كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153820 / تحميل: 5803
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

العراقية. تصنع في النجف النواعير الحديدية التي ترفع الماء من الأنهر بطريقة فنية لسقي المزارع ، وهذه تصرف في ضواحي النجف(١) .

وإن كانت النجف قد شهدت تدنياً في الزراعة والصناعة فانها ازدهرت ازدهاراً ملحوظاً في علاقاتها التجارية مع البلاد العربية ، وذلك بسبب موقعها الجغرافي ولتوسطها بين بادية الشام والجزيرة من جهة وبين بغداد والبصرة من جهة اخرى. فقديماً كان التجار القادمون من الشام والحجازيأتون ببضائعهم الى النجف ليجدوا أمامهم بضائع الهند القادمة من البصرة وبضائع البلاد الأخرى القادمة من بغداد.

وعن موقع النجف التجاري يقول الدكتور مصطفى جمال الدين : « تقع [ النجف ] بين الريف العراقي المنتشر على ضفاف الفرات ، وبين البادية الممتدة من العراق الى الحجاز ، وهي السوق المشتركة بين عشائر الريف وعشائر البادية ، فمنتوجات ( المشخاب ) و ( الشامية ) و ( العباسية ) و ( الكوفة ) وغيرها من الثمر ، والحنطة ، والشعير ، والرزّ ، تتجمع في ( خانات ) النجف لتُصدَّر بعد ذلك إلى بغداد ، والبصرة ، والموصل ، ومنتوجات البادية من ( القادسية ) و ( الحيرة ) من الغنم والصوف والوبر ، والسمن ، والجلود ، ترد الى ( مَناخة ) النجف لتصدَّر الى مناطق العراق الاخرى »(٢) .

وظلّت النجف على هذه الحال بالرغم من التطورات التي شهدتها في أوائل القرن العشرين من انهيار نظام الحكم العثماني واستبداله بالحكم البريطاني وما رافقه من تطور في شتى مرافق الحياة. فكان لابد من الاتصال بالعالم الجديد

__________________

١ - ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ٤٠٣.

٢ - مصطفى جمال الدين : الديوان ، ص ١٤.

٢١

والحضارة الجديدة ، وكان لابد من التطلع الى إنماء في الحياة الاقتصادية والاجتماعية واللحاق بالركب الحضاري الجديد. الاّ أن ذلك لم يحصل في النجف ولم يلق ترحيباً من قبل أبنائها ، وذلك لأنها كانت ولا تزال مدينة شديدة المحافظة والانغلاق ، وقد ساعد على تأصيل هذه الميزة فيها محيطها الضيق ، ومناخها الصحراوي القاسي ، ومركزها الديني الهام.

ويفصّل الدكتور مصطفى جمال الدين الحياة الاجتماعية في هذه المدينة المحافظة فيصفها بأنها ؛ « مدينة متحفظة أشدّ أنواع التحفّظ ، فالتزمّت هو السِمَةُ البارزة في المجتمع النجفي ، فلا يوجد في هذه المدينة ما كان يوجد في غيرها من المدن ، كالمسارح ، والنوادي ، والسينمات وأمثال ذلك ممّا يلهي الشباب عن دراستهم ، أو يُخرجهم عن تحفّظهم ، بل حتى ( المقاهي ) الصغيرة المبثوثة في بعض أنحاء المدينة - وهي خالية من كل شيء عدا الشاي ، والقهوة ، والنرجيلة ، وبعض المرطبات - يمتنع علينا ، نحن شباب الدراسات الدينية ، الجلوس فيها. وأذكر أنه لا يوجد فينا من يملك جهاز ( راديو ) مثلاً ، لذلك كنا في الأربعينات ننزوي في صالة جمعية ( الرابطة الأدبية ) لنستمع أخبار الحرب العالمية الثانية من ( الراديو ) الذي أهداه لها الملك غازي مع المكتبة الثمينة »(١) .

وبغضّ النظر عن السلبيات التي قد تبعثها مثل هذه البيئة المقيدة ، فإنّ الجانب الايجابي قد يطغى عليها في كثير من الأحيان. فقد عرف النجفي بصفات كريمة مثل حسن الضيافة وكرم الطبع وسخاء النفس التي اصبحت جزءاً من طبيعته لا يمكن له الفكاك عنها. وهذه صفات قلّما نجدها في المدن الكبرى. وكذلك اتصف النجفي - ولكثرة احتكاكه بالآخرين - بسرعة التعرف وقوة

__________________

١ - المصدر السابق ، ص ١٧.

٢٢

الامتزاج التي تحصل عادة من رحابة الصدر ، ودماثة الخلق المتصفة برقة الطبع وخفة الروح. وثمة خصيصة اخرى تجلّت وبوضوح في طبع النجفي وهي نخوته وفتوته وسرعة اجابته في النجدة. وقد انعكست هذه الظاهرة على حياته الاجتماعية وتجسدت في تعامله وسلوكه مع أبناء وطنه(١) .

والطريف أنّ مجتمعاً منغلقاً ومحافظاً كالنجف كان من أكثر المجتمعات انفتاحاً في تقبّله النقد السليم والفكرة السليمة ، ولعل ذلك يعود إلى عاملين ، كما يقول الدكتور مصطفى جمال الدين ، هما : القراءات المتنوعة للكتب والصحف والمجلات التي كانت ترد النجف من مختلف البلدان كمجلة العرفان والمقتطف والمقطم والهلال وغيرها من صحف العالم الاسلامي ، بالاضافة الى الصحف والمجلات التي كانت تنشر في النجف وثقافات الوافدين على النجف من مختلف الأقطار الاسلامية للتحصيل في مدارس النجف الدينية فقد ساعد هذان العاملان على بث روح المنطق والدرك المتقابل بالاضافة الى الجرأة والشجاعة في ابداء الرأي الصريح والنقد البنّاء مما يندر تحققه في المجتمعات المنغلقة والمتزمتة. والشواهد في هذا الصدد كثيرة ، أذكر على سبيل المثال موقف الشيخ صالح الجعفري(٢) الذي وجه نقداً لاذعاً لوفود المسلمين المجتمعين في مكة لاداء مناسك الحج ، مذكراً إيّاهم بصمود الزعيم الهندي ( غاندي ) في تحديه الاستعمار الذي قاد الى تحرير الهند. يقول مخاطباً :

قِفْ في ( مِنىً ) واهتفْ بمز

دحم القبائلِ والوفودِ

حُجّوا فلستم بالغين

بحجّكم شَرَفَ الهنودِ !

__________________

١ - للتوسع ينظر شعراء الغري ، ج ١٢ ، ص ٤٥٤ - ٤٨١.

٢ - صالح الجعفري ( ١٩٠٨ - ١٩٧٩ م ) أديب معروف وشاعر شهير. له ديوان شعر. ( شعراء الغري ، ج ٤ ، ص ٢٩٦ ).

٢٣

حَجُّوا الى استقلالهم

وَحَجَجتُم خوفَ الوعيد

وعبادة الأحرار أفـ

ـضلُ من إطاعاتِ العبيد !(١)

ولدى حديثنا عن الحياة الاجتماعية في النجف لابد أن نشير الى المرأة وموقعها الاجتماعي في هذه البيئة المحافظة. فالذي يتبادر الى الذهن للوهلة الاولى هو أنّ المرأة في المجتمع الاسلامي المحافظ ملتزمة بأحكام التشريع الاسلامي في حياتها الخاصة والعامة. ولعل المرأة النجفية اكثر نساء العراق التزاماً بأحكام الشريعة الاسلامية ، وذلك لرسوخ العقيدة الدينية في أوساط المجتمع النجفي وحرص أبنائه على توظيف الأحكام الإسلامية في شؤون الحياة كافّة.

كانت المرأة النجفية تشكل جزءاً من بيتها ، قلّما تختلط بغير ذويها الاّ في المناسبات الدينية والمآتم الحسينية التي تقيمها النساء ، أو في حفلات الأعراس. وكانت إذا أرادت الخروج من بيتها عند اقتضاء الحاجة لبست عباءة طويلة تستر تمام بدنها دون أن تُظهِر زينةً أو تحدِث إثارة. فهي تحرص على حجابها أشدّ الحرص وترى فيه سلامة دينها وكمال شخصيتها وتمام تربيتها وأخلاقها.

وحين ظهرت الدعوة إلى تعليم المرأة وإنشاء مدارس للبنات ، جوبهت في بادىء الأمر بمعارضة شديدة ورد فعلٍ عنيف من قِبَل الناس ، لأنهم كانوا يعتقدون بانّ خروج المرأة من بيتها وممارسة التعليم في الخارج يُبعدها عن القيم الأخلاقية السائدة والأعراف الاجتماعية الموروثة ممّا قد يؤدي في النهاية إلى

__________________

١ - مصطفى جمال الدين : الديوان ، ص ٢٣ ، ٢٤.

٢٤

فسادها وخروجها عن طريق العفّة والحياء.

ومع مرور الزمان انشق الناس في امر تعليم المرأة الى فريقين. فريق ايّد فكرة التعليم من خلال التمسك بالشريعة الاسلامية والمحافظة على الشؤون الدينية ، وفريق دعا الى التعليم من خلال تبرّج المرأة وسفورها. وقد لعب الشعراء دوراً هاماً في قيادة الفريقين. ففي النجف اهتم شعراؤها بفكرة التعليم من خلال محافظة المرأة على سترها وحجابها ، بينما راح بعض الشعراء كالرصافي والزهاوي يدعون الى فكرة التعليم من خلال تبرج المرأة وسفورها.

والجدير بالذكر انّ بعض علماء النجف أيّدوا مسألة تعليم المرأة وتحمسوا لهذه الفكرة شريطة أن تكون ضمن اطار التعاليم الاسلامية والأعراف الاجتماعية السائدة ، ومن اولئك الشيخ محمد رضا الشبيبي(١) الذي ضجّ من تفشي الجهل والخمول بين الفتيان والفتيات :

كم فتىً في العراقِ أضحى مُقلاًّ

من كمالٍ وكم فتاة مُقلَّه

ركسا في غيابة الجهل حتى

لم يسع جهلها المحيط وجهله

قد تربّى عن النهى مستقلاًّ

وتربت عن الحجا مستقلّه(٢)

وكذلك فعل الشيخ صالح الجعفري حين دعا الى تعليم المرأة ومناصرتها في إحقاق حقوقها المشروعة في المجتمع. يقول من قصيدة :

هذّبوها فانها بشر

لكمال الحياة تفتقر

__________________

١ - محمد رضا الشبيبي ( ١٨٨٧ - ١٩٦٥ م ) عالم أديب ، وسياسي وطني ، وشاعر معروف ، له ديوان شعر ومؤلفات في الدين والتاريخ والأدب. ( معجم رجال الفكر والأدب في النجف ، ج ٢ ، ص ٧١٨ ). [ بتصرف ].

٢ - ديوان الشبيبي ، ص ٥٥.

٢٥

النواميس بينكم شرع

فهي انثى وآخر ذكر

الكي تستحيل حامضة

في زوايا البيوت تدخر

كيف يعطي ثماره شجر

في الحصى والتراب منقبر

وأدوها وحقها غمطوا

ربي رحماك انّهم كفروا

زعموا انهم بها ربحوا

لا وعينيك إنهم خسروا

حواست جمع كن

أهملوها لو أنهم شعروا(١)

وقد تبارى غير واحد من الشعراء في هذا الشأن وطالبوا بتعليم المرأة واصلاح بعض النظم الاجتماعية. من بينهم الشاعر عبد المنعم الفرطوسي الذي راح ينتهز كل فرصة ليعلن ثورته على التقاليد السقيمة التي تجرّ البلاد والأمة الى الضياع والتهلكة :

أفيقوا يا بني وطني عجالا

فما يجدي الرقادُ النائمينا

وهبّوا فيه للاصلاح كيما

نراكم للتمدن ناهضينا

أليس ثقافة الجنسين فرضاً

تقوم به الرجال المصلحونا

وفي نور المعارف خير هادٍ

طريق يقتفيه السالكونا

جمالُ الشعب يوماً أن نراه

يسير الى الثقافة مستبينا

وانّ ثقافةَ الاحلام نورٌ

به يُهدى الشبابُ الواثبونا(٢)

وفي هذا الشأن أيضاً يقول الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي طالب بفتح مدرسة رسمية للبنات وذلك عام ١٩٢٩ م :

علّموها فقد كفاكم شنارا

وكفاها أن تحسب العلم عارا

__________________

١ - علي الخاقاني : شعراء الغري ، ج ٤ ، ص ٣١٣.

٢ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

٢٦

وكفانا من التقهقر أنّا

لم نعالج حتى الأمور الصغارا

هذه حالنا على حين كادت

أمم الغرب تسبق الأقدارا

أنجب الشرق جامداً يحسب المر

أة عاراً ، وأنجبت طيارا

تحكم ( البرلمان ) من أمم الدنيـ

ـا نساء تمثل الأقطارا

ونساء العراق تمنع أن تر

سم خطاً أو تقرأ الأسفارا(١)

وهكذا استمرت الدعوات والمطالبات ردحاً من الزمن حتى أصبح تعليم المرأة أمراً أساسياً ، وحقاً من حقوقها المشروعة ، وجزءاً لا يتجزأ من بناء المجتمع المتحضر الذي يصبو إلى الكمال والحياة الفضلى.

٣ - الحياة السياسية :

شهد العراق منذ مطلع القرن العشرين ثلاثة من أنظمة الحكم : الحكم العثماني ، والحكم الملكي ، والحكم الجمهوري. والذي يهمنا في هذا البحث هو تسليط الضوء على الأجواء السياسية التي مرّ بها العراق في كل من العهدين الملكي والجمهوري ، حيث الفترة التي عاشها الشاعر وتأثر بأحداثها وتقلباتها السياسية. وتمهيداً للبحث لابد من الاشارة الى الخلفيات التاريخية للأحداث التي أطاحت بالنظام العثماني وأقامت على أنقاضه حكماً ملكياً في العراق.

خضع العراق منذ عام ١٥٣٤ م للهيمنة العثمانية مدة تقارب الأربعمائة سنة. وقد استمرت هذه الهيمنة حتى عام ١٩١٨ م حين اندلعت نيران الحرب العالمية الاولى ودخل الأتراك طرفاً مواجهاً للأنجليز وحلفائهم. فانجرّ العراق دون أن

__________________

١ - ديوان الجواهري ، ج ١ ، ص ٤٦٢.

٢٧

يشاء الى مواجهة المستعمر الجديد الذي راح يقتطع جزءاً فجزءاً من أراضيه ليعلنها مستعمرة له. وقد انبرى علماء الشيعة في النجف لهذا الاحتلال السافر وعاضدوا الأتراك بالرغم من الاضطهاد العنصري والطائفي الذي أعمله العثمانيون بحق الشيعة ، الاّ أنّ علماء الدين رأوا في الغزو البريطاني خطراً اكبر يهدد الاسلام والأمة الاسلامية ، فافتوا بوجوب الدفاع عن بيضة الاسلام والوقوف بجانب الأتراك ضد المحتل الانجليزي(١) . فاشتركت جموع غفيرة من مجاهدي النجف مع الجيش العثماني بقيادة علماء الدين ، أمثال السيد محمد سعيد الحبوبي(٢) ؟ الذي قاد جيشاً جرّاراً الى جبهة ( الشعيبة ) بالبصرة ، حيث أبلى بلاءً حسناً في مجابهة المحتل الغاصب.

لكن الأتراك لم يحفظوا هذا الصنيع لأهل النجف ، بل راحوا يطاردون الفارّين من الخدمة العسكرية ، ويوسعون الأهالي ظلماً وتنكيلاً ، بالاضافة إلى أنّهم قرروا مصادرة محتويات « الخزائن » الموجودة في العتبة المقدسة للانفاق على شؤون الحرب ، واجبار الشباب على الخدمة في الجيش. فبدأوا بتفتيش البيوت ليلاً وتعرضوا للنساء بحجة انّ الرجال كانوا يختفون بزي النساء تهرباً من الجندية. فضاق النجفيون ذرعاً بهذه الأعمال الشنيعة ، وهبّوا غاضبين ضد الأتراك ، وقاتلوهم قتالاً عنيفاً حتى استتب لهم الحكم في نهاية الأمر(٣) .

وظل الأتراك مطاردين من قبل الناس حتى انحسر ظلهم عن العراق تماماً

__________________

١ - جعفر آل محبوبة : ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ٣٤١.

٢ - محمد سعيد الحبوبي ( ١٢٦٦ - ١٣٣٣ ه ) من علماء النجف المجتهدين ومن فحول الشعراء. له ديوان شعر وكتابات في الفقه والأصول. ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ١ ، ص ٣٨٧ ).

٣ - جعفر الدجيلي : موسوعة النجف الأشرف ، ج ٤ ، ص ٢٩٤.

٢٨

يوم اعلنت الهدنة في الأول من تشرين الثاني عام ١٩١٨ م(١) وهكذا تم تقويض السلطة العثمانية لتحل محلها سلطة الانجليز التي لم تكن هي الأخرى بأقل من سابقتها ظلماً وعدواناً.

وعن هذه الفترة الانتقالية التي عاشها العراق يذكر الشيخ محمد رضا الشبيبي في قصيدة له بعنوان « شكوى وعتاب » سياسة الأتراك التعسفية ضد العراق وأبنائه ، وما آلت اليه هذه السياسة من تفشي الجهل والفساد في أوساط المجتمع :

لا الجبن ثار فأطغانا ولا البخل

الثائر الحقد بالأقوام والدخل

لو كان مابهم جبناً لما انتقموا

وفي طريق بلوغ النقمة الأجل

السيف قرّب منا كل قاصية

لا المنطق الفصل من قوم ولا الجدل

ماذا نؤمل في ادراك غايتنا

من السياسة كلاّ إنها حيل

يا من يعز علينا أن نؤنبهم

في حيث لا ينفع التأنيب والعذل

جفوتمونا وقلتم : نحن ساستكم

مُنىً مطيتها الإخفاق والفشل

كم تنبذون لنا ذنباً فنعذركم

لقد تقطعت الأعذار والعلل

أما صفحنا عن الماضي لأعينكم

أما أديلت لكم أيامنا الأول

أما استجيشت كما شئتم كتائبنا

حتى تفايض منها السهل والجبل

أما مشت تذرع الدنيا أما انقطعت

بها المتايه والغيطان والسبل

أما أطاعوا أما برّوا أما عطفوا

أما احتفوا بمواليهم أما احتفلوا

بالله لا تجرحوا أكبادنا ودعوا

جراح ( برقة ) و ( البلقان ) تندمل

ويتابع الشاعر سرد ممارسات العثمانيين حتى يصل الى قومه فيتحدث

__________________

١ - عبد الرزاق الحسني : العراق قديماً وحديثاً ، ص ٣٠.

٢٩

عنهم قائلاً :

قوم من العرب وخز النحل حظهم

وحظ قوم سوانا الأري والعسل(١)

عند المغانم لا ندعى ، ويفدحنا

من المغارم ثقل ليس يحتمل

تأبى الحوادث إلاّ أن نملكم

ولا - ودين التآخي - ما بنا ملل

أين الرهين بأموال لنا ذهبت

ومن يُقيد بإخوان لنا قتلوا(٢)

إمّا شهيد معلَّى فوق مشنقة

أو موثق بحبال الأسر معتقل

يا من بظل بني عثمان قد نشأوا

أضحيتم ، انّ ظل القوم منتقل(٣)

وأخذ النفوذ البريطاني يتسع شيئاً فشيئاً في ربوع العراق بعد أن سقط الجنوب وتمت السيطرة على بغداد. أمّا النجف فبقيت بأيدي أهلها سنتين كاملتين لم يتدخل البريطانيون في شؤونها. الاّ انهم عمدوا بعدها إلى ارسال ( الكابتن مارشال ) حاكماً على النجف مع عدد من الحراس والجنود. وقد كان هذا الحاكم سيّء المعاملة ، شديد التنكيل بأهالي النجف ، لم يترك اسلوباً في العنف والاضطهاد الاّ اقترفه. مما حدا بالنجفيين الى التفكير في الدفاع عن بلدهم والتخلص من أسر المحتل. فألّفوا ( جمعية سرية ) باشراف ثلة من علماء الدين على رأسهم السيد محمد علي بحر العلوم والشيخ محمد جواد الجزائري(٤) وقد أسهمت هذه الجمعية مساهمة كبرى في إضرام نار الثورة وإشعال فتيلها ضد الغازي المحتل.

وفي ليلة يوم الثلاثاء الموافق ٦ جمادى الآخرة سنة ١٣٦٦ ه / ٩ آذار سنة ١٩١٨ م اجتمع عدد من ثوار الجمعية وقرروا القيام بعملية قتل الكابتن مارشال ،

__________________

١ - الأرْي : العسل. ( لسان العرب ، ج ١ ، ص ١٢٧ ).

٢ - يُقيد : من القَوَد بمعنى القصاص. ( لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٣٤٢ ).

٣ - ديوان الشبيبي ، ص ٢٧.

٤ - جعفر آل محبوبه : ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ٣٤٤.

٣٠

وتم لهم ما ارادوا. وعلى اثر هذا الحادث تحركت حكومة بغداد فأرسلت جيشاً جراراً يضم خمساً وأربعين ألف جندي يقوده ( الكابتن بلفور ). فطوق المدينة بالجنود ، وحفر الخنادق ، وقطع عنها الماء ، وحاصرها من جميع الجهات. فدارت بين الثوار وجنود المحتلين معارك طاحنة حصدت من الطرفين نفراً كثيراً.

واستمر الحصار على البلدة أكثر من أربعين يوماً ، وأشرف الأهلون على مجاعة ، فطالبوا السلطة بفك الحصار والعفو عن الثوار ، الاّ انّ السلطة المحتلة فرضت لفك الحصار شروطاً لم يجد النجفيون بُداً من تنفيذها. وبذلك تم للبريطانيين الغلبة فقبضوا على قادة الثورة واعدموا منهم عدداً ونفوا آخرين.

وعن هذه الثورة وما ترتب عليها من معطيات ثمينة يقول جعفر آل محبوبة : « ونستطيع أن نقول بلا مجازفة إنّ ثورة النجف هذه هي الخطوة الأولى للقضية العراقية والبذرة الوحيدة لنتاج الفكرة الفراتية واتجاهها نحو استقلال العراق. إذ النجف هو المركز الروحي والعاصمة الكبرى لعموم الشيعة وقد أعطت بموقفها هذا درساً شافياً ومنهجاً واضحاً نفعها في نيل مآربها وتحقيق رغائبها في فك شعبها من رق الاستعمار. ومما ساعد على ذلك أن فكرة الحرية والاستقلال وإحياء المجد العربي قد تغلغلت في الأدمغة ونضجت وشعر بها أكثر العراقيين فلذلك نجحت نجاحاً باهراً وتقدمت تقدماً غريباً »(١) .

وقد وصف الشيخ محمد جواد الجزائري(٢) ثورة النجف بقصيدة رائعة قال فيها :

مددنا بصائرنا لا العيونا

وفزنا غداة عشقنا المنونا

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٣٥٠.

٢ - محمد جواد الجزائري ( ١٢٩٨ - ١٣٧٨ ه ) عالم مجاهد ، وشاعر معروف. ( شعراء الغري ، ج ٧ ، ص ٣٥٠ ).

٣١

عشقنا المنون وهمنا بها

وعفنا أباطحنا والحجونا

وقمنا بها عزمات مضات

أبت أن نسيس الردى أو نلينا

هي الهمم الغر لم ترض بالسـ

ـماكين مهما استفزت قرينا(١)

رعينا بها سنة الهاشمي

نبي الدى ، والكتاب المبينا

وصنا كرامة شعب العراق

وكان لعلياه حصناً مصونا

وخضنا المعامع وهي الحمام

ندافع عن حوزة المسلمينا(٢)

وجحفل أعدائنا الانجليز

يملأ سهل الفلا والحزونا

إلى أن يقول :

وجزناكما شاء تلك الحزو

ن ننتظر الفتك حيناً فحينا

وأرجلنا طوع قيد الحديد

تسيل دماً يستفز الرصينا

ولم نلو للدهر جيد الذليل

وإن يكن الدهر حرباً زبوناً(٣)

وماضامنا الأسر في موقف

أطعنا عليه الرسول الأمينا

وما ضامنا ثقل ذاك الحديد

ونحن بحسن الثنا ظافرونا

ولم يُزْر بالحر غِلُّ اليدين

إذا ما قضى للعلاء الديونا(٤)

واستمر وهج الثورة في التأجج بالرغم من فشل ثورة النجف عام ١٩١٨. فكانت فكرة التحرر تأخذ مكانها يوماً بعد آخر في أذهان الناس. وبدأ العمل بالتمهيد لثورة عارمة تعم العراق كله ويشارك فيه الشعب بجميع شرائحه. ودائماً كانت النجف مركز انطلاق الثورة والفتيل الملتهب لجميع الانتفاضات.

__________________

١ - السماكان : نجمان نيّران. ( لسان العرب ، ج ٦ ، ص ٣٦٩ ).

٢ - المعامع : شدة الحرب. ( لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ١٤٤ ).

٣ - حرب زَبُون : تَزْبِنُ الناس أي تصدِمُهم وتدفعهم. ( لسان العرب ، ج ٦ ، ص ١٦ ).

٤ - ديوان الجزائري ، ص ١٦.

٣٢

والنجف كما وصفها المؤرخ عبد الرزاق الحسني : « كانت قذىً في عين السياسة البريطانية بسبب مركزها الديني الواسع النطاق ، وتأثير علمائها في جماهير الشعب ، فقد كانت أول بلدة أحسّت بثقل السلطة الأجنبية ، وأول مدينة عراقية فكرت بالتخلص من الاستعمار البريطاني ، بالنظر الى ما كانت قد تشبعت به من روح الحرية والنزوع الى الديمقراطية ، وبسبب ما كانت تلقاه من دروس متواصلة عن فلسفة نهضة الامام أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وبسبب كونها مهد العلماء ومركز الروحانية »(١) .

وبدأ التحرك السياسي للشعب بالمطالبة بحقوقه واستقلال بلاده وذلك عن طريق تنظيم المضابط والرسائل وارسالها الى سوريا والحجاز للنظر في الامر. الاّ أن ذلك لم يجد نفعاً ، فقررت الجهات العاملة في الحقل الوطني بمظاهرات سلمية تحت شعار الدين ، بمعنى أن تكون المناسبات الدينية وحفلات المولد النبوي اجتماعات سياسية لبحث القضية الوطنية والمطالبة بالحقوق المشروعة. واستمر هذا الغليان حتى كانت محاولة القبض على الزعماء السياسيين في بغداد في الثاني عشر من آب عام ١٩٢٠ م ، فتقرر القيام بالحركة المضادة(٢) .

وهكذا أخذ العمل السياسي ضد الانجليز يسير نحو التصعيد ، وبتوجيه من علماء الدين ، وخاصة بعد فتوى الامام محمد تقي الشيرازي التي جاء فيها : « المطالبة بالحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن ، ويجوز لهم التوسل بالقوة إذا امتنع الانجليز عن قبول مطالبهم »(٣) .

واندلعت الثورة العراقية الكبرى في الثلاثين من حزيران عام ١٩٢٠ والتي

__________________

١ - الثورة العراقية الكبرى ، ص ٦٩ ، ٧٠.

٢ - المصدر السابق ، ص ١٩٠.

٣ - عبد الصاحب الموسوي : حركة الشعر في النجف ، ص ٩٠.

٣٣

عرفت فيما بعد بثورة العشرين ، يقودها علماء الدين ورؤساء العشائر والزعماء السياسيون ومن خلفهم كافة شرائح المجتمع. وقد ساهم الشعراء والادباء وخاصة شعراء النجف مساهمة فعالة في إشعال لهب الثورة في أرجاء الوطن ، وتشجيع الأمة على المضي في ثورتها حتى النصر والظفر(١) .

ويعزو المؤرخ عبد الرزاق الحسني قيام ثورة العشرين الى عوامل خارجية وداخلية : فالمشروطية في ايران ( ١٩٠٥ م ) ، والانتفاضة الدستورية في تركية ( ١٩٠٨ م ) ، والثورة الحجازية عام ١٩١٦ م ، والوثبة المصرية في عام ١٩١٩ م ، وقيام الحكومة الفيصلية في الشام عام ١٩٢٠ م ، وعبث الحلفاء قبلئذ بالعهود التي قطعوها للعرب ، كانت كل هذه من المؤثرات الخارجية في الثورة العراقية. أمّا عواملها الداخلية فتكاد تنحصر بسوء الادارة المحتلة باضطهادها الشعب ، واحتياجات الجيش المحلية من جمع الطعام واستخدام وسائل النقل وتقييد التجوال والأسفار وتشغيل عمال المزارع في الجيش ، ومعاملة الناس بالخشونة ، وتولي العسكريين مهام رجال السياسة ورجال الادارة ، وسلب ثروة البلاد المعاشية(٢) .

وأدرك الانجليز خطورة الوضع وتفاقم الأزمة ، فعمدوا الى ضرب الثورة من الداخل عن طريق أساليب الغدر والخيانة وشراء الضمائر بالمال والمناصب. ولاشك ان عدم التكافؤ بين الطرفين في النواحي الاقتصادية والتكنيكية والعسكرية أدى إلى فشل الثورة - ان جاز لنا التعبير - لأن ثورة العشرين كما عبر عنها المؤرخ عبد الرزاق الحسني : « على الرغم من فشلها عسكرياً - نظراً الى

__________________

١ - محمد بحر العلوم : حصاد الأيام ، ص ٣٣٧.

٢ - الثورة العراقية الكبرى ، ص ١٣٤.

٣٤

التفوق البريطاني بما يملكه من أسلحة وجيش منظم وتجارب قتالية - اضافة الى عوامل الضعف في الحركات الوطنية العراقية ، قد نجحت سياسياً لايقاظها وعي الشعب بمختلف طبقاته وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما دفع بالانجليز الى اعطاء العراق حكماً شبه وطني بعد تأمين مصالحهم الرئيسية فيه »(١) .

وانتهت ثورة العشرين بعد مفاوضات طويلة استمرت بين الجانب الانجليزي وعلماء الدين الشيعة في النجف آلت في النهاية الى اقامة الحكم الوطني واختيار ملك عربي يحكم العراق. وقد وقع الأختيار على فيصل ابن الشريف حسين ليكون أول ملك للعراق وذلك في الثالث والعشرين من آب عام ١٩٢١ م(٢) .

الاّ ان الاضطرابات لم تخمد في عهد فيصل على الرغم من محاولاته إجراء الانتخابات وتشكيل المجلس التأسيسي ومن ثم المجلس النيابي ومجلس الوزراء بسبب الهيمنة البريطانيه على قرار العراق السياسي. فمنذ أن تسلَّم الملك الحكم وحتى وفاته في أيلول سنة ١٩٣٣ تم تشكيل عدة وزارات لم تدم سوى اشهر قلائل بسبب التدخل البريطاني في الشؤون الحكومية. وقد شهد العراق في العهد الفيصلي أحداثاً كبيرة يأتي في طليعتها انضمام العراق الى عصبة الامم سنة ١٩٣٢ م حيث انحسر ظل الانتداب - بالظاهر - ومنح العراق استقلاله(٣) .

وبعد وفاة الملك فيصل تُوّج نجله غازي ملكاً على العراق وذلك في الثامن

__________________

١ - المصدر السابق ، ص ٤٥٦.

٢ - مجلة الموسم : العددان ٩ - ١٠ ( ١٩٩١ م ) ، ص ١٨.

٣ - جعفر الدجيلي : موسوعة النجف الأشرف ، ج ٤ ، ص ٣٢٩.

٣٥

من أيلول سنة ١٩٣٣ م(١) . الاّ انّ هذا التتويج لم يلق ارتياحاً من قبل البريطانيين لما كانوا يعهدون في هذا الملك الشاب من تطلع نحو تحرر العراق الكامل من النفوذ الأجنبي.

وقد أكسبت طموحات الملك الشاب الوطنية والقومية التي جاءت منسجمة مع تطلعات الرأي العام العراقي ، تأثيراً شعبياً واسع النطاق ، ولكن من جانب آخر نال جفاء الانجليز وبعض الساسة العملاء الذين تضررت مصالحهم بسبب سياسة الملك الذي أراد ممارسة سلطاته الدستورية بصورة نظرية وواقعية(٢) .

وعندما أحست بريطانيا اصطدام مصالحها بسياسة الملك الوطنية والقومية حاولت التخلص منه بشتى الوسائل. وقد تسنى لها ذلك بمصرع الملك في حادث سير مدبر وذلك في الرابع من نسيان عام ١٩٣٩ م(٣) .

وبعد رحيل الملك غازي ، تُوّج نجله فيصل الثاني فأصبح ثالث ملك على العراق. ولصغر سنه تسلّم خاله الأمير عبد الاله مقاليد الحكم بالوصاية حتى سنة ١٩٥٣ م حيث تم تفويض السلطات الدستورية الى الملك.

وفي عهد الأمير عبد الاله عاش العراق فترة عسيرة من حياته. فقد كثرت فيها الاضطرابات وعلت صيحات الغضب الشعبي من جرّاء أساليب القمع والاضطهاد التي بلغت حداً لا يطاق. واستمرت هذه الحال حتى تم القضاء على الحكم الملكي في العراق وذلك في الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨ م بالثورة التي قادها عبد الكريم قاسم(٤) .

__________________

١ - لطفي جعفر فرج : الملك غازي ، ص ٦٣.

٢ - المصدر السابق ، ص ٢٧٧.

٣ - المصدر السابق.

٤ - عبد الرزاق محمّد أسود : موسوعة العراق السياسية ، ج ٤ ، ص ٤٣٤ ، ٤٣٥.

٣٦

انهى عبد الكريم قاسم بثورته سبعاً وثلاثين سنة من الحكم الملكي. وقد عوّل الشعب آمالاً كبيرة على هذه الثورة الاّ انها آلت في النهاية الى صراعات حادة واشتباكات عنيفة بين ضباط الثورة من جهة ، وبين الحركات السياسية التي ظهرت في عهد قاسم كحركة القوميين وحركة الشيوعيين من جهة اخرى. ولم يصمد عبد الكريم قاسم في سدّة الحكم سوى خمس سنين حيث تم القضاء عليه بانقلاب عسكري قام به عبد السلام عارف في الثامن من شباط عام ١٩٦٣ م(١) .

ولم يهدأ العراق بعد انقلاب عارف. فقد زج في دوامة من الانقلابات والصراعات العسكرية التي آلت في النهاية إلى مصرع عارف سنة ١٩٦٦ م وتسلّم أخيه عبد الرحمن عارف زمام السلطة. وقد بقي هذا الأخير في سدّة الحكم سنتين ثم اُجلي عن منصبه بعد أن تسلّم حزب البعث مقاليد الحكم في السابع عشر من تموز عام ١٩٦٨ م(٢) .

٤ - الحياة الثقافية :

احتلّت النجف مكانة علمية مرموقة ، وشهدت ازدهاراً ثقافياً متمّيزاً منذ أن حلَّ بها الشيخ الطوسي(٣) - في أواسط القرن الخامس الهجري - وأسس فيها جامعته الدينية الكبرى. ومن يومها ذاك أصبحت مدينة العلم التي يَؤمُّها الطلاب

__________________

١ - جمال مصطفى مردان : عبدالكريم قاسم ، البداية والسقوط ، ص ١٤٥.

٢ - عبدالوهاب الكيالي : موسوعة السياسة ، ج ٤ ، ص ٦٢.

٣ - أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ( ٣٨٥ - ٤٦٠ ه ). شيخ الطائفة الامامية وزعيم العلماء والمجتهدين. له مؤلفات كثيرة منها : « الاستبصار » و « التهذيب » في الحديث ، و « التبيان في تفسير القرآن » ، و « المبسوط » في الفقه ، و « العدة » في الاصول ، ومؤلفات اخرى في الرجال والكلام والعقائد. ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٢ ص ٨٥٣ ).

٣٧

من كل حدب وصوب ، ويتقاطر عليها الوافدون من شتى أقطار العالم. وهي اليوم لا تزال مركزاً هاماً للدراسات الاسلامية وخاصة في علوم الفقه ، والاصول ، والفلسفة الاسلامية ، وتفسير القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف ، وكل ما يتعلق بقضايا العقيدة الاسلامية ، وشؤون الفكر الاسلامي.

واستمرت الحركة العلمية في هذه المدينة وأخذت تنشط وتتطور بفضل الجهود التي بذلها الشيخ الطوسي في تنسيق العلوم الدينية ، وتأليف الكتب الدراسية المختصة بها ، وتهذيب رجال اكفّاء تكون لهم القدرة الكافية على تدريس هذه العلوم ونشرها في أوساط المجتمع الاسلامي. وكم حفظت هذه المدينة وعبر مسيرتها العلمية الطويلة من أسماء لعلماء ومفكرين عظام كان لهم الدور الأكبر في بث الوعي الاسلامي وإثراء المكتبة الاسلامية بجلائل الكتب والمؤلفات.

ولم تكن جامعة النجف تتقيد بمحل خاص للدراسة ، فكثيراً ما كانت العلوم الدينية تدرّس في غرف الصحن العلوي وإيواناته ، بالإضافة الى حلقات الدرس التي كانت تشكل في المساجد والجوامع الكثيرة المنتشرة هنا وهناك والتي اتخذ طلاب العلوم الدينية من بعضها مركزاً للبحث والتدريس. ومن اهم هذه المساجد : مسجد الخضراء(١) ومسجد الهندي(٢) ومسجد الشيخ الطوسي(٣) .

__________________

١ - من المساجد القديمة البعيدة العهد. موقعه شرقي الصحن بالقرب من الجهة الشمالية. لا يعرف وجه تسميته بالخضراء ويمكن أن يكون أُحدث مع الحضرة الشريفة فعرف بمسجد الحضرة ثم صحّف ، أو كانت فيه خضرة فعرف بها. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٠٢ ).

٢ - أسس هذا المسجد في أوائل القرن الثالث عشر الهجري ، وهو فخم البناء واسع الساحة ، يقع في آخر سوق البزّازين قبالة الصحن الشريف. وانمّا سُمّي بالهندي لانّه كان والسوق المجاور له لعائلة ثرية هندية كانت تقطن النجف. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١١٧ ).

٣ - من المساجد القديمة ، كان داراً للشيخ الطوسي وبعد وفاته أوصى أن يدفن بها وأن تجعل مسجداً من بعده. وهو اليوم من أشهر مساجد النجف ، ويقع في محلّة « المشراق » من الجهة الشمالية من الصحن العلوي. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٠٤ ، ١٠٥ ).

٣٨

ومع اتساع المدينة وازدياد الطلاب الوافدين عليها باتت الحاجة ملحة الى بناء المدارس الدينية والمعاهد العلمية فكانت اوّل مدرسة دينية تبنى في النجف هي مدرسة « المقداد السيوري(١) » التي يعود تأسيسها الى أوائل القرن التاسع الهجري. وقد تغيّر اسمها بعد ذلك واصبحت تُعرف بالمدرسة السليمية نسبةً إلى بانيها سليم خان(٢) .

وعلى مرّ السنين والأيام كثرت المدارس الدينية في النجف وأخذت تنتشر انتشاراً واسعاً في أنحاء المدينة(٣) . ومن أشهر المدارس الدينية التي حظت بشهرة واسعة ولا تزال قائمة الى يومنا هذا : مدرسة الشربياني(٤) ، ومدرسة الاخوند الخراساني(٥) ، ومدرسة السيد محمّد كاظم اليزدي(٦) ، ومدرسة السيد البروجردي(٧) .

__________________

١ - جمال الدين أبو عبد الله المقداد بن عبد الله الحلي السيوري المتوفى سنة ٨٢٦ ه فقيه متكلم ومحقق متتبع. من مؤلفاته : « تفسير مغمضات القرآن » ، و « تجويد البراعة في شرح تجريد البلاغة ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٢ ، ص ٦٩٨ ).

٢ - جعفر آل محبوبه : ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٢٥ ، ١٢٦.

٣ - للتوسع ينظر المصدر السابق ، ج ١ ص ١٢٤ - ١٤٦ ، ودليل النجف ، ص ٧٠ - ٧٤.

٤ - من المدارس المشهورة في النجف ، أسسها الشيخ محمّد المعروف بالفاضل الشربياني المتوفى سنة ١٣٢٤ ه ، وهو من مشاهير علماء النجف. أختط مدرسته قبل وفاته بأربع سنين ، ولا تزال قائمة يسكنها بعض أهل العلم. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٣٣ ).

٥ - هي في الأصل مجموعة من المباني الفسيحة تمَّ بناؤها سنة ١٣٢١ ه بأمر من الشيخ محمّد كاظم الخراساني صاحب « الكفاية في الاصول » المتوفى سنة ١٣٢٩ ه. وتعد مدرسة الاخوند من أهم المدارس الدينية في النجف. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٣٦ ).

٦ - من اكبر المدارس الدينية في النجف أسسها الزعيم الديني السيد محمّد كاظم اليزدي ( ١٢٤٧ - ١٣٣٧ ). كان ابتداء تأسيسها سنة ١٣٢٥ ه ، وتم بناؤها سنة ١٣٢٧ ه. تقع في محلة « الحويش » في الشارع الذي فيه مدرسة الفاضل الشربياني. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٣٩ ).

٧ - من المدارس الفخمة التي بنيت بابداع معماري وفن هندسي رائع. أسسها المرجع الديني السيد حسين البروجردي سنة ١٣٧٣ ه وقد انشئت فيها مكتبة عامرة حافلة بالكتب العلمية والمخطوطات القديمة. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٤٣ ).

٣٩

ولم تكن الدراسة الدينية حينها وكذلك هي الحال اليوم تسير وفق نظام معيّن ومنهج تعليمي منسق كما في المدارس الحديثة « اذ لم تكن لمدارسها صفوف مرتبة يتدرج فيها الطالب ولا كتب مخصوصة مقررة للتدريس يلزم التلميذ بقراءتها بل هناك كتب قديمة وحديثة من كل فن يقرأُها الطالب بحسب ما تستجيده فكرة الاساتذة البارعين وترغب اليه طباعه وطباعهم من حيث الاتقان والتدرج من سهل الى صعب(١) ».

واستعراضاً للطريقة المتبعة في التعليم بالمدارس الدينية ، فإنّ الطالب كان يمّر من خلال دراسته بثلاث مراحل هي :

١ - المقدمات : ويدرس الطالب في هذه المرحلة الصرف ، والنحو ، والبلاغة ، والمنطق ، وكذلك مقدمات الفقه واصوله. أمّا أهم المواد المقررة للتدريس في هذه المرحلة ، ففي الصرف والنحو « شرح قطر الندى » لابن هشام ، و « شرح ابن عقيل » على ألفية ابن مالك. وفي البلاغة « المختصر » و « المطول » للتفتازاني ، وكذلك « جواهر البلاغة » للسيد احمد الهاشمي. وفي المنطق « حاشية ملا عبد الله » ، و « المنطق » للشيخ محمّد رضا المظفر. وفي الفقه « تبصرة المتعلمين » للعلامة الحلي ، و « شرائع الاسلام » للمحقق الحلي. وفي اصول الفقه كتاب « المعالم » للحسن بن زين الدين المعروف بالشهيد الثاني ، وكتاب « اصول الفقه » للشيخ محمّد رضا المظفر.

والطالب في هذه المرحلة يقضي فترة غير محدودة تمتد الى عدة سنوات يهيء نفسه الى الدخول في المرحلة الثانية وهي مرحلة التخصص في الفقه والأصول.

__________________

١ - جعفر آل محبوبه : ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ٣٧٩.

٤٠

شرائطها التي منها الاعتماد على الحسّ دون الحدس. وهو شرط اتّفق عليه العلماء ، ومن المعلوم عدم تحقّق هذا الشَّرط ، لعدم تعاصر المعدِّل ( بالكسر ) والمعدَّل ( بالفتح ) غالباً.

والجواب أنَّه يشترط في الشهادة ، أن يكون المشهود به أمراً حسّياً أو تكون مبادئه قريبة من الحسّ وإن لم يكن بنفسه حسّياً ، وذلك مثل العدالة والشّجاعة فإنَّهما من الأُمور غير الحسيّة ، لكن مبادئها حسّية من قبيل الالتزام بالفرائض والنوافل ، والاجتناب عن اقتراف الكبائر في العدالة ، وقرع الأبطال في ميادين الحرب ، والاقدام على الأُمور الخطيرة بلا تريُّث واكتراث في الشجاعة.

وعلى ذلك فكما يمكن إحراز عدالة المعاصر بالمعاشرة ، اوبقيام القرائن والشَّواهد على عدالته ، أو شهرته وشياعه بين الناس ، على نحو يفيد الاطمئنان ، فكذلك يمكن إحراز عدالة الراوي غير المعاصر من الاشتهار والشياع والأمارات والقرائن المنقولة متواترة عصراً بعد عصر ، المفيدة للقطع واليقين أو الاطمئنان.

ولا شكَّ أنَّ الكشّي والنجاشي والشيخ ، بما أنَّهم كانوا يمارسون المحدِّثين والعلماء ـ بطبع الحال ـ كانوا واقفين على أحوال الرواة وخصوصيّاتهم ومكانتهم من حيث الوثاقة والضبط ، فلأجل تلك القرائن الواصلة اليهم من مشايخهم وأكابر عصرهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، شهدوا بوثاقة هؤلاء.

وهناك جواب آخر ؛ وهو أنَّ من المحتمل قويّاً أن تكون شهاداتهم في حق الرواة ، مستندة إلى السَّماع من شيوخهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، وكانت الطّبقة النهائيَّة معاشرة لهم ومخالطة إيّاهم.

وعلى ذلك ، لم يكن التَّعديل أو الجرح أمراً ارتجاليّاً ، بل كان مستنداً ، إمّا إلى القرائن المتواترة والشواهد القطعية المفيدة للعلم بعدالة الراوي أو

٤١

ضعفه ، أو إلى السَّماع من شيخ إلى شيخ آخر.

وهناك وجه ثالث ؛ وهو رجوعهم إلى الكتب المؤلفة في العصور المتقدّمة عليهم ، التي كان أصحابها معاصرين للرواة ومعاشرين لهم ، فإنَّ قسماً مهمّاً من مضامين الأصول الخمسة الرجاليّة ، وليدة تلك الكتب المؤلّفة في العصور المتقدّمة.

فتبيَّن أنَّ الأعلام المتقدّمين كانوا يعتمدون في تصريحاتهم بوثاقة الرَّجل ، على الحسّ دون الحدس وذلك بوجوه ثلاثة :

١ ـ الرجوع إلى الكتب التي كانت بأيديهم من علم الرجال التي ثبتت نسبتها إلى مؤلّفيها بالطّرق الصحيحة.

٢ ـ السَّماع من كابر عن كابر ومن ثقة عن ثقة.

٣ ـ الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب وهذا من أحسن الطّرق وأمتنها ، نظير علمنا بعدالة صاحب الحدائق وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم من المشايخ عن طريق الاستفاضة والاشتهار في كل جيل وعصر ، إلى أن يصل إلى زمان حياتهم وحينئذ نذعن بوثاقتهم وإن لم تصل الينا بسند خاصّ.

ويدلّ على ذلك ( أي استنادهم إلى الحسّ في التوثيق ) مانقلناه سالفاً عن الشيخ ، من أنّا وجدنا الطائفة ميَّزت الرجال الناقلة ، فوثّقت الثّقات وضعَّفت الضعفاء ، وفرَّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ـ إلى آخر ما ذكره.(١)

ولاجل أن يقف القارئ على أنَّ أكثر ما في الأُصول الخمسة الرجالية ـ لا جميعها ـ مستندة إلى شهادة من قبلهم من الاثبات في كتبهم في حق الرواة ،

__________________

١ ـ لاحظ عدة الأُصول : ١ / ٣٦٦.

٤٢

نذكر في المقام أسامي ثلّة من القدماء ، قد ألَّفوا في هذا المضمار ، ليقف القارئ على نماذج من الكتب الرجاليَّة المؤلَّفة قبل الأُصول الخمسة أو معها ولنكتف بالقليل عن الكثير.

١ ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( المتوفّى ٣٨١ هـ ) ، ترجمه النجاشي ( الرقم ١٠٤٩ ) وعدَّ من تصانيفه كتاب « المصابيح » في من روى عن النبي والأئمةعليهم‌السلام وله ايضاكتاب « المشيخة » ذكر فيه مشايخه في الرجال وهم يزيدون عن مائتي شيخ ، طبع في آخر « من لايحضره الفقيه »(١) .

٢ ـ الشيخ أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف بـ « ابن عبدون » ( بضم العين المهملة وسكون الباء الموحدة ) ، كما في رجال النجاشي ( الرقم ٢١١ ) وبـ « ابن الحاشر » كما في رجال الشيخ(٢) ، والمتوفّى سنة ٤٢٣ هـ وهو من مشايخ الشيخ الطوسي والنجاشي وله كتاب « الفهرس ». أشار إليه الشيخ الطوسي في الفهرس في ترجمة إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي(٣) .

٣ ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بـ « ابن عقدة » ( بضم العين المهملة وسكون القاف ، المولود سنة ٢٤٩ هـ والمتوفّى سنة ٣٣٣ هـ ) له كتاب « الرجال » وهو كتاب جمع فيه أسامي من روى عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام وله كتاب آخر في هذا المضمار جمع فيه أسماء الرواة عمن تقدم على الإمام الصّادق من الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام .(٤)

__________________

١ ـ ترجمة الشيخ في الرجال ، في الصفحة ٤٩٥ ، الرقم ٢٥ وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة ١٥٦ ، تحت الرقم ٦٩٥ ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة ١٨٤ ، تحت الرقم ٧٠٩.

٢ ـ رجال الشيخ : ٤٥٠ ، ترجمه الشيخ بـ « أحمد بن حمدون ».

٣ ـ الفهرس : ٤ ـ ٦ ، « الطبعة الأولى » ، تحت الرقم ٧ و « الطبعة الثانية » : ٢٧ ـ ٢٩.

٤ ـ ذكره الشيخ في الرجال : ٤٤ ، الرقم ٣٠ وفي الفهرس « الطبعة الأولى » ص ٢٨ ،

٤٣

٤ ـ أحمد بن علي العلويّ العقيقيّ ( المتوفى عام ٢٨٠ هـ ) له كتاب « تاريخ الرجال » وهو يروي عن أبيه ، عن إبراهيم بن هاشم القمي.(١)

٥ ـ أحمد بن محمّد الجوهري البغدادي ، ترجمه النجاشي ( الرقم ٢٠٧ ) والشيخ الطوسي(٢) وتوفّي سنة ٤٠١ هـ ، ومن تصانيفه « الاشتمال في معرفة الرجال ».

٦ ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمّد بن نوح ، ساكن البصرة له كتاب « الرجال الذين رووا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام »(٣) .

٧ ـ أحمد بن محمَّد القمي ( المتوفى سنة ٣٥٠ هـ ) ترجمه النجاشي ( الرقم ٢٢٣ ) ، له كتاب « الطبقات ».

٨ ـ أحمد بن محمَّد الكوفي ، ترجمه النجاشي ( الرقم ٢٣٦ ) وعدَّ من كتبه كتاب « الممدوحين والمذمومين »(٤) .

٩ ـ الحسن بن محبوب السرّاد ( بفتح السين المهملة وتشديد الراء ) أو الزرّاد ( المولود عام ١٤٩ هـ ، والمتوفّى عام ٢٢٤ هـ ) روى عن ستّين رجلاً من

__________________

تحت الرقم ٧٦ ، وفي « الطبعة الثانية » ص ٥٢ ، تحت الرقم ٨٦ ، وذكر في رجال النجاشي تحت الرقم ٢٣٣.

١ ـ ترجمه النجاشي في رجاله ، تحت الرقم ١٩٦ ، والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة ٢٤ ، تحت الرقم ٦٣ ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة ٤٨ ، تحت الرقم ٧٣ ، وفي الرجال في الصفحة ٤٥٣ ، الرقم ٩٠.

٢ ـ رجال الشيخ : ٤٤٩ ، الرقم ٦٤ ، والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة ٣٣ ، تحت الرقم ٨٩ ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة ٥٧ ، تحت الرقم ٩٩.

٣ ـ ترجمه الشيخ في رجاله : ٤٥٦ ، الرقم ١٠٨ وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة ٣٧ ، تحت الرقم ١٠٧ ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة ٦١ ، تحت الرقم ١١٧.

٤ ـ ذكره الشيخ في الرجال : ٤٥٤ ، وقال في الفهرس « الطبعة الأولى » بعد ترجمته في الصفحة ٢٩ ، تحت الرقم ٧٨ : « توفي سنة ٣٤٦ هـ » ويكون في « الطبعة الثانية » من الفهرس في الصفحة ٥٣ ، تحت الرقم ٨٨.

٤٤

اصحاب الصادقعليه‌السلام وله كتاب « المشيخة » وكتاب « معرفة رواة الأخبار »(١) .

١٠ ـ الفضل بن شاذان ، الّذي يُعدُّ من أئمّة علم الرجال وقد توفّي بعد سنة ٢٥٤ هـ ، وقيل ٢٦٠ هـ ، وكان من أصحاب الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام وتوفّي في أيام العسكريعليه‌السلام (٢) ينقل عنه العلاّمة في الخلاصة في القسم الّثاني في ترجمة « محمد بن سنان » ـ بعد قوله : والوجه عندي التوقّف فيما يرويه ـ « فإنَّ الفضل بن شاذان ـ رحمهما الله ـ قال في بعض كتبه : إنَّ من الكذّابين المشهورين ابن سنان »(٣) .

إلى غير ذلك من التآليف للقدماء في علم الرِّجال وقد جمع أسماءها وما يرجع اليها من الخصوصيّات ، المتتبع الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب أسماه « مصفى المقال في مصنّفي علم الرجال »(٤) .

والحاصل ، أنّ التتبّع في أحوال العلماء المتقدّمين ، يشرف الإنسان على الاذعان واليقين بأنَّ التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الأعلام الخمسة وغيرها ، يستند إمّا إلى الوجدان في الكتاب الثّابتة نسبته إلى مؤلّفه ، أو إلى النّقل والسّماع ، أو إلى الاستفاضة والاشتهار ، أو إلى طريق يقرب منها.

__________________

١ ـ راجع رجال الشيخ الطوسي : ٣٤٧ ، الرقم ٩ والصفحة ٣٧٢ ، الرقم ١١ والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة ٤٦ ، تحت الرقم ١٥١ ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة ٧٢ ، تحت الرقم ١٦٢.

٢ ـ ذكره النجاشي في رجاله تحت الرقم ٨٤٠ والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة ١٢٤ ، تحت الرقم ٥٥٢ ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة ١٥٠ ، تحت الرقم ٥٦٤ ، وفي الرجال في الصفحة ٤٢٠ ، الرقم ١ ، والصفحة ٤٣٤ ، الرقم ٢.

٣ ـ الخلاصة : ٢٥١ ، طبع النجف.

٤ ـ طبع الكتاب عام ١٣٧٨.

٤٥

السابع : التوثيق الإجمالي

إنَّ الغاية المُتوخّاة من علم الرجال ، هو تمييز الثِّقة عن غيره ، فلو كانت هذه هي الغاية منه ، فقد قام مؤلّف الكتب الأربعة بهذا العمل ، فوثَّقوا رجال أحاديثهم واسناد رواياتهم على وجه الاجمال دون التَّفصيل ، فلو كان التَّوثيق التفصيلي من نظراء النَّجاشي والشَّيخ وأضرابهما حجَّة ، فالتَّوثيق الاجمالي من الكليني والصَّدوق والشيخ أيضاً حجَّة ، فهؤلاء الأقطاب الثَّلاثة ، صحَّحوا رجال أحاديث كتبهم وصرَّحوا في ديباجتها بصحّة رواياتها.

يقول المحقّق الكاشاني في المقدّمة الثانية من مقدّمات كتابه « الوافي » في هذا الصَّدد ، ما هذا خلاصته(١) : « إنَّ أرباب الكتب الأربعة قد شهدوا على صحَّة الروايات الواردة فيها. قال الكليني في أوَّل كتابه في جواب من التمس منه التَّصنيف : « وقلت : إنَّك تحبُّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه مَنْ يُريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّي فرض الله وسنّة نبيّه إلى أن قالقدس‌سره : وقد يسَّر الله له الحمد تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخَّيت ». وقال الصَّدوق في ديباجة « الفقيه » : « إنّي لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أنَّه حجَّة فيما بيني وبين ربي ـ تقدَّس ذكره ـ ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المُعوَّل وإليها المرجع ». وذكر الشيخ في « العدّة » أنَّ جميع ما أورده في كتابيه ( التهذيب والاستبصار ) ، إنَّما أخذه من الأُصول المعتمد عليها.

والجواب : أنَّ هذه التَّصريحات أجنبيَّة عمّا نحن بصدده ، أعني وثاقة

__________________

١ ـ الوافي : ١ / ١١ ، المقدمة الثانية.

٤٦

رواة الكتب الأربعة.

أَمّا أوّلاً : فلأن المشايخ شهدوا بصحَّة روايات كتبهم ، لا بوثاقة رجال رواياتهم ، وبين الأمرين بون بعيد ، وتصحيح الروايات كما يمكن أن يكون مستنداً إلى إحراز وثاقة رواتها ، يمكن أن يكون مستنداً إلى القرائن المنفصلة التي صرّح بها المحقّق البهائي في « مشرق الشمسين » والفيض الكاشاني في « الوافي » ومع هذا كيف يمكن القول بأنَّ المشايخ شهدوا بوثاقة رواة أحاديث كتبهم؟ والظّاهر كما هو صريح كلام العَلَمين ، أنَّهم استندوا في التَّصحيح على القرائن لا على وثاقة الرواة ، ويدلّ على ذلك ما ذكره الفيض حول هذه الكلمات ، قالقدس‌سره بعد بيان اصطلاح المتأخّرين في تنويع الحديث المعتبر : « وسلك هذا المسلك العلاّمة الحلّيرحمه‌الله وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا ـ قدس الله أرواحهم ـ كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم ، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلِّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به ، والركون إليه (١) كوجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمةعليهم‌السلام (٢) وكتكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة ـ وأسانيد عديدة معتبرة (٣) وكوجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الّذين أجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ومحمَّد بن مسلم والفضيل بن يسار (٤) ، أو على تصحيح مايصحّ عنهم ، كصفوان بن يحيى ، ويونس بن عبد الرّحمن ، وأحمد بن محمَّد بن أبي نصر البزنطي (٥) ، أو العمل بروايتهم ، كعمار الساباطي ونظرائه (٦) وكاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فأثنوا على مؤلّفيها ، ككتاب عبيد الله الحلبي الّذي عرض على الصّادقعليه‌السلام وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكريعليه‌السلام (٧) وكأخذه من أحد الكتب التي شاع

٤٧

بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الإماميّة ، ككتاب الصَّلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب ابني سعيد ، وعليّ بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، والحسين بن عبيد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري إلى أن قال : فحكموا بصحَّة حديث بعض الرواة من غير الإماميّة كعليّ بن محمد بن رياح وغيره لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم ، وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الَّذين انعقد الاجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم إلى أن قال : فإن كانوا لا يعتمدون على شهادتهم بصحَّة كتبهم فلا يعتمدوا على شهادتهم وشهادة أمثالهم من الجرح والتعديل إلى أن قال : نعم ، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترَّجيح بينهما ، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعَّديل المنقولين عن المشايخ فيهم ونبني الحكم على ذلك كما اُشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح بقولهمعليهم‌السلام « فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما واصدقهما في الحديث » وهو أحد وجوه التّراجيح المنصوص عليها ، وهذا هو عمدة الأسباب الباعثة لنا على ذكر الأسانيد في هذا الكتاب »(١) .

وثانياً : سلَّمنا أنَّ منشأ حكمهم بصحَّتها هو الحكم بوثاقة رواتها ، لكن من أين نعلم أنَّهم استندوا في توثيقهم إلى الحسِّ ، إذ من البعيد أن يستندوا في توثيق هذا العدد الهائل من الرواة الواردة في هذه الكتب إلى الحسّ ، بل من المحتمل قويّاً ، أنَّهم استندوا إلى القرائن التي يستنبط وثاقتهم منها ، ومثله يكون حجَّة للمستنبط ولمن يكون مثله في حصول القرائن.

وثالثاً : نفترض كونهم مستندين في توثيق الرُّواة إلى الحسِّ ، ولكنَّ الأخذ بقولهم إنَّما يصحّ لو لم تظهر كثرة أخطائهم ، فإنَّ كثرتها تسقط قول

__________________

١ ـ الوافي : ١ / ١١ ـ ١٢ ، المقدمة الثانية.

٤٨

المخبر عن الحجّية في الإخبار عن حسٍّ أيضاً ، فكيف في الاخبار عن حدس. مثلاً إنَّ كثيراً من رواة الكافي ضعّفهم النجاشي والشيخ ، فمع هذه المعارضة الكثيرة يسقط قوله عن الحجّية. نعم ، إن كانت قليلة لكان لاعتبار قوله وجه. وإنَّ الشيخ قد ضعَّف كثيراً من رجال « التهذيب والاستبصار » في رجاله وفهرسه ، فكيف يمكن أن يعتمد على ذلك التَّصحيح.

فظهر أنَّه لا مناص عن القول بالحاجة إلى علم الرجال وملاحظة أسناد الروايات ، وأنَّ مثل هذه الشهادات لا تقوم مكان توثيق رواة تلك الكتب.

الثامن : شهادة المشايخ الثلاثة

إذا شهد المشايخ الثلاثة على صحَّة روايات كتبهم ، وأنَّها صادرة عن الأئمّة بالقرائن التي أشار إليه المحقّق الفيض ، فهل يمكن الاعتماد في هذا المورد على خبر العدل أو لا؟

الجواب : أنَّ خبر العدل وشهادته إنَّما يكون حجَّة إذا أخبر عن الشَّيء عن حسٍّ لا عن حدس ، والاخبار عنه بالحدس لا يكون حجَّة إلا على نفس المخبر ، ولا يعدو غيره إلا في موارد نادرة ، كالمفتي بالنّسبة إلى المستفتي. وإخبار هؤلاء عن الصُّدور إخبار عن حدس لا عن حسٍّ.

توضيح ذلك ؛ أنَّ احتمال الخلاف والوهم في كلام العادل ينشأ من أحد أمرين :

الأوّل : التعمُّد في الكذب وهو مرتفع بعدالته.

الثاني : احتمال الخطأ والاشتباه وهو مرتفع بالأصل العقلائي المسلَّم بينهم من أصالة عدم الخطأ والاشتباه ، لكن ذاك الأصل عند العقلاء مختصٌّ بما إذا أخبر بالشيء عن حسٍّ ، كما إذا أبصر وسمع ، لا ما إذا أخبر عنه عن حدس ، واحتمال الخطأ في الإبصار والسَّمع مرتفع بالأصل المسلَّم بين العقلاء ، وأمّا احتمال الخطأ في الحدس والانتقال من المقدّمة إلى النتيجة ،

٤٩

فليس هنا أصل يرفعه ، ولأجل ذلك لا يكون قول المحدس حجَّة الا لنفسه.

والمقام من هذا القبيل ، فإنَّ المشايخ لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم ، وتنطّق أئمّتهم بها ، وإنَّما انتقلوا إليه عن قرائن وشواهد جرَّتهم إلى الاطمئنان بالصّدور ، وهو إخبار عن الشيء بالحدس ، ولا يجري في مثله أصالة عدم الخطأ ولايكون حجَّة في حق الغير.

وإن شئت قلت : ليس الانتقال من تلك القرائن إلى صحَّة الروايات وصدورها أمراً يشترك فيه الجميع أو الأغلب من النّاس ، بل هو أمر تختلف فيه الأنظار بكثير ، فرُبَّ إنسان تورثه تلك القرائن اطمئناناً في مقابل إنسان آخر ، لا تفيده إلا الظنَّ الضعيف بالصحَّة والصدور ، فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لأغلب النّاس بصدور جميع روايات الكتب الأربعة التي يناهز عددها ثلاثين ألف حديث ، وليس الإخبار عن صحَّتها كالاخبار عن عدالة إنسان أو شجاعته ، فإنَّ لهما مبادئ خاصَّة معلومة ، يشترك في الانتقال عنها إلى ذينك الوصفين أغلب الناس أو جميعهم ، فيكون قول المخبر عنهما حجَّة وإن كان الإخبار عن حدس ، لأنَّه ينتهي إلى مبادئ محسوسة ، وهي ملموسة لكلّ من أراد أن يتفحَّص عن أحوال الإنسان. ولا يلحق به الإخبار عن صحِّة تلك الروايات ، مستنداً إلى تلك القرائن التي يختلف الناس في الانتقال عنها إلى الصحَّة إلى حدٍّ ربَّما لا تفيد لبعض الناس إلا الظّنَّ الضَّعيف. وليس كلُّ القرائن من قبيل وجود الحديث في كتاب عرض على الإمام ونظيره ، حتّى يقال إنَّها من القرائن الحسيّة ، بل أكثرها قرائن حدسية.

فان قلت : فلو كان إخبارهم عن صحَّة كتبهم حجَّة لأنفسهم دون غيرهم ، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها؟

قلت : إنَّ الفائدة لا تنحصر في العمل بها ، بل يكفي فيها كون هذا الإخبار باعثاً وحافزاً إلى تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد ، لعلَّه يقف

٥٠

أيضاً على مثل ما وقف عليه المؤلِّف وهو جزء علَّة لتحصيل الرُّكون لا تمامها.

ويشهد بذلك أنَّهم مع ذاك التَّصديق ، نقلوا الروايات بإسنادها حتّى يتدبَّر الآخرون في ما ينقلونه ويعملوا بما صحَّ لديهم ، ولو كانت شهادتهم على الصحَّة حجَّة على الكلّ ، لما كان وجه لتحمّل ذاك العبء الثقيل ، أعني نقل الروايات بإسنادها. كلّ ذلك يعرب عن أنَّ المرمى الوحيد في نقل تلك التصحيحات ، هو إقناع أنفسهم وإلفات الغير إليها حتّى يقوم بنفس ما قام به المؤلّفون ولعلَّه يحصِّل ما حصَّلوه.

٥١
٥٢

الفصل الثالث

المصادر الاولية لعلم الرجال

١ ـ الاصول الرجالية الثمانية.

٢ ـ رجال ابن الغضائري.

٥٣
٥٤

الاصول الرجالية الثمانية

* رجال الكشي.

* فهرس النجاشي.

* رجال الشيخ وفهرسه.

* رجال البرقي.

* رسالة أبي غالب الزراري.

* مشيخة الصدوق.

* مشيخة الشيخ الطوسي.

٥٥
٥٦

اهتم علماء الشيعة من عصر التابعين الى يومنا هذا بعلم الرجال ، فألفوا معاجم تتكفل لبيان أحوال الرواة وبيان وثاقتهم أو ضعفهم ، وأول تأليف ظهر لهم في أوائل النصف الثاني من القرن الاول هو كتاب « عبيد الله بن أبي رافع » كاتب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث دون أسماء الصحابة الذين شايعوا علياً وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفين والنهروان ، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع.

وألف عبدالله بن جبلة الكناني ( المتوفى عام ٢١٩ هـ ) وابن فضّال وابن محبوب وغيرهم في القرن الثاني الى أوائل القرن الثالث ، كتباً في هذا المضمار ، واستمر تدوين الرجال الى أواخر القرن الرابع.

ومن المأسوف عليه ، أنه لم تصل هذه الكتب الينا ، وانما الموجود عندنا ـ وهو الذي يعد اليوم اصول الكتب الرجالية(١) ـ ما دوّن في القرنين الرابع والخامس ، واليك بيان تلك الكتب والاصول التي عليها مدار علم الرجال ، واليك اسماؤها وأسماء مؤلفيها وبيان خصوصيات مؤلفاتهم.

__________________

١ ـ المعروف أن الاصول الرجالية اربعة أو خمسة بزيادة رجال البرقي ، لكن عدها ثمانية بلحاظ أن الجميع من تراث القدماء ، وان كان بينها تفاوت في الوزن والقيمة ، فلاحظ.

٥٧

١ ـ رجال الكشّي

هو تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشّي ، والكشّ ـ بالفتح والتشديد ـ بلد معروف على مراحل من سمرقند ، خرج منه كثير من مشايخنا وعلمائنا ، غير أن النجاشي ضبطه بضم الكاف ، ولكن الفاضل المهندس البرجندي ضبطه في كتابه المعروف « مساحة الارض والبلدان والاقاليم » بفتح الكاف وتشديد الشين ، وقال : « بلد من بلاد ما وراء النهر وهو ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ ».

وعلى كل تقدير ; فالكشي من عيون الثقات والعلماء والاثبات. قال النجاشي : « محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمرو ، كان ثقة عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً ، وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم. له كتاب الرجال ، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة »(١) .

وقال الشيخ في الفهرست : « ثقة بصير بالاخبار والرجال ، حسن الاعتقاد ، له كتاب الرجال »(٢) .

وقال في رجاله : « ثقة بصير بالرجال والأخبار ، مستقيم المذهب »(٣) .

وأما اُستاذه العيّاشي أبو النَّضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي ، فهو ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة قال لنا أبو جعفر الزاهد : أنفق أبو النَّضر على العلم والحديث تركة أبيه وسائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠١٨.

٢ ـ فهرس الشيخ « الطبعة الاولى » الصفحة ١٤١ ، الرقم ٦٠٤ ، و : « الطبعة الثانية » ، الصفحة ١٦٧ الرقم ٦١٥.

٣ ـ رجال الشيخ : ٤٩٧.

٥٨

مقابل أو قارئ أو معلِّق ، مملوءة من الناس(١) وله كتب تتجاوز على مائتين.

قد أسمى الكشّي كتابه الرجال بـ « معرفة الرجال » كما يظهر من الشّيخ في ترجمة أحمد بن داود بن سعيد الفزاري(٢) .

وربَّما يقال بأنه أسماه بـ « معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين » أو « معرفة الناقلين » فقط ، وقد كان هذا الكتاب موجوداً عند السيد ابن طاووس ، لأنه تصدّى بترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمِّه الى كتب أُخرى من الكتب الرجاليَّة وأسماه بـ « حلّ الاشكال في معرفة الرجال » وكان موجوداً عند الشهيد الثاني ، ولكن الموجود من كتاب الكشّي في هذه الاعصار ، هو الذي اختصره الشيخ مسقطاً منه الزوائد ، واسماه بـ « اختيار الرجال » ، وقد عدَّه الشيخ من جملة كتبه ، وعلى كل تقدير فهذا الكتاب طبع في الهند وغيره ، وطبع في النجف الاشرف وقد فهرس الناشر أسماء الرواة على ترتيب حروف المعجم. وقام اخيراً المتتبع المحقق الشيخ حسن المصطفوي بتحقيقه تحقيقاً رائعاً وفهرس له فهارس قيّمة ـ شكر الله مساعيه ـ.

كيفية تهذيب رجال الكشي

قال القهبائي : « إن الاصل كان في رجال العامة والخاصة فاختار منه الشيخ ، الخاصة »(٣) .

والّظاهر عدم تماميّته ، لأنه ذكر فيه جمعاً من العامة رووا عن ائمّتنا

__________________

١ ـ راجع رجال النجاشي : الرقم ٩٤٤.

٢ ـ ذكره في « ترتيب رجال الكشي » الذي رتب فيه « اختيار معرفة الرجال » للشيخ على حروف التهجي ، والكتاب غير مطبوع بعد ، والنسخة الموجودة بخط المؤلف عند المحقق التستري دام ظله.

٣ ـ راجع فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة ٣٤ ، الرقم ٩٠ ، و : « الطبعة الثانية » الصفحة ٥٨ ، الرقم ١٠٠.

٥٩

كمحمد بن اسحاق ، ومحمد بن المنكدر ، وعمرو بن خالد ، وعمرو بن جميع ، وعمرو بن قيس ، وحفص بن غياث ، والحسين بن علوان ، وعبد الملك بن جريج ، وقيس بن الربيع ، ومسعدة بن صدقة ، وعباد بن صهيب ، وأبي المقدام ، وكثير النوا ، ويوسف بن الحرث ، وعبد الله البرقي(١) .

والظاهر أن تنقيحه كان بصورة تجريده عن الهفوات والاشتباهات التي يظهر من النجاشي وجودها فيه.

ان الخصوصية التي تميز هذا الكتاب عن سائر ما ألف في هذا المضمار عبارة عن التركيز على نقل الروايات المربوطة بالرواة التي يقدر القارئ بالامعان فيها على تمييز الثقة عن الضعيف وقد ألفه على نهج الطبقات مبتدءاً بأصحاب الرسول والوصي الى أن يصل الى أصحاب الهادي والعسكريعليهما‌السلام ثم الى الذين يلونهم وهو بين الشيعة كطبقات ابن سعد بين السنة.

٢ ـ رجال النجاشي

هو تأليف الثبت البصير الشيخ أبي العباس(٢) أحمد بن علي بن أحمد بن العباس ، الشهير بالنجاسي ، وقد ترجم نفسه في نفس الكتاب وقال : « أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن النجاشي ، الذي ولي الاهواز وكتب الى أبي عبد اللهعليه‌السلام يسأله وكتب اليه رسالة عبد الله بن النجاشي المعروفة(٣) ولم ير لأبي عبداللهعليه‌السلام مصنَّف غيره.

__________________

١ ـ قاموس الرجال : ١ / ١٧.

٢ ـ يكنى بـ « أبي العباس » تارة وبـ « أبي الحسين » اخرى.

٣ ـ هذه الرسالة مروية في كشف الريبة ونقلها في الوسائل في كتاب التجارة ، لاحظ : الجزء ١٢ ، الباب ٤٩ من أبواب ما يكتسب به.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530