، وحتىٰ لو أخذت منا رجالاً اسرىٰ ، فسيكونون عبيداً متمردين وعاصين ، لا يستطيعون تغيير عاداتهم واختيار اخرىٰ مكانها »(١)

أيُّها السادة !

تلاحظون في هذه القصة التاريخية ، كيف تقف قبيلة صغيرة امام رجل جبار مثل ديموطريس الذي جاء لحربهم مع آلاف الجنود المدججين بالسلاح ، وتخاطبه بقوة وصلابة وصراحة تامة : حتىٰ لو تسلطت علينا فلن تستطيع اجبارنا علىٰ تغيير ما نشأنا عليه منذ الصغر واختيار اسلوب في الحياة غيره.

والحقيقة هي ان ديموطريس لم يكن باستطاعته عمل ذلك ، لأنه كان بمعنىٰ قتل كل افراد القبيلة وكما لم يستطع الغزات الذين سبقوه ذلك.

أمّا رسول الاسلام العظيم ، فقد استطاع تسخير قلوب تلك القبائل وجعلها قاعدة لرسالته ومنطلقاً لتبليغ دعوته الىٰ العالم ، وهو وحيداً في اكثر

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

٦٧

فترات الرسالة الّا من دعم الله ونصرته ، فكانوا يستجيبون حباً له واكراماً لشخصه.

اعتراف ابو سفيان :

ينقل لنا التاريخ ، عند فتح مكة وبعد ان جاء العباس عمّ الرسول بأبي سفيان الىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، امر ان يبقىٰ ابوسفيان في خيمة العباس تلك الليلة ، حتىٰ طلع الصبح فقام بلال ، مؤذن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخذ يؤذن بصوته الجهور : الله اكبر ، الله اكبر كان صوت الاذان غريباً علىٰ مسامع أبو سفيان ، للحد الذي خاف وارتعد منه ، علىٰ الرغم من كونه زعيم مكة وقائد المشركين فيها. فسأل العباس خائفاً : ما هذا الصوت ؟!

قال له العباس : هذا صوت الاذان ، الاعلان الاسلامي العام للأجتماع من اجل الصلاة ، انهض يا ابا سفيان ! توضأ واستعد للصلاة.

أمّا ابو سفيان الذي كان حتىٰ الامس يعبد الاصنام ويعادي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويجمع القبائل لقتاله ، أبو سفيان هذا وجد نفسه محاصراً بين جيش الاسلام ، فاضطر للنهوض من فراشه والتوضأ كما علّمه العباس ، ثم خرجا من الخيمة معاً.

وفجأة شاهد ابوسفيان مشهداً غريباً ، او شك ان يفقد صوابه !

فما الذي رآه أبو سفيان ؟

لقد رأىٰ ابو سفيان عشرة آلاف مقاتل يتأهبون بنداء من رجل اسود ، هو

٦٨

بلال مؤذن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله للصلاة خلف قائدهم المحبوب ، بعد ان نهضوا من النوم وتوضأوا ، وجميعهم مشدودة اعينهم الىٰ باب الخيمة كالعشاق الذي ينتظر لقاء معشوقته ، الجميع ينتظر اشراقة شمس قائدهم العظيم من افق الخيمة ، فهم ينظرون الىٰ الخيمة وكأن ارواحهم فيها.

أبو سفيان الذي شاهد ذلك ، يقول في نفسه : عجباً ! هذا النفوذ والسطوة جميعها لرجل كان بالامس مجرد محمد الامين ! أليس هو ذلك الرجل الذي ترك وطنه ليلاً خوفاً من تعرضنا له وقرارنا بحقّه ، وهاجر من مكة الىٰ المدينة ؟! فكيف صارت له هذه السيطرة وهذه القوة ؟!

كان أبو سفيان غارقاً في افكاره ، وفجأة خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيمته وشفتاه تلهجان بذكر الله ، فنظر الىٰ اصحابه بوجه ضحوك ملئه السرور ، والمسلمون ايضاً كانوا ينظرون اليه بفرحه ، لكن في تبادل النظرات تلك ، كانت هناك اسرار كثيرة لا يفهما الغير.

وفيما كان الرسول يحمل وعاءً من الماء لتجديد وضوءه وهو خارج من الخيمة ، هنا كانت شدة تعجب وحيرة ابوسفيان ، لقد كان يرىٰ مشهداً غريباً جداً وكانت عيناه وكأنما تريدان الخروج من حدقتيهما ، كان ابو سفيان يرى مشهداً لم يره عند أيٍّ من ملوك واباطرة العالم.

رأى أبو سفيان هجوم المسلمين على الرسول وهو يتوضأ ، لكن لماذا ؟ وما الذي حصل ؟! كان المسلمون يتسابقون علىٰ قطرات الماء التي تقطر من وجه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يتوضأ ، فلم يكونوا يتركوا قطرة تصل الىٰ الارض فقط ، وانّما كان الذي يحصل منهم على قطرة من الماء الذي يتوضأ به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

٦٩

كأنما حصل على اثمن جوهرة علىٰ الارض ، ولهذا كانت حيرة ابو سفيان وشدة تعجبه.

لكن المسلمين الذين أرادوا ان يخرجوا أبا سفيان من تعجبه وحيرته ، قالوا له : لا تعجب يا أبا سفيان فهذا ماء توضأ به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو اعزَّ علينا من ارواحنا.

اجل ، فهو النبي الذي نجّاهم من الشرك والضلالة واوصلهم الىٰ السعادة الحقيقية ، فقد تحرروا من السرقة والقمار والقتل والجريمة ووأد البنات.

أمّا أبو سفيان ، فلم يستطع كتمان ما كان يجول في خاطره من افكار كانت تعذبه ، فصاح : بالله لم أرَ كاليوم كسرىٰ ولا قيصر ، ما هذه القدرة ؟ ما هذا النفوذ ؟

نعم ، أبو سفيان محق في انه لم يرَ تلك القدرة في أيٍّ من بلاط الملوك والاباطرة ، لان قدرتهم سطحية تستند الىٰ حرابهم وظلمهم وتسلطهم علىٰ اجسام الناس. لكن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله احتل مكاناً لا تستطيع اي قوة احتلاله ، المكان الذي تعجز عن فتحه الحراب.

لقد احتل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مكانة في قلوب الناس ، فهم يحبونه ، بل يعشقونه ويفتدونه بأرواحهم ، ومثل هذا النفوذ لا يتسير لأحد إلَّا بالنبوة او القوة الالهية.

وبعد ان صلَّىٰ المسلمون الصبح ، استعد جيش المسلمين للتحرك ، واتّجهوا نحو مكآة ، ومع ان اباسفيان كان زعيم المشركين وعلىٰ رأس معاندي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ مدىٰ واحد وعشرين سنة ولم يترك شيئاً لم يستعمله ضد الرسول ، من التهم والشتائم والحرب وتحريض الناس والقبائل على حرب

٧٠

المسلمين ، واجباره علىٰ الهجرة من مسقط رأسه ، وذرّ الرماد علىٰ رأسه الشريف ، ورميه بالحجارة ، لكنه اليوم ورغم ذاك الماضي السيء نجده في محاصرة قوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين سيوف اصحابه ، فلو اشار الرسول اشارة صغيرة لقطّعه المسلمون إرباً إربا ، لكن مع كل ذلك فقد اعطاه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الأمان وأمر بالمسلمين بعد ايذائه ، بل كرَّمه وقال : من دخل بيت ابو سفيان ـ في مكة ـ فهو آمن.

كان ابو سفيان مسروراً لما وجده من تسامح عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فأراد ان يركب الىٰ مكة. حتىٰ يخبر اهلها بتحرك جيش المسلمين ، إلَّا ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله امر ان يقف ابو سفيان قبل ذهابه الىٰ مكة إلىٰ جانب العباس في محلّ مشرف لكي يشاهد جيش الاسلام وقوته الخارقة.

أخذ العباس عمَّ الرسول بيد ابو سفيان واوقفه في محلَّ مشرف علىٰ الجيش ، وبدأ جنود الاسلام بالتحرك فمرّت الكتيبة الاُولىٰ وهي تنادي الله اكبر ، ثم الكتيبة الثانية وهي تكبَّر ايضاً ، وهكذا مرَّت كتائب المسلمين من امام أبو سفيان ، وكلّما مرَّت كتيبة كان أبو سفيان يتصوّر انها الاخيرة ، إلّا انه كان يشاهد متعجباً كتيبة اخرى تتقدم ، فتعب ابو سفيان من طول وقوفه وازدحام الناس ، فقال للعباس : ألم يأت ابن اخيك بعد ؟

أجابه العباس : لو جاء ابن اخي ستعرفه انت دون أن اُشير اليك.

وهم على تلك الحالة من الكلام ، جاءت كتيبة اُخرىٰ من جنود الاسلام ، فقال العباس : والآن سيأتي ابن اخي وهو يتوسط جيشه.

كان ابو سفيان ينظر وكأنما ركَّز كل قواه في عينيه ، دقق النظر فإذا بما

٧١

يقرب خمسة آلاف من ابطال وصناديد المهاجرين والانصار والشباب المتحمّس الشجاع يحيطون بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو علىٰ ناقته في وسطهم يتحرك بوقار ليس له مثيل ، كانوا يدورون حوله دوران الفراشة حول الشمعة ، كان بعضهم يمتطي خيلاً وآخرون علىٰ جمال حمراء ، سيوفهم مشهورة ودروعهم مستعدة للدفاع ، مدججون بالسلاح حتىٰ لا يرى منهم إلّا الاعين ، وكانت اجسادهم ترىٰ خضراء من كثرة السلاح الذي يحملونه.

أمّا أبو سفيان فلم يستطع الصبر ثانية ، فألتفت الىٰ العباس وقال له : ملك ابن اخيك عظيم.

فقال له العباس : الويل لك ، انها النبوة وليست الملك.

اجل ، مثل هذا النفوذ والقوة لا يوجد إلّا عند الربّانيّون والذين اخلصوا لله ، ولا يمكن مشاهدتها في بلاط وحكومات القوىٰ المادية والحكام غير الربانيين ، مهما اتسع ملكهم.

الدكتور : اؤيد ما تقوله تماماً ، لقد ضمّ العالم والتاريخ الكثير من كبار الملوك والمخترعين والفضلاء والعلماء والفلاسفة ، ومع أن بعضهم احدث ضجة سطحية لفترة قصيرة ، لكنهم اندثروا واندثرت اسماءهم معهم بعد فترة قصيرة من موتهم ، ولا تجدهم إلّا في طيّات كتب التاريخ ، لكن الانبياءعليه‌السلام والرجال الالهيون ، لم يكسبوا ودَّ الناس ويستميلوا قلوبهم في فترة حياتهم فقط ، بل يزداد محبوهم واتباعهم كلما مرّ يوم علىٰ هذا العالم القديم ، الىٰ مستوىٰ نشاهد اليوم ستمائة مليون مسلم في جميع أنحاء العالم ، يفتخرون بأنهم اتباع رجل فذّ لامثيل له في تاريخ الانسانية ، هذا الرجل الذي عاش قبل الف واربعمائة عام

٧٢

في صحراء الحجاز ، والكثير من تلك الملايين يطبقون أوامره التي فيها سعادة الدنيا والآخرة بدقة في حياتهم اليومية ، ولا توجد اي قوة تستطيع الحدّ أو الاقلال من نفوذه الروحي ، في حين ان أقوىٰ ملوك الارض ، يجب ان يحمّل نظرياته ، وأراءه علىٰ الآخرين بالقوة ، ونجد الناس يكرهونهم في حياتهم ، بل يلعنونهم ويشتمونهم حتى وهم ينفذون اوامرهم !

النفوذ المعنوي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله برأي الدكتور لوبون(١)

يقول الدكتور غوستاف لوبون ، العالم الفرنسي المعروف ، حول نفوذ الاسلام بين المسلمين :

«لا يقل الاسلام في التأثير علىٰ اتباعه عن سائر المذاهب والديانات ، والاقوام التي نزلت تلك الاحكام لأرشادهم ـ ومع وجود الاختلاف بينهم ـ إلّا انهم متمسكون بالاحكام المستوىٰ من تمسكهم بها قبل الف وثلاثمائة عام.

فصوم شهر رمضان الذي هو أصعب من صيام الأربعين يوماً عند بعض فرق النصارىٰ ، نجد المسلمين في العالم يجرونه بمنتهىٰ الدقّة ، وهكذا الصلاة في جميع البلدان التي زرتها في آسيا وافريقيا واماكن اخرىٰ من العالم ، خاصة انني رأيت اهتمامهم بأداء هذا الركن الاسلامي العظيم في وقته.

وفي احدىٰ المرات كنت مسافراً بالمركب في نهر النيل وكان معنا

________________

(١) Gustave. Le.Bon

٧٣

مجموعة من العرب ، وفيهم بعض المذنبين المقيدين بالسلاسل ، فعجبت كثيراً حيث رايت المذنبين يتعدّون علىٰ القانون المدني ولا يخافون عقاب الحكومة ، لكنهم لا يجرأون علىٰ مخالفة القانون الديني ( الشريعة ) ، فكان اذا صار وقت الصلاة اخرجوا قيودهم ووضعوها جانباً ، انشغلوا بأداء الصلاة والركوع السجود لله القهار »(١) .

كلام الدكتور لورافاكسيا فاغليري

يقول استاذ جامعة نابل في ايطاليا ، الدكتور لورافاكسيا فاغليري ، حول شدّة نفوذ رسول الاسلام بين اتباعه :

« كيف استطاع رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله تقوية نفوس اتباعه والجمع بين المثل والغيرة والتعصّب في روحياتهم ، بشكل يحتفظون فيه بتلك الروح بعد عشرة قرون من رحليهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنحو لا يرىٰ مثلها في سائر الاديان ، وقد رسخ عندهم ايمان قوي سهّل لديهم أي نوع من التضيحة ، فاحتفظوا بتلك القوة الروحية علىٰ مدىٰ اعصار وقرون تختلف كثيراً من الناحية الثقافية والعلمية مع عصر المسلمين الاوائل ( صدر الاسلام ).

الشيخ : سعادة الدكتور ، انا مسرور جداً حيث وجدتك من أهل القراءة والبحث ، الظاهر انك تمتلك معلومات حول الكتب التي كتبها علماء الغرب حول الاسلام.

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

٧٤

الدكتور : نعم ، فأنا احب المطالعة كثيراً ، خاصة مؤلفات كبار العلماء والمنصفين.

الشيخ : لقد اشار الدكتور في كلامه الىٰ موضوعين ، يجدر الالتفات إليهما بدقة :

الأول : هو ان العديد من الملوك والحكام الاقوياء ، والفاتحين جاؤا الىٰ العالم ، لكن اسماءهم اليوم محصورة في زوايا وكتب التاريخ ، وفي بعض الاحيان تكون اسماءهم ملازمة للعار والجريمة.

الثاني : انه قال : كان هناك رجال اقوياء أو علماء امناء ، لم يطعهم حتىٰ اقرب الناس اليهم في تطبيق نظرياتهم وتنفيذ أوامرهم ، الاّ ان يلجئوا الىٰ القوة معهم.

وفي تأييد كلام الدكتور ، احكي لكم قصَّتين تاريخيتين ، لكي نعرف من خلال الامعان فيهما القيمة الحقيقة لنفوذ رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله في الماضي وفي عالمنا اليوم.

الخليفة العباسي يزور سامراء

القصّة الاُولىٰ ، تعود لزيارة المستنصر بالله ، أحد خلفاء بني العباس الأقوياء الىٰ مدينة سامراء.

في أحد الايام تحرك المستنصر بالله من بغداد ، ومعه الوزراء ورجال الدولة نحو سامراء ، وبعد وصوله واتمام مراسيم التشريفات العادية ، توجه

٧٥

للقيام بمراسيم اخرىٰ ، لا يؤمن بها خلفاء بني العباس الىٰ حدّ ما ، وهي زيارة صحن الامامين العسكريينعليهما‌السلام (١) فرأىٰ صحناً مجللاً وكبيراً ، وافواج من الناس داخله اليه وخارجه منه ، في منتهىٰ الأدب والخضوع ، يزورون قبرا الامامين وعيونهم تذرف الدموع لصاحبي هذين القبرين ، وقلوبهم مفعمة بحبهما.

وبعد أن أتمَّ المستنصر مراسيم الزيارة ، ورأىٰ تلك المشاهد ، خرج من الصحن واتجه الىٰ قبور آبائه القريبة من الصحن الطاهر ، لكي يقرأ الفاتحة عليها !!! دخل المكان فوجد بناء القبر شبيه بالخربة ، وقبورها بمستوىٰ سطح الارض ، والغبار يعلوها ، فيما تكدّست عليها فضلات الطيور ولا أحد يأتي لقراءة الفاتحة ، فأخذ يقارن في نفسه بين حرم العسكريين وجلاله وقبور آبائه الخربة والتي تبعث الحزن في نفسه ، فالتفت إليه أحد المتملّقين من حاشيته ، وقال : يا خليفة المسلمين ، إلىٰ متىٰ تصبر علىٰ هذا العار والهوان ، هذه قبور آباءك الذين كانوا حكام البلدان الاسلامية في حياتهم ، وكانت خزائنهم مليئة

________________

(١) تجدر الاشارة الىٰ زيارة ائمة الشيعةعليهم‌السلام ، وبالاضافة الىٰ ابعادها التربوبية ، فيها أجر خاص طبقاً للروايات الواردة ، والهدف الاساس والحقيقي لزيارة قبور الائمةعليهم‌السلام ، لكي يتأمّل المسلم في الطريق الذي خطّه الامامعليه‌السلام في حياته والفضائل العلمية والانسانية التي كان يمتلكها ، ويتذكّر مواقفهم الخالدة والصريحة امام الظالمين ، فهم ائمة ويجب الاقتداء بهم.

كما ان معاني نصّ الزيارة ، جميعها دروس وعبر ( طبعاً تلك التي لها اساس حقيقي وليست موضوعة ) ، لكي يجدد الانسان الذي يقرأها ويفهم معانيها ، عهده مع الامام عليه‌السلام ويهيء نفسه للعمل بها ، لكن يجب الاعتراف بهذه الحقيقة المرّة ، وهي ان الزيارة ومثل العديد من المسائل الاسلامية ، اضحت خالية من محتواها الحقيقي ، ولم يبق منها الّا الشكل ، كما ان بعض الظلمة استفادوا من المشاهد المقدّسة وسخروها لصالحهم من اجل كسب الشرعية عند الجماهير ، في حين انهم يختلفون اساساً ومنطقاً مع روح الاسلام والامام عليه‌السلام .

٧٦

بالثروات ، واليوم قبورهم شبه خربة ، لا يزورهم الناس ، قبورهم غير مفروشة وقد غطّاها الغبار وفضلات الطيور ، وانت ابنهم وخلفهم الصالح والقوي. فيما قبور العسكريينعليهما‌السلام مجلّلة ، يحترمها الناس ، ويلجئون اليها يتوسلون بها لحلِّ مشاكلهم ، مع انهم كانوا في حياتهم اما مسجونون أو مبعدون أو مراقبون ، وكانوا علىٰ الدوام من اخطر منافسي خلافتكم. فالىٰ متىٰ تصبر يا خليفة المسلمين علىٰ ذلك ؟!

انهىٰ الوزير كلامه المتملّق وانتظر الجواب من الخليفة.

أمّا المستنصر فقد طأطأ رأسه بعد ان سمع ذلك الكلام ، وغاص في افكاره ، أمّا الحاضرون فكانوا ينظرون مرّة الىٰ الوزير واخرىٰ الىٰ الخليفة فيما يفكر كل واحد منهم بردة الفعل المترتبة علىٰ كلام الوزير.

كان الصمت ممزوجاً بالرعب في فناء القبر ، وبعد ثوان رفع المستنصر رأسه ونظر الىٰ الوزير ( المحرك الرئيسي للموضوع ) وبصوت تنتابه رجفة خفيفة من الألم ، قال له : « هذا أمر سماوي » ـ بمعنىٰ ان الاختلاف في المشهدين تقدير سماوي ـ ولا نستطيع ان نغيّر منه شيئاً ، لقد فعلنا كلما استطعنا عليه من اجل قبور آباءنا ، لكننا لا نسيطر علىٰ قلوب الناس ، فحكمنا علىٰ الابدان وليس الارواح ، لقد أرسلنا اثمن المفروشات الىٰ قبور آباءنا وجلّلناها وصرفنا عليها الكثير من الاموال ، لكي تتساوىٰ وقبور ابناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن الناس كانوا يأتون في منتصف الليل فيسرقون المفروشات والادوات من قبور آباءنا ، ولم يأت أو سيأتي احد لزيارتها ، في حين ان الناس تصرف آلاف الدراهم والدنانير علىٰ قبري العسكريين من جيوبها واتعابها ، فيشترون

٧٧

المفروشات ويعلقون الستائر ، فما هو الحلّ ؟ وقلوب الناس خارجة عن متناول قوتنا وسلطتنا.

اقتراح بهمنيار على ابن سينا

اما القضية التايخية الاُخرىٰ ، التي ترتبط بالقسم الثاني من كلامه ، فهو ما حدث بين الشيخ ابن سينا واحد تلامذه المقربين ، اي بهمنيار.

وبهمنيار من تلامذة ابن سينا الملازمين له ، وكان محباً لاستاذه بشكل لا يوصف ، وكان مقام ابن سينا العلمي ونبوغه الفكري وقابلياته وقدراته الجمّة ، جعلت منه نابغة في العلم ، فكان ابن بهمنيار متحيراً في ذلك ، مما دفعه لأن يقترح علىٰ استاذه اقتراحاً خطراً.

فقال في احد الايام : استاذ ! لماذا لا تدّعي النبوة ، وتعرّف نفسك بأنّك نبي من قبل الله ؟! لأن مثل ذلك الادّعاء يليق بك ، فلو ادعيت النبوة وانكرها البعض ، وأراد ان يعارضك في ذلك ، فسيتعرّف على عظمتك العلمية في أول كلام لك معه ، وسوف يطأطأ رأسه امامك اجلالاً لمنزلتك.

استاذي انت اُسوة أهل زمانك في جميع الفضائل ، فلا تتباطأ في هذا الامر ؟!

كان بهمنيار يلحّ علىٰ ابن سينا دائماً بذلك المقترح ، لكنه لم يسمع منه جواباً علىٰ ذلك ، حتىٰ جاء الشتاء ، وفي احدىٰ الليالي الباردة جداً ، حيث الوفر والجليد غطّىٰ الارض واغصان الاشجار ، كان ابن سينا مستلقياً في غرفة

٧٨

دافئة يستريح ، فيما ابن بهمنيار يغطُّ في نوم عميق في مكان آخر من الغرفة ، كانت الساعة تشير الىٰ نهاية الليل ، نهض ابن سينا من نومه عطشان جداً ، لكنه لم يجد ماءً بالقرب منه في الغرفة ، فوضع ابن سينا يده علىٰ كتف بهمنيار وقال له بصيغة الأمر الممزوج بالمحبة : بهمنيار ! بهمنيار ! ففتح بهمنيار عينيه ، ووجد يد استاذه علىٰ كتفه ، فسلم علىٰ ابن سينا ، ورد استاذهعليه‌السلام ، ثم قال : العطش اضناني ووعاء الماء خارج الغرفة ، انهض وأئتني به.

فنظر بهمنيار الىٰ خارج الغرفة بعينين نصف مفتوحين ، ورأىٰ البخار المنجمد علىٰ زجاج باب الغرفة ، فتذكّر شدّة البرد في الخارج ، وان عليه ان ينهض من فراشه الدافيء ويرتدي ملابسه لكي يأتي بالماء الىٰ استاذه ؟!

كانت هذه الأفكار تزعجه فقرر في الفور أن لا يؤدي ذلك العمل ، لكنّه ماذا عساه أن يجيب ابن سينا ؟ لم يكن باستطاعه أن يصرّح بعدم الاستجابة ، لأن ابن سينا استاذه ونابغة العصر ومعلمه وملك الاطباء ، فأضطر أن يدخل الموضوع من باب آخر ، فقال : استاذ ! الطقس بارد خارج الغرفة ، والماء ايضاً بارد جداً ، في حين ان صدرك حار ، فلو شربت الماء البارد بهذا الشكل ، ستتعرض الىٰ الخطر بالتأكيد.

قال ابن سينا : أنا اُستاذك في الطب ، وآمرك ان تأتي بالماء.

وللمرّة الثانية كرر بهمنيار كلامه ولكن بلحن عذب وجميل ، لكنه رأىٰ استاذه مصرّاً على الاتيان بالماء.

وفي النهاية قرر ان يتكلم بصراحة ، فقال : انا لا استطيع تحمل برد

٧٩

الخارج من أجل ان أتي لك بالماء ، وفيما كانوا يتكلمون في الأمر ، إذا بصوت جميل ينبض بالدفٴ يصل من الخارج :

الهي لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلىٰ

تباركت تعطي من تشاءُ وتمنعُ

     

فمن أين كان هذا الصوت ؟ كان الصوت يأتي من مأذنه المسجد ، وكان هناك مسلماً منشغلاً في ذلك الطقس البارد بمناجاة الذات الالهية المقدّسة ، وبعد فترة من المناجاة طلع الصبح ، وارتفع صوت المسلم نفسه بالاذان : الله اكبر الله اكبر

مرّ ذلك الحادث ، وفي اليوم التالي كان بهمنيار يتأهب للدرس عند استاذه ، فألتفت ابن سينا الىٰ بهمنيار وقال : اقترحت علي مرات عديدة ان ادّعي النبوة ، فهل علمت سبب عدم قبولي بأقتراحك ؟

قال بهمنيار : لا.

فقال له ابن سينا : بهمنيار ! مع انك أنت الذي اقترحت ذلك ، وكنت تصرّ كثيراً علىٰ ذلك ، وأنا معك منذ فترة واستاذك ، مع ذلك لم تكن سلطتي نافذة فيك بحيث تنهض في الليلة الماضية وتأتي لي بالماء من خارج الغرفة ، لكن في تلك الساعة وفي ذلك الطقس البارد الذي وكأنه شلَّ قوة جميع الكائنات ، ينهض رجل مسلم من فراشه الدافىء ويصعد علىٰ ذلك المكان المرتفع ( المأذنة ) الذي تعصف به الرياح الباردة من كل حدب وصوب لكي يقوم بعمل مستحب ( ليس واجباً ) أمر به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل اربعمائة سنة ، دون ان ينظر الىٰ برودة الجو وبدون شعور بالألم لسبب البرد ، لكن نفوذ ذلك الانسان الرباني في اتباعه

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وببنتِ المصطفى مَن

أشبهت فضلا أباها

وبحب الحسن البا

لغِ في العليا مداها

والحسين المرتضى يو

م المساعي إذ حواها

ليس فيهم غير نجمٍ

قد تعالى وتناهى

عترة أصبحت الدّنـ

ـيا جميعا في ذراها

لا تُغرّوا حين صارت

باغتصاب لعداها

أيها الحاسد تعسا

لك إذ رمت قلاها

هل سناً مثل سناها

هل عُلا مثل علاها

أو ليست صفوة اللّـ

ـه على الخلق اصطفاها

وبراها إذ براها

وعلى النجم ثراها

شجرات العلم طوبى

للذي نال جناها

أيها الناصب سمعا

أخذ القوس فتاها

استمع غرّ معال

في قريضي مجتلاها

مَن كمولاي عليٍ

في الوغى يحمي لظاها

وخُصى الأبطال قد لا

صقن للخوف كلاها

مَن يصيد الصيد فيها

بالظبي حين انتضاها

انتضاها ثم أمضا

ها عليهم فارتضاها

من له في كل يوم

وقفات لا تضاهى

كم وكم حرب عقام

قد بالصمصام فاها

يا عذوليّ عليه

رمتما مني سفاها

اذكرا أفعال بدر

لست أبغي ما سواها

اذكرا غزوة أحد

انه شمس ضحاها

[ اذكرا حرب حنينٍ

انه بدر دجاها ]

اذكرا الأحزاب تعلم

انه ليث شراها

اذكرا مهجة عمرو

كيف أفناها تجاها

١٤١

اذكرا أمر براة (1)

واصدقاني من تلاها

اذكرا من زوج الزهـ

ـراء كيما يتباهى

اذكرا لي بكرة الطيـ

ـر فقد طار سناها

اذكرا لي قلل العلـ

ـم ومن حل ذراها

كم امور ذكراها

وأمور نسياها

حاله حالة هارو

ن لموسى فافهماها

ذكره في كتب اللـ

ـه دراها من دراها

أمّتا موسى وعيسى

قد بلته فاسألاها

أعلى حب علي

لامني القوم سفاها

لم يلج اذ انهم شعـ

ـريَ لا صمّ صداها (2)

أهملوا قرباه جهلا

وتخطوا مقتضاها

نكثوه بعد أيما

نٍ أغاروا من قواها

لعنوه لعنات

لزمتهم بعراها

ومشوا في يوم خمٍ

لا جلا الله عشاها

طلبوا الدنيا وقد أعـ

ـرضَ عنها وجفاها

وهو لولا الدين لم يأ

سف على مَن قد نفاها

واحتمى عنها ولو قد

قام كلبُ فأدعاها

يا قسيم النار والجنـ

ـة لا تخشى اشتباها

ردّت الشمس عليه

بعد ما فات سناها

وله كأس رسول الـ

ـله من شاء سقاها

أول الناس صلاة

جعل التقوى حلاها

عرفَ التأويل لمّا

أن جهلتم ما « طحاها »

__________________

1 - براة: اي براءة. ويعني بها سورة براءة، ولعل الأصوب ( براء ).

2 - لعل المقصود: يا صم صداها.

١٤٢

ليس يحصى مأثرات

قد حماها واعتماها

غير مَن [ قد ] وطأ الأر

ض و [ من ] أحصى حصاها

ناجزته عصب البغـ

ـي بأنواع بلاها

قتلته ثم لم تقـ

ـنع بما كان شقاها

فتصدّت لبنيه

بظباها ومداها

أردت الأكبَرَ بالسم

وما كان كفاها

وانبرت تبغي حسينا

وغزته وغزاها

وهي دنياً ليس تصفو

لابن دينٍ مَشرعاها

ناوشته عطّشته

جرأةً في ملتقاها

منعته شربةً والطـ

ـير قد أروت صداها

وأفاتت نفسه يا

ليت روحي قد فداها

بنته تدعو أباها

أخته تبكي أخاها

لو رأى أحمد ما كا

ن دهاه ودهاها

ورأى زينب ولهى

ورأى شمرا سباها

لشكا الحال الى اللـ

ـه وقد كان شكاها

والى الله سيأتي

وهو أولى من جزاها

لعن الله ابن حربٍ

لعنةً تكوي الجباها

أيها الشيعة لا أعـ

ـني بقولي مَن عداها

كنت في حالِ شكاةٍ

أزعجتني بأذاها

كأس حمّاها سقتني

عن حميّاها حماها

فتشفّيت بهذا الـ

ـمدحِ في الوقت ابتداها

فوحق الله انّ الله

لم يثبت أذاها

وكفى نتفسي - لمّا

تمّ شعري - ما عراها

أحمد الله كثيرا

عزّ ذو العرش آلها

ثم ساداتي فإن الـ

ـقول يُلقى في ذراها

١٤٣

أيها الكوفيّ أنشد‌‏

هذه واحلل حُباها

وابن عبّاد أبوها

وإليه منتماها

طلب الجنة فيها

لم يرد مالاً وجاها (1)

  الصاحب بن عباد:

ما لعلي أشباه

لا والذي لا اله الا هو

مبناه مبنى النبي تعرفه

وأبناه عند التفاخر ابناه

لو طلب النجم ذات أخمصه

علاه والفرقدان نعلاه

أما عرفتم سموّ منزله

أما عرفتم عُلوّ مثواه

أما رأيتم محمدا حدبا

عليه قد حاطه وربّاه

واختصه يافعا وآثره

وأعتامه مخلصا وآخاه

زوّجه بضعة النبوة إذ

رآه خير امرئ والقاه

يا بأبي السيد الحسين وقد

جاهد في الدين يوم بلواه

يا بأبي أهله وقد قتلوا

من حوله والعيون ترعاه

يا قبّح الله أمة خذلت

سيّدها لا تريد مرضاه

يا لعن الله جيفة نجساً

يقرع من بغضه ثناياه (2)

  وقال الصاحب - كما في المناقب:

برئت من الارجاس رهط أمية

لما صح عندي من قبيح غذائهم

ولعنتهم خير الوصيين جهرة

لكفرهم المعدود في شر دائهم

وقتلهم السادات من آل هاشم

وسبيهم عن جرأة لنسائهم

وذبحهم خير الرجال أرومة

حسين العلى بالكرب في كربلائهم

__________________

1 - عن الديوان.

2 - عن اعيان الشيعة.

١٤٤

وتشتيتهم شمل النبي محمد

لما ورثوا من بغضهم في فنائهم

وما غضبت إلا لأصنامها التي

أديلت وهم أنصارها لشقائهم

أيا رب جنبني المكاره وأعف عن

ذنوبي لما أخلصته من ولائهم

أيا رب أعدائي كثير فردّهم

بغيظهم لا يظفروا بابتغائهم

أيا رب مَن كان النبي وآله

وسائله لم يخش من غلوائهم

حسين توسل لي إلى الله إنني

بليت بهم فادفع عظيم بلائهم

فكم قد دعوني رافضيا لحبكم

فلم يثنني عنكم طويل عوائهم (1)

  الصاحب بن عباد:

أبو القاسم كافي الكفاة اسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن حمد بن ادريس الديلمي الاصفهاني القزويني الطالقاني وزير مؤيد الدولة ثم فخر الدولة وأحد كتاب الدنيا الأربعة وقيل فيه والقائل أبو سعيد الرستمي.

ورث الوزارة كابراً عن كابر‌‏

موصولة الأسناد بالاسناد

يروي عن العباس عبّاد وزا

رته وإسماعيل عن عباد

  ولد لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة 326 باصطخر فارس وتوفي ليلة الجمعة 24 من صفر سنة 385 بالري هكذا أرخ مولده ابن خلكان وياقوت في معجم الأدباء وشيّع في موكب مهيب مشى فيه فخر الدولة والقواد وحمل الى اصبهان ودفن هناك.

ولي الوزارة ثماني عشرة سنة وشهرا. عده ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين وله عشرة آلاف بيت في مدح آل رسول الله وقد نقش على خاتمه.

__________________

1 - عن أعيان الشيعة ج 11 ص 465.

١٤٥

شفيع اسماعيل في الآخرة‏

محمد والعترة الطاهرة

وقال: انا وجميع مَن فوق التراب

فداء تراب نعل أبي تراب

  وجاء في روضات الجنات أن أمويا وفد على الصاحب ورفع اليه رقعة فيها:

أيا صاحب الدنيا ويا ملك الارض‌

أتاك كريم الناس في الطول والعرض

له نسب من آل حرب مؤثل

مرائره لا تستميل الى النقض

فزوّده بالجدوى ودثّره بالعطا

لتقضي حق الدين والشرف المحض

  فلما تأملها الصاحب كتب في جوابها:

أنا رجل يرمونني الناس بالرفض‌‏

فلا عاش حر بيّ يدب على الأرض

ذروني وآل المصطفى خيره الورى

فإنّ لهم حبي كما لكم بغضي

ولو أن عضوي مال عن آل أحمد

لشاهدت بعضي قد تبرأ من بعضي

  ومن شعره في الأمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أبا حسن لوكان حُبّك مدخلي‌‏

جهنم كان الفوز عندي جحيمها

وكيف يخاف النار مَن هو موقن

بأنك مولاه وأنت قسيمها

  ومن شعره:

مواهب الله عندي جاوزت أملي‌‏

وليس يبلغها قولي ولا عملي

لكنّ أشرفها عندي وأفضلها

ولايتي لأمير المؤمنين علي

  وألف الثعالبي ( يتيمة الدهر ) بأسمه لذاك تجد جل ما فيها مدحا له. كانت داره لا تخلو في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس تتناول طعام الافطار على مائدته.

١٤٦

ورثاه السيد الرضي بقصيدة لم يسمع اذن الزمان بمثلها وأولها:

أكذا المنون يقطر الابطالا

أكذا الزمان يضعضع الاجبالا

  قال ياقوت الحموي: مدح الصاحب خمسمائة شاعر من أرباب الدواوين. وقال ابن خلكان:

كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائلة ومكارمه وكرمه وكتب عنه الكتاب وألفوا فيه واخيرا كتب العلامة البحاثة الشيخ محمد حسن ياسين عنه ثم جمع ديوانه ونشر بعض رسائله فأفاد وأجاد. ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الادب من ذكر أحوال الصاحب بن عباد. ورثاه ابو سعيد الرستمى بقوله:

أبعدا بن عباد يهشّ الى السرى‌‏

أخو أمل أو يسمّاح جواد

أبى الله إلا أن يموتا بموته

فما لهما حتى المعاد معاد

  ومن شعر الصاحب في ذلك قوله:

وكم شامت بي بعد موتي جاهلا‌

يظل يسل السيف بعد وفاتي

ولو علم المسكين ماذا يناله

من الظلم بعدي مات قبل مماتي

  لم يكن للصاحب من الأولاد غير بنت، زوّجها من الشريف ابي الحسين علي بن الحسين الحسني، قال الداودي صاحب ( العمدة ): صاهر الصاحب كافي الكفاة، ابا الحسن علي بن الحسين الاطرش الرئيس بهمدان - من أهل العلم والفضل والأدب - على ابنته، ينتهي نسبه الى الحسن السبط عليه‌السلام ، وكان الصاحب يفتخر بهذه الوصلة ويباهي بها، ولما ولدت ابنة الصاحب من ابي الحسين ابنه عبادا ووصلت البشارة الى الصاحب قال:

أحمد الله لبشر‌‏

جاءنا عند العشيّ

إذ حباني الله سبطا

هو سبط للنبيّ

مرحباً ثَمت أهلا

بغلام هاشميّ

١٤٧

وقال في ذلك قصيدة أولها:

الحمد لله حمدا دائما أبدا

قد صار سبط رسول الله لي ولدا

  وكان الصاحب على تعاظمه وعلوّ مكانه سهل الجانب لأخوانه، فانه كان يقول لجلسائه: نحن بالنهار سلطان وبالليل اخوان.

وقال ابو منصور البيع: دخلت يوما على الصاحب فطاولته الحديث فلما ادرت القيام قلت: لعلي طوّلت. فقال: لا بل تطوّلت.

وقال العتبي: كتب بعض اصحاب الصاحب رقعة اليه في حاجة، فوّقع فيها ولما ردت اليهم لم يجد وافيها توقيعا. وقد تواترت الاخبار بوقوع التوقيع فيها، فعرضوها على ابي العباس الضبي فما زال يتصفحها حتى عثر بالتوقيق، وهو ألف واحدة. وكان في الرقعة: فان رأى مولانا أن ينعم بكذا. فعل. فأثبت الصاحب أمام كلمة: فعل ( الفاً ) يعني: أفعل.

وفي كتاب خاص الخاص للثعالبي تحت عنوان: فيما يقارب الاعجاز من إيجاز البلغاء، قول الصاحب بن عباد في وصف الحر: وجدتُ حراً يشبه قلب الصب ويذيب دماغ الضب وجاء في يتيمة الدهر ان الضرابين رفعوا الى الصاحب قصة في ظلامة وقد كتبوا تحتها: الضرابون. فوّقع تحتها: في حديد بارد. ودخل عليه رجل لا يعرفه، فقال له الصاحب: أبو مَن: فأنشد الرجل:

وتتفق الاسماء في اللفظ والكنى

كثيراً ولكن لا تلاقي الخلائق

  فقال له: اجلس أبا القاسم.

قال جرجي زيدان في تاريخ اداب اللغة العربية:

هو ابو القاسم اسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني كان اديبا منشئاً وعالما في اللغة وغيرها وهو اول من لقب بالصاحب من الوزراء لانه كان

١٤٨

يصحب ابن العميد فقيل له صاحب ابن العميد، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علما عليه. وقد وزّر اولاً لمؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بعد ابن العميد. فلما توفي مؤيد الدولة تولى مكانه اخوه فخر الدولة فاقرّ الصاحب على وزارته وكان مبجلا عنده نافذ الأمر وكان مجلسه محط الشعراء والأدباء يمدحونه أو يتنافسون أو يتقاضون بين يديه.

وذاعت شهرته في ذلك العصر حتى اصبح موضوع إعجاب القوم يتسابقون الى اطرائه ونظمت القصائد في مدحه:

وله من التصانيف: المحيط باللغة سبع مجلدات رتبه على حروف المعجم والكافي بالرسائل وجمهرة الجمرة وكتاب الاعياد، وكتاب الامامة، وكتاب الوزراء وكتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي، وكتاب الأسماء الحسنى وكان ذا مكتبة لا نظير لها.

وقال ابن خلكان:

ابو القاسم اسماعيل بن ابي الحسن عباد، بن العباس، بن عباد بن أحمد ابن ادريس الطالقاني:

كان نادرة الدهر واعجوبة العصر في فضائله، ومكارمه وكرمه، اخذ الأدب عن ابي الحسين، احمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب المجمل في اللغة، واخذ عن ابي الفضل بن العميد وغيرهما، وقال ابو منصور الثعالبي في كتابه اليتيمة في حقه: ليست تحضرني عباة ارضاها للافصاح عن علوّ محله في العلم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم وتفرّده بالغايات في المحاسن وجمعه اشتات المفاخر لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه، وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه، ثم شرع في شرح بعض محاسنه وطرف من احواله:

وقال ابو بكر الخوارزمي في حقه: الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها.

١٤٩

ودبّ ودرج من وكرها، ورضع أفاويق درّها وورثها عن آبائه وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب أبا الفضل ابن العميد، فقيل له: صاحب ابن العميد، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة، وبقي علماً عليه.

ومن شعره في رقة الخمر:

رقّ الزجاج وراقت الخمر‌‏

فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنما خمرٌ ولا قدح

وكأنما قدح ولا خمر

  وله يرثي كثير بن أحمد الوزير، وكنيته ابو علي:

يقولون لي أودى كثير بن أحمد‌‏

وذلك رزء في الأنام جليل

فقلت دعوني والعُلا نبكه معاً

فمثل كثير في الرجال قليل

  وقوله:

وقائلة لِم عرتك الهموم‌‏

وأمرك ممتثل في الأمم

فقلت دعيني على حيرتي

فإن الهموم بقدر الهمم

  والصاحب مجيد في شعره كما هو بارع في نثره، وقلّما يكون الكاتب جيد الشعر ولكن الصاحب جمع بينهما. ومن قوله في منجم

خوّفني منجم أخو خبل‌

تراجع المريخ في برج الحمل

فقلت دعني من أباطيل الحيل

فالمشتري عندي سواء وزحل

ودفع عني كل آفات الدول

بخالقي ورازقي عز وجل

  وذكر صاحب البغية أنه كان في الصغر إذا أراد المضي الى المسجد ليقرأ تعطيه والدته دينارا في كل يوم ودرهما وتقول له: تصدّق بهذا على أول فقير تلقاه، فكان هذا دأبه في شبابه الى أن كبر وصار يقول للفرّاش كل ليلة:

١٥٠

اطرح تحت المطرح ديناراً ودرهماً، لئلا ينساه، فبقي على هذا مدة. ثم أن الفرّاش نسي ليلة من الليالي ان يطرح له الدرهم والدينار. فانتبه وصلى وقلب المطرح ليأخذ الدرهم والدينار ففقدهما فتطيّر من ذلك، فقال للفراشين: خذوا كل ما هنا من الفراش وأعطوه لأول فقير تلقونه، فخرجوا وإذا بهاشمي أعمى تقوده زوجته، فقالوا هلمّ لتأخذ مطرح ديباج ومخاد ديباج، فأغمي عليه. فأعلموا الصاحب بأمره، فأحضره ورشّ عليه الماء، فلما أفاق سأله عن أمره، فقال: سلوا هذه المرأة إن لم تصدقوني، فقالوا له: اشرح فقال: انا رجل شريف لي ابنة من هذه المرأة خطبها رجل فزوجناه، ولي سنتين آخذ ما يفضل عن قوتنا واشتري جهازا لها فقالت أمها: اشتهيت لها مطرح ديباج، فقلت لها: من أين لي ذلك. وجرى بيني وبينها نزاع حتى خرجت على وجهي. فلما قال لي هؤلاء هذا الكلام حقّ لي أن يغمى عليّ. فقال الصاحب لا يكون الديباج إلا مع ما يليق به، ثم اشترى له جهازا ثمينا واحضر الزوج ودفع له بضاعة سنية ليعمل ويربح.

١٥١

محمد بن هاشم الخالدي

أظلم في كربلاء يومهم

ثم تجلى وهم ذبائحه

لا برح الغيث كل شارقة

تخمي غواديه أو روائحه

على ثرى حلّه غريب رسول

الله مجروحة جوارحه

ذلّ حماه وقلّ ناصره

ونال أقصى مناه كاشحه

يا شيع الغي والضلال ومَن

كلّهم جمة فضائحه

عفرتم بالثرى جبين فتى

جبريل بعد الرسول ماسحه

يُطّل ما بينكم دم ابن رسول

الله وابن السفاح سافحه

سيان عند الإله كلّكم

خاذله منكم وذابحه (1)

__________________

1 - رواها السيد الامين في الاعيان عن يتيمة الدهر للثعالبي ص 170 أقول وقد تقدمت هذه الأبيات في ترجمة كشاجم من جملة قصيدة، والشاعران في عصر واحد. وربما نظم أحدهما قطعة وجاراه الآخر فنظم على القافية فكانتا قصيدة واحدة.

١٥٢

أبو بكر محمد بن هاشم بن وعلة الخالدي الكبير أحد الخالديين والآخر اخوه ابو عثمان سعيد.

توفي حدود 386 في حلب.

والخالدي نسبة الى الخالدية من قرى الموصل، له ديوان المراثي وشارك أخاه الخالدي الصغير أبا عثمان سعيد في ديوانه وقيل انه شاركه في كتاب الحماسة.

ومدح الخالديان الشريف أبا الحسن محمد بن عمر العلوي الزبيدي فابطأت عنهما جائزته فأرسلا اليه قصيدة - وكان قد أراد السفر:

قل للشريف المستجار به

اذا عدم المطر

وابن الأئمة من قريش

والميامين الغرر

أقسمت بالرحمن و

النعم المضاعف والوتر

لئن الشريف مضى ولم

ينعم لعبديه النظر

لنشاركن بني أمية

في الضلال المشتهر

ونقول لم يغصب أبو

بكر ولم يظلم عمر

ونرى معاوية إماما

مَن يخالفه كفر

ونقول إن يزيد ما

قتل الحسين ولا أمر

ونعد طلحة والزبير

من الميامين الغرر

ويكون في عنق الشريف

دخول عبديه سقر

١٥٣

فضحك الشريف لهما وأنجز جائزتهما.

ومن شعره ما رواه النويري في نهاية الأرب:

ان خانك الدهر فكن عائذاً‌‏

بالبيد والظلماء والعيس

ولا تكن عبد المنى فالمُنى

رؤوس أموال المفاليس

  وقال أيضا:

وأخٍ رخصتُ عليه حتى ملّني

والشيء مملول اذا ما يرخصُ

ما في زمانك ما يعزّ وجوده

إن رمته إلا صديق مخلص

١٥٤

الحسين بن الحجّاج

أبا حوا دم المقتول بالطف بعدما

سقوه كؤوس الموت بالبيض والاسل

وتالله ما أنساه بالطف صائلا

كما الليث في سرب النعاج اذا حمل

يُنهنه عنه القوم يُمناً ويسرة

ويصبر للحرب الشنيع اذا اشتعل

فلهفي لمن كان النبي قلوصه

فيا خير محمول ويا خير مَن حمل

يقبّل فاه مرةً بعد مرّة

وينكته أهل البدائع والزلل

  والقصيدة تربو على الستين بيتا. جاء في أولها:

دع المرهفات البيض والطعن بالاسل

وسل عن دمي في مذهب الحب لِم يحِل

فما للصفاح المشرفيات والقنا

فعال كفعل الاعين النجل والمقل

فما البيض إلا البيض يلمعن كالدُما

ويشرقن كالاقمار في حلل الحلل

فخلّ حديث الطعن والضرب في الوغا

فما لك فيها ناقة لا ولا جمل (1)

__________________

1 - عن المجموع الرائق المخطوط للسيد احمد العطار ص 207.

١٥٥

الحسين بن الحجاج المتوفي سنة 391:

ابو عبد الله الحسين بن احمد بن الحجاج النيلي البغدادي الامامي الكاتب الفاضل من شعراء أهل البيت، كان فرد زمانه في وقته. يقال انه في الشعر في درجة امرئ القيس وانه لم يكن بينهما مثلهما. كان معاصرا للسيدين وله ديوان شعر كبير عدة مجلدات، وجمع الشريف الرضي رحمه‌الله المختار من شعره سماه ( الحسن من شعر الحسين ) وكان ذلك في حياة ابن الحجاج، وفي أمل الأمل للحر العاملي قال: كان إمامي المذهب ويظهر من شعره أنه من اولاد الحجاج بن يوسف الثقفي وعدّه ابن خلكان وابو الفداء من كبّار الشيعة، والحموي في معجم الأدباء يقول: من كبار شعراء الشيعة، وآخر من فحول الكتّاب، فالشعر كان أحد فنونه كما أن الكتابة إحدى محاسنه الجمّة وعدّه صاحب رياض العلماء من كبراء العلماء وكان ذا منصب خطير وهو توليه الحسبة ببغداد - والحسبة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس كافّة ولا تكون إلا لوجيه البلد ولا يكون غير الحر العدل والمعروف بالرأي والصراحة الخشونة بذات الله ومعروفا بالديانة موصوفا بالصيانة بعيدا عن التهم، وشاعرنا ابن الحجاج قد تولاها مرة بعد أخرى، قالوا إنه تولى الحسبة مرتين ببغداد، مرة على عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله، واخرى أقامه عليها عز الدولة في وزارة ابن بقيّة الذي استوزره عز الدولة سنة 362 وتوفي سنة 367 والغالب على شعره الهزل والمجون، وكان ذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك أو هيبة أمير، كما أن جلّ شعره يعرب عن ولائه الخالص لأهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.

ومن شعره قصيدته الغراء التي أنشدها في حرم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام وأولها:

يا صاحب القبّة البيضا على النجف‌

مَن زار قبرك واستشفي لديك شُفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلكم

تحظون بالأجر والأقبال والزلف

١٥٦

زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن

يزره بالقبر ملهوفا لديه كُفي

إذا وصلت فأحرم قبل تدخله

ملبيا واسع سعيا حوله وطُف

حتى إذا طفت سبعا حول قبته

تأمّل الباب تِلقا وجهه فقف

وقل: سلام من الله السلام على

أهل السلام وأهل العلم والشرف

إني أتيتك يا مولاي من بلدي

مستمسكا من حبال الحق بالطرف

راج بأنك يا مولاي تشفع لي

وتسقني من رحيق شافي اللهف

لأنك العروة الوثقى فمن علقت

بها يداه فلن يشقى ولم يخَف

وإن أسماءك الحسنى إذا تليت

على مريض شفي من سقمه الدنف

لأن شأنك شأن غير منتقص

وإن نورك نور غير منكسف

وإنك الآية الكبرى التي ظهرت

للعارفين بأنواع من الطرف

هذي ملائكة الرحمن دائمة

يهبطن نحوك بالألطاف والتحف

كالسطل والجام والمنديل جاء به

جبريل لا أحد فيه بمختلف

كان النبي إذا استكفاك معضلة

من الامور وقد أعيت لديه كُفي

وقصّة الطائر المشويّ عن أنسٍ

تخبر بما نصّه المختار من شرف

والحب والقضب والزيتون حين أتوا

تكرّماً من إله العرش ذي اللطف

والخيل راكعة في النقع ساجدة

والمشرفيات قد ضجّت على الحجف

بعثت أغصان بانٍ في جموعهم

فأصبحوا كرمادٍ غير منتسف

لو شئت مسخهم في دورهم مسخوا

أو شئت قلت لهم: يا أرض انخسفي

والموت طوعك والأرواح تملكها

وقد حكمت فلم تظلم ولم تجف

لا قدّس الله قوما قال قائلهم:

بخ بخ لك من فضل ومن شرف

وبايعوك « بخمٍّ » ثم أكّدها

« محمد » بمقال منه غير خفي

عاقوك واطرّحوا قول النبي ولم

يمنعهم قوله: هذا أخي خلَفي

هذا وليكم بعدي فمن علقت

به يداه فلن يخشى ولم يخف

  قال الشيخ الأميني سلمه الله ان السلطان عضد الدولة بن بويه لما بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة الشريفة وقبّل اعتابها واحسن الأدب فوقف

١٥٧

ابو عبد الله الحسين بن الحجاج بين يديه وأنشد هذه القصيدة فلما وصل منها الى الهجاء أغلظ له الشريف سيدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام عليه‌السلام فقطع عليه فانقطع فلمّا جنّ عليه الليل رأى إبن الحجّاج الإمام عليّا عليه‌السلام في المنام وهو يقول: لا ينكسر خاطرك فقد بعثتا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه حتى يأتيك، ثم رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة صلوات الله عليهم حوله جلوس فوقف بين أيديهم وسلم عليهم فحس منهم عدم إقبالهم عليه فعظم ذلك عنده وكبر لديه فقال: يا مواليّ أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبمَ استحققت هذا منكم؟ فقالوا: بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد الله إبن الحجاج فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرّفه عنايتنا فيه وشفقتنا عليه، فقام السيد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله فقرع عليه الباب فقال إبن الحجاج: سيدي الذي بعثك إليّ أمرني أن لا أخرج إليك؛ وقال: إنه سيأتيك، فقال: نعم سمعاً وطاعة لهم. ودخل عليه واعتذر إليه ومضى به الى السلطا وقصا القصّة عليه كما رأياه فأكرمه وأنعم عليه وخصّه بالرتب الجليلة وأمر بأنشاد قصيدته.

وله من قصيدة ردّ بها على قصيدة ابن سكرة محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي من ولد علي بن المهدي العباسي وقد تحامل بها على آل رسول الله (ص) فقال ابن الحجاج في الرد عليه.

لا أكذب الله إن الصدق ينجيني

يد الامير بحمد الله تحييني

  الى ان قال:

فما وجدت شفاءً تستفيد به‌‏

إلا ابتغاءك تهجو آل ياسين

كافاك ربك إذ أجرتك قدرته

بسبّ أهل العلا الغر الميامين

فقر وكفر هميع أنت بينهما

حتى الممات بلا دنيا ولا دين

١٥٨

فكان قولك في الزهراء فاطمه

قول امرئ لهج بالنصب مفتون

عيّرتها بالرحا والزاد تطحنه

لا زال زادك حبّاً غير مطحون

وقلت: إن رسول الله زوّجها

مسكينة بنت مسكين لمسكين

كذبت يابن التي باب إستها سلس الأ

غلاق بالليل مفكوك الزرافين

ستّ النساء غداً في الحشر يخدمها

أهل الجنان بحور الخرّد العين

فقلت: إن أمير المؤمنين بغى

على معاوية في يوم صفين

وإن قتل الحسين السبط قام به

في الله عزمٌ إمام غير موهون

فلا ابن مرجانة فيه بمحتقب

إثمَ المسيء ولا شمرٌ بملعون

وإن أجر ابن سعدٍ فيه استباحته

آل النبوة أجر غير ممنون

هذا وعدت الى عثمان تندبه

بكل شعر ضعيف اللفظ ملحون

فصرت بالطعن من هذا الطريق الى

ما ليس يخفى على البُله لمجانين

وقلت: أفضل من يوم « الغدير » إذا

صحّت روايته يوم الشعانين

ويوم عيدك عاشورا تعدّ له

ما يستعد النصارى للقرابين

تأتي بيوتكم فيه العجوز وهل

ذكر العجوزو سوى وحي الشياطين

عاندت ربك مغتراً بنقمته

وبأس ربك بأسٌ غير مأمون

فقال: كن أنت قرداً في استه ذنب

وأمر ربك بين الكاف والنون

وقال: كن لي فتى تعلو مراتبه

عند الملوك وفي دور السلاطين

والله قد مسخ الأدوار قبلك في

زمان موسى وفي أيام هارون

بدون ذنبك فالحق عندهم بهم

ودع لحاقك بي إن كنت تنويني

  قلنا سابقا ان السيد الشريف الرضي قد جمع شعر ابن الحجاج ورتبه على الحروف فقال ابن الحجاج يشكر السيد - كما في الجزء الاخير من ديوانه - قوله:

أتعرف شعري الى مَن ضوي‏

فأضحى على ملكه يحتوي

إلي البدر حسناً إلى سيدي

الشريف أبي الحسن الموسوي

١٥٩

الى من أعوذّه كلّما

تلقيته بالعزيز القوي

فتىً كنتُ مسخاً بشعري السخيف

وقد ردّني فيه خلقاً سوي

تأملته وهو طوراً يصحّ

وطوراً بصحّته يلتوي

فميّز معوجه والردي

فيه من الجيّد المستوي

وصحّح أوزانه بالعروض

وقرّر فيه حروف الروي

وأرشده لطريق السداد

فأصلح شيطان شعري الغوي

وبيّن موقع كفّ الصناع

في نسج ديباجه الخسروي

فأقسم بالله والشيخ في

اليمين على الحنث لا ينطوي

لو أن زرادشت أصغى له

لأزرى على المنطق الفهلوي

وصادف زرع كلامي البليغ

فيه شديد الظما قد ذوي

فما زال يسقيه ماء الطرا

وماء البشاشة حتى روي

فلا زال يحيى وقلب الحسود

بالغيظ من سيدي مكتوي

له كبدٌ فوق جمر الغضا

على النار مطروحه تشتوي

  لم يختلف اثنان في تاريخ وفاته وانها في جمادي الآخرة سنة 391 بالنيل وهي بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة وحمل الى مشهد الامام موسى الكاظم عليه‌السلام ودفن فيه، وكان أوصى أن يدفن هناك بحذاء رجلي الامام (ع) ويُكتب على قبره ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) ورثاه الشريف الرضي بقصيدة توجد في ديوانه ومنها:

نعَوه على حُسن ظني به

فلله ماذا نعى الناعيان

رضيع ولاءٍ له شعبة

من القلب مثل رضيع اللبان

وما كنتُ احسب أن الزمان

يفلّ بضارب ذاك اللسان

ليبكِ الزمان طويلا عليك

فقد كنتَ خفَة روح الزمان

  وبرهن الشيخ الاميني أن الرجل عمّر عمراً طويلا تجاوز المائة سنة رحمه الله وأجزل ثوابه.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466