• البداية
  • السابق
  • 200 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13062 / تحميل: 6082
الحجم الحجم الحجم
التعليقات

التعليقات

مؤلف:
العربية

اللوازم لا تدخل فى الحقائق بل تلزم بعد تقوّم الحقائق.

الأول ذاته البسيط لا كثرة فيه البتة. والعقل الفعال اللازم عنه أولا فيه كثرة ، لأنه ماهية وجود وارد عليه من الأول. ثم اللازم الثاني فيه كثرة زائدة على ما فى الأول ، وكذلك الحال فى اللازم بعد اللازم.

بيان أن واجب الوجود بذاته لا كثرة فيه : واجب الوجود لا يصح أن تكون فيه كثرة حتى تكون ذاته مجتمعة من أجزاء ، مثل بدن الإنسان ، أو من أجزاء كل واحد منها قائم بذاته ، كأجزاء البيت والخشب والطين ، ولا من أجزاء كل واحد منها غير قائم بذاته ، كالمادة والصورة للأجسام الطبيعية فإنه لو كانت ذاته تتعلق بالأجزاء لكان وجوب وجوده لا بذاته ، ولا يصح أيضا أن تكون فيها صفات مختلفة : فإنه لو كانت تلك الصفات أجزاء لذاته كان الحكم فيها ما ذكر. وإن كانت تلك الصفات عارضة لذاته كان وجود تلك الصفات إما عن سبب من خارج ، ويكون واجب الوجود قابلا له ، ولا يصح أن يكون واجب الوجود بذاته قابلا لشىء ، فإن القبول بما فيه معنى ما بالقوة. وإما أن تكون العوارض توجد فيه عن ذاته ، فيكون إذن قابلا كما هو فاعل : اللهم إلا أن تكون تلك الصفات والعوارض لوازم ذاته ، فإنها حينئذ لا تكون ذاته موضوعة لتلك الصفات ، لأن تلك الصفات موجودة فيه ، بل لأنه هو. وفرق بين أن يوصف الجسم بأنه أبيض لأن البياض يوجد فيه من خارج ، وبين أن يوصف بأنه أبيض لأن البياض من لوازمه وإنما وجد فيه لأنه هو ، لو كان يجوز ذلك فى الجسم. وإذا أخذت حقيقة الأول على هذا الوجه ، ولوازمه على هذا الوجه ، استمر هذا المعنى فيه ، وهو أنه لا كثرة فيه ، وليس هناك قابل وفاعل ، بل من حيث هو قابل فاعل. وهذا الحكم مطرد فى جميع البسائط ، فإن حقائقها هى أنها تلزم عنها اللوازم وفى ذاتها تلك اللوازم على أنها من حيث هى قابلة فاعلة ، فإن البسيط عنه وفيه شىء واحد ، إذ لا كثرة فيه ، ولا يصح فيه غير ذلك. والمركب يكون ما عنه غير ما فيه ، إذ هناك كثرة. وثم وجود هو حقيقته أنه يلزمه ذاك ، فيكون عنه وفيه شيء واحد. وكل اللوازم هذا حكمها ، فإن الوحدة فى الأول هى عنه وفيه لأنها من لوازمها ، والوحدة فى غيرها واردة عليه من خارج ، فهى فيه لا عنه ، وهناك قابل. وفى الأول القابل والفاعل شىء واحد.

١٨١

البسائط ليس فيها استعداد ، فإن الاستعداد هو أن يوجد فى الشىء شىء عن شىء لم يكن ، وأظن استعداده لقبول ذلك الشىء مقدما على قبوله بالطبع.

النفس الإنسانية لا يصح أن تكون فاعلة المعقولات قابلة لها ، بعد أن لم تكن ، فإن مثل ذلك يجب أن يسبقه معنى ما بالقوة ، وفيها استعداد. فأما الشىء الذي حقيقته أن تلزمه المعقولات دائما ، فلا يجب أن يكون فيه معنى ما بالقوة.

لو كانت النفس الإنسانية تفعل المعقولات بعد أن لم تفعل لكان فيها معنى ما بالقوة.

الذي لا يقبل المعقولات لا يصح أن يكون فاعلا للمعقولات ، إذ لا يصح أن يكون شىء واحد فاعلا وقابلا بعد أن لم يكن فاعلا وقابلا ، فإنه يسبقه معنى ما بالقوة.

أقول إنه لا يصح أن يصدر عن شىء واحد بسيط من جميع الجهات إلا شىء واحد ، فقد عرفت أن الشىء لا يوجد عن الشىء ما لم يجب عنه ذلك الشىء. فإذا وجب أن يصدر عن شىء شىء ثم صدر عنه ، من حيث وجب أن يصدر عنه الشىء ، الأول ، ومن جهة ذلك الوجوب شىء آخر غير الأول ، لم يكن واجبا أن يصدر عنه الأول ، وإذا لم يكن بسيطا يصح أن يصدر عنه. فإن صدر عنه من جهة طبعه شىء ومن جهة إرادته شىء آخر ، كان الكلام فى اثنينية الطبع والإرادة ووجوبهما عن شىء بسيط وصدورهما عنه ، كالكلام فى الأول : فيقال : لم وجب عنه من حيث الطبع كذا؟ فإذن لا يصح أن يكون فى واجب الوجود كثرة أصلا وفى وحدة واجب الوجود أن كان واجب الوجود اثنين. ولا شك أن كل واحد منهما يتميز عن الآخر بفصل أو خاصة. ولو كانت الخاصة أو الفصل واحدا على حقيقته لكانا يفيدان ماهية الجنس فإن كل واحد منهما يفيد وجوب الجنس. وتغير الجنس والوجود هاهنا هو نفس الجنس ، وذلك محال ، فإن الفعل والخاصة لا يفيدان حقيقة الجنس ولا يقومانه ، وإلا كان الجنس لا يكون جنسا من دونها ، وكان مثل الحيوان الناطق يكون الناطق تمام الحيوانية ، فلا يكون ما ليس بناطق حيوانا. فإذن هما مفيدان وجود الجنس لا ماهيته. فلو كانا يدخلان على واجب الوجود وكانا يفيدان وجوده ، وكان الوجود حقيقة واجب الوجود ، لكانا يفيدان حقيقة الجنسية. فلأن واجب الوجود من دون الفصل والخاصة له وجوب الوجود ، فإن رفعت الفصل والخاصة من كل واحد من واجبى

١٨٢

الوجود ، فإما أن تبقى الاثنينية ، أو لا تبقى. فإن بقيا اثنين كان المعنى الواحد اثنين ، وهذا محال. وإن بطل معنى وجوب الوجود مع رفعيهما ، كان الفصل والخاصة شرطا فى حقيقة المعنى العام ، أعنى وجوب الوجود. وهذا محال. نعم إن كانت الماهية غير الآنية صح أن يصير المعنى الواحد اثنين بالفصل أو الخاصة ، فإذن لا يصح أن يصير واجب الوجود بذاته صفة لشيئين. على أنك قد عرفت أن المعنى الكلى لا يتعين شيئا واحدا من جملة ما هو كليه إلا بعد تخصص. ولو كان واجب الوجود بذاته يتخصص بعلة ، لكان ممكن الوجود لا واجبه. فإذن معنى واجب الوجود ليس للأمور العامة.

المعنى العام لا وجود له فى الأعيان ، بل وجوده فى الذهن ، كالحيوان مثلا فإذا تخصص وجوده ، كان إما إنسانا أو حيوانا آخر ، أو واحدا من قسميه ، وتخصصه يكون بعلة لا بذاته. وواجب الوجود لو كان معنى عاما لكان يتخصص وجوده لا بذاته ، فيكون ممكنا. فإذن معنى واجب الوجود ليس بعام ، لأن واجب الوجود شخصه بذاته ، لا بسبب من خارج ، وهو معنى لا ينقسم ، إذ هو يتشخص بتأحد.

وجوب الوجود بذاته ، وإن كانت صيغته صيغة المركب ، فليس هو مركبا ، بل هو شرح معنى لا اسم له عندنا ، وهو أنه يجب وجوده ، لأن ما يجب وجوده فحقيقته أنه يجب وجوده بذاته ، لا شىء عرض له وجوب الوجود.

إن كان واجبا فى وجوب الوجود أن يكون صفة متعينة لشىء ، فإنه يمتنع أن لا تكون صفة له متعينة ، ويمتنع أن تكون لغيره. وهذا كما يقال إن كان واجبا فى واجب الوجود أن يكون مقارنا للبياض فهذا إذا كان لذاته يقتضى أن يكون مقارنا له. وإن كان بسبب ما صار مقارنا له ، كان ممكن الوجود قد تغير عن هذا. بعبارة أخرى أن كون الواحد من المفروضين واجب الوجود ، وكونه هو بعينه من حيث هو ، أى من حيث هو ذلك الواحد المتعين لا من حيث هو واجب الوجود : إما أن يكون واحدا ، فيكون كل ما هو واجب الوجود فهو هو ، أى ذلك الواحد المتعين وليس غيره. وإما أن لا يكونا واحدا. بل معنى قولنا واجب الوجود غير معنى قولنا هو بعينه. فمقارنة واجب الوجود لأنه هو ، واختصاصه به إما أن يكون أمرا لذاته أو لسبب ، فإن كان كونه هو بعينه ، هو بعينه كونه واجب الوجود ، لم يصح أن يكونا إلا واحدا. فإن كان ذلك الاختصاص ، أى كونه هو بعينه واجب الوجود لذاته ، ولأنه واجب الوجود ، فيكون كل ما هو واجب الوجود هو بعينه ، وإن كان

١٨٣

لعلة وسبب غيره ، فلكونه هو بعينه ، أى لكون واجب الوجود هو سبب ، فهو معلول. وهذا كما يقال : إن كان كون الإنسان بذاته إنسانا وكونه هذا الشخص المعين ، واحد ، فمحال أن يكون غيره.

إن المعنى الواحد ، أىّ معنى كان ، لا يتكثر بذاته ، وإلا لم يوجد واحد منه ، لأن ذلك الواحد منه كان على طباع ذلك المتكثر ، فيكون هو أيضا متكثرا بذاته ، ويقتضى التكثر بذاته ، فهو مشارك للمعنى أيضا فى طباعه ، بل هو ذلك المعنى. مثلا البياض لو كان يتكثر بذاته فكل شخص من أشخاصه يقتضى التكثر ، إذ كل واحد يكون على طباع البياض ، ومشاركه فى معناه ، فلا سبب لتكثره غير معنى البياض ، فحقيقة كل شخص منها لا يخالف البياض المطلق ، وهو يقتضى التكثر بذاته ، فذلك الشخص أيضا يقتضى التكثر. وإذا لم يكن واحدا لم يكن كثرة أيضا. فإذا فرضنا المعنى الواحد يتكثر بذاته ، أبطلنا الكثرة ، لأنه واحد منه ، والكثرة تتركب من الواحد.

المعنى العام يقتضى التكثر بذاته من حيث هو عام ، والمعنى الواحد يقتضى التأحد بذاته ، ويكون تكثره بسبب. فإن كان تكثره بذاته كان له أشخاص ، وحقيقة كل شخص منها لا تخالف المعنى المتكثر بذاته ، فإن تكثر واجب الوجود ، وكان تكثره بذاته ، لم يكن واحد أصلا ، ولم تكن كثرة أيضا ، فنبطل أن يوجد الواحد من واجب الوجود ، فإذن لا يتكثر معنى واجب الوجود. وواجب الوجود شخصه فى ذاته لا يتشخص بغير ذاته.

واجب الوجود بذاته يقتضى بذاته أن يكون واحدا ، فلا يكون قابلا لكثرة أصلا ، إذ لا سبب له فى وجوده ولا فى صفاته ولا فى لوازمه ، فهو واجب من جميع جهاته.

تكثّر المعنى الواحد يكون بسبب من خارج لا من ذاته.

إن كان واجب الوجود اثنين ، فكل واحد منهما إما أن يكون وجوب الوجود وهويته شيئا واحدا ، فيكون كل ما هو واجب الوجود هو بعينه ، وإن كان وجوب الوجود غير هويته ، لكنه يختص به ويقارنه ، فاختصاصه به إما لذاته أو لعلة. فإن كان لذاته ولأنه واجب الوجود ، كان كل ما هو واجب الوجود هو بعينه. وإن كان لسبب ، كان معلولا.

حقيقة الأول آنيته.

١٨٤

كل ذى ماهية فهو معلول ، والآنية معنى طارئ عليه من خارج ، فهى لا تقوّم حقيقته ، فإما أن تكون تلك الماهية علة لآنيتها ، وإما أن تكون علتها أمرا من خارج ، أعنى علة الآنية. فإن كانت الماهية علة لوجود ذاتها ، فإما أن تكون علة وهى موجودة له ، أو علة وهى معدومة. ومحال أن تكون معدومة وهى علة لوجود ذاته. وإن كانت موجودة كان لها وجودان. والكلام فى الوجود الأول الذي به صارت الماهية علة للوجود الثاني ، كالكلام فى الوجود الثاني ، ويتسلسل إلى ما لا نهاية. وهى تستغنى بالوجود الأول عن الوجود الثاني إن كان لها ذلك الأول.

الذي يجب أن يبين من أمرها هو أنها هل هى وجدت بوجود متقدم ، أم وجدت وهى معدومة؟

إن كانت موجودة وهى علة ، فإنها تستغنى بالوجود الأول عن الثاني. فإن كان علة واجب الوجود أمرا عن خارج كان متعلقا بسبب ، وهو محال ، فإذن حقيقة الأول معنى شرح اسمه أو لازمه أنه واجب وجوده بذاته ، أو أنه يجب وجوده ، لا ما يجب وجوده فتثبت ماهية غير الآنية. وهذا كما يخبر عن القوى بلوازم ، كما يقال : إن النفس ما يصدر عنه كذا وكذا ، وهذا هو من لوازم النفس لا حقيقتها. وهذه الحقيقة التي قلنا إن واجب الوجود بذاته لازم لها ، هى الحقيقة المطلقة ، فإن حقيقة كل شىء وجوده. وحيث لا يكون معنى ما بالقوة أصلا ، بل يكون إما وجود مطلق ، أو وجود يكون وجوب الوجود من لوازمه ، تكون الحقيقة المطلقة البريئة عن معنى ما بالقوة والأعدام ، فلهذا صار أخص الصفات به الوحدة والحقية. إذا شاركه فى هذين المعنيين شيء ، فالواحد الحق أخص الصفات به. فالوحدة مساوية للحقية المطلقة ، إذ لا واحد مطلقا سواه ، والوجود المطلق هو الحقية ، وهو البراءة عن جميع ما بالقوة.

كل ما يقبل التغير فإنه يكون لما قبله سبب من خارج ، ومحال أن يكون واجب الوجود بذاته قابلا أن يكون له تعلق بسبب.

الوجود لا فى موضوع يحمل على وجود الأول على أنه هو ، لا على حمل الجنسية ، وكذلك الحال فى حمل واجب الوجود عليه.

الأول لا يدرك كنهه وحقيقته العقول البشرية ، وله حقيقة لا اسم لها عندنا. ووجوب الوجود إما شرح اسم تلك الحقيقة أو لازم من لوازمها ، وهو أخص لوازمها وأولها ، إذ هو لها بلا واسطة لازم آخر. وسائر اللوازم فإن بعضها يكون

١٨٥

بوساطة البعض. وكذلك الوحدة هى أخص لوازمها إذ الوحدة الحقيقية هى لها ، وما سواها فإنه لا يخلو عن ماهية وآنية ، فهى من أخص الصفات بها ، إذ لا يشاركها فى الوجود والحقية شىء ، والوجود والحقية هما متساوقان.

الماهيات كلها وجودها من خارج ، والوجود عرض فيها ، إذ لا تقوم حقيقة واحدة منها ، فإذن كلها معلولة.

ما حقيقته آنيته ، فلا ماهية له. يعنى بالماهية فى سائر المواضع : الحقيقة ، وواجب الوجود حقيقته الآنية.

الجوهر هو ما وجوده ليس فى موضوع. وليس يعنى بالوجود هاهنا الحصول بالفعل ، فلهذا تشك ، مع معرفتك بأن الجواهر جسم ، فى وجوده أو عدمه. فإذن الجواهر ماهية ، مثل الجسمية والنفسية والإنسانية ، إذا وجدت كان وجودها لا فى موضوع.

الجوهر حقيقته ماهية. وما لا ماهية له فليس بجوهر. فواجب الوجود ليس بجوهر.

وأما العرض ، فظاهر أن واجب الوجود بذاته لا يصح أن يكون عارضا لشىء حتى يكون متعلقا فى وجوده به.

كلّ عرض فموجود فى شىء ، وواجب الوجود لا يكون وجوده فى شىء فليس بعرض.

لما كان حمل الوجود لا فى موضوع على وجود واجب الوجود ، ووجود سائر الموجودات لم يكن بالتواطؤ ولا بالتشكيك ، كان حمل الوجود لا فى موضوع عليهما ليس حملا جنسيا ، ولا بالتشكيك. وقد بطل هاهنا أيضا اعتبار التشكيك الذي يكون فى وجود الأعراض ووجود الجواهر.

الوجود لا فى موضوع لا يحمل على ما تحته بالتواطؤ ، وكل جنس فإنه يحمل على ما تحته بالتواطؤ ، فالوجود لا فى موضوع ليس بجنس. فإذن حمله على وجود واجب الوجود ووجود الجوهر لا على سبيل الجنسية ، بل يكون الوجود لا فى موضوع جنسيا إذا عنى به أنه محمول على وجود ماهية إذا وجدت كان وجودها لا فى موضوع. وليس يعنى بقولنا الموجود لا فى موضوع هاهنا ما يعنى به فى رسم الجوهر ، فإنه يعنى به هناك وجود شىء إذا وجد كان وجوده لا فى موضوع. ويعنى به هاهنا

١٨٦

وجود دائم أبدا ، ووجود حقيقة يكون الوجوب من لوازمها ، وهو دائم الوجود لم يزل ولا يزال لا ماهية من شأنها أن توجد إذا وجدت لا فى موضوع.

الوجود لا فى موضوع هو غير الموجود لا فى موضوع.

الجوهر حقيقته ماهية ، وواجب الوجود حقيقته آنية لا ماهية. وما لا ماهية له فليس بجوهر ، فواجب الوجود ليس بجوهر ، ولا داخل فى مقولة من المقولات ، فإن كان مقولة ، فوجودها خارج عن ماهيتها ، وزائد عليها. وواجب الوجود ماهيته آنيته ، ليس آنيته زائدة على ماهيته ، بل لا ماهية له غير الآنية ـ ويعنى بالماهية الحقيقة : فما يعنى به الماهية فى سائر الأشياء ، فإنه يعنى به فى واجب الوجود الآنية. فقد بان أن واجب الوجود لا جنس له ، فلا فصل له ، إذ لا شريك له فى الجنس. وإذ لا فصل له ، فلا حد له ، ولا محل له ، فلا موضوع له. وإذ لا سبب له ، فلا جزء له ، فإن الأجزاء سبب الكل. ولا تغير فيه ، فإنه غير قابل ، والتغير يكون بسبب من خارج.

المعنى العام لا وجود له فى الأعيان ، فيكون شخصا ، فإنه لا يكون حينئذ عاما ، وإذا تخصص وجوده ، تخصص بأحد ما يكون من أنواعه ومن أشخاصه فوجد فى الأعيان حينئذ.

صفات الأشياء على أربعة أصناف : أحدها كما يوصف الإنسان بأنه حيوان أو جسم ، وهذه الصفة ذاتية له ، وشرط فى ماهيته. وليس هذه الصفة له بجعل جاعل ، بل هى ذاتية له ، فلا سبب لكونه صفة له ، وذلك مطرد فى جميع الذاتيات. والثاني كما يوصف الشىء بأنه أبيض ، فإنه صفة عرضية ، ويوصف الشىء بالبياض لوجوده فيه ، وهو غير ذاتى له. والثالث كما يوصف بأنه عالم ، فإن العلم هيئة موجودة فى النفس معتبرا معها الإضافة إلى أمر من خارج ، وهو المعلوم. فالعلم أمر من خارج ، كالبياض فى الجسم ، إلا أنه يخالف البياض ، فإن الأبيض لا يصير بالبياض مضافا إلى شىء من خارج. والعالم يصير بهيئة العلم مضافا إلى أمر من خارج ، وهو المعلوم. والرابع مثل الأب واليمين ، فإن الأبوة ليست هى هيئة توجد فى الإنسان ثم تعرض لها الإضافة ، كما كان فى هيأة العلم. وكذلك الأمر فى التيامن ، بل هما نفس الإضافة ، لا هيئة تعرض لها الإضافة ، وهاهنا صفات خارجة عن هذه الأربعة ، وهى بالحقيقة لا صفتية ، كما يوصف الحجر بالموات ، فليس الموات إلا امتناع وجود الحياة فى الحجر. فواجب الوجود

١٨٧

ليس له صفات ذاتية ، حتى تكون الصفات موجودة فيه ، إلا على الوجه الذي ذكرنا ، وهو أن تكون تلك الصفات من لوازم ذاته ، ولا صفات عرضية ، كالبياض. وأما الصفات الإضافية ، فلا بد من أن تكون موجودة له ، إذ الوجودات كلها عنه ، وهو معها ، أو متقدم عليها ، على اعتبارين مختلفين ، فإن المعية هى نفس الإضافة ، والتقدم نفس العلية ، وهذه الوجودات إضافات. وأيضا له صفات عدمية ، أعنى لا صفتية ، مثل الوحدة ، فإن معناها أنه موجود لا شريك له ، أو لا جزء له. وإذا قيل : «أزلى» ، أى أنه لا أول لوجوده ، فإنّا نسلب عنه الحدوث أو وجودا متعلقا بالزمان ، فهذه السلوب والإضافات لا تتكثر بها الذات ، فإن الإضافة معنى عقلى لا وجود له فى ذات الشىء. ولكن لما كان لمثل هذه السلوب ألفاظ محصلة ، مثل الوحدة والأزلية ، ظنّت أنها صفات محصّلة. وقد تكون ألفاظ محصلة ومعانيها غير محصلة ، ووجودية ، بل سلبية. وقد تكون ألفاظ محصلة ومعانيها محصلة وجودية. فالأول كالوحدة والزوج والفرد. والثاني كاللاأعمى ، أى البصير. أو مثال آخر ، وهذا كما يقال الغنى والفقير ، فإن الغنى ليس إلا إضافة ذى المال إلى ماله ، لا صفة موجودة فى ذات ذى المال. والفقر معنى عدمى ، ومعناه أنه ليس بذى المال. وليس لهاتين الصفتين وجود فى ذات صاحبيهما. فصفات واجب الوجود بذاته إما أن تكون لوازم له ، فلا يتكثر بها على ما ذكر ، وإما أن تكون عارضة له من خارج ، وذلك إما معنى إضافى ، وإما معنى عدمى ، فلا يتكثر بها.

لا يصح أن يكون واجب الوجود بذاته له سبب ، فإنه إن كان لا سبب لوجوده ، فليس لوجوده سبب ، فإذن لا تعلق له بسبب. وإن لم يكن له وجود إلا بسبب ، فليس هو واجب الوجود بذاته. ولا يصح أن يكون مستفيد الوجود من شىء آخر ، وذلك الشىء يستفيد وجوده من هذا الأول ، فإنه يكون كل واحد منهما أقدم من الآخر ، وأشد تأخرا من الآخر ، فلا يصح وجود أحدهما إلا بوجود الآخر الذي لا يوجد إلا بالأول ، فلا يكون له وجود أصلا. ولا يصح أن يكونا متكافئى الوجود ، مثل وجود الأخوة ، فإنه لا يخلو إما أن يكون كل واحد منهما يجب وجوده بالآخر ، أو يجب وجوده بذاته. فإن كان يجب وجوده بذاته ، كان لا تأثير للآخر فى وجوده ، فلا يكون لأحدهما تعلق بالآخر فى الوجود. وإن كان كل واحد منهما ليس واجبا بذاته ، فيكون بذاته ممكن الوجود ، فلا يكون وجوده أولى من لا وجوده. وكل ممكن الوجود فإنه يجب وجوده بسبب متقدم بالذات.

١٨٨

فإذن كل واحد منهما يحتاج فى وجوده إلى أمر من خارج متقدم عليهما ، إذ لا تقدم لأحدهما على الآخر ، إذ فرضناهما متكافئين. والعلة يجب أن تكون متقدمة. وإن كان أحدهما علة والآخر معلولا فإنه يكون أحدهما واجبا بذاته ، والآخر وجوده مستفاد منه. وبهذا نعلم أن واجب الوجود بذاته لا أجزاء له ، فإن الأجزاء سبب للجملة ، فإذن لا تعلق لواجب الوجود بشيء.

وجود الأجسام وأعراضها ، وبالجملة وجود العالم المحسوس ، ظاهر. وجميع هذه الموجودات وجودها خارج عن ماهيته ، إذ جميع هذه ماهيات فى المعقولات العشر ، وكلها ممكنة الوجود فى ذواتها. قوام الأعراض بالأجسام ، والأجسام قابلة للتغيرات. وأيضا فإنها مركبة من مادة وصورة ، وكل واحد منها جزء للجسم. والمادة لا قوام لها بالفعل ، وكذلك الصورة وكل ما كانت هذه صفاته ـ أعنى التغير والتجزؤ. واجتماع جملتها من الأجزاء وحصول معنى ما بالقوة ـ فهو ممكن الوجود. فكل ما هو ممكن الوجود فإنه يخرج إلى الفعل بأمر من خارج ، ويكون تعلق وجوده بذلك الأمر ، وهذا هو معنى الحدوث ، أعنى أن يصير الشىء أيس ، بعد أن كان ليس ، بعدية بالذات ، أى أنه متأخر الوجود عن وجود علته. وقد بينا أن جميع العلل تنتهى إلى واجب الوجود بذاته ـ وأن واجب الوجود بذاته واحد ، فيجب أن يكون للعالم مبدأ لا يشبهه ، فوجود العالم منه. ووجود ذلك المبدأ يكون واجبا بذاته ، بل تكون حقيقته الوجود المحض ، أى لا يخالطه معنى ما بالقوة وما سواه يكون وجوده منه ، مثل الشمس التي هى مضيئة بذاتها ، وما سواها مضىء بها ، والضوء عارض منها. وهذا المثال يصح لو كانت الشمس نفس الضوء ، ولم يكن للضوء موضوع. ولكن الأمر بخلاف ذلك ، فإن ضوء الشمس له موضوع ، وواجب الوجود بذاته لا موضوع له ، بل هو قائم بذاته.

المعلوم بالحقيقة هو نفس الصورة المنتقشة فى ذهنك. وأما الشىء الذي تلك الصورة صورته ، فهو بالعرض معلوم. فالمعلوم هو العلم ، وإلا كان يتسلسل إلى ما لا نهاية.

إن السبب فى أن يكون الشىء معقولا ، هو بأن يتجرد عن المادة ، وكذلك السبب في أن يصير الشىء عاقلا هو أن يتجرد عن المادة ، أعنى العقل. فإذا حصلت صورة مجردة عن المادة ، لصورة مجردة عن المادة ، كان ذلك النحو من الحصول عقلا ، والصورة الإنسانية إذا تجردت عن المادة ، واستحضرتها نفسك ، كانت نفسك ، على ما ذكر فى «كتاب النفس» ، عاقلة للمعقول من تلك الصورة الإنسانية. وبالجملة

١٨٩

فالصورة المجردة عن المادة وجودها معقوليتها ، أى وجودها هو أنها عقلت ، فإنها إن لم تعقل لم توجد. كما أن الصورة المحسوسة وجودها محسوسيتها ، وهو أنها أحست. وكما أنك لو أحضرت فى ذهنك صورا تجردها عن موادها ، لكان وجودها فى ذهنك هو أنك عقلتها ـ كذلك إذا كانت مجردة بذواتها لم يكن وجودها إلا أنها عقلت. فالوجود لها هو أنها معقولة ، فإنها إنما توجد عند ما تعقل. ووجود الأول هو عقليته لذاته ، أى أنه تعقل ذاته ، فإن ذاته مجردة ، فموجوديتها له هو أنه تعقلها. فوجود ذاته دائم ، فعقليته لها دائمة. ولما كانت النفس الإنسانية مجردة عن المادة ، وكان وجودها لذاتها ، كانت عاقلة لذاتها ، ومعقولة لذاتها ، إذ كانت ذاتها مجردة عن المادة ، على ما تبين ، ولم تكن ذاتها المجردة مباينة لذاتها المجردة ، كمباينة البياض مثلا ، أو الجسمية لذاتيهما ، فإن البياض والجسمية وجودهما لغيرهما ، أعنى للمادة والموضوع. ووجود ذات كل واحد منهما مباين لذاته ، فالنفس هى عالمة لذاتها ، ومعلومة لذاتها. وواجب الوجود مجرد عن المواد غاية التجريد ، فذاته غير محجوبة عن ذاتها ، أى واصلة إليها ، وغير مباينة لها ، إذ البياض محجوب عن ذاته ، أعنى أن وجوده فى غيره. والمحجوب عن الشىء هو أن لا يكون ذلك الشىء موجودا فى المحجوب عنه ، فإن البياض المحجوب عن البصر هو أن لا يكون حاصلا فى البصر ، فلا يدركه البصر. وأما الحاجز بينك وبينه ، فهو الذي يمنع من حصوله فى حس البصر ، وهو السبب فى عدم حصول ذلك الشىء المحسوس فى حسك ، أو عدم سبب الحصول. فواجب الوجود بذاته عاقل لذاته ومعقول لذاته ، فإنا إذا قلنا : «علم مجرد لشىء مجرد» ـ معناه أن ذلك المجرد إذا اتصل بمجرد ، عقله ذلك المجرد المتصل به ، ولما كانت ذات واجب الوجود مجردة ، ولم تكن مباينة لذاتها ، بل كانت متصلة بها ، أى وجوده له كان عاقلا لذاته ، ومعقولا لذاته ، وهو بالحقيقة وجوده شيئا ، ومعقوليته شيئا آخر ، كالحال فى الصورة المادية ، التي وجودها شىء ومعقوليتها تكون بعد وجودها ، فلا تكون معقولة وهى موجودة ، بل من شأنها أن تعقل. والصور الفائضة عن الأول فإن نفس صدورها عنه هو معقوليتها له ، لا أنها تصدر ، ثم تعقل بعد صدورها. والأول عقليته لذاته ومعقوليتها له شىء واحد ، فهو عاقل ومعقول وعقل ، والعقل بالحقيقة هو المعقول ، فإن المعقول هو الشىء الحاصل فى الذهن. فأما الأمر من خارج ، فهو بالعرض معلوم ومعقول ، لا بالذات ، وإلا لاحتيج إلى علم آخر به يعلم ذلك العلم ، وكذلك المحسوس بالذات هو الأثر الحاصل فى الحس ، فأما الشىء الذي ذكر الأثر أثره ، فهو محسوس بالعرض ، وذلك الأثر المحسوس بالحقيقة هو بعينه

١٩٠

الحس ، وإلا كان يتسلسل ، لأنه لو كان يجب أن يتكرر ذلك الأثر فى الحس حتى يصير حسا ، لكان الكلام فى الأثر الثاني كالكلام فى الأثر الأول ، وكذلك يستمر الكلام إلى ما لا نهاية. فإذن واجب الوجود عقله ما هو معقول ، وكذلك كل مجرد عن المادة ، وكل ذلك هو الوجود المجرد عن المادة.

كل ما كان وجوده لذاته ، فوجوده معقوليته. كل ما كان وجوده لغيره فوجود معقوليته لغيره.

ولما كان واجب الوجود مبدءا لجميع الموجودات على ترتيب الموجودات ، وكان عاقلا لحقيقة ذاته ، كان أيضا للوازمه ، لأن ما يعقل شيئا بالحقيقة فإنه يعقل (لا غير) لوازمه. ووجود لوازمه أيضا هو معقوليتها ، فلا يجوز أن يقال إنه عقلها فوجدت ، ولا أنها وجدت فعقلها ، وإلاّ كان يلزم محالان : أحدهما أنه يتسلسل إلى ما لا نهاية ، فإنه كان يسبق كل وجود لازم ، عقل واجب الوجود له ، وكل عقل واجب الوجود لتلك اللوازم ، وجودها.

علة وجود لوازمه عقليته لها ، فيجب أن تكون معقولة له قبل وجودها ، فيجب أن تكون موجودة حتى يعقلها.

إن فرضنا أن تلك اللوازم يجب أن يكون وجودها غير معقوليتها ، فيجب أن يسبق كل وجود معقولية ، وكل معقولية وجود ، فيتسلسل ، فيقال : إنما صارت موجودة لأنه يسبقها التعقل ، وإنما عقلها لأنه سبق عقليتها الوجود ، إذ كان ما ليس بموجود ليس بمعقول. إذ كان يلزم أيضا محال آخر ، وهو أنه إنما صارت تلك اللوازم معقولة لأنها موجودة وإنما صارت موجودة لأنها معقولة ، فيلزم أن يكون عقلا ، لأنه عقل. فكان يلزم أن يكون علة وجودها وجودها ، وعلة معقوليتها معقوليتها ، فكانت تصير معقولة لأنها معقولة وموجودة لأنها موجودة. فإذن يجب أن تكون نفس وجود هذه اللوازم نفس معقوليتها ، كما أن نفس وجود الأول نفس معقوليته.

تلك اللوازم معلوميتها هى نفس وجودها لازمة للأول ، ويعنى باللوازم معلوماته.

الوجود وجودان : عقلى وحسّى ، والعقليات نفس معقوليتها وجودها ، والحسيات نفس محسوسيتها وجودها.

١٩١

اللوازم هى الهيئات العلمية. ولو أنها كانت موجودة فى ذهنك لم يكن وجودها فى غير ذهنك غير معقوليتها. فإذ قد صدرت عن واجب الوجود بذاته مجردة فوجودها معقوليتها. لو أنها حصلت فى ذهنك كان نفس وجودها عقليتك لها ، وما كان يجب أن توجد أولا ثم تعقلها ، بل نفس وجودها فى ذهنك نفس معقوليتها.

الحسّ يعنى به الإدراك الحسّى ، والعقل يعنى به الإدراك العقلى ، أى انتقاش الصورة المعقولة فى العقل ، وهو نفس الإدراك ، كما أن انتقاش المحسوس فى الحس هو نفس الإدراك الحسى. فإذا تصور الشىء فى العقل فنفس حصوله فى العقل هو نفس العقل.

الإدراك ليس هو بانفعال ما لمدرك ، لأن المدرك لا تتغير ذاته من حيث هو مدرك بل تتغير أحواله وأحوال آلته.

الأول يعرف كل شىء من ذاته لا على أن تكون الموجودات علة لعلمه بل علمه علة لها مثل أن يكون البنّاء يبدع فى الذهن صورة بيت فيبنيه على ما فى الذهن فلولا تلك الصورة المتصورة من البيت فى الذهن لم يكن للبيت وجود ، فلم تكن صورة البيت علة لعلم البناء به. وما يكون بخلاف ذلك فإنه كالسماء التي هى علة لعلمنا بها ، فإن وجودها علة لعلمنا بها. وقياس الموجودات إلى علمه كقياس الموجودات التي نستنبطها بأفكارنا ثم نوجدها فإن الصورة الموجودة من خارج علتها الصورة المبدعة فى أذهاننا ولكن البارى لم يكن يحتاج معه إلى استعمال آلة وإصلاح مادة بل كما نتصور نحن وجود الشىء بحسب التصور. وأما نحن فنحتاج مع التصور إلى استعمال آلات ونحتاج إلى شوق إلى تحصيل ذلك المتصور وطلب لتحصيلها. والأول غنيّ عن كل هذا. وشبّه طاعة المواد والموجودات لتصوره ـ سبحانه بأن يتصور شيئا! فإذا حصل منا الإجماع لطلبه انبعثت القوة التي فى العضلات إلى تحريك الآلات من دون استعمال آلة أخرى فى تحريك الآلات. وهذا معنى قوله «كن فيكون».

اللّه يوجد الشىء على ما يتمثله. فما يوجد فيه زمان يكون قد تصوره على أنه يكون فى زمان بعد زمان كذا ، مثال ذلك : أنه إذا علم أن الشمس كلما كانت فى الحمل فى درجة فإنها تنتهى إلى آخرها فى مدة كذا ، أى فى زمان قدره كذا فتصوّره للأشياء

١٩٢

يكون على ما يكون الأشياء علته فى الوجود إلا أنه لا يكون حسا مشارا إليه فإنه يعلم الكسوف الذي يكون فى غد لا حسا مشارا إليه فإنه يحدث ويتغير ولا يحدث علمه ويتغير بل يعرف كليا بأسبابه وعلله. فإنه يعلم أنه يكون بعد زمان كذا وعند اجتماع كذا وكذا وعلى وجه كلى بأسبابه وعلله فنفس وجود الأشياء هو معلوميتها له.

علم الأوّل ليس هو مثل علمنا ، فإن العلم فينا من لونين : علم يوجب التكثر ، وعلم لا يوجب التكثر. فالذى يوجب التكثر يسمى علما نفسانيا والذي لا يوجبه يسمى عقليا ، على ما يجيء شرحه. ومثال ذلك هو أنه إذا كان رجل عاقل يكون بينه وبين غيره مناظرة فيورد صاحبه كلاما طويلا فيأخذ العاقل فى جواب تلك الكلمات ، فيعرض لنفسه أولا خاطر يتيقن بذلك الخاطر أنه يورد جواب جميع ما قاله من دون أن يخطر بباله تلك الأجوبة مفصلة ، ثم يأخذ بعد ذلك فى ترتيب صورة صورة وكلمة كلمة ويعبّر عن ذلك التفصيل بعبارات كثيرة. وكلا العلمين علم بالفعل : فإنه بالخاطر الأول يتيقن أن عنده أجوبة جميع ما قاله صاحبه وذلك التيقن هو بالفعل. وكذلك الثاني هو علم بالفعل. فالأول علم هو مبدأ لما بعده فاعل للعلم الثاني والثاني علم انفعالى. والثاني يوجب الكثرة ، والأول لا يوجب الكثرة ، إذ للعلم الأول إضافة إلى كل واحد من التفاصيل. ثم الإضافة لا توجب الكثرة على أن لكل تفصيل من تلك التفاصيل معقولا على الوجه الأول أعنى معقولا كليا ينقسم إلى تفاصيل أخرى كثيرة ومقاييس كثيرة فإنه إذا كان قياس يجب تصحيح مقدماته بأقيسة كثيرة أخرى ولكل واحدة من هذه الجملة معقول كلى يصدر عنه تفصيل بحسبه فعلم واجب الوجود يكون على الوجه الأول بل أشد بساطة وأبلغ تجردا.

التصور الذي يكون للنفس يكون له تفصيل ونظم وترتيب للألفاظ والمعانى. ومثاله : كل إنسان حيوان ، فإن النفس تفصّل فى ذاتها معانى هذه الألفاظ. وكل معنى منها يكون كليا ، ويجوز أن يغير الترتيب حتى يكون هذا الحيوان محمولا على كل إنسان. والمعنى المعقول من هذا القول : «كل إنسان حيوان» ـ غير مختلف باختلاف الترتيبين.

ليس فى وسع أنفسنا وهى مع من البدن أن تعقل الأشياء معا دفعة واحدة.

التصور البسيط العقلى هو أن لا يكون هناك تفصيل ، لكن يكون مبدأ للتفصيل والترتيب : مثلا إذا عرفت أن اللّه ليس بجسم قبل أن تأخذ فى تفصيل البرهان عليه

١٩٣

فما لم يكن عندك النفس فإنه ليس بجسم لم يستعمل تفصيل البرهان عليه. وربما برهن على هذا بالشكل الأول أو بالثانى أو بالقياس الشرطى. لكن ما لم يكن عندك مبدأ تصير به النفس خلاقة للبراهين المفصلة ، لم يمكن لنفس أن تأتى بالبرهان عليه ، وذلك المبدأ هو التصور البسيط العقلى. وهذا هو الملكة المستفادة من واهب الصور ، وتخرج به عقولنا من القوة إلى الفعل.

آخر الموجود من هذه التعليقات

وللّه الحمد والمنة(1) .

تم كتاب التعليقات

________________

1) ب : «وهذا آخر الموجود من كتاب «التعليقات» للشيخ الرئيس أبى على عبد اللّه بن الحسين بن سينا رحمه اللّه. وللّه المنة والحمد».

١٩٤

فهرس أبجدى بالمعانى الرئيسية

(أ)

الآنية 30 ، 4 7 ، 64 ، 137 ، 1 5 7 ، 178 ، 179.

الأبديات 11 6.

الاتصال 5 0 ، 83 الاتفاق (الصدفة) 109.

اثبات المحرك الأول 56.

اثبات واجب الوجود 31.

الاختيار 45 ( الانسان مضطر فى صورة مختار) 4 7.

الادراك 17 ، 6 3 ، 18 6.

الارادة 10 ، 1 6 ، 97 ، 1 5 8 ، 1 5 9.

الارادة الالهية 10 ، 55 ، 111.

ارادة واجب الوجود هى علمه 13.

الاستحالة 99.

الاستدارة 3 5.

الاسود 88.

الاشرف 1 5.

الاضافة 6 9 ، 70 ، 88 ، 13 6 ، 137 ، 138 1 4 0.

الاضافة الوجودية 70.

الاعياء 81.

الألم 81.

الالهيات 1 6 7.

الالهيون 56.

الأمور العامة 92.

الامكان 1 5 ، 22 ، 23 ، 30 ، 4 8 ، 56 ؛ 10 4 ، 118.

الإنسان 8 6.

الانفصال 83.

الانفعال 71.

الانقسام 83 ، 8 4.

أن يفعل 1 6 9.

أن ينفعل 1 6 9.

الأوائل : 21.

الأول 21 ، 27 ، 4 3 ، (هو الخير) 45 46 ، 54 ، 56 ، 9 6 ، 11 6 ، 1 46 ، 1 6 8 ، 179.

الأوليات 1 56.

الايجاب والسلب 38.

أيس 79 ، 11 6 ، 183.

الأين 37.

(ب)

انبارى 4 8 ، (وجوده) 54 ( عقله لذاته) 73 ، 7 4 ، 91 ، 1 5 8 ، 1 5 9 (علمه) 110 ، 113 تعقله للأشياء 1 4 8.

البخار 3 6.

البرئ عن الهيولى 72.

البرهان على وجود اللّه بفكرة الواجب 1 56 ـ 1 5 7.

البسائط 131 ، 17 5 ، 17 6.

البسيط 21 ، 29.

البصر والابصار 6 3.

البياض 3 5 ، 129.

(ت)

التجريد العقلى 80.

التحديد 44.

التخصيص 10 6 ، 132.

التخلخل والتكاثف 4 9.

التخيل 97 ، 10 4 ، 1 6 0.

التذكر 13 5.

ترتيب العالم 1 5.

التسلسل 39 ، 4 2 ، 4 3 ، 1 4 9.

التشافع 39.

التشبه 9 5.

التشخص 5 3 ، 55 ، 80 ، 92 ، 101 ، 10 6. 139.

التصديق 13 4.

التصور 13 4 ، 187.

التصور المطلق 99.

التضاد 38 ، 8 6 ، 112.

التضايف 38.

تعقل اللّه للأشياء 11 5.

التغير 31. التقابل 8 6.

التقدم والتأخر 8 5 ، 128 ، 137.

التكثر 5 2.

١٩٥

التناسخ 23.

(ث)

الثواب 108.

(ج)

الجذر الأصم 5 3.

الجزء 82.

الجزئيات (علم البارى بها) 22.

جزاف 77.

الجسم 3 6 ، 4 8 ، 5 8 ، 82 ، 8 4 ، 8 6 ، 101.

الجسم شرط فى وجود النفس 7 6.

الجسم الاسطقسى 92.

الجسم الفلكى 98.

الجسمية 65.

الجنس 2 5 ، 130 ، 1 6 7.

الجنة (حركات أهل ...) 119.

الجوهر 6 7 ، 138 ، 1 4 0 ، 180 ، 181.

الجواهر الثوانى 88.

الجود 1 6 ، 100.

الجود المحض 1 6.

(ح)

الحادث 39 ، 79.

الحد 30 ، 4 3 ، 44 ، 5 9 ، 13 4.

الحدس 13 5.

الحدوث 79 ، 80.

الحرارة 4 0 ، 8 6.

الحركة 27 ، 39 ، 102 ، 10 5 ، 1 4 0.

الحركة المستديمة واتصالها 98 ، 107.

حركة الفلك 102.

الحس (والمعرفة الحسية) 2 6 ، 30 ، 1 4 2.1 6 0 ، 18 6.

الحق 64.

الحكمة 1 4 ، 55.

الحكمة الالهية 82.

الحى 111.

الخير المحض هو ذات البارى 66 ، 97 ، 119.

خيرية الأفلاك 9 5.

(د)

الدائرة 8 6.

الدعاء (وسبب اجابته) 4 1 ، 12 4 ، 1 44 ، 1 45.

الدهر 13 6.

الدواعى 7 6.

(ر)

الرحمة 101 ، 112.

الرؤيا فى المنام 77 ، 81.

الرؤية 78.

(ز)

اوية (حادة ومنفرجة وقائمة) 3 6.

الزمان 38 ، 83 ، 8 4 ، 132 ، 133 ، 13 6.

(س)

السبب 12 4.

السبب الواصل 12 4.

السرمدى 13 6 1 64.

السطح 83.

السواد 3 5.

(ش)

الشخص 19 ، 23 ، 39 ، 5 3 ، 11 5 ، 139.

الشخصى 20 ، 23 ، 113.

الشر 39 ، 66.

الشرارة (ضد الخيرية) 108.

شعور النفس بذاتها 73 ، 7 6 ، 1 4 2 ، 1 54 ، 1 55.

الشفعة 101.

الشوق 10 ، 11.

(ص)

الصدور 11 ، 4 3.

صفات اللّه 56 ، 9 6.

الصورة 37 ، 5 1 ، 5 2 ، 5 3 ، 89 ، 117.

الصورة الأولى 6 1.

الصورة الجسمية 1 6 7.

١٩٦

(ط)

الطب 1 6 3 ، 1 65.

الطبيب 127.

الطبيعة 1 6 7.

طبيعة الانسان 5 0.

طبائع مختلفة 5 0.

الطبيعيون 56.

(ع)

عاشق لذاته (اللّه) 66.

عالم 7 ، 1 6 0.

عبث 77 ، 13 5.

العد 8 4.

العدد 32 ، 6 9 ، 8 4 ، 8 6 ، 87.

العدد الأول 88.

العددية 4 9.

العدم 2 4 ، 30 ، 78 ، 79 ، 108 ، 12 6 ؛ 1 4 3.

العدم والملكة 38 ، 90 ، 108.

العرض 5 9 ، 1 6 8.

العشق 98 ، العقاب 108.

العقل 2 6 ، 1 6 8 ، 183 ، 18 6.

العقل الأول 4 8 ، 1 46.

العقل البسيط 11 4 ، 1 46.

العقل الفعال 1 5 ، 1 6 ، 3 5 ، 45 ، 46 ، 56 ؛ 77 ، 81 ، 91 ، 93 ، 9 4 ، 10 5 ، 17 5.

العقل المحض 9 4 ، 122.

العقول 21.

عقول الكواكب 56.

العقليات المحضة 103.

العلة 39 ، 4 0 ، 5 1 ، 90 ، 12 6 ، 128 ، 129 ، 137 ، 1 4 7 ، 171 ، 172.

العلل الحقيقية 39.

العلم 7 ، 7 6 ، 11 6 ، 1 6 0.

العلية 172 ، 173.

علم الموسيقى 1 6 2 ، 1 64.

علم الهندسة 1 6 3 ـ 1 64.

(غ)

الغاية 3 5 ، 103 ، 122 ، 1 6 7.

الغرض 13 ، 7 6 ، 9 6 ، 102.

(ف)

الفاعل 78.

الفصل (النوعى) 127 ، 130 ، 131.

(صدور) الفعل عن الفاعل 93.

(الأول) فعل محض 1 44 ، 1 45.

الفكر 1 5 7.

الفلسفة الأولى 1 6 2.

الفلك 4 0 ، 4 7 ، 4 8 ، 80 ، 91 ، 93 ، 9 5 ، 97 ، 98 ، 101 ، 102 ، 10 6 ، 121؛ 131.

الفلك التاسع 120 ، 121 ، 122.

الفلك الأقصى 1 4 3.

الفيض 23 ، 4 3 ، 7 5 ، 9 4 ، 10 4 ، 118.

فيض العقل الفعال 77 ، 78.

(ق)

القابل 109.

القادر 4 7.

قدم العالم (اثباته) 133.

القدر والاختيار 12 5.

القسمة المنطقية 130.

القدرة (قدرة واجب الوجود) 13 ، 28 ، 4 7.

القوام 29.

القوى البدنية 18.

القياس (بأنواعه) 13 5 ، 1 4 3 ، 1 6 8.

(ك)

(وجود) الكثرة (عن الأول) 93.

الكرة التاسعة 37.

الكل 32.

١٩٧

اللزوم 97.

اللوازم 9 4 ، 118 ، 18 5 ، 18 6.

لوازم البارى 218 ، 17 4.

لمس 30 ، 81.

لون 3 6 ، 4 1.

اللونية 4 9.

ليس 79 ، 183.

(م)

الماء 3 4.

المادة 5 1 ، 5 3 ، 83.

ماهية الشىء غير انيته 137.

المبادي 117.

المتحرك 2 5.

المتصل 82.

المتضادان 8 6.

المتقدم بالطبع 139.

المتى 1 6 8.

المثل 6 1.

المثلث 8 6.

مجد الأول 1 6 8.

المحدث 79.

المحرك الأول 56.

المحسوس 64 ، 6 3.

محصل 39.

المخالف والمغاير 29.

مختار 45.

المخصص 101 ، 10 5.

المزاج 5 8 ، 6 2 ، 6 3 ، 66 ، 81.

المساحة 8 4.

المسافة 83.

المقدار 3 5 ، 8 4.

المقدارية 4 9.

المقدمات الطبية 127.

المقدمات الأولية 13 4.

المقول على كثيرين 2 5.

المقولات 88 ، 1 6 8 ، 1 6 9.

المكان 83 ، 8 5.

المماسة 6 8.

المنام 77.

الموت 4 1 الممكن الوجود 22 ، 30 ، 4 7 ، 77 ، 9 6 ، 170.

موضوع العلم 1 6 2 ، 1 6 3.

(ن)

النار 3 4 ، 3 5 ، 129.

النسب التحيزية 101.

النسبة 88.

النظام 1 5 3 ، 1 54.

النفس 17 ، 2 4 ، 5 7 ، 5 9 ، 6 3 ، 101 ، 170.

النفس (اثبات وجودها) 5 7.

النفس والبدن 7 6.

النفس تعقل ذاتها 7 4 ، 7 5.

النفس الحيوانية 101.

النفس الذكية 78 ، 10 4.

النفس النباتية 5 7 ، 101.

النفوس السماوية 9 6 ، 98.

(ه‍)

الهداية 1 5.

الهواء 3 4 ، 5 0.

الهيولى 33 ، 4 9 ، 5 3 ، 6 1 ، 6 2 ، 108.

الهيولى الأولى 6 1 ، 6 7.

١٩٨

واهب الصور 4 8 ، 5 2 ، 78 ، 90 ، 10 4 ، 129 ، 1 6 0 ، 1 6 7 ، 171.

الوجود 30.

الوجود فى الأعيان وفى الأذهان 31.

الوجود الصورى هو الوجود العقلى 1 56.

الوجود والماهية (أو ، الآنية والماهية) 70 ، 179 ، 180.

الوحى 7 6.

وحدانيات (ذرات) 4 9.

الوضع 37 ، 101 ، 1 6 8.

وضع المكان 101.

الوهم 1 6 ، 7 6 ، 98 ، 99 ، 100 ، 1 4 1.

(ى)

اليقين 73.

فهرس الأعلام

بغداد 100 ، 1 5 8.

ديموقراطيس 4 9.

سقراط 8.

المعتزلة 46 ، 4 7 ، 12 5 ، 132 ، 133.

أسماء الكتب

«البرهان» لأرسطو 1 6 2.

«السماع الطبيعى» لأرسطو 1 66.

«كتاب النفس» لأرسطو 183.

١٩٩

الفهرس

تصدير 5

تاريخ تأليفه6

بهمنيار7

أبو العباس اللوكرى 8

نسخ «التعليقات» 9

عبد الرحمن بدوى 10

بنغازى فى سبتمبر سنة 1972 م10

رموز النسخ المخطوطة11

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم 13

تم كتاب التعليقات 194

فهرس أبجدى بالمعانى الرئيسية195

فهرس الأعلام200

أسماء الكتب 200

الفهرس 201

٢٠٠