كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153762 / تحميل: 5801
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الفصل الثامن

في فرق الشيعة الواردة في الكتب

* الكيسابية والزيدية.

* الناووسية والاسماعيلية.

* الفطحية والواقفية.

* الخطابية والمغيرية.

* الغلاة.

٤٠١
٤٠٢

ربما يضعف الراوي لاجل انتمائه إلى بعض فرق الشيعة كالكيسانية والفطحية والواقفية ، كما يضعف من غير جانب العقيدة ككونه متساهلاً في الرواية ، غير ضابط في النقل ، إلى غير ذلك من موجبات التضعيف في جانب العمل ، ولاجل ايقاف القارئ على مبدأ تكوّن هذه الفرق وعقائدها إجمالاً عقدنا هذا الفصل ، ليكون القارئ على بصيرة عند الوقوف على اسماء هذه الفرق. نعم اكثر هذه الفرق بائدة هالكة ، لم يبق منهم إلا الزيدية والاسماعيلية ، وانما تشكل اكثرية الشيعة ، الفرقة الإمامية التي تطلق عليها الاثنا عشرية أيضاً.

الشيعة هم المسلمون الذين بقوا على ما عهد اليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من كون الإمام بعده علي بن ابي طالبعليه‌السلام وان ذلك المنصب ، منصب يعين صاحبه من عند الله سبحانه ، كما ان منصب النبوة كذلك.

وليست الشيعة فرقة حادثة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كسائر الفرق التي تكونت بعد النبي في ظل الابحاث الكلامية.

ان المسلمين اختلفوا بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسألة الإمامة ، فذهبت عدة كثيرة منهم إلى ان الإمامة سياسة زمنية تناط باختيار العامة

٤٠٣

وينتصب بنصبهم ، وذهبت عدة اخرى إلى انها قضية اصولية وهي ركن الدين ، ولا يجوز للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اغفاله واهماله ولا تفويضه إلى العامة ، واستدلوا على ذلك بما ورد في الكتاب حول الإمامة ، وما سمعوه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم الدار ويوم الغدير وغيرهما من المقامات.

واما تسميتهم بالشيعة فانما هو لاجل ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سمى محبي علي بن ابي طالب ومقتفيه شيعة. روى السيوطي في تفسير قوله سبحانه :( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ) (١) اخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال : كنا عند النبي ، فاقبل علي ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ». ونزل( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ) . فكان اصحاب النبي إذا اقبل علي قالوا : « جاء خير البرية » واخرج ابن عدي وابن عساكر عن ابي سعيد مرفوعاً : « علي خير البرية ».

وأخرج ابن عدي عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت( انّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : « أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين ».

واخرج ابن مردويه عن علي ، قال : قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألم تسمع قول الله( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ) انت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جيئت الامم للحساب تدعون غراً محجّلين »(٢) .

والحاصل ؛ ان الشيعة على وجه الاجمال هم الذين بقوا على ما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حق الوصي ولم يغيروا طريقه ، فالشيعة ليست

__________________

١ ـ البيّنة : ٧.

٢ ـ الدر المنثور تأليف الحافظ جلال الدين السيوطي : ٦ / ٣٧٩ ـ والمراد المحجلين هو المشرقون والمضيئون.

٤٠٤

فرقة مختلقة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يخلقهم السياسات الزمنية ، ولا الابحاث الكلامية ، بل لم تتكوّن الشيعة إلا في نفس عصر النبي ، فبقوا على ما كان النبي عليه وان كانوا من حيث العدد قليلين.

هذا هو اصل الشيعة الذي يجمع جميع فرقها الاعتقاد بأن الإمامة قضية اصولية غير مفوضة إلى الامة ، بل إلى الله سبحانه وتعالى بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نعم تفرقت الشيعة حسب مرور الزمان وحسب السياسات الوقتية والابحاث الكلامية إلى فرق مختلفة ، غير انه لم يبق من تلك الفرق إلا ثلاث فرق وهم : الإمامية ، الزيدية ، والاسماعيلية ، والفرقة الشاخصة من بينها هي الإمامية المعتقدة بامامة الائمة الاثني عشر ، اولهم علي بن ابي طالب فالحسن ، فالحسين ، فعلي بن الحسين ، فمحمد بن علي ، فجعفر بن محمد ، فموسى بن جعفر ، فعلي بن موسى ، فمحمد بن علي ، فعلي بن محمد ، فالحسن بن علي ، فمحمد بن الحسن القائم الذي يملأ الله به الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ـ صلوات الله عليهم اجمعين ـ.

فكلما اطلقت الشيعية في زماننا تنصرف إلى الشيعة الإمامية ، اما غيرهم كالزيدية والاسماعيلية فيحتاج إلى قرينة.

نعم كانت الفرق الشيعة الاخرى موجودة في عصر الائمة وبعده ، ولاجل ذلك جاء اسماء عدة من فرق الشيعة في اسناد الروايات ، فلاجل ذلك نبحث عن الفرق الشائعة الرائجة في عصرهمعليهم‌السلام وبعده بقليل ، وان شرب عليهم الدهر وابادتهم واهلكتهم ، فلم يبق منهم اثر في الأزمنة الاخيرة ، واليك بيانها :

١ ـ الكيسانية

قيل : ان كيسان مولى امير المؤمنين علي بن ابي طالبعليه‌السلام .

٤٠٥

وقيل : هو المختار بن ابي عبيدة الثقفي ، وعلى كل تقدير ، هم الذين يعتقدون بامامة محمد بن الحنفية بعد امير المؤمنينعليه‌السلام وقيل لا بل بعد الحسن والحسين وكان كيسان يدعو الناس اليه وقد نسب إلى تلك الفرقة عقائد سخيفة في كتاب الملل والنحل(١) .

قال ابو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي :

والكيسانية يرجع محصَّلها إلى فرقتين : احداهما تزعم ان محمد بن الحنفية حي لم يمت ، وهم على انتظاره ويزعمون انه المهدي المنتظر ، والفرقة الثانية منهم يقرّون بامامته في وقته وبموته ، وينقلون الإمامة بعد موته إلى غيره ويختلفون بعد ذلك في المنقول اليه(٢) .

وكان السيد الحميري ايام عدم استبصاره يذهب مسلك الكيسانية ، وان رجع عنه واستبصر ، وقد قال في ذلك الزمان اشعاره التالية :

إلاّ ان الائمة من قريش

ولاة الحق ، اربعا سواء

علي والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء(٣)

ثم ان الكيسانية تفرقوا إلى هاشمية ، إلى بيانية ، إلى رزامية ، ولا حاجة إلى البحث عن عقائدهم ومن اراد فليراجع إلى محالها.

٢ ـ الزيدية

وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام عدلوا عن إمامة الإمام الباقرعليه‌السلام إلى إمامة أخيه « زيد » وهم ساقوا الإمامة في أولاد فاطمةعليها‌السلام ولم يجوّزوا

__________________

١ ـ الملل والنحل : ١ / ١٤٧.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٢٣.

٣ ـ الملل والنحل : ١٥٠ ـ ١٩٠.

٤٠٦

ثبوت الإمامة في غيرهم ، إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم شجاع سخيّ خرج بالإمامة ، إماماً واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسينعليهما‌السلام ، ولمّا قتل زيد بن علي وصلب سنة ١٢١ هـ ، قام بالإمامة بعده يحيى بن زيد ومضى إلى خراسان واجتمعت عليه جماعة كثيرة ، وقد وصل اليه الخبر من الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام بأنه يقتل كما قتل أبوه ، ويصلب كما صلب أبوه ، فجرى عليه الأمر كما اُخبر في سنة ١٢٦ هـ ، وقد فوَّض الأمر بعده إلى محمد وإبراهيم اللَّذين خرجا بالمدينة ، ومضى إبراهيم الى البصرة واجتمع الناس عليه وقتل أيضا.

فزيد بن علي قتل بكناسة الكوفة ، قتله هشام بن عبد الملك ، ويحيى بن زيد قتل بجوزجان خراسان ، قتله أميرها ، ومحمد الإمام قتل بالمدينة ، قتله عيسى بن ماهان ، وإبراهيم الإمام قتل بالبصرة أمر بقتله المنصور.

والزيدية أصناف ثلاثة : الجارودية ، والسليمانية ، والبترية. والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد.

الف ـ الجارودية : أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر ، وقد نقل عنهم الشهرستاني بأنهم زعموا أن النبي نصّ على علي بالوصف دون التسمية ، وقد خالفوا في هذه المقالة إمامهم زيد بن علي ، فانه لم يعتقد هذا الاعتقاد وقد وردت في ذمّ أبي الجارود روايات في رجال الكشي(١) .

قال النجاشي : « زياد بن المنذر أبو الجارود الهمداني الخارفي كان من أصحاب أبي جعفر وروى عن أبي عبداللهعليهما‌السلام وتغيَّر لمّا خرج زيد ( رضي الله عنه ) إلى أن قال : له تفسير القرآن ، رواه عن أبي جعفرعليه‌السلام »(٢) وتفسيره هذا هو الذي بثّه تلميذ القمي في تفسيره ، كما

__________________

١ ـ رجال الكشي : الرقم ١٠٤.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٤٤٨.

٤٠٧

أوضحنا حاله ، والرجل انحرف عن إمامة أبي جعفر بعد خروج زيد أخيه ، وأسَّس فرقة الجارودية.

ب ـ السليمانية : وهم أصحاب سليمان بن جرير ، وكان يقول : إن الإمامة شورى في ما بين الخلق ، ويصحّ أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وأنها تصحّ في المفضول مع وجود الافضل ، وقالوا إن الأمة أخطأت في البيعة لهما مع وجود علي ( رضي الله عنه ) خطأ لا يبلغ درجة الفسق ، وذلك الخطأ خطأ اجتهادي ، غير أنه طعن في عثمان للأحداث التي أحدثها وكفرّه بذلك.

ج ـ الصالحية والبترية : الصالحية ، أصحاب الحسن بن صالح بن حيّ ، والبترية ، أصحاب كثير ، وهما متّفقان في المذهب وقولهم في الإمامة كقول السليمانية ، إلا أنهم توقفوا في أمر عثمان أهو مؤمن أم كافر(١) .

قال عبد القاهر بن طاهر البغدادي : « فأما الزيدية فمعظمها ثلاث فرق وهي : الجارودية والسليمانية وقد يقال الجريرية أيضاً ، والبترية ، وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين في أيام خروجه ، وكان ذلك في زمن هشام بن عبد الملك »(٢) .

ثم إن النوبختي مؤلف « فرق الشيعة » وهو من أعلام القرن الثالث ذكر فرق الزيدية في كلام مبسوط(٣) .

٣ ـ الناووسية

وهم الذين قالوا إن جعفر بن محمدعليهما‌السلام حيّ لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي اُمور الناس ، وأنه هو المهديعليه‌السلام وزعموا

__________________

١ ـ راجع فيما نقلناه حول الزيدية إلى الملل والنحل : ١ / ١٥٤ ـ ١٦١.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٢٢.

٣ ـ لاحظ : الصفحة ٣٨ من « فرق الشيعة ».

٤٠٨

أنهم رووا عنه أنه قال : « إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدّقوه ، فإني أنا صاحبكم » وأنه قال لهم : « ان جاءكم من يخبركم عنّي أنه غسلني وكفنني فلا تصدّقوه ، فإني صاحبكم صاحب السيف » وهذه الفرقة تسمّى الناووسية ، وسمّيت بذلك لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له فلان بن فلان الناووس(١) .

وقال عبد القاهر : وهم أتباع رجل من أهل البصرة كان ينتسب إلى « ناووس » بها وهم يسوقون الإمامة إلى جعفر الصادق بنصّ الباقر عليه وأنه المهدي المنتظر(٢) .

وقال الشهرستاني قريباً منه ; غير أنه قال : « هم أتباع رجل يقال له ناووس »(٣) .

٤ ـ الإسماعيلية

هم طائفة يقولون إن الإمام بعد جعفر الصادقعليه‌السلام هو ابنه اسماعيل ، إلا أنهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه ، فمنهم من قال : لم يمت إلا أنه أظهر موته تقيّة من خلفاء بني العباس ، ومنهم من قال : موته صحيح ، والنصّ لا يرجع قهقري ، والفائدة في النصّ بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم ، فالإمام بعد اسماعيل هو محمد بن اسماعيل ، وهؤلاء يقال لهم المباركية. ثم منهم من وقف على محمد بن اسماعيل وقال برجعته بعد غيبته.

ومنهم من ساق الإمامة في المستورين منهم ، ثمَّ في الظاهرين القائمين

__________________

١ ـ فرق الشيعة : ٧٨.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٦١.

٣ ـ الملل والنحل : ١ / ١٦٦.

٤٠٩

من بعدهم وهم الباطنية(١) .

قال عبد القاهر البغدادي : « إن الاسماعيلية ساقوا الإمامة إلى جعفر وزعموا أن الإمام بعده اسماعيل وافترق هؤلاء فرقتين :

فرقة منتظرة لإسماعيل بن جعفر مع اتفاق أصحاب التواريخ على موت اسماعيل في حياة ابيه ، وفرقة قالت : كان الإمام بعد جعفر ، سبطه محمد بن اسماعيل بن جعفر ، حيث إن جعفراً نصب أبنه اسماعيل للإمامة بعده ، فلمّا مات اسماعيل في حياة أبيه علمنا أنه إنما نصب ابنه اسماعيل ، للدلالة على إمامة ابنه محمد بن اسماعيل وإلى هذا القول مالت الاسماعيلية من الباطنية »(٢) .

قال النوبختي : « فرقة زعمت أن الإمام بعد جعفر بن محمد ، ابنه اسماعيل بن جعفر وأنكرت موت اسماعيل في حياة أبيه ، وقالوا : كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس ، لأنه خاف فغيَّبه عنهم ، وزعموا أن اسماعيل لا يموت حتى يملك الارض ويقوم بأمر الناس ، وأنه هو القائم لأن أباه اشار اليه بالإمامة بعده ، وقلدهم ذلك له وأخبرهم أنه صاحبه ، والإمام لا يقول إلا الحق ، فلمّا ظهر موته علمنا أنه قد صدق وأنه القائم وأنه لم يمت وهذه الفرقة هي الاسماعيلية الخالصة »(٣) .

وفي الختام نلفت نظر القارئ إلى أن الإمام حسب عقيدة الشيعة الإمامية لم يقل بإمامة اسماعيل قطّ ، وإنما الناس كانوا يزعمون ذلك لكبره وما تسالموا عليه من أن الأمر في الأكبر ما لم يكن به عاهة.

__________________

١ ـ الملل والنحل : ١ / ١٦٧ ـ ١٦٨.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٦٣.

٣ ـ فرق الشيعة : ٨٩.

٤١٠

٥ ـ الفطحية أو الافطحية

وهم الذين يقولون بانتقال الإمامة من الصادق إلى ابنه عبدالله الافطح ، وهو اخو اسماعيل من ابيه وامه وكان اسن اولاد الصادق ، زعموا انه قال : الإمامة في اكبر اولاد الإمام ، وهو ما عاش بعد ابيه إلا سبعين يوماً ومات ولم يعقب له ولداً ذكرا(١) .

سماهم عبد القاهر في « الفرق بين الفرق » باسم العمارية ، وهم منسوبون إلى زعيم منهم يسمى عمارين ، وهم يسوقون الأمامة إلى جعفر الصادقعليه‌السلام ثم زعموا ان الإمام بعده ولده عبدالله وكان اكبر اولاده ولهذا قيل لاتباعه « الأفطحية »(٢) .

وقال النوبختي : « هذه الفرقة هي القائلة بامامة عبدالله بن جعفر ، وسموا الفطحية لأن عبدالله كان افطح الرأس ( عريضه ) ـ إلى ان قال : ومال إلى هذه الفرقة جلّ مشايخ الشيعة وفقهائهم ولم يشكّوا في ان الأمامة في عبدالله بن جعفر وفي ولده من بعده ، فمات عبدالله ولم يخلف ذكراً ، فرجع عامة الفطحية عن القول بامامته سوى قليل منهم إلى القول بامامة موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وقد كان رجع جماعة منهم في حياة عبدالله إلى موسى بن جعفرعليهما‌السلام ثم رجع عامتهم بعد وفاته عن القول به ، وبقي بعضهم على القول بامامته ، ثم امامة موسى بن جعفر من بعده وعاش عبدالله بن جعفر بعد ابيه سبعين يوماً او نحوها »(٣) .

__________________

١ ـ الملل والنحل : ١ / ١٦٧.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٦٢.

٣ ـ فرق الشيعة : ٨٨ ـ ٨٩.

٤١١

٦ ـ الواقفة

وهم الذين ساقوا الامامة إلى جعفر بن محمد ، ثم زعموا ان الإمام بعد جعفر كان ابنه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وزعموا ان موسى بن جعفر حي لم يمت ، وانه المهدي المنتظر ، وقالوا انه دخل دار الرشيد ولم يخرج منها وقد علمنا امامته وشككنا في موته فلا نحكم في موته إلا بتعيين ، هذا مع ان مشهد موسى بن جعفر معروف في بغداد(١) .

وقال الشهرستاني : « كان موسى بن جعفر هو الذي تولى أمر الصادق وقام به بعد موت ابيه ورجع اليه الشيعة واجتمعت عليه مثل المفضل بن عمر وزرارة بن اعين وعمار الساباطي ، ثم ان موسى لما خرج واظهر الإمامة حمله هارون الرشيد من المدينة ، فحبسه عند عيسى بن جعفر ، ثم اشخصه إلى بغداد عند السندي بن شاهك ، وقيل ان يحيى بن خالد بن برمك سمه في رطب فقتله ، ثم اخرج ودفن في مقابر قريش واختلفت الشيعة بعده ـ إلى ان قال : ومنهم من توقف عليه وقال : انه لم يمت وسيخرج بعد الغيبة ويقال لهم الواقفية »(٢) .

وقال النوبختي : « ان وجوه اصحاب ابي عبدالله ثبتوا على امامة موسى بن جعفر ، حتى رجع إلى مقالتهم عامة من كان قال بامامة عبدالله بن جعفر فاجتمعوا جميعاً على امامة موسى بن جعفر ، ثم ان جماعة المؤمنين بموسى بن جعفر بعد ما مات موسى في حبس الرشيد صاروا خمس فرق ، فمن قال مات ورفعه الله اليه وأنه يردّه عند قيامه فسمّوا هؤلاء الواقفية »(٣) .

غير أن هؤلاء لم يشيروا إلى أنه كيف برزت تلك الفرقة ولكنَّ أبا عمرو

__________________

١ ـ الفرق بين الفرق : ٦٣.

٢ ـ الملل والنحل : ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.

٣ ـ فرق الشيعة : ٨٩ ـ ٩١.

٤١٢

الكشي صاحب الرجال المعروف قد كشف الستر عن كيفية نشوء هذه الفرقة وقال ما هذا خلاصته : « كان بدء الواقفية انه كان اجتمع ثلاثون الف رجل عند الاشاعثة لزكاة اموالهم وما كان يجب عليهم فيها ، فحملوها إلى وكيلين لموسى بن جعفرعليهما‌السلام بالكوفة ، احدهما حنان السراج وآخر كان معه ، وكان موسىعليه‌السلام في الحبس ، فاتخذا بذلك دوراً وعقاراً واشتريا الغلات ، فلما مات موسىعليه‌السلام وانتهى الخبر اليهما ، انكرا موته واذاعا في الشيعة انه لا يموت ، لانه القائم ، فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة وانتشر قولهما في الناس حتى كان عند موتهما اوصيا بدفع المال إلى ورثة موسىعليه‌السلام واستبان للشيعة انهما انما قالا ذلك حرصاً على المال »(١) .

واعلم ان اطلاق الوقف ينصرف إلى من وقف على الكاظمعليه‌السلام ولا ينصرف إلى غيرهم إلا بالقرينة. نعم ربما يطلق على من وقف على الكاظم من الائمة في زمانهعليه‌السلام ، ويستفاد من الروايات المروية في رجال الكشي في ترجمة يحيى بن أبي القاسم اطلاق الوقف في حال حياة الكاظمعليه‌السلام (٢) .

وبهذا يعلم ان الواقفية صنفان ، صنف منهم وقفوا على الكاظم في زمانه واعتقدوا كونه قائم آل محمدعليهم‌السلام وماتوا في زمانه كسماعة ، وصنف وقفوا عليه بعد موته ولا يصح تضليل من وقف على الكاظم في زمان حياته لشبهة حصلت له ، لانه عرف إمام زمانه.

وها هنا كلمة قيمة للوحيد البهبهاني ، يرشدنا إلى علة حصول شبهة الوقف في بعض الشيعة وهو ان الشيعة من فرط حبهم دولة الائمة وشدة تمنيهم اياها وبسبب الشدائد والمحن التي كانت عليهم وعلى ائمتهم ، كانوا دائماً

__________________

١ ـ رجال الكشي : ٣٩٠ ، الرقم ٣٢٩.

٢ ـ رجال الكشي : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، الرقم ٣٤٦ و ٣٤٧.

٤١٣

مشتاقين إلى دولة قائم آل محمدعليهم‌السلام ، متوقعين لوقوعه عن قريب ، ولاجل ذلك قيل ان الشيعة تربي بالاماني ، ومن ذلك انهم كانوا كثيراً ما يسألون عن ائمتهم عن قائمهم ، فلربما قال واحد منهم فلان ـ يعني الذي يجيء بعد ـ تسلية لخواطرهم ، تصوروا ان المراد هو الذي يجيء بعد ذلك الإمام بلا فاصلة وهم من فرط ميل قلوبهم وزيادة حرصهم ربما كانوا لا يتفطنون(١) .

٧ ـ الخطابية

وهم فرقة يتظاهرون بالوهية الإمام الصادقعليه‌السلام وان ابا الخطاب ـ اعني محمد بن مقلاص ابا زينب الأسدي الكوفي الأجدع ، البزاز ـ نبي مرسل ، أمر الصادقعليه‌السلام بطاعته وهم احلوا المحارم وتركوا الفرائض ، وقد اورد الكشي في رجاله روايات كثيرة في ذمه وقد قتله عيسى بن موسى صاحب المنصور في الكوفة.

روى الكشي عن عيسى بن ابي منصور قال : سمعت ابا عبداللهعليه‌السلام عندما ذكر ابو الخطاب عنده فقال : اللّهم العن ابا الخطاب فانه خوفني قائماً وقاعداً وعلى فراشي ، اللّهم اذقه حر الحديد.

وقد نقل عن إبراهيم بن ابي اسامة قال : قال رجل لابي عبداللهعليه‌السلام : اُؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ فقال : خطابية ان جبرائيل انزلها على رسوله حين سقط القرص.

ونقل أيضاً عن يونس بن عبد الرحمن ، عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال : كتب ابو عبدالله إلى ابي الخطاب بلغني انك تزعم ان الزنا رجل ، وان الخمر رجل ، وان الصلاة رجل ، والصيام رجل ، والفواحش رجل وليس هو كما تقول. انا اصل الحق ، وفروع الحق طاعة الله ، وعدونا اصل الشر ،

__________________

١ ـ الفرائد الرجالية ، الفائدة الثانية : ٤٠.

٤١٤

وفروعهم الفواحش ، كيف يطاع من لا يعرف وكيف يعرف من لا يطاع؟(١) .

ثم ان الخطابية لما بلغهم ان جعفر بن محمدعليهما‌السلام لعنه وبرأ منه ومن اصحابه تفرقوا اربع فرق.

قال الشهرستاني : « ان ابا الخطاب عزى نفسه إلى ابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق ولما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه ، تبرأ منه ولعنه وأمر اصحابه بالبراءة منه ، وشدد القول في ذلك ، وبالغ في التبري منه واللعن عليه فلما اعتزل عنه ادعى الإمامة لنفسه ».

ثم ذكر قسماً من ارائه الفاسدة والفرق المنتمية اليه(٢) .

٨ ـ المغيرية

وهم اتباع المغيرة بن سعيد العجلي خرج بظاهر الكوفة في امارة خالد بن عبدالله القسري فظفر به فاحرقه واحرق اصحابه سنة ١١٩ هـ(٣) .

روى الكشي عن الرضاعليه‌السلام : « كان المغيرة بن سعيد يكذب على ابي جعفر فاذاقه الله حر الحديد ».

وروى عن ابن مسكان عمن حدثه من اصحابنا عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول : « لعن الله المغيرة بن سعيد ، انه كان يكذب على ابي فاذاقه الله حر الحديد ، لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في انفسنا ولعن الله من ازالنا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا »(٤) .

وروى أيضاً عن يونس بن عبد الرحمن ان بعض اصحابنا سأله وانا حاضر

__________________

١ ـ راجع في هذه الروايات واضرابها ; رجال الكشي : ٢٤٦ ، رقم الترجمة ١٣٥.

٢ ـ الملل والنحل : ١ / ١٧٩ ـ ١٨١.

٣ ـ تاريخ الطبري : ٥ / ٤٥٦ تحت عنوان : خروج المغيرة بن سعيد في نفر وذكر الخبر عن مقتلهم.

٤ ـ رجال الكشي : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، رقم الترجمة ١٠٣.

٤١٥

فقال له : يا ابا محمد ما اشدك في الحديث واكثر انكارك لما يرويه اصحابنا ، فما الذي يحملك على رد الاحاديث؟ فقال : حدثني هشام بن الحكم انه سمع ابا عبداللهعليه‌السلام يقول : « لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة او تجدون معه شاهداً من احاديثنا المتقدمة ، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب اصحاب ابي احاديث لم يحدث بها ابي ».

وروى الكشي عن يونس قال : « وافيت العراق فوجدت بها قطعة من اصحاب ابي جعفرعليه‌السلام ووجدت اصحاب ابي عبداللهعليه‌السلام متضافرين فسمعت منهم واخذت كتبهم فعرضتها بعد على ابي الحسن الرضاعليه‌السلام فانكر منها احاديث كثيرة ان تكون احاديث ابي عبداللهعليه‌السلام وقال لي : ان ابا الخطاب كذب على ابي عبداللهعليه‌السلام ، لعن الله ابا الخطاب وكذلك اصحاب ابي الخطاب يدسون هذه الاحاديث إلى يومنا هذا في كتب اصحاب ابي عبدالله ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ».

وروى أيضاً عن يونس عن هشام بن الحكم انه سمع ابا عبداللهعليه‌السلام يقول : « كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على ابي ويأخذ كتب اصحابه ، وكان اصحابه المستترون باصحاب أبي يأخذون الكتب من اصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى ابي ، ثم يدفعها إلى اصحابه فيأمرهم ان يبثوها في الشيعة ، فكل ما كان في كتب اصحاب ابي من الغلو فذاك ما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم »(١) .

وهذه الاحاديث تعطي بوضوح ان الدس كان يرجع إلى الغلوّ في الفضائل والمغالاة ، كما يصرح به قوله : « فكان يدس فيها الكفر والزندقة » وقوله :

__________________

١ ـ راجع رجال الكشي : ١٩٥ ـ ١٩٦.

٤١٦

« فكل ما كان في كتب اصحاب ابي من الغلو » وكانت الاحاديث المروية حول الفروع والاحكام محفوظة عن الدس.

قال النوبختي : « اما المغيرية اصحاب المغيرة بن سعيد فانهم نزلوا معهم ( مع الزيدية ) إلى القول بامامة محمد بن عبدالله بن حسن وتولوه واثبتوا امامته ، فلما قتل صاروا لا إمام لهم ولا وصي ولا يثبتون لاحد امامة بعده »(١) .

وما ذكره النوبختي يكشف عن وجه عداوته للامام الباقرعليه‌السلام ، فان الزيدية ومن لف لفهم يعتقدون بامامة زيد بن علي بعد الحسين ، ثم امامة يحيى بن زيد بن علي ، وبعده بامامة عيسى بن زيد بن علي ، ثم بامامة محمد بن عبدالله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية المقتول في المدينة سنة ١٤٥.

والرجل لانحرافه عن الامام الباقر كان يدس في كتب اصحابه ليشوه سمعته بادخال الاحاديث الحاكية عن المغالاة في الفضائل(٢) .

٩ ـ الغلاة

وهم الذين غلوا في حق النبي وآله حتى اخرجوهم من حدود الخليقة ، والخطابية والمغيرية من هذه الصنوف غير ان كثرة ورودهم على السن الائمة وفي طيات الاحاديث صارت سبباً لعنوانهم مستقلين وان كان الكل داخلاً تحت هذا العنوان ( الغلاة ).

ثم ان الغلاة صنوف قد عدهم الشهرستاني احد عشر صنفاً منهم : السبائية ، الكاملية ، العليائية ، المغيرية ، المنصورية ، الخطابية ، الكيالية ، الهشامية ، النعمانية ، اليونسية ، النصيرية ( الاسحاقية ) ثم ذكر آراءهم وعقائدهم(٣) .

__________________

١ ـ فرق الشيعة : ٧١ ـ ٧٢.

٢ ـ راجع في تفسير احواله : الملل والنحل : ١ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

٣ ـ لاحظ الملل والنحل : ١ / ١٧٤ ـ ١٩٠.

٤١٧

اقول : ما ذكره من الصنوف وما نسب إليهم من الآراء السخيفة غير ثابت جدّاً ، خصوصاً ما زعم من الفرقة السبائية التي أصبحت اسطورة تاريخية اختلقها بعض المؤرّخين ونقلها الطبري بلا تحقيق وأخذ عنه الآخرون وهكذا ساق واحد بعد واحد(١) .

ويتلوه في البطلان ما نسبه إلى هشام بن حكم من الآراء كالتشبيه وغيره ، فإن هذه الآراء ممّا يستحيل أن ينتحل بها تلميذ الإمام الصادقعليه‌السلام الذي تربّى في أحضانه ، ومن الممكن جدّاً ، بل هو الواقع أن رمي هشام بهذه الآراء إنما جاء من جانب المخالفين والحاسدين لفضله والمنكرين لفضل بحثه ، فلم يجدوا مخلصاً إلا تشويه سمعته بنسبة الأقاويل الباطلة اليه(٢) .

ومثله ما نسبه إلى محمد بن نعمان أبي جعفر الاحول الملقّب بمؤمن الطاق وإن لقَّبه مخالفوه بشيطان الطاق عصياناً لقوله سبحانه :( ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق ) الحجرات : ١١.

هذه ليست أول قارورة كسرت في التاريخ ، بل لها نظائر وأماثل كثيرة ، فكم من رجال صالحين شوَّه التاريخ سمعتهم ، وكم من أشخاص طالحين قد وزن لهم التاريخ بصاع كبير ، وعلى أي تقدير فلا نجد لأكثر هذه الفرق بل جميعها مصداقاً في أديم الارض ، ولو وجد من الغلاة من الطراز الذي ذكره الشهرستاني في الجوامع الاسلامية ، فإنما هي فرقة العلياوية وهم الذين يقولون بربوبية علي بن أبي طالبعليه‌السلام وربما يفسر النصيرية أيضا بهذا المعنى(٣) .

__________________

١ ـ لاحظ كتاب عبدالله بن سبأ للعلاّمة السيد مرتضى العسكري.

٢ ـ انظر كتاب هشام بن حكم للعلاّمة الشيخ نعمة ، فقد ألف كتاباً في ترجمة هشام بن حكم ونزه ساحته عن تلك المغالاة.

٣ ـ نقله العلاّمة المامقاني عن بعض معاصريه. لاحظ مقباس الهداية : ١٤٦.

٤١٨

قال الكشي : « وقالت فرقة بنبّوة محمد بن نصير الفهري النميري ، وذلك أنه ادّعى أنه نبي رسول ، وأن علي بن محمد العسكري أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلوّ في أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ويقول فيه بالربوبية ـ إلى آخر ما قاله »(١) .

وقال النوبختي : « فرقة من القائلين بامامة علي بن محمد في حياته قالت بنبوَّة رجل يقال له محمد بن نصير النميري ، وكان يدَّعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري ، وكان يقول بالتناسخ والغلوّ في أبي الحسن الهادي ، ويقول فيه بالربوبية ويقول بالاباحة للمحارم »(٢) .

وعلى كل تقدير ، فلا جدوى في البحث عن الغلاة على النحو الذي ذكره الشهرستاني وغيره في كتابه ، فان الرواة الواردين في أسناد الروايات ، منزهون عن الغلوّ بهذا المعنى الذي يوجب الخروج عن التوحيد والاسلام ، ويلحق الرجل بالكفار والمشركين ، كالقول بالربوبية ورسالة غير نبيّنا أو غير ذلك.

نعم وصف عدَّة من الرواة بالغلوّ والمغالاة ووقعوا في أسناد الروايات ، فيجب البحث عن هذا الطراز من الغلوّ لأن وضع كتابنا لا يقتضي إلا البحث فيما يرجع إلى الرواة والرجال الذين جاءت أسماؤهم في أسناد الروايات.

التفويض ومعانيه

إن الفرقة المعروفة بالغلوّ هي فرقة المفوّضة ، غير أنه يجب تحقيق معناها حتى يتبين الصحيح عن الزائف فنقول : إن التفويض يفسر بوجوه :

الأول : تفويض خلقة العالم إلى النبي والأئمةعليهم‌السلام وأنهم هم الخالقون والرازقون والمدبرون للعالم.

__________________

١ ـ رجال الكشي : ٤٣٨.

٢ ـ فرق الشيعة : ١٠٢ ـ ١٠٣.

٤١٩

وغير خفيّ أن التفويض بهذا المعنى شرك على وجه ، وباطل على وجه آخر. فلو قالوا بأن الله سبحانه فوض أمر الخلق والتدبير اليهمعليهم‌السلام واعتزل هو عن كل شيء ، فهذا هو الشرك والكفر ، يخالفه العقل والبرهان ، ويضادّه صريح الآيات. قال سبحانه( بديع السموات والأرض أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم * ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ) الانعام : ١٠١ ـ ١٠٢.

وقال سبحانه :( إنَّ ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستّة أيام ثم استوى على العرش يدبّر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون ) يونس : ٣.

ولو زعموا أن النبي والأئمة من جملة الأسباب لخلق العالم وتدبيره ، وأن الفاعل الحقيقي والسبب الواقعي هو الله سبحانه ، وهو لم يعتزل بعد ، وإنما جعلهم في مرتبة الاسباب والعلل ، فهذا القول وإن كان لا يوجب الشرك ، لكنه غير صحيح ، فان النبي والأئمةعليهم‌السلام ليسوا من أسباب الخلقة ، بل هم يستفيدون من تلك الاسباب الطبيعية وتتوقف حياتهم على وجود العلل والأسباب المادية ، فكيف يكونون في مرتبة العلل والأسباب؟ فالنبي والإمام يستنشقان الهواء ، ويسدّان جوعهما بالطعام ، ويداويان بالادوية إلى غير ذلك من الاُمور التي يتصف بها كل الناس.

نعم إن للعالم الامكاني ظاهره وباطنه ، دنياه واُخراه مدبراً ومدبّرات يدبّرون الكون بأمره سبحانه كما ينبئ عنه قوله تعالى :( فالمدبّرات أمراً ) النازعات : ٥.

وقال سبحانه :( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) التحريم : ٦.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ ) والتفويض خمسة أحرف [ت ف وى ض](١) لكل حرف منها حكم «فمن أتى بأحكامه فقد أتى به «التاء» من تركه التدبير في الدنيا و «الفاء» من فناء كل همة غير الله تعالى و «الواو» من وفاء العهد وتصديق الوعد و «الياء» اليأس من نفسك واليقين من ربك و «الضاد» من الضمير الصافي لله والضرورة اليه، والمفوض لا يصبح إلّا سالما من جميع الآفات ولا يمسى إلّا معافا بدينه.

٥١ ـ في تهذيب الأحكام باسناده إلى الحسن بن علي عن عبد الملك الزيات عن رجل عن كرام عن أبي عبد اللهعليهما‌السلام : قال: اربع لأربع إلى قوله: والاخرى للمكر والسوء( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللهِ ) وفوضت أمري إلى الله» قال اللهعزوجل :( فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ ) .

٥٢ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عن علي بن النعمان عن أيوب بن الحر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله:( فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ) قال: اما لقد سطوا عليه وقتلوه ولكن أتدرون ما وقاه، وقاه أنْ يفتنوه في دينه.

في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان وذكر إلى آخر ما نقلناه عن البرقي سواء.

٥٣ ـ في كتاب الخصال عن الصادق جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام قال عجبت لمن يفزع من اربع كيف لا يفزع إلى اربع إلى قوله: وعجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله:( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ ) فانى سمعت الله تعالى يقول بعقبها:( فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ) .

٥٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ) يعنى مؤمن آل فرعون

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام والله لقد قطعوه اربا اربا ولكن وقاه اللهعزوجل أنْ يفتنوه عن دينه.

٥٥ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث

__________________

(١) ما بين العلامتين غير موجود في المصدر.

٥٢١

طويل يذكر فيه حزقيلعليه‌السلام وان قوم فرعون وشوا به(١) إلى فرعون وقالوا: إنّ حزقيل يدعو إلى مخالفتك ويعين أعدائك على مضادتك، فقال لهم فرعون: ابن عمّى وخليفتي على ملكي ووليّ عهدي إنْ فعل ما قلتم فقد استحق العذاب على كفره نعمتي، فان كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشد العقاب لإيثاركم الدخول في مساءته، فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه وقالوا: أنت تجحد بربوبية فرعون الملك وتكفر نعماه؟ فقال حزقيل: ايها الملك هل جربت عليَّ كذبا قطّ؟ قال: لا، قال: فسلهم من ربهم؟ قالوا: فرعون، قال: ومن خالقكم؟ قالوا: فرعون قال: من رازقكم الكافل لمعايشكم والدافع عنكم مكارهكم؟ قالوا: فرعون هذا قال حزقيل: ايها الملك فاشهدك وكل من حضرك أنّ ربهم هو ربي، وخالقهم هو خالقي ورازقهم هو رازقي ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي لا رب لي ولا خالق ولا رازق غير ربهم وخالقهم ورازقهم واشهدك ومن حضرك أنّ كل رب وخالق ورازق سوى ربهم وخالقهم ورازقهم فانا منه برىء من ربوبيته وكافر بإلهيته، يقول حزقيل هذا وهو يعنى أنّ ربهم هو الله ربي، ولم يقل أنّ الذي قالوا بهم انه ربهم هو ربي وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره، وتوهموا انه يقول فرعون ربي وخالقي ورازقي، فقال لهم فرعون: يا رجال السوء ويا طلاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمى وهو عضدي، أنتم المستحقون لعذابي لارادتكم فساد أمري، وإهلاك ابن عمى والفت في عضدي(٢) ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم وتدا وفي عضده وتدا وفي صدره وتدا وامر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من أبدانهم، فذلك ما قال الله تعالى:( فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ) وكان سبب هلاكهم لـمّا وشوا به إلى فرعون ليهلكوه وحاق بآل فرعون سوء العذاب وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لـمّا أوتد فيهم الأوتاد، ومشط عن أبدانهم لحومها بالامشاط.

٥٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال رجل لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول في قول اللهعزوجل :( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما يقول

__________________

(١) وشيء بفلان إلى السلطان: نم عليه وسعى به.

(٢) فت في عضده: كسر قوته وفرق عنه أعوانه.

٥٢٢

الناس؟ فقال: يقولون انها في نار الخلد وهم لا يعذبون فيما بين ذلك، فقالعليه‌السلام : فهم من السعداء فقيل له: جعلت فداك فكيف هذا؟ فقال: انما هذا في الدنيا، فاما في نار الخلد فهو قوله:( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) .

٥٧ ـ حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لـمّا أسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أنْ يقوم فلا يقدر أنْ يقوم من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ ) وإذا هم لسبيل آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا، يقولون: ربنا متى يقوم الساعة؟.

٥٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن عثمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سئلته عن أرواح المشركين فقال: في النار يعذبون يقولون: ربنا لا تقم الساعة ولا تنجز لنا وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأولنا.

٥٩ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عبد الرحمان بن أبي نجران عن مثنى عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ أرواح الكفار في نار جهنم يعرضون عليها يقولون ربنا لا تقم لنا الساعة، ولا تنجز لنا ما وعدتنا، ولا تلحق آخرنا بأولنا.

٦٠ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بإسناد له قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : شر بئر في النار برهوت الذي فيه أرواح الكفار.

٦١ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : شر ماء على وجه الأرض ماء برهوت، وهو واد بحضر موت يرد عليه هام الكفار وصداهم.(١)

٦٢ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إذا احتضر الكافر حضره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلىعليه‌السلام وجبرئيل وملك الموتعليهما‌السلام فيدنو منه عليّعليه‌السلام فيقول :

__________________

(١) هام جمع هامة: رأس كل شيء. ورئيس القوم وسيدهم. والصدى: الرجل اللطيف الجسد. قال الفيض (ره) في الوافي: والمراد بالهامة هنا أرواح الكفار وأبدانهم المثالية.

٥٢٣

يا رسول الله إنّ هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه [ويقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل إنّ هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه](١) فيقول جبرئيل لملك الموت: إنّ هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه، فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبد الله أخذت فكاك رهانك، أخذت أمان برائتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحيوة الدنيا، فيقول: لا فيقول أبشر يا عدو الله بسخط اللهعزوجل وعذابه والنار، اما الذي كنت تحذره فقد نزل بك، ثم يسل نفسه سلا عنيفا، ثم يوكل بروحه ثلاثمأة شيطان كلهم يبزق في وجهه ويتأذى بروحه، فاذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار فيدخل عليه من قيحها ولهبها(٢) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٣ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي عن غالب بن عثمان عن بشير الدهان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: يجيء الملكان منكر ونكير إلى الميت حين يدفن إلى أنْ قال: وإذا كان الرجل كافرا دخلا عليه وأقيم الشيطان بين يديه عيناه من نحاس، فيقولون له: من ربك وما دينك وما تقول في هذا الرجل الذي قد خرج من بين ظهرانيكم؟ فيقول: لا أدري، فخليا بينه وبين الشيطان، فيسلط عليه في قبره تسعة وتسعين تنينا(٣) لو أنّ تنينا واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شجرا أبدا، ويفتح له باب إلى النار ويرى مقعده فيها.

٦٤ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمعون عن عبد الله بن عبد الرحمان عن عبد الله بن القاسم عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر أصلحك الله من المسئولون في قبورهم؟ قال: من محض الايمان ومن محض الكفر، قال: قلت: فبقية هذا الخلق؟ قال: يلهى والله عنهم وما يعبأ بهم قال: قلت وعما يسئلون؟ قال: عن الحجة القائمة بين أظهركم، فيقال للمؤمن، ما تقول في فلان بن

__________________

(١) ما بين العلامتين انما هو في المصدر دون النسخ الموجودة عندي من الكتاب.

(٢) القيح: سطوة الحر وفورانه. واللهب: اشتغال النار إذا خلص من دخان.

(٣) التبين كسكين الحية العظيم ـ.

٥٢٤

فلان؟ فيقول: ذلك امامى فيقول: نم أنام الله عينك ويفتح له باب من الجنة، فما يزال يتحفه من روحها إلى يوم القيامة، ويقال للكافر: ما تقول في فلان بن فلان؟ قال: فيقول: قد سمعت به وما أدري ما هو، قال: فيقال له: لا دريت(١) قال: ويفتح له باب من النار فلا يزال يتحفه من حرها إلى يوم القيامة.

٦٥ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: يقال للمؤمن في قبره: من ربك؟ إلى أنْ قال ويقال للكافر من ربك؟ فيقول: الله ربي، فيقال: من نبيك؟ فيقول: محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقال: ما دينك؟ فيقول: الإسلام، فيقال: من اين علمت ذلك؟ فيقو: سمعت الناس يقولون فقلت، فيضربانه بمرزبة(٢) لو اجتمع عليها الثقلان الانس والجن لم يطيقوها، قال: فيذوب كما يذوب الرصاص، ثم يعيدان فيه الروح فيوضع قلبه بين لوحين من نار، فيقول: يا رب أخر قيام الساعة.

٦٦ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد وعلى بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن ضريس الكناسي قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : إنّ لله تعالى نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار ويأكلون من زقومها ويشربون من حميمها ليلهم، فاذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن يقال له برهوت أشد حرا من نيران الدنيا كانوا فيه يتلاقون ويتعارفون، فاذا كان السما عادوا إلى النار، فهم كذلك إلى يوم القيامة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٧ ـ في مجمع البيان وعن نافع عن ابن عمر، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى، فان كان من أهل الجنة فمن الجنة، وان كان من أهل النار فمن النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة، أورده البخاري والمسلم في الصحيح.

__________________

(١) قال المجلسي (ره): «دريت» الظاهر انه دعاء عليه ويحتمل أنْ يكون استفهاما على الإنكار أي علمت وتمت لك الحجة في الدنيا، وانما جحدت لشقاوتك، أو كان عدم العلم لتقصيرك.

(٢) المرزبة: عصية من حديد.

٥٢٥

٦٨ ـ في مصباح شيخ الطائفةقدس‌سره خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام خطب بها يوم الغدير وفيها يقولعليه‌السلام : وتقربوا إلى الله بتوحيده وطاعة من أمركم أنْ تطيعوه( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) ، ولا يخلج بكم الغى فتضلوا عن سبيل الرشاد باتباع أولئك الذين ضلوا وأضلوا، قال الله عز من قائل في طائفة ذكرهم بالذم في كتابه:( إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) إلى قوله وقال تعالى:( وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ ) من عذاب الله من شيء( قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ ) أفتدرون الاستكبار ما هو؟ هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته، والترفع على من ندبوا إلى متابعته، والقرآن ينطق من هذا كثير إنْ تدبره متدبر زجره ووعظه.

٦٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن جميل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت قول الله تبارك وتعالى:( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) قال: ذلك والله في الرجعة، اما علمت أنّ أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا، وأئمة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا، وذلك في الرجعة.

٧٠ ـ حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن ابن عيينة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى ليمن على عبده المؤمن يوم القيامة فيأمره أنْ يدنو منه يعنى من رحمته فيدنو حتى يضع كتفه عليه ثم يعرفه ما أنعم به عليه يقول له ألم تدعني يوم كذا وكذا بكذا وكذا فأجبت دعوتك؟ ألم تسئلنى يوم كذا وكذا فأعطيتك مسألتك؟ ألم تستغث بي يوم كذا وكذا وبك ضر كذا وكذا فكشفت ضرك ورحمت صوتك؟ ألم تسئلنى مالا فملكتك؟ ألم تستخدمني فأخدمتك؟ ألم تسئلنى أنْ أزوجك فلانة وهي منيعة عند أهلها فزوجناكها؟ قال: فيقول العبد: بلى يا رب أعطيتني كلما سألتك، وكنت أسئلك الجنة؟ فيقول الله له: فانى واهب لك ما سألتنيه الجنة لك مباحا أرضيتك؟ فيقول المؤمن: نعم يا رب أرضيتني وقد رضيت فيقول الله عبدي انى كنت ارضى لك أحسن الجزاء فان أفضل جزائي عندك أنْ أسكنتك الجنة

٥٢٦

وهو قولهعزوجل :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

٧١ ـ حدّثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : قال له رجل: جعلت فداك إنّ الله يقول:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وانا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأنكم لا توفون لله بعهده وان الله يقول:( أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) والله لو وفيتم لله لو في لكم.

٧٢ ـ في نهج البلاغة من اعطى الدعاء لم يحرم الاجابة، قال اللهعزوجل ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

٧٣ ـ في من لا يحضره الفقيه خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام خطب بها يوم الجمعة وفيها: وأكثروا فيه التضرع والدعاء ومسئلة الرحمة والغفران، فان اللهعزوجل يستجيب لكل من دعاه، ويورد النار من عصاه، وكل مستكبر عن عبادته.

قال اللهعزوجل :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) .

٧٤ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل وفيه قال السائل: الست تقول: يقول الله تعالى:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وقد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له؟ والمطيع(١) يستضره على عدوه فلا ينصره قال: ويحك ما يدعوه أحد إلّا استجاب له، اما الظالم فدعاؤه مردود إلى أنْ يتوب اليه، واما المحق فانه إذا دعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلم، أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته اليه، وان لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له إنْ أعطاه أمسك عنه، والمؤمن العارف بالله ربما عز عليه أنْ يدعوه فيما لا يدرى أصواب ذلك أم خطاء.

٧٥ ـ في ادعية الصحيفة السجادية وقلت:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) فسميت دعاءك عبادة، وتركه استكبارا وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين.

٧٦ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده إلى أبي عبد الله عن أبيهعليهما‌السلام

__________________

(١) وفي المصدر وكذا المنقول عنه في نسخة البحار «والمظلوم». مكان «والمطيع».

٥٢٧

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مما اعطى الله أمتي وفضلهم به على ساير الأمم، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلّا نبي، إلى قوله: كان إذا بعث نبيا قال له: إذا أحزنك أمر تكرهه فادعني استجب لك، وان الله تعالى اعطى أمتي ذلك حيث يقول:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

٧٧ ـ في كتاب جعفر بن محمد الدوريستي باسناده إلى حفص بن غياث النخعي قال سمعت الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام يقول: إذا أراد أحدكم أنْ لا يسأل ربه تعالى شيئا إلّا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلّا عند اللهعزوجل ، فاذا علم الله تعالى ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلّا أعطاه.

٧٨ ـ في مجمع البيان وقد روى معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلني الله فداك ما تقول في رجلين دخلا المسجد جميعا كان أحدهما أكثر صلوة والآخر أكثر دعاء فأيهما أفضل؟ قال: كل حسن قلت: قد علمت ولكن أيهما أفضل؟ قال: أكثرهما دعاء اما تسمع قول الله تعالى:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) إلى آخر الآية، وقال: هي العبادة الكبرى.

٧٩ ـ وروى زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام في هذه الآية قال: هو الدعاء، وأفضل العبادة الدعاء.

٨٠ ـ في أصول الكافي باسناده إلى المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال اللهعزوجل : من استذل عبدي المؤمن فقد بارزني بالمحاربة إلى قولهعزوجل : وانه ليدعوني في الأمر فاستجيب له بما هو خير له.

٨١ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي ـ جعفرعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل يقول:( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) قال: هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء.

٨٢ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل وابن محبوب جميعا عن حنان بن سدير عن أبيه قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : أي العبادة أفضل؟ فقال: ما شيء أفضل عند اللهعزوجل من أنْ يسأل ويطلب ما عنده، وما من أحد أبغض إلى الله

٥٢٨

عزوجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسئل ما عنده.

٨٣ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: ادع ولا تقل قد فرغ من الأمر، فان الدعاء هو العبادة إنّ اللهعزوجل يقول:( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) وقال:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

٨٤ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن النضر ابن سويد عن القاسم بن سليمان عن عبيد بن زرارة عن أبيه عن رجل قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : الدعاء هو العبادة التي قال اللهعزوجل :( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) ادع اللهعزوجل ولا تقل أنّ الله قد فرغ منه قال زرارة: انما يعنى لا يمنعك إيمانك بالقضاء والقدر ان تبالغ بالدعاء وتجتهد فيه ـ أو كما قال ـ.

٨٥ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن عثمان بن عيسى عمن حدثه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: آيتان في كتاب اللهعزوجل أطلبهما فلا أجدهما؟ قال: وما هما؟ قلت: قول اللهعزوجل :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) فندعوه ولا نرى اجابة؟ قال افترى اللهعزوجل اخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمم ذلك؟ قلت: لا أدري، قال: لكني أخبرك من أطاع اللهعزوجل فيما امره ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه، قلت: وما جهة الدعاء؟ قال: تبدء فتحمد الله وتذكر نعمه عندك، ثم تشكره ثم تصلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تذكر ذنوبك فتقر بها ثم تستعيذ منها، فهذا جهة الدعاء والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨٦ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن ابن بكير عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ في كتاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ان المدحة قبل المسئلة، فاذا دعوت اللهعزوجل فمجده قلت: كيف أمجده؟ قال: تقول: يا من هو أقرب إليَّ من حبل الوريد يا فعالا لما يريد يا من يحول بين المرء وقلبه يا من هو بالمنظر الأعلى يا من ليس كمثله شيء.

٨٧ ـ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي عن حماد بن عثمان عن الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إذا أردت ان تدعو فمجد الله

٥٢٩

عزوجل واحمده وسبحه وهلله وأثن عليه، وصل على محمد وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم سل تعط.

٨٨ ـ أبو عليّ الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربه وليمدحه، فان الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان هيأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فاذا طلبتم الحاجة فمجدوا الله العزيز الجبار وامدحوه واثنوا عليه، تقول: «يا أجود من اعطى ويا خير من سئل يا ارحم من استرحم يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يا من لم يتخذ صاحبة ولا ولدا يا من يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ويقضى ما أحب، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الأعلى، يا من ليس كمثله شيء، يا سميع يا بصير، وأكثر من أسماء اللهعزوجل فان أسماء الله كثيرة، وصلى على محمد وآله وقل: أللّهمّ أوسع على من رزقك الحلال ما أكف به وجهي وأؤدي به عن أمانتي وأصل به رحمي، ويكون عونا لي في الحج والعمرة» وقال: إنّ رجلا دخل المسجد فصلى ركعتين ثم سأل اللهعزوجل : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عجل العبد ربه، وجاء آخر فصلى ركعتين ثم اثنى على اللهعزوجل وصلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سل تعط.

٨٩ ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من سره ان تستجاب دعوته فليطب مكسبه.

٩ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنّ العبد الولي لله يدعو اللهعزوجل في الأمر ينوبه(١) فقال للملك الموكل: اقض لعبدي حاجته ولا تعجلها فانى اشتهى ان اسمع نداءه وصوته، وان العبد العدو لله ليدعو اللهعزوجل في الأمر ينوبه فيقال للملك الموكل: اقض حاجته وعجلها فانى اكره ان اسمع نداءه وصوته، قال: فيقول الناس: ما اعطى هذا إلّا لكرامته، ولا منع هذا إلّا لهوانه.

__________________

(١) نابه الأمر وانتابه: أصابه. وفي بعض النسخ «ينويه» بالياء في الموضعين.

٥٣٠