كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153832 / تحميل: 5803
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أدنى ذم ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره ولاجل ذلك ذكر بريداً العجلي مع جلالته في الثاني ، كما ذكر هشام بن الحكم فيه أيضاً لاجل ورود ذم ما فيه ، أعني كونه من تلاميذ أبي شاكر الزنديق.

٢ ـ ان العلاّمة لا يعنون المختلف فيه في القسمين ، بل ان رجح المدح يذكره في الاول ، وان رجح الذم أو توقف يذكره في الثاني.

واما ابن داود فيذكر المختلف فيه في الاول باعتبار مدحه ، وفي الثاني باعتبار جرحه.

٣ ـ ان العلاّمة إذا أخذ من الكشي أو النجاشي أو فهرست الشيخ أو رجاله أو الغضائري لا يذكر المستند بل يعبر بعين عبائرهم. نعم فيما إذا نقل عن غيبة الشيخ أو عن رجال ابن عقدة او رجال العقيقي فيما وجد من كتابيهما ، يصرح بالمستند.

كما أنه إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل ، يصرح بأسمائهم ، وحينئد فإن قال في عنوان شيئاً وسكت عن مستنده ، يستكشف أنه مذكور في الكتب الخمسة ولو لم نقف عليه في نسختنا.

وأما ابن داود فيلتزم بذكر جميع من أخذ عنه ، فلو لم يذكر المستند ، علم انه سقط من نسختنا رمزه ، إلا ما كان مشتبهاً عنده فلا يرمز له.

٤ ـ ان العلاّمة يقتصر على الممدوحين في الاول ، بخلاف ابن داود ، فأنه يذكر فيه المهملين أيضاً ، والمراد من المهمل من عنونه الاصحاب ولم يضعفوه.

قال ابن داود : « والجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين ومن لم يضعفهم الاصحاب ، والمفهوم منه أنه يعمل بخبر رواته مهملون ، لم يذكروا بمدح ولا قدح ، كما يعمل بخبر رواته ممدوحون. نعم هو وان استقصى الممدوحين ، يكنه لم يستقص المهملين.

١٢١

هذه هي الفروق الجوهرية بين الرجالين.

المجهول في مصطلح العلاّمة وابن داود

ان هناك فرقاً بين مصطلح العلاّمة وابن داود ، ومصطلح المتأخرين في لفظ المجهول. فالمجهول في كلامهما غير المهمل الذي عنونه الرجاليون ولم يضعفوه ، بل المراد منه من صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية ، وهو أحد ألفاظ الجرح ، ولذا لم يعنوناه الا في الجزء الثاني من كتابيهما ، المعد للمجروحين ، وقد عقد ابن داود لهم فصلاً في آخر الجزء الثاني من كتابه ، كما عقد فصلاً لكل من المجروحين من العامة والزيدية والواقفية وغيرهم.

لكن المجهول في كلام المتأخرين ، من الشهيد الثاني والمجلسي والمامقاني ، أعم منه ومن المهمل الذي لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وقد عرفت أن العلاّمة لا يعنون المهمل أصلاً ، وابن داود يعنونه في الجزء الاول كالممدوح ، وكان القدماء يعملون بالمهمل كالممدوح ، ويردون المجهول وقد تفطن بذلك ابن داود(١) .

فهذه الكتب الاربعة ، هي الاصول الثانوية لعلم الرجال. اُلّف الاول والثاني منهما في القرن السادس ، كما اُلف الثالث والرابع في القرن السابع ، والعجب أن المؤلفين متعاصرون ومتاثلو التنسيق والمنهج كما عرفت.

وقد ترجم ابن داود العلاّمة في رجاله ، ولم يترجمه العلاّمة في الخلاصة ، وان ذا مما يقضي منه العجب.

هذه هي اصول الكتب الرجالية أوليتها وثانويتها ، وهناك كتب اخرى لم تطبع ولم تنشر ولم تتداولها الايدي ، ولاجل ذلك لم نذكر عنها شيئاً ومن اراد الوقوف عليها فليرجع الى كتاب « مصفى المقال في مؤلفي الرجال » للعلاّمة

__________________

١ ـ قاموس الرجال : ١ / ٣١.

١٢٢

المتتبع الطهرانيرحمه‌الله .

وهذه هي الاصول الأولية الثمانية والثانوية الأربعة لعلم الرجال ، واما الجوامع الرجالية فسيوافيك ذكرهاعن قريب.

١٢٣
١٢٤

٢ ـ الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة

* مجمع الرجال.

* منهج المقال.

* جامع الرواة.

* نقد الرجال.

* منتهى المقال.

١٢٥
١٢٦

قد وقفت على الاصول الرجالية ، وهناك جوامع رجالية مطبوعة ومنتشرة يجب على القارئ الكريم التعرف عليها ، وهذه الجوامع الفت في أواخر القرن العاشر إلى أواخر القرن الثاني عشر ، تلقّاها العلماء بالقبول وركنوا اليها ولابد من التعرف عليها(١) .

١ ـ مجمع الرجال

تأليف زكي الدين عناية الله القهبائي ، من تلاميذ المقدس الاردبيلي ( المتوفّى سنة ٩٩٣ هـ ). والمولى عبد الله التستري ( المتوفّى عام ١٠٢١ هـ ) والشيخ البهائي. ( المتوفّى سنة ١٠٣١ هـ ). جمع في ذلك الكتاب تمام ما في الاصول الرجالية الأولية ، حتى أدخل فيه كتاب الضعفاء للغضائري وقد طبع الكتاب في عدة أجراء.

٢ ـ منهج المقال

تأليف السيد الميرزا محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي ( المتوفّى

__________________

(١) قاموس الرجال : ج ١ الصفحة ٣١.

١٢٧

سنة ١٠٢٨ هـ ) وهو استاذ المولى محمد أمين الاسترابادي صاحب « الفوائد المدنية ». له كتب ثلاثة في الرجال : الكبير وأسماه « منهج المقال ». والوسيط ، الذي ربما يسمى بـ « تلخيص المقال » أو « تلخيص الاقوال » ، والصغير الموسوم بـ « الوجيز ». والأول مطبوع ، والثاني مخطوط ولكن نسخه شائعة ، والثالث توجد نسخة منه في الخزانة الرضوية كما جاء في فهرسها.

٣ ـ جامع الرواة

تأليف الشيخ محمد بن علي الاردبيلي. صرف من عمره في جمعه ما يقرب من عشرين سنة ، وابتكر قواعد رجالية صار ببركتها كثير من الاخبار التي كانت مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة ، معلومة الحال ، صحيحة مسندة ، وطبع الكتاب في مجلدين ، وقدم له الامام المغفور له الأستاذ الحاج آقا حسين البروجرديقدس‌سره مقدمة وله أيضاً « تصحيح الأسانيد » الذي أدرجه شيخنا النوري بجميعه أو ملخصه في الفائدة الخامسة من فوائد خاتمة المستدرك.

ومن مزايا هذا الكتاب أنه جمع رواة الكتب الاربعة ، وذكر في كل راو ترجمة من رووا عنه ومن روى عنهم ، وعين مقدار رواياتهم ورفع بذلك ، النقص الموجود في كتب الرجال.

قال في مقدمته : « سنح بخاطره ( يعني نفسه ) الفاتر ـ بتفضله غير المتناهي ـ أنه يمكن استعلام أحوال الرواة المطلقة الذكر ، من الرواي والمروي عنه بحيث لا يبقى اشتباه وغموض ، وعلماء الرجال ( رضوان الله عليهم ) لم يذكروا ولم يضبطوا جميع الرواة ، بل ذكروا في بعض المواضع تحت بعض الاسماء بعنوان أنه روى عنه جماعة ، منهم فلان وفلان ، ولم يكن هذا كافياً في حصول المطلوب ، إلى أن قال : صار متوكلاً على رب الارباب ، منتظماً على التدريج راوي كل واحد من الرواة في سلك التحرير ، حتى انه رأى الكتب الأربعة المشهورة والفهرست للشيخرحمه‌الله والفهرس

١٢٨

للشيخ منتجب الدين ومشيخة الفقيه والتهذيب والاستبصار ، وكتب جميع الرواة الذين كانوا فيها ، ورأى أيضاً كثيراً من الرواة رووا عن المعصوم ، ولم يذكر علماء الرجال روايتهم عنهعليه‌السلام والبعض الذين عدوه من رجال الصادق ، رأى روايته عن الكاظمعليه‌السلام مثلا ، والذين ذكروا ممن لم يرو عنهمعليهم‌السلام رأى انه روي عنهمعليهم‌السلام الى ان قال : ان بعض الرواة الذين وثقوه ولم ينقلوا انه روى عن المعصومعليه‌السلام ورأى انه روى عنهعليه‌السلام ضبطه ايضاً ، حتى تظهر فائدته في حال نقل الحديث مضمراً ـ الى ان قال : ( ومن فوائد هذا الكتاب ) انه بعد التعرف على الراوي والمروي عنه ، لو وقع في بعض الكتب اشتباه في عدم ثبت الراوي في موقعه يعلم انه غلط وواقع غير موقعه.

( ومن فوائده أيضاً ) ان رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد انه كان حسن الحال او كان من مشايخ الاجازة »(١) .

والحق ان الرجال مبتكر في فنه ، مبدع في علمه ، كشف بعمله هذا الستر عن كثير من المبهمات ، ومع انه تحمل في تأليف هذا الكتاب طيلة عشرين سنة ، جهوداً جبارة ، بحيث ميز التلميذ عن الشيخ ، والراوي عن المرويّ عنه ولكن لم يجعل كتاب على اساس الطبقات حتى يقسم الرواة الى طبقة وطبقة ، ويعين طبقة الراوي ومن روى هو عنه او رووا عنه ، مع انه كان يمكنه القيام بهذا العمل في ثنايا عمله بسبر جميع الكتب والمسانيد بامعان ودقة.

٤ ـ نقد الرجال

تأليف السيد مصطفى التفريشي ألفه عام ١٠١٥ هـ ، وهو من تلاميذ المولى عبدالله التستري وقد طبع في مجلد.

__________________

١ ـ لاحظ المقدمة : ٤ ـ ٥ بتصرف يسير.

١٢٩

قال في مقدمته : « اردت ان اكتب كتاباً يشتمل على جميع اسماء الرجال من الممدوحين والمذمومين والمهملين ، يخلو من تكرار وغلط ، ينطوي على حسن الترتيب ، يحتوي على جميع اقوال القوم ـ قدس الله ارواحهم ـ من المدح والذم الا شاذاً شديد الشذوذ ».

٥ ـ منتهى المقال في أحوال الرجال

المعروف برجال ابي علي الحائري ، تأليف الشيخ ابي علي محمد بن اسماعيل الحائري ( المولود عام ١١٥٩ هـ ، والمتوفّى عام ١٢١٥ أو ١٢١٦ هـ في النجف الاشرف ).

ابتدء في كل ترجمة بكلام الميرزا في الرجال الكبير ، ثم بما ذكره الوحيد في التعليقة عليه ، ثم بكلمات اخرى ، وقد شرح نمط بحثه في اول الكتاب ، وترك ذكر جماعة بزعم انهم من المجاهيل وعدم الفائدة في ذكرهم ، ولكنهم ليسوا بمجاهيل ، بل اكثرهم مهملون في الرجال ، وقد عرفت الفرق بين المجهول والمهمل.

وهذه الكتب الخمسة كلها اُلِّفت بين أواخر القرن العاشر الى أواخر القرن الثاني عشر ، وقد اجتهد مؤلفوها في جمع القرائن على وثاقة الراوي او ضعفها ، واعتمدوا على حدسيات وتقريبات.

هذه هي الجوامع الرجالية المؤلفة في القرون الماضية ، وهناك مؤلفات اخرى بين مطولات ومختصرات اُلفت في القرون الاخيرة ونحن نشير إلى ما هو الدارج بين العلماء في عصرنا هذا.

١٣٠

٣ ـ الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء

* بهجة الآمال.

* تنقيح المقال.

* قاموس الرجال.

١٣١
١٣٢

قد وقفت على الجوامع الرجالية المؤلفة في القرن الحادي عشر والثاني عشر ، وهناك مؤلفات رجالية اُلفت في أواخر القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر ولكنها على صنفين : صنف تبع في تأليفه خطة الماضين في نقل أقوال الرجاليين السابقين واللاحقين ، وجمع القرائن والشواهد على وثاقة الراوي ، والقضاء بين كلمات اهل الفن ، الى غير ذلك من المزايا التي أوجبت تكامل فن الرجال من حيث الكمية ، من دون إحداث كيفية جديدة وراء خطة السابقين ، وصنف اخر أحدث كيفية جديدة في فن الرجال وأبدع اسلوباً خاصاً لما يهم المستنبط في علم الرجال. فإن الوقوف على طبقة الراوي من حيث الرواية ، ومعرفة عصره وأساتيذه وتلاميذه ، ومدى علمه وفضله ، وكمية رواياته من حيث الكثرة والقلة ، ومقدار ضبطه للرواية ، واتقانه في نقل الحديث ، من اهم الامور في علم الحديث ومعرفة حال الراوي وقد اهملت تلك الناحية في اسلوب القدماء غالباً الا على وجه نادر.

وهذا الاُسلوب يباين خطة الماضين في العصور السابقة.

وعلى ذلك يجب علينا ان نعرف كل صنف بواقعه ونعطي كل ذي حق حقه ، وكل ذي فضل فضله ، بلا تحيز الى فئة ، ولا إنكار فضيلة لأحد.

١٣٣

١ ـ « بهجة الآمال في شرح زبدة المقال في علم الرجال »

تأليف العلاّمة الحاج الشيخ علي بن عبدالله بن محمد بن محب الله بن محمد جعفر العلياري التبريزي ( المولود عام ١٢٣٦ هـ ، والمتوفّى عام ١٣٢٧ هـ ) وهذا الكتاب قد اُلف في خمسة مجلدات كبار ، ثلاثة منها شرح مزجي لـ « زبدة المقال في معرفة الرجال » تأليف العلاّمة السيد حسين البروجردي ، وهو منظومة في علم الرجال قال :

سمّيته بزبدة المقال

في البحث عن معرفة الرجال

ناظمه الفقير في الكونين

هو الحسين بن رضا الحسيني

واثنان منها شرح لـ « منتهى المقال » وهي منظومة للشارح تمم بها منظومة البروجردي ، وحيث ان البروجردي لم يذكر المتأخرين ولا المجاهيل من الرواة فأتمها وأكملها الشارح بالنظم والشرح في ذينك المجلدين ، والكتاب مشتمل على مقدمة وفيها أحد عشر فصلاً ، والفصل الحادي عشر في أصحاب الاجماع. وفيه أيضاً عدة أبحاث متفرقة ، والكتاب لو طبع على طراز الطبعة الحديثة لتجاوز عشرة أجزاء وقد طبع منه لحد الآن ستة أجزاء والباقي تحت الطبع.

٢ ـ « تنقيح المقال في معرفة علم الرجال »

للعلامة الشيخ عبدالله المامقاني ( المتوفّى عام ١٣٥١ هـ ) في ثلاثة أجزاء كبار ، وهو أجمع كتاب ألف في الموضوع ، وقد جمع جلَّ ما ورد في الكتب الرجالية المتقدمة والمتاخرة.

قال العلاّمة الطهراني : « هو أبسط ما كتب في الرجال ، حيث انه أدرج فيه تراجم جميع الصحابة والتابعين ، وسائر أصحاب الائمة وغيرهم من الرواة الى القرن الرابع ، وقليل من العلماء المحدثين في ثلاثة أجزاء كبار لم

١٣٤

يتجاوز جمعه وترتيبه وتهذيبه عن ثلاث سنين ، وهذا مما يعد من خوارق العادات والخاصة من التأييدات ، فلله در مؤلفه من مصنف ما سبقه مصنفو الرجال ، ومن تنقيح ما أتى بمثله الأمثال »(١) . ومما أُخذ عليه ، هو خلطه بين المهمل والمجهول. فان الأول عبارة عمّن لم يذكر فيه مدح ولا قدح ، وقد ذكر ابن داود المهمل في جنب الممدوح ، زعماً منه بأنه يجب العمل بخبره كالممدوح ، وأن غير الحجة في الخبر عبارة عن المطعون.

وأما المجهول فإنّه عبارة عمن صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية وهو أحد ألفاظ الجرح ، فيذكرون المجهول في باب المجروحين ويتعاملون معه معاملة المجروح.

وأنت إذا لاحظت فهرس تنقيح المقال ، الذي طبع مستقلاً وسماه المؤلف « نتيجة التنقيح » لا ترى فيه الا المجاهيل ، والمراد منه الاعم ممن حكم عليه أئمة الرجال بالمجهولية ومن لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وهذا الخلط لا يختص به ، بل هو رائج من عصر الشهيد الثاني والمجلسي الى عصره مع أن المحقق الداماد قال في الراشحة الثالثة عشر من رواشحه : « لا يجوز اطلاق المجهول الاصطلاحي إلا على من حكم بجهالته أئمة الرجال »(٢) .

وقد ذب شيخنا العلاّمة الطهراني هذا الاشكال عن مؤلفه وقال : « ان المؤلف لم يكن غير واقف بكلام المحقق الداماد ، وصرح في الجزء الاول ( أواخر الصفحة ١٨٤ ) بأنه لو راجع المتتبع جميع مظان استعلام حال رجل ومع ذلك لم يظفر بشيء من ترجمة أحواله أبداً فلا يجوز التسارع عليه بالحكم بالجهالة ، لسعة دائرة هذا العلم ، وكثرة مدارك معرفة الرجال ، ومن هذا

__________________

١ ـ الذريعة : ٤ / ٤٦٦.

٢ ـ الرواشح : ٦٠.

١٣٥

التصريح يحصل الجزم بأن مراده من قوله « مجهول » ليس أنه محكوم بالجهالة عند علماء الرجال ، حتى يصير هو السبب في صيرورة الحديث من جهته ضعيفاً ، بل مراده أنه مجهول عندي ولم أظفر بترجمة مبينة لاحواله »(١) .

٣ ـ « قاموس الرجال »

للعلاّمة المحقق الشيخ محمد تقي التستري ، كتبه أولاً بصورة التعليقة على رجال العلاّمة المامقاني ، وناقش كثيراً من منقولاته ونظرياته ، ثم أخرجه بصورة كتاب مستقل وطبع في ١٣ جزء ، والمؤلف حقاً أحد أبطال هذا العلم ونقاده ، وقد بسطنا الكلام حول الكتاب ، ونشرته صحيفة كيهان في نشرتها المستقلة حول حياة المؤلف بقلم عدة من الاعلام.

غير أنه لا يتبّع في تأليف الكتاب روح العصر ، فترى أنه يكتب عدة صحائف من دون أن يفصل بين المطالب بعنوان خاص ، كما أنه لا يأتي بأسماء الكتب الرجالية والائمة الا بالرموز ، وذلك أوجد غلقاً في قراءة الكتاب وفهم مقاصده ، أضف الى ذلك أنه يروي عن كثير من الكتب التاريخية والحديثية ، ولا يعين مواضعها ، ولكن ما ذكرناه يرجع الى نفس الكتاب ، وأما المؤلف فهو من المشايخ الاعاظم الذين يضن بهم الدهر الا في فترات قليلة وله على العلم وأهله أيادي مشكورة.

وهذه الكتب مع الثناء الوافر على مؤلفيها لا تخلو من عل أو علات والتي يجب أن ننبه عليها.

__________________

١ ـ الذريعة : ٤ / ٤٦٧ ، بتصرف وتلخيص.

١٣٦

٤ ـ تطور في تأليف الجوامع الرجالية

* جامع الرواة.

* طرائف المقال.

* مرتب اسانيد الكتب الاربعة.

* معجم رجال الحديث.

١٣٧
١٣٨

إن الجوامع المذكورة مع أهميتها وعظمتها ، فاقدة لبعض ما يهمّ المستنبط والفقيه في تحصيل حجية الخبر وعدمها ، فإنها وإن كانت توقفنا على وثاقة الرّاوي وضعفه إجمالاً ، غير أنها لا تفي ببعض ما يجب على المستنبط تحصيله وإليك بيانه :

١ ـ إنَّ هذه الخطة التي رسمها القدماء وتبعها المتأخرون ، مع أهميتها وجلالتها ، لا تخرج عن اطار التقليد لأئمة علم الرجال في التعرف على وثاقة الرّاوي وضعفه وقليلا من سائر أحواله ، ممّا ترجع إلى شخصيته الحديثية ، وليس طريقا مباشريا للمؤلف الرجالي ، فضلا عمن يرجع اليه ويطالعه ، للتعرّف على أحوال الرّاوي ، بأن يلمس بفهمه وذكائه ويقف مباشرة على كلِّ ما يرجع إلى الراوي من حيث الطبقة والعصر أولا ، ومدى الضبط والاتقان ثانياً ، وكمية رواياته كثرة وقلة ثالثاً ، ومقدار فضله وعلمه وكماله رابعاً ، وهذا بخلاف ما رسمه الاساتذة المتأخرون وخططوه ، فان العالم الرجالي فيه يقف بطريق مباشري دون تقليد ، على هذه الاُمور وأشباهها.

وإن شئت قلت : إن هذه الكتب المؤلفة حول الرجال ، تستمد من قول أئمة الفنّ في جرح الرواة وتعديلهم ، وبالأخص تتبع مؤلفي الاصول الخمسة ، التي نبَّهنا بأسمائهم وكتبهم فيما سبق ، فقول هؤلاء ومن عاصرهم أو تأخر عنهم

١٣٩

هو المعيار في معرفة الرجال وتمييز الثقات عن الضعاف.

ولا ريب أن هذا طريق صحيح يعدّ من الطرق الوثيقة ، لكنه ليس طريقا وحيداً في تشخيص حال الرواة ومعرفتهم ، بل طريق تقليدي لأئمّة الرجال ، وليس طريقاً مباشرياً إلى أحوال الرواة ، ولا يعّد طريقاً أحسن وأتم.

٢ ـ لا شكّ أن التحريف والتصحيف تطرق إلى كثير من أسناد الاحاديث المروية في الكتب الاربعة وغيرها ، وربما سقط الراوي من السَّند من دون أن يكون هناك ما يدلّنا عليه ، وعلى ذلك يجب أن تكون الكتب الرجالية بصورة توقفنا على طبقات الرواة من حيث المشايخ والتلاميذ ، حتى يقف الباحث ببركة التعرّف على الطبقات ، على نقصان السَّند وكماله ، والحال أن هذه الكتب المؤلفة كتبت على حسب حروف المعجم مبتدئة بالألف ومنتهية بالياء ، لا يعرف الانسان عصر الرّاوي وطبقته في الحديث ، ولا أساتذته ولا تلامذته إلا على وجه الاجمال والتبعية ، وبصورة قليلة دون الاحصاء ، والكتاب الذي يمكن أن يشتمل على هذه المزية ، يجب أن يكون على طراز رجال الشيخ الذي كتب على حسب عهد النَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام فقد عقد لكل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام أبواباً خاصة يعرف منها حسب الاجمال طبقة الراوي ومشايخه وتلاميذه.

وهذا النَّمط من التأليف وإن كان لا يفي بتلك الاُمنية الكبرى كلّها ، لكنه يفي بها إجمالاً ، حيث نرى أنه يقسِّم الرواة إلى الطبقات حسب الزمان من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاعصار التي انقلبت فيها سلسلة الرواة إلى سلسلة العلماء ، وعندئذ يمكن تمييز السَّند الكامل من السند الناقص ، ولو كان الرِّجاليُّون بعد الشيخ يتبعون أثره لأصبحت الكتب الرجالية أكثر فائدة مما هي الآن عليه.

٣ ـ إن أسماء كثيرة من الرواة مشتركة بين عدَّة اشخاص. بين ثقة يركن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الآيات

( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥) )

التّفسير

فاصبر كما صبر أولوا العزم :

تواصل هذه الآيات ـ وهي آخر آيات سورة الأحقاف ـ البحث حول المعاد ، حيث جاءت الإشارة إلى مسألة المعاد في الآيات السابقة حكاية عن لسان مبلغي الجن. هذا من جهة.

٣٠١

ومن جهة أخرى فإنّ سورة الأحقاف تتحدث في فصولها الأولى عن مسألة التوحيد ، وعظمة القرآن المجيد ، وإثبات نبوة نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتبحث في آخر فصل من هذه السورة مسألة المعاد لتكمل بذلك البحث في الأصول الاعتقادية الثلاثة.

تقول الآية الأولى :( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فإنّ خلق السماوات والأرض مع موجوداتها المختلفة المتنوعة علامة قدرته تعالى على كلّ شيء ، لأنّ كل ما يقع في دائرة مخلوق لله في هذا العالم ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يمكن أن يكون عاجزا عن إعادة حياة البشر؟ وهذا بحدّ ذاته دليل قاطع مفحم على مسألة إمكان المعاد.

وأساسا فإنّ أفضل دليل على إمكان أي شيء وقوعه ، فكيف ندع إلى أنفسنا سبيلا للشك في قدرة الله المطلقة على مسألة المعاد ونحن نرى نشأة الموجودات الحية وتولدها من موجودات ميتة ، وعلى هذا النطاق الواسع؟

هذا أحد أدلة المعاد العديدة التي يؤكد عليها القرآن ويستند إليها في آيات مختلفة ، ومن جملتها الآية (٨١) من سورة يس(١) .

وتجسّد الآية التالية مشهدا من العذاب الأليم المحيط بالمجرمين ومنكري المعاد ، فتقول :( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) .

أجل ، فمرّة تعرض النّار على الكافرين ، وأخرى يعرضون الكافرين على النّار ، ولكل من العرضين هدف أشير إليه قبل عدّة آيات.

وعند ما يعرضون الكافرين على النّار ، ويرون ألسنة لهبها العظيمة المحرقة المرعبة يقال لهم :( أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ ) ؟ وهل تستطيعون اليوم أن تنكروا البعث ومحكمة الله العادلة ، وثوابه وعقابه ، وتقولون : ما هذا إلّا أساطير الأولين؟

__________________

(١) طالع التفصيل حول هذا الموضوع ، وأدلّة المعاد المختلفة في ذيل آخر آيات سورة يس.

٣٠٢

غير أنّ أولئك الذين لا حيلة لهم :( قالُوا بَلى وَرَبِّنا ) فهنا يقول الله سبحانه ، أو ملائكة العذاب :( قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) .

وبهذا فإنّهم يرون كلّ الحقائق بأم أعينهم في ذلك اليوم ويعترفون بذلك الاعتراف الذي لن ينفعهم ، وسوف لن تكون نتيجته إلّا الهم والحسرة ، وتأنيب الضمير والعذاب الروحي.

ويأمر الله سبحانه نبيّه في آخر آية من هذه الآيات ، وهي آخر آية في سورة الأحقاف ، على أساس ملاحظة ما مرّ في الآيات السابقة حول المعاد وعقاب الكافرين ، أن :( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) فلست الوحيد الذي واجه مخالفة هؤلاء القوم وعداوتهم ، فقد واجه أولو العزم هذه المشاكل وثبتوا أمامها واستقاموا ، فنبيّ الله العظيم نوحعليه‌السلام دعا قومه (٩٥٠) سنة ، ولم يؤمن به إلّا فئة قليلة ، وكان قومه يؤذونه دائما ، ويسخرون منه.

وألقوا إبراهيمعليه‌السلام في النّار ، وهددوا موسىعليه‌السلام بالقتل ، وكان قلبه قد امتلأ قيحا من عصيانهم ، وكانوا يريدون قتل المسيحعليه‌السلام بعد أن آذوه كثيرا ، فأنجاه الله منهم.

وخلاصة القول : إنّ الأمر كان وما يزال كذلك ما كانت الدنيا ، ولا يمكن التغلب على هذه المشاكل إلّا بقوّة الصبر والاستقامة والثبات.

من هم أولو العزم من الرسل؟

هناك بحث واختلاف كبير جدّا بين المفسّرين في : من هم أولو العزم؟ وقبل أن نحقق في هذا ، ينبغي أن نحقق في معنى (العزم) ، لأنّ (أولو العزم) بمعنى ذوي العزم.

«العزم» بمعنى الإرادة الصلبة القوية ، ويقول الراغب في مفرداته : إنّ العزم هو عقد القلب على إمضاء الأمر.

وقد استعملت كلمة العزم في مورد الصبر في آيات القرآن المجيد أحيانا ، كقوله

٣٠٣

تعالى :( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (١) .

وجاءت أحيانا بمعنى الوفاء بالعهد ، كقوله تعالى :( وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) (٢) .

لكن بملاحظة أنّ أصحاب الشرائع والأديان الجديدة من الأنبياء قد ابتلوا بمشاكل أكثر ، وواجهوا مصاعب أشد ، وكانوا بحاجة إلى عزم وإرادة أقوى وأشد لمواجهتها ، فقد أطلق على هذه الفئة من الأنبياء (أولو العزم) والآية مورد البحث إشارة إلى هذا المعنى ظاهرا. وهي تشير ضمنا إلى أن نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الفئة ، لأنّها تقول :( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ ) .

وإذا كان البعض قد فسّر العزم والعزيمة بمعنى الحكم والشريعة فمن هذه الجهة ، وإلّا فإنّ كلمة العزم لم تأت في اللغة بمعنى الشريعة.

وعلى أية حال ، فطبقا لهذا المعنى تكون (من) في (من الرسل) تبعيضية ، وإشارة إلى فئة خاصّة من الأنبياء كانوا أصحاب شريعة ، وهم الذين أشارت إليهم الآية ٧ من سورة الأحزاب :( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) .

فقد أشارت الآية إلى هؤلاء الأنبياء الخمسة بعد ذكر جميع الأنبياء بصيغة الجمع ، وهذا دليل على خصوصيتهم.

وتتحدث الآية (١٣) من سورة الشورى عنهم أيضا ، فتقول :( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى ) .

وقد رويت في هذا الباب روايات كثيرة في مصادر الشيعة والسنّة ، تدل على أنّ الأنبياء أولي العزم كانوا خمسة ، كما ورد في حديث عن الإمامين الباقر

__________________

(١) الشورى ، الآية ٤٣.

(٢) سورة طه ، الآية ١١٥.

٣٠٤

والصادقعليهما‌السلام : «ومنهم خمسة : أولهم نوح ، ثمّ إبراهيم ثمّ موسى ، ثمّ عيسى ، ثمّ محمّد»(١) .

وجاء في حديث آخر عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام : «منهم خمسة أولو العزم من المرسلين : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد». وعند ما يسأل الراوي : لم سموا (أولو العزم)؟ يقول الإمامعليه‌السلام مجيبا : «لأنّهم بعثوا إلى شرقها وغربها ، وجنّها وإنسها»(٢) .

وكذلك ورد في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «سادة النبيّين والمرسلين خمسة ، وهم أولو العزم من الرسل ، وعليهم دارت الرحى : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمّد»(٣) .

وروي هذا المعنى في تفسير الدر المنثور عن ابن عباس أيضا ، بأنّ الأنبياء أولي العزم هم هؤلاء الخمسة(٤) .

إلّا أنّ بعض المفسّرين يعتقد أنّ (أولو العزم) إشارة إلى الأنبياء الذين أمروا بمحاربة الأعداء وجهادهم.

واعتبر البعض عددهم (٣١٣) نفرا(٥) ، ويرى البعض أنّ جميع الأنبياء (أولو عزم) أي أصحاب إرادة(٦) صلبة وطبقا لهذا القول ، فإنّ (من) في (من الرسل) بيانية لا تبعيضية.

إلّا أنّ التّفسير الأوّل أصح منها جميعا ، وتؤيده الروايات الإسلامية.

ثمّ يضيف القرآن بعد ذلك :( وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ) أي للكفار لأنّ القيامة ستحل

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٩٤ ، ذيل الآيات مورد البحث.

(٢) بحار الأنوار ، المجلد ١١ ، صفحة ٥٨ ، حديث ٦١ ، ويتحدث الحديث ٥٥ ، صفحة ٥٦ ، من المجلد المذكور بصراحة في هذا الباب.

(٣) الكافي ، المجلد ١ ، باب طبقات الأنبياء والرسل ، حديث ٣.

(٤) الدر المنثور ، المجلد ٦ ، صفحة ٤٥.

(٥) المصدر السابق.

(٦) المصدر السابق.

٣٠٥

سريعا ، وسيرون بأعينهم ما أطلقوه عليها وادعوه فيها ، ويجزون أشدّ العذاب ، وعندها سيطلعون على أخطائهم ، ويعرفون ما كانوا عليه من الضلالة والغي.

إنّ عمر الدنيا قصير جدّا بالنسبة إلى عمر الآخرة ، حتى :( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ) .

إنّ هذا الإحساس بقصر عمر الدنيا بالنسبة إلى الآخرة ، إمّا بسبب أنّ هذه الحياة ليست إلّا ساعة أمام تلك الحياة الخالدة حقيقة وواقعا ، أو لأنّ الدنيا تنقضي عليهم سريعا حتى كأنّها لم تكن إلّا ساعة ، أو من جهة أنّهم لا يرون حاصل كلّ عمرهم الذي لم يستغلوه ويستفيدوا منه الاستفادة الصحيحة إلّا ساعة لا أكثر.

هنا سيغطي سيل الأحزان والحسرة قلوب هؤلاء ، ولات حين ندم ، إذ لا سبيل الى الرجوع.

لهذا نرى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد سئل : كم ما بين الدنيا والآخرة؟ فقال : «غمضة عين ، ثمّ يقول : قال الله تعالى :( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ) »(١) . وهذا يوحي بأنّ التعبير بالساعة لا تعني مقدار الساعة المتعارفة ، بل هو إشارة إلى الزمان القليل القصير.

ثمّ تضيف الآية كتحذير لكلّ البشر «بلاغ»(٢) لكلّ أولئك الذين خرجوا عن خط العبودية لله تعالى لأولئك الغارقين في بحر الحياة الدنيا السريعة الزوال والفناء ، والعابدين شهواتها وأخيرا هو بلاغ لكلّ سكان هذا العالم الفاني.

وتقول في آخر جملة تتضمن استفهاما عميق المعنى ، وينطوي على التهديد :( فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ ) ؟

* * *

__________________

(١) روضة الواعظين ، طبقا لنقل نور الثقلين ، المجلد ٥ ، صفحة ٢٥.

(٢) «بلاغ» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هذا القرآن بلاغ ، أو : هذا الوعظ والإنذار بلاغ.

٣٠٦

ملاحظة

كان نبيّ الإسلام مثال الصبر والاستقامة :

إنّ حياة أنبياء الله العظام ـ وخاصة نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ تبيان لمقاومتهم اللامحدودة أمام الحوادث الصعبة والشدائد العسيرة ، والعواصف الهوجاء ، والمشاكل القاصمة ، ولما كان طريق الحق مليئا بهذه المشاكل دائما ، فيجب على سالكيه أن يستلهموا العبر من أولئك العظماء في هذا المسير.

إنّنا ننظر عادة من نقطة مضيئة في تاريخ الإسلام إلى أيّام مرّت على الإسلام ونبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صعبة مظلمة ، وهذه النظرة من المستقبل إلى الماضي تجسم الوقائع والحقائق بشكل آخر ، فينبغي علينا أن ندرك أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان وحيدا فريدا لا يرى في أفق الحياة أية علامة للانتصار.

فأعداؤه شمروا عن سواعدهم للفتك به ، حتى أنّ أقاربه وعشيرته كانوا في الخط الأوّل في هذه المجابهة!

كان يذهب دائما إلى قبائل العرب ويدعوهم ، ولكن لم يكن يجيبه أحد.

كانوا يرجمونه حتى تسيل الدماء من عقبيه ، لكنه لم يكن يكف عن عمله.

لقد فرضوا عليه الحصار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بحيث أغلقوا جميع الأبواب والطرق بوجهه وبوجه أتباعه ، حتى مات بعضهم جوعا ، وأقعد المرض بعضهم الآخر.

لقد مرّت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّام يصعب على القلم واللسان وصفها ، فعند ما جاء إلى الطائف ليدعو الناس إلى الإسلام ، لم يكتفوا بعدم إجابة دعوته ، بل رموه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه.

لقد كانوا يحثون الجهلاء من الناس على أن يصرخوا ، ويسيئوا في كلامهم إليه ، فيضطر إلى أن يلتجئ إلى بستان ويستظل بظل شجرة ، ويناجي ربّه فيقول : «اللهمّ إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهو اني على الناس ، يا أرحم الراحمين : أنت

٣٠٧

رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ...»(١) .

كانوا يسمونه ساحرا تارة ، وأخرى يخاطبونه بالمجنون.

كانوا يلقون التراب والرماد على رأسه حينا ، وحينا يجمعون على قتله ، فيحاصرون بيته بالسيوف والرماح.

إلّا أنّه رغم كلّ تلك الظروف استمر في صبره وصموده واستقامته.

وأخيرا جنى الثمرة الطيبة لهذه الشجرة المباركة ، فقد عمّ دينه شرق العالم وغربه ، لا جزيرة العرب وحدها ، ويدوّي اليوم صوت انتصاره صباح مساء في كلّ أرجاء الدنيا ، وفي قارات العالم الخمسة ، وهذا هو معنى :( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) .

وهذا هو طريق محاربة الشياطين ، وطريق الإنتصار عليهم ، والوصول إلى الأهداف الإلهية السامية.

إذا كان الأمر كذلك ، فكيف يطمح طلاب الراحة والسلامة إلى أن يصلوا إلى أهدافهم الكبيرة من دون صبر وتحمل للعذاب والآلام؟

وكيف يأمل مسلمو اليوم أن ينتصروا على كلّ هؤلاء الأعداء الذين اجتمعت كلمتهم على إفنائهم والقضاء عليهم ، دون الاستلهام من دين نبي الإسلام الأصيل؟

والقادة الإسلاميون بخاصة مأمورون بهذا الأمر قبل الجميع ، كما ورد في حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «إنّ الصبر على ولاة الأمر مفروض ، لقول اللهعزوجل لنبيّه :( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله :( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) »(٢) .

اللهمّ امنحنا هذه الموهبة العظيمة ، هذه العطية السماوية ، وهذا الصبر والثبات

__________________

(١) سيرة ابن هشام ، المجلد ٢ ، صفحة ٦١.

(٢) احتجاج الطبرسي طبقا لنقل نور الثقلين ، المجلد ٥ ، صفحة ٢٣.

٣٠٨

والاستقامة أمام المشاكل.

اللهمّ وفقنا لحفظ مشعل النور الذي حمله أولو العزم من أنبيائك ، وخاصة خاتم النبيين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أجل هداية البشرية بعد تحملهم الجهود المضنية ، ووفقنا لأن نكون أهلا لحراسته.

إلهنا! إنّ أعداء الحق متحدون ومتحزّبون ضده ، ولا يرتدعون عن اقتراف أية جريمة وجناية ، اللهمّ فامنحنا صبرا وثباتا أعظم مما لديهم لئلا نركع أمام سيل المشاكل وعظمتها ، ووفقنا لأن نتخطى الأمواج والعواصف ونتركها وراءنا ، وهذا لا يتمّ إلّا بعونك ولطفك اللامحدود.

آمين يا ربّ العالمين.

نهاية سورة الأحقاف

* * *

٣٠٩
٣١٠

سورة

محمّد

مدنيّة

وعدد آياتها ثمان وثلاثون آية

٣١١
٣١٢

«سورة محمّد»

محتوى السورة :

سمّيت هذه السورة بسورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ اسمه الشريف قد ذكر في الآية الثانية ، واسمها الآخر هو سورة القتال ، والواقع أنّ مسألة الجهاد وقتال أعداء الإسلام هو أهم موضوع ألقى ظلاله على هذه السورة ، في حين أنّ جزءا مهما آخر من آيات هذه السورة يتناول المقارنة بين حال المؤمنين والكافرين وخصائصهم وصفاتهم ، وكذلك المصير الذي ينتهي إليه كلّ منهما في الحياة الآخرة.

ويمكن تلخيص محتوى السورة بصورة عامة في عدة فصول :

١ ـ مسألة الإيمان والكفر ، والمقارنة بين أحوال المؤمنين والكفار في هذه الدنيا وفي الحياة الآخرة.

٢ ـ بحوث معبرة بليغة وصريحة حول مسألة الجهاد وقتال المشركين ، والتعليمات الخاصة فيما يتعلق بأسرى الحرب.

٣ ـ شرح أحوال المنافقين الذين كان لهم نشاطات هدّامة كثيرة حين نزول هذه الآيات في المدينة.

٤ ـ فصل آخر يتناول مسألة السير في الأرض ، وتدبر مصير الأقوام الماضين وعاقبتهم ، كدرس للاعتبار والاتعاظ.

٥ ـ وفي جانب من آيات هذه السورة ذكرت مسألة الاختبار الإلهي لمناسبتها موضوع القتال والجهاد.

٦ ـ ورد الحديث في فصل آخر عن مسألة الإنفاق الذي يعتبر بحدّ ذاته نوعا

٣١٣

من الجهاد ، وجاء الحديث عن مسألة البخل الذي يقع في الطرف المقابل.

٧ ـ وتناولت بعض آيات هذه السورة ـ لمناسبة موضوعها ـ مسألة الصلح مع الكفار ـ الصلح الذي يكون أساسا لهزيمة المسلمين وذلّتهم ـ ونهت عنه.

وبالجملة ، فبملاحظة أنّ هذه السورة قد نزلت في المدينة حينما كان الاشتباك شديدا بين المسلمين وأعداء الإسلام ، وعلى قول بعض المفسّرين أنّها نزلت أثناء معركة أحد أو بعدها بقليل ، فإنّ أهم مسألة فيها هي قضية الجهاد والحرب ، وتدور بقية المسائل حول ذلك المحور الحرب المصيرية التي تميّز المؤمنين عن الكافرين والمنافقين الحرب التي كانت تثبت دعائم الإسلام ، وردّت كيد الأعداء الذين هبّوا للقضاء على الإسلام والمسلمين في نحورهم ـ وأوقفتهم عند حدّهم.

فضل تلاوة السورة :

جاء في حديث عن نبي الإسلام الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ سورة محمّد كان حقّا على الله أن يسقيه من أنهار الجنّة»(١) .

وروي في كتاب ثواب الأعمال عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : «من قرأ سورة الذين كفروا ـ سورة محمّد لم يرتب أبدا ، ولم يدخله شكّ في دينه ، ولم يبتله الله بفقر أبدا ، ولا خوف سلطان أبدا ، ولم يزل محفوظا من الشرك والكفر أبدا حتى يموت ، فإذا مات وكلّ الله به في قبره ألف ملك يصلون في قبره ، ويكون ثواب صلاتهم له ويشيعونه حتى يوقفوه موقف الأمن عند اللهعزوجل ، ويكون في أمان الله ، وأمان محمّد»(٢) .

من الواضح أنّ الذين جرى محتوى هذه السورة في دمائهم ، وتشبّعت به

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، بداية سورة محمّد.

(٢) ثواب الأعمال ، طبقا لنقل نور الثقلين ، المجلد ٥ ، صفحة ٢٥.

٣١٤

أرواحهم ، وهم أشداء في جهاد الأعداء اللدودين القساة ، والذين لم يدعوا للشك والتزلزل الى أنفسهم سبيلا ، تكون أسس دينهم قوية ، وإيمانهم صلبا ، ولا يملكهم خوف ولا تنالهم ذلة ولا يعتريهم فقر ، وهم في الآخرة منعمون في جوار رحمة الله.

وجاء في حديث آخر أنّ الإمامعليه‌السلام قال : «من أراد أن يعرف حالنا وحال أعدائنا فليقرأ سورة محمّد فإنّه يراها آية فينا وآية فيهم»(١) .

وقد نقل هذا الحديث مفسرو السنّة أيضا ، كالآلوسي في روح المعاني(٢) والسيوطي في الدر المنثور(٣) .

وهذه السورة تبيان لحقيقة أنّ أهل بيت النّبيعليه‌السلام كانوا نموذجا لأكمل الإيمان وأتمه ، وأنّ بنيّ أمية كانوا المثال البارز للكفر والنفاق.

صحيح أنّه لم يرد تصريح باسم أهل البيت ولا باسم بني أمية في هذه السورة ، لكن لمّا كان البحث فيها عن فئة المؤمنين والمنافقين وخصائص كلّ منهما ، فإنّها تشير قبل كلّ شيء إلى مصداقين واضحين ، ولا مانع في نفس الوقت من أن تشمل السورة سائر المؤمنين والمنافقين.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، أوّل السورة.

(٢) روح المعاني ، المجلد ٢٦ ، صفحة ٣٣.

(٣) الدر المنثور ، المجلد ٦ ، ص ٤٦.

٣١٥

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) )

التّفسير

المؤمنون أنصار الحق ، والكافرون أنصار الباطل :

إنّ هذه الآيات الثلاث تعتبر في الحقيقة مقدمة لأمر حربي مهم صدر في الآية الرابعة ، فبيّنت الأولى منها وضع الكافرين وحالهم ، والثانية حال المؤمنين ، وقارنت ثالثتهما بين الإثنين ، وذلك لتتهيأ الأرضية والاستعداد للجهاد الديني ضد الأعداء الظالمين العتاة باتضاح حال الفئتين.

تقول الآية الأولى :( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) وهي

٣١٦

إشارة الى زعماء الكفر ومشركي مكّة الذين كانوا يشعلون نار الحروب ضد الإسلام ، ولم يكتفوا بكونهم كفارا ، بل كانوا يصدون الآخرين عن سبيل الله بأنواع الحيل والخدع والمخططات.

ومع أنّ بعض المفسّرين ـ كالزمخشري في الكشّاف ـ فسّر «الصدّ» هنا بمعنى الإعراض عن الإيمان ، في مقابل الآية التالية التي تتحدث عن الإيمان ، إلّا أنّ الإحاطة بموارد استعمال هذه الكلمة في القرآن الكريم توجب الحفاظ على معناها الأصلي ، وهو المنع.

والمراد من :( أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) أنّه يحبطها ويجعلها هباء منثورا ، لأنّ الإحباط والإضاعة كناية عن بقاء الشيء بدون حماية ولا عماد ، ولازم ذلك زواله وفناؤه.

وعلى أية حال ، فإنّ بعض المفسّرين يرون أنّ هذه الجملة إشارة إلى الذين نحروا الإبل يوم بدر وأطعموها الناس ، إذ نحر أبو جهل عشرة من الإبل ، ومثله صفوان ، وسهيل بن عمر ، لإطعام جيش الكفر(١) . لكن لمّا كانت هذه الأعمال من أجل التفاخر ومكائد الشيطان فقد أحبطت جميعا.

غير أنّ الظاهر أنّها لا تنحصر بهذا المعنى ، بل إنّ كلّ أعمالهم التي قاموا بها ، وظاهرها معونة للفقراء والضعفاء ، أو إقراء للضيف ، أو غير ذلك ستحبط لعدم إيمانهم.

وبغض النظر عن ذلك ، فإنّ ذلك ، فإنّ الله سبحانه قد أحبط كلّ مؤامراتهم وما قاموا به من أعمال لمحو الإسلام والقضاء على المسلمين ، وحال بينهم وبين الوصول إلى أهدافهم الخبيثة.

والآية التالية وصف لوضع المؤمنين الذين يقفون في الصف المقابل للكافرين الذين وردت صفاتهم في الآية السابقة ، فتقول :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ

__________________

(١) روح المعاني ، المجلد ٢٦ ، صفحة ٣٣.

٣١٧

وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ ) (١) .

إنّ ذكر الإيمان بما نزل على نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذكر الإيمان بصورة مطلقة ، تأكيد على تعليمات هذا النّبي العظيم ومناهجه ، وهو من قبيل ذكر الخاص بعد العام ، وتبيان لحقيقة أنّ الإيمان بالله سبحانه لا يتمّ أبدا بدون الإيمان بما نزل على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويحتمل أيضا أن تكون الجملة الأولى إشارة إلى الإيمان بالله تعالى ، ولها جانب عقائدي ، وهذه الجملة إشارة إلى الإيمان بمحتوى الإسلام وتعليمات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولها الجانب العملي.

وبتعبير آخر ، فإنّ الإيمان بالله سبحانه لا يكفي وحده ، بل يجب أن يؤمنوا بما نزل على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن يكون لهم إيمان بالقرآن ، إيمان بالجهاد ، إيمان بالصلاة والصوم ، وإيمان بالقيم الأخلاقية التي نزلت عليه. ذلك الإيمان الذي يكون مبدأ للحركة ، وتأكيدا على العمل الصالح.

وممّا يستحق الانتباه أنّ الآية تقول بعد ذكر هذه الجملة :( وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) وهي تعني أنّ إيمانهم لم يكن تقليدا ، أو أنّه لم يقم على دليل وحجة ، بل إنّهم آمنوا بعد أن رأوا الحق فيه.

وعبارة( مِنْ رَبِّهِمْ ) تأكيد على حقيقة أنّ الحق يأتي دائما من قبل الله سبحانه ، فهو يصدر منه ، ويعود إليه.

والجدير بالالتفات إليه أنّ الآية تبيّن ثوابين للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ، في مقابل العقابين اللذين ذكرا للكفار الصادين عن سبيل الله : أو لهما : التكفير عن السيئات التي لا يخلو منها أي إنسان غير معصوم ، والثاني : إصلاح البال.

لقد جاء «البال» بمعان مختلفة ، فجاء بمعنى الحال ، العمل ، القلب ، وعلى قول

__________________

(١) اعتبر جماعة من المفسّرين جملة (وهو الحق من ربّهم) جملة معترضة.

٣١٨

الراغب : بمعنى الحالات العظيمة الأهمية ، وبناء على هذا فإنّ إصلاح البال يعني تنظيم كلّ شؤون الحياة والأمور المصيرية ، وهو يشمل ـ طبعا ـ الفوز في الدنيا ، والنجاة في الآخرة ، على عكس المصير الذي يلاقيه الكفار ، إذ لا يصلون إلى ثمرة جهودهم ومساعيهم ، ولا نصيب لهم إلّا الهزيمة والخسران بحكم :( أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) .

ويمكن القول بأنّ غفران ذنوبهم نتيجة إيمانهم ، وأنّ إصلاح بالهم نتيجة أعمالهم الصالحة.

إنّ للمؤمنين هدوءا فكريا واطمئنانا روحيا من جهة ، وتوفيقا ونجاحا في برامجهم العملية من جهة ثانية ، فإنّ لإصلاح البال إطارا واسعا يشمل الجميع ، وأي نعمة أعظم من أن تكون للإنسان روح هادئة ، وقلب مطمئن ، وبرامج مفيدة بنّاءة.

وبيّنت الآية الأخيرة العلة الأساسية لهذا الإنتصار وتلك الهزيمة من خلال مقارنة مختصرة بليغة ، فقالت :( ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ) .

هنا يكمن سرّ المسألة بأنّ خطّي الإيمان والكفر يتفرعان عن خطّي الحق والباطل ، فالحق يعني الحقائق العينية ، وأسماها ذات الله المقدّسة ، وتليها الحقائق المتعلقة بحياة الإنسان ، والقوانين الحاكمة في علاقته بالله تعالى ، وفي علاقته بالآخرين.

والباطل يعني الظنون ، والأوهام ، والمكائد والخدع ، والأساطير والخرافات ، والأفعال الجوفاء التي لا هدف من ورائها ، وكلّ نوع من الانحراف عن القوانين الحاكمة في عالم الوجود.

نعم ، إنّ المؤمنين يتبعون الحق وينصرونه ، والكفار يتبعون الباطل ويؤازرونه ، وهنا يكمن سرّ انتصار هؤلاء ، وهزيمة أولئك.

٣١٩

يقول القرآن الكريم :( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ) (١) .

وفسّر البعض «الباطل» بالشيطان ، وآخرون بالعبثية ، لكن كما قلنا ، فإنّ للباطل معنى واسعا يشمل هذين التّفسيرين وغيرهما.

وتضيف الآية في النهاية :( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ ) أي : كما أنّه سبحانه قد بيّن الخطوط العامّة لحياة المؤمنين والكفار ، وعقائدهم وبرامجهم العملية ونتائج أعمالهم في هذه الآيات ، فإنّه يوضح مصير حياتهم وعواقب أعمالهم.

يقول الراغب في مفرداته : المثل عبارة عن قول يشبه قولا في شيء آخر بينهما مشابهة يبيّن أحدهما الآخر.

ويستفاد من كلام آخر له أنّ هذه الكلمة تستعمل أحيانا بمعنى «المشابهة» ، وأحيانا بمعنى «الوصف».

والظاهر أنّ المراد في هذه الآية هو المعنى الثاني ، أي إنّ الله سبحانه يصف حال الناس هكذا ، كما مثّل الجنّة في الآية (١٥) من سورة محمّد :( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) .

وعلى أية حال ، فالذي يستفاد من هذه الآية جيدا ، أنّنا كلما اقتربنا من الحق اقتربنا من الإيمان ، وسنكون أبعد عن حقيقة الإيمان وأقرب إلى الكفر بتلك النسبة التي تميل بها أعمالنا نحو الباطل ، فإنّ أساسي الإيمان والكفر هما الحق والباطل.

* * *

__________________

(١) سورة ص ، الآية ٢٧.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530