كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153682 / تحميل: 5790
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أدنى ذم ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره ولاجل ذلك ذكر بريداً العجلي مع جلالته في الثاني ، كما ذكر هشام بن الحكم فيه أيضاً لاجل ورود ذم ما فيه ، أعني كونه من تلاميذ أبي شاكر الزنديق.

٢ ـ ان العلاّمة لا يعنون المختلف فيه في القسمين ، بل ان رجح المدح يذكره في الاول ، وان رجح الذم أو توقف يذكره في الثاني.

واما ابن داود فيذكر المختلف فيه في الاول باعتبار مدحه ، وفي الثاني باعتبار جرحه.

٣ ـ ان العلاّمة إذا أخذ من الكشي أو النجاشي أو فهرست الشيخ أو رجاله أو الغضائري لا يذكر المستند بل يعبر بعين عبائرهم. نعم فيما إذا نقل عن غيبة الشيخ أو عن رجال ابن عقدة او رجال العقيقي فيما وجد من كتابيهما ، يصرح بالمستند.

كما أنه إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل ، يصرح بأسمائهم ، وحينئد فإن قال في عنوان شيئاً وسكت عن مستنده ، يستكشف أنه مذكور في الكتب الخمسة ولو لم نقف عليه في نسختنا.

وأما ابن داود فيلتزم بذكر جميع من أخذ عنه ، فلو لم يذكر المستند ، علم انه سقط من نسختنا رمزه ، إلا ما كان مشتبهاً عنده فلا يرمز له.

٤ ـ ان العلاّمة يقتصر على الممدوحين في الاول ، بخلاف ابن داود ، فأنه يذكر فيه المهملين أيضاً ، والمراد من المهمل من عنونه الاصحاب ولم يضعفوه.

قال ابن داود : « والجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين ومن لم يضعفهم الاصحاب ، والمفهوم منه أنه يعمل بخبر رواته مهملون ، لم يذكروا بمدح ولا قدح ، كما يعمل بخبر رواته ممدوحون. نعم هو وان استقصى الممدوحين ، يكنه لم يستقص المهملين.

١٢١

هذه هي الفروق الجوهرية بين الرجالين.

المجهول في مصطلح العلاّمة وابن داود

ان هناك فرقاً بين مصطلح العلاّمة وابن داود ، ومصطلح المتأخرين في لفظ المجهول. فالمجهول في كلامهما غير المهمل الذي عنونه الرجاليون ولم يضعفوه ، بل المراد منه من صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية ، وهو أحد ألفاظ الجرح ، ولذا لم يعنوناه الا في الجزء الثاني من كتابيهما ، المعد للمجروحين ، وقد عقد ابن داود لهم فصلاً في آخر الجزء الثاني من كتابه ، كما عقد فصلاً لكل من المجروحين من العامة والزيدية والواقفية وغيرهم.

لكن المجهول في كلام المتأخرين ، من الشهيد الثاني والمجلسي والمامقاني ، أعم منه ومن المهمل الذي لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وقد عرفت أن العلاّمة لا يعنون المهمل أصلاً ، وابن داود يعنونه في الجزء الاول كالممدوح ، وكان القدماء يعملون بالمهمل كالممدوح ، ويردون المجهول وقد تفطن بذلك ابن داود(١) .

فهذه الكتب الاربعة ، هي الاصول الثانوية لعلم الرجال. اُلّف الاول والثاني منهما في القرن السادس ، كما اُلف الثالث والرابع في القرن السابع ، والعجب أن المؤلفين متعاصرون ومتاثلو التنسيق والمنهج كما عرفت.

وقد ترجم ابن داود العلاّمة في رجاله ، ولم يترجمه العلاّمة في الخلاصة ، وان ذا مما يقضي منه العجب.

هذه هي اصول الكتب الرجالية أوليتها وثانويتها ، وهناك كتب اخرى لم تطبع ولم تنشر ولم تتداولها الايدي ، ولاجل ذلك لم نذكر عنها شيئاً ومن اراد الوقوف عليها فليرجع الى كتاب « مصفى المقال في مؤلفي الرجال » للعلاّمة

__________________

١ ـ قاموس الرجال : ١ / ٣١.

١٢٢

المتتبع الطهرانيرحمه‌الله .

وهذه هي الاصول الأولية الثمانية والثانوية الأربعة لعلم الرجال ، واما الجوامع الرجالية فسيوافيك ذكرهاعن قريب.

١٢٣
١٢٤

٢ ـ الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة

* مجمع الرجال.

* منهج المقال.

* جامع الرواة.

* نقد الرجال.

* منتهى المقال.

١٢٥
١٢٦

قد وقفت على الاصول الرجالية ، وهناك جوامع رجالية مطبوعة ومنتشرة يجب على القارئ الكريم التعرف عليها ، وهذه الجوامع الفت في أواخر القرن العاشر إلى أواخر القرن الثاني عشر ، تلقّاها العلماء بالقبول وركنوا اليها ولابد من التعرف عليها(١) .

١ ـ مجمع الرجال

تأليف زكي الدين عناية الله القهبائي ، من تلاميذ المقدس الاردبيلي ( المتوفّى سنة ٩٩٣ هـ ). والمولى عبد الله التستري ( المتوفّى عام ١٠٢١ هـ ) والشيخ البهائي. ( المتوفّى سنة ١٠٣١ هـ ). جمع في ذلك الكتاب تمام ما في الاصول الرجالية الأولية ، حتى أدخل فيه كتاب الضعفاء للغضائري وقد طبع الكتاب في عدة أجراء.

٢ ـ منهج المقال

تأليف السيد الميرزا محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي ( المتوفّى

__________________

(١) قاموس الرجال : ج ١ الصفحة ٣١.

١٢٧

سنة ١٠٢٨ هـ ) وهو استاذ المولى محمد أمين الاسترابادي صاحب « الفوائد المدنية ». له كتب ثلاثة في الرجال : الكبير وأسماه « منهج المقال ». والوسيط ، الذي ربما يسمى بـ « تلخيص المقال » أو « تلخيص الاقوال » ، والصغير الموسوم بـ « الوجيز ». والأول مطبوع ، والثاني مخطوط ولكن نسخه شائعة ، والثالث توجد نسخة منه في الخزانة الرضوية كما جاء في فهرسها.

٣ ـ جامع الرواة

تأليف الشيخ محمد بن علي الاردبيلي. صرف من عمره في جمعه ما يقرب من عشرين سنة ، وابتكر قواعد رجالية صار ببركتها كثير من الاخبار التي كانت مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة ، معلومة الحال ، صحيحة مسندة ، وطبع الكتاب في مجلدين ، وقدم له الامام المغفور له الأستاذ الحاج آقا حسين البروجرديقدس‌سره مقدمة وله أيضاً « تصحيح الأسانيد » الذي أدرجه شيخنا النوري بجميعه أو ملخصه في الفائدة الخامسة من فوائد خاتمة المستدرك.

ومن مزايا هذا الكتاب أنه جمع رواة الكتب الاربعة ، وذكر في كل راو ترجمة من رووا عنه ومن روى عنهم ، وعين مقدار رواياتهم ورفع بذلك ، النقص الموجود في كتب الرجال.

قال في مقدمته : « سنح بخاطره ( يعني نفسه ) الفاتر ـ بتفضله غير المتناهي ـ أنه يمكن استعلام أحوال الرواة المطلقة الذكر ، من الرواي والمروي عنه بحيث لا يبقى اشتباه وغموض ، وعلماء الرجال ( رضوان الله عليهم ) لم يذكروا ولم يضبطوا جميع الرواة ، بل ذكروا في بعض المواضع تحت بعض الاسماء بعنوان أنه روى عنه جماعة ، منهم فلان وفلان ، ولم يكن هذا كافياً في حصول المطلوب ، إلى أن قال : صار متوكلاً على رب الارباب ، منتظماً على التدريج راوي كل واحد من الرواة في سلك التحرير ، حتى انه رأى الكتب الأربعة المشهورة والفهرست للشيخرحمه‌الله والفهرس

١٢٨

للشيخ منتجب الدين ومشيخة الفقيه والتهذيب والاستبصار ، وكتب جميع الرواة الذين كانوا فيها ، ورأى أيضاً كثيراً من الرواة رووا عن المعصوم ، ولم يذكر علماء الرجال روايتهم عنهعليه‌السلام والبعض الذين عدوه من رجال الصادق ، رأى روايته عن الكاظمعليه‌السلام مثلا ، والذين ذكروا ممن لم يرو عنهمعليهم‌السلام رأى انه روي عنهمعليهم‌السلام الى ان قال : ان بعض الرواة الذين وثقوه ولم ينقلوا انه روى عن المعصومعليه‌السلام ورأى انه روى عنهعليه‌السلام ضبطه ايضاً ، حتى تظهر فائدته في حال نقل الحديث مضمراً ـ الى ان قال : ( ومن فوائد هذا الكتاب ) انه بعد التعرف على الراوي والمروي عنه ، لو وقع في بعض الكتب اشتباه في عدم ثبت الراوي في موقعه يعلم انه غلط وواقع غير موقعه.

( ومن فوائده أيضاً ) ان رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد انه كان حسن الحال او كان من مشايخ الاجازة »(١) .

والحق ان الرجال مبتكر في فنه ، مبدع في علمه ، كشف بعمله هذا الستر عن كثير من المبهمات ، ومع انه تحمل في تأليف هذا الكتاب طيلة عشرين سنة ، جهوداً جبارة ، بحيث ميز التلميذ عن الشيخ ، والراوي عن المرويّ عنه ولكن لم يجعل كتاب على اساس الطبقات حتى يقسم الرواة الى طبقة وطبقة ، ويعين طبقة الراوي ومن روى هو عنه او رووا عنه ، مع انه كان يمكنه القيام بهذا العمل في ثنايا عمله بسبر جميع الكتب والمسانيد بامعان ودقة.

٤ ـ نقد الرجال

تأليف السيد مصطفى التفريشي ألفه عام ١٠١٥ هـ ، وهو من تلاميذ المولى عبدالله التستري وقد طبع في مجلد.

__________________

١ ـ لاحظ المقدمة : ٤ ـ ٥ بتصرف يسير.

١٢٩

قال في مقدمته : « اردت ان اكتب كتاباً يشتمل على جميع اسماء الرجال من الممدوحين والمذمومين والمهملين ، يخلو من تكرار وغلط ، ينطوي على حسن الترتيب ، يحتوي على جميع اقوال القوم ـ قدس الله ارواحهم ـ من المدح والذم الا شاذاً شديد الشذوذ ».

٥ ـ منتهى المقال في أحوال الرجال

المعروف برجال ابي علي الحائري ، تأليف الشيخ ابي علي محمد بن اسماعيل الحائري ( المولود عام ١١٥٩ هـ ، والمتوفّى عام ١٢١٥ أو ١٢١٦ هـ في النجف الاشرف ).

ابتدء في كل ترجمة بكلام الميرزا في الرجال الكبير ، ثم بما ذكره الوحيد في التعليقة عليه ، ثم بكلمات اخرى ، وقد شرح نمط بحثه في اول الكتاب ، وترك ذكر جماعة بزعم انهم من المجاهيل وعدم الفائدة في ذكرهم ، ولكنهم ليسوا بمجاهيل ، بل اكثرهم مهملون في الرجال ، وقد عرفت الفرق بين المجهول والمهمل.

وهذه الكتب الخمسة كلها اُلِّفت بين أواخر القرن العاشر الى أواخر القرن الثاني عشر ، وقد اجتهد مؤلفوها في جمع القرائن على وثاقة الراوي او ضعفها ، واعتمدوا على حدسيات وتقريبات.

هذه هي الجوامع الرجالية المؤلفة في القرون الماضية ، وهناك مؤلفات اخرى بين مطولات ومختصرات اُلفت في القرون الاخيرة ونحن نشير إلى ما هو الدارج بين العلماء في عصرنا هذا.

١٣٠

٣ ـ الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء

* بهجة الآمال.

* تنقيح المقال.

* قاموس الرجال.

١٣١
١٣٢

قد وقفت على الجوامع الرجالية المؤلفة في القرن الحادي عشر والثاني عشر ، وهناك مؤلفات رجالية اُلفت في أواخر القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر ولكنها على صنفين : صنف تبع في تأليفه خطة الماضين في نقل أقوال الرجاليين السابقين واللاحقين ، وجمع القرائن والشواهد على وثاقة الراوي ، والقضاء بين كلمات اهل الفن ، الى غير ذلك من المزايا التي أوجبت تكامل فن الرجال من حيث الكمية ، من دون إحداث كيفية جديدة وراء خطة السابقين ، وصنف اخر أحدث كيفية جديدة في فن الرجال وأبدع اسلوباً خاصاً لما يهم المستنبط في علم الرجال. فإن الوقوف على طبقة الراوي من حيث الرواية ، ومعرفة عصره وأساتيذه وتلاميذه ، ومدى علمه وفضله ، وكمية رواياته من حيث الكثرة والقلة ، ومقدار ضبطه للرواية ، واتقانه في نقل الحديث ، من اهم الامور في علم الحديث ومعرفة حال الراوي وقد اهملت تلك الناحية في اسلوب القدماء غالباً الا على وجه نادر.

وهذا الاُسلوب يباين خطة الماضين في العصور السابقة.

وعلى ذلك يجب علينا ان نعرف كل صنف بواقعه ونعطي كل ذي حق حقه ، وكل ذي فضل فضله ، بلا تحيز الى فئة ، ولا إنكار فضيلة لأحد.

١٣٣

١ ـ « بهجة الآمال في شرح زبدة المقال في علم الرجال »

تأليف العلاّمة الحاج الشيخ علي بن عبدالله بن محمد بن محب الله بن محمد جعفر العلياري التبريزي ( المولود عام ١٢٣٦ هـ ، والمتوفّى عام ١٣٢٧ هـ ) وهذا الكتاب قد اُلف في خمسة مجلدات كبار ، ثلاثة منها شرح مزجي لـ « زبدة المقال في معرفة الرجال » تأليف العلاّمة السيد حسين البروجردي ، وهو منظومة في علم الرجال قال :

سمّيته بزبدة المقال

في البحث عن معرفة الرجال

ناظمه الفقير في الكونين

هو الحسين بن رضا الحسيني

واثنان منها شرح لـ « منتهى المقال » وهي منظومة للشارح تمم بها منظومة البروجردي ، وحيث ان البروجردي لم يذكر المتأخرين ولا المجاهيل من الرواة فأتمها وأكملها الشارح بالنظم والشرح في ذينك المجلدين ، والكتاب مشتمل على مقدمة وفيها أحد عشر فصلاً ، والفصل الحادي عشر في أصحاب الاجماع. وفيه أيضاً عدة أبحاث متفرقة ، والكتاب لو طبع على طراز الطبعة الحديثة لتجاوز عشرة أجزاء وقد طبع منه لحد الآن ستة أجزاء والباقي تحت الطبع.

٢ ـ « تنقيح المقال في معرفة علم الرجال »

للعلامة الشيخ عبدالله المامقاني ( المتوفّى عام ١٣٥١ هـ ) في ثلاثة أجزاء كبار ، وهو أجمع كتاب ألف في الموضوع ، وقد جمع جلَّ ما ورد في الكتب الرجالية المتقدمة والمتاخرة.

قال العلاّمة الطهراني : « هو أبسط ما كتب في الرجال ، حيث انه أدرج فيه تراجم جميع الصحابة والتابعين ، وسائر أصحاب الائمة وغيرهم من الرواة الى القرن الرابع ، وقليل من العلماء المحدثين في ثلاثة أجزاء كبار لم

١٣٤

يتجاوز جمعه وترتيبه وتهذيبه عن ثلاث سنين ، وهذا مما يعد من خوارق العادات والخاصة من التأييدات ، فلله در مؤلفه من مصنف ما سبقه مصنفو الرجال ، ومن تنقيح ما أتى بمثله الأمثال »(١) . ومما أُخذ عليه ، هو خلطه بين المهمل والمجهول. فان الأول عبارة عمّن لم يذكر فيه مدح ولا قدح ، وقد ذكر ابن داود المهمل في جنب الممدوح ، زعماً منه بأنه يجب العمل بخبره كالممدوح ، وأن غير الحجة في الخبر عبارة عن المطعون.

وأما المجهول فإنّه عبارة عمن صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية وهو أحد ألفاظ الجرح ، فيذكرون المجهول في باب المجروحين ويتعاملون معه معاملة المجروح.

وأنت إذا لاحظت فهرس تنقيح المقال ، الذي طبع مستقلاً وسماه المؤلف « نتيجة التنقيح » لا ترى فيه الا المجاهيل ، والمراد منه الاعم ممن حكم عليه أئمة الرجال بالمجهولية ومن لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وهذا الخلط لا يختص به ، بل هو رائج من عصر الشهيد الثاني والمجلسي الى عصره مع أن المحقق الداماد قال في الراشحة الثالثة عشر من رواشحه : « لا يجوز اطلاق المجهول الاصطلاحي إلا على من حكم بجهالته أئمة الرجال »(٢) .

وقد ذب شيخنا العلاّمة الطهراني هذا الاشكال عن مؤلفه وقال : « ان المؤلف لم يكن غير واقف بكلام المحقق الداماد ، وصرح في الجزء الاول ( أواخر الصفحة ١٨٤ ) بأنه لو راجع المتتبع جميع مظان استعلام حال رجل ومع ذلك لم يظفر بشيء من ترجمة أحواله أبداً فلا يجوز التسارع عليه بالحكم بالجهالة ، لسعة دائرة هذا العلم ، وكثرة مدارك معرفة الرجال ، ومن هذا

__________________

١ ـ الذريعة : ٤ / ٤٦٦.

٢ ـ الرواشح : ٦٠.

١٣٥

التصريح يحصل الجزم بأن مراده من قوله « مجهول » ليس أنه محكوم بالجهالة عند علماء الرجال ، حتى يصير هو السبب في صيرورة الحديث من جهته ضعيفاً ، بل مراده أنه مجهول عندي ولم أظفر بترجمة مبينة لاحواله »(١) .

٣ ـ « قاموس الرجال »

للعلاّمة المحقق الشيخ محمد تقي التستري ، كتبه أولاً بصورة التعليقة على رجال العلاّمة المامقاني ، وناقش كثيراً من منقولاته ونظرياته ، ثم أخرجه بصورة كتاب مستقل وطبع في ١٣ جزء ، والمؤلف حقاً أحد أبطال هذا العلم ونقاده ، وقد بسطنا الكلام حول الكتاب ، ونشرته صحيفة كيهان في نشرتها المستقلة حول حياة المؤلف بقلم عدة من الاعلام.

غير أنه لا يتبّع في تأليف الكتاب روح العصر ، فترى أنه يكتب عدة صحائف من دون أن يفصل بين المطالب بعنوان خاص ، كما أنه لا يأتي بأسماء الكتب الرجالية والائمة الا بالرموز ، وذلك أوجد غلقاً في قراءة الكتاب وفهم مقاصده ، أضف الى ذلك أنه يروي عن كثير من الكتب التاريخية والحديثية ، ولا يعين مواضعها ، ولكن ما ذكرناه يرجع الى نفس الكتاب ، وأما المؤلف فهو من المشايخ الاعاظم الذين يضن بهم الدهر الا في فترات قليلة وله على العلم وأهله أيادي مشكورة.

وهذه الكتب مع الثناء الوافر على مؤلفيها لا تخلو من عل أو علات والتي يجب أن ننبه عليها.

__________________

١ ـ الذريعة : ٤ / ٤٦٧ ، بتصرف وتلخيص.

١٣٦

٤ ـ تطور في تأليف الجوامع الرجالية

* جامع الرواة.

* طرائف المقال.

* مرتب اسانيد الكتب الاربعة.

* معجم رجال الحديث.

١٣٧
١٣٨

إن الجوامع المذكورة مع أهميتها وعظمتها ، فاقدة لبعض ما يهمّ المستنبط والفقيه في تحصيل حجية الخبر وعدمها ، فإنها وإن كانت توقفنا على وثاقة الرّاوي وضعفه إجمالاً ، غير أنها لا تفي ببعض ما يجب على المستنبط تحصيله وإليك بيانه :

١ ـ إنَّ هذه الخطة التي رسمها القدماء وتبعها المتأخرون ، مع أهميتها وجلالتها ، لا تخرج عن اطار التقليد لأئمة علم الرجال في التعرف على وثاقة الرّاوي وضعفه وقليلا من سائر أحواله ، ممّا ترجع إلى شخصيته الحديثية ، وليس طريقا مباشريا للمؤلف الرجالي ، فضلا عمن يرجع اليه ويطالعه ، للتعرّف على أحوال الرّاوي ، بأن يلمس بفهمه وذكائه ويقف مباشرة على كلِّ ما يرجع إلى الراوي من حيث الطبقة والعصر أولا ، ومدى الضبط والاتقان ثانياً ، وكمية رواياته كثرة وقلة ثالثاً ، ومقدار فضله وعلمه وكماله رابعاً ، وهذا بخلاف ما رسمه الاساتذة المتأخرون وخططوه ، فان العالم الرجالي فيه يقف بطريق مباشري دون تقليد ، على هذه الاُمور وأشباهها.

وإن شئت قلت : إن هذه الكتب المؤلفة حول الرجال ، تستمد من قول أئمة الفنّ في جرح الرواة وتعديلهم ، وبالأخص تتبع مؤلفي الاصول الخمسة ، التي نبَّهنا بأسمائهم وكتبهم فيما سبق ، فقول هؤلاء ومن عاصرهم أو تأخر عنهم

١٣٩

هو المعيار في معرفة الرجال وتمييز الثقات عن الضعاف.

ولا ريب أن هذا طريق صحيح يعدّ من الطرق الوثيقة ، لكنه ليس طريقا وحيداً في تشخيص حال الرواة ومعرفتهم ، بل طريق تقليدي لأئمّة الرجال ، وليس طريقاً مباشرياً إلى أحوال الرواة ، ولا يعّد طريقاً أحسن وأتم.

٢ ـ لا شكّ أن التحريف والتصحيف تطرق إلى كثير من أسناد الاحاديث المروية في الكتب الاربعة وغيرها ، وربما سقط الراوي من السَّند من دون أن يكون هناك ما يدلّنا عليه ، وعلى ذلك يجب أن تكون الكتب الرجالية بصورة توقفنا على طبقات الرواة من حيث المشايخ والتلاميذ ، حتى يقف الباحث ببركة التعرّف على الطبقات ، على نقصان السَّند وكماله ، والحال أن هذه الكتب المؤلفة كتبت على حسب حروف المعجم مبتدئة بالألف ومنتهية بالياء ، لا يعرف الانسان عصر الرّاوي وطبقته في الحديث ، ولا أساتذته ولا تلامذته إلا على وجه الاجمال والتبعية ، وبصورة قليلة دون الاحصاء ، والكتاب الذي يمكن أن يشتمل على هذه المزية ، يجب أن يكون على طراز رجال الشيخ الذي كتب على حسب عهد النَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام فقد عقد لكل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام أبواباً خاصة يعرف منها حسب الاجمال طبقة الراوي ومشايخه وتلاميذه.

وهذا النَّمط من التأليف وإن كان لا يفي بتلك الاُمنية الكبرى كلّها ، لكنه يفي بها إجمالاً ، حيث نرى أنه يقسِّم الرواة إلى الطبقات حسب الزمان من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاعصار التي انقلبت فيها سلسلة الرواة إلى سلسلة العلماء ، وعندئذ يمكن تمييز السَّند الكامل من السند الناقص ، ولو كان الرِّجاليُّون بعد الشيخ يتبعون أثره لأصبحت الكتب الرجالية أكثر فائدة مما هي الآن عليه.

٣ ـ إن أسماء كثيرة من الرواة مشتركة بين عدَّة اشخاص. بين ثقة يركن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

وتدل القرائن على أنّ البيعة ليست من إبداعات المسلمين ، بل هي سنّة متّبعة بين العرب قبل الإسلام ، ولهذا السبب فإنّ طائفة من «الأوس والخزرج» جاءوا في بداية الإسلام خلال موسم الحج من المدينة لي مكّة وبايعوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة ، وكان تعاملهم في قضية البيعة يوحي بأنّها أمر معروف ، وبعدها وخلال فرص ومناسبات متعدّدة جدّد النّبي البيعة مع المسلمين ، وكانت إحداها هذه البيعة التي عرفت ببيعة الرضوان في الحديبيّة ، وأوسع منها البيعة التي كانت عند فتح مكّة ، وسيأتي بيانها وشرحها في تفسير «سورة الممتحنة» بإذن الله!

ولكن كيف تتم البيعة؟! بصورة عامّة تتمّ البيعة كما يلي :

يمدّ المبايع يده إلى يد المبايع ويبدي الطاعة والوفاء بلسان الحال أو المقال!

وربّما ذكر شروطا أو حدودا لبيعته كأن يعقد البيعة على بذل ماله! أو بذل روحه أو بذل جميع الأشياء حتى الولد والمرأة!

وقد تقع البيعة أحيانا على أن لا يفرّ المبايع أبدا أو أن يبقى على عهده وبيعته حتى الموت «وكان هذان المعنيان جميعا في بيعة الرضوان كما صرّحت بذلك التواريخ».

وكان النّبي الكريم يقبل بيعة النساء أيضا لكن لا على أن يمددن أيديهنّ إلى يده الكريمة بل كان يأمر بإناء كبير فيه ماء فيدخل يده في طرف منه وتدخل يدها في طرف آخر.

وكان يشترط في البيعة أحيانا على عمل معيّن أو ترك عمل معيّن كما اشترط النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النساء المبايعات له بعد مكّة على ألّا( يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ) (١) .

وعلى كلّ حال فإنّ في أحكام البيعة بحوثا مختلفة نشير إليها هنا على نحو

__________________

(١) الممتحنة ، الآية ١٢.

٤٦١

الإيجاز والاختصار وإن كانت مسائل هذا البحث محاطة بهالة من الإبهام في الفقه الإسلامي :

١ ـ «ماهية البيعة» نوع من العقد والمعاهدة بين المبايع من جهة والمبايع من جهة أخرى ، ومحتواها الطاعة والإتّباع والدفاع عن المبايع ، ولها درجات طبقا للشروط الذي يذكرونها فيها : ويستفاد من لحن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أنّ البيعة نوع من العقد اللازم من جهة المبايع ، ويجب العمل طبقا لما بايع عليه ، ويكون مشمولا بالقانون الكلّي «أوفوا بالعقود» فعلى هذا لا يحقّ للمبايع الفسخ ، ولكن المبايع له أن يفسخ البيعة إن وجد في الأمر صلاحا وفي هذه الصور يتحرر للمبايع من بيعته(١) .

٢ ـ ويرى البعض أنّ البيعة شبيهة بالانتخابات أو نوعا منها ، في حين أنّ الانتخابات على العكس منها تماما ، أي أنّ ماهيتها نوع من إيجاد المسؤولية الوظيفة والمقام للمنتخب ، أو بتعبير آخر هي نوع من التوكيل في عمل ما بالرغم من أنّ الانتخاب يقتضي وظائف على المنتخب أيضا «كسائر الوكالات» في حين أنّ البيعة ليست كذلك!

وبتعبير آخر إنّ الانتخابات تعني إعطاء «المقام» وكما قلنا هي شبيهة بالتوكيل في حين أنّ البيعة تعهد بالطاعة!

ومن الممكن أن يتشابه كلّ من البيعة والانتخاب في بعض الآثار ، لكن هذا التشابه لا يعني وحدة المفهوم والماهية أبدا

ولذلك لا يمكن للمبايع أن يفسخ البيعة ، في حين أنّ المنتخبين لهم الحق في الفسخ في كثير من المواطن بحيث يستطيع جماعة ما أن يعزلوا المنتخب

__________________

(١) نقرأ في حادثة كربلاء أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام خطب أصحابه ليلة العاشر من المحرم وأحلّ بيعته من أصحابه بعد أن أظهر تقديره لهم وشكرهم على مواساتهم إيّاه لينطلقوا حيث يشاءون فقال : «انطلقوا في حلّ منّي ليس عليكم منّي ذمام» لكنّهم لم يتركوا الحسين عليه‌السلام وبقوا على وفائهم [الكامل : لابن الأثير ، ج ٤ ، ص ٥٧].

٤٦٢

«فلاحظوا بدقة»!

٣ ـ وبالنسبة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومين المنصوبين من قبل الله تعالى لا حاجة لهم بالبيعة ، أي أنّ طاعة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام المعصوم والمنصوب من قبل الله واجبة سواء على من بايع أو لم يبايع!

وبتعبير آخر : إنّ لازم مقام النبوّة والإمامة وجوب الطاعة كما يقول القرآن الكريم :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) .

لكن ينقدح هنا هذا السؤال وهو إذا كان الأمر كذلك فعلام أخذ النّبي من أصحابه ـ البيعة كرارا ـ أو المسلمين الجدد ، وقد ورد في القرآن الإشارة إلى حالتين منها بصراحة إحداهما «بيعة الرضوان» ـ محل البحث ـ والأخرى «البيعة مع أهل مكّة» المشار إليها في سورة الممتحنة!.

وفي الإجابة على هذا السؤال نقول : لا شك أنّ هذه المبايعات كانت نوعا من التأكيد على الوفاء ، وقد أديّت في ظروف خاصة ولا سيما في مواجهة الأزمات والحوادث الصعبة لتنبض في ظلّها روح جديدة في الأفراد كما وجدنا تأثيرها المذهل في بيعة الرضوان في البحث السابق!.

إلّا أنّه فيما يتعلّق بمبايعة الخلفاء فقد كانت البيعة على أساس أنّها قبول لمقام الخلافة وإن كنّا لا نعتقد بخلافة من يخلف النّبي والتي تؤخذ البيعة لها عن طريق الناس ، بل هي من قبل الله وتتحقّق بالنص من قبل النّبي أو الإمام السابق على اللاحق!

ومن هذا المنطلق فإنّ البيعة التي بايعها المسلمين لعليعليه‌السلام أو للحسن أو الحسينعليهما‌السلام فيها (جنبة) تأكيد على الوفاء وهي شبيهة ببيعة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ ـ هل البيعة في العصر الحاضر مقبولة على أنّها أصل إسلامي ، أو بتعبير آخر : هل يمكن تعميم البيعة ، وهل للجماعة الفلانية أن تختار شخصا لائقا وواجدا

__________________

(١) النساء ، الآية ٥٩.

٤٦٣

للشرائط الشرعية كأن يكون آمرا للقوات المسلّحة أو رئيسا للجمعية أو رئيسا للحكومة فتبايعه؟ فهل أنّ مثل هذه البيعة مشمول بأحكام الشارع للبيعة؟!

وحيث أنّه لا يوجد عموم ولا إطلاق في القرآن والسنّة في خصوص البيعة فمن المشكل تعميم هذه المسألة وإن كان الاستدلال بعموم الآية( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) غير بعيد!

ولكن مع هذا الإبهام في المسائل المرتبطة بالبيعة فإنّ هناك مانعا من أن نعوّل بصورة قطعية على( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وخاصة أنّنا لا نجد في الفقه أي مورد للبيعة لغير النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام المعصوم.

وينبغي الالتفات إلى هذه «اللطيفة» وهي أن مقام نيابة الوليّ الفقيه في نظرنا مقام منصوص عليه من قبل الأئمة المعصومينعليهم‌السلام ولا حاجة له بالبيعة وبالطبع فإنّ اتباع الناس للولي الفقيه وطاعتهم له يمنحه الإمكان من الاستفادة من هذا المقام ويعطيه ـ كما هو مصطلح عليه ـ بسط اليد ، لكنّ هذا لا يعني أنّ مقامه مشروط بتبعيّة الناس له ، ثمّ إنّ اتباع الناس إيّاه لا علاقة له بالبيعة ، بل هو عمل بحكم الله في شأن ولاية الفقيه «فلاحظوا بدقّة».

٥ ـ وعلى كلّ حال فإنّ البيعة مرتبطة بالمسائل الإجرائية ولا علاقة لها بالأحكام ، أي إنّ البيعة لا تمنح أحدا حق «التشريع والتقنين» أبدا بل يجب أن تؤخذ القوانين من الكتاب والسنّة ثمّ تنفذ في حيّز الواقع ، ولا كلام لأحد في هذا.

٦ ـ يستفاد من الرّوايات أنّ البيعة مع الإمام المعصوم ينبغي أن تكون خالصة لله ، وبتعبير آخر هي من الأمور التي يلزم فيها قصد القربة.

فقد ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «ثلاثة لا يكلمهم اللهعزوجل يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم ، رجل بايع إماما لا يبايعه إلّا للدنيا ، إن أعطاه ما يريده وفى له وإلّا كفّ ورجلا بايع رجلا بسلعته بعد العصر فحلف باللهعزوجل لقد أعطى بها كذا وكذا فصدّقه وأخذها ولم يعط فيها ما قال

٤٦٤

ورجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل»(١) . «والتعبير بالعصر لعلّه لشرف هذا الوقت أو لأنّ كثيرا من الباعة يبيعون أجناسهم بالقيمة التي اشتروها في هذا الوقت».

٧ ـ «نكث البيعة» من الذنوب الكبيرة ، ونقرأ حديثا عن الإمام موسى بن جعفر أنّه قال : «ثلاث موبقات ، نكث الصفقة ، وترك السنّة ، وفراق الجماعة»(٢) .

ويظهر أنّ المراد من «ترك السنّة» هي ترك القوانين التي جاء بها النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفراق الجماعة معناها الإعراض عنها لا محض عدم المشاركة في الجماعة.

٨ ـ البيعة في كلام الإمام عليعليه‌السلام

هناك في نهج البلاغة كلمات تؤكّد على البيعة وقد عوّل الإمام عليعليه‌السلام عليها مرارا وأنّ الناس بايعوه.

ومن جملتها أنّه قال في بعض خطبه : «أيّها الناس إنّ لي عليكم حقّا ولكم عليّ حق فأمّا حقكم عليّ فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعملوا» ثمّ يضيفعليه‌السلام : «وأمّا حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة بالمشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين أمركم»(٣) .

ويقولعليه‌السلام ـ في مكان آخر : «لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة»(٤) .

وفي خطبته التي خطبها قبل حرب الجمل والتحرّك من المدينة نحو البصرة أشار الى بيعة الناس إيّاه وأن يثبتوا على ما بايعوه فقالعليه‌السلام : «وبايعني الناس غير

__________________

(١) الخصال : باب الثلاثة ـ الحديث ٧٠.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٦٧ ، ص ١٨٥.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ٣٤.

(٤) نهج البلاغة الخطبة ١٣٦.

٤٦٥

مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيّرين»(١) .

ونقرأ أخيرا في بعض كتبه لمعاوية حين لم يبايع الإمام عليّا وكان يريد الانتقاد من

عليعليه‌السلام قوله : «بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد»(٢) .

ويستفاد من بعض عبارات النهج أنّ البيعة ليست أكثر من مرة واحدة ولا سبيل لتجديد النظر فيها وليس فيها اختيار الفسخ ، ومن يخرج منها فهو طاعن ، ومن يتريث ويفكر في قبولها أو ردّها فهو منافق.

[إنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار ؛ الخارج منها طاعن والمروّي فيها مداهن](٣) .

ويستفاد من مجموع هذه التعابير أنّ الإمامعليه‌السلام استدلّ على من لم يقبلوا بأنّ إمامته منصوص عليها من قبل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وكانوا يتذرّعون بحجج واهية ـ بالبيعة التي كانت عندهم من المسلم بها ، ولم تكن لهم الجرأة على أن يرفضوا طاعة الإمام ويسمعوا لمعاوية وأمثال معاوية ، فكما أنّهم يرون مشروعية الخلافة للخلفاء الثلاثة السابقين ، فعليهم أن يعتقدوا بأنّ خلافة الإمام مشروعة أيضا وأن يذعنوا له «بل إنّ خلافته أكثر شرعية لأنّ بيعته كانت أوسع وكانت حسب رغبة الناس ورضاهم».

فبناء على هذا لا منافاة بين الاستدلال بالبيعة ومسألة نصب الإمام بواسطة الله والنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأكيد البيعة.

لذلك فإنّ الإمام يشير في مكان من (نهج البلاغة) نفسه بحديث الثقلين الذي

__________________

(١) نهج البلاغة من كتاب لهعليه‌السلام رقم ١.

(٢) من كتاب له رقم ٦ ، وينبغي الالتفات إلى أنّ التعويل على بيعة الخلفاء السابقة هو لأنّ معاوية كان منصوبا من قبلهم وكان يدافع عنهم فلا منافاة بين هذا وما جاء في الخطبة المعروفة بالشقشقية.

(٣) نهج البلاغة : من كتاب له برقم ٧.

٤٦٦

هو من نصوص الإمامة(١) كما يشير في مكان آخر إلى مسألة الوصية والوراثة(٢) . [فلاحظوا بدقّة].

كما يشيرعليه‌السلام في بعض عباراته الأخرى إلى لزوم الوفاء بالبيعة وعدم إمكان الفسخ والنكث وتجديد النظر وعدم الحاجة إلى التكرار وهذه هي مسائل مقبولة بالنسبة للبيعة أيضا.

ويستفاد من هذه التعابير ضمنا بصورة جيّدة أنّ البيعة إذا كانت فيها «جنبة» إكراه أو إجبار أو أخذت على حين غرّة من الناس فلا عبرة بها ولا قيمة لها بل البيعة الحق التي تكون في حال الاختيار والحرية والإرادة والتفكّر والتدبّر.

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة رقم ٨٧.

(٢) نهج البلاغة : الخطبة رقم ٢.

٤٦٧

الآيتان

( وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) )

التّفسير

من بركات صلح الحديبيّة مرّة أخرى!

تتحدّث هاتان الآيتان كالآيات السابقة المتعلّقة بصلح الحديبيّة والوقائع التالية لها ـ عن البركات وما حصل عليه المسلمون من غنائم في هذا الطريق.

فتقول الآية الأولى منهما :( وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ ) .

ويدلّ لحن الآية أنّ المراد من المغانم الكثيرة هنا جميع المغانم التي جعلها الله للمسلمين سواء في أمد قصير أم بعيد حتى أنّ جمعا من المفسّرين يعتقدون أنّ المغانم التي تقع في أيدي المسلمين إلى يوم القيامة داخلة في هذه العبارة أيضا.

أمّا قوله :( فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ ) فيرى الكثير من المفسّرين أنّ المراد منه مغانم

٤٦٨

خيبر التي توفّرت خلال أمد قصير جدا بعد حادثة الحديبيّة!

غير أنّ البعض يرى أنّ كلمة «هذه» إشارة إلى فتح الحديبيّة الذي يعدّ أكبر غنيمة معنوية!

ثمّ يشير القرآن إلى لطف آخر من ألطاف الله على المسلمين ـ في هذه الحادثة ـ فيقول :( وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ ) .

وهذا لطف كبير أن يكون المسلمون على قلة العدد والعدد وفي نقطة نائية عن الوطن وفي مقربة من العدو ـ في مأمن منه وأن يلقي الله رعبا ووحشة منهم في قلوب الأعداء بحيث يخشون التحرش بهم!.

ويرى جماعة من المفسّرين أنّ هذه الجملة إشارة إلى ما جرى في خيبر إذ كانت بعض القبائل من «بني أسد» و «بني غطفان» قد صمّموا أن يهجموا على المدينة في غياب المسلمين وأن ينهبوا أموالهم ويأسروا نساءهم!

أو أنّها إشارة إلى تصميم جماعة من هاتين القبيلتين على أن ينهضوا لنصرة يهود خيبر فألقى الله الرعب في قلوبهم فصرفهم عن ذلك.

غير أنّ التّفسير الأوّل أنسب ظاهرا! لأنّنا نشاهد شرطا لهذا التعبير بعد بضعة آيات ورد في شأن أهل مكّة كما جاء في الآية محل البحث ، وهو منسجم مع أسلوب القرآن الذي هو أسلوب إجمال وتفصيل!

المهم أنّه طبقا للرّوايات المشهورة فإنّ سورة الفتح جميعها نزلت بعد حادثة الحديبيّة وخلال عودة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكّة إلى المدينة!

ثمّ يضيف القرآن في تكملة الآية مشيرا إلى نعمتين كبريين أخريين من مواهب الله ونعمه إذ يقول :( وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً ) .

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين يرى أنّ الضمير في لتكون عائد على الغنائم الكثيرة الموعودة ، وبعضهم يراه عائدا على حماية المسلمين وكف أيدي الناس عنهم ، غير أنّ المناسب أن يعود الضمير إلى جميع حوادث الحديبية ومجرياتها بعد

٤٦٩

ذلك لأنّ كلّا منها آية من آيات الله ودليل على صدق النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووسيلة لهداية الناس إلى الصراط المستقيم ، وكان في قسم منها (جنبة) أخبار بالمغيّبات ، وكان بعضها لا ينسجم مع الظروف العادية ، وهي في المجموع تعدّ معجزة واضحة من معاجز النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي الآية التالية أعطى الله بشارة أخرى للمسلمين إذ قال :( وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ) .

وهناك كلام بين المفسّرين في أنّ هذا الوعد يشير إلى أية غنيمة؟ والى أي نصر؟!

يرى بعضهم أنّه إشارة إلى فتح مكّة وغنائم حنين.

ويرى آخرون أنّه إشارة إلى الفتوحات والغنائم التي كانت نصيب المسلمين بعد النّبي (كفتح فارس والروم ومصر) كما يحتمل أيضا أنّه إشارة لجميع ما تقدّم ذكره(١) .

عبارة( لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها ) إشارة إلى أنّ المسلمين لم يحتملوا قبل ذلك أن يظفروا بمثل هذه الفتوحات والغنائم ، إلّا أنّه وببركة الإسلام والإمدادات الإلهية نالوا هذه القدرة والقوّة!

واستنبط بعض المفسّرين من هذه الجملة أنّ المسلمين كانوا يتحدّثون عن مثل هذه الفتوحات ، إلّا أنّهم كانوا يرون أنفسهم غير قادرين وخاصّة أنّنا نقرأ في قصة الأحزاب يوم بشّر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين بفتح بلاد فارس والروم واليمن اتخذ المنافقون كلامه هزوا!

وجملة( قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها ) إشارة إلى إحاطة قدرة الله على هذه الغنائم أو الفتوحات ، ويرى بعض المفسّرين أنّها إشارة إلى إحاطة علمه ، غير أنّ المعنى الأوّل أكثر انسجاما مع تعابير الآية الأخرى ، وبالطبع لا مانع في الجمع بينهما

__________________

(١) أخرى : هنا صفة لمحذوف تقدير (ومغانم أخرى لم تقدروا عليها) وهي منصوبة لعطفها على (وعدكم الله مغانم كثيرة)

٤٧٠

وأخيرا فإنّ آخر جملة في الآية( وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ) هي في الحقيقة بمنزلة بيان العلة للجملة السابقة ، وهي إشارة إلى أنّه مع قدرة الله على كلّ شيء فلا عجب أن ينال المسلمون مثل هذه الفتوحات!.

وعلى كلّ حال فإنّ الآية من إخبار القرآن بالمغيّبات والحوادث الآتية ، وقد حدثت هذه الفتوحات في مدة قصيرة وكشفت عن عظمة هذه الآيات بجلاء!

* * *

ملاحظة

قصة غزوة خيبر :

لمّا عاد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحديبيّة نحو المدينة أمضى شهر ذي الحجة كلّه وأياما من شهر محرم الحرام من السنة السابعة للهجرة في المدينة ، ثمّ تحرّك بألف وأربعمائة نفر من المسلمين الذين كانوا حضروا الحديبيّة نحو «خيبر» [حيث كان مركزا للتحرّكات المناوئة للإسلام وكان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتحيّن الفرص لتدمير ذلك المركز للفساد].

وقد صمّمت قبيلة غطفان في البداية أن تحمي يهود خيبر غير أنّها خافت بعدئذ عواقب أمرها (فاجتنبت حمايتها لهم).

فلمّا وصل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريبا من قلاع خيبر أمر أصحابه أن يقفوا ثمّ رفع رأسه الشريف للسماء ودعا بهذا الدعاء :

«اللهمّ ربّ السماوات وما أظللن وربّ الأرضين وما أقللن ، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها».

ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقدموا بسم الله» ، وهكذا وصلوا خيبر ليلا وعند الصباح ـ حيث علم أهل خيبر بالخبر ـ وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل جنود الإسلام ، ثمّ فتح

٤٧١

النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القلاع قلعة بعد اخرى حتى بلغ أقوى القلاع وأمنعها وآخرها وكان فيها «مرحب» قائد اليهود المعروف.

وفي هذه الأيّام أصاب رأس النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجع شديد كان ينتابه أحيانا حتى أنّه لم يستطع الخروج من خيمته ـ يوما أو يومين وفي هذه الأثناء وطبقا لما ورد في التاريخ الإسلامي ، حمل أبو بكر الراية في يده وتوجّه بالمسلمين نحو معسكر اليهود غير أنّه سرعان ما عاد وهو صفر اليدين دون نتيجة ، ومرّة أخرى أخذ عمر الراية وحمل بالمسلمين بصورة أشد فما أسرع ما عاد دون جدوى

فلمّا بلغ الخبر مسمع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «والله لأعطينها غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يأخذها عنوة!».

فاشرأبت الأعناق من كلّ جانب ترى من هو المقصود ، وقد حدس جماعة منهم أنّ مقصوده (علي)عليه‌السلام ، إلّا أنّ عليا كان مصابا بوجع في عينه فلم يكن حاضرا حينئذ ، ولمّا كان الغد أمر النّبي بأن يدعو له عليا ، فجاء راكبا على بعير له حتى أناخ قريبا من خباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أرمد قد عصّب عينيه.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما لك؟

قال عليعليه‌السلام : رمدت بعدك.

فقال له : أدن مني ، فدنا منه ، فتفل في عينيه ، فما شكا وجعا حتى مضى بسبيله.

ثمّ أعطاه الراية.

فتوجّه عليعليه‌السلام بجيش الإسلام نحو القلعة الكبرى (من خيبر) فرآه رجل يهودي من أعلى الجدار فسأله من أنت؟ فقال : أنا علي بن أبى طالب. فنادى اليهودي : أيّتها الجماعة حان اندحاركم ، فجاء «مرحب» آمر الحصن ونازل عليا فما كان إلّا أن هوى إلى الأرض صريعا بضربة عليعليه‌السلام ، فالتحمت الحرب بين المسلمين واليهود بشدّة فاقترب عليعليه‌السلام من باب الحصن فقلعه فدحاه فرماه بقوّة

٤٧٢

خارقة إلى مكان آخر ، وهكذا فتحت القلعة ودخلها المسلمون فاتحين.

واستسلم اليهود وطلبوا من النّبي أن يحقن دماءهم لاستسلامهم ، فقبل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغنم الجيش الإسلامي الغنائم المنقولة ، وأودع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأرض والأشجار بأيدي اليهود على أن يعطوا المسلمين نصف حاصلها(١) .

* * *

__________________

(١) نقلا بتلخيص عن [الكامل في التاريخ لابن الأثير] ج ٢ ، ص ٢١٦ ـ ٢٢١.

٤٧٣

الآيات

( وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) )

التّفسير

لو حدثت الحرب في الحديبيّة!؟

هذه الآيات تتحدّث أيضا عن أبعاد أخر لما جرى في الحديبيّة وتشير إلى

٤٧٤

«لطيفتين» مهمّتين في هذا الشأن!

الأولى : هي أنّه لا تتصوّروا أنّه لو وقعت الحرب بينكم وبين مشركي مكّة في الحديبيّة لانتصر المشركون والكفرة!( وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ) .

وليس هذا منحصرا بكم بل :( سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) .

فهذا هو قانون إلهي دائم ، فمتى واجه المؤمنون العدوّ بنيّات خالصة وقلوب طاهرة ولم يضعفوا في أمر الجهاد نصرهم الله على عدوّهم ، وربّما حدث في هذا الشأن إبطاء أو تعجيل لامتحان المؤمنين أو لأهداف أخرى ، ولكنّ النصر النهائي على كل حال هو حليف المؤمنين

لكن في موارد كمعركة أحد مثلا حيث أنّ جماعة لم يتّبعوا أمر الرّسول ومالت طائفة منهم إلى الدنيا وزخرفها فلوّثت نياتها وعكفت على جمع الغنائم فإنّها ذاقت هزيمة مرّة ، وهكذا بعد!

اللطيفة المهمّة التي تبيّنها الآيات هي أن لا تجلس قريش فتقول : مع الأسف إنّنا لم نقاتل هذه الطائفة القليلة العدد ، أسفا إذا بلغ «الصيد» مكّة فغفلنا عنه أبدا ليس الأمر كذلك فبالرغم من أنّ المسلمين كانوا قلّة وبعيدين عن الوطن والمأمن وفاقدين للأعتدة والمؤن. ولكن مع هذه الحال لو وقع قتال بين المشركين والمؤمنين لانتصر المؤمنون ببركة قوى الإيمان ونصر الله أيضا ألم يكونوا في بدر أو الأحزاب قلة وأعداؤهم كثرة ، فكيف انهزم الجمع وولّوا الدبر في المعركتين؟!

وعلى كلّ حال فإنّ بيان هذه الحقيقة كان سببا لتقوية روحية المؤمنين وتضعيف روحية الأعداء وإنهاء القيل والقال من قبل المنافقين ، ودلّ على أنّه حتى لو حدثت حرب في هذه الظروف غير الملائمة بحسب الظاهر فإنّ النصر سيكون

٤٧٥

حليف المؤمنين الخلّص!

واللطيفة الأخرى التي بيّنتها هذه الآيات أنّها قالت :( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) .

حقا كان ما حدث مصداقا جليّا «للفتح المبين» ونعم ما اختاره القرآن له من وصف ، فالعدوّ الذي زحف بجيشه مرارا نحو المدينة وسعى سعيا عجيبا لإيقاع الهزيمة بالمسلمين ، إلّا أنّه الآن حيث حطّوا أقدامهم في حريمه ودياره يمتلكه الرعب منهم حتى أنّه يقترح الصلح معهم ، فأيّ فتح مبين أكبر من هذا الفتح إذ ينال المسلمون هذا التفوّق على العدو دون أن تسفك قطرة دم واحدة من المسلمين!؟

ولا شكّ أنّ ما جرى في الحديبيّة كان يعدّ في جزيرة العرب عامة نصرا للمسلمين وهزيمة لقريش.

هذا وقد ذكر جماعة من المفسّرين في نزول هذه الآية أنّ مشركي مكّة عبّؤوا أربعين رجلا للهجوم على المسلمين (بصورة خفية) في الحديبيّة ، غير أنّ المسلمين أفشلوا مؤامرتهم وأجهضوا مكيدتهم ـ بفطنتهم ـ فأسر المسلمون هؤلاء الأربعين جميعا وجاءوا بهم إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخلّى عنهم سبيلهم.

وقال بعضهم : أنّهم كانوا ثمانين أرادوا أن يهجموا على المسلمين من جبل التنعيم عند صلاة الغداة وبالاستفادة من العتمة ، وقال بعضهم : كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستظلّ تحت الشجرة ليكتب معاهدة الصلح مع ممثل قريش وعلي مشغول بالإملاء ، فحمل عليه ثلاثون شابّا من أهل مكّة بأسلحتهم ولكن بمعجزة مذهلة فشلت خطتهم وأسر جميعهم وخلّى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم سبيلهم(١) .

وطبقا لشأن النّزول هذا فإنّ جملة( مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ) إشارة إلى

__________________

(١) (مجمع البيان) ج ٩ ، ص ١٢٣ ، مع شيء من التصرف كما ذكر هذا الشأن (القرطبي) بتفاوت يسير و (أبو الفتوح الرازي) و (الآلوسي في روح المعاني) و (الشيخ الطوسي في التبيان) و (المراغي) وأضرابهم.

٤٧٦

الإنتصار على هذه الطائفة ، في حين أنّه طبقا للتفسير السابق يكون المقصود هو النصر الكلّي للمسلمين على المشركين وهذا التّفسير أكثر انسجاما مع مفاد الآية

ممّا يستلفت النظر أنّ القرآن يؤكّد على عدم القتال في بطن مكّة ، وهذا التعبير يمكن أن يكون إشارة إلى لطيفتين :

الأولى : إنّ مكّة كانت مركزا لقوّة العدو ، وعلى القاعدة كان على أهل مكّة [المشركين] أن يغتنموا الفرصة المناسبة فيحملوا على المسلمين فقد كانوا يبحثون عنهم وعن فرصة للقضاء عليهم فإذا هم في دارهم وفي قبضتهم فما كان ينبغي أن يتركوا هذه الفرصة بهذه البساطة ، لكنّ الله سلب عنهم قدرتهم وصرفهم عنهم!

الثانية : إنّ مكّة كانت حرم الله الآمن. فلو وقع القتال فيها لسألت الدماء فتهتك حرمة الحرم من جانب ، وتكون عارا على المسلمين وعيبا أيضا. إذ سلبوا أمن هذه الأرض المقدّسة ، ولذلك فإنّ من نعم الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى المسلمين أنّه وبعد هذه القضية بسنتين فتح عليهم مكّة وكان ذلك من دون سفك دم أيضا

وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة إلى لطيفة أخرى تتعلّق بمسألة صلح الحديبيّة وحكمتها إذ تقول الآية :( هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) (١) .

كان أحد ذنوبهم كفرهم ، والذنب الآخر صدّهم إيّاكم عن العمرة زيارة بيت الله ولم يجيزوا أن تنحروا الهدي في محله ، أي مكّة (الهدي في العمرة ينحر [أو يذبح] في مكّة وفي الحج بمنى) على حين ينبغي أن يكون بيت الله للجميع وصدّ المؤمنين عنه من أعظم الكبائر ، كما يصرّح القرآن بذلك في مكان آخر من سورة :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (٢) .

__________________

(١) «معكوفا» مشتق من العكوف ومعناها المنع عن الحركة والبقاء في المكان.

(٢) البقرة ، الآية ١١٤.

٤٧٧

ومثل هذه الذنوب يستوجب أن يسلّطكم الله عليهم لتعاقبوهم بشدّة! لكنّ الله تعالى لم يفعل ذلك فلما ذا؟! ذيل الآية يبيّن السبب بوضوح إذ يقول :( وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (١)

وهذه الآية تشير إلى طائفة (من الرجال والنساء) المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام في مكّة ولم يهاجروا إلى المدينة لأسباب خاصة.

فلو قاتل المسلمون أهل مكّة لأوقعوا أرواح هؤلاء المستضعفين في خطر ولامتدت ألسنة المشركين بالقول : إنّ جنود الإسلام لم يرحموا لا أعداءهم ومخالفيهم ولا أتباعهم ومؤالفيهم ، وهذا عيب وعار كبير!

وقال بعضهم أيضا ، إنّ المراد من هذا العيب لزوم الكفارة ودية قتل الخطأ ، لكنّ المعنى الأوّل أكثر مناسبة ظاهرا.

«المعرّة» من مادة «عرّ» على زنة «شرّ» «والعرّ على زنة الحر» في الأصل معناه مرض الجرب وهو من الأمراض الجلدية التي تصيب الحيوانات أو الإنسان أحيانا ثمّ توسّعوا في المعنى فأطلقوا هذا اللفظ على كلّ ضرر يصيب الإنسان.

ولإكمال الموضوع تضيف الآية :( لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) .

أجل ، كان الله يريد للمستضعفين المؤمنين من أهل مكّة أن تشملهم الرحمة ولا تنالهم أية صدمة

كما يرد هذا الاحتمال أيضا وهو أنّ أحد أهداف صلح الحديبيّة أنّ من المشركين من فيه قابلية الهداية فيهتدي ببركة هذا الصلح ويدخل في رحمة الله.

والتعبير بـ «من يشاء» يراد منه الذين فيهم اللياقة والجدارة ، لأنّ مشيئة الله تنبع من حكمته دائما ، والحكيم لا يشاء إلّا بدليل ولا يعمل عملا دون دقّة وحساب

ولمزيد التأكيد تضيف الآية الكريمة :( لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) أي لو افترقت وانفصلت صفوف المؤمنين والكفار في مكّة ولم يكن هناك

__________________

(١) جواب لولا في الجملة الآنفة محذوف والتقدير : لمّا كفّ أيديكم عنهم ، أو : لوطأتم رقاب المشركين بنصرنا إيّاكم

٤٧٨

خطر على المؤمنين لعذّبنا الكفار بأيديكم عذابا أليما.

صحيح أنّ الله قادر على أن يفصل هذه الجماعة عن الآخرين عن طريق الإعجاز ، ولكنّ سنّة الله ـ في ما عدا الموارد الاستثنائية ـ أن تكون الأمور وفقا للأسباب العاديّة.

جملة «تزيلوا» من مادة زوال ، وهنا معناها الانفصال والتفرّق.

ويستفاد من روايات متعدّدة منقولة عن طرق الشيعة والسنّة حول ذيل هذه الآية أنّ المراد منها أفراد مؤمنون كانوا في أصلاب الكافرين والله سبحانه لأجل هؤلاء لم يعذّب الكافرين

ومن جملة هذه الروايات نقرأ في الرواية أنّه سأل رجل الإمام الصادقعليه‌السلام : ألم يكن عليعليه‌السلام قويا في دين الله؟ قالعليه‌السلام : بلى. فقال : فعلام إذ سلّط على قوم (في الجمل) لم يفتك بهم فما كان منعه من ذلك؟!

فقال الإمام : آية في القرآن!

فقال الرجل : وأية آية؟!

فقال الصادقعليه‌السلام قوله تعالى :( لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً )

ثمّ أضافعليه‌السلام : أنّه كان للهعزوجل وودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، ولم يكن علي ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتى تظهر وودائع اللهعزوجل (١) .

أي أن الله سبحانه يعلم أنّ جماعة سيولدون منهم في ما بعد وسيؤمنون عن اختيارهم وإرادتهم ولأجلهم لم يعذب اللهءاباءهم وقد أورد هذا القرطبي في تفسيره بعبارة اخرى.

ولا يمنع أن تكون الآية مشيرة إلى المؤمنين المختلطين بالكفّار في مكّة وإلى المؤمنين الذين هم في أصلاب الكافرين وسيولدون في ما بعد!

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٧٠ ، وروايات أخر متعددة وردت أيضا في هذا المجال!.

٤٧٩

الآية

( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦) )

التّفسير

التعصّب «وحمية الجاهلية» أكبر سدّ في طريق الكفّار :

هذه الآية تتحدّث مرّة أخرى عن (مجريات) الحديبيّة وتجسّم ميادين أخرى من قضيتها العظمى فتشير أوّلا إلى واحد من أهم العوامل التي تمنع الكفار من الإيمان بالله ورسوله والإذعان والتسليم للحق والعدالة فتقول :( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ) (١) .

ولذلك منعوا النّبي والمؤمنين أن يدخلوا بيت الله ويؤدّوا مناسكهم وينحروا «الهدي» في مكّة. وقالوا لو دخل هؤلاء ـ الذين قتلوا آباءنا وإخواننا في الحرب ـ

__________________

(١) يستوفي الفعل (جعل) مفعولا واحدا أحيانا وذلك إذا كان معناه «الإيجاد» كالآية محل البحث وفاعله الذين كفروا ومفعوله الحمية والمراد بالإيجاد هنا البقاء على هذه الحالة والتعلّق بها ، وقد يستوفي هذا الفعل (جعل) مفعولين وذلك إذا كان بمعنى (صار).

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530