رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 240435 / تحميل: 8289
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

١
٢

٣

٤

لابدّ من هذه المقدّمة قبل قراءة الكتاب

الكتاب الذي بين ايديكم كتبته قبل عشرين سنة وصدر بعنوان« مناظرة بين الدكتور والشيخ » . وقد تلقّفه الشباب المسلم آنذاك بحيث طبع للمرّة التاسعة بعد فترة قصيرة من صدوره.

لكن وللأسف عُرِّض الكتاب لآفة في تلك الايام حالت دون طبعه من جديد ( بشكل علني علىٰ الاقل ). وتلك الآفة هي من خصوصيات دول معينة تنال المطبوعات والصحافة.

لكن اليوم وبعد مرور سنين حيث تغيرت الظروف لحد ما بالنسبة لمثل هذه الكتابات ، وبسبب اصرار بعض الأصدقاء حاولت طبعه من جديد ، لكن المشكلة هي ان كتاب« مناظرة بين الدكتور والشيخ » كتب قبل عشرين سنة وطبيعي فهو يحمل خصوصيات الكاتب الفكرية في تلك المرحلة ، كما أنه يجمل أيضاً أجواء تلك الفترة من حياة المجتمع الفكرية والسياسية ، التي تختلف كثيراً عن الظروف المعاصرة ، لذلك كان من الضروري اعادة نظر اساسية

٥

في مواضيع الكتاب لكي يكون منسجماً مع متطلبات ومستوىٰ وعي المجتمع حالياً.

ومن جهة أُخرىٰ فإن هذا الأمر يحتاج إلىٰ عمل وفرصة كبيرة ، لكي نقوم بتغيير جذري في المسائل التي يطرحها الكتاب ، وللأسف الشديد إن الوقت بالنسبة لي ضيق جداً والفرصة غير سانحة ، لذلك اخترت حلاً وسطاً لهذا الأمر واكتفيت في الوقت الحاضر بأعادة نظر عابرة وسريعة ، بأمل اتاحة فرصة مناسبة لي ـ ان شاء الله ـ لكي أقوم بطرح جميع مواضيع الكتاب علىٰ اساس جديد ، بشكل يتناسب والجو الفكري والسياسي الذي يحكمني ومجتمعي.

إذن ، علىٰ القارىء المحترم معرفة ان التغييرات التي اُجريت علىٰ الكتاب قليلة وسطحية وليست تغييرات اُصولية وجذرية. على أمل ان أوفق في المستقبل القريب ان أخطو خطوات أكثر فائدة لنشر تعاليم الاسلام ومعارفه الغنية والثورية وعلىٰ قدر استطاعتي. وبالله الاستعانة.

السيد عبد الكريم هاشمي نجاد

مشهد ـ ١٩ / ايار / ١٩٧٨ م

٦

بدأت الشمس بتسليط اشعتها علىٰ مدينة « بندر شاه » الصغيرة ، فيما بدأ الناس نشاطهم اليومي بهدوء ، والمسافرون الذين يريدون السفر بالقطار ، اخذوا يستعدون للحركة ، في حين ان صوتاً مزعجاً من عجلات العربات التي كانت مشغولة بحمل المسافرين في شارع المحطة كان يصل الىٰ الآذان ، وكانت ساعة حركة القطار تقترب شيئاً فشيئاً.

في تلك اللحظة نزل من احدىٰ العربات شيخ يضع علىٰ رأسه قبعة صوفية ويحمل بيده حقيبة ، له لحية بيضاء كثّة وشكل نوراني جذّاب ، كان يحفظ رقبته وجزءاً من وجهه بياقة معطفه خوفاً من النسيم البارد الذي كان يهب ، وقف في آخر الصف لأخذ بطاقة القطار ، حتىٰ جاء دوره في النهاية فاشترىٰ البطاقة ودخل الىٰ فناء المحطة ، ولأنه لم يبق لحركة القطار إلّا ربع ساعة فقد صعد القطار ، وكان مكتوباً في بطاقته : العربة ٤ المقعد رقم ٤٤.

كان الشيخ ينظر من خلف الزجاج الىٰ ارقام المقاعد عندما يمر بالغرف ، حتىٰ وجد مقعده في النهاية ، فتح باب الغرفة وبعد ابداء السلام للجالسين في الغرفة ، وضع حقيبته في محلها المخصص وجلس علىٰ مقعده.

٧

بداية الحديث :

نظر الشيخ الىٰ الاشخاص الجالسين في الغرفة فرآهم يتلصصون إليه النظر ، ويشيرون الىٰ بعضهم مستهزئين بقبعته ولحيته. فتغاضىٰ عن اشاراتهم لوقاره الخاص ووجّه نظره الىٰ الاسفل ، وانشغل بقراءة القرآن والدعاء.

لكن الجالسين معه في الغرفة ذهبوا الىٰ أبعد من مجرد الغمز لبعضهم وبدأوا بالكلام وأخذوا يستهزؤون بالشيخ بكلمات نابية ، والشيخ لا يزال ساكتاً ، وهو منشغل بالدعاء ، لكن جلساءه كانوا اكثر وقاحة من ان يتركوا الشيخ لصمته ووقاره. فأصبح الكلام ابعد من مجرد المزاح والاستهزاء الىٰ الجدِّية والضجر منه ، فتوجّه احدهم بصوت عنيف الىٰ الآخر ، وقال : دكتور ! اني اتنفر من هؤلاء الرجعيين اساساً ، وقال آخر : دكتور أنا أيضاً لا اُحبُّ هذه الأشكال.

فقال : الدكتور مجيباً إياهما : أنا أعارض الدين اساساً ، فكيف بهؤلاء القرويين الرجعيين الملتحين.

وقال الرابع : نحن لا حظَّ لنا في السفر أساساً ، اردنا بعد فترة ان نسافر الىٰ طهران ، فإذا بهذا المتعصّب معنا.

خلاصة القول ، لقد تجاوزت تلك الجماعة مجرد اهانة الشيخ والاستهزاء به ، إلى التجاسر على الدين والقضايا الدينية.

٨

الشيخ يتحدث :

وجد الشيخ ان الصمت بعد ذلك غير جائز ، فبدأ الحديث ، وقال : أيُّها السادة : علىٰ حدِّ قولكم أنا رجعي وممّن يضعون علىٰ رؤوسهم قبعة من الصوف ، لكنكم الذين يظهر من ملابسكم وهيئتكم أنكم متعلمون ومثقفون. اُقسم عليكم ، هل اسلوبكم هذا انساني ؟ وأنا رفيقكم في السفر الىٰ طهران فقط ، وقد سلّمت علىٰ الجميع عند دخولي بمنتهىٰ الأدب ، وجلست في مكاني دون ان اُؤذي احداً منكم ، لكنكم في قبال ذلك ، كلتم لي كل تلك الاهانات !! مع ذلك فأنا اغض النظر عما قلتموه بحقي ، فكيف تتجاسرون وتناولون من المقدسات الاسلاميّة.

سؤال الشيخ :

لكني اسألكم سؤالاً واحداً ، مع كل هذا التشاؤم وسوء الظن بالدين والمسائل الدينية ، هل انتم تعرفون الدين ( بالمعنىٰ الصحيح للكلمة ) ؟ أم إنّ إهانتكم للإسلام هي بدون أيّة معرفة صحيحة عنه ؟!

رفقاء السفر : ماذا تقصد بالمعرفة ، نحن لا نوافقك هذا الكلام من الاساس.

ثم أضاف أحدهم : أنا لا طاقة لي بقراءة الكتب الدينية ولست مستعداً للحديث مع واحد من المعمّمين.

٩

الشيخ : أيُّها السيد المحترم ! أنت الذي تعترف بعدم اطلاعك علىٰ اصول الدين ومبادئه ، ولم تتحدث في جميع عمرك مع أي مسلم واعٍ ، إذن كيف تجيز لنفسك اساءة الأدب بحق المقدسات الدينية إلىٰ هذا الحدّ ، وتتصور ان الدين والمتدينيين بشكل عام يقفون أمام سعادتك ؟!

أنتم الذين تعترفون بجهلكم لابسط المعلومات حول الاسلام ، كيف تسمحون لانفسكم بمثل هذه الاحكام المستعجلة والارتجاليّة البعيدة عن الواقع ، وتدينون الدين واتباعه في محكمتكم غير الصالحة الاهانة والاستهزاء والكلام الباطل ؟!

أيُّها السيد المحترم ! اتصور انّك وكما يقول المثل ذهبت للقاضي فقط(١) وحكمت بدون أية صلاحية في الحكم.

قضاء باطل

رفيق سفر آخر : أيُّها الشيخ دعك من ذلك ، هل هناك اصل أو اساس علمي للدين ، حتىٰ يحتاج الخوض فيه الىٰ صلاحية أو معرفة واسعة ؟! فكل شخص يمكنه الكلام حول الدين ، وابداء الرأي فيه ثم قبوله أو عدم قبوله.

الشيخ : كلامك هنا لا ينسجم والقواعد المنطقية والعلمية والعقلية ، لأن العقل يحكم برجوع الاشخاص الذين لا يلمون بموضوع ما الىٰ المختصين فيه ،

________________

(١) مثل ايراني معناه : أن الكلام لا يستند إلى دليل حقيقي. ( المترجم )

١٠

وليس لهم ابداء الرأي دون علم سابق والحكم فيه.

ففي جميع العصور وبين جميع الاشخاص والاقوام ، هناك اشخاص متخصّصون في كل فن ، يرجع اليهم باقي الناس في مجال تخصّصهم ، ولا نذكر ان أحداً من الناس استعان بجاهل في موضوع معين لحل معضلة ، او انهم سَعَوْا الىٰ حلِّ أمر جاهلين له.هل رأيتم مريضاً راجع حداداً ليعالجه من مرضه ؟ أو ان احداً عاد طبيباً ليسأله عن امور الزراعة ؟ حتىٰ لو ان احداً في غير المتخصصين ابدىٰ رأياً في أمر ، فإن رأيه لن يعار له أي اهتمام ، خاصة في عالمنا المعاصر ، وفي الدول المتقدمة ، لربّما يكون عرض نظريات باطلة وأحكام غير صحيحة من قبل اشخاص غير مختصين يعتبر ويستدعي ملاحقة قانونية.

قصّة حول الاحكام الباطلة

هنا نورد هذه القصة علىٰ سبيل المثال :

حكىٰ لي احد الاصدقاء : انني كنت اعبر بحر المانش بين فرنسا ( ميناء ديب ) وانجلترا ( ميناء نيوهيون ) بالباخرة. وكنت جالساً الىٰ جانب رجل انجليزي يظهر عليه الألم ، وبعد قليل من التردد سألته عما يؤلمه ، فأشتكى من الصداع ، فعرضت عليه تناول حبة « كالمين » جلبتها معي من فرنسا ، فوافق وتناولها ، وبعد فترة قصيرة ذهب عنه الصداع ، فشكرني وسأل : هل انت طبيب ؟ أجبته : لا. فسألني متعجباً : إذن كيف تجيز الدواء ؟!

علىٰ أيّة حال ، وبعد نزولنا من الباخرة سلّمني للشرطة ، بأن قال لهم اشكر هذا السيد الذي أذهب عني الصداع بأعطائي الدواء ، لكنه ارتكب مخالفة

١١

قانونية بتجويزه دواءً دون رخصة.

وهذا نموذج لرد فعل ايجابي ازاء الذين اعتادوا ابداء الرأي حول كل شيء دون علم ومعرفة به كافية ، وهو رد فعل مقابل عمل لربما تكون نتيجته الموت بالنسبة لعشرات المرضىٰ(١) .

أجل ، هذا هو الاسلوب الصحيح ، ففي كل أمر تجب مراجعة المختصين به ، وهو اصل ثابت في جميع انحاء العالم ، وبين جميع الشعوب الواعية ، لكني لا اعلم لماذا عندما يصل الأمر الىٰ موضوع الدين نشاهد اولئك الناس ـ انفسهم ـ يريدون ابداء الرأي فيه دون علم ومعرفة كافية ، ويحكمون فيه مثلما يتكلم فيه العالم الديني الواعي ؟! واذا لم يستطيعوا فهمه من زاوية نظرهم ، ينفونه بكل شدّة ويقولون اننا لن نرضخ لمثل هذا القانون !!

أليس من غير الانصاف ان يقوم المزارع الذي أفنىٰ عمره ـ وللأسف حسب رغبة المستعمر ـ مع الارض والماء والقمح فقط ، أو العطار الذي عاش حياته كلها في بيع وشراء السكر والرز والتبغ ، أو العامل الماهر المختص في انتاج القماش أو الطبيب الحاذق الذي يتعامل مع اعضاء الانسان وجوارحه بسكين الجراحة في بعض الأحيان ، ابداء الرأي في المسائل الدينية وكأنه عالم دين واعٍ وصل الىٰ من التخصّص تمكّنه من الحكم في الدين ؟!

اتصوّر أن الاُمّة التي تريد التدخل في أُمور ليست من صلاحيتها ، ولا

________________

(١) صحيفة اطلاعات : العدد ١٣٧١٥ ـ ٣ شباط ١٩٧٢.

١٢

ترتبط بها علمياً عليها أن تقرع طبول شقائِها.

اجل ، يجب ان ترد الاُمور الىٰ اصحابها ، فالبلد السعيد هو الذي يعرف اهله حدود وظائفهم ويحفظونها ، ولا يتعدّىٰ أحد فيهم حدوده العلمية.

رفاق السفر : ماالذي تقوله أيُّها الشيخ ، فدنيا اليوم هي دنيا العلم ، والجميع يستطيعون معرفة كل شيء.

الشيخ : نعم ـ يستطيع كل واحد ان يفهم « كل شيء » لكن هناك مشاكل عديدة يلزم تجاوزها لتطبيق ذلك الامكان ، بمعنىٰ لابدّ من تحمل متاعب جمّة للحصول علىٰ معلومات كافية فيما يتعلق بحقيقة معينة ، لكي يمكنه فهم القضايا المرتبطة بتلك الحقيقة مثل متخصص واعٍ ، ومن العجب ! كيف لا يستطيع الشخص الذي لم يدرس الطب فهم المسائل الطبية ولكن هذا الشخص نفسه يحق له ابداء الرأي في المسائل الدينية بدون أية معلومات عن الدين ؟!

لماذا لا يتسطيع الذي لم يدرس الطب وسائر المواضيع العلمية تعلم مسائلها دفعة واحدة ( مع ان الدنيا ، هي دنيا العلم ) ، ولكن حينما تطرح قضايا الدين يستطيع كل جاهل ان يبدي نظرياته فيها لمجرد ان دنيانا هي دنيا العلم ؟!

علىٰ انني لا اقصد بالمتخصّص في المسائل الدينية ، الذين يرتدون الزي الروحاني ( الجبّة والعمامة ) ، لان مجرد الملابس لا تأتي بالتخصّص ، بل الذي اقصده هو « التخصّص العلمي » امتلاك معرفة دينية كافية وصحيحة ، أمّا

١٣

ما تقولونه فهو يشبه الاعتراض علىٰ شخص يقول : يجب علىٰ البصير أن يأخذ بيد الأعمىٰ ويوصله الىٰ مقصده من بين الطرق الملتوية ، فماذا يعني ضوء النهار مع وجوب الآخذ بيد الأعمىٰ ، في حين ان الاعمىٰ يتساوىٰ لديه الليل والنهار وفي كلتا الحالتين يحتاج الىٰ شخص بصير يأخذ بيده.

أيُّها السادة ! صحيح ان دنيانا هي دنيا العلم ، لكنه وفي دنيا العلم هذه لا يستطيع احد ابداء نظريات في مجال اختصاصه والحكم في القضايا ، إلّا الذي يمتلك وعياً ومعرفة كافيين.

أمّا الذي تقولونه فهو « عطاء من خزانة الأمير »(١) ، وهو للأسف منطق المتفرجين من بعيد ، وهذا النوع من الناس ، إذا ما وجدوا احدىٰ المباحث الدينية لا تنسجم مع تفكيرهم القاصر ، يلوذون مباشرة بتطور الآخرين العلمي والتكنولوجي ، ويقولون فخورين !! : هو عصر العلم ، عصر الذرة ، العصر الذهبي البراق ، وفي مثل هذا العالم الذي نحيا فيه لا يمكن انت نترك موضوعاً دون فهم ! أليس من ضروري أن نقول لمثل هؤلاء الاشخاص : اعزاءنا في عصر العلم ايضاً لا يحق لأحد التنظير في قضية إلّا ان يكون عالماً ومتخصّصا فيها وهؤلاء هم الذين يلتذون بالمسائل العلمية.

اصدقائي الاعزاء !

أنا لا أقول انه لا يحق لغير المتخصّص البحث والاستقصاء في الدين والمسائل التي تتعلق به ، بل ما اقصده هوان لا يجلس الشخص

________________

(١) مثل ايراني ، يقال للشخص الذي يتبرع من مال ( أو علم ) غيره. ( المترجم )

١٤

الذي ليست له جدارة علمية في المسائل الدينية علىٰ كرسي القضاء ويصدر احكامه بهذه القطعية ، وكأنما جميع الحقائق الدينية تتلخص في دائرة فكره ، وفهمه فقط.

وعاء أحرّ من الأكل(١)

هنا تذكرت قصّة حدثت قبل سنوات ، خلاصتها :

كان أحد العلماء الغربيين قد كتب مقالاً يقول فيه : نأمل ان تحلّ في المستقبل القريب مشاكل السفر الىٰ سطح القمر وان يصل الانسان الىٰ امنيته هذه(٢) .

بعد نشر ذلك المقال ، كتب أحد الكتّاب الايرانيين مقالاً في احدىٰ الصحف حول السفر الىٰ سطح القمر علىٰ أساس مقال ذلك العالم الغربي ، لكن صاحبنا استرسل في مقالة للحد الذي قال فيه : سوف يقضي عرائسنا شهر عسلهم ـ بالقريب ـ علىٰ سطح القمر ، ولسوف يستأجر الاغنياء الفيلات المبنية علىٰ سطح القمر بأسعار باهضة لكي يفرّوا من حرارة شمس الصيف الىٰ هناك.

وقد وصل بالكاتب الحدّ لأن يقول : في المستقبل القريب ، سوف تشير الاجيال التي ستأتي بعدنا نحو الأرض وتقول ان آباءنا كانوا يسكنون تلك

________________

(١) مثل ايراني ، يقال للشخص الذي يتحمس إلى موضوع لا يرتبط به. ( المترجم )

(٢) اليوم ونحن نعد هذه الطبعة الجديدة من الكتاب ، تحقّق حلم الانسان في السفر الىٰ سطح القمر قبل سنوات.

١٥

الكرة!!

جميع تلك الخزعبلات صاغها الكاتب الايراني علىٰ اساس مقال ذلك العالم الغربي في حين ان العالم الغربي كان يتحدّث عن احتمال وامكان السفر الىٰ سطح القمر. ( وهنا ، ينفجر رفاق السفر ضاحكين ).

الشيخ : أيُّها السادة : أليس بعض مواطنينا يفكرون مثل ذلك الكاتب الايراني ، لأنهم يفتخرون بالتطور العلمي الذي أوجده الآخرون !

١٦

حقائق العالم وآراء العلماء

احد رفاق السفر : أيُّها الشيخ لقد تطرفت في كلامك ! لربّما يصحّ كلامك فيما يتعلق بغير المتعلمين ، لكنه مرفوض فيما يتعلّق بالعلماء والمتعلّمين ، لأنهم يحقُّ لهم ان يجعلوا آراءهم ملاكاً لصحّة وسقم أي موضوع ، ويمكنهم اصدار حكم قطعي في كلِّ شيء.

الشيخ : لا ، لم أتطرّف في كلامي ، كما انّ آراء العلماء أيضاً ليست معياراً كاملاً لصحّة أو خطأ موضوع ما في كل حال ، لان التاريخ يحدّثنا عن تكامل البشر علمياً.

فقد حدّث ان مجموعة من العلماء أقرت مسألة خاطئة علىٰ أنّها حقيقة علمية واستندت اليها عشرات السنين للحد الذي قدمت على اساسها عشرات النظريات والفرضيات الاُخرىٰ. ولكن ، ومع تطور العلوم ، ظهرت الحقيقة بالتدريج وبان خطأ « النظرية الاُم » ، وعلىٰ حدِّ قول عالم الاحياء الفرنسي المشهور الدكتور الكسيس كارل(١) :

« ليس من الضروري ان تكون الحقيقة بسيطة علىٰ الدوام وقابلة للفهم بالنسبة لنا»(٢) .

________________

(١) Dr. Alexis carrel

(٢) الانسان ذلك المجهول.

١٧

وفي تاريخ الحياة الانسانية نشاهد العديد من النظريات العلمية ظهرت علىٰ انّها قواعد علمية واقعية لفترة طويلة بين العلماء ، وكانت ملاكاً لصحّة وفساد المسائل الاُخرىٰ ، لكن ، وبمرور الايام ، ثبت بالتدريج مخالفتها للواقع ، ومن انها لم تكن سوىٰ نظرية.

أحد النماذج التامة فيما نتحدث عنه هو قصة الذرّة ، لقد كانت الذرّة لسنوات طويلة غير قابلة للتقسيم عند الفلاسفة والعلماء ، وكان « موقريطس »(١) أوّل من قال أنّ ظواهر العالم تتألف من أجزاء صغيرة غير قابلة للتجزئة والتقسيم ، ( وقد سمي فيما بعد ذلك الجزء غير القابل للتقسيم ذرّة ).

بقيت هذه النظرية مقبولة علىٰ مدىٰ قرون من قبل الكثير من الفلاسفة والعلماء ، وكان في عداد حقائق العالم العلمية ، ومع تطور العلم ، اصبح عصرنا ينظر الىٰ تلك النظرية كأسطورة لا اكثر ، بل تم عملياً شطر الذرة والاستفادة من طاقتها المتحررة ، للحد الذي ارعبت قدرتها التخريبية العالم.

وحقيقة ان الانسان جائز الخطأ وليس مصوناً منه يمكن تعميمها لتشمل العلماء ايضاً ، والاعترافات التي يبدونها حول امكان خطئهم طريفة جداً ، هنا ننقل بعض ذلك :

________________

(١) لابد من الاشارة الىٰ ان عالماً باسم « ليوسيبوس » طرح أصل نظرية الذرة وتكون جميع ظواهر العالم منها ، وذلك قبل دموقريطس ، لكن الاخير قام بأكمال تلك النظرية.

تاريخ التطورات الاجتماعية ، ص ١٧٦ ، تأليف : متروبوسكي.

١٨

يقول عالم الرياضيات المعروف ، البرت انشتاين :

« يندر ان نجد اليوم عالماً يعتبر المواضيع التي يصل اليها حقائق نهائية. بل العكس نجد اصحاب النظريات المهمة مثل نيوتن(١) يذعنون ان ما يرونه واضحاً اليوم لربّما يكون مبهماً وغير واضح بالنسبة للاجيال اللاحقة ، ولربّما سينظر اخلافنا الىٰ اعمالنا بنفس العين التي ننظر فيها نحن الى اسلافنا»(٢) .

ويقول احد الكتاب الفرنسيين :

« الجميع يمكن ان يخطأوا. ولربما يخطىء العالم الكبير في حكمه ، وقد رأينا خطأ جميع اعضاء مؤسسة علمية في مبحث تخصصي بالنسبة لهم لذلك يجب ان لا نعتبر فتاوىٰ العلماء والمفكرين حتىٰ تلك التي ضمن اختصاصاتهم حجة لا يمكن الزيغ عنها. ويبقىٰ الزمان هو المحك الاساس في اختبار هذه الموارد »(٣) .

مجهولات الانسان

الىٰ هنا من البحث تكلمنا عن امكان خطأ العلماء وعدم حصانتهم قباله ؛ أي أن بعض العلماء أو مجموعة منهم لربما تصوروا انهم توصلوا الىٰ حقيقة ما واستطاعوا كشفها ، لكن واقع الامر هو غير ذلك ، هنا نضيف الىٰ المسألة حقيقة

________________

(١) Newton

(٢) العالم وانشتاين : ١٣٠.

(٣) صحيفة اطلاعات ، العدد ١١٧٦٠ ، بتاريخ ٢١ / تموز / ١٩٦٥.

١٩

اخرىٰ ذات دائرة لشمولية أكبر ، وتلك الحقيقة هي المجهولات التي يواجهها العلماء ، ففي عالمنا العديد من الاسرار والحقائق لا تزال يد الفكر والكشف الانساني لم تَطَلْها.

أحد رفاق السفر : أيُّها العمّ العزيز ، لا تنظر الىٰ الاُمور التي نجهلها نحن ، لانّ كلامنا يدور حول كبار علماء العالم ، الذين لا يعرفون ابداً لفظة « لا علم » أو « أجهل ذلك » !

الشيخ : أيُّها السيد المحترم ، أنا مضطر لحمل كلامك هذا من باب التفاؤل غير المنطقي بعلماء العالم ، لان الظاهر انك تحدثت دون دراسة ودراية.

صديقي العزيز ! لو طالعت كتب العلماء ، ومؤلفاتهم لوجدتهم يعترفون بجهل الكثير من حقائق العالم ، وهذه حقيقة الىٰ جانب كل حقيقة علمية تكتشفها ، فعندما نصل الىٰ كشف معين نواجه عشرات الاسئلة ، والمجهولات الجديدة ، وبهذه الكيفية ليست هناك حقيقة موضوعية واحدة في عالم الوجود مكشوفة جميع قضاياها بشكل عام ، ومن أجل اثبات هذا الادعاء ، نورد بعض اعترافات اعظم علماء عصرنا حول مجاهيل العالم :

يقول عالم الفيزياء المعاصر البرت انشتاين(١) في احدىٰ مؤلفاته :

« وعلىٰ الرغم من المعلومات التجريبية التي حصلنا عليها فيما يتعلق بنواة الذرة ، لكننا لا نزال في ظلمة فيما يتعلق بالعديد من المسائل

________________

(١) A. Enshtien

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة) (1) .

وحسن التعامل يكون بالسيرة الحسنة معها، والرفق بها وإسماعها الكلمات الجميلة، وتكريمها ووضعها بالموضع اللائق بها، واعتبارها شريكة الحياة، وإشباع حاجاتها المادية والروحية، والتعامل معها كإنسانة أكرمها الإسلام، وإشاعة جو المنزل بالسرور والبشاشة والمودّة والرحمة، وإدخال الفرحة على قلبها، والحفاظ على أسرارها، إلى غير ذلك من التعاليم التي أكّد عليها الإسلام، ومنها مساعدتها في بعض شؤون البيت التي لا تستطيع انجازها، والصبر على بعض أخطائها ومساوئها التي لا تؤثّر على نهجها الإسلامي، والتفاهم في حلّ المشكلات اليومية بأُسلوب لا يثير غضبها، وتجنّب كلّ ما يؤدّي إلى الإضرار بصحّتها النفسية كالغيرة في غير مواضعها، والتعبيس في وجهها أو ضربها أو هجرها أو التقصير في حقوقها (2) .

فإذا حسنت المعاملة معها، حسنت حالتها النفسية والروحية وانعكست على الجنين.

____________________

(1) تحف العقول، للحرّاني: 188 ـ المطبعة الحيدرية النجف 1380 هـ ط5.

(2) إرشاد القلوب: 175، مكارم الأخلاق 245، الكافي 5: 511، المحجّة البيضاء 3: 19.

٤١

٤٢

الفصل الثالث

المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد الولادة

وهي المرحلة التالية لمرحلة الحمل مباشرة، وتعتبر أول محيط اجتماعي يحيط بالطفل؛ لأنّها الأساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي؛ ولذلك ركّز المنهج الإسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذهِ المرحلة، متمثّلة بالقيام بالأعمال التالية:

أولاً: مراسيم الولادة:

تبدأ مراسيم الولادة منذ اليوم الأول إلى اليوم السابع من الولادة، للحفاظ على صحّة الطفل الجسدية والنفسية معاً، فأول عمل يقوم به الوالدان هو إسماع الطفل اسم الله تعالى، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَن وُلد له مولود فليؤذّن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقم في اليسرى فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم) (1) .

____________________

(1) الكافي 6: 24 | 6 باب ما يفعل بالمولود.

٤٣

ولأهمية الأذان والإقامة في أُذن الطفل؛ أوصى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ضمن وصايا عديدة: (يا علي إذا وُلد لك غلام أو جارية، فأذّن في أُذنه اليمنى وأقم في اليسرى، فإنّه لا يضرّه الشيطان أبداً) (1) .

والعصمة من الشيطان هي تحصين للطفل من الانحراف بتقوية الإرادة. وهذه الوصايا وإن لم يبحثها علماء النفس وعلماء التربية المعاصرون، ولكنّها من الحقائق التي أثبتتها التجارب المتكرّرة لمَن طبّقها في منهجه التربوي، مع مراعاة الوصايا الأُخرى في جميع مراحل الطفولة.

ويستحب تسمية الوليد بأحسن الأسماء، ولا أحسن من اسم محمد وهو اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (لا يولد لنا ولد إلاّ سميّناه محمداً، فإذا مضى لنا سبعة أيام فإن شئنا غيّرنا وإن شئنا تركنا) (2) .

وأكدّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على هذهِ التسمية بقوله: (من وُلد له أربعة أولاد لم يسمِّ أحدهم باسمي فقد جفاني) (3) .

وكان الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) يحثّون المسلمين على تسمية أبنائهم وبناتهم بالأسماء التالية: (عبد الرحمان ـ وباقي أسماء العبودية لله ولصفاته: محمد، أحمد، علي، الحسن، الحسين، جعفر، طالب،

____________________

(1) تحف العقول: 17.

(2) الكافي 6: 18 | 4 باب الأسماء والكنى.

(3) الكافي 6: 19 | 6 باب الأسماء والكنى.

٤٤

فاطمة) (1) .

ولم يشجّعوا على الأسماء التالية: (الحكم، حكيم، خالد، مالك، حارث) (2) .

والأسماء الحسنة تحصّن الطفل من السخرية والاستهزاء من قِبل الآخرين، فلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء المستهجنة.

ومن مراسيم الولادة العقيقة، وهي ذبح شاة في المناسبة، وحلق رأس الطفل كما جاء في قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (عقّ عنه، واحلق رأسه يوم السابع، وتصدّق بوزن شعره فضّة) (3) .

والعقيقة التي هي مصداق للصدقة تمنع من البلاء، وتقي الطفل من المخاطر، ولعلّ فيها آثار نفسية حسنة للطفل حينما يترعرع ويفهم أنّ والديه قد اعتنوا به في ولادته، وهي ذكرى حسنة عند مَن وصلته تلك العقيقة أو بعضها.

ومن مراسيم الولادة الختان، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (اختنوا أولادكم لسبعة أيام فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللحم...) (4) .

____________________

(1) الكافي 6: 19 باب الأسماء والكنى.

(2) الكافي 6: 21 باب الأسماء والكنى.

(3) الكافي 6: 27 | 1 باب أنّه يعق يوم السابع للمولود.

(4) الكافي 6: 34 | 1 باب التطهير.

٤٥

ثانياً: التركيز على حليب الأُم

الحليب هو المصدر الأساسي والوحيد لتغذية الطفل في الأشهر الأُولى من حياته، وأفضل الحليب حليب الأُم؛ لأنّ عملية الرضاعة لها تأثيرها على الجانب العاطفي للطفل، والأُم أفضل من تمنحه الحنان والدفء العاطفي، بدافع غريزة الأُمومة التي أودعها الله تعالى في المرأة، حيثُ (تصب ركائز مشاعر الطفل وأحاسيسه من أُولى أيام الرضاع) (1) .

وتتوثّق أواصر المحبّة بين الطفل وأُمّه عن طريق الرضاعة، فيكون الطفل أقل توتّراً وأهنأ بالاً وأسعد حالاً (2) .

وجاءت روايات أهل البيت (عليهم السلام) ووصاياهم مؤكّدة على التركيز على حليب الأُم، قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): (ما من لبنٍ يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه) (3) .

فحليب الأُم أفضل غذاءً للطفل من الناحية العلمية، إضافة إلى أنَّ عملية الرضاعة يشعر الطفل من خلالها بالأمان والطمأنينة والرعاية، وفي الحالات الاستثنائية التي تعيق عملية الرضاعة بسبب قلّة حليب الأُم أو مرضها أو فقدانها بطلاق أو موت، أكدّ أهل البيت (عليهم السلام) على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معيّنة، قال أمير

____________________

(1) الطفل بين الوراثة والتربية، لمحمد تقي الفلسفي 2: 82 عن كتاب عقدة الحقارة 9.

(2) قاموس الطفل الطبّي: 11 ـ 16.

(3) الكافي 6: 40 | 1 باب الرضاع.

٤٦

المؤمنين (عليه السلام): (انظروا مَن ترضع أولادكم فإنّ الولد يشبُّ عليه) (1) .

فالحليب ونوعيّة المرضعة يؤثّر على الطفل من ناحية نموّه الجسدي والنفسي. وقد أثبتت التجارب صحّة تعاليم أهل البيت في هذا المجال.

وهنالك مواصفات عند المرضعة حبّذها أهل البيت (عليهم السلام) في الاختيار.

قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (استرضع لولدك بلبن الحسان، وإيّاك والقباح فإنّ اللبن قد يعدي) (2) .

وقال: (عليكم بالوضاء من الظّؤرة فان اللبن يعدي) (3) .

وجاء النهي عن استرضاع الطفل عند بعض المرضعات، فنهى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن الاسترضاع عند المجوسية، فعن عبد الله بن هلال قال: سألته عن مظائرة المجوسي، فقال: (لا، ولكن أهل الكتاب) (4) .

وجعل الاسترضاع من الكتابيات مشروطاً بمنعهنّ من شرب الخمر: فقال (عليه السلام): (إذا أرضعن لكم فامنعوهنّ من شرب الخمر) (5) .

وعن علي بن جعفر، عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل المسلم، هل يصلح له أن يسترضع اليهودية والنصرانية وهنّ يشربن الخمر؟ قال: (امنعوهنّ من شرب الخمر، ما أرضعن لكم) (6) .

____________________

(1) الكافي 6: 44 | 1 مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(2) الكافي 6: 44 | 12 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(3) الكافي 6: 44 | 13 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره. الوضاءة: الحسن والنظافة.

(4) الكافي 6: 42 | 2 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(5) الكافي 6: 42 | 3 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(6) وسائل الشيعة 21: 465 | 7 باب 76 من كتاب النكاح.

٤٧

ونهى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) من الاسترضاع من المرأة الزانية، والتي تكوّن لبنها بسبب الزنا، فقال: (لا تسترضعها ولا ابنتها) (1) .

وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ إليّ من لبن ولد الزنا) (2) .

والحكمة في النهي هو تأثير اللبن على طباع الطفل، فالمرأة الزانية تعيش حالة القلق والاضطراب النفسي والشعور بالإثم والخطيئة من أول يوم انعقاد الجنين، وتبقى على هذه الحالة في جميع فترات الحمل وفي أثناء الولادة، وهذا القلق والاضطراب يؤثّر في التوازن الانفعالي للطفل.

وأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالوقاية من لبن البغيّة والمجنونة فقال: (توقّوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة فإنّ اللبن يعدي) (3) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ الولد يشبّ عليه) (4) .

وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (إنّ عليّاً كان يقول: لا تسترضعوا الحمقاء، فإنّ اللبن يغلب الطباع) (5) .

ويؤكّد علماء الطب على أن تكون الأُم مستريحة وهي تقوم بعملية الرضاعة، ثم تمس برفق وجنة الطفل، ويجب ألاّ تحاول الأُم إرغامه على

____________________

(1) الكافي 6: 42 | 1 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(2) الكافي 6: 42 | 5 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(3) مكارم الأخلاق: 223.

(4) مكارم الأخلاق: 237.

(5) مكارم الأخلاق: 237.

٤٨

توجيه رأسه نحو ثديها؛ لأنّ ذلك يربكه ويحيّره (1) .

ووضع أهل البيت (عليهم السلام) برنامجاً في أُسلوب الرضاعة ومدّتها، وهو الرضاع من جهتين، وإطالة مدّتها إلى واحد وعشرين شهراً، قال الإمام جعفر الصادق لأُمّ إسحاق بنت سليمان: (يا أمّ إسحاق لا ترضعيه من ثديٍ واحدٍ وأرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً) (2) .

وقال (عليه السلام): (الرضاع واحد وعشرون شهراً فما نقص فهو جور على الصبي) (3) .

فطول مدة الرضاعة له تأثير ايجابي على الوضع النفسي والعاطفي للطفل، وهي أهم المراحل في البناء العاطفي للطفل حيثُ تحتضن الأُم طفلها وتضمّه إلى صدرها، فيشعر بالحنان المتواصل والدفء العاطفي، وفي هذا الصدد تقول عالمة النفس لويز كابلان: (إنّ الطفل الذي ينعم بحنان أُمّه المتدفّق خلال العام الأول والثاني من عمره يشعر بالأمان، وعادة لا يشعر بالقلق أو الخوف فيتصرّف بتلقائية عندما يبلغ سن الثالثة أو الرابعة، والطفل الذي يشعر بالطمأنينة يتمتّع بالثقة بالنفس ويتعامل مع الآخرين بسهولة، ويندمج مع الأطفال في مثل عمره) (4) .

ومناغاة الطفل في هذه المرحلة ضرورية للطفل، تؤثّر على نموّه اللغوي ونموّه العاطفي في المستقبل، فكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تناغي الحسن (عليه السلام) وتقول:

(أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحق الرّسن

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 33.

(2) الكافي 6: 40 | 2 باب الرضاع.

(3) الكافي 6: 40 | 3 باب الرضاع.

(4) قاموس الطفل الطبّي: 257.

٤٩

واعبد إلهاً ذا منن

ولا توالِ ذا الإحن)

وكانت تناغي الحسين (عليه السلام):

(أنتَ شبيهٌ بأبي

لستَ شبيهاً بعلي) (1)

وأكدّ أهل البيت (عليهم السلام) كما تقدّم على إقامة علاقات المودّة والحب بين الوالدين، وتجنّب المشاكل التي تؤثّر على الصحّة النفسية لكليهما وللأُم على وجه الخصوص، لانعكاس انفعالاتها المتشنّجة واضطرابها النفسي على الطفل في مرحلة الرضاعة. وفي هذه المرحلة أوصى أهل البيت (عليهم السلام) بالاهتمام بغذاء الأُم، المصدر الأساسي لتكوين الحليب من حيثُ الكمّيّة والنوعية، وكان التركيز على التمر في إطعام الأُم لتأثيره على الرضيع، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ليكن أول ما تأكل النفساء الرّطب..) قيل: يا رسول الله، فإن لم يكن أوان الرطب؟ قال: (سبع تمرات من تمر المدينة، فإن لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم) (2) .

وأوصى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بأكل أحد أنواع التمر وهو البرني فقال: (اطعموا البرني نساءكم في نفاسهنّ تحلم أولادكم) (3) .

وفي رواية عنه (عليه السلام): (اطعموا نساءكم التمر البرني في نفاسهنّ تجمّلوا أولادكم) (4) .

ووضع أهل البيت (عليهم السلام) لائحة بالمواد الغذائية المهمّة في النمو

____________________

(1) بحار الأنوار 43: 286.

(2) الكافي 6: 22 | 4 باب ما يستحب أن تطعم الحبلى.

(3) الكافي 6: 22 | 5 ما يستحب أن تطعم الحبلى.

(4) مكارم الأخلاق: 169.

٥٠

والصحّة (1) .

فخبز الشعير وقاية من الأمراض، وسويق الحنطة ينبت اللحم ويشد العظم ويسهّل الهضم، وسويق العدس يسكّن هيجان الدم ويقلّل من حرارة الجسم، واللحوم وخصوصاً لحم الدرّاج يقلّل من الغضب، والهريسة تنشّط الجسم وتمنحه الحيوية، والزيتون يطرد الرياح، والعنب يقلّل الغضب، والسفرجل يقوّي القلب، والخس يصفّي الدم، كما أكّدوا على العسل والبيض واللبن وسائر أنواع الفواكه. وتنتقل فوائد هذه المواد الغذائية من الأُم إلى الطفل عن طريق الحليب المتكوّن منها.

وخلاصة القول يجب الاهتمام بالاسترضاع من حليب الأُم، فإذا تعذّر فيجب اختيار المرضعة المؤمنة السالمة من الإمراض الجسدية والنفسية، وإذا تعذّر فتسترضع غير المؤمنة، بشرط منعها من شرب الخمر وكل ما يضرّ بصحّة الطفل، والاهتمام بالصحّة النفسية للاأُم والاهتمام بصحّتها الجسدية، وإشباع حاجتها إلى الطعام الضروري في إنتاج الحليب النقي والغني بالمواد الغذائية الضرورية؛ لينعكس ذلك ايجابياً على صحّة الطفل النفسية والجسدية.

____________________

(1) الكافي 6: 305 وما بعدها.

٥١

٥٢

الفصل الرابع

المرحلة الثالثة: مرحلة الطفولة المبكِّرة

تبدأ مرحلة الطفولة المبكّرة من عام الفطام إلى نهاية العام السادس أو السابع من عمر الطفل، وهي من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل اللغوي والعقلي والاجتماعي، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحّة النفسية والخلقية، وتتطلّب هذه المرحلة من الأبوين إبداء عناية خاصة في تربية الأطفال، وإعدادهم؛ ليكونوا عناصر فعّالة في المحيط الاجتماعي، وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي:

أولاً: تعليم الطفل معرفة الله تعالى

الطفل مجبول بفطرته على الإيمان بالله تعالى، حيثُ تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون، وعن نشوئه ونشوء أبويه، ونشوء مَن يحيط به، وأنّ تفكيره المحدود مهيّأ لقبول فكرة الخالق والصانع، فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره المحدود، والإيمان بالله تعالى كما يؤكّده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس (من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل.. ممّا سوف

٥٣

يعطيه الأمل في الحياة والاعتماد على الخالق، ويوجد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم) (1) .

والتربية والتعليم في هذه المرحلة يفضّل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل، متناسباً مع العمر العقلي للطفل، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي، وقد حدّد الإمام محمد الباقر (عليه السلام) تسلسل المنهج قائلاً:

(إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له: قُلْ لا إله إلاّ الله سبع مرّات، ثم يُترك حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً فيقال له: قُلْ محمد رسول الله سبع مرّات، ويُترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له: قُلْ سبع مرّات صلّى الله على محمد وآله، ثم يُترك حتى يتم له خمس سنين، ثم يقال له: أيّهما يمينك وأيُّهما شمالك؟ فإذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى القبلة ويقال له: اسجد، ثم يُترك حتى يتم له سبع سنين، فإذا تمّ له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفّيك، فإذا غسلهما قيل له صلِّ، ثم يُترك، حتى يتم له تسع سنين، فإذا تمّت له تسع سنين عُلّم الوضوء وضُرب عليه وأُمر بالصلاة وضُرب عليها، فإذا تعلّم الوضوء والصلاة غفر الله عز وجلّ له ولوالديه إن شاء الله) (2) .

وقد أثبت علم النفس الحديث صحّة هذا المنهج (2 ـ 3 سنوات، يكتسب كلام الطفل طابعاً مترابطاً ممّا يتيح له إمكانية التعبير عن فهمه لكثير من الأشياء والعلاقات... وفي نهاية السنة الثالثة يصبح الطفل قادراً على استخدام الكلام وفق قواعد نحوية ملحوظة، وهذا يمكنه من صنع

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 294.

(2) مَن لا يحضره الفقيه، للصدوق 1: 182 | 3 باب الحد الذي يُؤخذ فيه الصبيان بالصلاة ـ دار التعارف للمطبوعات 1401 هـ.

٥٤

جمل أوّلية وصحيحة) (1) .

وتعميق الإيمان بالله ضروري في تربية الطفل.

والطفل في هذه المرحلة يكون مقلِّداً لوالديه في كل شيء، بما فيها الإيمان بالله تعالى، يقول الدكتور سپوك: (إنّ الأساس الذي يؤمن به الابن بالله وحبّه للخالق العظيم، هو نفس الأساس الذي يحب به الوالدان الله).

ويقول: (بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الأبوين في كلِّ شيء، فإذا حدّثاه عن الله فإنّه يؤمن بالصورة التي تحدّدها كلماتهما عن الله حرفيّاً) (2) والطفل في هذه المرحلة يميل دائماً إلى علاقات المحبّة والمودّة والرقّة واللين، فيحب أو يفضّل (تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة إلى أقصى حدٍّ ممكن، مع التقليل إلى أدنى حدٍّ من صفات العقاب والانتقام) (3) .

فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محبّبة له، فيزداد تعلّقه بالله تعالى، ويرى أنّه مانح الحب والرحمة له.

وإذا أردنا ان نكوّن له صورة عن يوم القيامة فالأفضل أن نركّز على نعيم الجنّة بما يتناسب مع رغباته، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك، ونركّز على أنّه سيحصل عليها إنْ أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الإسلامية، ويُحرم منها إنْ لم يلتزم، ويؤجّل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدّمة من عمره.

____________________

(1) علم النفس التربوي، للدكتور علي منصور 2: 132 ـ 1407 هـ.

(2) مشاكل الآباء في تربية الأبناء: 248.

(3) مشاكل الآباء في تربية الأبناء: 251.

٥٥

ثانياً: التركيز على حبّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام)

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن) (1) .

في هذه المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والأحاسيس عند الطفل، من حب وبغض وانجذاب ونفور، واندفاع وانكماش، فيجب على الوالدين استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه، وتوجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية، والمبادرة إلى تركيز حبّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحبّ أهل البيت (عليهم السلام) في خلجات نفسه. والطريقة الأفضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع، وخصوصاً ما يتعلّق برحمتهم وعطفهم وكرمهم، ومعاناتهم، وما تعرّضوا له من حرمان واعتداء، يجعل الطفل متعاطفاً معهم مُحبّاً لهم، مبغضاً لمَن آذاهم من مشركين ومنحرفين.

والتركيز على قراءة القرآن في الصغر يجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب الله، متطلّعاً على ما جاء فيه، وخصوصاً الآيات والسور التي يفهم الطفل معانيها. وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه، وقدرته على الحفظ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه.

____________________

(1) كنز العمّال 16: 456 | 45409.

٥٦

ثالثاً: تربية الطفل على طاعة الوالدين

يلعب الوالدان الدور الأكبر في تربية الأطفال، فالمسؤولية تقع على عاتقهما أوّلاً وقبل كلّ شيء، فهما اللذان يحدّدان شخصية الطفل المستقبلية، وتلعب المدرسة والمحيط الاجتماعي دوراً ثانويّاً في التربية.

والطفل إذا لم يتمرّن على طاعة الوالدين فإنّه لا يتقبّل ما يصدر منهما من نصائح وإرشادات وأوامر إصلاحية وتربوية، فيخلق لنفسه ولهما وللمجتمع مشاكل عديدة، فيكون متمرّداً على جميع القيم، وعلى جميع القوانين والعادات والتقاليد الموضوعة من قِبل الدولة ومن قِبل المجتمع.

قال الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام): (جرأة الولد على والده في صغره، تدعو إلى العقوق في كبره) (1) .

وقال الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): (... شرّ الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق) (2) .

وتربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلّب جهداً متواصلاً منهما على تمرينه على ذلك؛ لأنّ الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى الاستقلالية الذاتية، فيحتاج إلى جهد إضافي من قِبل الوالدين، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحبّ والحنان، يقول

____________________

(1) تحف العقول: 368.

(2) تاريخ اليعقوبي 2: 320.

٥٧

الدكتور يسري عبد المحسن: (أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة.. الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كلِّ أفراد الأُسرة) (1) .

ومن الوسائل التي تجعله مطيعاً هي إشباع حاجاته الأساسية وهي: (الأمن، والمحبّة، والتقدير، والحرية، والحاجة إلى سلطة ضاغطة) (2) .

ويرى الدكتور فاخر عاقل هذه الحاجات بالشكل التالي: (الحاجة إلى توكيد الذات، أو المكانة، أن يعترف به وبمكانته، وأن ينتبه إليه.. والحاجة إلى الأمان والحاجة إلى المحبّة والحاجة إلى الاستقلال) (3) .

فإذا شعر الطفل بالحب والحنان والتقدير من قِبل والديه، فإنّه يحاول المحافظة على ذلك بإرضاء والديه، وأهم مصاديق الإرضاء هو طاعتهما.

فالوالدان هما الأساس في تربية الطفل على الطاعة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما) (4) وأُسلوب الإعانة كما حددّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتألف له، وتعليمه وتأديبه) (5) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله مَن أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيّئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله) (6) .

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 328.

(2) علم النفس، لعبد العزيز القوصي: 264.

(3) علم النفس التربوي، لفاخر عاقل: 100 ـ 101.

(4) مستدرك الوسائل 2: 618.

(5) مستدرك الوسائل 2: 626.

(6) عدّة الداعي: 61.

٥٨

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله مَن أعان ولده على برّه... يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به...) (1) .

وحبّ الأطفال للوالدين ردّ فعل لحبّ الوالدين لهما (2) .

فإذا كان الحبُّ هو السائد في العلاقة بين الطفل ووالديه، فإنّ الطاعة لهما ستكون متحقّقة الوقوع، وعلى الوالدين أنْ يُصدرا الأوامر برفق ولين بصورة نصح وإرشاد فإنّ الطفل سيستجيب لهما، أمّا استخدام التأنيب والتعنيف فإنّه سيؤدّي إلى نتائج عكسية؛ ولذا أكدّ علماء النفس والتربية على التقليل من التعنيف كما جاء في قول أنور الجندي: (يقتصد في التعنيف عند وقوع الذنب؛ لأنّ كثرة العقاب تهوّن عليه سماع الملامة وتخفّف وقع الكلام في نفسه) (3) .

وإطاعة الأوامر لا يجد فيها الطفل الذي حصل على المحبّة والتقدير أيّة غضاضة على حبّه للاستقلال، وبالمحبّة التي يشعرها تتعمّق في نفسه القابلية على تقليد سلوك مَن يحبّهم وهما الوالدان، فينعكس سلوكهما عليه، ويستجيب لهما، فإنّه إذا عُومل كإنسان ناضج وله مكانة فإنّه يستريح إلى ذلك، ويتصرّف بنضج وبصورة لا تسيء إلى والديه، فيتمرّن على الطاعة لوالديه، ومن ثمّ الطاعة لجميع القيم التي يتلقّاها من والديه، أو من المدرسة، أو من المجتمع.

____________________

(1) الكافي 6: 50 | 6 بِرّ الأولاد.

(2) علم الاجتماع، لنقولا الحداد: 252 ـ دار الرائد 1982 م ط2.

(3) التربية وبناء الأجيال: 167

٥٩

رابعاً: الإحسان إلى الطفل وتكريمه

الطفل في هذه المرحلة بحاجة إلى المحبّة والتقدير من قِبل الوالدين، وبحاجة إلى الاعتراف به وبمكانته في الأُسرة وفي المجتمع، وأن تسلّط الأضواء عليه، وكلّما أحسَّ بأنّه محبوبٌ، وأنّ والديه أو المجتمع يشعر بمكانته وذاته فإنّه سينمو (متكيّفاً تكيّفاً حسناً، وكينونته راشداً صالحاً يتوقّف على ما إذا كان الطفل محبوباً مقبولاً شاعراً بالاطمئنان في البيت) (1) .

والحبُّ والتقدير الذي يحسّ به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب حياته، فيكتمل نموّه اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي، والطفل يقلّد مَن يحبّه، ويتقبّل التعليمات والأوامر والنصائح ممّن يحبّه، فيتعلّم قواعد السلوك الصالحة من أبويه، وتنعكس على سلوكه إذا كان يشعر بالمحبّة والتقدير من قِبلهما.

وقد وردت عدّة روايات تؤكّد على ضرورة محبّة الطفل وتكريمه:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم) (2) وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله عبداً أعان ولده على بِرّه بالإحسان إليه والتآلف له وتعليمه وتأديبه) (3) .

____________________

(1) علم النفس التربوي، للدكتور فاخر عاقل: 111 ـ دار العلم للملايين 1985 ط1.

(2) مستدرك الوسائل 2: 625.

(3) مستدرك الوسائل 2: 626.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466