كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153721 / تحميل: 5796
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أدنى ذم ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره ولاجل ذلك ذكر بريداً العجلي مع جلالته في الثاني ، كما ذكر هشام بن الحكم فيه أيضاً لاجل ورود ذم ما فيه ، أعني كونه من تلاميذ أبي شاكر الزنديق.

٢ ـ ان العلاّمة لا يعنون المختلف فيه في القسمين ، بل ان رجح المدح يذكره في الاول ، وان رجح الذم أو توقف يذكره في الثاني.

واما ابن داود فيذكر المختلف فيه في الاول باعتبار مدحه ، وفي الثاني باعتبار جرحه.

٣ ـ ان العلاّمة إذا أخذ من الكشي أو النجاشي أو فهرست الشيخ أو رجاله أو الغضائري لا يذكر المستند بل يعبر بعين عبائرهم. نعم فيما إذا نقل عن غيبة الشيخ أو عن رجال ابن عقدة او رجال العقيقي فيما وجد من كتابيهما ، يصرح بالمستند.

كما أنه إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل ، يصرح بأسمائهم ، وحينئد فإن قال في عنوان شيئاً وسكت عن مستنده ، يستكشف أنه مذكور في الكتب الخمسة ولو لم نقف عليه في نسختنا.

وأما ابن داود فيلتزم بذكر جميع من أخذ عنه ، فلو لم يذكر المستند ، علم انه سقط من نسختنا رمزه ، إلا ما كان مشتبهاً عنده فلا يرمز له.

٤ ـ ان العلاّمة يقتصر على الممدوحين في الاول ، بخلاف ابن داود ، فأنه يذكر فيه المهملين أيضاً ، والمراد من المهمل من عنونه الاصحاب ولم يضعفوه.

قال ابن داود : « والجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين ومن لم يضعفهم الاصحاب ، والمفهوم منه أنه يعمل بخبر رواته مهملون ، لم يذكروا بمدح ولا قدح ، كما يعمل بخبر رواته ممدوحون. نعم هو وان استقصى الممدوحين ، يكنه لم يستقص المهملين.

١٢١

هذه هي الفروق الجوهرية بين الرجالين.

المجهول في مصطلح العلاّمة وابن داود

ان هناك فرقاً بين مصطلح العلاّمة وابن داود ، ومصطلح المتأخرين في لفظ المجهول. فالمجهول في كلامهما غير المهمل الذي عنونه الرجاليون ولم يضعفوه ، بل المراد منه من صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية ، وهو أحد ألفاظ الجرح ، ولذا لم يعنوناه الا في الجزء الثاني من كتابيهما ، المعد للمجروحين ، وقد عقد ابن داود لهم فصلاً في آخر الجزء الثاني من كتابه ، كما عقد فصلاً لكل من المجروحين من العامة والزيدية والواقفية وغيرهم.

لكن المجهول في كلام المتأخرين ، من الشهيد الثاني والمجلسي والمامقاني ، أعم منه ومن المهمل الذي لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وقد عرفت أن العلاّمة لا يعنون المهمل أصلاً ، وابن داود يعنونه في الجزء الاول كالممدوح ، وكان القدماء يعملون بالمهمل كالممدوح ، ويردون المجهول وقد تفطن بذلك ابن داود(١) .

فهذه الكتب الاربعة ، هي الاصول الثانوية لعلم الرجال. اُلّف الاول والثاني منهما في القرن السادس ، كما اُلف الثالث والرابع في القرن السابع ، والعجب أن المؤلفين متعاصرون ومتاثلو التنسيق والمنهج كما عرفت.

وقد ترجم ابن داود العلاّمة في رجاله ، ولم يترجمه العلاّمة في الخلاصة ، وان ذا مما يقضي منه العجب.

هذه هي اصول الكتب الرجالية أوليتها وثانويتها ، وهناك كتب اخرى لم تطبع ولم تنشر ولم تتداولها الايدي ، ولاجل ذلك لم نذكر عنها شيئاً ومن اراد الوقوف عليها فليرجع الى كتاب « مصفى المقال في مؤلفي الرجال » للعلاّمة

__________________

١ ـ قاموس الرجال : ١ / ٣١.

١٢٢

المتتبع الطهرانيرحمه‌الله .

وهذه هي الاصول الأولية الثمانية والثانوية الأربعة لعلم الرجال ، واما الجوامع الرجالية فسيوافيك ذكرهاعن قريب.

١٢٣
١٢٤

٢ ـ الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة

* مجمع الرجال.

* منهج المقال.

* جامع الرواة.

* نقد الرجال.

* منتهى المقال.

١٢٥
١٢٦

قد وقفت على الاصول الرجالية ، وهناك جوامع رجالية مطبوعة ومنتشرة يجب على القارئ الكريم التعرف عليها ، وهذه الجوامع الفت في أواخر القرن العاشر إلى أواخر القرن الثاني عشر ، تلقّاها العلماء بالقبول وركنوا اليها ولابد من التعرف عليها(١) .

١ ـ مجمع الرجال

تأليف زكي الدين عناية الله القهبائي ، من تلاميذ المقدس الاردبيلي ( المتوفّى سنة ٩٩٣ هـ ). والمولى عبد الله التستري ( المتوفّى عام ١٠٢١ هـ ) والشيخ البهائي. ( المتوفّى سنة ١٠٣١ هـ ). جمع في ذلك الكتاب تمام ما في الاصول الرجالية الأولية ، حتى أدخل فيه كتاب الضعفاء للغضائري وقد طبع الكتاب في عدة أجراء.

٢ ـ منهج المقال

تأليف السيد الميرزا محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي ( المتوفّى

__________________

(١) قاموس الرجال : ج ١ الصفحة ٣١.

١٢٧

سنة ١٠٢٨ هـ ) وهو استاذ المولى محمد أمين الاسترابادي صاحب « الفوائد المدنية ». له كتب ثلاثة في الرجال : الكبير وأسماه « منهج المقال ». والوسيط ، الذي ربما يسمى بـ « تلخيص المقال » أو « تلخيص الاقوال » ، والصغير الموسوم بـ « الوجيز ». والأول مطبوع ، والثاني مخطوط ولكن نسخه شائعة ، والثالث توجد نسخة منه في الخزانة الرضوية كما جاء في فهرسها.

٣ ـ جامع الرواة

تأليف الشيخ محمد بن علي الاردبيلي. صرف من عمره في جمعه ما يقرب من عشرين سنة ، وابتكر قواعد رجالية صار ببركتها كثير من الاخبار التي كانت مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة ، معلومة الحال ، صحيحة مسندة ، وطبع الكتاب في مجلدين ، وقدم له الامام المغفور له الأستاذ الحاج آقا حسين البروجرديقدس‌سره مقدمة وله أيضاً « تصحيح الأسانيد » الذي أدرجه شيخنا النوري بجميعه أو ملخصه في الفائدة الخامسة من فوائد خاتمة المستدرك.

ومن مزايا هذا الكتاب أنه جمع رواة الكتب الاربعة ، وذكر في كل راو ترجمة من رووا عنه ومن روى عنهم ، وعين مقدار رواياتهم ورفع بذلك ، النقص الموجود في كتب الرجال.

قال في مقدمته : « سنح بخاطره ( يعني نفسه ) الفاتر ـ بتفضله غير المتناهي ـ أنه يمكن استعلام أحوال الرواة المطلقة الذكر ، من الرواي والمروي عنه بحيث لا يبقى اشتباه وغموض ، وعلماء الرجال ( رضوان الله عليهم ) لم يذكروا ولم يضبطوا جميع الرواة ، بل ذكروا في بعض المواضع تحت بعض الاسماء بعنوان أنه روى عنه جماعة ، منهم فلان وفلان ، ولم يكن هذا كافياً في حصول المطلوب ، إلى أن قال : صار متوكلاً على رب الارباب ، منتظماً على التدريج راوي كل واحد من الرواة في سلك التحرير ، حتى انه رأى الكتب الأربعة المشهورة والفهرست للشيخرحمه‌الله والفهرس

١٢٨

للشيخ منتجب الدين ومشيخة الفقيه والتهذيب والاستبصار ، وكتب جميع الرواة الذين كانوا فيها ، ورأى أيضاً كثيراً من الرواة رووا عن المعصوم ، ولم يذكر علماء الرجال روايتهم عنهعليه‌السلام والبعض الذين عدوه من رجال الصادق ، رأى روايته عن الكاظمعليه‌السلام مثلا ، والذين ذكروا ممن لم يرو عنهمعليهم‌السلام رأى انه روي عنهمعليهم‌السلام الى ان قال : ان بعض الرواة الذين وثقوه ولم ينقلوا انه روى عن المعصومعليه‌السلام ورأى انه روى عنهعليه‌السلام ضبطه ايضاً ، حتى تظهر فائدته في حال نقل الحديث مضمراً ـ الى ان قال : ( ومن فوائد هذا الكتاب ) انه بعد التعرف على الراوي والمروي عنه ، لو وقع في بعض الكتب اشتباه في عدم ثبت الراوي في موقعه يعلم انه غلط وواقع غير موقعه.

( ومن فوائده أيضاً ) ان رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد انه كان حسن الحال او كان من مشايخ الاجازة »(١) .

والحق ان الرجال مبتكر في فنه ، مبدع في علمه ، كشف بعمله هذا الستر عن كثير من المبهمات ، ومع انه تحمل في تأليف هذا الكتاب طيلة عشرين سنة ، جهوداً جبارة ، بحيث ميز التلميذ عن الشيخ ، والراوي عن المرويّ عنه ولكن لم يجعل كتاب على اساس الطبقات حتى يقسم الرواة الى طبقة وطبقة ، ويعين طبقة الراوي ومن روى هو عنه او رووا عنه ، مع انه كان يمكنه القيام بهذا العمل في ثنايا عمله بسبر جميع الكتب والمسانيد بامعان ودقة.

٤ ـ نقد الرجال

تأليف السيد مصطفى التفريشي ألفه عام ١٠١٥ هـ ، وهو من تلاميذ المولى عبدالله التستري وقد طبع في مجلد.

__________________

١ ـ لاحظ المقدمة : ٤ ـ ٥ بتصرف يسير.

١٢٩

قال في مقدمته : « اردت ان اكتب كتاباً يشتمل على جميع اسماء الرجال من الممدوحين والمذمومين والمهملين ، يخلو من تكرار وغلط ، ينطوي على حسن الترتيب ، يحتوي على جميع اقوال القوم ـ قدس الله ارواحهم ـ من المدح والذم الا شاذاً شديد الشذوذ ».

٥ ـ منتهى المقال في أحوال الرجال

المعروف برجال ابي علي الحائري ، تأليف الشيخ ابي علي محمد بن اسماعيل الحائري ( المولود عام ١١٥٩ هـ ، والمتوفّى عام ١٢١٥ أو ١٢١٦ هـ في النجف الاشرف ).

ابتدء في كل ترجمة بكلام الميرزا في الرجال الكبير ، ثم بما ذكره الوحيد في التعليقة عليه ، ثم بكلمات اخرى ، وقد شرح نمط بحثه في اول الكتاب ، وترك ذكر جماعة بزعم انهم من المجاهيل وعدم الفائدة في ذكرهم ، ولكنهم ليسوا بمجاهيل ، بل اكثرهم مهملون في الرجال ، وقد عرفت الفرق بين المجهول والمهمل.

وهذه الكتب الخمسة كلها اُلِّفت بين أواخر القرن العاشر الى أواخر القرن الثاني عشر ، وقد اجتهد مؤلفوها في جمع القرائن على وثاقة الراوي او ضعفها ، واعتمدوا على حدسيات وتقريبات.

هذه هي الجوامع الرجالية المؤلفة في القرون الماضية ، وهناك مؤلفات اخرى بين مطولات ومختصرات اُلفت في القرون الاخيرة ونحن نشير إلى ما هو الدارج بين العلماء في عصرنا هذا.

١٣٠

٣ ـ الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء

* بهجة الآمال.

* تنقيح المقال.

* قاموس الرجال.

١٣١
١٣٢

قد وقفت على الجوامع الرجالية المؤلفة في القرن الحادي عشر والثاني عشر ، وهناك مؤلفات رجالية اُلفت في أواخر القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر ولكنها على صنفين : صنف تبع في تأليفه خطة الماضين في نقل أقوال الرجاليين السابقين واللاحقين ، وجمع القرائن والشواهد على وثاقة الراوي ، والقضاء بين كلمات اهل الفن ، الى غير ذلك من المزايا التي أوجبت تكامل فن الرجال من حيث الكمية ، من دون إحداث كيفية جديدة وراء خطة السابقين ، وصنف اخر أحدث كيفية جديدة في فن الرجال وأبدع اسلوباً خاصاً لما يهم المستنبط في علم الرجال. فإن الوقوف على طبقة الراوي من حيث الرواية ، ومعرفة عصره وأساتيذه وتلاميذه ، ومدى علمه وفضله ، وكمية رواياته من حيث الكثرة والقلة ، ومقدار ضبطه للرواية ، واتقانه في نقل الحديث ، من اهم الامور في علم الحديث ومعرفة حال الراوي وقد اهملت تلك الناحية في اسلوب القدماء غالباً الا على وجه نادر.

وهذا الاُسلوب يباين خطة الماضين في العصور السابقة.

وعلى ذلك يجب علينا ان نعرف كل صنف بواقعه ونعطي كل ذي حق حقه ، وكل ذي فضل فضله ، بلا تحيز الى فئة ، ولا إنكار فضيلة لأحد.

١٣٣

١ ـ « بهجة الآمال في شرح زبدة المقال في علم الرجال »

تأليف العلاّمة الحاج الشيخ علي بن عبدالله بن محمد بن محب الله بن محمد جعفر العلياري التبريزي ( المولود عام ١٢٣٦ هـ ، والمتوفّى عام ١٣٢٧ هـ ) وهذا الكتاب قد اُلف في خمسة مجلدات كبار ، ثلاثة منها شرح مزجي لـ « زبدة المقال في معرفة الرجال » تأليف العلاّمة السيد حسين البروجردي ، وهو منظومة في علم الرجال قال :

سمّيته بزبدة المقال

في البحث عن معرفة الرجال

ناظمه الفقير في الكونين

هو الحسين بن رضا الحسيني

واثنان منها شرح لـ « منتهى المقال » وهي منظومة للشارح تمم بها منظومة البروجردي ، وحيث ان البروجردي لم يذكر المتأخرين ولا المجاهيل من الرواة فأتمها وأكملها الشارح بالنظم والشرح في ذينك المجلدين ، والكتاب مشتمل على مقدمة وفيها أحد عشر فصلاً ، والفصل الحادي عشر في أصحاب الاجماع. وفيه أيضاً عدة أبحاث متفرقة ، والكتاب لو طبع على طراز الطبعة الحديثة لتجاوز عشرة أجزاء وقد طبع منه لحد الآن ستة أجزاء والباقي تحت الطبع.

٢ ـ « تنقيح المقال في معرفة علم الرجال »

للعلامة الشيخ عبدالله المامقاني ( المتوفّى عام ١٣٥١ هـ ) في ثلاثة أجزاء كبار ، وهو أجمع كتاب ألف في الموضوع ، وقد جمع جلَّ ما ورد في الكتب الرجالية المتقدمة والمتاخرة.

قال العلاّمة الطهراني : « هو أبسط ما كتب في الرجال ، حيث انه أدرج فيه تراجم جميع الصحابة والتابعين ، وسائر أصحاب الائمة وغيرهم من الرواة الى القرن الرابع ، وقليل من العلماء المحدثين في ثلاثة أجزاء كبار لم

١٣٤

يتجاوز جمعه وترتيبه وتهذيبه عن ثلاث سنين ، وهذا مما يعد من خوارق العادات والخاصة من التأييدات ، فلله در مؤلفه من مصنف ما سبقه مصنفو الرجال ، ومن تنقيح ما أتى بمثله الأمثال »(١) . ومما أُخذ عليه ، هو خلطه بين المهمل والمجهول. فان الأول عبارة عمّن لم يذكر فيه مدح ولا قدح ، وقد ذكر ابن داود المهمل في جنب الممدوح ، زعماً منه بأنه يجب العمل بخبره كالممدوح ، وأن غير الحجة في الخبر عبارة عن المطعون.

وأما المجهول فإنّه عبارة عمن صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية وهو أحد ألفاظ الجرح ، فيذكرون المجهول في باب المجروحين ويتعاملون معه معاملة المجروح.

وأنت إذا لاحظت فهرس تنقيح المقال ، الذي طبع مستقلاً وسماه المؤلف « نتيجة التنقيح » لا ترى فيه الا المجاهيل ، والمراد منه الاعم ممن حكم عليه أئمة الرجال بالمجهولية ومن لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وهذا الخلط لا يختص به ، بل هو رائج من عصر الشهيد الثاني والمجلسي الى عصره مع أن المحقق الداماد قال في الراشحة الثالثة عشر من رواشحه : « لا يجوز اطلاق المجهول الاصطلاحي إلا على من حكم بجهالته أئمة الرجال »(٢) .

وقد ذب شيخنا العلاّمة الطهراني هذا الاشكال عن مؤلفه وقال : « ان المؤلف لم يكن غير واقف بكلام المحقق الداماد ، وصرح في الجزء الاول ( أواخر الصفحة ١٨٤ ) بأنه لو راجع المتتبع جميع مظان استعلام حال رجل ومع ذلك لم يظفر بشيء من ترجمة أحواله أبداً فلا يجوز التسارع عليه بالحكم بالجهالة ، لسعة دائرة هذا العلم ، وكثرة مدارك معرفة الرجال ، ومن هذا

__________________

١ ـ الذريعة : ٤ / ٤٦٦.

٢ ـ الرواشح : ٦٠.

١٣٥

التصريح يحصل الجزم بأن مراده من قوله « مجهول » ليس أنه محكوم بالجهالة عند علماء الرجال ، حتى يصير هو السبب في صيرورة الحديث من جهته ضعيفاً ، بل مراده أنه مجهول عندي ولم أظفر بترجمة مبينة لاحواله »(١) .

٣ ـ « قاموس الرجال »

للعلاّمة المحقق الشيخ محمد تقي التستري ، كتبه أولاً بصورة التعليقة على رجال العلاّمة المامقاني ، وناقش كثيراً من منقولاته ونظرياته ، ثم أخرجه بصورة كتاب مستقل وطبع في ١٣ جزء ، والمؤلف حقاً أحد أبطال هذا العلم ونقاده ، وقد بسطنا الكلام حول الكتاب ، ونشرته صحيفة كيهان في نشرتها المستقلة حول حياة المؤلف بقلم عدة من الاعلام.

غير أنه لا يتبّع في تأليف الكتاب روح العصر ، فترى أنه يكتب عدة صحائف من دون أن يفصل بين المطالب بعنوان خاص ، كما أنه لا يأتي بأسماء الكتب الرجالية والائمة الا بالرموز ، وذلك أوجد غلقاً في قراءة الكتاب وفهم مقاصده ، أضف الى ذلك أنه يروي عن كثير من الكتب التاريخية والحديثية ، ولا يعين مواضعها ، ولكن ما ذكرناه يرجع الى نفس الكتاب ، وأما المؤلف فهو من المشايخ الاعاظم الذين يضن بهم الدهر الا في فترات قليلة وله على العلم وأهله أيادي مشكورة.

وهذه الكتب مع الثناء الوافر على مؤلفيها لا تخلو من عل أو علات والتي يجب أن ننبه عليها.

__________________

١ ـ الذريعة : ٤ / ٤٦٧ ، بتصرف وتلخيص.

١٣٦

٤ ـ تطور في تأليف الجوامع الرجالية

* جامع الرواة.

* طرائف المقال.

* مرتب اسانيد الكتب الاربعة.

* معجم رجال الحديث.

١٣٧
١٣٨

إن الجوامع المذكورة مع أهميتها وعظمتها ، فاقدة لبعض ما يهمّ المستنبط والفقيه في تحصيل حجية الخبر وعدمها ، فإنها وإن كانت توقفنا على وثاقة الرّاوي وضعفه إجمالاً ، غير أنها لا تفي ببعض ما يجب على المستنبط تحصيله وإليك بيانه :

١ ـ إنَّ هذه الخطة التي رسمها القدماء وتبعها المتأخرون ، مع أهميتها وجلالتها ، لا تخرج عن اطار التقليد لأئمة علم الرجال في التعرف على وثاقة الرّاوي وضعفه وقليلا من سائر أحواله ، ممّا ترجع إلى شخصيته الحديثية ، وليس طريقا مباشريا للمؤلف الرجالي ، فضلا عمن يرجع اليه ويطالعه ، للتعرّف على أحوال الرّاوي ، بأن يلمس بفهمه وذكائه ويقف مباشرة على كلِّ ما يرجع إلى الراوي من حيث الطبقة والعصر أولا ، ومدى الضبط والاتقان ثانياً ، وكمية رواياته كثرة وقلة ثالثاً ، ومقدار فضله وعلمه وكماله رابعاً ، وهذا بخلاف ما رسمه الاساتذة المتأخرون وخططوه ، فان العالم الرجالي فيه يقف بطريق مباشري دون تقليد ، على هذه الاُمور وأشباهها.

وإن شئت قلت : إن هذه الكتب المؤلفة حول الرجال ، تستمد من قول أئمة الفنّ في جرح الرواة وتعديلهم ، وبالأخص تتبع مؤلفي الاصول الخمسة ، التي نبَّهنا بأسمائهم وكتبهم فيما سبق ، فقول هؤلاء ومن عاصرهم أو تأخر عنهم

١٣٩

هو المعيار في معرفة الرجال وتمييز الثقات عن الضعاف.

ولا ريب أن هذا طريق صحيح يعدّ من الطرق الوثيقة ، لكنه ليس طريقا وحيداً في تشخيص حال الرواة ومعرفتهم ، بل طريق تقليدي لأئمّة الرجال ، وليس طريقاً مباشرياً إلى أحوال الرواة ، ولا يعّد طريقاً أحسن وأتم.

٢ ـ لا شكّ أن التحريف والتصحيف تطرق إلى كثير من أسناد الاحاديث المروية في الكتب الاربعة وغيرها ، وربما سقط الراوي من السَّند من دون أن يكون هناك ما يدلّنا عليه ، وعلى ذلك يجب أن تكون الكتب الرجالية بصورة توقفنا على طبقات الرواة من حيث المشايخ والتلاميذ ، حتى يقف الباحث ببركة التعرّف على الطبقات ، على نقصان السَّند وكماله ، والحال أن هذه الكتب المؤلفة كتبت على حسب حروف المعجم مبتدئة بالألف ومنتهية بالياء ، لا يعرف الانسان عصر الرّاوي وطبقته في الحديث ، ولا أساتذته ولا تلامذته إلا على وجه الاجمال والتبعية ، وبصورة قليلة دون الاحصاء ، والكتاب الذي يمكن أن يشتمل على هذه المزية ، يجب أن يكون على طراز رجال الشيخ الذي كتب على حسب عهد النَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام فقد عقد لكل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام أبواباً خاصة يعرف منها حسب الاجمال طبقة الراوي ومشايخه وتلاميذه.

وهذا النَّمط من التأليف وإن كان لا يفي بتلك الاُمنية الكبرى كلّها ، لكنه يفي بها إجمالاً ، حيث نرى أنه يقسِّم الرواة إلى الطبقات حسب الزمان من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاعصار التي انقلبت فيها سلسلة الرواة إلى سلسلة العلماء ، وعندئذ يمكن تمييز السَّند الكامل من السند الناقص ، ولو كان الرِّجاليُّون بعد الشيخ يتبعون أثره لأصبحت الكتب الرجالية أكثر فائدة مما هي الآن عليه.

٣ ـ إن أسماء كثيرة من الرواة مشتركة بين عدَّة اشخاص. بين ثقة يركن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

أشعر أو أبتر، وقال: من أراد أن يلقى أمير المؤمنين حقّاً فليأت عليًّا(١) .

هكذا كانت بيعة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام بيعةً عامةً عن رضىً وطيب خاطر، والمسلمون مجمعون في بيعتهم له أنّها حقّ واجب أوجبه الله عليهم.

وهكذا كانت بيعة الإمام الحسنعليه‌السلام ، فلا كراهية ولا جبرية في البيعة، إنّما عن طيب نفس فقد (اجتمع الناس إليه فبايعوه ورضوا به وبأخيه الحسين من بعده). وبعد أن سمعوا شرطه الذي شرطه عليهم (وإنّي أبايعكم على أن تحاربوا من حاربت وتسالموا من سالمت) فما أسرع أن قالوا: سمعنا وأطعنا، فمرنا بأمرك يا أميرالمؤمنين. وفي جواب آخر شبيه بجواب من بايع أباهعليه‌السلام قالوا: ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة فبايعوه. وقولهم إذ سئلوا: إن أحبّوا بيعته خرج إليهم فبايَعُوه، وإن كرهوا ذلك فليس أحد على أحد. فبكوا وقالوا: يخرج مطاعاً عزيزاً. فخرج إليهم وخطبهم، فبكوا ثمّ بايعوه وقبلوا شرطه عليهم: أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم.

فبيعتهعليه‌السلام على مثل بيعة أميرالمؤمنين، هي السمع والطاعة له ولأخيه الحسينعليهما‌السلام ، وقبول شرْطه.

أمّا لماذا زادوا في البيعة للحسينعليه‌السلام ؟ فللأحاديث الكثيرة في إمامتهما المفروضة وقد ذكرنا بعضها، ولما يقرأونه من قرآن في شأنهما، فأرادوها بيعة واحدةً.

وبسندين عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) الآية؛ قال: (نزلت في ولد فاطمة خاصّة، جعل الله منهم أئمّة يهدون بأمره)(٣) .

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ١٤، مروج الذهب ٢: ٣٥٧.

(٢) السجدة: ٢٤.

(٣) شواهد التنزيل، للحسكاني ١: ٦٥٤ رقم ٦٢٤ و ٦٢٥.

٥٠١

وبسند عن مقاتل عن عطاء، عن ابن عبّاس، في قوله تعالى:( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، قال: جعل الله لبني إسرائيل بعد موت هارون وموسى، من ولد هارون سبعة من الأئمّة، كذلك جعل من ولد عليّ سبعة من الأئمّة. ثمّ اختار بعد السبعة من ولد هارون خمسة فجعلهم تمام الاثني عشر نقيباً، كما اختار بعد السبعة من ولد عليّ خمسة فجعلهم تمام الاثني عشر(١) .

ولم يقع من أهل الكوفة ما وقع لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام في المدينة. فإنّ أكثر الناس حماساً بظاهر الحال! في بيعة أميرالمؤمنين: طلحة والزبير، فلمّا تمّت البيعة ولم يجدا له معارض، راحا يعدّان لخبيث ما انطوت عليهما نفسيهما؛ فإنّ الزبير لـمـّـا جاءه الإمامعليه‌السلام واستأذن عليه، أخّره قليلاً وسلّ سيفه فوضعه تحت الفراش ليفتك به ثمّ أذن له، فلمّأ دخل عليه ورأى ذباب السيف خارجاً من تحت الفراش عرف بما بيّته الزبير، فخرجعليه‌السلام وحبط سوء عمل الزبير.

وسمع طلحة والزبير بما يجري بمكّة ذلك أنّ جمعاً من بني أميّة منهم عبد الله بن عامر بن كريز، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم؛ والمغيرة بن شعبة الثقفيّ، ويعلى بن مُنية، ومُنية أُمّه! كان عامل عثمان على اليمن، فلمّا رأى وفود اليمن تترى على المدينة لمبايعة أميرالمؤمنين، خرج منها إلى مكّة ومعه أربعمائة بعير بحملانها وأموال وفيرة، فصاروا جميعاً جبهةً واحدة مع أمّهم عائشة بنت أبي بكر؛ ضدّ عليّعليه‌السلام . فاستأذن طلحة والزبير أمير المؤمنينعليه‌السلام في العمرة فقال لهما: لعلّكما تريدان البصرة؟ فأقسما أنّهما لا يقصدان غير مكّة. فأذن لهما فخرجا مسرعين وجعلا يقولان: لا والله ما لعليّ في أعناقنا بيعة، وما بايعناه إلّا مكرهين تحت السيف!

____________________

(١) شواهد التنزيل ١: ٤٥٥ / ٦٢٦.

٥٠٢

فبلغ ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أخذهما الله إلى أقصى دار وأحرّ نار(١) .

إنّ مثل هذا الأمر لم يجر للإمام الحسنعليه‌السلام بعد أن أعطاه أهل الكوفة بيعتهم؛ ومن قبله بايعوا أباه عليًّاعليه‌السلام ؛ ولـمّا استنصرهم في وقعة البعير، وكان رسول عليّ إليهم ابنه الحسن ومعه عمّار بن ياسر؛ فخطب عمّار ثمّ خطب الحسن، فنفر معهما تسعة آلاف من فرسان الكوفة، واجتمع إليهم ستّة آلاف من أهل المدينة وأهل مصر وأهل الحجاز والناس يجتمعون إليهم حتّى صار في تسعة عشر ألف رجل من فارس وراجل. تسعة آلاف من أهل الكوفة وعشرة آلاف من بقيّة الأقاليم. فالكوفة مع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام كما هي مع أمير المؤمنين الحسنعليه‌السلام .

وشذّ الشأم عن الأقاليم التي دخلت في طاعة عليّعليه‌السلام لوجود ابن هند حيث كان والياً لعثمان ومن قبله لعمر؛ فأظهر الخلاف لأميرالمؤمنين ومنع واليه من دخول الشأم. وبقيت الشأم على حالها: ففيها ابن هند خارج على إمام عصره ومخالف للإمام الحسنعليه‌السلام .

نُذُر الحرب

كانت نُذُر الحرب تلوح في الأُفُق، فابن هند متمرّد في الشأم ويُعدّ للحرب عُدّتها، وأهل العراق أشدّ منه حماساً أن يُعيدوها جَذْعةً وهم على موعدٍ مع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام إن انتهت مدّة الهدنة بين الطرفين والتي أمدها سنة؛ فخان ابن هند العهود والمواثيق - على ما ذكرناه - إلّا أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مضى شهيداً.

وبعد البيعة لأميرالمؤمنين الإمام الحسنعليه‌السلام ، دسّ ابن هند رجلين أحدهما إلى

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ٢٢، مروج الذهب ٢: ٣٥٧.

٥٠٣

الكوفة والآخر إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار، فأُخذا وقُتلا(١) .

وكتب الإمامعليه‌السلام إلى معاوية:

أما بعد، فإنّك دسست إليَّ الرجال كأنّك تُحبّ اللقاء، وما في ذلك فتوقّعه إن شاء الله. وقد بلغني أنّك شمتّ بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنّما مثلك في ذلك كما قال الأول:

وقُل للذي يبغي خلاف الذي مضى

تجهّز لأُخرى مثلها فكأن قدِ

وإنّا ومن قد مات منّا لكالذي

يروح ويُمسي في المبيت ليغتدي(٢)

فالإمامعليه‌السلام على نهج أبيهعليه‌السلام . وكلّ أئمّة أهل البيت الأطهارعليهم‌السلام يصدرون من مدرسةٍ واحدة هي الإسلام ومبدؤهم أن لا يكيدوا عدوّاً ولا يبدؤوه بقتال.

وما دسّ ابن هند جواسيسه في حيّز الإمام الحسنعليه‌السلام إلّا نُذُر حرب؛ فضلاً عن كونه خارجيّ قاسط أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتالهِ وقتال الناكثين من قبله والمارقين(٣) .

ولم يكن عند ابن هند ما يدفع به عن نفسه، فكان جوابه: أمّا بعد، فقد وصل كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه ولقد علمت بما حدث فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس(٤) .

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ٣٣، الأغاني ١٨: ١٦٢، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٤: ١١، الإرشاد: ١٤٨.

(٢) مقاتل الطالبيّين: ٣٣.

(٣) كتاب الولاية لابن عقدة: ١٧٤، المعيار والموازنة: ٣٧ و ٥٥، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٩ ومواضع أخرى، الخصائص الكبرى ٢: ٢٣٥، فرائد السمطين ١: ١٧٧، المناقب، للخوارزمي: ١٧٧، مناقب ابن المغازلي: ١١٨، مناقب الكوفي ٢: ١٥٧ ومواضع عدّة، مختصر تاريخ دمشق ١٨: ٥٤ وغيره، المعجم الكبير ١٠: ٩١ / ١٠٠٥٣، المعجم الأوسط ٩: ١٩٨، السنة، لابن أبي عاصم: ٤٢٥ / ٩٠٧، موضّح أوهام الجمع ١: ٣٨٦، تاريخ بغداد ١٣: ١٨٦، تيسير المطالب ح ٢٦.

(٤) مقاتل الطالبيّين: ٣٤.

٥٠٤

فكتب إليه الإمام الحسنعليه‌السلام كتاباً مطوّلاً تكلّم فيه عن نعمة الله تعالى ببعثة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحمة للعالمين وما أحدث الخوارج من إزواء الخلافة عن أهلها أهل البيتعليهم‌السلام وغصبهم حقّهم وظلمهم فأمسك أهل البيت عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به أو يكون لهم بذلك سبب لـما أرادوا به من فساده.

وجاء في الكتاب: (واليوم فليتعجّب المتعجّب من توثّبك يا معاوية على أمر لست من أهله لا بفضل في الدين معروف ولا أثر في الإسلام محمود وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن الله خيّبك وستردّ فتعلم لمن عقبى الدار؛ تالله لتلقينّ عن قليل ربّك ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك وما الله بظلّام للعبيد...)(١) .

بعد أن استقرأ السبط الزكيعليه‌السلام تاريخ ما أحدثه الخوارج الأوائل وما أراده أهل بيت الرحمة من إمساكهم عن المنازعة وهو حياطة الإسلام من كيد المنافقين لـما أرادوا من إفساد أمره؛ وهل أدلّ على ذلك من تصريح ابن هند من أنّه يريد إماتة ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! ومن متاجرته بتماثيل النحاس والخمر وسلوكه الشاذّ مع الزواني حتّى مات فداء لشهوته!

ومن السياسة التي اتّبعها أبوبكر واشتدّ فيها عمر وتابعهم ابن هند من حرق أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفنها وغسلها بالماء؛ والمنع من كتابة الحديث والتهديد بالمعاقبة على ذلك!!

ثمّ انتقلعليه‌السلام إلى تقريع ابن هند وصبّ شؤبوب الغضب عليه بإظهار العجب من

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ٣٥.

٥٠٥

توثّبه على أمر ليس من أهله نافياً عنه أن يكون له فضل في الدين وأثر محمود في الإسلام إنّما هو ابن حزب من الأحزاب المناوئة للإسلام وأعدى أعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وجاء في الكتاب أيضاً: (إنّما حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما ببني وبين الله سبحانه وتعالى في أمرك، ولك في ذلك إن فعلت الحظّ الجسيم وللمسلمين فيه صلاح، فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله وعند كلّ أوّاب حفيظ ومن له قلب منيب واتّق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين، فو الله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به فادخل في السلم والطاعة ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحقّ به منك ليطفئ الله النائرة(١) بذلك وتجمع الكلمة وتصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلّا التمادي في غيّك نهدتُ(٢) إليك المسلمين فحاكمتك حتّى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين)(٣) .

أهلُ بيت مشكاة واحدة مصباحها يضيء ولو لم تمسسه نار؛ أئمّة يهدون بأمر الله. لا يبدأون خصماً بقتال وإن كان عدوّاً لُدّاً حتّى يعذروا بينهم وبين الله في أمر خصمهم، فهم يبدأون بالحوار وسماع حجّة خصمهم؛ فهدفهم الإصلاح في أُمّة محمّد وحقن الدماء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً؛ ومن وسائل ذلك إماطة الباطل عن المجتمع الإسلاميّ والمتمثل آنذاك بابن هند.

والإمامعليه‌السلام في كتابه إلى ابن هند يحمّله الدماء التي سُفكت ويدعوه إلى ما دخل فيه

____________________

(١) النائرة: العداوة والبغضاء.

(٢) نهد إليه: ارتفع وتقدّم.

(٣) مقاتل الطالبيّين: ٣٥.

٥٠٦

الناس من السلم والطاعة والبيعة لهعليه‌السلام وأن يترك البغي الذي هو صفة مركوزة فيه ولذلك أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليًّاعليه‌السلام بقتاله لأنّه في واحدة من فرق الضلال الثلاث: الناكثين، والقاسطين وهم البغاة، والخوارج المارقين؛ وكلّ من الفرق الثلاث خوارج يجب قتالهم.

ثمّ تحوّل أمير المؤمنين الإمام الحسنعليه‌السلام إلى لغة التهديد إن هو أبى إلّا التمادي في غيّه؛ فقد أعذرعليه‌السلام وما عليه إلّا أن ينهَد إليه بجموع المسلمين حتّى يحكم الله بينهما وهو خير الحاكمين.

إنّ هذه المبادأة من الإمام الحسنعليه‌السلام نذير حرب وردّ شديد على مقولات الخوارج بكلّ طوائفهم ممّن زعم أنّ الإمام الحسنعليه‌السلام لم يكن معدّاً نفسه للقتال إذا حانت الظروف المناسبة لذلك. وله بأبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام مثَلٌ، فلو كانعليه‌السلام قد قبِل عرض طلحة والزبير على بيعته في منزله لكانت النتيجة نفسها التي فعلاها، بل ربّما وجدا من يصدّقهما لو أعلنا أنّ عليًّا ألزمنا البيعة في داره كرهاً وجبراً وأنتم تعلمون من هو عليّ شجاعةً وبأساً، فاتّقيناه وأعطيناه البيعة ونحن لذلك كارهون!

وربّما أحدثا فتنةً تشغل الإمامعليه‌السلام والمجتمع مع وجود جبهة الخوارج الذين أشرنا إليهم في مكّة؛ فلمّا فوّت عليهم ذلك خرجوا إلى العمرة وإنّما أرادا البصرة والغدرة.

ولم يبادئعليه‌السلام القوم بقتال حتّى وصلته أخبارهم وما صنعوه بعامله ابن حُنيف وقتلهم السبابـجة وأخذهم مفاتيح بيت المال. فنهدَ إليهمعليه‌السلام وجاءه أهل الكوفة مسرعين في اثني عشر ألفاً، واضعين سيوفهم على عواتقهم، طلباً للشهادة؛ وانضمّ إليهم من البصرة ثلاثة آلاف، حتّى اكتمل جيشهعليه‌السلام فسار بهم إلى البصرة؛ وكما قلنا أنّ مسيره كان بعد الذي فعله أصحاب البعير من نهب بيت المال وقتلهم السبابـجة

٥٠٧

خزّان بيت المال ولم يبدأهم بقتال وإنّما واقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر، يدعوهم ويُناشدهم....

وأمرعليه‌السلام أصحابه أن لا يقاتلوا حتّى يُبدأوا، وأن لا يجهزوا على جريح ولا يُمثلوا ولا يدخلوا داراً بغير إذن ولا يشتموا أحداً، ولا يُهيّجوا امرأة، ولا يأخذوا إلّا ما في عسكرهم.

وأمر رجلاً أن يرفع مصحفاً فرفعه وقام بين الصفّين ودعاهم إلى ترك التفرّق وذكّرهم بنعمة الله عليهم في الألفة والجماعة؛ فقطعت يده اليمنى فأخذه باليسرى فقطعت فأخذه بأسنانه فرمي بالنبل حتّى قتل؛ فأخذه رجل آخر فقتل!

وسمع أمير المؤمنين أصوات الجمل يدعون على قتلة عثمان ويلعنونهم. قال: نعم! لعن الله قتلة عثمان، فو الله ما قتله غيرهم وما يلعنون إلّا أنفسهم ولا يدعون إلّا عليها!(١)

وهنا أمران: أوّلهما أنّهعليه‌السلام أمر أصحابه أن لا يبدأوا بالقتال رغم قتل أتباع البعير السبابـجة السبعين ونتف لحية واليه في البصرة ابن حُنيف، وقتل رجلين حملا القرآن؛ عند ذلك قالعليه‌السلام: الآن طاب الضراب. فلم يعترض عليه أحد طيلة هذه المسيرة ولم يرفع أحد من أصحابه صوته: إنّنا نقتل وطالت المدّة فهو يريد أن يصالح. ومن قبل كان يعلم بتجمّع الخوارج بمكّة، فلم يذهب خلفهم لأنّهم لم يُحدثوا حدثاً بعد. وهو فعلاً ناشد صلح لأنّه إمام الأمّة وأميرالمؤمنين يسعى جهده لحفظ الدماء أن تُراق. ولم يذهب إلى البصرة حتّى جاءه عامله عثمان بن حُنيف وقد نُتف لحيته! وقال له: بعثتني رجلاً فعدتُ إليك فتىً أمرد، ولولا عشيرته لقتلوه؛ وخبر سفكهم لدماء سبعين رجلاً ونهبهم أموال المسلمين.

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ٣٢ - ٣٧.

٥٠٨

ولم يقارع القوم حتّى دعاهم إلى القرآن وما فيه وإلى الإلفة والجماعة وترك الفرقة، فهتكوا حرمة القرآن إذ قطعوا يد الفتى وهي تحمل القرآن؛ وانظر أنّهم لم يقتلوه وإنّما قطعوا هذه اليد دون الأخرى! فبادر الفتى لتناوله باليسرى فقطعوها فتناوله بأسنانه لئلاّ يقع على الأرض فتدوسه سنابك الخيل. فإنّ أوّل من دعى إلى كتاب الله هو أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، ولم يهتك حرمته بل أعطاه لفتى يُعظّم حُرمته حتّى مضى شهيداً رضوان الله عليه، وقد صنع ذلك والحرب لـمّا تقع ولم يكنعليه‌السلام في حرج من أمره ومعه الله وهو وليّه، وسباع العراق. ولم يرفع أحد من الخوارج صوته، وفيهم اثنان من المبشّرين بالجنّة: طلحة والزبير، ومعهم أمّهم عائشة؛ إن الحكم إلّا لله!

وأمّا ابن هند فإنّه لـمّا عضّته الحرب، لجأ إلى ابن النابغة ووعده مصر، فرفعوا المصاحف على أسنّة الرّماح فهتكوا بذلك حرمته. وكان مبدأ عليّعليه‌السلام يوم صفّين نفس مبدأه يوم الجمل، وهكذا يوم النهروان.

فالإمام الحسنعليه‌السلام على نفس النهج والمبدأ، فقد وضع شرطاً في بيعته وهو: (أنّ يسالموا من سالم ويحاربوا من حارب). فهو أعلم بمصلحة المسلمين، ولم يضع شرطاً في أن (يحاربوا من حارب) فيقال أنّه لا يريد إلّا الحرب. أو (يسالموا من سالم) فيقال أنّه استسلم؛ إنّما يحارب ما سلم المسلمون وقطعت الفتنة، ويسالم إن كان السلم يحقّق ذلك. فلمّا بدأ ابن هند بإرسال الجواسيس، كان ذلك نُذُر حرب. فكتب إليه الإمامعليه‌السلام كتابه في ذلك، ويدعوه إلى الإلفة ودخول الطاعة والبيعة له ويحمّله مسؤوليّة الدماء التي سفكت بسبب غيّه وبغيه؛ وإلاّ فإنّه سينهد إليه بعصائب أهل الحقّ.

٥٠٩

كتاب ابن هند

كتب إليه ابن هند كتاباً مطوّلاً تكلّم فيه عن بيعة أبي بكر وأنّ صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعامّتهم ولّوا أبابكر لأنّه أقدمهم إسلاماً وأعلمهم بالله وأحبّهم له وأقواهم على أمر الله...(١) .

ولا نقف طويلاً عند هذا المقطع من كتاب ابن هند؛ وقد تكلّمنا في غير هذا الموضع عن ولاية أبي بكر وكيف كانت والمعارضة الواسعة لتلك البيعة ممّا اضطرّ أبابكر أن يرسل جيشاً واسعاً لوأد تلك المعارضة وسحق القبائل الممتنعة عن بيعته ودستوره لجيوشه في أن لا يفرّقوا بين شيخ وصبيّ ورجل وامرأة؛ فما أشبه مبدأه هذا بمبدأ ابن ميسون في وقعة الحرّة؛ وبهم اقتده!

وعرفنا أنّ نفس رسول الله وأخاه الذي هو بمنزلة هارون من موسى، وختنه على ابنته سيّدة نساء العالمين، وأباه ولده الذين نصبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم اثنا عشر إماماً كعدّة نقباء بني إسرائيل، وطهّر الله هذا البيت الذي كان يهبط فيه الوحي ومنه يعرج، وهو البيت الذي حبّه إيمان وبغضه نفاق، وحربه وسلمه حرب وسلم لله ولرسوله، البيت الذي باهل به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهزم به النصارى...؛ هذا البيت الذي لم يسهم فيه عاهر وإنّما ينتمي إلى فخر البشريّة جميعاً محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ابن الفواطم والعواتك، وقد مضى الكلام عن سؤدد آبائهم ونسائهم وكراماتهم وليس لأبي بكر به رابطة وكان عماد البيت من الممتنعين عن بيعة أبي بكر في جماعة من بني هاشم والأنصار وبعث صاحب الأريكة الذي لم يذكر التاريخ أنّه باشر حرباً مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو بالمشركين رؤوف رحيم! رقيق القلب إلى حدّ أنّه لم يخدش مشركاً؛ أما الآن فهو يذبّح أبناء المسلمين

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ٣٧.

٥١٠

ويستحيي نساءهم وفي ذلك بلاء عظيم! وبعث محرّقاً - عمر بن حنتمة - ليأتي له بعليّ أمير المؤمنين حقّاً ووليّ الله قرآناً وسنّة أن يأتي به بأعنف العنف! مستغلّا (الوصيّة) التي احترمها أبو الحسن وأساء الآخرون الفائدة منها كما أساؤا وصيّة رسول الله بالأنصار وللأنصار! بهم أن يقبل من محسنهم ويعفى عن مسيئهم؛ ولهم إذا أوصاهم أنّهم سيلقون من بعده أثرة وعليهم أن يصبروا... وكان عدوانهم على بيت الوحي منتهى الوقاحة والخروج على الله ورسوله ووليّه وسادة أهل الجنّة.

وأمّا تعلّله بسابقة أبي بكر وأعلميّته وأنّه أحبّ إلى قريش وأقواها على أمر الله! فالإجماع والتواتر منعقدان على سابقة عليّعليه‌السلام إلى الإسلام وأنّه لم ينتقل من شرك وعبادة الأصنام كما هو حال من ذكر، إلى إيمان؛ وأعلميّته فلا اختلاف بين اثنين أنّهعليه‌السلام أعلم الأمّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو باب مدينة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الذي يبيّن للناس ما اختلفوا فيه وهو الأذن الواعية في القرآن الكريم وهو الذي يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تنزيله.

وأمّا: أبوبكر أحبّ إلى قريش! فهنيئاً! فقريش كانت أشدّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الإسلام والمسلمين، أما لباب قريش وجوهرتها فهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفخره عائد إلى عليّ، ولو لم يكن عليّ أحبّ الناس إليه لـما دعىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيه بأحبّ الخلق إليه يأكل معه (حديث الطير) فجاء عليّعليه‌السلام فأكل معه، ولا قال فيه (لأبعثنّ إليكم رجلاً طاعتُه كطاعتي ومعصيتُه كمعصيتي) ولا قال فيه: (كذب من زعم انّه يحبّني ويبغض هذا) ولا جعل ولايته على الناس لعليّ (حديث الغدير) ولا كان (حبّه إيمان وبغضه نفاق) ولا قال فيه (إنّه منّي وأنا منه) فقال جبرئيل: وأنا منكما؛ ولا أنزله منه بمنزلة هارون من موسى، بعد أن ادّخره لنفسه فاتّخذه أخاً، ولا صرّح بأنّ (النظر إلى عليٍّ عبادةٌ) وإنّ

٥١١

سلمه وسلم أهل بيته سلمٌ له وحربهم حرب له؛ ولَـما ردّ أبابكر وعمر وابن عوف إذ خطبوا سيّدة نساء العالمين، وقال لهم: أمر زواجها إلى الله، فجاءه جبريل أن زوّج فاطمة من عليّ(١) ؛ ثمّ ما لابن هند والخوض في مثل هذه الأمور وهو ليس من قريش إنّما ابن دعوة يُدعى إلى أربعة وإلى رجل آخر هو الصُبّاح مغنٍّ أسود، وتحوم حوله الشُبهة في أنّه لقاتل حمزةعليه‌السلام (وحشي)؛ وإن وصل حبله بأُميّة عن طريق أُمّه هند، فأُميّة عبد روميّ قبطيّ اشتراه عبد شمس المستضعف ومنّ عليه عبد شمس فأعتقه واستلحقه؛ فلم يجد هذا القبطيّ حرجاً أن يدّعي عبده ذكوان وسمّاه أبا عمرو وتنازل له عن زوجته فزوّجه منها فولدت أبا معيط...، أمور تكلّمنا بإسهاب عنها في فصل آخر من هذا الكتاب، إلّا أنّها شجون جاش بها الصدر وأثارها ابن هند، مع التذكير أنّ النسب للأب لا إلى الأُم!

تتمّة كتاب ابن هند

وممّا جاء في كتاب ابن هند جواباً على كتاب الإمام الحسنعليه‌السلام: (وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح، والحال بيني وبينك اليوم مثل الحال الذي كنتم عليها أنتم وأبوبكر، ولو علمت أنّك أضبط منّي للرعيّة وأحوط على هذه الأمّة وأحسن سياسة وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدوّ لأجبتك إلى ما دعوتني إليه ورأيتك لذلك أهلاً ولكنّي قد علمت أنّي أطول منك ولاية وأقدم منك لهذه الأمّة تجربة وأكثر منك سياسةً وأكبر منك سنّاً، فأنت أحقّ أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني، فادخل في

____________________

(١) الأحاديث والروايات التي أشرنا إليها ليس محلّ الإضافة بها في هذا المحلّ وقد ذكرنا كثيراً منها مع مصادرها في أماكن أخرى.

٥١٢

طاعتي ولك الأمر من بعدي، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغاً ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت ولك خراج إلى كور العراق شئتَ معونة لك على نفقتك يجبيها لك أمينُك ويحملها إليك في كلّ سنة ولك ألّا يستولي عليك بالإساءة ولا تُقضى الأمور دونك ولا نُعصى في أمر أردتَ به طاعة الله عزّ وجلّ. أعاننا الله وإيّاك على طاعته إنّه سميع مجيب الدعاء والسلام)(١) .

قال جندب بن عبد الله الأزدي، وكان رسول أمير المؤمنين الحسنعليه‌السلام فلمّا أتيت الحسن بن عليّ بكتاب معاوية قلت له: إنّ الرجل سائر إليك، فابدأ أنت بالمسير حتّى تقاتله في أرضه وبلاده وعمله، فإمّا أن تقدر أنّه يتناولك فلا والله حتّى يرى يوماً أعظم من يوم صفّين، فقال: أفعل(٢) .

إنّ ابن هند يصف الحال فيما بينه وبين الإمام الحسنعليه‌السلام بالحال التي كان عليها أهل البيت: وأبي بكر! ولقد علمنا من خروج أبي بكر ومن معه على الله ورسوله من ليلة وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما كان من أمر السقيفة وتحريقهم البيت الذي كان يمرّ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند صلاة الفجر فينادي: الصّلاة أهل البيت إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس ويطهّركم تطهيراً؛ وكلّ إناء بالّذي فيه ينضحُ، ومَن أحبّ قوماً حُشر معهم! فابن هند يتوعّد الإمام الحسنعليه‌السلام ، فيقرن نفسه بابن أبي قُحافة في الموقف العدائي من أهل بيت النبوّة، ولا عدوان إلّا على الظالمين.

وأمّا ما ذكر من مفردات فلا يصحّ منها إلّا قوله: (وأنا أكبر منك سنّاً) ولو كان مهذّباً لقال: أنا أسنّ منك. وما أشبه ذريعته بما كان من أمر القوم مع أمير المؤمنين

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ٣٧.

(٢) نفس المصدر السابق.

٥١٣

عليّعليه‌السلام إذ احتجّوا في تقديم أبي بكر بأنّه أسنّ من أمير المؤمنينعليه‌السلام . ومتى كان السنّ دليلاً على اكتمال الشخصيّة وأنّه أهل لحمل الرسالة، وهذا رسول الله اختارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الله وفي محيطه كثير ممّن هم أسنّ منه؛ وأسلم عليّعليه‌السلام وكبار السنّ غارقون في الجهل عاكفون على عبادة الأصنام... هلّا افتخر ابن هند بطهارة مولده وعظيم عطائه في ملاقاة الأقران غير كشفه عن سوأته، وبعلمه الذي يضاهي به عليًّاعليه‌السلام باب مدينة علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ القائل: (سلوني قبل أن تفقدوني)، وما من فضيلة إلّا وعليّ داخل فيها، وما من رذيلة إلّا وعليّ خارج منها، وعليّ حبّه إيمان وبغضه نفاق، ولأجله كان قسيم النار والجنّة... وقوله: أضبط للرعية وأحوط على هذه الأمّة وأحسن سياسة وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدوّ.

صدق ابن هند في آخر كلامه في جمع الأموال وكيادة العدوّ، فأمّا جمع الأموال فلم يكن من عمل يمارسه كما كان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام يمارس الفلاحة ويرقّع ثوبه بيده وكان خجلاً لكثرة ما رقّع الرقّاع من نعله وكان بيته من طين وقصب، وقد بنى ابن هند الخضراء بدمشق وعلى نهجه سار الطواغيت فقد بنى الحجّاج الخضراء في واسط، وبنى المنصور العبّاسي الخضراء ببغداد، وبنى طاغوت عصرنا صدّام الخضراء ببغداد. ولم تأت هذه القصور والمدن من مصدر حلال! ولا كانت للوعظ والإرشاد؛ فأمّا الأموال فمن بيت مال المسلمين وتجارة ابن هند بتماثيل النحاس إلى الهند والخمرة الدمشقيّة. وكيادته للعدوّ فأبلغ ما فيها أنّه يكذب ويغدر كما وصفه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

كتاب الإمامعليه‌السلام إلى معاوية

لـمّا وصل كتاب ابن هند إلى أمير المؤمنين الحسنعليه‌السلام ، أجابهعليه‌السلام : بسم الله الرحمن

٥١٤

الرحيم؛ أما بعد: وصل إليّ كتابك تذكر فيه ما ذكرت، فتركت جوابك خشية البغي عليك وبالله أعوذ من ذلك، فاتّبع الحقّ تعلم أنّي من أهله، وعليَّ إثم أن أقول فأكذب، والسلام(١) .

ثمّ كتب معاوية إلى عمّاله نسخة واحدة: من معاوية إلى فلان بن فلان ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم، فالحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوّكم وقتلة خليفتكم إنّ الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعليّ بن أبي طالب رجلاً من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرّقين مختلفين فاقبلوا إليّ حين يأتيكم هذا بجندكم وجهدكم وحسن عدّتكم فقد أصبتم بحمد الله الثأر وبلغتم الأمل وأهلك أهل البغي والعدوان والسلام عليكم(٢) .

هذا هو الذي كتب به أمير المؤمنين الحسنعليه‌السلام إلى ابن هند يذكر فيه شماتة ابن هند بقتل أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وقد أنكر ابن هند ذلك وقال: إنّي لم أشمت ولم آس.

وفي كتابه هذا تجد أنّ ابن هند قد أعدّ للعدوان على جبهة الحقّ. ثمّ جمع معاوية الناس وخرج في ستّين ألفاً يريد العراق وبلغ أمير المؤمنين خبر مسيره وأنّه بلغ جسر منبج، وكتب الإمام إلى عمّاله يأمرهم بالاحتراس، ثمّ ندب الناس إلى حرب معاوية، فكان أوّل المبادرين: حجر بن عديّ الكندي، وقيس بن سعد بن عبادة، ومعقل بن قيس الرياحي، وزيد بن صعصعة التيمي فتكلّموا في الناس وحرّضوهم وكلّموا الإمام الحسن بمثل كلام عديّ بن حاتم في الإجابة والقبول(٣) .

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ٣٨.

(٢) نفس المصدر: ٣٨ - ٣٩.

(٣) نفس المصدر: ٤٠.

٥١٥

فقال لهم الحسنعليه‌السلام: صدقتم - رحمكم الله - ما زلت أعرفكم بصدقِ النيّة والوفاء بالقول والمودّة الصحيحة فجزاكم الله خيراً ثمّ نزل.

وخرج الناس، فعسكروا ونشطوا للخروج وخرج الحسن إلى معسكره واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب وأمره باستحثاث الناس وإشخاصهم إليه فجعل يستحثّهم ويُخرجهم حتّى التأم العسكر.

ثمّ إنّ الحسن خرج في عسكر عظيم وعدّة حسنة حتّى إذا أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثاً حتّى اجتمع الناس ثمّ دعا عبيد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب فقال له: يا ابن عمّ إنّي باعث معك اثنا عشر ألفاً من فرسان المصر؛ الرجل منهم يزن الكتيبة! فسر بهم وألن لهم جانبك وابسط وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من مجلسك فأنّهم بقيّة ثقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وسر بهم على شطّ الفرات حتّى تقطع بهم الفرات ثمّ تصير إلى مَسْكِن ثمّ امضِ بهم حتّى تستقبل معاوية فإن أنت لقيته فاحبسه حتّى آتيك فإنّي في إثرك وشيكاً وليكن خبرك عندي: لّ يوم شواور هذين؛ يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس، فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتّى يقاتلك فإن فعل فقاتل فإن أصبت فقيس بن سعد على الناس وإن أصيب قيس فسعيد بن قيس على الناس ثمّ أمره بما أراد(١) .

بعد مراسلات جمع ابن هند جيوشه لمداهمة الإمام الحسنعليه‌السلام فجمععليه‌السلام جيشه وخطب وجوه الناس فشهد لهم وهو المعصوم بصدق النيّة والوفاء بالقول ومودّتهم لأهل البيتعليهم‌السلام ، وجزّاهم خيراً. وكان مبدؤه في القتال مبدأ أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام فقد أمر قائد جيشه أن لا يقاتل معاوية حتّى يكون معاوية هو البادئ. ولم يكن الرجال

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ٣٩ - ٤٠.

٥١٦

الذين بعثهمعليه‌السلام، عاديّين فهم اثنا عشر ألفاً من فرسان عرب الكوفة وقرّائها، وبوصف الإمامعليه‌السلام فإنّ الرجل منهم يزن الكتيبة! وهم بقيّة ثقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه؛ ذلك أنّهم من شرطة الخميس، وقد أشرنا في تصنيف أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى طبقات منها شرطة الخميس قد بايعوا أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام على الموت، وكانوا أربعين ألفاً، كان أمير المؤمنين جعل عليهم قيس بن سعد على مقدّمته إلى آذربيجان ولم يزل قيس يدارئ ذلك البعث حتّى قتل عليّعليه‌السلام واستخلف أهل العراق الحسن بن عليّ على الخلافة، ثمّ خرج بالناس حتّى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدّمته في اثني عشر ألفاً وأقبل معاوية في أهل الشأم حتّى نزل مَسْكِن(١) .

وفي صفة جيش الإمام الحسنعليه‌السلام ذكر البخاري بسنده عن الحسن البصري قال: استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إنّي لأرى كتائب لا تولّي حتّى تقتل أقرانها(٢) .

خطبة أُسيء فهمها

لقد وجدنا الإمام الحسنعليه‌السلام قد بويع بيعة عامّة لم يتخلّف عنه أحد من أهل الكوفة، وأوّل من سارع لصدّ عدوان ابن هند أهل الحميّة والنجدة ووجوه العرب وفرسانها، قرّاء الكوفة وشرطة الخميس يزن أحدهم كتيبةً، لا يردّون على إمامهم قولاً وكانوا له كما كان مالك الأشتر لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام؛ وكان جيش الإمام بوصف الحسن البصريّ أمثال الجبال، وكان ابن النابغة متخوّفاً ممّا يرى منهم إلّا أنّ ثمّة أمور قلبت المعادلة فتحقّق ما أنبأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤: ١٢١ - ١٢٢.

(٢) صحيح البخاري ٣: ٢٤٣ - ٢٤٤.

٥١٧

سار عبيد الله بن العبّاس... ولزم الفرات والفالوجة حتّى أتى مَسْكِن. وأخذ الحسنعليه‌السلام حتّى أتى ساباط المدائن، فأقام بها فلمّا أراد الرحيل، قام في الناس فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: (أيّها الناس إنّكم قد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، فو الله إنّي لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً على أحدٍ ضغينة ولا مريداً به سوءاً ولا غائلة، ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفُرقة، ألا وإنّي ناظر لكم خيراً من نظركم لانفسكم، فلا تخالفوا أمري ولا تردّوا عليّ رأيي...)(١) .

إنّ الإمام الحسنعليه‌السلام بايع الناس على الشرط الذي شرطه لهم (أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت) فبايعوه على السمع والطاعة؛ وأن يخرج إليهم عزيزاً مطاعاً؛ بايعوه على الخلافة ومن بعده لأخيه الحسينعليه‌السلام . ولم يظهر أحد خلافاً. إلّا أنّ ذلك لا يمنع من وجود طفيليّات تشوب حركة الإمام، وقد تكلّمنا عن المجتمع الكوفيّ وأنّ فيه جماجم العرب وبقيّة ثقة أصحاب أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام؛ وإلى جنب هؤلاء العثمانية، والخوارج وكان هؤلاء أكثر الناس طلباً للحرب لا نُصرة للحقّ وإنّما للحرب ذاتها وقد عرفنا موقفهم من أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام . فكان الإمام الحسنعليه‌السلام يتجنّب خوض حرب بداية وأكثر همّه هو حقن الدماء ما استطاع إلى ذلك سبيلاً وقد رأى من ابن هند أساليب الغدر والمكر والخداع وتضليل الناس. فلم يشأ الإمامعليه‌السلام أن يخوض حرباً يخسر فيها شيعته وهو يعلم أنّ ابن هند لا همّ له إلّا الحكم؛ وفي الكوفة هذا الشوب من الناس. ولـمّا خطبهم كان عليهم أن يستفهموه ويناظروه إن لم يكن أولئك الذين أساؤا من شيعته، ولكنّ الذي كان أن نظر بعضهم إلى بعض

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين: ٤٠ - ٤١، الفتوح ٤: ١٥٤، أنساب الأشراف ٣: ٢٨٢ مع اختلاف بسيط في بعض الألفاظ.

٥١٨

وقالوا: ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا: نظنّه يريد أن يصالح معاوية فقالوا: كفر والله الرجل ثمّ شدّوا على فسطاطه فانتهبوه وشدّ عليهم أحدهم فنزع مطرفه عن عاتقه؛ فدعا بفرسه فركبه وأحدق به طوائف من خاصّته وشيعته، ومنعوا منه من أراده؛ فقال: ادعوا لي ربيعة وهمدان فدعوا له فأطافوا به ومنعوا الناس عنه ومعهم شوب من غيرهم. وانطلق رجل من بني أسد بن خزيمة من بني نصر بن الهون يقال له الجرّاح ابن سنان وكان يرى رأي الخوارج إلى مظلم ساباط فلمّا مرّ به قام إليه وبيده مغول(١) فقال: الله أكبر يا حسن أشركت كما أشرك أبوك من قبل ثمّ طعنه فوقعت الطعنة في فخذه، وضرب الحسن وجهه ثمّ اعتنقه وخرّا إلى الأرض، ووثب عبد الله بن أخطل فنزع المغول من يد الجرّاح وأخذ ظبيان بن عمارة التميمي بأنفه فقطعه، وضرب بيده إلى قطعة آجرة فشدخ بها وجهه ورأسه حتّى مات.

وحمل الحسن إلى المدائن وعليها سعد بن مسعود الثقفي عمّ المختار، وكان عليّ ولاّه فأقرّه الحسن بن عليّ، فأتاه بطبيب وقام عليه حتّى برئ.

ثمّ إنّ معاوية وافى حتّى نزل بمَسْكِن، فأقبل عبد الله بن العبّاس حتّى نزل بإزائه، فلمّا كان من غد وجّه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد الله بن العبّاس فيمن معه، فضربهم حتّى ردّهم إلى معسكرهم.

خدعة ابن هند

فلمّا كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العبّاس أنّ الحسن قد راسلني في الصُّلح وهو مسلّم الأمر إليّ فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً وإلاّ دخلت وأنت تابع ولك إن جئتني الآن أن أُعطيك ألف ألف درهم، يعجّل لك في هذا الوقف

____________________

(١) المغول: نصل طويل أو سيف دقيق له قفاً.

٥١٩

النصف وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر، فانسل عبيد الله ليلاً فدخل عسكر معاوية، فأصبح الناس ينتظرون أن يخرج فيصلّي بهم فلم يخرج فطلبوه فلم يجدوه فصلّى بهم قيس بن سعد بن عبادة ثمّ خطبهم فقال: أيّها الناس، لا يهولنّكم هذا الأمر... ثمّ ذكر عبيد الله وأخاه عبد الله وأباه العبّاس بأمور.

فتنادى الناس: الحمد لله الذي أخرجه من بيننا فانهض بنا إلى عدوّنا فنهض بهم. وبايع قيساً أربعة آلاف على الموت.

وظنّ معاوية أنّ مصير عبيد الله قد كسر الحسنعليه‌السلام ، فأمر بسر بن أبي أرطاة وكان على مقدّمته بعشرين ألفاً، فصاحوا بهم: هذا أميركم قد بايع وهذا الحسن قد صالح فعلام تقتلون أنفسكم.

فقال لهم قيس بن سعد: اختاروا احدى اثنتين، إمّا القتال مع غير إمام، أو تبايعون بيعة ضلال، فقالوا: بل نقاتل بلا إمام، فخرجوا فضربوا أهل الشأم حتّى ردّوهم إلى مصافّهم.

وكتب معاوية إلى قيس يدعوه ويمنّيه فكتب إليه قيس: لا والله لا تلقاني أبداً إلّا وبيني وبينك الرمح.

فكتب إليه معاوية:

أما بعد: فإنّما أنت يهوديّ ابن يهوديّ! تشقى نفسك وتقتلها فيما ليس لك، إن ظفر أحبّ الفريقين إليك عزلك واستبدل بك وإن ظهر أبغضهما إليك نكّل بك وقتلك، وقد كان أبوك أوْتَر غيرَ قوسه، ورمى غير غرضه، فأكثرَ الحزّ وأخطأ الـمِفْصَل فخذله قومُه، وأدركه يومُه فمات بحوران طريداً غريباً.

فكتب إليه قيس بن سعد:

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530